id
int64
1
2.4k
title
stringlengths
6
118
description
stringlengths
1
273
content
stringlengths
0
61k
url
stringlengths
43
248
image
stringlengths
77
252
datePublished
timestamp[s]
dateModified
timestamp[s]
section
stringclasses
14 values
2,201
الدولة المستقلة.. خداع وتضليل أميركي
هذه المرة تريد الإدارة الأميركية وضع العربة أمام الحصان، وتحاول استباق الأحداث، بهدف إنقاذ الكيان الصهيوني من ورطته، وتتويج الحرب بحل سياسي ثبَت فشله عبر مسيرة تسوية دامت أكثر من 30 عامًا.
في ظلّ اشتداد العدوان الإسرائيلي على غزة، خرج علينا الرئيس الأميركي جو بايدن بالدعوة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة حاول تسويقها خلال زياراته للمنطقة، والجولات المكوكية لوزير خارجيته أنتوني بلينكن. وقد استبق بايدن نهاية الحرب ليعلن هذا التوجه، على عكس ما جرى عام 1991 عندما تم الإعلان عن مؤتمر سلام إقليمي يشارك به العرب والكيان الصهيوني، وذلك بعد هزيمة العراق في الحرب التي شنها تحالف حشدته واشنطن ضده بعد احتلاله الكويتَ. هذه المرة تريد الإدارة الأميركية وضع العربة أمام الحصان، وتحاول استباق الأحداث، بهدف إنقاذ الكيان الصهيوني من ورطته، وتتويج الحرب بحل سياسي ثبَت فشله عبر مسيرة تسوية دامت أكثر من 30 عامًا، وقُوبل برفض من إسرائيل يهدف هذا الطرح إلى إحداث تغيير في أجواء التفاعل والتضامن في المنطقة العربية مع المقاومة الفلسطينية، وتحويل الاهتمام بها لدى الشعوب العربية إلى عنوان سياسي زائف، وكذلك تخفيف النقمة العارمة في الغرب وفي العالم على الكيان يأتي هذا التحرك الأميركي كمحاولة لاستعادة زمام المبادرة في المِنطقة، بعد أن ضرب طوفان الأقصى الإستراتيجية الأميركية بالتركيز على أولوية مواجهة الصين وروسيا، وتوكيل الكيان الصهيوني مهمةَ حفظ مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بعد خروجها منها. وقد أدى اهتزاز صورة الكيان بعد السابع من أكتوبرتشرين الأول، إلى خلخلة كبيرة في الإستراتيجية الأميركية التي سعت لإدماج الكيان في المنطقة العربية بعد تصفية القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى قضية هامشية، باستكمال عملية التطبيع والتحالف بين الدول العربية والكيان الصهيوني، التي ستتوج الكيان على رأس المنطقة بما يملكه من إمكانات تكنولوجية وقوة عسكرية وأمنية. ظهر الكيان الصهيوني بحالة عجز وضعف غير مسبوقة بتاريخه، وفقد صورته كجيش لا يقهر، وتخلخلت نظريته للردع، حيث بدا ضعيفًا مهزوزًا خائفًا، بشكل استدعى التدخل المباشر للولايات المتحدة لإنقاذه من ورطته، ومنع خصومه من انتهاز هذه الفرصة التاريخية للانقضاض عليه، فضلًا عن التخوف من ردود فعله غير الموزونة، التي قد تلحق به هزيمة أخرى لا تقل في سوئها عن هزيمة 7 أكتوبرتشرين الأول. لم يكن كافيًا بالنسبة لواشنطن أن تمد هذا الكيان بما يحتاجه من دعم عسكري وأمني وتوفير الغطاء السياسي لعدوانه، بل كان لا بد من ضمان استمرار دوره، وتجاوز الهزة التي وقع فيها من خلال طرح مشروع الدولة المستقلة، الذي يؤمّن إعادة إدماجه في المنطقة من خلال عملية التطبيع وما يتلوها، وهو الأمر الذي سيثبت الإستراتيجية الأميركية، ويتجاوز الضرر الذي لحق بها. وفي سبيل تحقيق ذلك، فلا بد من اختطاف انتصار المقاومة، وتأثيراته الإيجابية المحتملة على القضية والمنطقة، بما في ذلك إيجاد إجماع فلسطيني على برنامج سياسي قائم على برنامج المقاومة، ونبذ عملية التسوية التي فشلت في تحقيق أي إنجاز للشعب الفلسطيني، وتشكيل إشعاع في المنطقة يعزز آمال الشعوب بتحقيق حريتها والانعتاق من قيود حكامها، ويجمّد أو يوقف عملية التطبيع مع الكيان. كما هدفت المبادرة لتمكين سلطة فلسطينية متجددة وملتحقة بإسرائيل تحت عنوان زائف غير واقعي، ووعد غير قابل للتحقق، في ظل الموقف الإسرائيلي الذي يرفض بمختلف تياراته القبول بالدولة المستقلة حتى ولو كانت منزوعة السلاح كما وصفها بايدن. كما يهدف هذا الطرح إلى إحداث تغيير في أجواء التفاعل والتضامن في المنطقة العربية مع المقاومة الفلسطينية، وتحويل الاهتمام بها لدى الشعوب العربية إلى عنوان سياسي زائف، وكذلك تخفيف النقمة العارمة في الغرب وفي العالم على الكيان، بإشغال المنطقة بعملية سياسية تستهلك جهودها وتعلّقها بأمل زائف ثبت بالتجربة أنه غير قابل للتحقيق. هذا يسوقنا لموقف حكومة المتطرفين الإسرائيلية التي عبرت وبعناد عن رفض هذه الدولة ومعاندة أميركا التي تريد انتشالها من هزيمتها، وهي بذلك تشبه الحيوان الثائر الذي يتفلت من راعيه، ويصر على أن ينطح الحائط بقرنيه ليتسبب بتكسير رأسه الأخطر من هذا، أن حكومة بايدن تريد أن تصرف الانتباه عن الاحتلال والعدوان الهمجي الإسرائيلي، بجر السلطة الفلسطينية والدول العربية والقفز إلى ملهاة الدولة المستقلة، تمهيدًا للأخطر، وهو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وذلك على الرغم من أنها وفرت الدعم الكامل لاستمرار العدوان، وأكدت على حق الكيان فيما أسمته الدفاع عن نفسه، ورفضت بإصرار الدعوات لوقف إطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة. صحيح أن إدارة ترامب السابقة التي سوَّقت لصفقة القرن، ولم تتحدث عن الدولة المستقلة وركزت على السلام الاقتصادي، إلا أن مسعى إدارة بايدن لا يختلف في منتجه النهائي عن صفقة القرن، وهو التطبيع والسلام الاقتصادي، والتمكين للكيان لقيادة المنطقة. كما يسعى بايدن لإنجاز تطبيع في المنطقة يقدمه كإنجاز لإدارته على أبواب انتخابات الرئاسة الأميركية، وذلك لتعويض خسائره الانتخابية أمام منافسه ترامب، ومواجهة انتقادات التيار اليساري في حزبه؛ بسبب انحيازه الصارخ للكيان، وعدم ممارسة ضغوط حقيقية عليه لوقف استهداف المدنيين في غزة. أعلنت منظمة التحرير قيام الدولة الفلسطينية عام 1988 على الأراضي المحتلة عام 1967، وقد كان إعلانًا شكليًا؛ لأن الفلسطينيين لا يسيطرون على هذه الأرض، ولكن اتفاقيات أوسلو عام 1993 حدّدت سقفًا زمنيًا للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة عام 1999، بعد اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل، ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن كما عَرضَ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، في مفاوضات كامب ديفيد عام 2001 في عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إقامة دولة منزوعة السيادة والسلاح، وبدون سيطرة على الموارد الطبيعية والأجواء والبحر، على أن يتنازل الفلسطينيون عن القدس، وهو ما رفضه الرئيس الراحل ياسر عرفات، وكان سببًا في اغتياله عام 2004. كما فشلت اللجنة الرباعية -التي كانت تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة في تحقيق وعد الدولة حتى بعد توقف انتفاضة 2000، لتستمر إسرائيل بقضم الأراضي وتهويد القدس، وليتضاعف عدد المستوطنين ويقفز من 115 ألفًا عام 1993 إلى 750 ألفًا عام 2023. ولذلك، فإن الحقيقة السياسية الأساسية لدى الكيان، هي أنه لا يوجد أي حكومة في الكيان تقبل بدولة فلسطينية مستقلة، وهذه الحكومة هي الأشد في رفضها. حاول بايدن إلزام نتنياهو بالدولة المستقلة، حينما قال إن الدولة الفلسطينية بوجود نتنياهو ليست مستحيلة، وإنه معجب بفكرة الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. ولكن نتنياهو سارع لتكذيبه والتأكيد على تمسكه بموقفه، وأعلن أنه يرفض التنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كامل المنطقة الواقعة غرب الأردن،وهذا يتعارض مع الدولة الفلسطينية. ويأتي هذا مع النزوع المتزايد لنتنياهو إلى الكهانيّة التي يمثلها المتطرفان بن غفير، وسموتريتش، والتي تؤمن بأن لإسرائيل الحق في كل ما يقع بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وعدم التخلي عن أي جزء منها، وأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية -حتى وإن كانت بلا سيادة حقيقية- هو خطر على إسرائيل. لذلك تشن هذه الحكومة حرب إبادةٍ جماعية وتطهيرٍ عرقي لتثبيت هُوية الكيان، وإلغاء الهُوية الفلسطينية؛ لأنها لا ترى شعبًا موجودًا بجانبها، وتسعى لتهجيره إلى خارج فلسطين التاريخية. عبر الكاتب ليان فولك ديفيد عن حقيقة المواقف الإسرائيلية من الدولة المستقلة في مقال له في هآرتس في 6 فبراير شباط 2024، عندما قال إنه بإمكان حكومة نتنياهو الإجابة بالإيجاب عن الخطاب البنّاء في المبادرة الأميركية. كل الأطراف تدرك أن إقامة الدولة الفلسطينية، أمر غير عملي في المدى المنظور. لذلك فإنّه لا يوجد أي سبب يمنع إسرائيل من أن تدفع بالتصريح بأنها لا تعارض حلَّا لدولتين، إذا كانت الظروف مناسبة في المستقبل. يجب على الحكومة التوضيح للعالم بأنها لا ترغب في السيطرة على القطاع، وأن عليها أن تستثمر بشكل فعّال في بناء بديل مدني لحماس. هذه السياسة الخارجية هي أولًا وقبل أي شيء آخر مصلحة أمنية لإسرائيل. كل يوم تستمر فيه إسرائيل في قول لا فإن الزخم السياسي والأمني الذي نشأ بعد 7 أكتوبر لا يتآكل فحسب، بل يتم تحطيمه أيضًا. مع هذه الحقيقة، فإن ما تقوم به واشنطن هو نفاق وتضليل وكذب، ومحاولة للتلاعب بالألفاظ للتغطية على دعمها اللامحدود للكيان في حربه على غزة. كما أنه يعتبر محاولة للتغطية على فشلها في التعامل مع رجل متمسك بالسلطة ورضوخها للوبي اليهودي، رغم أنها سبق أن تحدّثت عن خلافات شديدة مع نتنياهو حول ما بعد الحرب والتخفيف من استهداف المدنيين في هذا السياق، تأتي دعوة السيناتور الأميركيّ بيرني ساندرز، الرئيسَ بايدن لرفض سياسات حكومة نتنياهو اليمينية بشكل واضح، ودعوة الكونغرس للتحرك، وعدم توفير المزيد من المساعدات العسكرية الأميركيّة لحكومة نتنياهو، وهو ما لم تقمْ به أي إدارة أميركية سابقة. إن طرح إدارة بايدن للدولة المستقلة يأتي في إطار الترتيب لليوم التالي للحرب، والذي يقوم أساسًا على إطلاق يد الاحتلال في قتل وتشريد الفلسطينيين، ومحاولة القضاء على مقاومتهم أو دفعهم للاستسلام وفرض خيارات سياسية عليهم بسلطة لها مواصفات تتماهى مع أهداف الاحتلال، ثم يمكنها من كيان هزيل يؤدي إلى إنهاء القضية وفتح الباب على مصراعيه لتحالفات عربية مع الكيان تحت ستار التطبيع. وفي غمرة ذلك، برز موقف لافت للمملكة العربية السعودية يطالب بوقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من غزة قبل الحديث عن دولة مستقلة وتطبيع، وهذا الموقف موجه بالأساس لحكومة نتنياهو، ورسالة لإدارة بايدن أن أي حل سياسي يجب أن يسبقه وقف الحرب. كانت الخارجية الأميركية قالت في بيان إن واشنطن حصلت على التزام من دول في المنطقة بمشاركتها في إعمار غزة بعد نهاية الحرب إذا كان هناك مسار حقيقي لقيام دولة فلسطينية. إنّ استمرار فشل الدول العربية في اتخاذ موقف حاسم ضد الكيان، مثل قطع العلاقات ووقف التطبيع، أو اتخاذ إجراءات اقتصادية رادعة ضد الولايات المتحدة والدول الأوروبية الداعمة للاحتلال، هو ما يشجع الإدارة الأميركية للاستمرار في منهجها المعادي للشعب الفلسطيني، واستمرار التسويق لمهزلة الدولة المستقلة الذي يجب عدم التساوق معه كغطاء للعدوان، وستظل هناك مسؤولية قومية لوقف العدوان والانسحاب الإسرائيلي من غزة، وتوفير الدعم للشعب الفلسطيني لإعادة الإعمار، ودعمه في كل المجالات لتمكينه من استعادة وطنه المحتل، ودعم مقاومته في سبيل تحصيل حقوقه. إن استمرار الحديث عن الدولة الفلسطينية فيما تستمر الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، ويستمر الرفض الإسرائيلي الصارم حتى لدولة فلسطينية منزوعة السلاح، هو ملهاة وخداع وامتهان لعقول الفلسطينيين والعرب، واستهتار بدماء الفلسطينيين. ثم إن محاولة فرض الخيارات على الشعب الفلسطيني، وفرض سلطة محددة وتسليمها الدولة الموعودة، لن تحظى بالنجاح ما دامت المقاومة مستمرة، وما دام الفلسطينيون متمسّكين بخياراتهم الذاتية وسعيهم للتوافق على برنامج وطني فلسطيني تجتمع عليه قواهم الوطنية بعيدًا عن وصاية الاحتلال أو أميركا أو أي وصاية أخرى. وهكذا، فإن مشروع الدولة الفلسطينية لن يكتب له النجاح سواء بالرفض الإسرائيلي أو بعدم تلبيته تطلعات الفلسطينيين بالصيغة التي تطرحها واشنطن. وكما نجح طوفان الأقصى في إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، فإن استمرار المقاومة وصمودها على أرضها، والتفاف الشعب الفلسطيني حولها، سيمكّن الفلسطينيين في النهاية من تقرير مصيرهم بأنفسهم والوصول لتحرير أرضهم، طال الزمن أم قصر. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/14/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d9%84%d8%a9-%d8%ae%d8%af%d8%a7%d8%b9-%d9%88%d8%aa%d8%b6%d9%84%d9%8a%d9%84-%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-14T05:29:13
2024-02-14T05:30:25
مقالات
2,202
في رثاء عَمرو
كانت رفح كابوسًا. كان الفلسطينيون اليائسون يعيشون في العراء وفي الشوارع. كان هناك القليل من الطعام . نامت العائلة في سيارتهم. كان الجو باردًا وممطرًا. لم يكن لديهم بطانيات. لقد بحثوا بيأس عن خيمة.
قتل أكثر من 13000 طفل في غزة. كان عمرو عبدالله واحدًا منهم. في الصباح الذي قُتل فيه عمرو عبدالله، استيقظ قبل الفجر ليصلّي صلواته الرمضانية مع والده وأمّه وشقيقيه وعمته، في حقل مفتوح في جنوب غزة. صلوا إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين. كان الظلام. لقد عادوا إلى خيامهم. اختفت حياتهم القديمة قريتهم، القرارة، ومنزلهم الذي بُني بالمال الذي ادّخره والد عمرو خلال الثلاثين عامًا التي عمل فيها في الخليج وبساتينهم ومدرستهم والمسجد المحلي والمتحف الثقافي للمدينة مع القطع الأثرية التي يعود تاريخها إلى 4000 سنة قبل الميلاد. انفجرت وصارت أنقاضًا. كان عمرو 17 عامًا- سيتخرّج في المدرسة الثانوية هذا العام. تم إغلاق المدارس في نوفمبرتشرين الأول. كان سيذهب إلى الكلية، ربما ليكون مهندسًا مثل والده، الذي كان قائدًا مجتمعيًا بارزًا. كان عمرو طالبًا موهوبًا. الآن عاش في خيمة في منطقة آمنة محددة، كما عرف هو وعائلته بالفعل، لم تكن آمنة. تم قصفها بشكل متكرر من قبل الإسرائيليين. كان الجو باردًا وممطرًا. تجمعت العائلة معًا للتدفئة. وهم يتضورون جوعًا. يقول لي عمه عبدالباسط عبدالله، الذي يعيش في نيوجيرسي عندما تقول؛ عمرو يبدو الأمر كما لو كنت تتحدث عن القمر. كان الشخص المميز والوسيم والرائع واللطيف. بدأت الهجمات الإسرائيليَّة في شمال غزة. ثم اتجهت جنوبًا. في صباح يوم الجمعة 1 ديسمبركانون الأول، أسقطت الطائرات بدون طيار الإسرائيلية منشورات فوق قرية عمرو. وجاء في المنشورات إلى سكان القرارة وخربة الخزاعة وعبسان وبني سهيلة. يجب عليكم الإخلاء على الفور والذهاب إلى الملاجئ في منطقة رفح. مدينة خان يونس هي منطقة قتال خطيرة. لقد تم تحذيركم. موقّع من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي. تعيش العائلات في غزة معًا. أجيال كاملة. هذا هو السبب في مقتل العشرات من أفراد الأسرة في غارة جوية واحدة. نشأ عمرو محاطًا بالأعمام والعمات وأبناء العم. أصيب القرويون بالذعر. بدأ البعض في حزم أمتعتهم. رفض البعض المغادرة. كان أحد أعمام عمرو مصرًا، أن يبقى بينما تذهب العائلة إلى المنطقة الآمنة. كان ابنه طبيبًا في مستشفى ناصر. غادر ابن عم عمرو المستشفى ليناشد والده المغادرة. بعد لحظات من فراره هو ووالده، تم قصف شارعهما. انتقل عمرو وعائلته للعيش مع أقاربه في خان يونس. بعد بضعة أيام، تم إسقاط المزيد من المنشورات. طلب من الجميع الذهاب إلى رفح. فرت عائلة عمرو، التي انضم إليها أقارب من خان يونس، إلى رفح. كانت رفح كابوسًا. كان الفلسطينيون اليائسون يعيشون في العراء، وفي الشوارع. كان هناك القليل من الطعام والماء. نامت العائلة في سيارتهم. كان الجو باردًا وممطرًا. لم يكن لديهم بطانيات. لقد بحثوا بيأس عن خيمة. لم تكن هناك خيام. وجدوا قطعة قديمة من البلاستيك، قاموا بإرفاقها بالجزء الخلفي من السيارة لصنع منطقة محمية. لم يكن هناك حمامات. قضى الناس حاجتهم على جانب الطريق. لقد تم تشريدهم مرتين في غضون أسبوع. أصيب والد عمرو، الذي يعاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، بالمرض. أخذته العائلة إلى المستشفى الأوروبي بالقرب من خان يونس. أخبره الطبيب بأنه مريض؛ لأنه لم يكن يأكل بما فيه الكفاية. قال له الطبيب لا يمكننا التعامل مع وضعك. هناك المزيد من الحالات الحرجة. يقول عبدالله عن أخيه الأكبر كان لديه منزل جميل. الآن هو بلا مأوى. كان يعرف الجميع في مسقط رأسه. يعيش الآن في الشارع مع حشود من الغرباء. لا أحد لديه ما يكفي من الطعام. لا توجد مياه نظيفة. لا توجد مرافق أو حمامات مناسبة. قررت العائلة الانتقال مرة أخرى إلى المواصي، التي حددتها إسرائيل منطقة إنسانية. سيكونون على الأقل في أرض مفتوحة، بعضها ينتمي إلى عائلاتهم. تضم المنطقة الساحلية، المليئة بالكثبان الرملية، الآن حوالي 380000 فلسطيني نازح. وعد الإسرائيليون بتسليم المساعدات الإنسانية الدولية إلى المواصي، التي وصل القليل منها. يجب نقل المياه بالشاحنات. لا توجد كهرباء. أصابت الطائرات الحربية الإسرائيلية مجمعًا سكنيًا في المواصي في ينايرتشرين الأول، حيث تم إيواء الفرق الطبية وعائلاتهم من لجنة الإنقاذ الدولية والمساعدات الطبية للفلسطينيين. أصيب العديد منهم. أطلقت دبابة إسرائيلية النار على منزل في المواصي حيث كان موظفون من أطباء بلا حدود وعائلاتهم يحتمون في فبرايرشباط، مما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة ستة. أقامت عائلة عمرو خيمتين مؤقتتين بأوراق شجرة النخيل وألواح من البلاستيك. حلقت الطائرات الإسرائيلية بدون طيار في الأعلى ليلًا ونهارًا. في اليوم السابق لمقتله، تمكن عمرو من إجراء اتصال هاتفي غالبًا ما يتم قطع الاتصالات السلكية واللاسلكية للتحدث إلى أخته في كندا. قدمت شركة هلا المصرية، التي تعني مرحبًا باللغة العربية، تصاريح سفر لسكان غزة لدخول مصر مقابل 350 دولارًا، قبل الهجوم الإسرائيلي. منذ بدء الإبادة الجماعية، رفعت الشركة السعر إلى 5000 دولار لشخص بالغ و2500 دولار للطفل. في بعض الأحيان فرضت ما يصل إلى 10000 دولار للحصول على تصريح سفر. لدى هلا مكاتب في القاهرة ورفح. بمجرد دفع المال تقبل هلا فقط الدولار الأميركي يتم تقديم اسم مقدم الطلب إلى السلطات المصرية. قد يستغرق الأمر أسابيع للحصول على تصريح. سيكلف إخراج عائلة عمرو من غزة حوالي 25000 دولار، ضعف ذلك إذا شملت عمته الأرملة وثلاثة من أبناء عمومته. لم يكن هذا مبلغًا يمكن لأقارب عمرو في الخارج جمعه بسرعة. لقد قاموا بتدشين صفحة GoFundMe. ما زالوا يحاولون جمع ما يكفي من المال. بمجرد وصول الفلسطينيين إلى مصر، تنتهي صلاحية التصاريح في غضون شهر. يعيش معظم اللاجئين الفلسطينيين في مصر على الأموال المرسلة إليهم من الخارج. استيقظ عمرو في الظلام. كانت أول جمعة من شهر رمضان. انضم إلى عائلته في صلاة الفجر. كانت الساعة 5 صباحًا. يصوم المسلمون في النهار خلال شهر رمضان. يأكلون ويشربون بمجرد غروب الشمس وقبل الفجر بوقت قصير. لكن الطعام كان قليلًا جدًا. القليل من زيت الزيتون. زعتر التوابل. لم يكن كثيرًا. عادوا إلى خيامهم بعد الصلاة. كان عمرو في الخيمة مع عمته وثلاثة من أبناء عمومته. انفجرت قذيفة بالقرب من الخيمة. مزقت الشظايا ساق عمّته وأصابت أبناء عمومته بجروح خطيرة. حاول عمرو بشكل محموم مساعدتهم. انفجرت قذيفة ثانية. مزقت الشظايا معدة عمرو وخرجت من ظهره. وقف عمرو. خرج من الخيمة. انهار. ركض أبناء عمومته كبار السن نحوه. كان لديهم ما يكفي من البنزين في سيارتهم الوقود في نقص كبير لنقل عمرو إلى مستشفى ناصر، على بعد ثلاثة أميال. عمرو، هل أنت بخير؟ سأله أبناء عمومته. نعم، وهو يئن. عمرو، هل أنت مستيقظ؟ سألوا بعد بضع دقائق.. همس نعم. رفعوه من السيارة. حملوه إلى ممرات المستشفى المكتظة. وضعوه في الأسفل. مات. حملوا جثة عمرو مرة أخرى إلى السيارة. قادوا سيارتهم إلى مخيم العائلة. يُظهر لي عم عمرو مقطع فيديو لوالدة عمرو وهي تحتضن جثته. ابني، ابني، ابني الحبيب، تبكي في الفيديو، يدها اليسرى تمسح وجهه بحنان. لا أعرف ماذا سأفعل بدونك. دفنوا عمرًا في قبر مؤقت. في وقت لاحق من تلك الليلة قصف الإسرائيليون مرة أخرى. أصيب العديد من الفلسطينيين وقُتلوا. تم طمس الخيمة الفارغة، التي سكنتها عائلة عمرو في اليوم السابق. إذ لم يعد هناك ما تبقّى منهم. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/9/%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D8%AB%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-04-08T21:16:48
2024-04-08T21:16:48
مقالات
2,203
قصف صنعاء وحماقات أميركية أعيت من يداويها
يبدو أن الأميركيين لا يتعلّمون- بعد أكثر من درس- أنَّ الظلم والعدوان ومهاجمة العواصم وضربها من شأنها أن ترتد إلى نحر المعتدِي حتى  وإن كان في عقر داره.
كانت علاقة نظام الرئيس السوداني الجنرال عمر البشير الجبهة الإسلامية مع النظام الرسمي العربي مأزومة. وعلى الأقلّ، كانت علاقته مع الشقيقة والجارة الكبرى مصر في أسوأ حالاتها بعد اتّهامه بالتورط في محاولة اغتيال الرئيس مبارك بأديس أبابا وإيوائه مهاجميه الإسلاميين، يونيو 1996 إلا أنّه عندما شنّت إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون عدوانَها الجوي على مصنع أدوية الشفاء في ضواحي الخرطوم 20 أغسطس آب 1998، انقلب الحال، وأصبح سودان البشير محلّ تعاطف واسع من الرأي العام في مختلف أنحاء العالم العربي. وأتذكّر وقتها وكنتُ أعمل في قسم الشؤون العربية بجريدة الأهرام وقعَ نبأ قصف العاصمة السودانية. حينها توحّدت أجيال من الزملاء الصحفيين على مختلف توجهاتهم في الغضب ضد هذا العدوان. وبعضُها عاصر غزو الأسطول الأميركي، العاصمةَ اللبنانية بيروت 1958، والآخرُ قصفه المدينةَ ذاتَها 1983. والأغلبية تقريبًا عاشت وقائع الغارات الأميركية على العاصمة الليبية طرابلس، ومعها بني غازي 1986. وإجمالًا؛ كان للغضب في عموم العالم العربي تأثيرُه على النظام الرسمي العربي، ولم يكن له أن يتغاضى أو يصمت. وهو غضب توثقه برقية لوكالة رويترز وتصفه بالاقتراب من الغليان، وكما نشرتها الأهرام بصفحتها الأولى في 21 أغسطس آب 1998. ومن الجامعة العربية، أصدرت الأمانة العامة في أقل من 24 ساعة بيانًا يستنكر القصف الأميركي للسودان، ويعتبره عملًا غير مبرّر، وتعديًا سافرًا على سيادة دولة عربيةٍ عضوٍ بالجامعة، وخرقًا للمواثيق الدوليّة. وبعدها بساعات صرّح وزير خارجية مصر حينها عمرو موسى بأن لا يمكن لأي دولة أن تكون بديلًا عن مجلس الأمن، والقاهرة موقفها واضح بضرورة أن تكون جميع الإجراءات ضد الإرهاب من خلال الشرعية الدولية، وتحت مظلة الأمم المتحدة. وتحفظ الأرشيفات كذلك افتتاحية الأهرام بعد يومين من هذا العدوان. وتحت عنوان المواجهة الجماعية للإرهاب هي الحل، انتقدت ارتداء الولايات المتحدة ثوبَ الشرطي، وأن تضرب هنا وهناك. وحذرت من أن الانفراد الأميركي بالعمل على هذا النحو يمكن أن يؤدي إلى تعاطف بعض القطاعات الجماهيرية مع الإرهابيين أنفسهم، وهذا غير مطلوب بالقطع. لا يرى من الغِرْبال أو حتى بدونه من لا يدرك الحساسية المتجاوزة للخلافات عندما يَجري مهاجمة عاصمة عربية، ومن جانب أبناء المستعمرين بريطانيين وفرنسيين وخلفائهم من الأميركيين. ولا يرى وكأنه أعمى من لا يضع في الحسبان عواقب هذا العدوان. صحيح أن اليمن صنعاء حكم الحوثي اليوم خارج النظام الرسمي العربي وجامعة دوله. كما أنّه محل اتهامات وحملات على مدى ما يزيد عن عقد كامل بأنّه مجرد وكيل لإيران، وبالمحاكاة للمصطلح الإعلامي الشائع في الصحافة الغربية proxy، وبأنه طرف في صراع المحورَين السني الشيعي في العالَمين العربي والإسلامي. وهو صراع في اعتقادي وغيري- مصطنع وضارّ ولصالح الصهيونية وأعداء الشعوب. ومجمل ما سبق يضع صنعاء المعتدَى عليها أميركيًا وبريطانيًا اليوم في وضع أضعف مما كانت عليه الخرطوم عند عدوان أميركي مضى عليه نحو ربع القرن. لكن ومع كل هذا، جاءت مساهمة القوات اليمنية بجهد حربي في البحر الأحمر من أجل غزة وشعب فلسطين بعد 7 أكتوبر 2023 لتمنح صنعاء شعبية بين الرأي العام العربي، تتجاوز الانقسامات الطائفية والأيديولوجية السياسية. وببساطة وضعت هذه المساهمةُ المقدرةُ عند الجماهير والنخب في أغلبها على امتداد العالم العربي صنعاءَ هذه المارقة المنبوذة غير المعترف بها عند النظام الرسمي العربي في قلب خريطة الصراع العربي الصهيوني، اليوم. وهذا مع أن اليمن لاعتبارات الجغرافيا السياسية لم يكن بين ما أطلق عليها دول المواجهة أو الطوق، وبوقائع التاريخ ومنذ عام 1948 لم يكن له مشاركة ملحوظة في حروب الجيوش العربية مع إسرائيل. وبالطبع ليس لقواته المسلحة من قبل، ما كان في سجل تاريخ جيوش دول عربية بعيدة عن حدود فلسطين كالعراق، أو بإضافة الجزائر وتونس والمغرب إليها مع حرب 1973. وإن لا يمكن أن ننسى لليمن الجنوبي عدن مساهمتَه بالتعاون مع البحرية المصرية في إغلاق باب المندب خلال هذه الحرب، وحصار العدو وقطعه البحرية وموانئه في البحر الأحمر، وخليج العقبة. وباختصار؛ ما فعلته القوات اليمنية صنعاء بعد 7 أكتوبر في جنوب البحر الأحمر ومردوده على حصار إسرائيل بحريًا وبإطلاق الصواريخ تجاهها، وضعَ هذا البلد على نحو غير مسبوق في قلب الصراع مع الاستعمار الصهيوني وحلفائه. كما أذاب، إلى حد ما، انقسامات طائفية نمت وتوحّشت على مدى عقود في منطقتنا، وبخاصة منذ الثورة الإيرانية 1979. وباختصار أيضًا؛ ما فعلته القوات اليمنية هذه مساهمةً في نصرة غزة ولليوم، سرعان ما وجد مردوده قبولًا عند الشعوب العربية، والتي زادت حربُ الإبادة الصهيونية الأميركية على الشعب الفلسطيني وصمود مقاومته الأسطوري، من الفجوة بينها وبين أنظمتها في كل قُطر، ومع مجمل النظام الرسمي العربي. ومقارنة المواقف والأقوال والأفعال بين هذا وذاك ماثلة الآن بقوّة، وستظل- في الظن- تأثيراتها لأجيال مقبلة. بل يمكننا القول؛ إن هذه المشاركة العسكرية اليمنية ومعها الخروج الشعبي في مظاهرات صنعاء، وغيرها من المدن هناك إلى جانب غزة والشعب الفلسطيني سمحت، للناس من المحيط للخليج، باكتشافِ أن هؤلاء الملقبين بالحوثيين، الذين عرفوهم منمطين كشيعة متطرفين عملاء لطهران، لا يتحدثون الفارسية، ولا يعتمرون العمائم السوداء. بل وأيضًا أصبحت قطاعات معتبرة من الرأي العام ترى ما يفعلون على الرغم مما بهم من ضعف وفقر وبؤس نخوةً عربيةً مفتقدةً عند غيرهم من الأثرياء أصحاب الميزانيات المفتوحة بلا رقابة، والإمكانات الطائلة وأحدث الأسلحة وأكثرها فتكًا. يضع العدوانُ الأميركي البريطاني على اليمن بمشاركة حلفاء من خارج الإقليم ومن داخله، كما صرّح الرئيس بايدن وفورًا النظامَ العربي وركائزه وقيادته في السعودية موضع حرج أشد وأخطر. أو كما يقول التعبير العربي زاد الطين بلة. وهذا ليس لسبب واحد يتعلق بهذا المزاج الشعبي والنخبوي في العالم العربي، وحساسيته بالأصل تجاه ضرب الأميركيين والبريطانيين لعاصمة عربية. وهذه المرّة فإن الهدف المستهدف صنعاء، وهي في ذروة حضورها بالصراع العربي الصهيوني، ومع لحظة كبرى فارقة يواجهها الشعب الفلسطيني وقضيته، ومعه كل أحرار العرب والعالم. وثَمة قائمةُ أسباب إضافية، ومن بينها؛ أن العدوان على صنعاء ومدن يمنية أخرى جاء مباشرة بعد جولة وزير الخارجية الأميركي بلينكن واستقباله في العديد من العواصم العربية. وهو ما يطرح أسئلة لا يقل واحد منها في إحراجه عن الآخر، وهي وأيضًا من أسباب الحرج الأشدّ والأخطر للنظام العربي الرسمي ومكوّناته وقيادته كون أنّ العدوان الأميركي البريطاني- مع إسراع واشنطن بالإعلان عن حلفاء من داخل الإقليم وخارجه قد يفتح الباب لعودة النزاع المسلح داخل اليمن. ويقطع الطريق على تثبيت خطوط وقف إطلاق النار، والتهدئة، وجهود المصالحة مع الأطراف الإقليمية التي انخرطت في هذا النزاع منذ نحو تسعة أعوام. وهو ما من شأنه أن يجرّ على اليمن والإقليم والعالم، المزيدَ من أعباء هجرة ونزوح ومجاعة ومعاناة ملايين من اليمنيين، لم يتعافوا منها بعد. وفوق كل هذا وذاك من أسباب الحرج، يُحلّق السؤال لماذا اختارت الإدارة الأميركية توقيت ضرب صنعاء والمدن اليمنية الأخرى في ذات يوم بدء محكمة العدل الدولية النظرَ في جرائم الإبادة الصهيونية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بغزة؟. وهل هذا من ألوان وفنون التغطية وسحب البِساط الإعلامي؟. أَوَ لا تعي واشنطن أن هذا التوقيت التزامن يصبّ الزيت على نار المقارنة عند الرأي العام العربي بين مبادرة جنوب أفريقيا وحال دولهم الحليفة والصديقة وجامعتها؟ إن المعتدي الأميركي لم يقدم لليوم إزاء اليمن صنعاء دليلًا يماثل تبريره- ولو بالأكاذيب- قصفَ مصنع أدوية الشفاء. لا عندما زعم حينها بأنه يعمل على إنتاج أسلحة كيماوية وغاز أعصاب، أو أن النظام السوداني متورط في تفجيرات السفارتَين الأميركيتَين بكينيا وتنزانيا قبلها، مع نظام طالبان بأفغانستان، وحيث وجه إليها ضربات جوية في اليوم ذاته. وفقط يظهر المعتدي الأميركي الآن عاريًا في وضع المدافع عن الصهيونية والحامي لإرهابها. بل وبمثابة وكيل عنها، يخوض معاركها. الأكثر مدعاة للدهشة من تَكرار الحماقات، حد الإدمان، أن الإدارة الأميركية في عهد بوش الأب كانت قد اعترفت بخطأ تجاهل معاناة الشعب الفلسطيني وقضيته وبعواقب استمرار هذا الظلم التاريخي. وهذا بعدما لاحظت وأدركت- ومعها العالم مدى التأييد الجماهيري لضرب الرئيس العراقي السابق صدام حسين مدنَ ومستعمرات إسرائيل بالصواريخ عن بعد، وهو في وضع المعتدِي والمحتل لبلد عربي مجاور الكويت. وهكذا سارعت هذه الإدارة إلى عقد مؤتمر مدريد للسلام قبل نهاية عام 1991، وبعد شهور معدودة من إخراج قوات صدام من الكويت. وهذا مع أن غزو الكويت كان قد أحدث شرخًا داخل النظام الرسمي وانقسامًا في الرأي العام عربيًا، وعلى خلاف أحوال العواصم الخرطوم 1998 وصنعاء 2024، ومن قبلها طرابلس 1986، حين قصفها العدوان الأميركي. لكن يبدو أن هذه الحماقات لا شفاء منها، وكما يقال إلا الحماقة أعيت من يداويها. وكأنهم لا يتعلّمون- بعد أكثر من درس- أنَّ الظلم والعدوان ومهاجمة العواصم وضربها من شأنها أن ترتد إلى نحر المعتدِي حتى وإن كان في عقر داره. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/13/%d9%82%d8%b5%d9%81-%d8%b5%d9%86%d8%b9%d8%a7%d8%a1-%d9%88%d8%ad%d9%85%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d8%b9%d9%8a%d8%aa-%d9%85%d9%86
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-01-13T05:21:36
2024-01-13T13:25:27
مقالات
2,204
إستراتيجية استمرار الحرب الإسرائيلية
ربما هي المرة الأولى في تاريخ الكيان التي لا يكون قادته حريصين على الوصول لوقف إطلاق نار، وهدنة ممتدة تسمح له بإعادة الاستقرار الداخلي، ومعالجة ما لحق به من أضرار نتيجة الحرب التي امتدّت ل 6 أشهر.
لا تلوحُ في الأفق أية رغبة إسرائيلية بوقف العدوان الحالي على قطاع غزّة، وكل الشواهد العملية على الأرض، والتصريحات التي يردّدها مسؤولو الحرب الإسرائيليون، تدلّ على أن خيار الحرب المستمرة، هو الخيار المفضل لديهم، بل الخيار الوحيد. ربما هي المرّة الأولى في تاريخ الكيان التي لا يكون قادتُه حريصين فيها على الوصول لوقف إطلاق نار، وهدنة ممتدة تسمح له بإعادة الاستقرار الداخلي، ومعالجة ما لحق به من أضرار نتيجة الحرب التي امتدّت لنحو ستة أشهر. ففي الحروب الخمسة الماضية على غزة، كان الوصول لوقف إطلاق النار أمرًا يسعى إليه جميع الأطراف، سواء الإسرائيلي أو الفلسطيني، أو المحيط العربي، وخاصة الوسيط المصري، وكذلك الأميركي الذي أعلن بنفسه من واشنطن في حرب سيف القدس عام 2021 عن الوصول لوقف إطلاق النار، وفرض ذلك على نتنياهو الذي كان في ذلك الوقت رئيسًا للوزراء، ثم سرعان ما سقطت حكومتُه بعد ذلك على وقع نتائج الحرب. فما الذي يجعل هذه الحرب مختلفة عن سابقاتها؟ ولماذا لا يحرص الاحتلال على إنهائها والعودة إلى الحياة الطبيعية؛ لترميم ما أصابه من أضرار بالغة وطويلة المدى؟ إنّ أول ما يتبادر للذهن للإجابة عن هذه الأسئلة، هو موضوع الأسرى، حيث لا يبدو أن وقف الحرب دون استعادة الأسرى، سيكون أمرًا سهلًا على الاحتلال؛ لأنه يدرك أن ثمن الإفراج عنهم بعد ذلك من خلال عملية تفاوضية سيكون أضعافَ ما يمكن دفعه أثناء عمليات عسكرية مستمرة وضاغطة على المفاوض الفلسطيني؛ بسبب آثارها الإنسانية، من قبيل المجاعة في الشمال، وانعدام الاستقرار والأمن في مختلف مناطق القطاع. ومن المؤكد أن قادة الاحتلال يأملون أنهم في مرحلة ما من مراحل الحرب المستمرة، سيتمكنون من تحرير جزء من الأسرى، إما بالقوة العسكرية، أو باستجابة المقاومة تحت ضغط العمليات العسكرية. أما الموضوع الشخصي؛ فيرتبط بخسارة نتنياهو موقعه، وبالتالي احتمال ذهابه للسجن؛ بسبب تهم الفساد في المحاكم، وكذلك التحقيقات التي ستصل إلى تحميله مسؤولية ما يسمّى الفشل في يوم السابع من أكتوبرتشرين الأوّل. تضافُ لتلك الاحتمالات الدّعوة لانتخابات سيخسرُها قطعيًا هذه المرّة، حسبما تفيد استطلاعات الرأي. وهو أمرٌ منطقيّ، فالناخبون سينظرون إلى الأشهر الستة الأخيرة من عُمر حكومته التي تسبّبت بأكبر الكوارث في تاريخ الاحتلال على كافّة المجالات. وأصلًا لم يكن هؤلاء الناخبون سعداء بحكومة تضمّ الأكثر تطرفًا في المجتمع الإسرائيلي بن غفير وسموتريتش، وكانت المظاهرات تعمّ الكيان الإسرائيلي على مدى تسعة أشهر؛ بسبب مقترحات التعديلات القضائيّة التي كان نتنياهو يرغب بتمريرها. مع أن موضوع الأسرى يبدو منطقيًا بالنظر لحساسيته، ولكونه أحد أهم نتائج السابع من أكتوبرتشرين الأول، فإن هناك أسبابًا أخرى أكثر تأثيرًا في القرار الإسرائيلي، وتدفع نحو استمرار هذه الحرب حتى لو تم الإفراج عن الأسرى يتصل الجانب الموضوعي بالأمن بين قطاع غزة، والاحتلال، وفيه نقطتان ولا يزال هذا الموضوع مثارَ خلاف بين نتنياهو والإدارة الأميركية. هذا الخلاف ليس أمنيًا فقط فكلاهما يرغب بأن يوفر أعلى درجات الأمن للاحتلال. الخلاف هنا سياسي بامتياز، فالإدارة الأميركية تريد إعطاء فرصة جديدة لمشروع قديم بدأ في أوسلو، ويتحدّث عن حل الدولتين، ولذلك هي تفضل إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة؛ تمهيدًا لاستئناف البحث في ترتيبات دائمة فلسطينية إسرائيلية. أما نتنياهو فيرى أن حلَّ الدولتين بمثابة كابوس ثقيل؛ لأنّ أيديولوجيته ومواقف شركائه في الحكومة ترفض إعطاء الفلسطينيين دولة تحت أي ظرف، وتفضّل الاستمرار في السياسات الاستيطانية والتهويدية، وإضعاف البنية الفلسطينية من خلال الملاحقات الدائمة، والاعتداءات والاعتقالات، وتحويل الحياة الفلسطينية في الضفة والقطاع إلى جحيم لا يطاق؛ ما سيدفع الكثيرين للهجرة، وتفريغ الأرض ليستولي عليها الاحتلال. أمام كل ذلك، تحوّلت الحرب الجارية على غزة إلى غاية وهدف، بدلًا من أن تكون وسيلة لتحقيق الأهداف التي أعلن عنها نتنياهو مرارًا وتكرارًا، وذلك ببساطة لأنها أهداف لا يمكن تحقيقها بالحرب، بل يلزم أن يرافقها فعلٌ سياسي جدي يأخذ بعين الاعتبار تطلعات كل الأطراف، بمن فيها الشعب الفلسطيني، وتصورات الحل المقبول فلسطينيًا، والذي لا يقلّ عن دولة فلسطينية على حدود 67، وعاصمتها القدس، وحقّ اللاجئين بالعودة. لقد استفاد نتنياهو خلال الأشهر الماضية من ردة الفعل الأميركية التي أيدت الحرب مدفوعة بالخوف على مستقبل المشروع الصهيوني، أو الرغبة في كسب الشارع الأميركي، الذي يستعد لتصويت جديد في الانتخابات المقررة نهاية العام. وقد كانت استطلاعات الرأي تظهر دعمًا كبيرًا للحرب، بينما تراجع هذا التأييد تدريجيًا حتى وصل أدنى مستوى له حسب نتائج استطلاع معهد غالوب الذي كشف أن 75 ٪ من مؤيدي الحزب الديمقراطي الحاكم يعارضون الحرب، مقابل 18٪ فقط ممن لايزالون يؤيدونها. كما أنّ مؤيدي الحزب الجمهوري، تراجع تأييد الحرب عندهم، ووصل إلى 64٪ فقط بدلًا من 71٪ في نوفمبر الماضي. ويفيد الاستطلاع أيضًا بأن 55 ٪ من مجموع الأميركيين يعارضون استمرار الحرب هذه النتائج ربما تفسّر التغير في موقف الإدارة الأميركية، الذي ظهر بأوضح صورة خلال التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، حين سمحت الولايات المتحدة بتمريره عبر الامتناع عن التصويت، وعدم الاستجابة لمطلب نتنياهو باستخدام الفيتو، وهو القرار الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار. سيكون إذن على نتنياهو وفريق المتطرفين في حكومته أن يعيدوا التفكير في مسار الحرب برمته، وهو أمر سيضع حكومتهم ومستقبلهم السياسي على المذبح. تلك هي المعضلة الكبرى التي تواجه نتنياهو وفريقه مما دفعهم للصراخ بأعلى صوت ممكن بأنهم لن يستجيبوا لقرار مجلس الأمن الدولي بوقف الحرب، فذاك قرار يتعارض تمامًا مع الإستراتيجية التي باتوا يتمترسون خلفها، ألا وهي الحرب من أجل الحرب، والقتل بلا حدود، ولَيكن ما يكون. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/5/%d8%a5%d8%b3%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-04-05T03:07:46
2024-04-05T03:07:46
مقالات
2,205
الحوثيون من الداخل.. ما لا تعرفه عنهم
كما عززت الحرب في اليمن قوة الحوثيين على المستوى الداخلي، فإن القصف الأميركي- البريطانيّ اليوم يشرعن حضورهم الشعبي على المستويين: العربي والإسلامي، ويمنحهم تعاطفًا خارجيًا هم في أمسّ الحاجة إليه.
ليست جماعة الحوثي وليدة العقدَين الأخيرين من تاريخ اليمن، كما يعتقد البعض. كما أنها ليست حركة سياسية ظهرت بفعل الهامش الديمقراطي الذي أفرزته ظروف ما بعد تحقيق الوَحدة بين شطرَي اليمن الجنوبي والشمالي في العام 1990م، بقدر ما هي امتداد لمشروع إماميّ وضع بذرته في محافظة صعدة ومناطق الشمال ما سُمّي الإمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين الرسي في العام 893م، وعرف فيما بعد بالمذهب الهادوي. وهي بذلك وليدة هذا المذهب والمنظومة الممتدة لأكثر من 1100 عام، والذي يرتكز على فكرة البطنين القائمة على الاصطفاء الإلهي وحصر الإمامة وقيادة الأمة في ذرية السبطَين الحسن والحسين حتى قيام الساعة. وهذا الفكر وإن كان يتفق ويتماهى مع المذهب الزيدي إلا أنه خالفه في جوانب كثيرة ولم يتقيد على سبيل المثال بالشروط الـ 14 التي يشترطها المذهب الزيدي لتولي الإمامة في كثير من مراحله التاريخية، كما حدث في عهد الدولة القاسمية التي حكمت معظم اليمن، وتحول الحكم في عهدها إلى وراثي ملكي، وكذلك كما كان الحال في آخر حكم إمامي لليمن قبل اندلاع ثورة 26 سبتمبر أيلول التي ساندها ودعمها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في ستينيات القرن الماضي. جنى الحوثيون ثمار هذا الفكر وجهود رموزه التي انخرطت تكتيكيًا في النظام الجمهوري الذي أعقب ثورة سبتمبر أيلول آنفة الذكر، وما تلاها من حرب أهلية انتهت بمصالحة وطنية، وعملت على تعزيز وجود عناصرها في مؤسسات الدولة ومرافقها الحسّاسة؛ كونها هي الدولة العميقة في اليمن إن صحّ لنا وصفها بذلك، وعملت بدأب على تهيئة الأجواء والظروف للعودة مرّة أخرى إلى حكم اليمن. وعقب الوحدة اليمنية ظهر أول كيان شبابي تحت مسمّى الشباب المؤمن؛ مستغلًا حالة التوجّس لدى الرئيس الراحل علي عبدالله صالح من تعاظم قوة حزب الإصلاح أو إخوان اليمن كما يحلو للبعض تسميتهم، وكذلك الخلاف الذي أخذ بالتوسع بين شريكَي الوحدة حزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة علي صالح، والحزب الاشتراكي اليمني بزعامة علي البيض، وحظي هذا الكيان الوليد بدعم ضمني من قبل صالح في محاولة منه للعب على التناقضات، والرقص على رؤوس الثعابين كما كان يردد. وفي مطلع القرن الحالي انقلب حسين بدر الدين الحوثي على شركائه المؤسسين لحركة الشباب المؤمن وَفقًا لرواية أبرز مؤسسيها واستحوذ على الحركة، وعرفت بعد ذلك ومنذ ظهورها المسلح بـجماعة الحوثي، قبل أن تسمي نفسها فيما بعد بـجماعة أنصار الله. خاض مؤسس جماعة الحوثي- والذي كان عضوًا في أول برلمان عقب تحقيق الوحدة اليمنية ممثلاً لدائرته الانتخابية أولى حروبه ضد السلطات الحكومية في عام 2004 بعد توترات سابقة استحوذ أنصاره خلالها على الإيرادات المالية، وتحكموا ببعض المناطق التي تقع ضمن نفوذهم في معقلهم الرئيس بمحافظة صعدة شمالي اليمن من منطلق عقائدي، وقُتل في الجولة الأولى من الحرب بنفس العام. تولى شقيقه الأصغر عبدالملك الحوثي قيادة الجماعة من بعده، وخاض خمس حروب لاحقة امتدت حتى العام 2010، وفي كل جولة من جولاتها كانت جماعته تحقق مكاسب ميدانية توسعية وأخرى سياسية مستغلة الخلافات المعلنة وغير المعلنة بين علي عبدالله صالح وشركائه العسكريين والقَبليين والسياسيين في الحكم، ومهارة أذرعها السياسية التي لعبت دورًا بارعًا في تفتيت المنظومة الحاكمة. هيأت أحداث الربيع العربي واحتجاجات شباب اليمن ضد نظام علي عبدالله صالح فرصة ثمينة للحوثيين فلعبوا بمكر على تناقضات القوى اليمنية المتحالفة والمتصارعة على حد سواء.. أبدوا تعاطفهم مع الحراك الجنوبي ونصبوا خيامهم في ساحات التغيير مع شباب الثورة، وفي الوقت نفسه تواصلهم لم ينقطع مع الرئيس المأزوم جراء الاحتجاجات المتصاعدة ضده، ومكنتهم تلك الاحتجاجات- وما أفرزتها من توافقات على شخصيات هزيلة لإدارة المرحلة الانتقالية من الانقلاب على المسار السياسي والسيطرة المسلحة على صنعاء وهم الذين كانت قواتهم تقرع أبوابَها منذ العام 2009. ومكنتهم التجارب المتراكمة للمشروع الذي يمثلونه وخبرة ودهاء ساسته المخضرمين من فهم حساسية الجيران والقوى الخارجية وتخوفاتهم من الأحزاب والجماعات التي أفرزتها ثورات الربيع العربي خصوصًا الإسلامية منها واللعب على وترها. وكما عززت الحرب في اليمن قوة الحوثيين على المستوى الداخلي، فإن القصف الأميركي- البريطانيّ اليوم يشرعن حضورهم الشعبي على المستويين العربي والإسلامي، ويمنحهم تعاطفًا خارجيًا هم في أمسّ الحاجة إليه، ويضع خصومهم المحليين في موقف مرتبك، خصوصًا أن القضية الفلسطينية تحظى بإجماع لدى كل فئات الشعب اليمني ومكوناته. لا يكاد يختلف اثنان على أن تضامن الحوثي مع غزة واستهدافه السفن التجارية التي لها علاقة بإسرائيل أو تتجه نحو موانئها والذي تطور إلى استهداف السفن الأميركية والبريطانية في خليج عدن والبحر الأحمر يعد عملًا جريئًا ومهمًا في مجريات الصراع، إلا أن الحوثي استفاد كثيرًا من أحداث غزة واستطاع بتضامنه غير المسبوق أن يقدم نفسه للعالم كلاعب مهم في المنطقة. بل لا نبالغ إن قلنا إن الحوثي وبفعل هذه الأحداث اكتشف نفسه ومدى قدرته على خلط الأوراق فيما يتعلق بالتجارة الدولية وممراتها البحرية. وفي الوقت نفسه هرب من استحقاقات محلية كادت أن تحشره في زاوية ضيقة جراء الغضب الشعبي المتصاعد؛ بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وانقطاع رواتب الموظفين منذ اندلاع الحرب، خصوصًا مع تباشير السلام التي لاحت قبل نهاية العام الماضي. وفرت أحداث غزّة فرصة ثمينة للحوثيين لإثبات صدق شعاراتهم المرفوعة منذ ظهورهم المسلح في مطلع القرن الحالي، وما تضمنته ملازم، مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي الذي يصفونه بالقرآن الناطق، وتعد بمثابة المرجعية الفكرية للجماعة، وكذلك الوثيقة الفكرية والثقافية التي وقعها زعيم الجماعة مع عدد من علماء الزيدية في السنوات الأخيرة، والتي تؤكد على جملة من المبادئ من ضمنها فكرة الاصطفاء سابقة الذكر، والعداء لأميركا وإسرائيل. ويمكننا هنا القول؛ إن جماعة الحوثي، وإن كانت تبدو جزءًا من المذهب الزيدي، إلا أنها تختلف معه في قضايا كثيرة، ولها مرجعيتها الخاصة، وهناك من يقول؛ إنها مثلت انقلابًا على إرث المذهب الزيدي في اليمن. وأما بالنسبة لعلاقتها بالثورة الإسلامية في إيران، فهي لا تنكر تلك العلاقة بل تفاخر بها، وترفع صور رموزها وقيادتها في مناسباتها، وتتناغم مع أفكارهم، واستفادت كثيرًا من الدعم الإيراني لها، إلا أن جذورها تمتد إلى ما قبل الثورة الخمينية في إيران، كما أشرنا سلفًا، ولذلك لا يستبعد أن تتكون لديها رؤية خاصة لا سيما بعد الحضور الإقليمي والعالمي الذي حققته مؤخرًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/5/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%ab%d9%8a%d9%88%d9%86-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%ae%d9%84-%d9%85%d8%a7%d9%84%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%81%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87%d9%85
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-05T04:47:46
2024-02-07T14:11:32
مقالات
2,206
ماذا تعرف عن منظمة مراقبة الأمم المتحدة ومركز الشرق الأدنى لبحوث السياسات؟
لسنوات طوال عملت هذه المنظمة تحت مظلة، “المؤتمر اليهودي العالمي” ولاحقًا عبر “اللجنة اليهودية الأميركية”، وهذا ينبئك بالكثير!
منظمة مراقبة الأمم المتحدة ، هي مؤسّسة مقرها العاصمة السويسرية، أنشئت في العام 1993 وهي معتمدة، للأسف، كمؤسسة غير حكومية بمجلس الأمم المتحدة الاقتصادي والاجتماعي ECOSOC. لسنوات طوال عملت هذه المنظمة تحت مظلة، المؤتمر اليهودي العالمي ولاحقًا عبر اللجنة اليهودية الأميركية، وهذا ينبئك بالكثير. المدير التنفيذي لمراقبة الأمم المتحدة UN Watch هذه، هو هليل نوير -وهو صاحب طاقة سلبية كبيرة-، وهوسه الأول والرئيس هو مهاجمة الأونروا والقضاء عليها. يتمتع بدهاء وطاقة كبيرَين، ويشرف كذلك على تحالف دولي كما يسميه تحت مسمى قمة جنيف للديمقراطية وحقوق الإنسان والذي ينضوي تحت عباءته 25 مؤسسة غير حكومية. وهنا تكمن قوته وتأثيره وقدرته على التشبيك الفعال، وهي مهارة غائبة عنا، وإن كانت الأمور بالنسبة لنا في هذا المضمار في تحسن مستمر، خصوصًا بعد السابع من أكتوبرتشرين الأوّل. المؤسّسة الثانية، وغير المعروفة لكثيرين، مقرها القدس، وتعمل تحت مسمى مركز الشرق الأدنى لأبحاث السياسات Near East Center for Policy Research والتي أنشئت في العام 1983، ويشرف عليها شخص يدعى ديفيد بدين، ويعد نفسه صحفيًا، وهو أميركي المولد. هاتان المؤسستان لهما يرجع الفضل الأساس في خطورة وشراسة الهجمة على الأونروا، وعلى حق العودة، والتي نشهدها الآن هذا المركز وهذا الشخص يكادان يوظفان جلّ جهدهما وأبحاثهما لتشويه سمعة الأونروا وشيطنتها، وتثبيت خطورة حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وإقناع صنّاع القرار خصوصًا- بأن على الأونروا أن تُحل؛ لأنها تحضّ على الكراهية والعنف والاتكالية وإطالة أمد القضية، وأنها شريكة بالإرهاب، وأن مناهجها التعليمية وطواقمها ومعلميها تهدف لتدمير الكيان. لشديد الأسف، عمل مع المركز عبر السنوات حفنة قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة من الفلسطينيين أبحاث ومؤتمرات ودراسات ولقاءات دولية ومداخلات أمام أجهزة الأمم المتحدة المختلفة واستخدام ممنهج للنفوذ؛ بهدف الضغط والحصول على تأييد البرلمانات وصنّاع القرار والساسة حول العالم، خصوصًا العالم الغربي. أموال مرصودة بسخاء، استئجار لأقلام وصنع خبيث لمحتويات مضللة وتلفيقات ضد الأونروا عبر فيديوهات وكتابات، ومضمون ينفث سمومه بدون كلل وملل عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. هاتان المؤسستان على وجه الخصوص، ولعقود، استنفدتا جهودًا كبيرة من طاقم صغير للغاية داخل جسم الأونروا، كان لي شرف العمل معه؛ بهدف فضح أساليبهما وتفنيد اتهاماتهما وأكاذيبهما. كان لنا عبر السنين بعض النجاحات والكثير من الإخفاقات للأسف. القمة الدولية من أجل مستقبل بدون أونروا والتي دعت إليها UN Watch الأسبوع الماضي، هدفت فيما هدفت إليه جمع 100 ألف توقيع على عريضة تطالب بتفكيك الأونروا، وتقديمها للأمين العام للأمم المتحدة. الحملة لم تنجح، ولضعف الحضور تم تحويل القمة من قاعة كبيرة إلى مطعم مجاور حسنًا، ومَن كان أبرز الحضور؟ دينيس روس مبعوث بيل كلينتون للشرق الأوسط والذي فتحنا له أبوابنا ومكاتبنا وأسرارنا. الآن، وهو بدون حاجة للتلون، هاجم بقمة المطعم الأونروا بشراسة، مطالبًا بإدخال تغييرات جوهرية على جسم الوكالة، ومناديًا في ذات الوقت بضرورة إيجاد بدائل لها هاتان المؤسستان لهما يرجع الفضل الأساس في خطورة وشراسة الهجمة على الأونروا، وعلى حق العودة، والتي نشهدها الآن. إذن، أين نحن من كل ذلك؟ للأسف وبحزن شديد، لا يوجد لدينا مركز هيئة مؤسسة جهاز، رسميًا كان أو قاعديًا أو بحثيًا يقف أمام هكذا منظمات باحثًا، ومدافعًا، ومهاجمًا، ومسلحًا بدراسات وأبحاث، ومنتجًا لمضمون ولعمل إعلامي متعدد، من أجل تفنيد رواية وتلفيقات الطرف الآخر. كانت هناك محاولة قبل أكثر من عشر سنوات لإنشاء جمعية الأمم المتحدة - فرع فلسطين United Nations Association Palestine Section ، وتسجيلها واعتمادها رسميًا والتصويت على قبولها عضوًا في اتحاد جمعيات الأمم المتحدة الدولية WUNA والتي تضم جمعيات أمم متحدة في دول كثيرة، ومنها دولة الكيان، تدعم عمل الأمم المتحدة، وتطالب بتصويبه إن دعت الحاجة، وتثير قضايا ذات اهتمام لبلدانها. فشلت في هذا الجهد للأسف؛ لأنه يتطلب جهدًا جمعيًّا لم أوفّق بتشكيله ولأن هذه المحاولة اصطدمت بأني كنت أعمل مع الأونروا، وأن هكذا محاولة تعتبر تجاوزًا لمفهوم الحيادية المطلوب من عاملي الأمم المتحدة، التمتع بها. هي، إذن، مناشدة لنا جميعًا للتدبر والنظر في إنشاء هكذا جمعية، وإن تعذر فعلى الأقل التداعي لإنشاء جمعية أصدقاء الأونروا، وأن تبدأ هكذا جمعية بالعمل على الدفاع عن الأونروا بكل ما لها وما عليها، والدفاع عن حق العودة، وعن اللاجئين الفلسطينيين. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/6/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%81-%d8%b9%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b8%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%b1%d8%a7%d9%82%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%85
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-03-06T10:15:12
2024-03-06T11:03:19
مقالات
2,207
خطة إسرائيل في سوريا
تحليل يسلط الضوء على أهداف إسرائيل العسكرية والأمنية في سوريا، مع التركيز على استهداف حزب الله والحرس الثوري، وتصاعد العمليات بعد 2011 لتحقيق أمنها الإستراتيجي.
شكل تصاعد الأعمال العسكرية في سوريا منذ ربيع 2011 فرصة أمام إسرائيل لتوسيع عملياتها الأمنية ولاحقًا العسكرية ضمن الخريطة السورية، وبات التدخل الإسرائيلي أكبر وأوسع مما كان عليه قبل ذلك. قبل تلك السنة، كانت إسرائيل قد نفذت عدة عمليات، أبرزها غارات بالطيران الحربي على معسكر فلسطيني في عين الصاحب قرب دمشق عام 2003، وقصف المفاعل النووي السري في دير الزور عام 2007، وتفجير سيارة القيادي في حزب الله عماد مغنية في دمشق عام 2008، وهو ما لم تعترف بمسؤوليته حتى عام 2024، عندما أقر بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت. عاد القصف عام 2013، لكنه كان على فترات زمنية متباعدة، لا يتجاوز عملية أو اثنتين في العام، ثم تصاعد في عامي 2018 و2019 لعدة مرات خلال العام الواحد، ليصبح القصف بعد عام 2020، حدثًا شهريًا بل ربما حدثت أكثر من عملية خلال الشهر ذاته، وليصبح القصف أمرًا أسبوعيًا أو يوميًا بعد انتقال الحرب الإسرائيلية من غزة إلى لبنان في النصف الثاني من عام 2024. مثلت أهداف الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية في العقدين الأخيرين طبيعة الخطر الذي تخشاه إسرائيل في سوريا، حيث رغم الحديث الكبير عن التزام نظام الأسد الأب أو الابن باتفاقيات وقف إطلاق النار وفك الاشتباك، فإن تل أبيب لم تكن تطمئن لحماية أمنها القومي إلا بالتجسس المستمر، والمراقبة الحثيثة والتدخل عندما تحتاج إلى ذلك. مع توسع العمليات العسكرية ضد حزب الله في لبنان كان التدخل الإسرائيلي يتصاعد في سوريا، وشكله الأبرز حتى الآن هو بالقصف الجوي، فما هي أبرز الأهداف الإسرائيلية في سوريا؟ كان اهتمام إسرائيل باغتيال قيادات حزب الله في سوريا ممتدًا من مرحلة ما قبل 2011، واستمر بشكل أكبر بعده، ويشير تحقيق نشرته صحيفة فايننشال تايمز في سبتمبرأيلول 2024 إلى أن مشاركة الحزب الواسعة مع النظام السوري في الأعمال الأمنية والعسكرية لقمع الاحتجاجات، ثم لمواجهة المعارضة المسلحة كانت سببًا في تسهيل عمليات اختراق قيادات الحزب من مختلف أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. صعدت إسرائيل عمليات استهداف قادة حزب الله في سوريا بعد العمليات الواسعة لاستهداف قادته في لبنان، ومع اعتقاد إسرائيل أن استهداف قادة الحزب يساعد في تدميره إلى الأبد فإنه من المتوقع أن تزداد وتيرة الاغتيالات في صفوف الحزب، ويصبح تنقل قادته في سوريا وبين سوريا ولبنان فرصة لإعلان حكومة نتنياهو انتصارات جديدة بالتزامن مع صعوبة التقدم البري في جنوب لبنان. تخشى إسرائيل بالتزامن مع التقدم في تدمير البنية الأمنية والعسكرية لحزب الله في لبنان، أن يعيد الحزب تنظيم صفوفه ومقراته ومعسكراته في سوريا، لذلك لا تقتصر الضربات الإسرائيلية على اغتيال قادة الحزب في اجتماعاتهم، أو خلال تنقلاتهم، وإنما هناك رصد لتجمعات العناصر، وإقامة المعسكرات والمقرات البديلة. بعد سنوات من انتشار حزب الله بشكل مباشر في سوريا، وتحديدًا منذ عام 2012، فإن الحزب قد عمل على تشكيل نسخة سورية له، مستفيدًا من بعض الحواضن الشيعية مثل كفريا والفوعة في إدلب ونبل والزهراء في حلب، وبعض أحياء حمص، أو من التجنيد في حواضن أخرى مثل البيئة العشائرية في شرق وجنوب البلاد، ويتوقع أن تكون هذه التجمعات أهدافًا مباشرة لإسرائيل بمقدار تماهيها مع العناصر والقادة القادمين من لبنان. تعاملت تل أبيب مع الخطر الذي يهددها من غزة ومن لبنان على أنه جزء من الحرب الأساسية، وهي حرب إسرائيل مع إيران، لذلك فإن رغبة إسرائيل في إبعاد حركة حماس وحزب الله عن حدودها الجنوبية في غزة، والشمالية في لبنان سوف يساويه في الأهمية أو يزيد عليه حاجتها إلى إبعاد الحرس الثوري الإيراني عن حدودها في الجولان السوري. كانت التسويات التي أشرفت عليها روسيا في الجنوب السوري مبنية على تعهد موسكو لتل أبيب بأن يكون جنوب سوريا خاليًا من القوات الإيرانية لمسافة 100 كيلومتر، بينما أكدت إسرائيل أنها تصر على الانسحاب الإيراني من كامل سوريا، وعليه فإنه من المتوقع أن تستمر عملية استهداف الحرس الثوري الإيراني في كامل الخريطة السورية، بداية من الأماكن الأكثر خطرًا في الجنوب وعلى الحدود مع إسرائيل في ريف دمشق وفي القصير وفي طرطوس، وصولًا إلى شرق البلاد وشمالها. مع عودة ترامب إلى رئاسة البيت الأبيض فمن المتوقع أن تكون الجهود الأميركية داعمة لهذا الاستهداف الإسرائيلي لقوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وتحديدًا المجموعات العراقية، بينما يتوقع أن تشارك العمليات الأمنية والعسكرية الأميركية بشكل مباشر أو غير مباشر في عرقلة الحركة الإيرانية من العراق إلى سوريا. رغم التدمير الكبير الذي ألحقته إسرائيل في غزة والضفة الغربية وادعاءاتها بكسر شوكة المقاومة الفلسطينية فإنَّ استهداف قادة حركات المقاومة الفلسطينية في سوريا ولبنان يظل من الأهداف التقليدية لحكومة نتنياهو التي لا توفر فرصة الإعلان عن هذه الاستهدافات، ضمن حربها الإعلامية الداخلية. كانت سوريا من أهم البلدان التي لجأت إليها قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية في الخارج، وخاصة بعد أن استقبلهم حافظ الأسد ضمن سياساته الخارجية المناهضة لاتفاق أوسلو 1993، وشمل الانفتاح السوري على الفصائل الفلسطينية إقامة المعسكرات، وإتاحة الحركة والنشاط لهذه الفصائل في المخيمات الفلسطينية، فضلًا عن توفير أماكن الإقامة والحركة للقادة، وبشكل رئيسي حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي. بقيت حركة الجهاد في سوريا غير متأثرة بعاصفة 2011 وما بعدها، غير أن حركة حماس لم تناور طويلًا حتى طالها سخط النظام السوري الذي لا يقبل الحياد في معركة الوجود التي كان يخوضها ضد معارضيه. في منتصف نوفمبر تشرين الثاني 2024 نعت حركة الجهاد اثنين من قادتها طالهما القصف الإسرائيلي في دمشق، ومن المتوقع أن يكون أي تحرك لما بقي من قادة الفصائل الفلسطينية في سوريا محل استهداف تحتفل به حكومة نتنياهو وتعلنه ضمن الثأر للأسرى الإسرائيليين الذين جرفهم طوفان الأقصى على أطراف غزة، ثم ضاع أثرهم تحت ركامها. إلى جانب اغتيالات القادة، فقد ركز الاستهداف الإسرائيلي في سوريا على تدمير ما تعتقد تل أبيب أنه يشكل خطرًا مباشرًا على أمنها القومي، ومعظم هذه الأهداف ترتبط بشكل مباشر بالنفوذ الإيراني الأمني والعسكري في سوريا. ربما اختلفت طبيعة العلاقة بين موسكو وتل أبيب، خاصة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، غير أن التفاهمات الروسية الإسرائيلية بقيت سارية بشكل جيد وإن بإطارها العام نسبيًا، حيث لا تستهدف إسرائيل بشكل مباشر المواقع الأمنية والعسكرية التابعة للقوات الروسية في سوريا. رغم الضربة الإسرائيلية التي كانت قريبة من قاعدة حميميم مطلع أكتوبر تشرين الأول 2024، والتي على إثرها طلبت روسيا من إسرائيل عدم تنفيذ الضربات قرب قواعدها في سوريا، فإن ذلك لا يعني بالضرورة انهيار التفاهمات بين الجانبين، بل المتوقع أن تبقى القواعد الروسية بعيدة عن الاستهداف، كما تستفيد إسرائيل من الدور الروسي في سوريا. المواقع العسكرية التابعة للنظام كانت تستهدف من إسرائيل بمقدار ارتباطها بالنفوذ الإيراني في سوريا، حيث الأهداف الرئيسية للضربات الجوية الإسرائيلية هي المواقع الإيرانية، وخاصة الحساسة منها وأهمها ليس من المبالغة القول إنَّ كل ما سبق من الأهداف أصبحت أهدافًا تكتيكية بعد طوفان أكتوبر تشرين الأول 2023، وهذه الأهداف التكتيكية تستمر إسرائيل بالعمل عليها وتوسيعها ضمن هدفها الإستراتيجي، وهو جعل دول الطوق المحيطة بإسرائيل خالية تمامًا من أي كيان يهدد أمنها القومي، سواء كان هذا الكيان أنظمة تحكم الدول المحيطة بها، أو كيانات ما دون الدولة بصرف النظر عن تموضعهم السياسي ضمن الدولة. لقد استيقظت إسرائيل من كابوس كاد أن يهدد وجودها في أكتوبر تشرين الأول 2023، وهي غير مستعدة للمقامرة من جديد بأن يكون على حدودها من يعاديها ويحشد قواه وإمكاناته ضدها، وهي لن تثق مجددًا بالوساطات الإقليمية والتعهدات الدولية والقرارات الأممية، فحكومة نتنياهو في حربها على غزة ثم لبنان أنهت احتضار حل الدولتين الذي بقي ينازع طويلًا، واتجهت لتنفيذ إخراج حزب الله من جنوب الليطاني، ومن المتوقع أن تجتاح المنطقة العازلة جنوب سوريا، وصولًا إلى خط برافو 1974. وتحقيقًا لأمنها الإستراتيجي فإن إسرائيل، وبدعم كامل من الولايات المتحدة، لن تكتفي بتدمير غزة وجنوب الليطاني في لبنان وأجزاء من جنوب سوريا، بل ستتجه إلى إنهاء وجود حركات المقاومة الفلسطينية وإنهاء حزب الله في لبنان، وضمان وجود نظام غير مرتبط بإيران في كل من سوريا ولبنان. يعلم النظام في سوريا أن كل الحسابات والتوازنات وقواعد الاشتباك قد تغيرت منذ عام حتى الآن، وقد أرسلت تل أبيب للنظام العديد من رسائل التحذير، لكنه يدرك أنه لا يستطيع الانفكاك عن محور المقاومة والممانعة الذي تقوده إيران بشكل كامل، فضلًا عما تريده إسرائيل من أن يكون نظام الأسد جزءًا من إخراج إيران من سوريا. وربما ستصل للنظام في الفترة القادمة رسائل من تل أبيب أكثر مباشرة وقسوة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/11/25/%d8%a3%d8%a8%d8%b1%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%aa%d8%b3%d8%aa%d9%87%d8%af%d9%81%d9%87%d8%a7-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%81%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-11-24T21:07:55
2024-11-25T12:54:03
مقالات
2,208
اعتذار الغزالي حرب وتحولات التطبيع والمطبعين
وكنت بدوري شاهدًا- عند انتقالي داخل مؤسسة “الأهرام” إلى قسم الشؤون العربية بالجريدة اليومية ربيع 1998- على عمق الاختراق التطبيعي الذي حل مع موجة “أوسلو”، وبتشجيع مباشر أو غير مباشر من سلطة الحكم
تحت عنوان من كلمة واحدة اعتذار وخلفها علامة تعجب، كتب الدكتور أسامة الغزالي حرب قبل يومين في عموده اليومي بجريدة الأهرام ما لم يكن ممكنًا تصوره منه وغيره من رموز التطبيع مع إسرائيل في الصحافة والثقافة بمصر والعالم العربي على مدى نحو أربعة عقود. قال نصًا إنني اليوم- وقد تابعت بغضب وسخط وألم، ما حدث ولايزال يحدث من جرائم وفظائع في غزة يندى لها جبين الإنسانية... أقول إني أعتذر عن حسن ظني بالإسرائيليين، الذين كشفوا عن روح عنصرية إجرامية بغيضة. أعتذر لشهداء غزة، ولكل طفل وامرأة ورجل فلسطيني. إني أعتذر. ولا أعرف هل هي مجرد صدفة أن ينشر د. حرب هذا المقال في الذكرى السادسة والأربعين للفعل المؤسّس للتطبيع الرسمي المعلن في العالم العربي؛ أي زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس يوم 19 نوفمبر 1977؟. لكن ما أعلم وغيري أن صاحب مقال الاعتذار نشر في العمود نفسه بتاريخ 22 مارس هذا العام تحت عنوان الصحفيون والتطبيع، معترضًا على تجديد الجمعية العمومية لنقابتهم المصرية قرارها حظر التطبيع بكافة أشكاله، وقال نصًا هذا القرار خاطئ مهنيًا ووطنيًا وقانونيًا.. والذهاب لإسرائيل حقّ شرعي لأي مواطن. وما أعلم، وغيري كذلك، أنّ صاحب المقال- ولو أخذناه كدراسة حالة لفريق المطبعين على هذه الجبهة المفتوحة في الصحافة والثقافة السياسية بمصر منذ عقد السبعينيات- يلخص تحولات وتناقضات تستحق أن توضع تحت المجهر، واليوم مع دخول حرب الإبادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني والمرحلة الجديدة من المقاومة المسلحة الفلسطينية العربية أسبوعها السابع. وسأحاول هنا تلمس الدروس والعبر في مسار هذه الحالة بين الكتّاب والباحثين المبرزين عندنا، ومع إشارات لمواقف آخرين في مؤسسة الأهرام نفسها، وأيضًا بالاستعانة بشهادتي وخبرتي العملية حول بعض ما جرى بها ولها من تطبيع. عندما كانت الاستعدادات جارية بعد هزيمة 1967 لإزالة آثار العدوان بالمصطلح الناصري نسبة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتلافي أسبابه كالجهل بالعدوّ، وُلد مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام عام 1968 وتحت تسمية مركز الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية، وذلك برعاية من الرئيس والراحل الأستاذ محمد حسنين هيكل، رئيس مجلس إدارة المؤسسة ورئيس تحرير جريدتها اليومية. وُلد المركز بالأصل والأساس لدراسة الصهيونية والمجتمع الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية. واليوم يفخر، وَفق موقعه الإلكتروني، بأنه يضم 6 وحدات، و3 برامج بحثية، لكن لا يبدو من بينها ما تأسس أولًا بهدفه ومن أجله. كما أن قائمة إصدارات المركز الدورية أصبحت 12 مطبوعة؛ واحدة منها فقط تعالج هذا الانشغال، وتحمل عنوان مختارات إسرائيلية، وصدر العدد الأخير منها رقْم 286 في ديسمبر 2019، وبعدما استمرت شهريةً اعتبارًا من 1995. في عام 1977، وبعد نحو 9 سنوات من تأسيس المركز التحق به د. حرب ضمن مجموعة من زملائه الباحثين الشبان خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وسرعان ما بدا أن عددًا بينهم ذهبوا إلى التطبيع، في انقلاب على ماضيهم الشخصي وبدايات اجتهاداتهم البحثية. وهذا على الرغم من كون انتماءاتهم السابقة تتراوح بين الناصرية والقومية العربية واليسارية، مع المرور بتجربة منظمة الشباب الاشتراكي التي أسستها الدولة المصرية 1966، وإن لم يمنع هذا من اعتقالات بينهم قبل الالتحاق بالمركز بسنوات معدودة، وكان د. حرب ممن شملهم هذا الاعتقال. وعلى الأقل أصبح ثلاثة- من إجمالي أبرز أربعة بين هذه الدفعة من باحثي المركز- على قائمة إدانة نقابة الصحفيين المصريين بين فبراير ومارس 1997 لمنتهكي قراراتها بالمقاطعة، مع توجيه عقوبة لفت النظر لكل منهم . وهذا بعدما أقدمَ ثلاثتُهم وآخرون من كتّاب وصحفيين بـ الأهرام وغيرها، على لقاء بنيامين نتنياهو بالقاهرة، وهو رئيس لوزراء إسرائيل، أو زيارتها. وكنت بدوري شاهدًا- عند انتقالي داخل مؤسسة الأهرام وقسم الشؤون العربية بالجريدة اليومية ربيع 1998- على عمق الاختراق التطبيعي الذي حل مع موجة أوسلو، وبتشجيع مباشر أو غير مباشر من سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية. وأدهشني على الفور أن عددًا لا بأس به بين زملائي بالقسم، يتحدث دون حرج عن زيارة إسرائيل والقدس المحتلة والضفة الغربية، وبالطبع بموافقات وتأشيرات الدولة الصهيونية. كما كنت لسنوات عديدة شاهدًا- على- وطرفًا في صراع شبه يومي حول المصطلحات المستخدمة في تحرير الأخبار بالجريدة عن فلسطين وإسرائيل. خلال السنوات التّسع بين 68 و 1977 كانت مياه كثيرة قد جرت في النهر، مع تغير النظرة للصهيونيّة وإسرائيل في مصر الرسمية، وبالتالي الأهرام ومركزها هذا. وهو ما كان ليحدث لو توافرت الاستقلالية الواجبة عند الباحثين والكتّاب والمثقفين والمركز نفسه إزاء السلطة في المؤسّسة الصحفية والدولة. ويمكنني وصف ما جرى، وتحديدًا بمثابة انقلاب، وإن قال د. حرب في حوار عن مسيرته مع المركز والأهرام بعدد 6 أغسطس 2021 من الجريدة- وبعدما أشار إلى حالة الغضب بين المثقفين المصريين جراء عملية كامب ديفيد وخيارات وسلطة الرئيس الراحل أنور السادات- إن ياسين السيد ياسين مدير المركز اعتبارًا من 1975 وحتى 1994 أعاد هيكلته ... وأتاح قدرًا كبيرًا من حرية التواؤُم مع الموقف بعيدًا عن فكرة المقاطعة، فاستقبلنا مثلًا بعض كتّاب اليسار الإسرائيلي والتقينا بهم وحدثت نقاشات. والحقيقة أن ما جرى يعد انقلابًا في مركز أصدر موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية رؤية نقدية للراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري عام 1975، وحيث كان يتولى مسؤولية وحدة الفكر الصهيوني به منذ 1970 وحتى عام إصدار الموسوعة. وقد رَوى لي- رحمه الله- كيف بدأت الصعوبات والعراقيل حول إصدار هذه الموسوعة، ومن داخل الأهرام ومركزها مع التحوّلات والتوجيهات والقيادة الجديدة. ونتيجة لهذا قرّر أن يشرع في العمل بموسوعته الأضخم اليهود واليهودية والصهيونية بجهد ذاتي انطلاقًا من عام 1983، وبعيدًا عن المركز والأهرام؟. وما حدث مع منتصف السبعينيات- وتولي ياسين إدارة المركز وتغيير تسميته- أن تشكلت 6 وحدات بحثية للدراسات الاجتماعية، والاقتصادية، والعلاقات الدولية، والنظم السياسية، للشؤون العربية، والعسكرية. وهكذا لا فلسطين ولا صهيونية. ولا يفوتني هنا الإشارةُ إلى أن من بين ضحايا هذا الانقلاب الراحل الدكتور سامي منصور. ولعلّه كان الأحق بإدارة المركز؛ لاعتبارات تتعلّق بالكفاءة البحثية وبالنزاهة والعلمية، ولأنه أيضًا كان من داخل الأهرام، والمركز منذ تأسيسه. ولا أعتقد أن تهميش هذه القامة- حتى رحيله في نوفمبر 2015- يعود إلى أنه كان محسوبًا على هيكل بعدما غضب عليه السادات وأقاله من رئاسة الأهرام فبراير1974. وهذا لأنّ كثيرين كانوا محسوبين على هيكل أقل في القدرات والكفاءة منه صعدوا لاحقًا إلى مواقع قيادية في المؤسسة والدولة المصرية، واستمروا في النشر. واللافت أيضًا أن ثلاثي المركز- الموثق عند النقابة قيامُهم بالتّطبيع خلال عقد التسعينيات- شغلوا بدورهم مناصب قيادية، وعلى خلاف حال بقية جيل الباحثين الملتحقين بالمركز مع انقلاب ما بعد منتصف السبعينيات. والحقيقة أنَّ للدكتور منصور مواقف مشهودة ضد التطبيع، فهو الذي بادر- ومن موقع مقرر لجنة الحريات وعضو مجلس نقابة الصحفيين يوم افتتاح وتدشين السفارة الإسرائيلية بالقاهرة- بالتقدم إلى مجلس النقابة بمذكرة مقترحات من أجل التصدي لتداعيات هذا الحدث بالمقاطعة المهنية والحفاظ على ثقافة مكافحة الاستعمار العنصري الصهيوني وتطويرها. واحتفظ عندي بصورة ضوئية من خبر عن هذه المذكرة انفردت الشعب، الصحيفة المعارضة الوحيدة الباقية حينها، بنشره في عدد 26 فبراير 1980. وهذا بينما امتنعت كل الصحف المصرية الأخرى، بما في ذلك الأهرام. وأُتيحَ لي في 17 نوفمبر 2015 و25 نوفمبر 2016 نشر مقالَين بالأهرام مع رحيل د. منصور وفي ذكراه السنوية الأولى، وأنهيت الأخير منوهًا بمبادرته ضد التطبيع، وعلى هذا النحو هذا الموقف اختيار كاتب ومثقف وناصري يساري من طراز خاص قرر الاتساق مع فكره وضميره، وفيما أخذ رجال كامب ديفيد- ممن رافقوا السادات إلى القدس المحتلة- يحكمون قبضتهم على المؤسسات الصحفية والبحثية، ويصادرون كل رأي مختلف ومعلومة لا تروق للريس. ولعلَّ في تكلفة هذا الاختيار ما يساعدنا على فهم سامي منصور الرجل والظاهرة. في تأمل تفعيل نقابة الصحفيين المصريين لقراراتها التاريخية بالمقاطعة وحظر التطبيع بكل أشكاله مهنيًا وشخصيًا ونقابيًا، ما يحمل المفارقات والتناقضات، وكأننا إزاء حالة من انفصام الشخصية شيزوفرينيا، ولكن على نحو جماعي. فمن جانب، كان يجرى انتخاب من تورطوا في زيارة إسرائيل بمجالس النقابة. وهنا فإن د. حرب نفسه نجح على قائمة النقيب الراحل إبراهيم نافع في دورة 1999 ـ 2003، وحتى بعد إدانته بانتهاك قرارات النقابة حظر التطبيع ولفت نظره. وفوق كل هذا، فإن نافع نفسه ومع النقيب الراحل مكرم محمد أحمد كانا قد زارا القدس المحتلة قبل أن يجرَى انتخابهما على رأس النقابة في استحقاقات تمتد بين 1985 و2009، ولخمس دورات لكل منهما. وفي المحصّلة ولليوم، ظلّ تنفيذ مجالس النقابة، عقوبات خرق قرارات المقاطعة ليسَ في مستوى نصوصها، أو ما تشهده اجتماعات جمعيتها العمومية حتى هذا العام من حماسة للتشديد على حظر التطبيع. فالقليل جدًا من بين أعضاء النقابة المطبعين وصلوا إلى مرحلة التحقيق معهم اكتفاءً بالأهون لفت النظر. وهو أدنى من العقوبات التأديبية التي تبدأ بالإنذار وتنتهي بالشطب من العضوية. أما مَن مثلَ أمام التحقيق النقابي، فلم تتجاوز عقوبته المنع من مزاولة المهنة لأقل من سنة واحدة، مع شكوك حول المثابرة في متابعة تفعيل العقوبة. وفوق كل هذا، فإن قرارات المقاطعة من نقابة الصحفيين- والتي تعد بحق سباقة بين النقابات المهنية المصرية في هذا السياق- ظلت محل جدل وشد وجذب بشأن تفسيرها وتعريفها وحجيتها. بالمقارنة مع مقال سابق بموقع الجزيرة مباشر منشور في 8 أكتوبر الماضي تحت عنوان لا أقل من وقف التطبيع، يمكنني ملاحظة مدى التقدم في مصر غير الرسمية مقارنة بالأيام الأولى للحرب على غزة والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته. فسرعان ما تخلت نقابات- وبينها نقابة الصحفيين مع أحزاب وكتّاب- عن تجنّب التمايز كثيرًا عن موقف الدولة. وهو ما كان في السابق لنحو عشرِ سنوات، وفي ظلّ أعتى موجة لشيطنة حماس في مصر. وهكذا جاءت الدعوات صريحة تطالب ليس فقط بسحب سفير مصر في تل أبيب وطرد السفير الإسرائيلي بالقاهرة. بل عادت بعد طول غياب الدعوة لطرح اتفاقات السلام مع إسرائيل على استفتاء شعبي لإلغائها أو تجميدها. وهذا مع استعادة حقائق أن هذا السلام لم يكن يومًا مقبولًا من أغلبية المصريين. وكذلك لحقيقة كونه خيارًا انفرد به حاكم وسلطة وقوى اجتماعية سياسية، وفي سياق غير ديمقراطي، وبدون السماح للشعب بإبداء رأيه والتأثير بالوسائل السلمية المشروعة على هذا الخيار، والمضي فيه لليوم. والملاحظ الآن أن طوفان الأقصى وحرب الإبادة الجارية على غزة أحدثا، بمضي الوقت، تحولات في خطاب ومفردات الثقافة السياسية عند العديد من الأحزاب والنقابات، وحتى الصحف المملوكة للدولة كـ الأهرام، وليس د. حر ب وحده، كما جاء في مقاله قبل يومين. وهي تحولات تعيد اكتشاف واستجلاء حقائق الصراع الصهيوني العربي بعد عقود من تعمّد طمسها وتغييبها، بل وحظرها. وعلى سبيل المثال، من كان يتصور أن تظهر على صفحات الأهرام بعد كل هذه العقود عناوينُ تستخدم مفردات في اللغة، مثل الكيان الصهيوني ووصفه بالإرهابي، بل والجبان؟، وحتى في صفحات الرياضة، ظهر قبل أيام عنوان تضمن كلمات على هذا النحو منتخب الكيان الصهيوني. ولكن من خبرة سنوات طوال- صمد خلالها هذا السلام غير الشعبي وغير الديمقراطي في مصر والتطبيع مع دولة غير طبيعية والقبول والاعتراف بعقيدة عنصرية إرهابية الصهيونية معتمدة لدولة لا يمكن التعايش معها- يصعبُ الثقة بدوام وثبات هذه التحولات الأخيرة وقدرتها على التأثير على السياسات الرسمية. وهذا سواء على مستوى الخطاب الصحفي والسياسي والنقابي بصفة عامة، أو بالنسبة لمن هم كحال د. حرب. وببساطة لأن البلد، كغيره من المجتمعات العربية، يفتقد إلى آليات ديمقراطية فاعلة وتراث متصل راسخ في احترام المواطن وحقوقه وخياراته، ولوعي غالبية المثقفين بجوهرية الاستقلالية عن السلطة، وأهمية ممارسة منظماتهم لها. وأيضًا لأن التطبيع أنجز خلال نحو 46 سنة قوى ومصالح اقتصادية واجتماعية وسياسية مؤثرة، وفي أعلى المستويات وأكثرها خطورةً ونفوذًا. وهذا على النقيض من استمرار معارضته من أغلبية الشعب المصري، كما تفيد استطلاعات رأي عديدة متوالية. وعلى أي حال، تظل للفتة اعتذار الدكتور أسامة الغزالي حرب وأمثالها أهميتها ودلالاتها، وإن كان من السابق لأوانه الإجابة عن السؤال هل هذه مراجعة حقيقية شاملة ومنتجة، وتصمد بعد أن تسكت المدافع؟. ولعل التساؤل نفسه يحق كذلك بالنسبة لمآل اعتذار آخر جاء مساء ذات يوم نشر مقال د. حرب من مؤتمر جماهيري بالدار البيضاء على لسان الأمين العام للعدالة والتنمية الإسلامي بالمغرب عبد الإله بن كيران عن توقيع حكومة حزبه اتفاق التطبيع مع تل أبيب في 10 ديسمبر 2020. حقًا؛ هل تصمد هذه المواقف الجديدة المعلنة بعد سكوت المدافع؟. ــــــــــــــــــــــــــــــــ الإشارة هنا للدكاترة عبد المنعم سعيد و طه عبد العليم، وإلى جانب د. أسامة الغزالي حرب،. وقد تخرجوا جميعًا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بين 69 و1972. وصدرت قرارات المجلس بشأنهم بـ لفت النظر جراء التطبيع في غضون عام 1997. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/21/%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d8%b0%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b2%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d9%88%d8%aa%d8%ad%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d8%b9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2023-11-20T22:11:50
2023-11-21T07:31:22
مقالات
2,209
القوة والنفوذ في آسيا من سيفرض هيمنته؟
يبرز تقرير معهد “لوي” تعقيدات توازنات القوى في منطقة المحيطين: الهندي والهادئ، في ظل التنافس المستمر وعدم قدرة أي من القوى الكبرى على تحقيق الهيمنة الكاملة.
قبل حوالي عام من الآن، أصدر معهد لوي ومقره في سيدني، تقريره الأحدث حول مؤشر نفوذ القوى الدولية بالقارة الآسيوية، مسلطًا الضوء على الديناميكيات الجيوسياسية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، حيث اعتمد التقرير على مجموعة من البيانات التي تصنّف الدول بناءً على قدرتها على التأثير في الأحداث الدولية، وتوجيه سلوك الدول الأخرى في المنطقة، كما أنه يغطي 26 دولة تمتد من باكستان في الغرب إلى روسيا في الشمال، وصولًا إلى المحيط الهادئ. بناء على المعطيات التي وردت بهذا المؤشر أو التقرير، فإن الولايات المتحدة الأميركية تتصدر المشهد كأقوى دولة في المنطقة، متفوقة على الصين، واليابان، والهند، وروسيا. ويرجع تفوق الولايات المتحدة إلى أدائها في ستة من المؤشرات الفرعية الثمانية التي يعتمد عليها التقرير. هذه المؤشرات تشمل القدرة الاقتصادية والعسكرية، القدرة على الصمود، الموارد المستقبلية، الشبكة الدفاعية، والتأثير الثقافي. بينما تتصدر الصين في مجالَي النفوذ الدبلوماسي والعلاقات الاقتصادية، مما يعكس نموها السريع وقوتها المتزايدة. فتقرير لوي يعتمد في تحليله على مجموعة من 133 مؤشرًا لقياس القوة، بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي، وعدد الشركات المدرجة في قائمة فوربس 2000، وحجم صناديق الثروة السيادية. تشمل المؤشرات أيضًا عوامل مثل عدد السفارات وعدد مرات البحث على الإنترنت، وحتى عدد ناطحات السحاب، والتي تعتبر رمزًا للهيبة الاقتصادية والديناميكية. أحد أهم الجوانب التي يبرزها التقرير هو دور الدول المتوسطة، مثل اليابان، والهند، وروسيا. على الرغم من تصدر الولايات المتحدة والصين للمشهد، تلعب هذه الدول دورًا حيويًا في تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة. على سبيل المثال، أستراليا جاءت في المرتبة السادسة متفوقة على كوريا الجنوبية، واقتربت من روسيا التي تأثرت بوضوح نتيجة الحرب في أوكرانيا. فبينما تبقى الصين تستمد قوتها من موقعها المركزي في النظام الاقتصادي العالمي، تعتمد الولايات المتحدة على قوتها العسكرية وشبكات الدفاع الإقليمية. هذا التوازن غير المستقر بين القوى العظمى يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الدولية في المنطقة، ويعكس عدم اليقين بشأن قدرة الدولتين على الحفاظ على توازن القوى دون الانجرار إلى مواجهات مباشرة. من اللافت للنظر أن القرن الصيني لم يعد السيناريو الأكثر ترجيحًا. فمن غير المتوقع حسب المعطيات أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد الحالي، وإذا حدث ذلك في المستقبل، فمن المحتمل أن تواجه تحديات مشابهة لتلك التي واجهتها الولايات المتحدة في الماضي. هذا يفتح المجال لسيناريو بديل يتمثل في منطقة متعددة الأقطاب، تقودها مجموعة من القوى الكبرى. في هذا السياق، وهو ما يبرزه تقرير لوي، تصبح تصرفات وخيارات الدول المتوسطة أكثر أهمية في تشكيل طبيعة النظام الإقليمي. هذه الدول تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز استقرار المنطقة والتعاون بين القوى المختلفة، مما قد يساهم في تجنب الصراعات المباشرة والعمل نحو حلول مشتركة. عود على بدء يبرز تقرير معهد لوي تعقيدات توازنات القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في ظل التنافس المستمر وعدم قدرة أي من القوى الكبرى على تحقيق الهيمنة الكاملة. وعليه؛ فمن المتوقع أن يشهد المستقبل تحولات مهمة في التنافس الإقليمي، مع تطور تحالفات جديدة وتغير في موازين القوى. إذ يمكن للتكنولوجيا والابتكار أن يلعبا دورًا متزايد الأهمية في تعزيز قدرات الدول، مما قد يغير من ديناميكيات القوة، كما أن التحديات العالمية المشتركة مثل التغير المناخي والأمن السيبراني، قد تدفع الدول نحو مزيد من التعاون وتنسيق الجهود. ومهما يكن من أمر؛ ستظل منطقة المحيطين الهندي والهادئ محورًا رئيسيًا للتنافس والتعاون، ومراقبة تطوراتها ستكون أساسية لفهم مستقبل النظام الدولي بشكل عام. وقد جاء مؤشر لوي ليسلط الضوء على حجم نفوذ القوى الدولية في آسيا ومستقبلها؛ فأهميته تبدو كبيرة كونه يوفر تحليلًا شاملًا ودقيقًا لتوازنات القوى في منطقة حيوية ومتنافسة جيوسياسيًا، مثل المحيطين الهندي والهادئ، ويعكس القدرة النسبية للدول على التأثير في الأحداث الدولية وتوجيه السياسات، مما يساعد الحكومات وصناع القرار على فهم الديناميكيات المعقدة للمنطقة، وتحديد التهديدات والفرص الإستراتيجية، وتطوير سياسات فعالة للتعامل مع المنافسات والتعاونات الدولية. كما يساهم في توفير رؤى معمقة للباحثين والمحللين حول التطورات الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية، وبالشكل الذي يدعم الدراسات الأكاديمية والتحليلات المستقبلية للعلاقات الدولية ونفوذ القوى العظمى والصاعدة عسكريًا واقتصاديًا وثقافيًا ودبلوماسيًا ويطرح سؤالًا لمن ستكون الغلبة واليد الطولى في فرض النفوذ بالمنطقة الآسيوية مستقبلًا في ظل التنافس الصيني الأميركي؟ ويبقى القول إنه بالنظر إلى التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المستمرة، يبقى المستقبل غير مؤكد، فهل ستتمكن الصين من تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي لتتجاوز الولايات المتحدة؟ أم ستظل الولايات المتحدة مهيمنة بفضل قوتها العسكرية وشبكاتها الدفاعية الواسعة؟ كما أن دور القوى المتوسطة الصاعدة مثل اليابان، وكذلك الهند، وروسيا، سيظل حاسمًا ومركزيًا في تشكيل مستقبل النظام الإقليمي وفرض هيمنته. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/7/2/%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%81%d9%88%d8%b0-%d9%81%d9%8a-%d8%a2%d8%b3%d9%8a%d8%a7-%d9%85%d9%86-%d8%b3%d9%8a%d9%81%d8%b1%d8%b6
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-07-02T07:06:16
2024-07-02T07:06:16
مقالات
2,210
ما بعد الاحتفالات.. ما التحديات الكبرى في طريق سوريا الآن؟
الأفراح وحدها لن تغير واقع هذا البلد العربي الكبير ولن تقدم حلولًا عاجلة لما يرزح تحته من مشكلات ولن يزيح من الطريق كثيرًا من التحديات التي يلزم التصدي لها والتعامل معها دون إبطاء.
مضت سبعة أيام كاملة على انتهاء نظام الأسد وهروبه، وما تبع ذلك من أفراح وقصص وحكايات عما مرّ به كثير من أهل سوريا من معاناة سواء التشريد والنزوح أو السجون والتعذيب، وهي قصص يندى لها جبين الإنسانية. لكن الأفراح وحدها لن تغير واقع هذا البلد العربي الكبير، ولن تقدم حلولًا عاجلة لما يرزح تحته من مشكلات، ولن يزيح من الطريق كثيرًا من التحديات التي يلزم التصدي لها والتعامل معها دون إبطاء. يحمل العالم الغربي وكذلك المحيط العربي نظرة غير جيدة لهذا الشكل من القادة بالنظر لخلفياتهم الفكرية والأيديولوجية السابقة، وما يبدو عليهم من سمات توحي بأنهم سيكررون بعض نماذج الإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي، سواء لارتباطهم بتنظيم القاعدة، أو هيئة تحرير الشام، وغير ذلك من الحركات والفصائل التي لا تخفَى هويتها، مما يدخلهم في تصنيفات جاهزة، مثل الإرهاب، أو التطرف، أو التشدد، أو أسلمة الدولة والمجتمع، أو اضطهاد الناس على خلفية معتقداتهم وغير ذلك. وهناك لدى الغرب وغيرهم من أعداء الأمة الإسلامية مخزون رهيب من الحملات الدعائية الناجحة جدًا، والصور النمطية الجاهزة لتشويه الصورة من خلال عناصر الهوية والسمات فقط. هناك جهات ودول تضررت من سقوط الأسد ونظامه وهي قوى قادرة وذات إمكانات وتستطيع التأثير سلبًا في المرحلة القادمة، ولديها أسبابها ومبرراتها، وتلزم خطط للتعامل مع هذا التحدي، وستكون سوريا بحاجة إلى عزل كل مصادر التشويش من خلال بناء علاقات مستقرة مع كل هذه القوى، بدلًا من الصدام معها، أو تركها لتعمل ما يناسبها. تعيش أميركا مرحلة انتقال السلطة بين إدارة بايدن وإدارة ترامب، وهذا الأخير غير معروف الاتجاه ولا مضمون المواقف، وغالبًا سيكون موقفه معاكسًا للقيادة السورية الجديدة، خلافًا لما تحمله إدارة بايدن التي تغادر البيت الأبيض، ولا يهمها كثيرًا ما سيجري بعد ذلك. وهي عملية قد تبدو سهلة في الظروف الراهنة، لكنها تصبح أكثر صعوبة مع تقدم الأيام وبدء مرحلة التمكين والتحكم بمفاصل الدولة وإمكاناتها وجغرافيتها، والمنطق السليم أن يدخل الجميع في إطار جيش وطني يجمع الكل، ويمنع أي تصادم أو صراع، خصوصًا عندما تتضح مواقف كل القوى المحيطة بسوريا، وطبيعة العلاقات التي ستبنيها مع سوريا الجديدة. لا أدعي المعرفة، ولكن أتوقع أن النظام السابق لم يترك في خزائن سوريا شيئًا وربما أغرقها في الديون، وهذا سيجعل الإدارة الجديدة صعبة للغاية، وستزداد الحاجة لمساعدة الآخرين سواء إقليميًا أو دوليًا، ولا شيء يُعطى بدون ثمن. وهو ملف شائك فكم من المظالم، وكم من المطالبين بالتعويض، وكم من الراغبين بالانتقام وغير ذلك، والمطلوب التعامل بحساسية وشفافية وحزم مع هذا الموضوع، وعدم ترك الناس دون خارطة طريق واضحة تمكنهم من الحصول على أي حقوق أُهدرت، وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار. غالبًا سيكون هذا هو أكبر التحديات وأهم العقبات، وقد بدا ذلك منذ اليوم الأول لسقوط الأسد، فالإسرائيلي لن يرتاح له بال إلا إذا دمر كل إمكانات سوريا، وأضعف قوتها وشل قدرتها على التفكير في الاحتكاك به أو الصدام الخشن معه، ليس فقط من أجل الحقوق السورية كجبل الشيخ والجولان والمنطقة العازلة والتصدي للغارات الدائمة، ولكن أيضًا من أجل فلسطين وغزة والقدس التي تنتظر من سوريا الجديدة موقفًا قويًا مساندًا، كما ينتظر المواطن السوري شعورًا بالأمان من عدوان الاحتلال، ولن يقبل تكرار أفكار مثل حقّ الرد في الزمان والمكان المناسبين. ومن المؤكد أن القيادة السورية الجديدة وداعميها يدركون كل هذه التحديات، لكنهم بحاجة لإشراك جميع السوريين في خططهم لمواجهة كل ذلك؛ لأن تجارب الشعوب تؤكد أن طريق النجاح يتطلب جمع الصفوف، والنظر للأمام فقط، والاستفادة من الماضي، بدلًا من البكاء على اللبن المسكوب. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/12/15/%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d9%81%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a8%d8%b1%d9%89
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-12-14T22:33:17
2024-12-14T22:33:17
مقالات
2,211
باب الجحيم الذي لن يتمكن الغرب من السيطرة عليه
يقدم المقال تحليلًا شاملًا لتداعيات الحرب على غزة وآثارها على السياسة الدولية والضمير العالمي في ظل تغييرات هيكلية عميقة في ميزان القوى العالمي.
ليس لنا الحق أن نتعامل كما يتعامل المؤرخ مع الأحداث، كما الحرب التي استعرت منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول من السنة المنصرمة؛ لأن المؤرخ يتعامل مع الأحداث بتجرد، كمن يجس جثة هامدة. لا يسوغ أن ننظر إلى الحرب على غزة كما لو أنها ولّت، أو أن نذهل عما يكتنفها من ألم وحسرة وغضب، ونتفكر في الآتي. لا نؤرخ، بل نستبصر، ونتفكر.. نُذكّر بشيء تأباه بعض الآذان، أن ما قبل 7 أكتوبرتشرين الأول، كان نموذجًا لواقع مأزوم. لمعاناة يومية للفلسطينيين، لمداهمات مستمرة على القدس، لتفتيش مُذل في المعابر، لسجناء يقبعون في الزنازن، بل يموتون ببطء، لالتفاف حول القضية الفلسطينية، وتأهب لوأدها ولما تزلْ حية. هل نجرؤ أن نقول إن هناك ما بعد، كما قال صحفي في جريدة الأوبزرفر جيسون بورك Jason Burke، اليوم الذي غيّر العالم، 29 سبتمبر أيلول.. هناك مزيج مما بعد، لأن العالم لم يعد كما كان، ولن يكون، وهناك الآن، وهو حاضر مستمر، من التقتيل والتهديم والتهجير.. وهناك غدٌ يكتنفه الضباب، وملبد بالغيوم. لم يعد العالم كما كان؛ لأن هندسة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها الأمم المتحدة والتي أسست كي لا يتكرر ما حدث خلال الحرب، تتهاوى. والبشاعة تعود أشد ضراوة. كل ما يمكن أن يكون ضميرًا، معطّل أو مشلول. الأمم المتحدة لم تعد عاجزة فقط، بل متهمة.. الجمعية العامة، الأمين العام للأمم المتحدة، الأونروا، كلها في قفص الاتهام. القوى الناهضة لم تحرك ساكنًا، سوى الشجب الخطابي. لا الصين ولا روسيا استطاعتا أن تُغيرا من مآل الأمور. استفردت الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، وسيغدو من العسير غدًا أن يُطل الدب الروسي، أو التنين الصيني، أو الاتحاد الأوروبي العجوز، كي يسهم أحدهم في وضع قواعد اللعبة في منطقة ملتهبة. ستتسمّر المنطقة حتى إشعار آخر، تتأوّد على نغمات السِلم الأميركي. الولايات المتحدة هي واضعة قواعد اللعبة، ورأس قواعد اللعبة هو الدفاع عن إسرائيل، ومدها بالسلاح، وبالخبرة، وبالمعلومة الاستخباراتية والتغطية الدبلوماسية. تغيرت الدبلوماسية الأميركية التي كانت فجّة في وضوحها، وأضحت كيّسة في غموضها. تريد وقف النار، وتُمِد إسرائيل بالسلاح. تعبر عن انشغالها لما يحيق بالمدنيين، ولا تقوم بشيء فعلي لإيقاف الحرب. أصبحت الولايات المتحدة تتقن اللغة الأورويلية، فتقول الشيء الذي يفيد نقيضه، وتمزج بين الدبلوماسية التي ترضي كل الأطراف، علنًا، وبين الترسانة العسكرية التي لها توجه واحد ووحيد، أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، وتحقيق العدالة. لا خطوطَ حمراءَ، ولا قانونَ دوليًا، يقف أمام هذا التوجه الذي ترعاه الولايات المتحدة. فصل جديد يلوح من السلم الأميركي، في المنطقة، يقوم على القوة، وعلى إقْبار العدل. أوروبا خارج التغطية، لا تتكلم لغة واحدة. بريطانيا وألمانيا جزء من الجوقة الأميركية، وفرنسا تسعى أن تجد لها دورًا من دون أن تمسّ الكرة، كلاعب كرة قدمٍ شارد، يجري هنا وهناك، بغير كرة، ولو بدا منه الجهد. لم يعد العالم كما كان، لأن هندسة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها الأمم المتحدة التي تأسست كي لا يتكرر ما حدث خلال الحرب، تتهاوى. والبشاعة تعود أشد ضراوة الحرب تغيرت. في كل الحروب، يكون القتلى من العسكريين أكثر من المدنيين، أما في حرب غزة، فالمدنيون هم القتلى، والنساء هن الضحايا، والأطفال هم الموتى. تجري العمليات العسكرية في بؤرة، هي غزة، ولكن لها امتدادات في أمكنة عدة، في الضفة الغربية، ثم في أماكن بعيدة، في سوريا، والأردن، والعراق، واليمن، ومحاذية كما لبنان. وهكذا، يُقتل جنود أميركيون في الأردن بتاريخ 28 ينايركانون الثاني، فترد الولايات المتحدة في العراق. إيران تشن درونات على إسرائيل في 13 أبريل نيسان ردًا على مقتل طاقمها العسكري في دمشق. ضربات جوية إسرائيلية على سوريا في 8 سبتمبر أيلول. هجمات بريطانية أميركية على اليمن في 4 فبراير شباط. قصف جوي إسرائيلي على ميناء الحُديدة باليمن. مقتل إسماعيل هنية في طهران 31 يوليو تموز. استحلال الضفة الغربية وتقتيل مستعر. ثم حرب سيبرانية على أجهزة البيجر، ومن فصولها، ولمّا تنتهِ، مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله. رقعة المواجهة واسعة، والفاعلون متعددون. حرب شاملة، في أمكنة متعددة. لم تعد هناك وحدة كما وحدة مسرح مكان معلوم، وزمن معين، واتساق معنى. المكان يتمدد، والزمن غير خطي، والحرب بلا اتساق. ليس لأن الحرب بلا معنى أصلًا، ولكن لأن الضحية يُصوّر بصفته جلادًا، والجلاد بصفته ضحية. الحرب التي تشنها إسرائيل، هي في خطابها، من أجل الحضارة ضد البربرية. والحضارة، هي قصف المنشآت المدنية، وقتل الأطفال وهدم المستشفيات. تتوارى قواعد الحرب، كما هو متواضع بشأنها، ليصبح الإرهاب جزءًا من الحرب الجديدة. وكيف نسمي قصف المدنيين بلا جريرة إن لم يكن إرهابًا؟ تم قصف الإعلام وقتل رجاله. ليس للإعلام أن يكون شاهدًا. حقق الإعلام خلال الحرب على غزة ما لم يحققه إعلام سابق، هو تصوير حرب إبادة، في الزمن صفر، وهي قيد الاعتمال. وأبى القاتل ذلك، فأُغلِق مكتب الجزيرة. ينبغي كما في العهود القديمة، أن تتم عمليات الإبادة والتطهير العرقي بعيدًا عن الأنظار؛ لكي يتم الالتفاف عليها، وتوصيفها بضحايا جانبية. من دروس حرب غزة أن الحرب التقليدية، بجيوش مع وحداتها الثلاث برية، وجوية، وبحرية، وبمدرعات، ومشاة، وخيالة، انتهت. النزع الأخير من الحرب التقليدية يتم في ساحة أوكرانيا، ما بين روسيا وأوكرانيا. نسخة محدثة للحرب العالمية الثانية. أما حروب الغد، فهي صورة من حرب غزة، سيبرانية، ذكية، من جنودها الذكاء الاصطناعي الذي يتعقب الوجوه، ويعطل الرادارات. حروب الغد، لن تكون لها ساحة مواجهة، وليس لها زمن محدد، ولا جبهة واحدة. تمزج بين قواعد الحرب، وممارسات الإرهاب. هناك غد.. ولكن من يرسمه؟ القوة؟ نكبة جديدة أسوأ من النكبة الأولى؟. حساب إسرائيل، ليس فقط الإجهاز على القضية الفلسطينية، بل القضاء على الفلسطينيين بدفعهم للرحيل. خيار نتنياهو هو أن يُحمّل الفلسطينيين مسؤولية موت المحتجزين، كي يستثمر في وضع المظلومية، ويقبض على غزة، بسلاح آخر، هو التجويع. الحرب على غزة، وفي غزة، هي هزيمة للضمير الإنساني. صرخت جحافل الطلبة في الجامعات الغربية، وارتفعت مرافعات الحقوقيين في المحاكم الدولية، ضد من هم مسؤولون عن جرائم إنسانية، لكن ذلك لم يغير واقع الحال؛ لأن الحرب مستمرةٌ، والمجرمون يصولون ويجولون. أي توصيف لهذا الذي يجري سوى أنه صورة من شريعة الغاب. ينبغي الإقرار أن كلًا من الولايات المتحدة وإسرائيل أبانتا عن استماتة غير معهودة، للضرب عرضَ الحائط بكل الأصوات المنددة للحرب الشاجبة للتقتيل.. صمدتا إلى أن مرت العاصفة. والمحزن، والمخزي، هو الاستئناس بالموت، وبالتقتيل.. لا تحرك صور الدمار الضمائر. استأنس العالم بالموت.. أحيانًا يجد التبرير لها. هناك أماكن أخرى يجري فيها الموت، ولا يتم الحديث عنها. قمة النذالة. لن تموت غزة، ولو كانت جريحة، ولكن الضمير العالمي هو المهدد بالموت. سيموت العدل، وسيموت الحق، وستترنح الكرامة، ولسنا في حاجة لقراءة اللفيتان لتوماس هوبز، لكي ندرك أنه من دون عقد اجتماعي كوني، يقضي بالالتزام بقواعد سارية، سيصبح كل شيء ممكنًا. ستموت الحياة حينذاك، سيموت الأمل، وسيموت الإبداع، وسيموت التفكير، وستغيض كل عناصر التفاعل، من تعارف واتجار، وتعاون.. هي نهاية التاريخ، لا كما تصورها فرانسيس فوكوياما، بسيادة فكر الأنوار، بل بترنح الفكرة التي حملها، والهزيمة الأخلاقية للغرب، وشيوع شِرعة الغاب. وربما يجدر أن نُذكّر الغربيين بقراءة شكسبير، عندما كان يقول إن هناك شيئًا عفنًا في مملكة الدانمارك، أي عالمنا، كما في هاملت، وإن العالم بلا اتساق، كما في هاملت ثانية، وإن الدم الذي يجري في اليهودي، هو الدم الذي يجري في كل البشر. كما الفلسطيني، تمامًا، مثلما قال شكسبير في تاجر البندقية. الفلسطيني اليوم، كما اليهودي أمس، إنسان، يَحق له، مبدئيًا، ما يحق للإنسان، ويُحرَّم عنه، مبدئيًا، ما يُحرَّم على كل البشر. لم تعد غزة باب الشمس، بل باب الجحيم الذي سيأتي على الأخضر واليابس، إن لم يتم تدارك الأمر، عاجلًا، لتقليل الأضرار. البشرية أمام امتحان ضمير، يتهددها أكثر مما يتهدد غزة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/10/6/%d8%b4%d9%8a%d8%a1-%d8%b9%d9%81%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a5%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-10-06T14:35:56
2024-10-07T12:12:14
مقالات
2,212
عبد الرحيم محمود.. شاعر غذّ إلى الموت الخطى
قدم الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود نموذجًا لشعر المقاومة والقتال من أجل الحرية، وربط بوعي بين الموقف والمعنى، فقاتل بسلاحه حتى نال الشهادة.
قدم الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود نموذجًا لشعر المقاومة والقتال من أجل الحرية، وربط بوعي بين الموقف والمعنى، فقاتل بسلاحه حتى نال الشهادة، وعبّر بشعره عن مشاعر الثوار الذين دافعوا عن حق شعب فلسطين في حماية أرضه ومقدساته. بين الميلاد والوفاة 35 عامًا 1913- 1948؛ لكنه شهد خلالها الكثير من الأحداث التي أثبتت أن الشاعر يقول كلمته ويموت لكي تدبّ الحياة في قيودها، فعندما يفخر بالكرم العربي؛ فإنه يجود بنفسه، فذلك غاية الجود. وعبد الرحيم محمود شاعر أصيل النسب؛ فوالده الشيخ محمود العنبتاوي من عائلة فلسطينية عريقة تتمتع بالثراء، وكان يحتل مكانة اجتماعية مهمة، يتوافد العرب إلى مجلسه ليقوم بحلّ مشاكلهم، وإصلاح ذات بينهم، وتسير الركبان بسيرته، ويتحدث الضيوف بكرمه وطيب خصاله؛ وكان أيضًا شاعرًا وفقيهًا تخرج في الأزهر، وأصبح من شيوخ المذهب الحنبلي. كما أن الأسرة كلها عرفت بالثقافة والعلم والفقه، فأطلق عليها شعب فلسطين لقب الفقهاء، وكان لذلك تأثيره على بناء شخصية عبد الرحيم ونفسيته ومواقفه. وكان مجلس الشيخ محمود هو المدرسة الأولى التي تعلم فيها الشاعر العلم والدين والفصاحة والبلاغة والبيان، وحفظ القرآن، واستمع للكثير من شعر العرب وسير أبطالهم، وبذلك جمع عبد الرحيم أصالة النسب واللغة والتجربة التاريخية مع أصالة المعرفة والأفكار والمعاني وقوة الاعتزاز بالهوية العربية، وصدق الانتماء للإسلام، وأثرت تلك العوامل على شخصيته، وشاعريته، وخياله، ومعانيه. مع ذلك سار عبد الرحيم في طريق التعليم الرسمي؛ حيث التحق بالمدرسة الابتدائية في بلدته عنبتا، ثم انتقل إلى مدرسة النجاح الوطنية في نابلس؛ فالتقى بأستاذه إبراهيم طوقان الذي كان يعمل معلمًا في هذه المدرسة، وأثرت شخصية طوقان على اتجاه عبد الرحيم وقاموسه الشعري، وبعد أن أكمل دراسته؛ تمّ تعيينه أستاذًا للأدب العربي في ذات المدرسة، فتوطدت علاقته بطوقان. لكن عبد الرحيم قرر أن يستقيل من المدرسة عندما اشتعلت الثورة العربية عام 1936 ليلتحق بصفوف المقاتلين، ويصبح قائدًا حقق الكثير من الانتصارات على الجيش البريطاني، وقام بعمليات فدائية؛ لذلك طاردته السلطات البريطانية. اضطر بسبب المطاردة إلى الهجرة إلى العراق عام 1939، وهناك التحق بالكلية الحربية في بغداد، وتخرج فيها برتبة ملازم، وشارك مع ثوار العراق في ثورة رشيد عالي الكيلاني. عاد عبد الرحيم إلى فلسطين عام 1947، ليشارك في ثورة شعبه التي اشتعلت بعد قرار التقسيم، وانضم إلى جيش الإنقاذ ليقوم فيه بدور قيادي، وشارك في معارك مهمة كمعركة بيار عدس، ورأس العين، وتولى قيادة كتائب المجاهدين في طولكرم والناصرة. حققت هذه الكتائب بقيادته الكثير من الانتصارات خلال النصف الأول من عام 1948 على العصابات الصهيونية، بالرغم من أن الجيش البريطاني ترك أسلحته لهذه العصابات التي استخدمتها في تدمير القرى الفلسطينية، وإبادة سكانها، ومع ذلك استمر عبد الرحيم وقواته في القتال؛ حتى فاز بالشهادة في معركة قرية الشجرة التي كان قائدها وبطلها في 13 يوليو تموز 1948. ما وصل إلينا من شعر عبد الرحيم محمود قليل، شأنه في ذلك شأن كل الشعراء الذين شاركوا في المعارك، وأنشدوا في ميادين القتال ليشحذوا همم الرجال، فلم نعرف من قصائده إلا ما تمكنت لجنة من الأدباء الفلسطينيين من جمعه عام 1958 من أعماله المنشورة في الصحف والمجلات، وعددها 27 قصيدة. وتوضح هذه القصائد القليلة كيف أن روحه كانت تحلق في سماء الشهادة، تبحث عنها وتنتظرها، لذلك كتب وسنه لم يتجاوز 24 عامًا قصيدة يقول في مطلعها سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا ونفس الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيل المنى لعمرك إني أرى مصرعي ولكن أغذ إليه الخطى أرى مصرعي دون حقي السليب ودون بلادي هو المبتغى كما يقول عن الشهيد ونام ليحلم حلم الخلود ويهنأ فيه بأحلى الرؤى لعمرك هذا ممات الرجال ومن رام موتًا شريفًا فذا وإذا كان الشاعر قد عاش حياة قصيرة بمقاييس الناس، فقد عاش شعره طويلًا، وسار على الألسنة، فقد تحولت قصائده السابقة وقصائد أخرى إلى أغانٍ وأناشيد يتغنى بها المقاومون في فلسطين وغيرها حتى يومنا هذا. ويفتح هذا النوع من الأدب مجالًا علميًا جديدًا، هو استشراف مستقبل الصراع عن طريق دراسة أدب المقاومة والتحرير، الذي يسهم في تشكيل نفسية الأبطال الذين يدافعون عن عقيدتهم وأرضهم وحقهم، أو كما يقول عبد الرحيم في قصيدته ورود المنايا ونيل المنى. دعا الوطن الذبيح إلى الجهاد فخف لفرط فرحته فؤادي وسابقت النسيم ولا افتخار أليس علي أن أفدي بلادي؟ لكنني هنا أختلف مع الشاعر؛ فمن حق المقاوم الحر أن يفخر على القاعدين الخانعين الخاضعين الخائفين من القوة الغاشمة، وأن تفخر الأمة الإسلامية بكل مجاهد يتقدم لتحرير أرضه. ومن حق أبنائه أن يفخروا بسيرته التي تضيء الطريق لحركات التحرر الوطني. لذلك أتفق مع عبد الكريم الكرمي في وصفه لعبد الرحيم بأنه أبر فتى لأقدس أم. كل ماء في غير فلسطين كدر عن فلسطين التي أحبها وضحى بحياته من أجلها، يقول تلك أوطاني وهذا رسمها في سويداء فؤادي محتفَر يا بلادي يا منى قلبي إن تسلمي لي أنت فالدنيا هدر منيتي في غربتي قبل الردى أن أملي من مجاليك البصر يا بلادي أرشفيني قطرة كل مـاء غير ما فيك كدر ليت من ذاك الثرى لي حفنة أغلى من شذا الترب العطر ويوضح عبد الرحيم محمود أن المجاهد يقاتل لانتزاع حقوقه، فلا يستجدي الحلول السلمية. لذلك يخاطب العرب في عيد الجامعة العربية واغصب حقوقك قط لا تستجدها إن الألى سلبوا الحقوق لئام هذي طريقك للحياة فلا تحد قد سارها من قبلك القسام ويضيف في قصيدته دعوة إلى الجهاد إذا ضاعت فلسطين وأنتم على قيد الحياة ففي اعتقادي بأن بني عروبتنا استكانوا وأخطأ سعيهم نهج الرشاد كما يرفض الحلول التي تأتي من مجلس الأمن، حيث يرى أن الأمم المتحدة تساعد الطغاة. فيقول يا مجلس الذل أنتم بعض نكبتنا تعطي الحقوق لمن كان أفاكا يا مجلس الخزي لن يرجوك من ظلموا دم الشعوب على التاريخ أخزاكا النار تحرق شعبًا عند هبته ضد الطغاة ولا ترنوه عيناكا لذلك فالحل الوحيد هو المقاومة والكفاح والجهاد. فيوجه نصيحته الأخيرة للعرب لا تجعلوا من رماح الروم حاميكم فالذئب للشاة والحملان سفاكا هم لا يريدون إلا كل نفطكم وأن يكون كبير الروم مولاكا كانت الشهادة هي الخاتمة النبيلة لحياة شاعر شاب ثائر، انطلق يحمل سلاحه ليحمي فلسطين، ويدافع عن أرضها، واستخدم كلماته ليعيد لأمته وعيها بأنها تستطيع أن تحقق النصر والمجد، وتنتزع حريتها وحقوقها. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/12/%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%85-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D8%BA%D8%B0-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AA
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-03-12T03:11:30
2024-03-12T03:11:30
مقالات
2,213
التجارة والإبادة.. إلى أين تسير أنقرة في مواجهة الاحتلال؟
اتخذت الحكومة التركية قرارًا بوقف كافة التعاملات التجارية مع إسرائيل، وآخر بالانضمام لدعوى الإبادة التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل ضدها. قراران أدخلا الموقف التركي مرحلة جديدة مختلفة.
في تصعيد لموقفها من دولة الاحتلال وعدوانها على قطاع غزة، اتخذت الحكومة التركية قرارًا بوقف كافة التعاملات التجارية الاستيراد والتصدير معها، وآخر بالانضمام لدعوى الإبادة التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضدها. قراران أدخلا الموقف التركي من إسرائيل في مرحلة جديدة مختلفة، ويتركان الباب مواربًا على خطوات أخرى في المستقبل. انتُقد الموقف الرسمي التركي من إسرائيل في الأشهر الأولى من العدوان بعدِّه أقل مما ينبغي، ومما يمكن في آنٍ معًا، وكانت إحدى زوايا النقد أن الواقع العملي كان بعيدًا جدًا عن الخطاب. إذ عَدًّت أنقرة، على لسان الرئيس أردوغان، ما تفعله قوات الاحتلال في غزة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ثم وصفتها بالإبادة، ووصفت إسرائيل نفسها بأنها دولة إرهاب، بينما في الجانب العملي رفض أردوغان نفسه قطع العلاقات الدبلوماسية معها، وقال إنه ليس ثمة قطيعة دبلوماسية في العلاقات الدولية، ونفى وزير التجارة عمر بولات نية بلاده قطع العلاقات التجارية معها. بيدَ أن الأسابيع القليلة الأخيرة حملت متغيرات مهمة على صعيد الموقف الرسمي التركي، من قبيل استقبال أردوغان بشكل رسمي ومعلن وفدًا من حركة حماس برئاسة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، وتقييد تصدير 54 بندًا من البضائع لـ إسرائيل. وخلال الأيام الماضية أضافت أنقرة قرارين رفعا من سقف موقفها بشكل ملحوظ، وهما قطع كافة العلاقات التجارية مع دولة الاحتلال وإعلان وزير الخارجية هاكان فيدان نية بلاده الانضمام للدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية؛ لتجريم دولة الاحتلال بارتكاب الإبادة تجاه الفلسطينيين. ولئن ربط بيان وزارة التجارة التركية عودة العلاقات التجارية بـ السماح بدخول المساعدات لغزة بكميات كافية وبشكل مستمر، فإن الوزير وكذلك أردوغان لاحقًا أكد أن عودتها مرهونة بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أي انتهاء العدوان. يبدو سؤال التوقيت بخصوص القرارات الأخيرة وجيهًا جدًا، إذ لم يطرأ تغيُّر جوهري على الأوضاع في غزة في الأشهر الأخيرة كدافع رئيسي لهذه القرارات، التي كانت دائمًا ممكنة في السابق، ما يعني أنها أتت متأخرة جدًا. كما أن هناك من ربط القرارات بقرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ما يجعلها قرارات في الوقت بدل الضائع. نرى أنَّ القرارات الأخيرة مدفوعة بالأساس بثلاثة عوامل رئيسة تتبدى أهمية القرارات الأخيرة في عدة سياقات، أولها أنها إعلان موقف وتنفيذ عقوبات على دولة الاحتلال؛ لارتكابها جريمة الإبادة وضربها عرض الحائط بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وحتى أعراف الحروب، ولهذا دلالات سياسية ورمزية لا يستهان بها بغض النظر عن عوائدها الملموسة. وتزداد أهمية هذه القرارات بالنظر إلى أن متخذها هي تركيا، كقوة إقليمية صاعدة، وعضو في حلف شمال الأطلسي الناتو، وبعلاقاتها مع مختلف الأطراف، وكذلك كشريك تجاري رئيس لدولة الاحتلال، إذ تقع ضمن قائمة أكبر عشرة شركاء تجاريين لها. كما أن قرار وقف التعاملات التجارية سيكون له آثار مباشرة على اقتصاد الحرب في دولة الاحتلال، لا سيما مع التأثيرات السلبية الداخلية والتي كانت تُعوض نسبيًا بالتجارة المستمرة مع بعض الدول العربية الجسر البري، وتركيا وغيرها. من جهة أخرى، فإن قرار أنقرة الانضمام لدعوى الإبادة متغير بارز، إذ كانت الجهود القانونية التركية قد اكتفت ببعض الشكاوى المقدمة للمحكمة الجنائية الدولية ذات المسار الطويل وغير المضمون، وبالتالي غير المؤثر على مسار الحرب الحالية، ومساهمة بعض المؤسسات التركية ولا سيما وكالة الأناضول في تأمين بعض الوثائق والمستندات المستخدمة في دعوى الإبادة. الآن، وإذا ما وافقت محكمة العدل الدولية على انضمام تركيا للدعوى المرفوعة من جنوب أفريقيا وبما يدعم موقف الأخيرة، فستكون أنقرة قد انتقلت من انتقاد شخصيات في الحكومة الإسرائيلية والإعلان عن النية في محاكمتها مثل نتنياهو إلى المشاركة في محاكمة دولة إسرائيل بتهمة ارتكاب الإبادة، وهذا مستوى مختلف تمامًا. وأخيرًا، تعدُّ تركيا أولى دول منظمة التعاون الإسلامي التي تعلن نيتها الانضمام للدعوى، ما قد يشجع دولًا أخرى أعضاء في المنظمة لأن تحذو حذوها بما يقوّي موقف جنوب أفريقيا ويدعم دعواها. كان وزير التجارة التركي، قد أشار سابقًا إلى أن كفة التجارة مع إسرائيل تميل لصالح بلاده بنسبة ستة إلى واحد، ما يعني أن وقف التجارة تمامًا معها قد يأتي بأضرار على الاقتصاد التركي، لكن هذا المعطى على صحته لا يؤخذ على إطلاقه. فمن جهة، يبدو اتخاذ الموقف الأخلاقي والإنساني والسياسي هنا أهم من تبعاته المادية المباشرة، كما أن الاقتصاد التركي في مرحلة تعافٍ ولم يعد بنفس درجة الأزمة السابقة في ظل بعض المؤشرات الإيجابية والتصريحات المتفائلة مؤخرًا، كما أن أنقرة لن تعدم البدائل والخيارات. هنا، من المهم الإشارة إلى أن قرار وقف التجارة بالكامل يتسق تمامًا مع قرار الانضمام لدعوى الإبادة، إذ لا يستوي أن تتهم طرفًا بارتكاب إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ثم تستمر بالتعاون التجاري معه خلال العدوان بما يمكن أن يقوّي اقتصاد وآلة الحرب لديه. ولذلك، ورغم الآثار المباشرة لقطع العلاقات التجارية، فإن القرار المتعلق بمحكمة العدل الدولية أعمق رمزية وأكثر أثرًا، وأرجى أن يكون له أثر طويل الأمد على العلاقات بين تركيا ودولة الاحتلال، إذ إن الأولى تختصم الأخيرة وتحاكمها بتهمة الإبادة، وهو أمر لن يتغير كثيرًا حتى بتغير الحكومة الإسرائيلية وشخوصها مستقبلًا، كما أن دلالاته وتبعاته السياسية لن تختفي بعد صدور الحكم أيًا كان. فضلًا عن أنه من المتوقع أن تلجأ إسرائيل للتصعيد ضد تركيا بشكل مباشر وعبر الضغوط الأميركية، ما سيؤثر سلبًا بشكل أكبر على العلاقات. بهذا المعنى تكون تركيا بمجرد الإعلان عن نيتها الانضمام للدعوى أمام محكمة العدل الدولية قد كسرت حاجزًا مهمًا وكبيرًا مع دولة الاحتلال، ما يترك الباب مفتوحًا على خطوات إضافية ممكنة. إن توصيف إسرائيل كدولة إرهاب، كما جاء على لسان أردوغان وعدة مسؤولين أتراك مرارًا، واتهامها بارتكاب جريمة الإبادة، يتطلب بالضرورة أن تكون مجمل العلاقات والمواقف متسقة مع هذا التوصيف والاتجاه، من قبيل قطع العلاقات الدبلوماسية بالكامل والتي أثبتت أنها غير مفيدة في الضغط على الاحتلال، وحظر الأجواء التركية على دولة الاحتلال، وما يصلها من الخارج تحت أي مسمّى، ووقف توريد مواد الطاقة من أذربيجان لها أو التلويح بذلك على الأقل، فضلًا عن أن هذه المواقف ستشكل ضغطًا على بعض الدول الداعمة للاحتلال، وقد تشكل نموذجًا يحتذى لدول أخرى. وعليه، ختامًا، ورغم تأخر القرار، فقد نقلت أنقرة موقفها من إسرائيل إلى مرحلة جديدة مختلفة مع القرارات الأخيرة، والتي نرى أنها ستكون لها آثار مباشرة على العلاقات بين الجانبين مستقبلًا حتى في مرحلة ما بعد نتنياهو. ولئن كان هناك بعض الضرر الجانبي المتوقع من القرارات التجارية تحديدًا على الاقتصاد التركي، فضلًا عن بعض الضغوط السياسية المحتملة، فإن العائد على تركيا على المدى البعيد إيجابي، ويحمل بين طياته مكاسب إستراتيجية عديدة، تبدأ من الموقف الأخلاقي والوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ، وتمرّ بترميم السمعة والمصداقية، ولا تنتهي بتعزيز الدور والنفوذ في القضية الفلسطينية والمنطقة مستقبلًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/10/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ac%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%a8%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a3%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d8%a3%d9%86%d9%82%d8%b1%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-05-10T13:19:27
2024-05-11T19:21:08
مقالات
2,214
عالم بلا حماس؟
فلنتعامل مع فرضية التخلص من حماس بهدوء، وفي إطار موضوعي. وليجِبْ عن أسئلتنا البسيطة أولئك الذين عبَّؤُوا العالم ووسائل الإعلام ضد حماس
منذ معركة طوفان الأقصى تصاعدت الصرخات الإسرائيليَّة لسحق حماس، وانضمت إليها دعوات قوى غربية كبرى بوجوب إنهاء حكم حماس في قطاع غزة، وشطبها من دائرة التأثير في صناعة القرار الفلسطيني. وترافق ذلك مع حملة عالميَّة تشيطن حماس وتتهمها بالإرهاب، وترى فيها عائقًا أمام تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط ولم يخلُ الأمر من وجود قوى عربية وإقليمية فاعلة ضاقت ذرعًا بحماس- وسببًا في إفساد علاقاتها الخارجية وإستراتيجياتها الأمنية والتنموية. ولم يُخفِ ذلك زعماء ومسؤولون عرب تحدثوا في الغرف المغلقة مع زعماء غربيين، أو مع شخصيات كشفت عن ذلك في وسائل الإعلام، مثل دينيس روس، وتوماس فريدمان. إذًا، يرى هؤلاء أن حماس هي المشكلة، وأن رأسها أصبح مطلوبًا، وأن مدخل الاستقرار في المنطقة هو شطب حماس فلنتعامل مع فرضية التخلص من حماس بهدوء، وفي إطار موضوعي. وليجِبْ عن أسئلتنا البسيطة أولئك الذين عبَّؤُوا العالم ووسائل الإعلام ضد حماس. حماس نشأت كحركة سنة 1987، بعد نحو أربعين عامًا من قرار تقسيم فلسطين، وحرب 1948 وإنشاء الكيان الإسرائيلي، فماذا فعل محبو السلام والاستقرار طوال أربعين عامًا لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم، ولإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ولتطبيق قرارات الأمم المتحدة؟ هل كانت حماس هي العائق والمشكلة؟ وبعد ثلاثين عامًا من اتفاق أوسلو الموقع سنة 1993- حيث كانت تأمل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال خمس سنوات من الذي عطّل تنفيذ الاتفاق؟ ومن الذي دمّر مسار التسوية؟ من الذي دمّر حلّ الدولتين؟ ومن الذي حوّل تجربة أوسلو ومسار التسوية إلى كارثة على الشعب الفلسطيني؟ أليس الطرف الإسرائيلي هو الذي ضاعف أعداد المستوطنين، وصادر الأراضي، وقام بتهويد المقدسات، وحوّل السلطة الفلسطينية إلى كيان وظيفي أمني يخدم الاحتلال؟ وبعد أكثر من عشرين عامًا على المبادرة العربية السعودية، أليس الاحتلال الإسرائيلي هو الذي تجاهلها وأفشلها، وتسبّب في وضعها على الرَّف، إن لم يكن سلّة المهملات؟ وعلى فرض أنه لم تكن هناك حماس طوال الفترة الماضية، هل كان الإسرائيليون سيعطون الفلسطينيين دولة كاملة السيادة في الضفة والقطاع؟ أم أن المشكلة في جوهر الأيديولوجية الصهيونية، والعقلية الإسرائيلية الحاكمة صانعة القرار التي ترفض ذلك؟ على سبيل المثال، قامت حماس في الفترة 252-331996 بعدة عمليات؛ انتقامًا لاستشهاد يحيى عياش، هزت الكيان الإسرائيلي، فسارعت القوى الغربية الكبرى والكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية وعدد من الدول العربية ودول العالم بعقد مؤتمر دولي أسمته مؤتمر صانعي السلام في 13 مارس آذار 1996 في شرم الشيخ بمصر؛ لدعم مسار التسوية ومحاربة الإرهاب. وقامت السلطة الفلسطينية بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة- وباستخدام كافة وسائل القمع والبطش- بحملة شعواء ضد حماس لمحاولة اجتثاث كل ما له صلة بالتيار الإسلامي المقاوم. ومن الناحية العملية لم تترك السلطة حجرًا على حجر، وتمكنت من تفكيك معظم إن لم يكن كافة خلايا المقاومة، ونجحت إلى حد بعيد في ضرب البنية التنظيمية لحماس، وفي خنق قاعدتها الشعبية. ثم ماذا؟ خلال السنوات الأربع التالية، استتبّ الأمر للسلطة، وتولّت هي وأجهزتها الأمنية التسعة تلبية المطالب الإسرائيلية، وتحقيق معايير الجودة المستهدفة. ولكن لم يفعل الاحتلال الإسرائيلي شيئًا سوى متابعة برامج التهويد والاستيطان، واستخدام مسار التسوية كغطاء لاختراق المنطقة العربية والإسلامية والتطبيع معها، وتكلل الأمر بفشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية في يوليو تموز 2000. والسؤال الذي يفرض نفسه لقد كانت تلك الفترة عمليًا- عالمًا بلا حماس، فلماذا لم تتحقق التسوية السلمية الموعودة؟ لهذا فقدَ ياسر عرفات أيَّ أمل بتحقيق حلم الدولة الفلسطينية الذي يسعى إليه. وهذا الإحباط كان له دور أساس في دفع عرفات لدعم انتفاضة الأقصى التي اندلعت في سبتمبر أيلول 2000، بل ومشاركة عناصر فتح فيها شعبيًا وعسكريًا. أما النتيجة الثانية، فهي أن حماس خلال وقت قصير جدًا استعادت عافيتها، وتقدمت لتقود المقاومة المسلحة، ولتحصل على التفاف جماهيري غير مسبوق؛ تكلل بفوزها الساحق في انتخابات المجلس التشريعي 2006. تكررت محاولة إيجاد عالم بلا حماس على يد السلطة الفلسطينية في رام الله منذ 2007 ولسنوات عديدة في الضفة الغربية، وعانت حماس ولا تزال تعاني من بطش السلطة، ومعه البطش الإسرائيلي والخبرة الأميركية، ومطاردتها، ومن إغلاق مؤسساتها، وضرب بناها التنظيمية، فماذا كانت النتيجة بعد 16 عامًا؟ النتيجة أن حماس هي الفصيل الأكثر شعبية في الضفة، أو على الأقل الفصيل الأساس المنافس لفتح وإلا فلماذا تهرَّبت قيادة فتح من استحقاقات الانتخابات، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني في ربيع 2021، وما زالت تتهرب منه حتى الآن؟ وحتى في قطاع غزة، فإن الحصار المضني، وخوض خمس حروب مدمرة على مدى 16 عامًا لم يزيدا حماس إلا قوة وشعبية ولذلك، فالسؤال الموجّه للاحتلال الإسرائيلي إذا كانت الضفة الغربية تحت احتلالكم المباشر وغير المباشر، وفشلتم على مدى 36 عامًا في اجتثاث حماس، حتى بوجود شريك فلسطيني معكم، ولا تزال في أَوَج شعبيتها؛ فماذا تتوقعون على فرض أنكم تمكنتم من إعادة احتلال القطاع؟ لماذا الإصرار على تجريب المُجرّب؟ وعلى إعادة اختراع العجلة؟ ثمة سؤال بديهي يطرح نفسه هل العالم بلا حماس، يعكس إرادة الاحتلال وحلفائه، أم إرادة الشعب الفلسطيني؟ وبالتالي، هل للاحتلال الإسرائيلي وحلفائه حق الوصاية على الشعب الفلسطيني؟ وهل من حقهم فرض معاييرهم لاختيار الشعب الفلسطيني ممثليه وقيادتَه؟ وما هذه الدرجة من الوقاحة والغطرسة أن يُقرر العدو شكل ومواصفات قيادة شعب هو ضحية الاحتلال؟ والسؤال البديهي الثاني لماذا يسعى العالم الغربي والمطبّعون العرب وحلفاؤهم إلى تكييف الأوضاع في فلسطين وَفق رغبات الاحتلال ومعاييره، وبما يريح إسرائيل؟ بدلًا من السعي وَفق مئات القرارات الدولية وبديهيات حقوق الشعوب في تقرير المصير، إلى تكييف الأوضاع لصالح إنهاء الاحتلال وممارسة كافة الضغوط عليه لإجباره على ذلك؟ وبالتالي، فإن بقاء الاحتلال الإسرائيلي كـدولة فوق القانون، بحيث يتم تأمين احتلاله وضمان استمراره في إخضاع شعب آخر- هو الحالة الشاذة التي يجب أن تزول. ولذلك، فإذا اختار الشعب الفلسطيني حماس- في تعبير حرّ عن إرادته- فالصحيح هو احترام إرادة الشعب لا إرادة الاحتلال. وحماس حكمت قطاع غزة وفق أغلبية فلسطينية انتخبتها، وهي لم تأتِ بإذن إسرائيل ولا أميركا، ولا بموافقتهما، حتى تبقى إذا رضِيتا أو تذهب إذا غضبتا؛ فليس هذا شأنهما. تظهر المؤشرات أنه بعد أكثر من 75 يومًا من العدوان الإسرائيلي الوحشي المدمر على قطاع غزة، أن شعبية حماس ما زالت عالية ومتصاعدة ولا تزال الحاضنة الفلسطينية تلتف حولها في داخل فلسطين وخارجها. وأن أسلوب المذابح والمجازر عمّق الرغبة لدى الشعب الفلسطيني في الانتقام وفي تقديم المزيد من التضحيات لإنهاء الاحتلال. أي أن الرغبة الإسرائيلية المجنونة للوصول إلى عالم بلا حماس، لم تزد حماس إلا قوة، بل ورفعت قدرها فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا وعالميًا كحركة مقاومة وتحرر؛ في الوقت الذي انكشف فيه أكثر وأكثر الوجه القبيح للاحتلال. وتظهر آخر استطلاعات الرأي- التي صدرت عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في 13122023 تصاعدَ شعبية حماس، والمزيدَ من الالتفاف حول خط المقاومة، ووجود أغلبية ساحقة تطالب باستقالة عباس. وفوق ذلك، فلربما لو كان ثمة استفتاء حول أكثر الفصائل أو الأحزاب شعبية في العالم العربي والإسلامي، لفازت حماس بأغلبية مريحة، وحازت مكانة لا يحلم بها فصيل فلسطيني، أو حزب، أو زعيم عربي أو إسلامي. ولربما حاز أبوعبيدة الذي لا نعرف اسمه ولا شكل وجهه- أصواتًا أعلى بكثير من العديد من الزعماء والرؤساء الذين تصدح بأسمائهم وسائل الإعلام صباحَ مساء هل إذا كان العالم بلا حماس، فسيكون أفضل لدعم المجتمع الدولي قضيةَ فلسطين؟ في الحقيقة، فإن الدراسة الموضوعية لمسار تفاعل العالم مع قضية فلسطين- وتصدرها الأجندةَ الدوليةَ، وارتفاع نسبة التصويت لها منذ أن نشأت حماس وحتى الآن 1987-2023- تشير إلى أنه كلما كانت هناك مقاومةٌ وأجواء انتفاضة ومواجهة مع الاحتلال وصعودٌ لدور حماس، فإن هذه النسبة تزداد في تصويت الأمم المتحدة ومؤسساتها، وفي تفاعل العالم رسميًا وشعبيًا. وأنه كلما سيطر تيار التسوية وفرض حالة من الهدوء، تراجعَ الاهتمام والدعم الدولي ونسب التصويت في الأمم المتحدة؛ واستغل ذلك الجانب الإسرائيلي لمزيد من الاستيطان والتهويد باتجاه إغلاق الملف الفلسطيني، وفرض تصوراته التي تشطب حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته. وقد كتب عن هذه الظاهرة باحثون متخصصون أمثال د. وليد عبد الحي. تتّهم عدة دول غربية حماس بـالإرهاب، وبقتل المدنيين، ولذلك ترى ضرورة لإخراجها عن الشرعية الدولية. أما بالنسبة للشعب الفلسطيني وللعرب وللمسلمين، فحماس حركة إسلامية معتدلة منفتحة، وهي حركة تحرر وطني، ووجودها مرتبط بمواجهة إرهاب الصهاينة وبإنهاء الاحتلال. ومحاولة سحق حماس وتحييدها لن ينهي جوهر فكرة التحرير، فهو حق مقدس أصيل لكل شعب لديه كرامة، ويسعى لتقرير مصيره بنفسه. واتهام حماس بالإرهاب هو مجرد أداة لمنع أي عمل مقاوم مشروع ضد الاحتلال. أما موضوع استهداف المدنيين، فربما لا مجال هنا لنقاشه، ولكن من الناحية التاريخية يكفي أن نشير إلى أن حماس سعت منذ إنشائها للتركيز على الأهداف العسكرية، وسبق لها بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي التي قام بها أحد الصهاينة سنة 1994 أن عرضت على الاحتلال تجنب قتل المدنيين، ولكن الاحتلال تجاهل ذلك، وواصل مجازره. وللعلم فإن الإحصائيات الموثقة، تشير إلى أن الاحتلال قتل أكثر من 11 ألف فلسطيني، أغلبيتهم الساحقة مدنيون في الفترة منذ سنة 2000، وحتى قُبيل عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي. والعالم كلّه الآن شاهد على المذابح الصهيونية في قطاع غزة.. فلنتحدث أولًا عن الإرهاب الصهيوني. إنَّ الفكر الإسلامي الحضاري المعتدل هو المدرسة الأكثر قوة وعمقًا واتساعًا في فلسطين والعالم العربي والإسلامي؛ وفلسطين بمكانتها الدينية العظيمة وتراثها، تحتل مكانًا مركزيًا في وجدان وقلب كل عربي ومسلم. وبمقدور هذه المدرسة- حتى لو ضُربت حماس أن تُعيد إنتاج حركة أكثر قوة واتساعًا. وهو أمر يرى أصحابه أنه مرتبط بمعركة عادلة تستحق التضحية والموت لأجلها، كما أنه مرتبط بمكانة فلسطين وليس بالضرورة بوجود حماس. إنها أيديولوجية راسخة في المجتمع الفلسطيني والأمة، ومن الغباء تجاهلها والإصرار على السير عكس حركة التاريخ بعد ثلاثين عامًا من الاستعمار البريطاني، و75 عامًا من الاستعمار الصهيوني، واستخدام آليات ثبَت فشلها. النتيجة الواضحة لهذا النقاش هو أن أولئك الذين يتحدثون عن عالم بلا حماس، لا يقصدون حماس بذاتها فقط، وإنما يستهدفون مقاومة الشعب الفلسطيني وقواه الحية والحرة، يريدونه عالمًا يفرض بيئة مناسبة لاستمرار الاحتلال والظلم وقهر الشعب الفلسطيني.. ويريدون شعبًا فلسطينيًا بلا إرادة، شعبًا يرقص على أنغام الاحتلال، شعبًا بلا أظفار ولا أسنان؛ وهو ما لن يكون وبدلًا من ذلك، يجب أن يَنصَبَّ الجهد العالمي على إيجاد عالمٍ بلا استعمار.. عالمٍ بلا احتلال.. عالم بلا مشروع صهيوني استعماري إحلالي توسعي عدواني.. عالم يحترم الإرادة الحرة للشعوب.. ويَنصبّ على الضغط على إسرائيل، لا على المقاتلين من أجل حريتهم، عالم يتوقف عن التهرّب من الاستحقاق الذي سيحدث، عاجلًا أم آجلًا، وهو تحرير فلسطين وإنهاء الاحتلال. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/21/%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d8%a8%d9%84%d8%a7-%d8%ad%d9%85%d8%a7%d8%b3%d8%9f
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-21T06:14:49
2023-12-21T06:14:49
مقالات
2,215
الراعي الرئيسي لتدمير إسرائيل الشامل لغزة
خلال الانتفاضة الأولى، خاطرت بحياتها في عدة مناسبات لإنقاذ الأطفال من الجيش الإسرائيلي، وكانت تتعرض للضرب في كثير من الأحيان؛ بسبب شجاعتها.
بعد عشرة أشهر تقريبًا من بدء الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، تجاوز العدد الرسمي للوفيات 40,000. وبينما يعتبر هذا الرقم بحد ذاته صادمًا، إلا أنه لا يعكس أشكال الموت المتعددة التي يواجهها الفلسطينيون، والتي لا تنتج مباشرة عن رصاصة أو قنبلة إسرائيلية. في الجيتو الذي يعيش فيه الفلسطينيون في غزة، والذي وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه جحيم لا يوصف، يموت الفلسطينيون من الحر، العطش، الجوع، والأمراض الناجمة عن الحصار المدمّر على القطاع. من بين هؤلاء الأموات غير المحتسبين إنشراح، وهي امرأة فلسطينية من عائلة بدراساوي وهي واحدة من أقربائي البعيدين. تزوّجت إنشراح من ابن عم والدي، عبد الفتاح، وكانت جزءًا لا يتجزأ من مجتمع اللاجئين القادمين من بيت دراس وهي قرية فلسطينية تقع على بُعد 32 كيلومترًا شمال شرق غزة، دمرتها المليشيات الصهيونية في عام 1948. لم تكن إنشراح مجرد امرأة عادية؛ بل كانت رمزًا للقوة والشجاعة والكرم في مخيم خان يونس للاجئين وفي حي القرارة. بعد وفاة عبد الفتاح نتيجة نوبة قلبية وهو في سنّ مبكرة، قامت وحدها بتربية ستة أيتام خمسة أولاد وبنت واحدة. كانت معروفة بمهاراتها الاجتماعية الكبيرة وبحسها الفكاهي، وكانت وجهًا مبتسمًا دائمًا في المخيم. خلال الانتفاضة الأولى، خاطرت بحياتها في عدة مناسبات لإنقاذ الأطفال من الجيش الإسرائيلي، وكانت تتعرض للضرب في كثير من الأحيان؛ بسبب شجاعتها. في إحدى المرّات، عندما اعتقل الجيش أخي أنور البالغ من العمر 11 عامًا، وهو في طريقه إلى المنزل من المدرسة، اندفعت إنشراح نحو مجموعة الجنود الذين كانوا يضربونه بالعِصي، احتضنته بقوّة، تحميه من الضربات المؤلمة، وصرخت بأعلى صوتها هذا ابني، هذا ابني نبهت صرخاتها نساء المخيم، اللواتي جئن لمساعدتها بسرعة. على الرغم من إنقاذ أخي، فإن إنشراح أصيبت بكسر في ذراعها وبجروح متعددة بسبب الضرب. عندما كبر أطفالها وحصلوا على وظائف، انتقلت إنشراح من المخيم إلى قطعة أرض في القرارة شرق خان يونس، حيث بنت منزلًا. استمرّ أنور في زيارتها بانتظام بعد انتقالها. كانت تذكره دائمًا بطريقة مازحة باليوم الذي أنقذت فيه حياته قائلة هذه الزيارة جزء من الدين الذي تدين لي به لإنقاذي لحياتك. كانت دعابتها دائمًا تجعل الجميع يضحكون. كانت هذه إحدى القصص العديدة التي شاركتها معنا عندما زرناها آخر مرة في يوليوتموز 2023. على الرغم من المرض الكلوي الشديد الذي كانت تعاني منه، وتأثير جلسات الغسل الكلوي التي كانت تتلقاها مرتين أسبوعيًا على صحتها، فإنها ظلت مرحة وكريمة الروح، تشارك الذكريات وتلقي النكات على مائدة العشاء. كان ضحكها، كعادته، يملأ المكان بالدفء. اسم إنشراح في اللغة العربية يعني الفرح، وقد كانت إنشراح تعيش حقًا وفقًا لمعنى اسمها. كانت القرارة واحدة من الأماكن الأولى التي اجتاحها ودمرها الجيش الإسرائيلي. تعرض منزلها لأضرار جسيمة جراء القصف، لكن هي وعائلات أبنائها الأربعة الذين كانوا يعيشون معها تمكنوا من الفرار في الوقت المناسب. لجؤُوا إلى مخيم خان يونس بالقرب من مستشفى ناصر، وهو أكبر مجمع طبي في غزة بعد مستشفى الشفاء. عندما فرض الجيش الإسرائيلي حصارًا على مجمع المستشفى في فبرايرشباط، اضطرت إلى الفرار مرة أخرى، هذه المرة بالقرب من مستشفى الأمل في خان يونس، الذي كانت القوات الإسرائيلية قد داهمته ونهبت محتوياته في وقت سابق. في تلك المرحلة، فقدنا الاتصال بـإنشراح. كنتُ غارقة في الخوف والقلق، أتخيلها وهي مريضة وسط الإبادة الجماعية، ونقص الموارد الفادح. تضاعفت آلام فقدان والدي بسبب الحصار الإسرائيلي الذي منع توفير الرعاية الطبية المناسبة، مما زاد من شعوري باليأس عند التفكير في معاناتها ومعاناة أطفالها. لم نعرف ما حدث إلا بعد أربعة أشهر. التقى ابن أخي بإحدى زوجات أبناء إنشراح بالقرب من مستشفى ناصر، وعلم أن حالتها كانت حرجة. بعد أيام قليلة، علمت عائلتي في غزة بوفاتها. في الجنازة، شارك أبناؤها قصتهم المروعة. بينما كانت الهجمات الإسرائيلية على خان يونس مستمرة، مخلفة العديد من القتلى الفلسطينيين، قررت عائلة إنشراح الانتقال إلى رفح. وصلوا إلى حي تل السلطان في رفح، محاولين البقاء بالقرب من مستشفى أبو يوسف النجار. تدهورت حالة إنشراح بسرعة، وأصبحت تحتاج إلى جلسات غسل كلوي ثلاث مرات أسبوعيًا، لكن الوصول إلى المستشفى كان كابوسًا. كانت خدمات الإسعاف قليلة وخطيرة، لذا لجأ أبناؤها إلى وسائل نقل خاصة سيارات، وعربات يجرها الحمير، وحتى كرسي متحرك عبر الطرق المدمرة. انهمرت دموع ابنها إياد وهو يروي لأشقائي كيف اضطر مرة للتخلي عن عربة الحمير المستأجرة التي كانت تنقل والدته، ليحمل جثث عائلة قتلت على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي. كان عليه اتخاذ خيار مستحيل بين الحفاظ على الحياة واحترام الشهداء. استمرت إنشراح في رحلتها الشاقة على كرسي متحرك عبر الطرق الوعرة والمدمرة، مما أثر على صحتها الضعيفة أصلًا. اجتياح رفح في مايوأيار دفع عائلة إنشراح إلى الفرار مرة أخرى. لجؤوا إلى منطقة المواصي في خان يونس، وهي منطقة ترفيهية سابقة تحولت إلى منطقة من الرعب واليأس. ازدادت معاناة إنشراح عندما واجهت صعوبة في الوصول إلى جلسات الغسل الكلوي، هذه المرة في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح. في النهاية، عادت العائلة إلى مستشفى ناصر، الذي تم ترميمه جزئيًا، حيث كانت الرحلات إلى دير البلح شاقة للغاية. كانت الموارد شحيحة في المستشفى، حيث كانت الأدوية والمعدات غالبًا غير متوفرة أو غير قابلة للاستخدام بسبب القصف المستمر لخان يونس. لم تكن إنشراح تتلقى الرعاية الطبية اللازمة، على الرغم من الجهود الجبارة التي بذلها أبناؤها. استمرت حالتها في التدهور. في ليلة عيد الأضحى، دخلت إنشراح وحدة العناية المركزة المثقلة بالأعباء في مستشفى ناصر، حيث أدى نقص الإمدادات الطبية والدعم إلى وفاتها. في جنازتها، تحدث أبناء إنشراح بتفصيل عن الظروف غير المحتملة التي واجهتها والدتهم في الخيام الحرارة الشديدة، نقص الطعام والماء النظيف، عدم وجود مكملات غذائية، وغياب تام للنظافة، الأكسجين والكهرباء. ظلوا بجانبها، يقدمون الرعاية والدعاء، لكن الدمار المنهجي الذي لحق بنظام الرعاية الصحية في غزة تركهم عاجزين عن تقديم المزيد. إنشراح ليست سوى ضحية واحدة من بين ضحايا كثر في ظل استهداف إسرائيل المتعمد لقطاع غزة الطبي. الجيش الإسرائيلي دمر المستشفيات والعيادات مرارًا وتكرارًا. صوّر الجنود الإسرائيليون أنفسهم وهم يدمرون بسعادة المعدات الطبية والإمدادات. وفقًا لمكتب الإعلام الحكومي في غزة، تم إخراج 34 من أصل 36 مستشفى من الخدمة؛ بسبب الهجمات الإسرائيلية. في المجمل، تم استهداف 161 منشأة طبية. قُتل أكثر من 500 عامل طبي، بمن في ذلك أطباء متخصصون. وثقت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان أكثر من 1,000 هجوم إسرائيلي على الأطباء والمرضى والعيادات والبنية التحتية الصحية، مما أسفر، بحسب قولهم، عن كارثة صحية عامة. تدمير البنية التحتية الطبية في غزة وقتل الطاقم الطبي هو عنصر قاتل آخر في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل. لقد أدى ذلك إلى رعب ومعاناة لا يوصفان للمرضى وأسرهم، وأسفر ذلك عن العديد من الوفيات التي كان من الممكن تفاديها. في بداية الحرب الإسرائيلية، كان في غزة حوالي 350,000 مقيم يعانون من أمراض مزمنة مثل إنشراح. لا يُعرف كم عدد الذين نجوا بعد 10 أشهر من الجحيم المطلق، لكنّ تقديرًا واحدًا من الأطباء الذين زاروا غزة يشير إلى أن العدد الحقيقي للوفيات يبلغ 92,000؛ بينما يشير تقدير آخر إلى أنه يصل إلى 186,000. دمار القطاع الطبي في غزة، جنبًا إلى جنب مع تدمير البنية التحتية للصرف الصحي وفرض التجويع، يؤدي إلى إصابة الآلاف من الفلسطينيين بالأمراض المزمنة، حيث يصاب الناس بأمراض منهكة. يعتقد أن حوالي 100,000 شخص قد أصيبوا بالفعل بالتهاب الكبد الوبائي أ، ومعظمهم لا يستطيع الحصول على العلاج. كما يوجد أكثر من 90,000 جريح من الهجمات الإسرائيلية، 10,000 منهم بحاجة ماسّة للسفر خارج غزة لتلقي الرعاية الطبية. لكنهم لا يستطيعون المغادرة؛ لأن إسرائيل بعد أن استولت على معبر رفح، قامت بمنع معظم عمليات الإجلاء الطبية. رغم نداءات الاستغاثة من المدنيين وإدانة وكالات الأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية والمنظمات الطبية مثل أطباء بلا حدود MSF، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها استمروا في تزويد إسرائيل بالأسلحة وغضوا الطرف عن إبادة غزة وتدمير منشآتها الطبية. من المشين أن نرى الرئيس بايدن يدعي رغبته في إنهاء الحرب، ثم لا يفعل شيئًا لتحقيق ذلك. ومع اقتراب نهاية رئاسته، يبدو أنه سيترك وراءه إرثًا إباديًا، كونه الراعي الرئيسي لتدمير إسرائيل الشامل لغزة وإبادة سكانها. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/8/17/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%a3%d9%86%d9%82%d8%b0%d8%aa
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-08-17T08:00:00
2024-08-18T07:46:23
مقالات
2,216
المرأة الفلسطينية.. عبء الحِمل وثقل الرسالة
لم يستطع العدوّ الصهيوني أن ينال من عزيمة المرأة الفلسطينية؛ رغم القتل والهدم والاعتقالات المتتالية، إذ ستظلّ هناك بطولات وقصص لصمود نساء وفتيات ضحّين بأنفسهن ليخلدن أسماءهن عبر التاريخ.
هي سيدة نساء الأرض، بكل بساطة، هي مدرسة يتخرج من بين يديها الأبطال والمعلمون والمهندسون والأطباء والعمال، وقبل ذلك المقاومون، صنعت التاريخ في الماضي، وتصنعه في الحاضر والمستقبل. هي الأصالة المتجلية في جذور أشجار زيتونها، وجبالها الضاربة في عمق التاريخ، بل هي التاريخ نفسه. هي البتول التي اصطفاها الله لتحمل في أحشائها كلمة الله. هي أم الشهيد الصابرة، هي مفتاح القدس ونوره، هي الأم والأخت والأسيرة والشهيدة والرفيقة.. هي الحياة بأكملها. هي التاريخ الفلسطيني الحافل في مسيرته بكفاح شعبه من أجل التحرر وبناء دولته المستقلة التي قدمت في مسيرتها آلاف الشهيدات والجريحات والأسيرات. لذا ليس غريبًا أن تكون في طليعة من يقدم الأرواح في معركة طوفان الأقصى، حيث فاق عدد الشهداء العشرين ألفًا حتى الآن، معظمهم من النساء والأطفال، كما أكدت ذلك الإحصائيات الأممية المعتمدة. هي مصنع الرجولة التي أنجبت المقاومين والشهداء وربّتهم على العزة والكرامة. هي الأخت الداعمة التي تقف سندًا للمقاتلين الفلسطينيين، هي الحبيبة والزوجة التي تصبر وتناضل وتشد أزر زوجها، هي الشرارة الأولى التي انفجرت في وجه العدو، لتقاتل جنبًا إلى جنب في معركة النضال ضد الاحتلال. كانت مشاركة النساء الفلسطينيات في أول ثورة للشعب ضد الانتداب البريطاني- عندما تظاهر 40 ألف مواطن في شوارع القدس في 27 فبراير شباط 1920 واضحة وجلية، وهو ما جعلها مشاركة في الوفد الذي التقى المندوب السامي؛ مطالبًا بإلغاء وعد بلفور. لقد لعبت المرأة الفلسطينية أدوارًا كبيرة في مسيرة النضال التحرري، حيث ظهر للوجود عام 1921 أول اتحاد نسائي فلسطيني، بقيادة زليخة الشهابي، أحد أبرز وجوه العمل النسائي العربي والفلسطيني، قبل إعلان قيام كيان الاحتلال الصهيوني بحوالي عَقدين من الزمن. لتطبع الشهابي مرحلة طويلة من العمل الوطني الفلسطيني لم تنتهِ بالمشاركة في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي، بل بالإبعاد من القدس- سنة 1968 بعد احتلالها. وهو الاتحاد الذي اجتهد في الفترة التالية لتأسيسه على توسيع القاعدة النسائية، وتنظيم اللجان وتوحيد الجهود النسائية للعمل على تطوير نضال المرأة الاجتماعي والسياسي؛ لمناهضة الانتداب البريطاني والوقوف في وجه الاستيطان الصهيوني. وقد عقد الاتحاد عام 1929 أول مؤتمر نسائي فلسطيني، حضرته ثلاثمائة ممثلة من مختلف مناطق فلسطين، صدرت عنه عدة قرارات- ضمنها مراسلة القوى الدولية- تطالب فيها بوضع حد للهجرة الصهيونية، والظلم الذي يلحق بالمواطنين من بطش الانتداب البريطاني. وتنظيم العديد من الفعاليات والمظاهرات الاحتجاجية ضد المندوب السامي البريطاني؛ للمطالبة بإلغاء وعد بلفور، وتسيير مسيرة من 80 سيارة طافت ببطء على جميع مراكز القنصليات الأوروبية. في الستينيات كانت المرأة الفلسطينية من أوائل المشاركين في مقارعة المحتل برًا وبحرًا وجوًا، إذ سطرت المناضلة الشهيدة دلال المغربي أروع الملاحم البطولية، حينما أعلنت أول جمهورية مستقلة على أرضنا المحتلة لمدة ثلاث ساعات، وشادية أبو غزالة، وهي أول شهيدة فلسطينية بعد النكسة، وليلى خالد حينما خطفت أول طائرة، وخاطبت حينها موشيه ديان، وقالت له هذه أرضي.. حيث خاضت المرأة الفلسطينية كافة أشكال النضال، في ظل الاحتلال والحصار والتهجير والقمع والعنصرية، وسط صمت دولي. أما في المجال العسكري، فقد كانت نساء المدن تنقل الأسلحة الخفيفة من مكان لآخر عبر نقاط التفتيش، في حين كانت نساء القرى تقوم بنقل الثياب والمؤن والذخيرة للثوار في الجبال على ظهور الحمير والبغال. لقد نزلت المرأة العربية في فلسطين مبكرًا إلى ميدان المعركة ضاربةً أروع الأمثلة في الإقدام والتضحية، ومن أمثلة البطولة، نذكر الشهيدة فاطمة غزال التي استشهدت في 26 يونيوحزيران 1936 في معركة وادي عزون قرب مدينة اللد. هذا من التاريخ السابق على إعلان كيان الاحتلال، أما من تاريخنا القريب، فيمكن استحضار ريم صالح الرياشي استشهادية حي الزيتونة بمدينة غزة، وهي بنت كتائب القسام الأم لطفلين أحدهما رضيع، التي فجرت نفسها في تجمع لضباط الاحتلال بمعبر إيريز، على سبيل المثال لا الحصر بالطبع. أما على صعيد الحركة الأسيرة، فلم تخلُ سجون الاحتلال الإسرائيلي من الأسيرات الفلسطينيات؛ حيث كن يناضلن خارج السجون وداخلها بعد أسْرهن، ولا يمكن نسيان أبريل عام 1970، حيث تم تنظيم حركة إضراب جماعي عن الطعام للأسيرات الفلسطينيات لمدة تسعة أيام متتالية؛ للمطالبة بالكفّ عن استهدافهن بالضرب والعنف داخل محبسهن، وخاصة الحبس الانفرادي، لتتوالى بعدها أعمال الاحتجاج حتى وقتنا الراهن. وتعتبر خالدة جرار- القيادية المعروفة في الجبهة الشعبية- أشهر الأسيرات؛ بحكم أنها لا تغادر زنزانتها الانفرادية في صفقة تبادل، أو انتهاء لحكم ظالم، أو اعتقال إداري جائر، حتى يعيد الاحتلال إعادتها للأسْر من جديد. كما أن المرأة التي لم تحظَ بالمشاركة في العمل النضالي المباشر، كان لها عمل آخر أثر في صمود الشعب الفلسطيني، وبنى أجيالًا تعرف جيدًا معنى الوطن، وتحمل قضيته على أعناقها دفاعًا عن أرضه. وتمثلت في الأم والزوجة والجَدة اللواتي كنّ حاميات لأسرهن في غياب الأب والزوج، سواء كان أسيرًا أم شهيدًا، وكانت تحمل وتورث القصة وحكاية الوطن من جيل لجيل حتى لا ينسى الأرض، ويستمر النضال والإصرار على عودة الحق. وهذا منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي عام 1948. وفي سياق معركة طوفان الأقصى التي يواجه فيها الشعب الفلسطيني حركة إبادة جماعية متواصلة في قطاع غزة وفي الضفة الغربية لا يستطيع الناظر أن يغفل مشاهد أدوار المرأة الفلسطينية، وهي تشارك بكل ما تستطيع من قوة سواء في إسناد المقاتلين وتوفير شروط صمودهم، وهي الأم أو الزوجة أو الأخت، أو كانت طبيبة تداوي الجرحى أو متطوعة تساعد في إعانة المتضررين في حرب الإبادة والاستهداف السافر للمدنيين؛ علمًا أن لها أسرة تسهر على شؤونها، أو صحفية تقف شامخة أمام العدو لتنقل المشهد في أسخن بقاع الأرض وأكثرها صعوبة، وتعاني من خطر الاستهداف اليومي بالقتل مثل كل أبناء القطاع حاليًا. لم يستطع العدوّ الصهيوني أن ينال من عزيمة المرأة الفلسطينية؛ رغم القتل والهدم والاعتقالات المتتالية، إذ ستظلّ هناك بطولات وقصص لصمود نساء وفتيات ضحّين بأنفسهن ليخلدن أسماءهن عبر التاريخ. ورغم صعوبة رصد الأحداث، نجدها الآن- ومن خلال حسابها الشخصي على منصات التواصل- تنقل كل صغيرة وكبيرة وبلغات أجنبية؛ لتنوير الرأي العام العربي والدولي، عبر تسليط الضوء على المجازر المتواصلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. فتارة نجدها الأم الصبورة التي وصل إيمانها عَنان السماء، وهي تنعى أولادها، وتارة أخرى هي الطبيبة والمسعفة التي رفضت أن تترك الجرحى، وأبت إلا أن تكون على رأس عملها، وهي تلك التي جاءها خبر استشهاد كل عائلتها، وأكملت عملها؛ صبرًا واحتسابًا. إنها المرأة الفلسطينية التي تعتبر بكل بساطة وريثة السيدة مريم العذراء سيدة نساء الأرض. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/6/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d8%a8%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%90%d9%85%d9%84-%d9%88%d8%ab%d9%82%d9%84
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-01-06T13:43:17
2024-01-07T11:03:47
مقالات
2,217
الخاسرون والرابحون في لعبة التدخل الأجنبي في السودان
تعددت وسائل التدخل الخارجي في الشأن السوداني، وتعدد اللاعبون في الميدان، ولكنهم جميعًا عبارة عن أحجار في رقعة الشطرنج تحركها قوى كبرى فاعلة تعمل من وراء ستار
الأزمة السودانية الحالية هي إحدى ملامح مشروع أجنبي واسع تحرّكه قوى دولية نافذة بامتياز بهدف إحداث تحوّلات بنيوية جارفة في مكونات المجتمع السوداني؛ الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، وهو مشروع قديم متجدّد، ظهرت معالمه بشكل واضح منذ بداية نظام الإنقاذ في العام 1989. الصراع المحتدم حول السودان، تحرّكه دوافع اقتصادية وجيوسياسية وأيديولوجية متداخلة، وهو جزء من خطة إعادة تشكيل المنطقة التي تقودها دول المركز. لقد شهد الصراع بين حكومة الإنقاذ من جهة، ودول الغرب حالات من المدّ والجزر، بالذات مع الولايات المتحدة الأميركية التي اختارت السودان لبناء أكبر سفارة لها في المنطقة، وبريطانيا التي لعب سفيرها دورًا أساسيًا في تبنّي ثورة ديسمبركانون الأول، وإسرائيل التي ظلت عينها على السودان منذ استقلاله، وتمكّنت هذه القوى من إسقاط نظام الإنقاذ بعد أن صمد قرابة ثلاثة عقود. ومنذ ذلك الحين تعددت وسائل التدخل الخارجي في الشأن السوداني، وتعدد اللاعبون في الميدان، ولكنهم جميعًا عبارة عن أحجار في رقعة الشطرنج تحركها قوى كبرى فاعلة تعمل من وراء ستار، وتنتهي مهمة كل لاعب متى ما انتهى من لعب الدور المرسوم له. تبنّت الولايات المتحدة وبريطانيا سياسة تمزيق السودان تدريجيًا، عندما طبقتا سياسة شد الأطراف، ودعمتا حركات التمرد التي تناسلت مثل الفطر في ربع القرن الأخير، وفرضتا حظرًا اقتصاديًا مجحفًا، وأغلقتا كل أبواب التمويل والتعاون المتكافئ مع المؤسسات الدولية. وتولت إسرائيل مهمة مراقبة سياسة تمزيق السودان، باعتبارها دولة وظيفية كما يصفها الدكتور المسيري. وبدورها، سخّرت إسرائيل قوى إقليمية ودول جوار لتنفيذ هذا المشروع. وهذا ما نحاول استعراضه في إيجاز في هذا المقال. وقد يكون من المؤسف القول؛ إن دولة بعينها تلعب دور رأس الرمح في إذكاء نار الحرب المستعرة في السودان، وذلك بدعمها الشامل، قوات الدعم السريع المتمردة. سُئل السياسي البريطاني ونستون تشرشل لماذا لا تتبع أميركا الطريق الصحيح وتبدأ بالحسنى أولًا قبل القوة، فقال أميركا تفعل الشيء الصحيح دائمًا ولكن بعد أن تستنفد كل الطرق الأخرى. منذ بداية الحرب في السودان اتخذت كل من إثيوبيا، وكينيا أيضًا موقفًا داعمًا بلا مواربة لقوات الدعم السريع، وسعت كلتا الدولتين لتسخيرالإيغاد؛ لفرض حل جائر، وإجبار الحكومة السودانية والقوات المسلحة للقبول به، بل سعت هاتان الدولتان إلى تكوين تحالف عسكري ضد الجيش السوداني. كما فتحتا أراضيهما لاستقبال قائد التمرد رسميًا، واستضافتا عدة اجتماعات لقوى الحرية والتغيير. إلا أن سياسة استغلال منبر الإيغاد لم تنجح، فقد كان موقف السودان قويًا وحاسمًا بتجميد عضويته في المنظمة مما أفقدها القدرة على الحركة، وأفقدها مصداقيتها، رغم المحاولات المستمرة من بعض القوى لإذكاء الروح فيها من جديد. مواقف إثيوبيا وكينيا العدائية تجاه السودان، تفسرها العلاقات الغامضة بين قادة هاتين الدولتين وزعيم حركة التمرد. لقد سبق أن زار الرئيس الكيني الحالي السودان في العام 2020، والتقى قائد التمرد في أحد مناجم الذهب في شمال السودان، وهي زيارة أثيرت حولها تساؤلات كثيرة. أما إثيوبيا فقد اتخذت موقفًا لم يراعِ خصوصية علاقاتها بالسودان، بل لم يراعِ كثيرًا واقع الحال في إثيوبيا نفسها التي تتناهشها حروب القوميات والتي وصلت حتى العاصمة أديس أبابا، فقد كان رئيس الوزراء الإثيوبي مرجوًا عند السودانيين، حتى اتخذ موقفًا شائنًا بدعمه للتمرد وسعيه لتشجيع التدخل الأجنبي في الشأن السوداني. أما موقف الحكومة التشادية فقد كان أنكأ، فعند بداية الحرب، أعلنت تشاد موقفًا محايدًا وداعمًا للجيش السوداني، وهو الموقف الطبيعي الذي ينسجم مع علاقات البلدين التاريخية. ولكن الموقف التشادي تغير بشكل غريب بعد الزيارة التي قام بها الرئيس محمد كاكا إلى تلك الدولة العربية التي تدعم التمرد في يونيوحزيران 2023. فأصبحت هي الأخرى داعمًا رئيسًا لحركة التمرد، وذلك رغم نفي الحكومة التشادية الرسمي لذلك. إلا أن السودان قدم معلومات لا تقبل الجدل عن مدى استغلال التمرد للأراضي التشادية في مذكرته التي دفع بها إلى الأمم المتحدة في شهر مارسآذار الماضي. لقد حاول الرئيس محمد كاكا في كتابه الصادر هذا الشهر بعنوان من بدوي إلى رئيس جمهورية، نفي وإنكار أية علاقة بدعم مليشيا الدعم السريع، وقال؛ إن بناء مستشفى تموله الدولة العربية الداعمة في أم جرس هو عمل إنساني بريء لمساعدة اللاجئين. ولكن هذا النفي لم يكن مقنعًا، ربما حتى للشعب التشادي نفسه، وقد عبّر الرئيس عن ذلك في كتابه عندما قال إنني مستاء من رد فعل بعض التشاديين الذين يقومون بتبني وترويج الاتهامات التي يطلقها سياسيون سودانيون ضد تشاد، والانسياق وراء الخطاب المشوه للسمعة الذي تروجه وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الدول الثلاثة ستكون الخاسر الأكبر في علاقاتها مع السودان إذا انتهت الحرب الحالية بانتصار الجيش والإرادة القومية السودانية كما هو مأمول، ما لم تبادر إلى تغيير سياساتها وتصويب خياراتها قبل فوات الأوان. بالمقابل، فإن هناك عددًا من دول الجوار والقوى الإقليمية تسعى بجد منذ بداية الحرب لإطفاء نار الفتنة، واتخذت مواقف واضحة بدعم الشرعية التي تمثلها القوات المسلحة السودانية. على رأس هذه الدول تأتي جمهورية مصر العربية، بموقفها الواضح الداعم للجيش السوداني منذ بداية الحرب الحالية. الموقف المصري يتسق تمامًا مع العلاقات التاريخية بين مصر والسودان، لقد أثبتت القيادة المصرية مرة أخرى أنها تفرق بين المواقف الإستراتيجية وبين السياسات المرحلية تجاه نظام بعينه أو حالة بعينها كفعل طارئ في علاقات البلدين الممتدة. استضافت مصر أكبر عدد من اللاجئين السودانيين، ولم تفرق بينهم بسبب انتماءاتهم السياسية، كما تبنت مبادرة دول الجوار السوداني والتي نجحت في دعم المؤسسة العسكرية السودانية والدفع في اتجاه الحل السلمي الشامل للأزمة. وفي الواقع، فإنه من غير الممكن اعتماد حل ناجز للأزمة السودانية دون إشراك مصر. وتميز أيضًا الدور الإيجابي للحكومة الإريترية، وذلك عندما أعلن الرئيس أفورقي منذ اليوم الأول موقفًا قويًا داعمًا للجيش، ورافضًا لمغامرة الدعم السريع ومناصريها. كما وقفت حكومة جنوب السودان موقفًا داعمًا للجيش السوداني، وكانت حكومة الجنوب واضحة عندما أكدت أن اشتراك بعض مواطنيها في الحرب إلى جانب الدعم السريع هو عمل فردي ترفضه الدولة. وينشط الرئيس سلفا كير والدبلوماسية الجنوبية السودانية في الدفع نحو حل سلمي للأزمة مع تأكيد دعمها الدائم للمؤسسة العسكرية السودانية. ورغم تعقيدات الوضع الداخلي في ليبيا فقد دعمت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس الجيش السوداني، وسعت إلى طرح مبادرة للصلح. أما على المستوى الإقليمي والدولي، فقد تميز الدور الذي قامت به المملكة العربية السعودية، عندما تبنت منبر جدة باعتباره المنبر الوحيد الفاعل حتى الآن، وبرغم من أن حركة التمرد لم تلتزم حتى الآن بما وقعت عليه في منبر جدة فإنه لا يزال يشكل آلية مناسبة للبحث عن حل تفاوضي عادل للحرب السودانية. من أهم التطورات الدولية في الحرب السودانية هو تغير الموقف الروسي من موقف داعم بقوة للتمرد عبر مجموعة فاغنر إلى شريك دولي يدعم الجيش السوداني ويسعى للبحث عن حل سلمي عادل للحرب، وقد تغير الموقف الروسي بعد وفاة مؤسس فاغنر، وإعادة هذه المؤسسة المتمردة إلى حضن وزارة الدفاع الروسية. وأخيرًا؛ فإن الحرب الجارية قد نفخت الروح في العلاقات السودانية الإيرانية، وأصبحت إيران داعمًا أساسيًا للجيش السوداني، وأحدثت المسيّرات الإيرانية تقدمًا كبيرًا للجيش في أرض المعركة جعلته قاب قوسين أو أدنى من النصر الحاسم. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك دولًا أخرى اتخذت موقفًا واضحًا بدعم الجيش السوداني والحفاظ على الدولة السودانية، وقدمت مساعدات إنسانية ومادية معتبرة، منها على سبيل المثال لا الحصر تركيا وقطر والجزائر والمغرب والصين والكويت. هذه القوى ستكون الرابح الكبير عند انجلاء الحرب الحالية لصالح الجيش والشعب السوداني. لقد تبنَّى السودان طوال هذه الحرب دبلوماسية الصبر، والتي رغم أنها أثارت كثيرًا من القلق والخوف إلا أنها حققت نجاحات واضحة في نهاية المطاف. ربما تأخرت الدبلوماسية السودانية في نظر العديد من المراقبين، ولكن الدبلوماسية السودانية لها القدرة والخبرة على استدراك ما فات واستثمار ما هو آتٍ. ولنتذكر على سبيل المثال لا الحصر أن السودان سبق أن واجه حصارًا شديدًا من حركة التمرُّد في جنوب السودان التي استطاعت أن تحشد الرأي العام الأفريقي ضد السودان بشكل غير مسبوق، ولكن الدبلوماسية السودانية عندما أفاقت استطاعت في سنوات قليلة أن تسود وتقود في الشأن الأفريقي والإقليمي على السواء. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/19/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b3%d8%b1%d9%88%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d8%ad%d9%88%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%ae%d9%84
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-04-19T09:42:52
2024-04-19T09:50:51
مقالات
2,218
لماذا لا تزال الرسالة الإعلامية الإسرائيلية فاشلة المحتوى؟
بمجرد استيعاب حجم الضربة بعد أيام من العملية، بدأت إسرائيل في لملمة صفوفها، واستنفار جميع خبراتها وقوتها الإعلامية العالمية؛ لاستدراك ما حصل ومحاولة فرض سرديتها الخاصة.
لم تكن الحرب الإعلامية التي اشتعلت مع اشتعال الأراضي الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر أقل عنفًا وشدةً من القتال المتواصل حتى لحظة كتابة هذه السطور. فحرب السردية- بين المقاومة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية- كان لها نصيب كبير من الاهتمام والتركيز. ذلك أنه لا أحد يستطيع أن ينكر أهمية موقف العالم من هذه الحرب، التي تتجاوز في أبعادها وآثارها حدود الأراضي الفلسطينية والإقليم كلّه. من اللحظة الأولى لبدء عملية طوفان الأقصى، كان واضحًا أن فصائل المقاومة الفلسطينية قد أتمت استعدادات كبيرةً للحرب الإعلامية بالتزامن مع اقتحام السياج الأمني حول قطاع غزة. فالفيديوهات المذيّلة باسم الإعلام العسكري، بدأت البث منذ اللحظات الأولى لهذه العملية. وهذا ما أشار إلى أن المقاومة الفلسطينية، قد أعدت نفسها لفرض السردية والرواية الفلسطينية عبر رسائل الإعلام العسكري، وهو ما غاب- في البداية- عن الجانب الإسرائيلي كنتيجة طبيعية لغياب المعلومة عنه ابتداءً. إسرائيل تعتبر دائمًا أن الآخر المقابل -ولا سيما العربي- هو مجرد شخص غبي غير قادر على الإبداع، ولذلك فالمفترض أن إسرائيل لا تحتاج لبذل جهد في بناء سردية مقنعة مقابل سرديته، خاصةً أنه لا يحمل أي خبرات في التعامل مع أدوات بناء السردية عبر الدراما والإعلام الهوليودي وللحق، بمجرد استيعاب حجم الضربة بعد أيام من العملية، بدأت إسرائيل في لملمة صفوفها، واستنفار جميع خبراتها وقوتها الإعلامية العالمية؛ لاستدراك ما حصل ومحاولة فرض سرديتها الخاصة، متسلحةً في ذلك بشبكة واسعة جدًا من حلفائها من جهابذة الإعلام الأميركي خصوصًا، والغربي عمومًا. ولجأت في سبيل ذلك إلى سيل الأكاذيب التي كُشفت لاحقًا في قصص السابع من أكتوبر، مثل قطع رؤوس الرضع، وإحراق الأطفال أحياء، والاغتصاب، وغير ذلك. الفكرة هنا ليست دراسة أثر هذه العملية، خاصةً أن كذب هذه السردية كلها قد انكشف لاحقًا كما كان متوقعًا، وما زالت الكذبات تتكشف كل يوم، حتى وصل الأمر يوم 19 ديسمبر إلى إفراج جيش الاحتلال عن فيديو صورته طائرة مسيرة في السابع من أكتوبر يثبت الرواية الفلسطينية، بأن قتل عائلات إسرائيلية ونساء وأطفال في الكيبوتسات الإسرائيلية، مثل كيبوتس بيئيري لم يكن إلا نتيجةً لقصف الدبابات الإسرائيلية للمنازل في هذه الكيبوتسات دون النظر إلى وجود نساء وأطفال داخلها. كما أن الفكرة ليست دراسة سبب فشل الرواية الإسرائيلية في الإعلام التقليدي في إقناع الجيل المعروف باسم جيل Z الذي يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي بدلًا من وسائل الإعلام التقليدية، وبالتالي حدّ ذلك من قدرة حكومة الاحتلال على المناورة، وإنما السؤال هنا هو لماذا أقدمت حكومة الاحتلال، أصلًا، على الكذب الفج على العالم وما زالت مصرةً على ذلك بشكل مستمر، دون النظر إلى فشلها في إقناع العالم، أو إلى الأثر السلبي عليها عندما يتم كشف كذباتها كل مرة؟ ولماذا لا يزال جيش الاحتلال الإسرائيلي ينشر فيديوهات باردة ضعيفة غير مقنعة لعدد من الجنود يطلقون النار في الهواء، في مقابل فيديوهات المقاومة الفلسطينية النوعية، التي التزمت الصدق منذ اللحظة الأولى، بما جعلها أكثر قوةً في رسالتها وإقناعها للمشاهد والمتابع من إسرائيل؟ ربما يكون القائمون على الحكومة الإسرائيلية اليوم من كبار السن الذين لا يعرفون كيفية التعامل مع وسائل التواصل التي يتعامل معها الشباب الذين يمتلكون القدرة العالية على اكتشاف الصواب من الخطأ، ولكن مخطئ من يظن أن القائمين على السردية الإسرائيلية سواء من إسرائيل أم من حلفائها- هم جميعًا من هذه العينة نفسها، ولا يعرفون كيف يتعاملون مع ما يفهمه هذا الجيل فالقضية في الحقيقة ليست متعلقة بقوة وسائل التواصل، أو عدم تمكن إسرائيل وحلفائها وأصواتها من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، مثلًا، بل إن لدى إسرائيل أصواتًا قوية وذات أثر إعلامي كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تجنّد لهذا الأمر عدد من كبار المؤثرين الممثلين للرواية الإسرائيلية، وخاصة في الولايات المتحدة، مثل بن شابيرو ومايم بياليك وغيرهما.. لكن بالرغم من ذلك لا تزال السردية الفلسطينية أقوى أثرًا في الإعلام والفضاء الرقْمي. إذن القضية ليست متعلقة بجيل Z، أو عدم تمكن إسرائيل من مخاطبته بأدوات العصر، وإنما في عدم قدرة إسرائيل على المضي قدمًا في تقديم رواية مقنعة لأسباب عدة لا يفهمها الإسرائيليون. وللحقيقة فإن دراسةً لسيكولوجيا الرواية الإسرائيلية تكشف أن من أهم أسباب الفشل الإسرائيلي- في الإقناع بروايته- هي تركيبة العقلية الإسرائيلية نفسها، فهي عقلية قائمة على التعالي والنظر للآخر بدونية. فإسرائيل تعتبر دائمًا أن الآخر المقابل -ولا سيما العربي- هو مجرد شخص غبي غير قادر على الإبداع، ولذلك فالمفترض أن إسرائيل لا تحتاج لبذل جهد في بناء سردية مقنعة مقابل سرديته، خاصةً أنه لا يحمل أي خبرات في التعامل مع أدوات بناء السردية عبر الدراما والإعلام الهوليودي، كحال إسرائيل ومناصريها في الولايات المتحدة بالذات، ولذلك فالفلسطيني- في نظر الاحتلال وحلفائه- لا يمكنه أن يمتلك الأدوات التي تقنع الآخر. هذه النظرة الدونية عند الإسرائيليين، لا تنطبق على العربي فقط، بل تنطبق كذلك على الشعوب الغربية نفسها، فهم لا يرونها قادرةً على فهم ما يجري؛ لأن الشعوب الغربية اعتادت على استقاء معلوماتها من أفلام هوليود، ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها اللوبيات الداعمة لإسرائيل، فكيف يمكن ألا يصدق الفرد الغربي العادي الآن ما كان يصدقه على مدار سبعة عقود؟ يبدو أن إسرائيل تظن أن هذا الرصيد القديم من البروباغندا، وغسل الدماغ الذي تعرض له العالم عبر آلة الإعلام المناصرة لها كانا كافيين لبناء الثقة غير القابلة للتزحزح في كل ما تقوله إسرائيل الآن ومستقبلًا، فلا يحتاج الجيش الإسرائيلي- مثلًا- إلا ليخرج المتحدث الرسمي باسمه فيقول أي شيء- مهما كان- ليكون صادقًا، حتى لو وصل به الأمر إلى أن يشير لقائمة كلمات عربية غير مفهومة معلقة في مستشفى قائلًا إنها أسماء إرهابيين، ويتوقع أن يصدقه المواطن الغربي ولاحظ أنه في تلك الحادثة الشهيرة كان يتكلم بالإنجليزية؛ لأنه يوجه رسالته للشعوب الغربية أساسًا، ويكفي ذلك ليصدقه العالم. فكيف يمكن أن يجرؤ أحد على تكذيب الجيش الأكثر أخلاقيةً في العالم؟ وكيف يصدق المواطن الغربي البسيط هؤلاء الإرهابيين الفلسطينيين، الذين كانت هوليود تصورهم كذلك دائمًا، حين يقولون إن هذه الكلمات غير المفهومة لم تكن أكثر من أيام الأسبوع؟ الشيء نفسه ينطبق على ادعاءات الاغتصاب؛ فلم تظهر شخصية واحدة تدّعي تعرضها للاغتصاب ولا حتى في شهادة واحدة تقدمها إحداهن لأحد الصحفيين، فكلها كانت تقارير إعلامية منقولةً عن مؤسّسات حكومية إسرائيلية رسمية تدعي أنها تأكدت من تعرض بعض النساء للاغتصاب، ويجب على العالم أن يصدق ذلك؛ لأن من يعلن هذا الادعاء هو الرئيس الإسرائيلي نفسه وكذلك قصة حرق الأطفال وقطع الرؤوس وغيرها مما ردّده نتنياهو محتميًا باسم منصبه، فهو رئيس وزراء إسرائيل وأعلى سلطة تنفيذية فيها، ولذلك فيجب أن تقبل روايته؛ لأن الثقة هي الأصل فيما يقول دائمًا الرسمي الصادق مقابل الإرهابي الكاذب.. هذا ما يكفي في نظر إسرائيل ليصدقها العالم.. فما دامت إسرائيل الرسمية هي التي تتكلم فيمكنها أن تقول ما شاءت، وعلى العالم أن يصدقها؛ لأنها هي الممثل الرسمي للغرب في المنطقة نسيت إسرائيل- في خضم كل هذا- أن الشعوب الغربية قد أقامت على مدار العقود الماضية جدارًا من عدم الثقة بينها وبين مؤسساتها الرسمية نفسها -لا المؤسسة الإسرائيلية فقط- وذلك بعد أن صُدم المجتمع الغربي كثيرًا بالكذب الذي تعرّض له على يد حكوماته كاحتلال العراق وأسلحة الدمار الشامل مثلًا.. بل إن البعض في المجتمع الأميركي -مثلًا- لا يجد غضاضةً في تكذيب رواية حكومته حول 11 سبتمبر. وقد تعمق هذا الحاجز من عدم الثقة في أزمة كورونا، فلماذا يصدق النسخة الإسرائيلية من حكوماته التي اعتاد أن تكذب عليه؟ ولماذا يصدق أن فيديو لبضعة جنود يطلقون الرصاص في الهواء أو على جدران صماء يقاتلون فعليًا مقاتلين لا نراهم في الصورة؟ بالمقابل فإن السردية الفلسطينية تقدم للمشاهد دائمًا طرفين واضحين، هما مقاتل ودبابة أو مقاتل وجندي.. وتقدم صورةً ثبَت بالوقائع أنها صحيحة، فأصبح الصدق هو السلاح الأقوى للمقاومة الفلسطينية. هذا إضافةً لسرعة خروج روايتها الإعلامية لتكذيب الرواية الإعلامية الإسرائيلية، وتنويع رسالتها الإعلامية بمختلف الأساليب، وهذا أمر غير معتاد لدى الطرف الإسرائيلي، ولا يتناسب مع ما أقنع نفسه به من غباء العرب وسذاجتهم. فمنذ متى كان العربي ذكيًا بما يكفي لاختيار أغنية لا تتركونا نشيخ خلفيةً لفيديوهات أسرى من كبار السن؟ ومنذ متى كان يفهم الفرق بين اختيار موقع محدد لتصوير حدث ما وتصويره داخل غرفة؟ ومنذ متى كان يعرف كيف يوجه الكاميرا نحو أقدام حافية لأحد المقاومين، وكيف يوجه الكاميرات في الجو لتصوير الصواريخ مع السيارات والجيبات العسكرية تتوجه كلها في الوقت نفسه مخترقةً الجدار الفاصل؟ ومنذ متى كان يعرف متى يجب تغيير صوت المتحدث في أي فيديو، ومتى يجب أن يظلل صور بعض الوجوه والمواقع، ويكشف بعضها؟ بل منذ متى تعلم أن يقدم رسالةً بلغة عبرية أو إنجليزية سليمة غير ركيكة؟ هذه كلها أسئلة ما زالت تحير المراقبين الإسرائيليين وحلفاءهم، وهي بالنسبة لهم لا تقل مفاجأة عن لغز الاقتحام الكبير يوم السابع من أكتوبر والجواب الذي لا يريدون الاعتراف به هو ببساطة أن الفلسطينيين ليسوا سذجًا ولا أغبياء، فهل تعترف إسرائيل بذلك يومًا؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/27/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%84%d8%a7-%d8%aa%d8%b2%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-27T08:44:00
2023-12-27T08:45:23
مقالات
2,219
الحرب في غزة.. هل للقانون الإنساني من معنى؟
يعتبر البعض إسرائيل “دولة فصل عنصري”، ولكن هذا المصطلح ليس كافيًا لوصف طبيعة الصهاينة؛ لأن “الفصل العنصري” يشير إلى التمييز العنصري الذي يقوم على أساس العِرق أو اللون.
قرأت قبل أيام خبرًا عن إلقاء القبض على شخصٍ وإحالته للتحقيق؛ بعد انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعيّ، يظهر فيه، وهو يطلق النار على حيوان. وذكر الخبر عقوبة مخالفي قانون الرفق بالحيوان، وأنّ وزارة البيئة، أعلنت في وقت سابق عن عقوبات لمن يقوم بتعذيب الحيوانات، أو إساءة معاملتها من خلال الضرب، أو التجويع، أو بأي أسلوب آخر يتنافى مع الإنسانية. إنّ حقوق الحيوان بالطبع، هي قضية نبيلة، ومبدأ أخلاقي، يجب علينا جميعًا احترامُه، حتى إن العديد من البلدان لديها قوانين خاصّة لحماية الحيوانات، وتعزز الوعي العام بأهميّة حقوق الحيوان. وبهذه الطريقة، يمكننا أن نضمن حسن المعاملة والرفق بالحيوان. لكن ماذا عن الإنسان أعظم خلق الله وخليفته في الأرض؟ وأنا أقرأ الخبر، تذكّرت تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في الأيام الأولى للحرب على غزة لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام، وأضاف نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وَفقًا لذلك. ليس من المقبول بأي حال من الأحوال استخدام لغة قمعية وتصريحات استفزازية من أجل تبرير العنف، على الرغم من أنّ كل المواثيق الدولية في العالم- بما فيها كيانه البغيض- تدعم القوانين المتعلقة بحقوق الحيوانات الأليفة والبرية، وتعتبر القسوة تجاهها جريمة يعاقب عليها القانون، ناهيك عن البشر. يُطلق على غزة البالغ عدد سكانها حوالي 2.3 مليون نسمة أكبر سجن مفتوح في العالم، وقد بقيت إسرائيل تحاصرهم جوًا وبرًا وبحرًا منذ أكثر من 17 عامًا. عانى سكان غزة خلال هذه السنوات بشكل كبير، وما زالوا يعانون، لا سيما هذه الأيام مع الحرب التي تشنّها دولة الاحتلال ضد السكان المدنيين؛ بهدف تدمير قطاع غزة بشكل كامل، وتهجير أهله. مثل هذه الأوضاع لا يمكن أن يتحمّلها أحد، بغض النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه. ورغم ذلك تبرر معظم حكومات الدول الغربية، دعمها غير المحدود دولةَ الاحتلال، وتقوم بتبرير جرائمها ضدّ الإنسانية من قتل للمدنيين، وفرض الحصار الشامل على قطاع غزة، وتعرض المنازل والمدارس والمساجد والمستشفيات لهجمات عشوائية وقطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود وغيرها من وسائل التدمير. كما تتجاهل هذه الحكومات تمامًا اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، والتي تحظر- في المادة الثالثة من الباب الأول الخاص بالأحكام العامة- أيَّ اعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب، وأخذ الرهائن والاعتداء على الكرامة الشخصيّة. يعتبر البعض إسرائيل دولة فصل عنصري، ولكن هذا المصطلح ليس كافيًا لوصف طبيعة الصهاينة؛ لأن الفصل العنصري يشير إلى التمييز العنصري الذي يقوم على أساس العِرق أو اللون. وهذا المصطلح يأتي في الأصل من سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والتي استخدمها المستعمرون البيض ضد غالبية السكان الأصليين أصحاب الأرض السود في البلاد. حيث يعتقدون أن عرقهم متفوق على الأجناس الأخرى، إذ ينبغي ألا يتمتعوا بالحقوق نفسها التي يتمتعون بها. ومن أجل الحفاظ على سلطتهم منعت هذه الأقليةُ السودَ من شراء الأراضي خارج المناطق التي أُجبروا على العيش فيها، كما تمّ منعهم من استخدام وسائل النقل العام، وارتياد النوادي والمحلات التجارية نفسها. وقد وصل الجنون العنصري إلى حد تقسيم الحدائق العامة والأرصفة والحمامات. يعتبر الفصل العنصري ظاهرة معادية للإنسانية وقيمها، لكن بالمقارنة مع الصهيونية، فإنَّ معدل الجريمة فيها أقل. علاوة على ذلك فإن النظام القائم على الفصل العنصري لا ينكر إنسانية الأجناس الأخرى، بل يؤكد على تفوق عرقه مقارنة بالأجناس الأخرى، أما الكيان الصهيوني فيؤمن بأنّ الربّ قد اختارهم دون جميع الشعوب على وجه الأرض؛ ليكونوا شعبه الخاص المختار، وبالتالي لا ينظرون إلى الأجناس الأخرى كبشر، بل باعتبارهم مخلوقين لخدمتهم. العديد من الأطفال الأبرياء ينزفون حتى الموت في غزة. وبدلًا من أن تشاهد الأمهات أطفالهنّ وهم يلعبون ويكبَرون، أمام أعينهنّ، يضطررن إلى نثر التراب على أجسادهم في مشهد من شأنه أن يدمي القلوب، إلا قلوب الصهاينة ومؤيديهم، فهي كالحجارة أو أشد قسوة. ولعلّ الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل- التي قام بها مواطنون في مختلف دول العالم، بمن في ذلك عدد كبير من اليهود المناهضين للصهيونية؛ لإنهاء الحرب الدموية في غزة- تشهد على ذروة الكراهية العالمية ضد النظام الصهيوني ومؤيديه. لقد رأينا الأمم الواعية في جميع أنحاء العالم تنهض غاضبة مما يحدث لأطفال غزة، وتطالب بوقف هذه المهزلة الدموية. وهذا يعني أن الضمير الواعي لا يتحمّل مثل هذه الجرائم الشنيعة. ولا شك أن البشر المحبين للحرية، سيحاربون حتمًا الطغيان والظلم، ويتمردون على الطغاة. وسيأتي حتمًا اليوم الذي سيُحاسب فيه قادة الدول الذين دعموا جرائم الحرب- التي ارتكبها هذا النظام الاستعماري، والذين تلطخت أيديهم بدماء نساء وأطفال غزة الأبرياء- على جرائمهم الشنيعة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/19/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d9%87%d9%84-%d9%84%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%85%d9%86
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-19T04:28:56
2023-12-19T04:28:56
مقالات
2,220
قصر مونكلوا والاعتراف بفلسطين.. دوافع وتأثيرات القرار التاريخي
اليوم، وبعد صحوة الضمير العالمي الذي لعبت فيه إسبانيا دورًا طلائعيًا، سيصبح عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين 147 دولة كاملة العضوية بهيئة الأمم المتحدة،إلى جانب الفاتيكان العضو الملاحظ بالهيئة الأممية.
لم يكن القرار الإسباني بالاعتراف بالدولة الفلسطينية قرارًا عاديًا، بقدر ما شكّل نقلة نوعية في مسيرة الشعب الفلسطيني لنيل الاعتراف بدولته المستقلة بعد أكثر من 76 سنة على النكبة، وأكثر من مئة سنة من الاستعمار الصهيوني، وربيبه البريطاني الذي مهد له الطريق لاحتلال فلسطين. وإذا كان لتداعيات عملية طوفان الأقصى التي ملأت الدنيا وشغلت الناس عبر العالم، الدورُ الأساسي في تحقيق الكثير من المنجزات للقضية الفلسطينية التي مرّ عليها حين من الدهر قضته متوارية بعيدًا عن اهتمام العالم، فإن واحدًا من هذه المنجزات، هو اعتراف قصر مونكلوا بمدريد مقر إقامة وعمل رئيس الحكومة الحكومة الإسبانية بدولة فلسطين، حيث لعبت فيه إسبانيا دورًا أساسيًا، جعل منها الدولة الأكثر تفاعلًا مع مطالب شعبها الذي بادر بإطلاق حراك شعبي في جميع مدن إسبانيا، يعتبر الأكثر تميزًا في عموم أوروبا. لذا كان التفاعل الرسمي الإسباني معه مبكرًا. حيث التقط بيدرو سانشيز، رئيس الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، وزعيم الائتلاف الحزبي الحاكم في إسبانيا، خيوط اللحظة التاريخية، بُعَيْدَ تعيينه رئيسًا للحكومة الإسبانية للمرّة الثالثة، ليصرّح لوسائل الإعلام الدولية على الحدود المصرية الفلسطينية لما لها من رمزيّة يوم الجمعة 24 نوفمبر تشرين الثاني سنة 2023، إلى جانب رئيس الحكومة البلجيكية ألكسندر دي كرو، الذي تسلّمت بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي أول يناير كانون الثاني الماضي، بعد انتهاء مدة الرئاسة الدورية الإسبانية بلغة واضحة وصريحة، أنه يجب احترام القانون الدولي، وأنه من غير المقبول استهداف المدنيين، كما أنّه ليس هناك حلّ عسكري للصراع، وثمة ضرورة ملحة للوقف النهائي لإطلاق النار. كما أكّد الرجل أنه على المجتمع الدولي وبشكل خاص، الدول الأوروبية الاعتراف بدولة فلسطين، وإن لم تفعل، فستكون إسبانيا هي السبّاقة لذلك. كانت هذه تصريحاته في إطار زيارة قام بها إلى فلسطين المحتلة التقى فيها نتنياهو، ومحمود عباس، حيث عبّر عن رفضه القاطع لقيام قادة الاحتلال بالقتل الأعمى للفلسطينيين، داعيًا إلى ضرورة دعم السلام بالمنطقة، وتطبيق حلّ الدولتين، الذي تقرّه عشرات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي. وعلى رأسها القرار 242 الذي صادق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سنة 1967، متبوعًا بقرارات أخرى تدعو إلى إقرار السلم وانسحاب جيش الاحتلال من الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية، والجولان السوري، إلى جانب احترام سيادة الدول واستقلالها السياسي، وحدودها الترابية. وفي خطوة غير مسبوقة، بادر سانشيز إلى إقناع النرويج وأيرلندا للقيام بنفس المبادرة في أفق التحاق مالطا، وبلجيكا، وسلوفينيا، وربما لوكسمبورغ لاحقًا. ليصبح يوم الثلاثاء 28 من شهر مايوأيار سنة 2024، يومًا تاريخيًا بكل المقاييس؛ لأنّه شهد صدور مرسوم عن المجلس الوزاري الإسباني يقرّ هذا الاعتراف، كما أنّ الخطوة الإسبانية الموالية المرتقبة هي تنظيم ندوة دولية للسلام، وهو تقليد اشتراكي دشّنه عميد الاشتراكيين الإسبان فيليبي غونزاليس سنة 1991 من خلال مؤتمر مدريد الشهير. الموقف الإسباني هذا، له دلالات رمزية وانعكاسات قانونية وسياسية هامة فيما يخصّ رسم معالم مستقبل الصراع العربي- الإسرائيلي. هذا الموقف من شأنه أن يسهم في إحداث تشققات على مستوى الهياكل المؤسساتية للقانون الدولي في كل أبعاده وتجلياته. لتؤكد إسبانيا بالملموس أنها صديقة العرب، ومناصرة للقضايا الإنسانية التحررية. إسبانيا تنتصر للإنسان، تنتصر للحرية، تنتصر للقيم الإنسانية التي تضع الإنسان فوق كل الاعتبارات السياسية، والدينية، والأيديولوجية. فإسبانيا دولة لها حضور وازن في الاتحاد الأوروبي، الذي سبق أن صوّت برلمانه بالأغلبية لصالح الاعتراف المبدئي بدولة فلسطين، ودعم حل الدولتين شهر ديسمبر كانون الأول سنة 2014، ومن شأن ذلك أن يُحلحل مواقف دول الاتحاد الأوروبي، التي ما زالت مترددة في الاعتراف بدولة فلسطين. فعدد دول الاتحاد الأوروبي المعترفة بفلسطين قبل هذا الاعتراف، لم تكن تتجاوز الثمانية، هي بلغاريا، قبرص، سلوفاكيا، هنغاريا، بولونيا، جمهورية التشيك، ورومانيا، التي ورثته جميعًا من مرحلة انتمائها للمعسكر الاشتراكي في شرق أوروبا، إلى جانب السويد التي اعترفت بدولة فلسطين سنة 2014. اليوم، وبعد صحوة الضمير العالمي الذي لعبت فيه إسبانيا دورًا طلائعيًا، سيصبح عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين 147 دولة كاملة العضوية بهيئة الأمم المتحدة، إلى جانب الفاتيكان العضو الملاحظ بالهيئة الأممية. موقف بيدرو سانشيز هذا سيضع دول الاتحاد الأوروبي التي ترفع شعارات مناصرة قيم الحرية واحترام حقوق الإنسان في موقف حرج، خصوصًا دول، مثل ألمانيا التي تحتاج علاقتها التاريخية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى كثير من المراجعة والتدقيق التاريخي الغائب أو المغيب قصدًا. كما أنّ موقف إسبانيا من شأنه أن يدفع دولًا أخرى داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه إلى أن تَحذو حذوَها. هذا الموقف الإسباني لم يكن موقفًا معزولًا بدون سوابق في تاريخ إسبانيا، بل له سوابق في تاريخ بلد بلاس إنفانتي، وأميريكو كاسترو، وخوان غويتيسولو، حيث إنّه في شهر نوفمبرتشرين الثاني سنة 2014 كان الكورتيس البرلمان الإسباني، قد حثّ السلطة التنفيذية من خلال قرار غير ملزم على الاعتراف بدولة فلسطين. هذا إلى جانب كون مجموعة من الأحزاب السياسية ذات النفَس اليساري التقدمي؛ كحزب سومار، وحزب بوديموس، وحزب اليسار الجمهوري الكتالاني، وحزب أتشي بلدو الباسكي، سبق أن طالبت الحكومة الإسبانية مرارًا بقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع كيان الاحتلال، ووقف تصدير الأسلحة إليه. كما كان للغة الإدانة الصريحة التي تكلمت بها وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية السابقة إيوني بيلارا القيادية في حزب بوديموس قبل مغادرتها منصبها الحكومي شهر نوفمبرتشرين الثاني الماضي لما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة من أفعال اعتبرتها جريمة حرب وإبادة جماعية مبرمجة، وقعُ الصدمة على قادة الاحتلال الإسرائيلي. خاصة أنها اعتبرت أن إسرائيل تقوم بقصف المدنيين، تاركة مئات الآلاف منهم بدون ماء ولا كهرباء، ولا طعام، مما يعدّ عقابًا جماعيًا ينتهك بشكل خطير القانون الدولي الإنساني، ويمكن اعتباره جريمة حرب مكتملة الأركان، متهمة الاتحاد الأوروبي، والإدارة الأميركية بتشجيعها على ممارسة سياسة التفرقة والعنصرية والعدوان التي تنتهك حقوق الإنسان بصورة خطيرة. ولعلّ تعيين السيدة سيرا عابد ريغو، وهي سياسية إسبانية من أصول فلسطينية، عن حزب سومار على رأس وزارة الشباب والطفولة والتي ما زال والدها وإخوتها مقيمين في الضفة الغربية يحمل إشارات ودلالات قوية على الأهمية الإستراتيجية للقضية الفلسطينية عند أصحاب القرار في إسبانيا. وهي الشخصية المعروفة في المشهد السياسي والمدني الإسباني بالدفاع عن قضية شعبها، وتحاول الصحافة الإسرائيلية باستمرار تشويه صورتها من خلال إعادة نشر تغريداتها وتصريحاتها حول الصراع العربي الصهيوني. وقبل أن تنهض إسرائيل من صدمة الاعتراف الإسباني بدولة فلسطين، زادتها نائبة رئيس الوزراء الإسباني، وزعيمة حزب سومار اليساري يولاندا دياز من الشعر بيتًا، حين قالت إن تحرك إسبانيا للاعتراف بالدولة الفلسطينية مجرد بداية، داعية إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي؛ لإلغاء جميع الاتفاقيات مع إسرائيل. وختمت حديثها بعبارة فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر، لتواجِه حملة شرسة من قادة الاحتلال الإسرائيلي، متهمين إياها بالتهمة الجاهزة معاداة السامية ومحاولة إبادة الشعب اليهودي، مما اضطرها لإصدار توضيح بعد ذلك تقول فيه إنها تقصد حل الدولتين فلسطين وإسرائيل تتعايشان جنبًا إلى جنب من النهر إلى البحر. هو جدل محتدم إذن بين الجانبين الإسباني والإسرائيلي، كان آخر فصوله ما أدلى به وزير الخارجية الإسرائيلي، بأن إسبانيا باعترافها هذا تقوم بالتحريض على تصفية الشعب اليهودي. مما جعل وزير الخارجية الإسباني ألباريس يرد عليه قائلًا إن إسبانيا تصطف مع الجهة الصحيحة من التاريخ، منتصرة للقانون الدولي والشرعية الدولية. وإن سحب السفير الإسرائيلي من مدريد والهجوم الشديد على إسبانيا ليس له ما يبرره. وهو نفس الكلام الذي أكّده سانشيز يوم 28 مايوأيار للصحفيين على هامش المجلس الوزاري. وما زال الحبل على الجرار، فإسبانيا بدأت كتابة تاريخ جديد عن نضال الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، سيفتح الباب واسعًا أمام اعتراف مجموعة من مراكز القرار الرأسمالي الغربي التقليدية بدولة فلسطين، وفي هذا السياق صرحت بريطانيا بأنها تفكر في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي الدولة الاستعمارية التي كانت مسؤولة عن نكبة الشعب الفلسطيني سنة 1948، كما صرحت فرنسا بأن التفكير في الاعتراف بدولة فلسطين لم يعد أمرًا محظورًا. كما أن أستراليا التي تعتبر امتدادًا للنسيج الاستيطاني الغربي في المحيط الهادئ، تحدثت عن تفكيرها في الاعتراف بدولة فلسطين. كان الأديب الإسباني الكبير خوان غويتيسولو وفاءً لتقليد متوارث بين الأدباء اليساريين الذين واجهوا الفاشية في إسبانيا من أبرز المؤيدين للقضية الفلسطينية، وكذلك عائلته المعروفة بإنجاب أدباء كبار، وانطلاقًا من هذا الموقف المبدئي زار فلسطين إبان انتفاضة الحجارة عام 1988، وتعرض لمضايقات الاحتلال الإسرائيلي، نظرًا لمواقفه الشهيرة؛ تأييدًا لفلسطين، وانتقادًا للاحتلال الإسرائيلي، ثم زارها مرة ثانية عام 2005، وشاهد حجم التراجع الذي أصاب القضية الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو، ووصفها بأنها كانت اتفاقيات استسلامية لا تليق بثورة شعب قدّم تضحيّات كبيرة في سبيل تحرير بلده من آخر استعمار أوروبي في العالم.مستحضرًا دومًا نضال الشعب الجزائري في مواجهة استعمار إحلالي شبيه بالاستعمار الصهيوني لفلسطين، وانتصاره عليه في النهاية. ويبدو أن ضمير الثقافة الإسبانية الحي الذي انتصر لفلسطين وللشراكة مع العرب في الإرث الأندلسي التليد، كما عبّر عنه غويتيسولو ما زال ثاويًا في قلوب الشعب الإسباني، وهو ما يترجمه في دعمه الكبير للشعب الفلسطينيّ على جميع المستويات، وقد لا يكون الاعتراف الإسباني بدولة فلسطين نقطة النهاية في هذه المسيرة الطويلة من الدعم والتضامن. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/29/%d8%a5%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%81-%d8%a8%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-05-29T00:55:39
2024-05-29T11:43:22
مقالات
2,221
زيارة مرتقبة لـ أردوغان إلى القاهرة.. ماذا تنتظر المنطقة من الدولتين؟
من الطبيعي أن يتصدر ملف العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، المباحثات المرتقبة بين أردوغان والسيسي، فحتى الآن لم تقدم الدولتان ما يليق بإمكاناتهما لوقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع.
بعد أكثر من أحد عشر عامًا من آخر زيارة له، ترتقب القاهرة زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، منتصف الشهر الجاري، حسبما أعلنته عدة وكالات إخبارية نقلًا عن مصادر تركية. إذ كانت آخر زيارة له في نوفمبر تشرين الثاني 2012، حيث التقى الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، وألقى كلمة شهيرة في جامعة القاهرة، كما قام بزيارة مشابهة، في سبتمبر كانون الأول 2011 والتقى خلالها رئيس المجلس العسكري الحاكم، المشير طنطاوي. وفي الزيارتين كان آنذاك رئيسًا للوزراء. الزيارة المرتقبة تأتي بعد سنوات طويلة من القطيعة السياسية، قبل أن تبدأ العلاقات في التحسن ويلتقي رئيسا الدولتَين مرتين الأولى أثناء حضور افتتاح كأس العالم في قطر 2022، والثانية على هامش اجتماع مجموعة العشرين في العاصمة الهندية، نيودلهي، في سبتمبرأيلول الماضي. الزيارة تأتي في ظل ظروف بالغة الدقة والحساسية تمرّ بها المنطقة، لذا فمن المتوقع أن تتقدم الملفات الإقليمية العاجلة، على ملف العلاقات الثنائية، فانخراط الدولتَين الحالي في حل مشاكل المنطقة، لا يكافئ إمكاناتهما الجيوإستراتيجية الكبيرة، بل لا أبالغ إذ أقول إن أحد أهم أسباب الفوضى التي تشهدها المنطقة هو غياب التنسيق بين القاهرة وأنقرة. من الطبيعي أن يتصدر ملف العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، المباحثات المرتقبة بين أردوغان والسيسي، فحتى الآن لم تقدم الدولتان ما يليق بإمكاناتهما لوقف ذلك العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع. فالدولتان تملكان أوراق ضغط كبيرة لمواجهة العدوان وإيقافه، إذ تتحكمان في ممرات ملاحية هي الأهم في العالم قناة السويس- مضيق الدردنيل-مضيق البوسفور، كما أنهما تطلان على عدد من البحار الإستراتيجية في قلب العالم القديم البحر الأحمر- البحر الأبيض المتوسط بحر مرمرة البحر الأسود. أمًا عسكريًا فتمتلك الدولتان أقوى جيشَين في المنطقة، وتتمتع تركيا بميزة الصناعات الدفاعية الوطنية، التي تشهد تقدمًا يومًا بعد الآخر، حتى إنها تحل ثالثة على مستوى العالم في حيازة الطائرات المسيرة بعد الولايات المتحدة والصين، إذ تمتلك تركيا أكثر من تسعمائة طائرة بدون طيار. كما تتمتع الدولتان بوجود قوي في عدد من المنظمات الدولية والإقليمية، مثل حلف الناتو، ومنظمة الدول التركية، والجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي. لذا فإن تعاونًا أشد موثوقية بين الدولتين، قد يكون كفيلًا بإنهاء هذا العدوان، الذي يقترب من شهره الرابع، مخلفًا عشرات آلاف الشهداء والمصابين، إضافة إلى تدمير شبه كامل لقطاع غزة والبنية التحتية، كما يجب أن يمتد هذا التعاون لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، ترتيبًا يكافئ آثار طوفان الأقصى، وصولًا إلى إعلان دولة فلسطينية على حدود ما قبل 5 يونيو 1967. غياب الدولتين عن الساحة السودانية منذ اندلاع الصراع بين القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، في أبريل نيسان الماضي، سمح بتمدد بعض القوى الإقليمية على حساب الأمن والاستقرار في السودان، ما أدى إلى دخول البلاد في فوضى أمنية، وكارثة إنسانية أدّت إلى نزوح وتهجير ملايين السودانيين. فالدولتان تتمتعان بحضور قوي لدى الخرطوم، ما يمكنهما من القيام بدور فعّال من أجل وقف هذا التدهور، والحيلولة دون استمرار هذا العبث الإقليمي بمقدرات السودان. في يناير كانون الثاني الماضي زار الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، القاهرة وبحث مع السيسي التهديدات الإثيوبية، عقب توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع ما يسمى بجمهورية أرض الصومال الانفصالية، تمهد لإنشاء قاعدة عسكرية إثيوبية، وتأجير ميناء بربرة على البحر الأحمر لمدة خمسين عامًا. وهو الأمر الذي رفضته القاهرة، وإن لم تقدم حتى الآن أي رؤية أو خطة عمل لمواجهة هذا التغوّل الإثيوبي على الأراضي الصومالية. من جانبها، تتمتع تركيا بوجود قوي في الدولتين المتنازعتين، ففي الصومال توجد أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد مخصصة للتدريب وتأهيل العسكريين الصوماليين، وتتمتع الدولتان بعلاقات متميزة في مجالي الاقتصاد والطاقة. وعلى الجانب الإثيوبي، ترتبط أنقرة مع أديس أبابا باتفاقية دفاع مشترك، فيما تتركز نصف الاستثمارات التركية في قارة أفريقيا في إثيوبيا وحدها. لذا فإن القاهرة بالتعاون مع أنقرة يمكنهما القيام بجهد مشترك من أجل تقريب وجهات النظر، والحيلولة دون تقسيم الصومال، بما يحمله من تداعيات جيوإستراتيجية على منظومة الأمن القومي لدى الدولتين في منطقة البحر الأحمر وباب المندب. قبل حوالي أربع سنوات، كادت تحدث مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا في ليبيا، عقب نجاح قوات الحكومة الشرعية المدعومة من أنقرة، في فك الحصار عن العاصمة طرابلس ومطاردة قوات خليفة حفتر، باتجاه الشرق، قبل أن تقف على حدود مدينة سرت. منذ ذلك الحين فشلت جميع الجهود الأممية والإقليمية في إنهاء الانقسام وإعادة توحيد شرق وغرب ليبيا تحت راية حكومة واحدة. المرحلة الجديدة التي تنتظرها العلاقات التركية المصرية، بزيارة أردوغان المتوقعة، تعد فرصة مناسبة لمناقشة الملف الليبي، تمهيدًا لإنهاء الانقسام. فالتخوفات المصرية التي كانت موجودة في عام 2020 لم تعد كما هي، خاصة مع تطبيع العلاقات التركية الإماراتية، وانحسار تنافس الدولتين على الأراضي الليبية. كما أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، لا تضر بالأمن القومي المصري، بل على العكس من ذلك تمنح مصر قرابة عشرة آلاف كيلومتر إضافية، على المساحة الممنوحة لها بموجِب اتفاق ترسيم الحدود مع اليونان وإدارة جنوب قبرص. ما يعني أن مزيدًا من الحوار بين الطرفين، قد يكون كفيلًا لحلحلة الأوضاع في ليبيا، باتجاه إنهاء الانقسام وإعادة الوحدة. في تقديري أن الملف الأول الذي سيكون حاضرًا على طاولة مباحثات الرئيسين، فيما يخص العلاقات الثنائية، هو ملف ترسيم الحدود البحرية، الذي توليه أنقرة أهمية قصوى، لمعالجة التشوهات الجيوإستراتيجية التي خلفها انهيار الدولة العثمانية. إذ نتج عنها عدم تمتّع تركيا بمناطق نفوذ بحرية، رغم امتلاكها أطول خط ساحلي شرق المتوسط، وإصرار اليونان وظهيرها الأوروبي على خنق تركيا داخل ما يعرف بـ خريطة إشبيليه؛ أي اقتصار النفوذ التركي شرق المتوسط في منطقة أنطاليا الأمر الذي حرمها أيضًا من حقوقها في ثروات شرق المتوسط. اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا كانت واحدة من الخطوات التي اعتمدتها تركيا لحل الأزمة، لكن يبقى ترسيمٌ مماثلٌ مع مصر، لا يزال محل نقاش عميق بينهما. فرغم العرض السخي الذي تقدمه أنقرة للقاهرة، فإن ارتباط الأخيرة بمحور اليونان جنوب قبرص فرنسا لا يزال يحول دون التوصل إلى اتفاق حتى الآن. الملف الاقتصادي سيكون حاضرًا أيضًا بقوّة على الطاولة، فرغم تأزم العلاقات السياسية بين الدولتين على مدار ما يقرب من عشر سنوات، فإن ذلك لم يؤثر على استمرار العلاقات الاقتصادية بينهما، وإن كانت دون المأمول بين دولتين بحجم تركيا ومصر. لذا فإنه من المتوقع أن تمنح زيارة أردوغان المرتقبة، العلاقات الاقتصادية دفعة قوية إلى الأمام، إذ تطمح الدولتان إلى زيادة حجم التجارة البينية إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، علمًا أن أكثر من 700 شركة تركية تعمل في مصر باستثمارات تصل إلى 2.5 مليار دولار. وأخيرًا فإن هذه الزيارة المرتقبة يجب أن تتجاوز الماضي، وصولًا إلى تدشين تعاون إستراتيجي بين الطرفَين لإيقاف نزيف المنطقة الهائل. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/1/%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d8%b1%d8%aa%d9%82%d8%a8%d8%a9-%d9%84%d9%80-%d8%a3%d8%b1%d8%af%d9%88%d8%ba%d8%a7%d9%86-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-01T06:54:05
2024-02-01T07:37:30
مقالات
2,222
رد إيران المرتقب بين مصدّق وناكر
العالم ينتظر مآل التهديد الإيراني المعلن بضرب إسرائيل، ردًا على قيامها باغتيال إسماعيل هنية، وهو في طهران بدعوة رسمية. هل ستفي إيران بالتهديد فعلًا أم ستكتفي به قولًا.
العالم ينتظر مآل التهديد الإيراني المعلن بضرب إسرائيل، ردًا على قيامها باغتيال إسماعيل هنية، وهو في طهران بدعوة رسمية. هل ستفي إيران بالتهديد فعلًا أم ستكتفي به قولًا، كما عوّدنا جيرانها العرب لعقود طويلة، بانتظار الوقت المناسب والتوازن الإستراتيجي المنشود؟ وبصرف النظر عما سيحدث، إذ إن الجزم بإجابة قد يوقعنا في تكهّن غير محمود، فإن من الواضح أن هناك أمنيتَين أو رهانَين في العالم العربي، وربما الإسلامي، يتمنى أصحابهما أن تفوز فيهما خيولهما. فئة تتمنى وتقول إن إيران لن ترد هذه المرّة، وفئة تؤكد وتقول إن الرد آتٍ لا محالة. أما أصحاب الأمنية الأولى فيُصَلُّون من أجل أن تخنع إيران، فتنكص على أعقابها ولا ترد، وذلك ابتغاء أمرين يريدونهما، أولًا حتى يقولوا للناس أرأيتم صدق ما نقوله لكم منذ دهور، إيران وإسرائيل تعملان على خطّ واحد، وهو محاصرة العالم العربي، وإحباط كل جهد للنهوض فيه. وعلى هذا القول يترتّب الأمر الثاني، وهو أن هؤلاء يريدون أن يقولوا للناس في بلاد العرب قاطبة، غنيهم وفقيرهم، باديتهم وحواضرهم، شرقهم وغربهم فليتحمل من قصدوا أبواب إيران عواقب أفعالهم، هم جَنَوْا على أنفسهم، فنحن، إذن، بُرآء من كل واجب تمليه كل الاعتبارات الدينية والتاريخية وأواصر العقيدة والقربى، إسماعيل هنية رحمه الله قصد إيران فلقي ما لقي وهم يريدون كذلك أن يذروا الرماد في عيون الشعوب التي، في معظمها، تدرك يقينًا أن من قصدوا إيران أُغلقت أبواب العواصم العربية في وجوههم، ولوحقوا وسجنوا بتهم مختلقة، وبعضهم ما زالوا خلف القضبان. أما أصحاب القناعة الثانية، بأن إيران ستردّ لا محالة، فتتنوع مشاربهم إذ يغترف بعضهم من مشارب مذهبية، وبعضهم يصلّي أيضًا من أجل الرد؛ لأنه يؤمن بالمقاومة، أيًا كانت صبغتها، نهجًا وسبيلًا للتحرير والتحرر، ، وكلاهما مع هذا النهج المقاوم، وإن اختلفت المقاصد النهائية، ولا ضير. لكنَّ وراء تسويغات أصحاب الأمنية الأولى مراميَ أخرى تبطنها نفوسهم. فهؤلاء يرون أن النكوص الإيراني الذي يتمنون، يوفر لهم ذريعة شعبية للتنصل من أي مسؤولية دينية أو أخلاقية أو إنسانية، تجاه آلام أهل غزة، وأهوال الإبادة التي تقترفها إسرائيل، ومن يدعمونها في فلسطين عمومًا، وكأن إيران أقرب منهم لفلسطين في الدم، والعِرق، والجغرافيا، والتاريخ. وهم كذلك يلجؤون للتاريخ فيستحضرون منه قصصًا وحكايات، معظمها غير موثق، ليؤكدوا لنا أن من قتلوا الحسين بن علي، رضي الله عنهما، هم أنفسهم من استضافوا أبا العبد فاغتيل على أرضهم. وهم كذلك يتمنون ألا ترد إيران، لتكون معهم في صفوف المهزومين في الحرب الفاشلين في السلام، القابلين بالذل والإذلال، بعد أن هانت عليهم كرامتهم وعزة نفوسهم، وهم يكشفون خانعين، منذ قرنين من الزمان، ظهورهم لسياط المستعمر الأبيض، ويقدمون صاغرين لربيبته إسرائيل، منذ 76 عامًا، فروضَ الحراسة والطاعة والاستجداء. فإيران المحاصرة من الغرب، وهو ما ينفيه هؤلاء، استطاعت أن تتحول إلى قوة إقليمية تستطيع تعديل الموازين، وقلب الحسابات، وربما فرض معادلات جديدة بالقوة الناعمة، وبالقوة الخشنة سواء بسواء. ونحن لا نقول هذا إطراء لإيران، ولا مدحًا، ولا توافقًا مع سياساتها أو انحيازاتها المذهبية، وما ترتب عليها من وقائع وتطورات ودماء في بلدان عربية عدة. بل إن بعضهم يتمنّون ألا ترد إيران حتى لا يتشتت جهد إسرائيل وجيشها، فلا يستطيع أن يقضي على حماس والمقاومة، كما يتمنون ويريدون. وهم كذلك يريدون ألا يتصاعد الموقف إلى حرب إقليمية، يتولد عنها واقع جديد، يفرض معادلات تقلب كل الحسابات والرؤى، التي وعدت بها الشعوب. لكن هؤلاء يتناسون، وهم يدسّون رؤوسهم في الرمال، أن نكوص إيران الذي يتمنوْن، أخطر على مستقبل المنطقة بأسرها من الرد؛ لأنه يعني انتصار إسرائيل ولو في المدى المنظور. فبعد كل ما وقع من اغتيالات للعلماء والقادة العسكريين داخل أراضي إيران وخارجها، فإن إسرائيل قد تشعر أن يدها الطويلة تستطيع أن تطال كل مرة مستويات إيرانية وعربية أعلى وأعلى، ولا تخشى أو تخاف من العواقب. وهؤلاء يتناسون أن إسرائيل المنتصرة الهائجة لا ترحم فرائسها، سواء منها من يتلوون تحت أنيابها من أهل فلسطين، الذين يقاومون منذ مئة عام أو يزيد، أو من هم في غابتها الإقليمية ينتظرون، وقد خارت عزائمهم، الدورَ كي يؤكلوا من دون مقاومة، ولو بأضعف الإيمان. وإن كانوا يعتقدون أن أميركا ستحمي الضعفاء فعليهم أن يراجعوا التاريخَ قديمَه وحديثَه، فأميركا، شأنها شأن كل الإمبراطوريات الجبارة بالقوة الغاشمة، لا ترحم الضعفاء، ومن يريد منها أن تبقيه على قيد الحياة، ولا أقول ترحمه، عليه أن يستكين ويستكين حتى يبلغ منزلة من يعيش في الطين، وهل يحيى في الطين إلا أدنى درجات الخَلق؟ هؤلاء يتناسون أن الغرب هو الذي أوجد إسرائيل؛ كي تكون قاعدة دائمة، تؤمن له مصالحه وسيطرته على الشرق الأوسط برمته، انطلاقًا من ميراثه المسيحي الإنجيلي، وانطلاقًا من فكره العلماني، الذي يرى العالم مجرد أراضٍ يجب أن تظل بمن عليها من بشر وخلق، وما فيها من موارد، سخرة له، حتى يستمر رفاهه المادي الاستهلاكي بلا حدود. ومن يحاول من أصحاب تلك الأراضي أن يُغيِّر أو يثور سيواجه بالعصا الغليظة حتى يستكين من جديد، اللهم إلا من كانت كرامته واستقلاله أغلى من كل الدنيا، ومن لا يدرك هذا فليسأل أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات، وفيتنام التي هزمت فرنسا وأميركا، والجزائر التي قدمت ملايين الشهداء وهزمت فرنسا. لكن حين يستوي الذل مع الكرامة طلبًا لحياة، ولو تحت السياط، لا يهم من يكون السيد الآمر. وهؤلاء الذين يتمنون ألا ترد إيران يتحدثون عن احتمال أن تلجأ إسرائيل للسلاح النووي، ردًا على أي هجوم إيراني. ولو أحسنوا حساباتهم ووزن معادلاتهم، لوجدوا أن لجوء إسرائيل لأسلحة التدمير الشامل ضد بلد كبير في الإقليم، سيجلب الدمار على المنطقة كلها من البحر المتوسط إلى بحر العرب، وأنها لن تلجأ للتهديد بذلك إلا حين تشعر أن وجودها أصبح مهددًا. وحين تصل الأمور هذا الحد سيحشد الغرب، كما يفعل اليوم، خيله وخيلاءه وأساطيله وجنده. لكن هل يسمح لإسرائيل أن نستعمل السلاح النووي؟ أم إن إسرائيل لا تأبه لمن أقاموها وتفعل ما تريد؟ فلماذا، إذن، لم يدركْ تلك المخاطر أولئك الذين يحذرون من مخاطر الخيار النووي الإسرائيلي، في المآلات النهائية، فيعدوا العدة المكافِئة التي تجعل الغرب يفكر ألف مرة، قبل أن يؤول الوضع لهذا الخيار. هم يحذرون أيضًا من مخاطر الخيار النووي الإيراني، ويتوعّدون بخيار مثله، إن حازته إيران، فلو صنعناه نحن العرب ردًا على وجوده لدى إسرائيل، منذ أن حازته بمعونة غربية في العقد الأول من عمرها غير المديد بإذن الله، لما كنا الآن أمام مأزق تاريخي، لا يجد بعضنا مخرجًا منه، إلا المزيد من الاستكانة والخضوع. ليس اللجوء للسلاح النووي من قبل إسرائيل خيارًا سهلًا لها نفسها، وللغرب الذي يبقيها على قيد الحياة، أيها السادة. فيوم استعملته أميركا لتجبر اليابان على الاستسلام في الحرب الثانية، كان بيد أميركا وحدها. أما اليوم، فقد أصبحت دول عديدة تمتلكه، وأصبحت تكنولوجيا تصنيعه، وتصنيع أدوات إطلاقه، معروفة لكثير من الدول، ومنها إيران بالمناسبة. فإن استعملته إسرائيل، فسيخرج المارد من القمقم، وستتسابق الدول لتصنيعه، فتنهار كل اتفاقيات منع انتشاره، ويختل، بل ينهار تمامًا احتكار معادلة القوة والمعرفة التي يحرص الغرب ألا تخرج من يده خروجًا تامًا. وهل توافق أميركا أيضًا أن يصبح سعر برميل النفط مئات من الدولارات، أو أن تتوقف إمداداته من الشرق الأوسط، فينهار اقتصاد العالم؟ تلك هي يا قومنا الخائفين الشروط التي، إن آل الوضع إليها، فستنفجر معها شرارة الحرب الثالثة وفيها، في عصر السلاح النووي، لا غالب ولا مغلوب، بل الكل مغلوب. ليست القضية المصيرية بالنسبة لنا نحن العرب، أن ترد إيران أو لا ترد، بل هي ضرورة إقدامنا نحن، كما تفعل إيران وغيرها، للأخذ بمقومات البقاء في العصر النووي، وما يوفره لمن يمتلكون زمامه من توازن رعب، وما يفتحه الوقوف على أسرار الذرة من أبواب معرفة، لن يتهيأ للأمة من دونها مكانة بين الأمم. لقد وقفنا شعوبًا وحكومات نسترق السمع، ونتباكى صدقًا وإن كذبًا، على آلام أهل فلسطين ودماء أطفال غزة وصرخات حرائرها، فمتى سنجعل العالم ينتظر ردّنا نحن على ما نلاقيه من مهانات؟ أم إن خير وصف لحالنا هو قول الشاعر لقد أسمعت لو ناديت حيًا.. ولكن لا حياة لمن تنادي. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/8/16/%d8%b1%d8%af-%d8%a5%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%aa%d9%82%d8%a8-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%b5%d8%af%d9%82-%d9%88%d9%86%d8%a7%d9%83%d8%b1
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-08-16T12:09:56
2024-08-17T08:49:59
مقالات
2,223
التصويت العقابي.. لماذا خسر العدالة والتنمية الانتخابات في تركيا؟
حصل حزب الشعب الجمهوري على أغلبية المجلس البلدي لكل من بلديتي أنقرة وإسطنبول اللتين كانتا بحوزة تحالف الجمهور الحاكم في الانتخابات السابقة؛ رغم خسارته رئاسة البلديتين للمعارضة.
ربما كان متوقعًا أن يتراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة لعدة أسباب، لكن النتائج الأولية أظهرت تراجعًا كبيرًا غير متوقع وخسارة مدوية له، حيث تقدم عليه حزب الشعب الجمهوري لأول مرة، ولم يكتفِ بالاحتفاظ ببلديات بعض المدن الكبرى، وإنما ضم لها مدنًا ومحافظات إضافية في مشهد فوز كاسح شكّل صدمة للكثيرين. وَفق النتائج الأولية غير الرسمية، تقدم حزب الشعب الجمهوري باقي الأحزاب وتفوق لأول مرة على العدالة والتنمية منذ تأسيس الأخير، محققًا نسبة أصوات بلغت 37.5 بينما حل حزب العدالة والتنمية ولأول مرة في المركز الثاني بنسبة تصويت 35.6، والرفاه مجددًا في المركز الثالث بنسبة 6.1. وقد فاز الشعب الجمهوري برئاسة بلدية 36 مدينة ومحافظة منها 15 مدينة كبرى و21 محافظة، مقابل فوز العدالة والتنمية بـ 23 منها 11 مدينة كبرى، و12 محافظة، وحزب مساواة وديمقراطية الشعوب خليفة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بـ 10 بلديات منها ثلاث مدن كبرى وسبع محافظات، وحزب الحركة القومية برئاسة بلدية ثماني محافظات، وحزب الرفاه مجددًا ببلديتَين إحداهما مدينة كبرى، والأخرى محافظة، وحزب الجيد ببلدية محافظة واحدة. وهكذا يكون حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، قد رفع رصيده في بلديات المدن والمحافظات من 20 إلى 36، بينما تراجعت حصة العدالة والتنمية الحاكم من 39 إلى 23، وكذلك حليفه الحركة القومية من 11 إلى 8. وبينما فاز كل من الرفاه مجددًا والجيد برئاسة بلديات لأول مرة، رفع حزب مساواة وديمقراطية الشعوب رصيده من 8 كان فاز بها الشعوب الديمقراطي إلى 10 بلديات. إضافة لذلك، فقد حصل حزب الشعب الجمهوري على أغلبية المجلس البلدي لكل من بلديتي أنقرة وإسطنبول اللتين كانتا بحوزة تحالف الجمهور الحاكم في الانتخابات السابقة؛ رغم خسارته رئاسة البلديتين للمعارضة. وفي البلديات الفرعية أو بلديات أحياء المدن الكبرى، رفع الشعب الجمهوري رصيده في أنقرة من 3 إلى 16، مقابل تراجع العدالة والتنمية من 19 إلى 8 من أصل 25 بلدية فرعية. وفي إسطنبول رفع الشعب الجمهوري رصيده من 14 إلى 26 مقابل تراجع العدالة والتنمية من 24 إلى 13 من أصل 39 بلدية فرعية. وبهذا يكون تقدم الشعب الجمهوري واضحًا جليًا، وكذلك تراجع العدالة والتنمية كبيرًا وشاملًا، رغم أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية قبل 10 أشهر فقط حملت نتائج مختلفة عن الحالية، ما يدفع لدراسة ونقاش الأسباب والعوامل المساهمة في هذه النتيجة الصادمة للحزب الحاكم الذي كان فاز في كل الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها منذ تأسيسه عام 2001 وحتى الآن. في خطابه بعد ظهور النتائج الأولية، قال الرئيس التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان إن الناخب قد قدم تقديره ورسالته عبر صندوق الاقتراع، وهي عبارة متكررة على لسان الأخير، لكنها تبقى مفتاحية وشارحة لما حصل. المدة الزمنية القصيرة بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي فاز فيها أردوغان بالرئاسة وتحالف الجمهور الحاكم بأغلبية البرلمان وبين الانتخابات المحلية الحالية التي سبق تفصيل نتائجها، تدفع للنظر في الاختلاف بين الاستحقاقين من جهة والأسباب والعوامل المستجدة من جهة ثانية. المؤشر الثالث الذي يدعم فرضية التصويت العقابي، فهو تقدم حزب الرفاه مجددًا في هذه الانتخابات وحلوله في المركز الثالث، وهو حزب إسلامي كان تحالف مع العدالة والتنمية في 2023، الفارق بين المحطتين، أن الأخيرة هي انتخابات محلية أو بلدية تأثيرها المباشر على الحياة السياسية في البلاد ضئيل، بالمقارنة مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ولذلك قد يقل فيها التزام الحواضن الشعبية بالتصويت لأحزابها. بمعنى، اليوم خسر العدالة والتنمية الانتخابات البلدية، وتراجع فيها كثيرًا، لكن ذلك لم ولن يهز الاستقرار في البلاد، فما زال أردوغان رئيسًا والتحالف الحاكم حائزًا أغلبيةَ البرلمان. يشجع هذا المعنى على فكرة التصويت العقابي؛ أي إيصال رسائل للقيادة السياسية عبر صناديق الاقتراع، وهو ما حصل بوضوح في هذه الانتخابات، وعليه مؤشرات عديدة، وقد حصل من طرفين. ففي جانب المعارضة، اتجهت معظم أصوات المعارضة لمرشحي الشعب الجمهوري بعدِّه المنافس الأبرز للعدالة والتنمية لمنع الأخير من الفوز. وشمل ذلك حتى الأحزاب التي قدمت مرشحها الخاص، بدليل تراجع نسبة مرشحيها في هذه الانتخابات عن وزنها في المحافظات والمدن المختلفة في السابقة. ففي النتائج، وباستثناء الشعب الجمهوري والحزب الكردي في مناطق الجنوب والجنوب الشرقي، تراجعت أصوات باقي الأحزاب كافة بدرجات ملاحظة، وخصوصًا حزب الجيد المعارض. وأما الشريحة الثانية، فهم أنصار العدالة والتنمية أو الشرائح التي طالما صوتت له وخصوصًا من المحافظين، الذين يبدو أنهم وجهوا له الرسالة الأقسى في الانتخابات الحالية. ففي المقام الأول، تشير نسبة المشاركة المتدنية إلى عزوف واضح عن المشاركة في الانتخابات بين أنصار العدالة والتنمية، فإذا ما استثنينا الانتخابات المحلية عام 2004 الأولى للعدالة والتنمية بنسبة مشاركة 76.2 تكون هذه النسبة الأقل في الانتخابات المحلية منذ سبعينيات القرن الماضي. كما أن تراجع عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب بأكثر من مليوني صوت 15.7 مليون صوت مقابل 18 مليون صوت في 2019، رغم ارتفاع عدد المصوتين يعضد هذه الفرضية. وأما المؤشر الثالث الذي يدعم فرضية التصويت العقابي، فهو تقدم حزب الرفاه مجددًا في هذه الانتخابات وحلوله في المركز الثالث، وهو حزب إسلامي كان تحالف مع العدالة والتنمية في 2023، بمعنى أنه قريب منه أيديولوجيًا ولا يُنظر له من قبل الناخبين على أنه خصم بالضرورة ما يعني أنه شكل بديلًا آمنًا لبعض الناخبين. في الصورة النهائية، ثمة من أراد عقاب الحزب الحاكم فقاطع الانتخابات، وثمة من أبطل صوته، وثمة من ذهب لأحزاب أخرى في مقدمتها الرفاه مجددًا. في بحث أسباب الهزيمة، هناك ما هو قديم مستمر وما هو مستجد حديثًا. فمن بين أهم الانتقادات والتحفظات على العدالة والتنمية وحكوماته الأخيرة الأوضاع الاقتصادية المتراجعة في البلاد في السنوات القليلة الأخيرة والتي لا يبدو أن الإجراءات الحكومية فيها استطاعت إقناع الناخبين بنجاعتها ولو مستقبلًا. ومن ضمن ما يرتبط بالاقتصاد كانت شريحة المتقاعدين غير السعيدة براتبها التقاعدي وغير الراضية عن الزيادة الحكومية. وكذلك هناك ما يرتبط بترهل الحزب والحكومة شأن الأحزاب التي تحكم لمدة طويلة، وهناك كذلك ما طرأ من تغييرات على الحزب منذ تأسيسه في الفكر والخطاب والممارسة السياسية وكذلك التحالفات. هذه الأسباب كانت حاضرة كذلك في الانتخابات السابقة، وفي مقدمة الأسباب المسؤولة عن تراجع نسبة التصويت للحزب في الانتخابات التشريعية في العقد الأخير، لكن التصويت العقابي فيها كان سيكون ذا كلفة مرتفعة جدًا، بإيصال المعارضة لسدة الرئاسة وأو أغلبية البرلمان، ولذلك أجّلت بعض الشرائح ذلك للانتخابات المحلية الأخيرة. وأما ما استجد من عوامل دافعة لما يعدُّه البعض قرصة أذن للرئيس التركي وحزبه وحكومته، فهو الموقف من العدوان على غزة، ذلك أن الشريحة المحافظة على وجه التحديد كانت غير راضية عن الموقف الرسمي وسقفه، وطالبت مرارًا بخطوات عملية إضافية لنصرة أهل غزة وتحديدًا ما يتعلق بالتجارة مع دولة الاحتلال دون أن تلقى آذانًا صاغية، فكان الاحتجاج مقاطعةً أو إبطالًا للصوت أو التصويت لأحزاب أخرى أداة للتنبيه. وقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لناخبين كثر أبطلوا أصواتهم بكتابة شعارات داعمة لغزة ومنتقدة لموقف الحكومة المتقاعس منها، في إشارة واضحة لحضور غزة في مؤثرات النتائج بعد أن كانت حاضرة بوضوح في الحملات الانتخابية، بيد أنه من الصعوبة بمكان تحديد حجم هذه الشريحة بدقة. وفي الخلاصة، كانت نتائج الانتخابات المحليةالبلدية الأخيرة رسالة صادمة وحادّة للعدالة والتنمية من ناخبيه وأنصاره بضرورة الإنصات لصوت الشارع والتناغم معه، وهو ما أكد عليه أردوغان على عادته. إذ إن نتائج هذه الانتخابات تدق ناقوس الخطر بخصوص الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة في 2028 والتي قد يكون أحد مرشحيها الرئاسيين رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، لا سيما أن الحزب الحاكم قد يخوضها بدون أردوغان، حصانه الرابح في كل الجولات الانتخابية السابقة. وعليه، سيكون أمام أردوغان وحزبه أربع سنوات لاستعادة ثقة الناخبين والإعداد لانتخابات 2028 في حال أثبتا جدّية في التجاوب مع رسائل الصناديق بخصوص المطلوب من تغييرات وتحسينات جوهرية وحقيقية وليست شكلية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/1/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b5%d9%88%d9%8a%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d8%a7%d8%a8%d9%8a-%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%ae%d8%b3%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-04-01T04:13:47
2024-04-01T10:31:45
مقالات
2,224
قنبلة بهتشلي.. ماذا يحدث مع الأكراد في تركيا؟
فاجأ دولت بهتشلي تركيا بمبادرة تدعو لإطلاق سراح أوجلان مقابل حل حزب العمال الكردستاني، ليعبر أوجلان عن استعداده، مما أثار جدلًا وتوترات داخل الحزب.
منذ ثلاثين عامًا، تجوّلت كصحفي في جميع المدن التي يتركز فيها السكان الأكراد في تركيا، من مدينة فان في أقصى الشرق حتى مدينة مرسين في الغرب. ومنذ ذلك الحين، أتابع من كثب المسألة الكردية، وقضية الإرهاب وتأثيراتها الإقليمية، حتى أصبحت لا أحصي عدد المرات التي زرت فيها المنطقة. وفي الآونة الأخيرة، تشهد تركيا نقاشات جادة حول القضية الكردية، وهو تطور مهم إقليميًا، وعالميًا كذلك. قبل خمسة عشر عامًا، عندما قام حزب العدالة والتنمية بإصلاحات لحل القضية الكردية، كان رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، أشد المعارضين وأكثر المنتقدين. وحتى بعد تحالفه مع حزب العدالة والتنمية في 15 يوليو تموز 2016، استمرّ في اتخاذ موقف صارم تجاه حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثل الأكراد. كان بهتشلي يرفض التفاوض مع الحزب؛ بدعوى أنه يمثل الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، ويظهر ردود فعل حادة تجاهه. لكن الأسبوع الماضي، أثار دولت بهتشلي دهشة الجميع بمصافحته نواب حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان، مشيرًا إلى الحاجة للتهدئة السياسية. وبينما كان الجدل محتدمًا حول هذه المصافحة، فاجأ بهتشلي الجميع مرة أخرى بتصريح صادم خلال اجتماع كتلته الحزبية، إذ أشار إلى إمكانية إطلاق سراح عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني والمحكوم عليه بالسجن المؤبد منذ 25 عامًا، إذا وافق على حل التنظيم ووقف الإرهاب، حتى يتمكن من التحدث في البرلمان ضمن كتلة حزب الشعوب الديمقراطي. بعد يوم من تصريح دولت بهتشلي، تم ترتيب لقاء بين عبدالله أوجلان، المحتجز في سجن جزيرة إيمرالي، وابن أخيه، النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي، عمر أوجلان. خلال هذا اللقاء، نقل أوجلان من خلال ابن أخيه رده على اقتراح بهتشلي قائلًا العزلة مستمرة. وإذا توفرت الظروف، فإنني أمتلك القوة النظرية والعملية لنقل هذا المسار من أرضية الصراع والعنف إلى أرضية قانونية وسياسية. زادت هذه التطورات المفاجئة من الزخم الذي أثارته تصريحات بهتشلي. فاجأ تصريح دولت بهتشلي، المعروف بمواقفه القومية المتشددة، الجميع في تركيا. وجد السياسيون والمحللون صعوبة في تقديم تفسيرات منطقية. مع ذلك، كان الأثر الأكبر داخل حزب العمال الكردستاني والفصائل المرتبطة به. فبعد ردود فعل سلبية، صرح بعض الأعضاء بأنه إذا قبل عبدالله أوجلان بذلك، سوف نقبل أيضًا. لكن حالة من الارتباك اجتاحت قيادات الحزب في قنديل، وروجافا، وأوروبا. دعم حزب الشعوب الديمقراطي اقتراح بهتشلي في البداية، لكنه تراجع فيما بعد ببيان جديد يعارضه بعبارات معقدة. لا يزال الحزب غير متأكد من موقفه النهائي، حيث إن رفض المقترح يعني عدم إطلاق سراح أوجلان، بينما القبول يعني التخلي عن السلاح. حتى لو دعا أوجلان للتخلي عن السلاح بعد خروجه من السجن، فإن هناك عقبات جدية تحول دون قبول حزب العمال الكردستاني بهذا الأمر بسهولة. الأسباب هي كالتالي بينما يتأثر جناح الحزب في قنديل بإيران ويحاول توجيه الدفة السياسية في السليمانية. أما الجناح الأوروبي، فهو مندمج مع ألمانيا وتتم إدارة الأنشطة المالية والاجتماعية من هناك. لذلك، فإن دولًا مثل إيران، والولايات المتحدة، وإسرائيل، وألمانيا، لها تأثير قوي على قرار الحزب، ولن توافق على تخليه عن السلاح؛ بسبب دور الحزب كأداة في مواجهة تركيا ودول المنطقة. يعتقد الرئيس أردوغان أن عدوان إسرائيل لن يتوقف، وأن الدور سيأتي على سوريا بعد لبنان، مما سيجعل إسرائيل وجهًا لوجه مع تركيا. ويشير أردوغان إلى أن حلم إسرائيل الكبرى يشمل أجزاء من الأراضي التركية، ويؤمن بأن إسرائيل تطمح في النهاية للاستيلاء على أراضي تركيا. هناك تقييم بأن جيش حزب العمال الكردستاني وحدات حماية الشعب، الذي يتألف من 80 ألف مقاتل تحت سيطرة الولايات المتحدة وإسرائيل في سوريا، سيهاجم تركيا ويثير الفوضى فيها عبر استغلال الأكراد. لهذا، قام أردوغان بخطوة تهدف إلى سحب هذه الورقة من يد الولايات المتحدة وإسرائيل، ومنع تقسيم سوريا وإعلان دولة كردية مستقلة في روجافا. ومن أجل تعزيز السلام والتضامن الداخلي في تركيا، سعى أردوغان للتقرب من الأكراد، والخطوة الأولى لهذا التقارب كانت عبر حليفه في الحكم، دولت بهتشلي، الذي قام بخطوة غير متوقعة غيّرت الأجندة بالكامل. ومع ذلك، لن يكون الوصول إلى النتيجة المنشودة أمرًا سهلًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/10/31/%d9%82%d9%86%d8%a8%d9%84%d8%a9-%d8%a8%d9%87%d8%aa%d8%b4%d9%84%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a3%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-10-31T06:16:05
2024-10-31T20:19:51
مقالات
2,225
الاحتجاجات الطلابية حول العالم.. المرحلة الحرجة للاحتلال الإسرائيلي
اللافت في احتجاجات الطلبة في أميركا هو ردة فعل الإدارة الأميركية، وإدارات الجامعات التي واجهتهم بالعنف، والاعتقالات، والفصل التعسفي، وكيْل الاتهامات، وذلك لأنها نقطة حرجة في تاريخ الاحتلال.
أصبحت الاحتجاجات المؤيّدة للفلسطينيين والمناهضة لإسرائيل سمة بارزة في حرم الجامعات الأميركية والأوروبية منذ السابع من أكتوبرتشرين الأوّل 2023. وقد وصلت الاحتجاجات ذِروتها عدّة مرات، وكان أبرزها في ديسمبركانون الأوّل الماضي، عندما أدلى رؤساء جامعة هارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة بنسلفانيا، بشهادات أمام الكونغرس وعلاقتها بادّعاءات معاداة السامية في الحرم الجامعي، وإن كانت حقيقية أو افتراضية. وعلى أثر حملات تحريض من اللوبي الإسرائيلي، قدّم مجموعة من رؤساء الجامعات استقالاتهم، وأبرزهم رئيسة جامعة هارفارد السابقة كلودين غاي، ورئيسة جامعة بنسلفانيا الأميركية ليز ماغيل. وتصاعدت الاحتجاجات في العديد من الجامعات الأميركية، وخاصة جامعة هارفارد، الأمر الذي ألهم المظاهرات في جامعات أخرى في مختلف أنحاء البلاد، وكذلك في كندا، وأستراليا، وفرنسا. النقطة الحرجة اللافت في احتجاجات الطلبة في الولايات المتحدة هو ردة فعل الإدارة الأميركية، وإدارات الجامعات التي واجهت الاحتجاجات بالعنف، والاعتقالات، والفصل التعسفي، وكيْل الاتهامات، مثل معاداة السامية، ومناصرتها حماس، وغيرها. ورافق ذلك أيضًا مهاجمة طيف واسع من قيادات الاحتلال من أقصى اليمين لأقصى اليسار هذه الاحتجاجات، والتحريض عليها. لم تكن هذه الممارسات وغيرها ضد الاحتجاجات إلا لأنها تمثل نقطة حرجة بالنسبة للاحتلال، ليس فقط بعد السابع من أكتوبرتشرين الأول الماضي، وإنما في تاريخ الاحتلال. القصد بالنقطة الحرجة هو أنه إذا نجحت الاحتجاجات الطلابية في أن تتعدَّى مرحلة القمع إلى الانتشار، ونجحت في تحقيق مطالبها، فإن مكانة إسرائيل ستتضرّر إستراتيجيًا. ولكن السؤال ما الذي يجعل من الاحتجاجات الطلابية مرحلة حرجة بالنسبة للاحتلال، وراعيها الأساسي الولايات المتحدة؟ تاريخيًا، هناك دور محوري للحراك الطلابي وتأثيره على السياسات المحلية والإقليميّة، فقد كان العمل السياسي الطلابي سمة رئيسة ومتكرّرة في جميع أنحاء العالم خلال القرن الماضي. وشارك الطلاب في العديد من الأنشطة، بدءًا من الحركات المناهضة للاستعمار، والحملات المناهضة للحروب والنزاعات، والمطالبة بالحقوق المدنيّة، والاحتجاجات الداعية لتحسين التدابير والحماية الاقتصادية، وتغيّر المُناخ. وكان السمت لهذه الحراكات أنّها تمثّل مصدر إزعاج وإرباك للسياسيين، لجرأتها، وكذلك قدرتها على التأثير والتغيير. مثل ثورة الطلاب التي اندلعت في نوفمبرتشرين الثاني 2010 في بريطانيا ضد سياسة التقشف للحكومة الائتلافية، فقد نزل الطلبة للشوارع بالآلاف، واحتلّوا جامعاتهم. وكذلك احتجاجات ربيع القيقب في مقاطعة كيبك الكندية عام 2012، ضد إعلان الحكومة زيادةَ الرسوم الدراسيَّة. وانتشرت في نهاية المطاف لتتسع وتصبح حركة اجتماعية ضد الإصلاحات النيوليبرالية. وكانت نتيجة الاحتجاج سقوط حكومة مقاطعة كيبك، وألغت الحكومة الجديدة زيادة الرسوم الدراسية. فنشاطات التخييم واحتلال الجامعات لم تكن مقتصرة فقط على الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين كما يصفها مناهضوها. وإنما أنشطة احتجاجية لازمت العديد من الاحتجاجات الطلابية على مدار أعوام. ما يضاف على الاحتجاجات الطلابية الحديثة هو قدرة الحركة الطلابية على التعبئة، فقد زادت قدرتها على التعبئة بشكل كبير؛ بسبب التنوع المتزايد في الجسم الطلابي من جهة، وبسبب الشبكات الاجتماعية المادية والافتراضية التي يندمج فيها الطلاب. وبالتالي، أصبح لدى الطلبة عضويات متعددة ومتداخلة في شبكات مختلفة، وهُويات متعددة، وهذا سيوفر تغذية تدفع إلى استمرار الاحتجاجات لأطول فترة ممكنة. تنوع الفئات والأيديولجيات هناك ميزة في الاحتجاجات الطلابية، وخاصة في الولايات المتحدة، أنها عابرة للفئات والأيديولوجيات. فرغم التنوع الكبير بين أفراد الطلبة، فإن ما يخيف الاحتلال هو تشكل هوية طلابية جماعية، بعيدة عن الاعتبارات السياسية الكلاسيكية أو التقليدية مثل جمهوري أو ديمقراطي، وغير مرتبطة بمطالب خدماتية مثل رفع الأقساط، بحيث تتصاعد لتصبح هوية واضحة المعالم، أحد مرتكزاتها القضية الفلسطينية، وتصبح المظالم الأخرى منصهرة فيها. كان انخراط اليهود المعارضين لجرائم الاحتلال في الاحتجاجات الطلابية رسالة واضحة بأن إسرائيل لا تمثلهم. ولا يمكنها تبرير الإبادة والجرائم بحجة الدفاع عن اليهود، وعدم تكرار خطر الهولوكوست. ولهذا تم ضرب السردية الإسرائيلية في الصميم. صحيح أن هناك مطلبًا للاحتجاجات الطلابية وهو وقف الحرب، ولكن المطالب الأخرى المتعلقة بالمقاطعة وسحب الاستثمار هي ذات التأثير، فهي غير مرتبطة بوقف الحرب من عدمه، وإنما سياسية نضالية مستقبلية تجاه الاحتلال، وهي ليست جديدة، وإنما ممتدة من سنين، وكان أبرزها نشاط الـ BDS، وكذلك تحالف جامعة كولومبيا لإنهاء الفصل العنصري CUAD، الذي شُكّل في عام 2016 لمطالبة جامعة كولومبيا وكلية بارنارد بالكشف عن الاستثمارات في الشركات والمؤسسات الإسرائيلية والأميركية التي تدعم إسرائيل وسحبها، بسبب حروبها في غزة، وقمع الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، واحتلالها غير القانوني الأراضيَ الفلسطينية. لكن قيدت حملات المقاطعة بحُزمة تشريعات في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية باعتبار حملات المقاطعة معاداة للسامية. هذا الجهد الطلابي إن نجح فإنه سيعيد الحياة لهذه الأداة، ويشجع الانخراط فيها أكثر، ويفكّك منظومة التشريعات والسياسات التي كبّلت سياسة المقاطعة. من نقاط القوة لهذه الاحتجاجات، هو أن الولايات المتحدة بذلت جهدها منذ السابع من أكتوبرتشرين الأول في تطويق الإضرار بمكانة إسرائيل عالميًا، وإذ بالمظاهرات تندلع داخلها، وعلى نطاق واسع، وفي المحافل التعليمية المرموقة، وقد يكون دعم إسرائيل موضوع إجماع لدى الطبقة السياسيّة التقليدية، لكنها قضية خلاف لدى المجتمع الأميركي بمكوّناته كافة. وهذا أدى إلى إرباك العلاقة التقليدية المرتبطة بالطبقة السياسية مع مؤسسات التعليم العالي من جهة، والعلاقة بين مؤسسات التعليم والمجتمع الجامعي من طلبة وأكاديميين من جهة أخرى. هذه هي الطبيعة المميزة لاحتجاجات الطلبة. القدرة التنظيمية الكبيرة للمنظمات الطلابية التمثيلية، والتي تعمل بمثابة مجموعات ضغط رغم ندرة مواردها التنظيمية، حفّزت فاعلين آخرين من خارج حرم الجامعات للتفاعل والخروج عن صمتهم كمثقّفين وشخصيات عامة. دحضت الاحتجاجات الطلابية تصورات اللامبالاة السياسية المتزايدة بين الطلبة الجامعيين، وخاصة في الجامعات ذات السمعة الرفيعة، ودحضت فرضية أن العمل السياسي للشباب أقرب للفردانية من العمل الجمعي. فصحيح أن الطلبة قد يكونون أقل انخراطًا في الأساليب التقليدية للسياسة، مثل التصويت والانضمام إلى الأحزاب السياسية، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الاهتمام بالقضايا السياسية بشكل فعّال. هذا يدفع لنشوء فاعلين جدد بمميزات غير تقليدية على الساحة السياسية، ربما يدفع نجاح الطلبة في تحقيق أهدافهم إلى انخراط مجموعة منهم في مجال السياسة، كما حدث في كل من تشيلي والمقاطعة الكندية كيبك، فقد أصبح بعض قادة الحراك الطلابي أعضاء في أحزاب سياسية، في حين شكّل آخرون أحزابًا سياسية جديدة. هذا الانخراط الجديد في السياسة لن يكون بعيد التأثير عن ذاكرة الاحتجاجات والتصورات التي تشكّلت في حينها. يظهر من احتجاجات الطلبة قيمة التضحية لديهم، فقد دفع العديد منهم ثمنًا لذلك مقعده الدراسي، ومنحته التعليمية في جامعة مرموقة، ومستقبله المهني. هذه التضحية تنمّ عن الإيمان العميق بالقضية الفلسطينية، وأنها استقرت لدى هذا الجيل لتشكل وعيه وثقافته السياسية، التي سترافقه في مستقبله، والتي ستدفع أيضًا بإلهام فئات متعددة من الشباب في التعاطف مع هذه الاحتجاجات أو دعمها. أظهرت الاحتجاجات أيضًا بعض المشاريع السوداء التي تورّطت بها بعض الجامعات التي تجري أبحاثًا عسكرية مع الاحتلال. حيث إن هذه الشراكة تنمّ عن سياسة الاستخدام لطلبة متفوقين ومميزين لتقديم أفكارهم لسياسات القتل والاحتلال. هذا وضع بعض الجامعات في موقع صعب، فهي ليست أمام تحدي التعامل مع هذه الاحتجاجات وحسب، وإنما في تحسين سمعتها. شعرت بعض الجامعات أن سمعتها وعلاقتها مع مجتمع الجامعة على المحكّ، فرفضت استخدام العنف، وذهبت للحوار من أجل التوافق، وبعضها وافقت على مطالب الطلبة. وأخيرًا. فالنقاط التي أُشير لها أعلاه، صحيح أنها تمثل عوامل حرجة للاحتلال، إلا أن الدعم الغربي للاحتلال يمثل أيضًا مرحلة حرجة لشعوب تلك الدول. فإن ما أثارته الحركات الاحتجاجية الطلابية ليس فقط موضوع فلسطين وغزة، ولكن قيمة الحرية نفسها في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تبقى بلا سقف إلا فيما يتعلق بإسرائيل. هذا يخلق مواضيع أخرى للاحتجاجات أبرزها الدفاع عن قيمة الحرية والعدالة والمساواة، هذه القيم التي قدّمَ العديد من الفئات التضحيات من أجلها. وبشكل آخر تصبح القضية الفلسطينية هي القضية التي يرى من خلالها الكل أنها تمثل مظلوميته، سواء كانت في الماضي، أو الخشية من أن تتكرر لهم في المستقبل، كالسود، والأقليات، وحتى جزء من اليهود أنفسهم يعتبرون استخدام ذكرى المحرقة كتبرير للمجازر إساءة لهذه الذكرى، وتدفع بعدم التعاطف معها. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/17/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d8%ac%d8%a7%d8%ac%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-05-17T11:29:52
2024-05-17T11:29:52
مقالات
2,226
جوليان أسانج.. ثمن الحرية
ستظل قضية جوليان أسانج نقطة تحول في تاريخ الصحافة العالمية، وتشير إلى التحديات التي يواجهها الصحفيون والمبلغون عن المخالفات في سعيهم لكشف الحقيقة. ستكون حريته بداية لفصل جديد في معركة حرية الصحافة.
بعد سنوات من المعاناة والملاحقات القانونية، تمكّن مؤسس موقع ويكيليكس، جوليان أسانج، من استعادة حريته بفضل اتفاق أبرمه مع القضاء الأميركي. وبموجب هذا الاتفاق، اعترف أسانج بـذنبه في التهم الموجهة إليه بشأن فضح أسرار عسكرية، مما أدى إلى إطلاق سراحه. وفقًا لوثائق قضائية نُشرت مساء الإثنين الماضي، وافق أسانج على الاعتراف بتهمة التآمر للحصول على معلومات سرية تتعلق بالدفاع الوطني والكشف عنها. جاء هذا الاعتراف كجزء من تسوية تضمن له إطلاق سراحه الفوري، خاصة أنه قضى السنوات الخمس الأخيرة محبوسًا في سجن بيلمارش شديد الحراسة في بريطانيا. وبموجب الاتفاق، سيتم الحكم عليه بالسجن لمدة 62 شهرًا، وهي الفترة التي تعادل مدة حبسه الاحتياطي، مما يتيح له العودة إلى بلاده أستراليا فورًا. وأعلن موقع ويكيليكس بعد دقائق من نشر الوثائق القضائية أن جوليان أسانج حر، مؤكدًا أنه غادر بريطانيا عصر الإثنين بعد أن أخلى القضاء البريطاني سبيله في مطار ستانستد بالعاصمة لندن. ومن المتوقع أن يمثل أسانج أمام محكمة فدرالية في جزر ماريانا، بالمنطقة الأميركية الواقعة في المحيط الهادئ، لاستكمال الإجراءات الرسمية. تعتبر هذه التسوية نهاية لواحدة من أكثر القضايا القانونية إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، والتي دامت 14 عامًا. سارع أسانج إلى مغادرة بريطانيا واستعادة حريته، بينما رحبت أستراليا بهذه النهاية لمسلسل طويل من الملاحقات القانونية. ولد جوليان أسانج في الثالث من يوليوتموز عام 1971 في تاونسفيل، بأستراليا. وأظهر منذ صغره ذكاءً وتفوقًا في مجال التكنولوجيا والحوسبة. بدأ اهتمامه بالبرمجة والأمن السيبراني في سن مبكرة، مما وضعه على مسار مختلف عن أقرانه. وكان متأثرًا بشدة بفكرة الحرية المعلوماتية وحق الناس في الوصول إلى المعلومات، وهو ما دفعه لاحقًا إلى تأسيس موقع ويكيليكس. في عام 2006، أطلق أسانج موقع ويكيليكس، وهو منصة تهدف إلى نشر وتسريب الوثائق السرية والمعلومات الحساسة التي تكون في غالب الأحيان مغلقة أمام الجمهور. وكان هدف أسانج من وراء تأسيس ويكيليكس هو تعزيز الشفافية ومحاسبة الحكومات والمؤسسات الكبرى. ومن بين أبرز التسريبات التي نشرها ويكيليكس كانت الوثائق المتعلقة بالحرب في العراق وأفغانستان، والتي كشفت عن تفاصيل صادمة حول العمليات العسكرية والجرائم التي ارتكبت خلالها من طرف قوات الاحتلال الأميركي بالخصوص. وقد أحدثت التسريبات التي نشرها ويكيليكس ضجة عالمية، وتسببت في موجات من الغضب والإحراج للحكومات المتورطة. وكان من بين أبرز تلك التسريبات فيديو القتل العشوائي الذي أظهر هجومًا جويًا أميركيًا في العراق أسفر عن مقتل مدنيين وصحفيين. كما نشر الموقع آلاف البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي فضحت كيفية تعامل الدبلوماسيين الأميركيين مع الحكومات الأجنبية. مع تصاعد الضغوط والتهديدات القانونية، اضطر أسانج إلى البحث عن ملاذ آمن. في عام 2010، تم إصدار مذكرة توقيف بحقه في السويد على خلفية اتهامات بالاعتداء الجنسي، وهو ما نفاه أسانج جملة وتفصيلًا. وفي خضم هذه الاتهامات، لجأ أسانج إلى سفارة الإكوادور في لندن عام 2012، حيث طلب اللجوء السياسي، وظل هناك لمدة سبع سنوات بفضل موافقة الرئيس رافائيل كوريا على استضافته في سفارة بلاده في لندن، محاولًا تجنب تسليمه للسلطات السويدية أو الأميركية. كانت حياة أسانج في السفارة الإكوادورية معزولة وصعبة. لم يتمكن من مغادرة السفارة؛ خوفًا من الاعتقال، مما جعل حياته اليومية مرهقة نفسيًا وجسديًا. حيث إنه لم يكن لديه اتصال بالعالم الخارجي إلا من خلال الإنترنت، وكان يواجه صعوبات كبيرة في الحصول على الرعاية الصحية والخدمات الأساسية. في أبريلنيسان 2019، تغيرت الأمور بشكل مفاجئ. قامت الحكومة الإكوادورية اليمينية بسحب اللجوء السياسي لأسانج، مما مهد الطريق لاعتقاله من قبل الشرطة البريطانية. تم اعتقال أسانج ونقله إلى سجن بيلمارش الشهير في لندن، حيث واجه تهمًا بخرق شروط الكفالة وانتظار إجراءات تسليمه إلى الولايات المتحدة، التي كانت تسعى لملاحقته بتهمة التجسس وتسريب معلومات سرية. واجه أسانج معركة قانونية شرسة للدفاع عن نفسه ومنع تسليمه إلى الولايات المتحدة. جادل محاموه بأن تسليمه سيكون انتهاكًا لحقوقه الإنسانية، وسيعرضه لخطر سوء المعاملة. كما أكدوا أن محاكمته في الولايات المتحدة ستكون غير عادلة بالنظر إلى طبيعة التهم الموجهة إليه ودوافعها السياسية. وخلال محنته، حظي أسانج بدعم واسع من ناشطين في مجال حقوق الإنسان وصحفيين ومنظمات دولية. اعتبر الكثيرون أن ملاحقته كانت هجومًا على حرية الصحافة وحق الجمهور في المعرفة. تم تنظيم حملات دولية ومظاهرات لدعمه، كما دعت شخصيات بارزة إلى إطلاق سراحه وتوفير الحماية له. إطلاق سراح أسانج يثير تساؤلات عديدة حول مستقبل الصحافة الاستقصائية والشفافية الحكومية. وقد يكون هذا الحدث دافعًا لمزيد من النقاشات حول حقوق الصحفيين، وأهمية حماية مصادرهم. كما يمكن أن يشجع الحكومات على إعادة النظر في سياساتها تجاه حرية المعلومات والشفافية. إن قصة جوليان أسانج هي قصة معاناة وصمود في وجه الضغوط والملاحقات. إنها تذكرنا بأهمية الدفاع عن حرية الصحافة وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات. وإطلاق سراحه لا يمثل فقط نهاية لفصل طويل من المعاناة الشخصية، بل يرمز أيضًا إلى انتصار قيم الشفافية وحقوق الإنسان. ويبقى أسانج شخصية مثيرة للجدل، لكن دوره في تعزيز الشفافية والمساءلة لا يمكن إنكاره. في نهاية المطاف، تظل قضية جوليان أسانج نقطة تحول في تاريخ الصحافة العالمية، وتشير إلى التحديات التي يواجهها الصحفيون والمبلغون عن المخالفات في سعيهم لكشف الحقيقة. ستكون حريته بداية لفصل جديد في معركة حرية الصحافة وحق الجمهور في المعرفة، مما يؤكد ضرورة أن يعمل المسؤولون على خلق التوازن بين الشفافية والأمن القومي، وبين حرية الصحافة والمسؤولية الأخلاقية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/30/%d8%ac%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d8%a3%d8%b3%d8%a7%d9%86%d8%ac-%d8%ab%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-06-30T07:17:58
2024-06-30T07:17:58
مقالات
2,227
كيف دمّر السنوار المشهد السينمائي الذي حلمت به إسرائيل؟
يتخيّل نتنياهو نصرَه المطلق كمشهدٍ سينمائيّ يعرضُه أمامَ العالم، فيرى نفسه جالسًا في منتصفِ الصورة بجواره رئيس الشاباك، والموساد ينظرون إلى جنود ثم يعطيهم نتنياهو الإشارة ليلقوا القبض على يحيى السنوار
خلال حرب ضروس تجري في قطاع غزة، يتخيّل نتنياهو نصره المطلق كمشهد سينمائيّ يعرضه أمام العالم، فيرى نفسه جالسًا في منتصف الصورة، عن يمينه يجلس رئيس الشاباك، وبجانبه رئيس الموساد، وعن يساره غالانت وهرتسي هاليفي، ينظرون إلى شاشات مشوّشة، تعرض صورًا لجنود النخبة بوجوه مشوّهة، ثم يعطيهم نتنياهو الإشارة ليلقوا القبض على يحيى السنوار. فلربما كان يحلم نتنياهو بصورة يمنتجها على هواه، بأن يلقي القبض على غريمه السنوار، ويزيّف مشهدًا لانتشاله من أحد الأنفاق، في مشهد مشابه للحظة إلقاء القبض على صدّام حسين، ومن ثمّ يقوم بمحاكمته على شاشات التلفزيون محاكمةً لربما تطول لأشهر أو ربما سنوات، يتم فيها إلقاء التهم ضد السنوار فيما يتعلق بالسابع من أكتوبرتشرين الأول وما بعده وربما أيضًا فيما قبل السابع من أكتوبر تشرين الأول. وهو ما يعيدنا كذلك إلى محاكمة آيخمان، النازي الذي اختطفه الموساد من الأرجنتين لتحاكمه مجازًا عن كل النازية في تل أبيب. ومن ثمّ يتم إعدامه ومن ثم حرق جثته وإلقاء رماده في البحر ولكن، يشاء القدر أن يَكتب سيناريو مختلفًا عن أحلام نتنياهو، فيتم اغتيال السنوار في غزة، إذ لم يهرب الأخير من قطاع غزة كما كانت تروّج إسرائيل، ولم يكن مختبئًا في أحد الأنفاق محاطًا بالأسرى الإسرائيليين كما زعمت الحكومة الإسرائيلية. بل كان المشهد الحقيقي يظهر أن السنوار التحم مع بضعة جنود، بل وقد جرى ذلك صدفةً ودون تخطيط من الجيش ولا معلومات من أجهزة الاستخبارات، حتى إن أولئك الجنود لم يكونوا من القوات الخاصة كوحدة الكوماندوز مثلًا، وقد خلط هذا المشهد المفاجئ وغير المخطط له كل أوراق بنيامين نتنياهو وبعثرها في الهواء لطالما كان نتنياهو يدير التوقيت حسب ما يريده ويحقق مآربه السياسية والعسكرية والإستراتيجية، حيث إنه لا يختار الوقت الذي ينفذ فيه اغتيالاته أو يصدر فيه قراراته بشكل عشوائي أو عبثي، فلم يكن عبثًا أن يصرح باعتبار قطاع غزة منطقة قتال ثانوية قبل أسبوعين. بل كان يهدف من وراء ذلك إلى تبييت الحالة في قطاع غزة، واعتبارها حالة أمنية خطيرة إسرائيليًا فيستغلها في إحياء البارانويا الإسرائيلية، ولكن ضمن وتيرة معينة، تتلخص في أن يعمل على إضعاف صدى القضية الفلسطينية عن طريق افتعال أزمة أخرى بذات الزخم. وهذه الأزمة المفتعلة يعتبرها ملاذًا بالنسبة له، وهذا ما نراه من خلال تعامله مع الجبهة اللبنانية ولكن تباغته الجبهة التي لم تكن من ضمن حسابات نتنياهو في الوقت الحالي، الجبهة الإيرانية، بل والأكثر من ذلك، أن نتنياهو لا يستطيع التغاضي عنها باعتبارها ذات أهمية جيوسياسية في المنطقة. حيث كان يرمي في كتاباته إلى رغبته بقتل القضية الفلسطينية في داخل الجبهة الإيرانية، فلطالما كان يختزل القضية الفلسطينية بالبعد الإيراني لا غير. فهو يرى أن القضاء على إيران يعني بالضرورة القضاء على كل ما له علاقة بفلسطين، سواء المقاومة الفلسطينية أو التحرير أو حتى العودة، فقام نتنياهو باختصار القضية الفلسطينية في شخص حماس، وحماس في ظلّ إيران، ولهذا يرى أن التخلص من إيران أو الشر الأكبر، حسب قوله، يعني موت القضية الفلسطينية والمقاومة المتمثلة في حماس. لذا صحيح أنه كان يريد أن يزحف إلى طهران باعتبارها مركزًا لمحور المقاومة ومعسكرها الأكبر بالنسبة إليه، لكنه لم يكن يريد الهرولة إليها. لقد كان ينوي نتنياهو أن يستغل ضبابية الحرب لشيطنة الشرق الأوسط وإعادة ترتيبه لنظام إقليمي جديد وفق تصور أشار إليه في عدة مناسبات، ومن ثم ترتيب أوراق إسرائيل الداخلية، ومن ضمنها إعادة النظر في القوانين القضائية وتعديلها، وبالتالي يحتكر اليمين الحكم في إسرائيل بكل ما للكلمة من معنى وليقيم كل مشاريعه تلك، فإنّ عليه أن يضمن استمرار الحرب، ولاستمرار الحرب فإنه يحتاج إلى ذرائع، وإن كانت ذرائع إسرائيل دائمًا ما تختلف عن أهدافها، حيث تقوم بتشخيص الحالة بشكل خاطئ ومتعمّد، لكي تعالجها بشكل يلائم تصوراتها ومصالحها. فمثلًا، تتذرع إسرائيل في حربها على قطاع غزة بهدفها بالقضاء على حكم حماس وإضعافها عسكريًا وسياسيًا، وهذا الهدف بات محققًا بالنسبة لإسرائيل، خصوصًا بعد عمليات الاغتيال الكبيرة التي قامت بها، إضافة إلى أن قدرات حماس الصاروخية باتت أضعف من ذي قبل ولم تعد تشكل خطرًا على أمن إسرائيل. وبعد تحقيق هذين الهدفين، وخصوصًا بعد اغتيال السنوار، لم يعد هناك مجال لنتنياهو لتجاهل ملف الأسرى، وهو الهدف الثالث الذي أعلنه منذ بداية الحرب، ولكن تكمن المشكلة لدى نتنياهو أن إتمام صفقة إعادة الأسرى سيعني إنهاء الحرب في غزة، وإنهاء الحرب في غزة يعني انتهاءها في الجبهات الأخرى، وهذا ما لا يريده. فانتهاء الحرب يعني أن على إسرائيل العودة إلى يوم السابع من أكتوبر تشرين الأول وتحقق في كل تداعياته والأسباب التي أدت إليه، ومحاسبة المسؤولين عنه، وهذا ما سيلغي مشروعه وربما ينهي مستقبله السياسي إن اغتيال السنوار قد وضع نتنياهو بين خيارين، وهما ما صرح به ليلة أمس بايدن وسموتريتش، حيث يريد منه بايدن إنهاء الحرب والذهاب نحو صفقة تبادل، بينما يريد سموتريتش منه الاستمرار في هذه الحرب لأهداف استيطانية، فمشروع سموتريتش يهدف إلى السيطرة والاستيطان من البحر إلى النهر، وهذا ما يؤيده نتنياهو، وبالتالي عليه أن يختار، لكنه صرح منذ البداية أنها حرب الوجود وحرب القيامة. لذا فقد يبدو أنه سيستمر في حربه حتى تحقيق مآربه ومشروعه الإقليمي والاستيطاني، ولكن السؤال، كيف سيهرب من الضغط الأميركي لإنهاء الحرب، إضافة إلى ضغط أهالي الأسرى والمعارضة الإسرائيلية للاتجاه نحو صفقة؟ بالطبع سيكون ذلك من خلال القفز إلى الجبهة الإيرانية، وهذه الضربة ستكون بالنسبة له الورقة الرابحة، لذا سيضعها على الطاولة لثلاثة أسباب، أولها تحييد الرأي العام الإسرائيلي، والثاني إعادة القطاع إلى خانة الجبهة الثانوية، أما السبب الثالث فهو استغلال مقتل السنوار، والذي يعتبره مشهد نصر، لإضافة مشهد انتصاري آخر ومن هنا نعود إلى مشاهد نتنياهو، ومخيلته الجامحة نحو منتجة مشاهد انتصارات لحظية، حيث كان حدث اغتيال السنوار بعيدًا عما كان يخطط له. لا يمكن الإنكار بأن مقتله يعد انتصارًا لإسرائيل، ولكنه انتصار بمحض الصدفة، وهو ما قد تحاول إسرائيل أن تتنصل منه فيما بعد، وإظهار الأمر على أنه عملية بطولية، خصوصًا أن مشهد موت السنوار كان مشهدًا يؤكد رواية المقاومة وينسف الرواية الإسرائيلية بحقه. ولكن، بغض النظر عن طبيعة المشهد، فإن الحقيقة تكمن في أن السنوار لم يعد موجودًا، أي لم يعد هناك من يعلق عليه نتنياهو أسباب عرقلة الصفقة واستمرار الحرب وتهديد أمن إسرائيل، وفرصته الوحيدة الآن هي الهروب إلى إيران من خلال توجيه ضربة لها، وربما نشهد ذلك في الساعات القادمة الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/10/18/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a8%d8%b6-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d9%88%d8%a5%d8%b9%d8%af%d8%a7%d9%85%d9%87-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d9%88%d8%a7%d8%b1
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-10-18T09:23:33
2024-10-18T10:42:47
مقالات
2,228
هل أصبحت موسكو على حافة القطيعة مع تل أبيب؟
بدأ التوتر الروسي الإسرائيلي يأخذ منحًى جديدًا بعد أن حاولت تل أبيب أكثر من مرة توجيه اللوم إلى موسكو بأنها لم تأخذ موقفًا حادًا من أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول في قطاع غزة.
ما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية عن استدعاء السفير الروسي في تل أبيب، أناتولي فيكتوروف لـ توبيخه على خلفية تصريحات ضد الدولة العبرية أدلى بها مسؤولون روس، وإن لم يصدر تعليق عن وزارتي الخارجية في كلا البلدين، لا يبدو خبرًا مفاجئًا أو مستبعدًا أمام ما وصلت إليه العلاقات من توتر لم تشهدها من قبل، حتى لو لم يكن هذا الخبر صحيحًا أو غير دقيق. ومن المهم بمكان، العودة في هذا السياق إلى حادثة تؤكد هذا التدهور في العلاقات بعد أن استدعت الخارجية الروسية السفيرة الإسرائيلية في موسكو، سيمون هالبرين، في 5 فبرايرشباط، على خلفية تصريحات أدلت بها لصحيفة كوميرسانت، قالت الخارجية إنها لم تحترم فيها جهود روسيا لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى حماس. علاوة على ذلك، لم تمرر الخارجية العبارة التي قالتها هالبرين بخصوص أن روسيا تقلل من أهمية المحرقة، وأنه لم يسبق في التاريخ أن عرف العالم مثل هذه الإبادة الجماعية والممنهجة على أسس قومية، والشعب اليهودي وحده من تعرض لذلك، ووجدت في هذه السقطة فرصة لتذكِّر السفيرة الإسرائيلية بأن مقولة أن المحرقة كانت إبادة للشعب اليهودي وحده تتعارض مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص. بدأ التوتر الروسي الإسرائيلي يأخذ منحًى جديدًا بعد أن حاولت تل أبيب أكثر من مرة توجيه اللوم إلى موسكو بأنها لم تأخذ موقفًا حادًا من أحداث 7 أكتوبرتشرين الأول في قطاع غزة. واقع الحال يقول؛ إن موسكو أدانت هجوم حماس على إسرائيل. لكن ما شاهدناه بعد ذلك من ممارسات إسرائيلية في القطاع تفوق تخيل العقل البشري يشطب هذا الهجوم من ميزان المقاربة بين الفعل ورد الفعل. فعندما تقوم إسرائيل بقتل عشرات الآلاف من المدنيين في قطاع غزة، والذين جلهم من الأطفال والنساء، بالغارات والقصف العشوائي والبربري، فما هو رد الفعل الذي تنتظره تل أبيب من روسيا أمام مشهد مروع تمارسه القوات الإسرائيلية ساعة بساعة ودون توقف. كما أن مطالبة روسيا من خلال مجلس الأمن الدولي بالوقف العاجل لإطلاق النيران، ومجمل العمليات العدائية في قطاع غزة، لا يوجد في ذلك أيُّ شيءٍ معادٍ لإسرائيل أو مؤيد للفلسطينيين. هذا الموقف ينبع من اعتبارات إنسانية صرفة؛ لأن هول المجازر التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة، وضد سكانه يجب أن تتوقف على الفور. وبطبيعة الحال، لا يمكن بموازاة ذلك تجاهل أن العلاقات الروسية الإسرائيلية، تردّت بشكل خطير قبل ذلك، وليس على خلفية أحداث 7 أكتوبرتشرين الأول، بل لاعتبارات أخرى. فالتقارب والتعاون اللذان أخذا يبرزان بشكل أكثر وضوحًا بين روسيا وإيران على ضوء الأحداث في أوكرانيا، سبَّبا بدورهما قلقًا لدى الإسرائيليين. ولكن هنا يجب القول كذلك؛ إن إسرائيل فعلت كل ما وسعَها لتوتير العلاقات مع موسكو، وليس فقط فيما يخص الموقف من النزاع مع أوكرانيا. فالضربات التي يشنها الطيران الإسرائيلي بشكل مستمر على أهداف داخل سوريا تضرّ بشكل مباشر بـهيبة روسيا في الشرق الأوسط، رغم أهمية التذكير دائمًا بأن روسيا موجودة في سوريا تحت شعار محاربة الإرهاب. هنا يجب أن نذكّر إسرائيل بأن روسيا لا تعتبر حماس حركة إرهابية، وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تنطلق من هذه الجزئية عند تقييم مواقفنا تجاه هذه الحركة هذه الضربات الإسرائيلية تسيء بشكل كبير لسمعة موسكو في المنطقة، وهو ما نراه بشكل متواتر في تعليقات وسائل الإعلام العربية. فهل هذا يدخل ضمن الأهداف الإسرائيلية لهذه الاعتداءات؟ وهناك مسألة أخرى، تتعلق بأنه عندما بدأت العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، لم نرَ من الإسرائيليين أية جهود وساطة أو أية محاولات للجم الاندفاع الأميركي المتهور نحو المواجهة، رغم أنه كان بإمكان تل أبيب أن تلعب دور الجسر أو الوسيط مع الأميركيين، لكن تبين أن الأمور لم تكن على هذا الحال. على العكس تمامًا، فقد تبين أن إسرائيل وقفت بالتدريج إلى جانب الموقف الأميركي وتمازجت مع موقف كييف، رغم تأكيد موسكو أن أحد أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا، هو القضاء على النزعات النازية داخل هذا البلد. ولا أرى هنا ضرورة لشرح العلاقة التي سادت بين الحكم النازي في ألمانيا والشعب اليهودي هناك، لكي نفهم الأبعاد الأخلاقية، بالحد الأدنى، للسلوك الإسرائيلي. ومن بين الأشياء اللافتة التي يجب الإشارة إليها في هذا السياق، أنه تبين أن حليفنا السياسي والعسكري بل وحتى الاقتصادي في مقاربة الحرب مع أوكرانيا، هي إيران. فالتعاون بين موسكو وطهران يتواصل بوتائر سريعة، وفي المقابل تعبر إسرائيل عن عدم رضاها، وتستدعي سفيرنا بين الحين والآخر لتعبر عن الانزعاج. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل عبّرت إسرائيل عن استيائها من استقبالنا عدة مرات في موسكو قيادةَ حماس، وتخرج تل أبيب باستنتاجات وتصريحات توحي وكأننا نلتقي بإرهابيين، وهذا بالتأكيد غير صحيح. هنا يجب أن نذكّر إسرائيل بأن روسيا لا تعتبر حماس حركة إرهابية، وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تنطلق من هذه الجزئية عند تقييم مواقفنا تجاه هذه الحركة. بإمكان إسرائيل أن تقول ما تريد، لكن هذا هو موقفنا من حماس لا نعتبرها حركة إرهابية، ولدينا اتصالات مستمرة معها، وتضمنت هذه الاتصالات من بين أمور أخرى بحث ملف إطلاق سراح من أسرتهم الحركة في 7 أكتوبر تشرين الأول. وبدلًا من أن تقيّم تل أبيب عاليًا دور روسيا على هذا الخط، بدأنا نسمع انتقادات من الإسرائيليين وعادوا من جديد لمسلسل استدعاء سفيرنا لديهم. ولنعد قليلًا إلى مجلس الأمن الدولي، عندما حاولت روسيا بشتّى الطرق وقف الحرب الدموية في قطاع غزة. الأمر لم يتوقّف عند هذا الحد، بل أوغلت تل أبيب في القصف العشوائي واستخدام التجويع كوسيلة ضغط على الفلسطينيين. ونحن لسنا بـ عميان، ونشاهد هذه الممارسات يوميًا وبشكل واضح من جانب الإسرائيليين. عندما تطرح روسيا مشروع قرار لوقف إطلاق النار بشكل عاجل في قطاع غزة تنزعج إسرائيل منا. لماذا تنزعج؟ هل قامت تل أبيب بخطوات بناءة قبل 7 أكتوبرتشرين الأول لتسوية النزاع مع الفلسطينيين؟ هل تحركت باتجاه خيار حل الدولتين والقبول بدولة فلسطينية مستقلة؟ لا، هم لم يفعلوا ذلك، بل عطلوا كافة أشكال الحلول السياسية، بل ووسعوا من الرقع الاستيطانية وبنوا مستوطنات يهودية جديدة. وهنا لا جديد في الموقف الروسي، لا جديد أبدًا. مقاربة روسيا معروفة ولم تتغير. حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بناءً على القرارات الدولية ذات الصلة، والحل واضح. أعود وأقول إن المشهد غريب جدًا. توجد مصالح إسرائيلية وتوجد مواقف إسرائيلية، وكل شيء آخر أو موقف آخر لا قيمة له عندهم. بالنسبة لهم، لا أهمية للمصالح أو الهواجس الروسية. أما نحن فقمنا من خلال قواتنا الخاصة في سوريا بتسليمهم رفات الطيار الإسرائيلي زخاري باومل الذي كان مفقودًا منذ العام 1982، وذلك عشية انتخابات كانت مهمة جدًا بالنسبة لبنيامين نتنياهو في إسرائيل. أي أننا عمليًا قدمنا له هدية مجانية وذات قيمة كبيرة في ذِروة حملته الانتخابية. في المقابل ردوا علينا باستهداف المناطق السورية، فهل يعقل ذلك؟ على هذا الأساس، الحديث عن آفاق العلاقات بين موسكو وتل أبيب يتطلب إعادة ضبطها على أساس الاحترام المتبادل. ومن البديهي أن تدرك تل أبيب أنه ليس بالضرورة أن نكون متطابقين معها في كل شيء وفي كل زمان، لا سيما في القضايا الجوهرية. لكن الاحترام المتبادل والتخلص من عقدة الأنانية التي لا يمكن تصور حجمها، والتي تعاني منها إسرائيل، هما شرطان لا بد منهما لتمهيد الطرق نحو تسوية العلاقات. إذا رأينا أن إسرائيل تجاوبت مع هذه المطالب، فسنقوم بخطوة تجاهها. لا سيما أنه من المهم بالنسبة لنا مواصلة التواصل معها في أكثر من ملف. ولكن في حال بقيت مواقفهم على ما هي عليه الآن، فإننا لن نكون في وارد التفريط بمصالحنا، وسنذهب إلى خيار التشبُّث بشكل أكبر بها، وفي ذات الوقت، بمزيد من عدم المبالاة تجاه المصالح الإسرائيلية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/22/%d9%87%d9%84-%d8%a3%d8%b5%d8%a8%d8%ad%d8%aa-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%83%d9%88-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b7%d9%8a%d8%b9%d8%a9-%d9%85%d8%b9-%d8%aa%d9%84
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-03-22T13:06:00
2024-03-22T13:06:00
مقالات
2,229
جانب من مأزِق واشنطن في الحرب من صنع يدَيها
إنَّ الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها الولايات المتحدة إجبار إسرائيل على التوقّف عن ارتكاب المجازر اليومية بحقّ الفلسطينيين، الامتناعُ عن مواصلة تزويدها بالأسلحة، وليس إعطاء النصائح لها.
مع أنَّ الدعم الكامل الذي تُبديه الولايات المتّحدة لإسرائيل في الحرب الهمجيّة التي تشنّها منذ نحو شهر على قطاع غزّة- لا يُمكن تبريرُه من منظور أخلاقيّ أو حتّى من منظور سياسيّ واقعيّ للعلاقات الأميركية- الإسرائيلية، فإنّه لا يتناقض مع إحدى الحقائق التاريخيّة للصراع الفلسطينيّ- الإسرائيليّ، وهي أنَّ الدعم الحالي الذي تُقدمه إدارةُ الرئيس جو بايدن لإسرائيلَ مطبوعٌ في الحَمض النوويّ السياسيّ لبايدن على غرار أسلافه الأميركيّين السابقين. مع ذلك، فإنّه على مرّ المنعطفات التاريخية في القضية الفلسطينية، نادرًا ما كانت الولايات المتحدة تجد نفسها عاجزةً إلى هذا الحدّ في ممارسة نفوذها وتأثيرها، كما هو الحال عليه في الحرب الراهنة. لقد مضت خمسة عقود على حرب أكتوبر التي بدت فيها واشنطن بمثل هذا العجز؛ عندما أدّى دعمها إسرائيلَ إلى فرض حظر نفطيّ عربيّ عليها. لا تواجه الولايات المتّحدة اليوم خطر التعرّض لحظر نفطي عربي آخر، لكنّها قد تواجه ما هو أسوأ من ذلك. فمن جانب، وعلى الرغم من الإيحاءات التي يُرسلها المسؤولون الأميركيون بأنّهم يمارسون ما يكفي من الضغط على إسرائيل لحملها على تجنّب استهداف المدنيين في غزة، واحترام قواعد القانون الدوليّ والإنسانيّ في الحرب، فإنّه لا يوجد على أرض الواقع ما يُمكن أن يدفعنا لتصديق ذلك. إنّ السياسة الأميركية في الحرب لا تؤدي فقط إلى زيادة عدوانية الحرب الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيين، بل تعمل أيضًا على إضعاف فرص إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت، وخلق آفاق جدية لتحويلها إلى فرصة لإعادة تنشيط عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إنَّ الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها الولايات المتحدة إجبار إسرائيل على التوقّف عن ارتكاب المجازر اليومية بحقّ الفلسطينيين، الامتناعُ عن مواصلة تزويدها بالأسلحة، وليس إعطاء النصائح لها، وهذا ما لا يُمكن توقّعه بأي حال من أي إدارة أميركية. مع ذلك، فإنَّ الموقف الأميركيّ، اليوم، يُجسّد سنوات طويلة من الفشل في إدارة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. لعقود، كانت الولايات المتحدة عاجزةً عن ممارسة نفوذها على إسرائيل من أجل دفعها إلى قَبول حلّ الدولتَين، وأيضًا ردعها عن مواصلة الاستيطان. رغم أنّ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما يُسجل لها دفع مجلس الأمن الدوليّ في عام 2016 إلى إصدار قرار يحثّ على إنهاء المستوطنات الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينية، فإنَّ خلفه دونالد ترامب أوغل بعد ذلك في تشجيع العدوانيّة الإسرائيلية من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوريّ المحتل، وتسويق مشروع صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينيّة تمامًا. من جانب آخر، يُعمق الموقف الأميركيّ في الحرب من مأزِق علاقات الولايات المتحدة مع دول المنطقة ومصداقيّتها كقوّة عالمية قادرة على إحداث استقرار في الشرق الأوسط. لقد أمضى وزير الخارجية الأميركيّ أنتوني بلينكن في جولته الأخيرة للمنطقة ساعات طويلة من المحادثات مع نظرائه من بعض الدول العربية في العاصمة الأردنية عمّان من أجل الحصول على تأييدهم لمقترح فرض هدنة إنسانية في قطاع غزّة، وهو مقترح مُصمم لتخفيف الضغط العالمي على إسرائيل، مع عدم تكبيل آلتها العسكريّة في مواصلة القتل في غزّة. كما سعى إلى تسويق مشروع أميركيّ لدفع الدول العربيّة إلى الانخراط في مشروع إدارة غزّة بعد القضاء المفترض على حركة حماس، وهو مُقترح مُصمّم أيضًا من منظور أميركي ـ إسرائيليّ لدفع دول المنطقة إلى الانخراط في مشروع إخراج غزّة من المعادلة العسكرية للصراع. إنّ السياسة الأميركية في الحرب لا تؤدي فقط إلى زيادة عدوانية الحرب الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيين، بل تعمل أيضًا على إضعاف فرص إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت، وخلق آفاق جدية لتحويلها إلى فرصة لإعادة تنشيط عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والنظر إلى الأسباب الجوهرية العميقة التي أدّت لهذا الانفجار، والتي تتمثل بالسياسات الإسرائيلية العدوانية التي قوّضت فرص السلام. إنَّ المقترحات الأميركيَّة- على غرار الهدن الإنسانيّة، وإيجاد ترتيب لغزّة بعد حماس، علاوة على أنّها مُصممة لمساعدة إسرائيل في مواصلة حربها على غزة بضغط إقليميّ ودوليّ أقلّ- تُظهر كيف أنَّ الولايات المتّحدة عاجزة عن بلورة رؤية فعَّالة قادرة على التعامل مع الأسباب الجوهرية العميقة لهذا الانفجار. رغم أن الولايات المتحدة تُحمّل حركة حماس مسؤولية الحرب، فإنّ الأخيرة طرحت الرؤية التي كان ينبغي على الأميركيين منذ فترة طويلة طرحها، وهي السلام على أساس حلّ الدولتين. وإذا كان هناك من فرصة يُمكن لواشنطن من خلالها إعادة تنشيط حل الدولتَين، فإنَّ الفضل في ذلك يعود للصدمة التي أحدثتها حركة حماس في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر. على مدى العقود الماضية، فشلت الولايات المتحدة في رعاية عملية سلام جدّية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحرب أكتوبر الجديدة لم تكن سوى إحدى نتائج هذا الفشل. هذه الحرب- بقدر ما تُشكل تحديات كبيرة إضافية على السياسة الأميركيّة في الصراع، وعلى المصالح الأميركية في الشرق الأوسط تُشكل فرصة لواشنطن للتعويض عن عقود من فشلها والضغط على إسرائيل للدخول في عملية سلام حقيقية مع الفلسطينيين. حتَّى قبل اندلاع الحرب، كانت الولايات المتحدة تواجه صعوبات في إظهار مكانتها القوية في الشرق الأوسط؛ بفعل تراجع علاقاتها مع حلفائها الأساسيين، مثل السعودية، وتركيا وجزئيًا إسرائيل. وكانت تسعى إلى التوسّط في صفقة تاريخية بين إسرائيل والسعودية، وإيجاد بعض التفاهمات مع إيران للحدّ من البرنامج النووي الإيراني. لم يعد بالإمكان الآن تصوّر أنَّ شرقًا أوسطَ أكثر استقرارًا سيواصل النمو. بالإضافة إلى ذلك، تجد روسيا والصين في مأزِق الولايات المتحدة- في الموازنة بين دعم إسرائيل، وعدم الإضرار بمكانتها في الشرق الأوسط فرصةً لتعميق نفوذهما في المنطقة. مع ذلك، يُمكن لهذه الحرب أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز الدور الحاسم الذي تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة، إذا ما استطاعت النظر إلى ما هو أبعد من حسابات بنيامين نتنياهو في الحرب. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/10/%d8%ac%d8%a7%d9%86%d8%a8-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%a3%d8%b2%d9%90%d9%82-%d9%88%d8%a7%d8%b4%d9%86%d8%b7%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d9%85%d9%86-%d8%b5%d9%86%d8%b9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-10T15:05:51
2023-11-10T15:09:47
مقالات
2,230
نداء من لاهاي العدل الدولية تُطالب العالم بإنقاذ فلسطين
أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا هذا الشهر حول العواقب القانونية الناجمة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية. فما تبعات ذلك؟
في خطوة تاريخية غير مسبوقة، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا هذا الشهر حول العواقب القانونية الناجمة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية. جاء هذا الرأي بناءً على طلب تقدمت به الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 ديسمبركانون الأول 2022. وصوّت 12 قاضيًا لصالح القرار، فيما عارضه 3 قضاة. وقد عقدت المحكمة جلسات استماع علنية بين 19 و26 فبرايرشباط، شاركت فيها 52 دولة و3 منظمات دولية. ورغم غياب إسرائيل عن هذه الجلسات، فإنها قدّمت مذكرة مكتوبة تحث المحكمة على رفض إصدار الرأي بشأن القضية. وصفت أوساط حقوقية وقانونية رأي محكمة العدل الدولية بالتاريخي لعدة اعتبارات إن أهمية النتائج التي خلصت إليها المحكمة في رأيها الاستشاري تتجاوز نطاق القضية محل النظر. المحكمة تنطق بالقانون في مجال لا يزال الكثير يرفض تطبيق أحكامه، رغم وجود اتفاقيات قانونية معترف بها عالميًا. ورغم أن المحكمة لا يمكن أن تسنّ قوانين جديدة، فإنها يمكن أن توضح قواعد القانون الدولي الإنساني وفقًا لظروف العصر، وأن تلفت الانتباه إلى النقائص التي تعيب هذا القانون. يعتقد البعض أن الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكن أن تنشد الرأي القانوني من محكمة العدل الدولية لتقرر الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة. إن هذا القرار يمكن أن يخدم كدليل للجمعية العامة، ولكنه ليس أداة لحل الصراع، حيث إن محكمة العدل الدولية، قد أشارت مسبقًا إلى أنها لن تعطي رأيًا في ظروف قد يعادل هذا القرار حسم خلاف بين الدول. وكانت الجمعية العامة قررت بالاعتماد على المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة والمادة 65 من النظام الأساس للمحكمة الطلب من محكمة العدل الدولية، أن تصدر رأيًا استشاريًا في السؤالين التاليين المقصود بالاختصاص الإفتائي الاستشاري هو قيام المحكمة بإبداء الرأي القانوني في شأن أي مشكلة قانونية يُطلب إليها إبداء الرأي فيها؛ فالمحكمة هنا لا تفصل في نزاع كما هو الحال في اختصاصها القضائي، بل تعبّر عن رأي بصدد مسألة تعدّدت فيها الآراء واختلفت. هذا الاختصاص يدخل في صلب عمل المنظمة؛ لأن طلب الفتوى يُبدَى بسبب اختلاف الرأي في شأن المشكلة موضوع الفتوى، ما يجعل الأمر قريب الشبه بوجود النزاع في شأنها. وينبغي التأكيد أن الفتوى الصادرة عن المحكمة لا يمكن أن تكون إلا بصدد مسائل قانونية، وبالتالي يمتنع على المحكمة إصدار الفتاوى التي تمسّ موضوعات لها صفة سياسية. وقد أكدت محكمة العدل الدولية هذا الأمر، حيث ذكرت في فتواها الصادرة بتاريخ 13 يوليوتموز 1954 أنه إذا كانت المسألة غير قانونية، فليس للمحكمة سلطة تقديرية بصددها، وعليها أن ترفض إصدار الفتوى التي طُلبت منها. وقد أثيرت هذه المسألة عند عرض قضية الجدار على المحكمة، حيث طعنت إسرائيل والولايات المتحدة، وتبعتهما بعض الدول الأوروبية، بصلاحية محكمة العدل الدولية في البتّ بقضية الجدار الفاصل، معتبرة القضية سياسية وليست قانونية. وهذا يعني أنه إن كانت قضية الجدار الفاصل قضية سياسية، فليس للمحكمة الحق في تقديم الرأي الاستشاري. لا يحمل هذا القرار صفة إلزامية كونه رأيًا استشاريًا، ومع ذلك، فإن له تأثيرًا كبيرًا على المستوى الدولي، حيث يعزّز المواقف القانونية والسياسية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويزيد من الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها. المكاسب القانونية التي خلقها قرار المحكمة لا ينبغي النظر إليها فقط من المنظار القانوني، بل كأداة للتحرك السياسيّ والدبلوماسي لضمان تطبيق القانون. لدعم هذه الحملة الدبلوماسية والسياسية، ينبغي تنشيط الإعلام الفلسطيني والعربي؛ لفضح الإجراءات العدوانية الإسرائيلية وجرائم الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وممتلكاته. ومن المفيد أيضًا رفع دعاوى ضد إسرائيل من جانب أصحاب الأراضي التي تنتزع بفعل الجدار، أو التي تُجرف، أو التي تُهدم، بمن فيهم المدنيون الذين استشهدوا جراء القصف ومحاولات الاغتيال باعتباره إرهابَ دولة منظمًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/7/21/%d9%86%d8%af%d8%a7%d8%a1-%d9%85%d9%86-%d9%84%d8%a7%d9%87%d8%a7%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-07-21T11:56:05
2024-07-21T11:56:05
مقالات
2,231
الوعد الصادق بداية أم نهاية؟
تناول المتحدّث باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” عمليةَ “الوعد الصادق” الإيرانية بشكل لافت للغاية؛ سواء في طريقة الحديث عنها، أو موقعها، والمساحة التي خصصها لها في خطابه الأخير
من اللافت للنظر الطريقة التي تناول بها المتحدّث باسم كتائب القسام أبو عبيدة عمليةَ الوعد الصادق الإيرانية في خطابه الأخير؛ بمناسبة مرور مائتي يوم على معركة طوفان الأقصى، سواء طريقة الحديث عن هذه العملية، أو موقعها والمساحة التي خصّصها لها في خطاب العشرين دقيقة الذي حمل كمية كبيرة من الرسائل في اتجاهات متعددة. لقد وضع أبو عبيدة تلك العملية في موقعها المناسب جدًا في نهاية خطابه، وخصص لها المساحة التي تستحقّها دون زيادة أو نقصان؛ باعتبارها جزءًا من معركة واسعة تدور في المنطقة مع الاحتلال الإسرائيلي، وينبغي أن تمتدّ وتتصاعد بشكل أكبر. ولنركّز هنا على هذا النصّ الذي تلاه أبو عبيدة لقد شاهد العالم كيف أصيب الكيان الصهيوني بالذعر قبل وبعد وأثناء عملية الوعد الصادق التي ردت فيها الجمهورية الإسلامية في إيران على العدوان الصهيوني عليها. رد بحجمه ورسالته وطبيعته وضع قواعد جديدة ورسّخ معادلات مهمة وأربك حسابات العدو ومَن وراءه، وإذا بالكيان يستدعي حلفاءه من بُعد آلاف الأميال ليدافعوا عنه باستماتة، ثم يخرج منتشيًا بقدرات الدفاع بعد أن كان يتبجّح بالهجوم، ويحاول إخفاء آثار ونتائج هذه العملية. إلا أننا راقبنا وندرك جيدًا مدى تأثير هذا الرد وهذه الضربات، إذ تؤكد أنه مضى الزمن الذي يعربد فيه هذا العدو دون حسيب، أو يعتدي دون رد أو عقاب. ولعلّ أهم جملة في هذا النص أن الرد الإيراني وضع قواعد جديدة ورسخ معادلات مهمة وأربك حسابات العدو ومَن وراءه. فهل هناك أوضح من هذه العبارة للتعليق على هجوم المسيرات والصواريخ على الكيان في تلك الليلة الليلاء التي لم ينَم فيه الاحتلال ولا خمس دول أخرى على الأقل، بينها أميركا وبريطانيا هبّت لنجدته واعتراض المسيرات والصواريخ الموجهة إليه، في مشهد سريالي كشف عن هشاشة هذا الاحتلال، وعن سخافة وسذاجة وتملّق من هبوا للدفاع عنه؟ ولا نحتاج لخبرة عسكرية كبيرة لكي نقول بثقة؛ إن كل تلك المسيرات وحتى صواريخ الجيل الأول التي قطعت ساعات من الطيران من قواعد انطلاقها في إيران، لم تكن ذات أهداف عسكرية محددة، بل كانت جزءًا من إعلان إيراني رسمي على شكل عرض عسكري جوي، بأن إيران خرجت من مربع الصبر الإستراتيجي، وانتقلت إلى مثلث الرد المباشر، وهو ما قالته إيران صراحة بعد ذلك كما قاله أبو عبيدة أيضًا. إذن لم تكن العملية عسكرية ذات أهداف تدميرية، ولم يكن هناك حاجة لكل هذه الدول لاعتراض هذه القذائف، ولا ينبغي افتراض أن أعدادًا كبيرة من القتلى والجرحى قد سقطوا نتيجة إطلاق مئات المسيرات والصواريخ. فلقد كانت رسالة سياسية وإعلامية بأنّ إيران ولأول مرة تهاجم الكيان الإسرائيلي بشكل مباشر من الأراضي الإيرانية ودون وسطاء. ولعلّ هذا هو ما دفع الاحتلال الصهيوني ومن خلفه الإدارة الأميركية إلى ابتلاع السمّ، واستيعاب هذه العملية والمسارعة إلى احتواء الموقف، وعدم الاندفاع نحو ردود جديدة؛ لأنهم أصبحوا على يقين بأن ذلك سيفتح جبهة جديدة لن تكون قطعًا كخمس جبهات سبقتها، لا من حيث نوعية النيران التي ستستخدم فيها، ولا من حيث تأثيرها على المنطقة بأكملها، وما يمكن أن تسببه من أضرار على الاقتصاد العالمي؛ نتيجة فقدان الأمن والاستقرار لفترة غير قليلة، فضلًا عن احتمالات المزيد من التوسع، إذا ما دخلت أطراف أخرى كروسيا والصين لسبب أو لآخر، حيث إنّ مصالح أطراف كثيرة، سوف تتضرّر في حال الصدام المباشر بين إيران وإسرائيل. هذا الرأي يتبنّاه جزء غير بسيط من الجماهير العربية، ومنهم أصحاب مواقف ثابتة تجاه إيران وسياساتها الخارجية؛ لأسباب متنوعة طائفية أو سياسية كما هو الحال في سوريا واليمن والعراق ولبنان، ولكن منهم أيضًا من ينظر بموضوعية أكثر، ويقرأ النتائج ويقارنها بما فعله الاحتلال ضد القنصلية الإيرانية في دمشق، وما أسفر عنه ذلك من قتل سبعة من كبار رجال فيلق القدس التابعين للحرس الثوري، وهم من ذوي التأثير في جبهات المواجهة مع الاحتلال؛ التي لإيران اليد الطولى فيها، وتلك تشمل بين ما تشمل الجبهة اللبنانية الساخنة جدًا منذ انطلاق طوفان الأقصى، وهذه خسائر بشرية فادحة، إذا ما قورنت بنتائج الضربة الإيرانية والتي لم يثبت أن إسرائيليًا واحدًا قد قُتل فيها، رغم العدد الهائل من القذائف والمسيرات . لذا فإن من اليسير القول؛ إن ما فعلته إيران كان مجرد مسرحية، أو عملية فاشلة وغير مجدية، وقد خرج كثيرٌ من التعليقات بهذه المعاني، التي قللت من شأن الضربة. بعض الأصوات كانت أكثر موضوعية، ونظرت للرد الإيراني باعتباره ذا أهداف أخرى غير عسكرية، وأنه تم التفاهم مع الإدارة الأميركية بشكل أو بآخر على هذه الضربة وحجمها للسيطرة على جموح نتنياهو وحكومته المتطرّفة التي تتفلت من سيطرة وتوجيه إدارة بايدن، وتسعى لتوسيع مساحة التوتر في المنطقة؛ لأسباب شخصية أو حزبية، وهؤلاء يقرّون بأن الضربة قد حقّقت هذا الهدف، ولكنّهم يتفقون مع سابقيهم في أن إيران تستخدم أدواتها الخارجية لتحقيق مصالحها، وتحاول أن تبقى هي بعيدة عن صدام مفتوح مع الاحتلال ومن يقفون خلفه، وعلى رأسهم أميركا، وذلك على الرغم من كل الخطابات النارية والتصريحات الهادرة من أعلى الهرم الإيراني المرشد الأعلى أو رئيس الجمهورية. ولكن ثمة ما يلفت النظر في خطاب أبو عبيدة وهو أننا راقبنا وندرك جيدًا مدى تأثير هذا الرد وهذه الضربات، إذ تؤكد أنه مضى الزمن الذي يعربد فيه هذا العدو دون حسيب أو يعتدي دون رد أو عقاب. فهذه العبارة ليست محايدة تمامًا بالنظر لعلاقة التحالف العسكري بين كتائب القسام والحرس الثوري الإيراني، ومع ذلك تتّسم بتوصيف ما حدث ونتائجه دون كيل المدائح لإيران، أو المبالغة في تصوير حجم الرد الإيراني المسمى عملية الوعد الصادق. ولهذا النص دلالة لا ينبغي تجاهلها بأن كتائب القسام لا ترفع سقف توقعاتها تجاه إيران، وتعرف جيدًا أن حسابات الدول غير حسابات الجماعات والأحزاب والمنظمات المسلحة، وهي مسألة تترك سؤالًا كبيرًا تصعب الإجابة عنه هل تريد إيران فعلًا تصعيد المواجهة المباشرة مع الاحتلال؟، وهل يتوفر لديها ما يكفي من المبررات، التي تجعل مثل هذا التصعيد مقبولًا من المجتمع الدولي -وليس بالضرورة حلفاء الاحتلال بحيث لا يترتب على ذلك مصاعب حقيقية جديدة تعطل برامج إيران الكبرى كدولة ذات نفوذ هائل في الشرق الأوسط وذات مشروع نووي يوشك أن يرى النور؟ رغم كل ما سبق فإن هناك زاوية أخرى تتطلب التوثيق في الرد الإيراني وتحمل رسائل من نوع آخر، وقد تناولها الخبراء العسكريون كما تحدث عنها الإسرائيليون والإيرانيون، فقد ثبت أن عددًا قليلًا من الصواريخ الإيرانية في تلك الليلة قد اخترقَ كل منظومات الدفاع الجوي، سواء الإسرائيلية أو تلك التي ساندتها من الدول الكبرى، وقد وصل ثلاثة صواريخ فرط صوتية على الأقل إلى قاعدة نيفاتيم الجوية جنوب إسرائيل. وأظهرت صور الأقمار الصناعية منخفضة الدقة ما يبدو أنها منطقة تأثير واحدة من ضربة صاروخية إيرانية على تلك القاعدة التي تحتوي على الطائرات المقاتلة من طراز إف -35، وهي الطائرات التي هاجمت مقر القنصلية الإيرانية، حسب ما تردد من معلومات والتي لم تتأكد من مصادر موثوقة، ولم تقر بها إسرائيل التي اعترفت بأن عدة صواريخ ضربت القاعدة، أما المصادر الإيرانية فقالت؛ إن 5-7 صواريخ ضربت القاعدة، فيما أظهرت صور أخرى أن مدارج الطائرات قد أصيبت. وقد قلل الإسرائيليون من أهمية ما حدث في هذه القاعدة- وذاك أمر منطقي ومتوقع- لكن ما يجب الالتفات إليه أن مجرد سقوط صاروخ واحد داخل القاعدة هو اختراق رهيب لأحدث أنواع التكنولوجيا الدفاعية التي تتمتع بها القاعدة ويمتلكها الاحتلال وداعموه. ويعتقد بعض الخبراء العسكريين أنّه لم تكن لدى إيران الرغبة بإحداث تدمير كبير لهذا الهدف الإستراتيجي وإلا لكانت أطلقت ثلاثين صاروخًا باتجاهها، لكنها كانت تريد أن تختبر قدراتها الصاروخية المتجددة، وقدرات الأنظمة الدفاعية على إسقاطها. وإذا كان كل هذا دقيقًا فإن هدفًا إيرانيًا إستراتيجيًا وكبيرًا جدًا قد تحقق في تلك الليلة، فلن يكون من المعقول أن يقوم الاحتلال باستخدام طائراته للإغارة على أهداف إيرانية جديدة، لأنه بات على يقين بأن تفوقه الجوي الذي حسم من خلاله كل حروبه السابقة بات هدفًا سائغًا لنوع جديد ودقيق وسريع الوصول من الصواريخ الإيرانية التي تم تجربتها فعليًا، ونجحت في الوصول خلال الوعد الصادق. تبدأ الصراعات الكبرى بين الدول القوية بالتراشق بالكلمات وتشكيل الرأي العام واستخدام القوة الناعمة، ثم تتطور إلى معارك متنوعة ذات طبيعة خاصة من أجل اختبار القوة ومعرفة حدود قدرات الأطراف. وفي لحظات معينة يحدث الانفجار وتلتهب كل جبهات القتال حتى يتمكن أحد الطرفين من حسم المعركة، وإن لم ينجح أحدهما في ذلك، فقد يمتد الصراع لفترات طويلة ما لم يصل الطرفان إلى صيغة تكفل لهما نوعًا من التعايش والمراهنة على الزمن وتغير موازين القوى، أو توفر ظروف أفضل. ويبدو أن إيران وإسرائيل تفضلان هذه الحالة في الوقت الراهن. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/26/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82-%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%85-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9
https://www.aljazeera.ne…C1080&quality=80
2024-04-26T10:57:01
2024-04-26T10:57:01
مقالات
2,232
باكستان.. صدمات ما بعد نتائج الاقتراع
التشظّي والتشتت في التفويض الشعبي الذي توزّع على أحزاب سياسية بهذه الانتخابات، حرم أيّ حزب من تشكيل الحكومة المركزية، وحتى حكومات الأقاليم الأربعة بمفرده.
شكّلت نتائج الانتخابات الباكستانية صدمةً حقيقيةً لدوائر سياسية وعسكرية وحتى إعلامية عدة، فعلى الرغم من كل العراقيل التي نُصبت لحزب الإنصاف الباكستاني بزعامة عمران خان، إلّا أنها لم تُفلح في هزيمة الحزب، الذي عاد إلى المعادلة السياسية الباكستانية بأقوى مما كان عليه، متحديًا العسكر والأحزاب السياسية، التي حجبت الثقة عنه في جلسة برلمانية في أبريل نيسان من عام 2022. التشظّي والتشتت في التفويض الشعبي الذي توزّع على أحزاب سياسية بهذه الانتخابات، حرم أيّ حزب من تشكيل الحكومة المركزية، وحتى حكومات الأقاليم الأربعة بمفرده، مما سيُفضي إلى فوضى سياسية وحُكمية؛ لأنها ستُرغم الأحزاب السياسية على التحالف مع بعضها، وربما على التحالف مع خصومها، لتشكيل حكومات ائتلافيّة، مما سيخضعها للابتزاز الحزبي والسياسي، فيدفع بذلك الثمن الشعب والمشهد السياسي الباكستاني برمته، مما يجعلنا أمام معادلة سياسيّة صعبة، في ظلّ واقع اقتصادي متدهور، وخواء في ميزانية الدولة، مع تراجع الروبية الباكستانية، وفوائد الديون المترتبة سنويًا على البلد. نواز شريف 74 عامًا والعائد من منفاه في لندن، أعلن في خطاب النصر- كما وصفه أتباعه- عن عزمه تشكيل الحكومة في باكستان، عارضًا على كل الأحزاب السياسية دعمه في ذلك، باستثناء حزب عمران خان صاحب الأغلبية شكّل تأخر الإعلان عن نتائج الانتخابات الباكستانية صدمة للداخل والخارج، وطالبت لجنة الانتخابات الأحزاب بالتوقّف عن الإعلان عن النتائج، مما أثار الجدل والخلاف في الأسباب الكامنة وراء هذه المطالبة، لاسيما وقد أتت بعد ساعات طوال من تأخر إعلان النتائج، والتي عُزيت لأسباب لوجستية وتواصلية، وهي أسباب غير مقنعة للشارع الباكستاني، حيث معظم الاتّهامات تشير إلى مساعٍ لتزوير الانتخابات لصالح نواز شريف، وذلك لحرمان عمران خان خصم المؤسّسة العسكرية من العودة إلى السلطة، وهو نفس عمران خان الذي اتّهم عام 2018 بالوصول إلى السلطة من خلال تزوير العسكر للانتخابات لصالحه. هذه الصدمة أتت مع تراجع ثقة الشارع الباكستاني بلجنة الانتخابات، فقد حلّت في المرتبة الثامنة للمؤسسات الباكستانية التي يثق بها رجل الشارع الباكستاني، إذ تصدر الجيش الباكستاني المرتبة الأولى، فيما تصدّرت المحكمة العليا المرتبة الثانية، أما الأحزاب السياسية، فجاء ترتيبها في المرتبة الثالثة، مما عزّز شكوك الشارع الباكستاني في كل ما يصدر عن لجنة الانتخابات الباكستانية، نظرًا لعدم ثقته فيها. الواضح أنّ سياسة الباب الدوّار هي ما يجمع السياسيين الباكستانيين، فبالأمس كان يُطلق على نواز شريف الابن المدلل للمؤسّسة العسكرية، وذلك منذ أن اختاره الرئيس الراحل ضياء الحق في السبعينيات وزيرًا لمالية حكومة البنجاب، ثم دعمه في انتخابات عدة، مكّنته من أن يشكل ثلاث حكومات باكستانية، وهو الأمر الذي عجزت عنه كل الأحزاب السياسية، فضلًا عن شخص مثل نواز شريف، الذي يستعدّ اليوم لتشكيل الحكومة الرابعة بعد سجن ونفي سياسي اختياري، امتد إلى 14 عامًا في لندن. المشهد السياسيّ اليوم هو فوز حزب عمران خان بـ 94 مقعدًا وحزب نواز شريف بـ 63 مقعدًا، بينما فاز حزب الشعب الباكستاني الذي قادته لعقود عائلة آل بوتو، ويقوده اليوم آصف علي زرداري زوج بي نظير بوتو، وابنها بيلاول بوتو بـ 50 مقعدًا، أما حركة المهاجرين القومية العنصرية في إقليم السند وعاصمته كراتشي فقد فازت بـ 14 مقعدًا، وتراجعت الأحزاب الإسلامية الباكستانية، فلم تفز جمعية علماء الإسلام بزعامة مولانا فضل الرحمن سوى بمقعدين، أما الجماعة الإسلامية الباكستانية فلم تفز ولا بمقعد واحد. نواز شريف 74 عامًا والعائد من منفاه في لندن، أعلن في خطاب النصر- كما وصفه أتباعه- عن عزمه تشكيل الحكومة في باكستان، عارضًا على كل الأحزاب السياسية دعمه في ذلك، باستثناء حزب عمران خان صاحب الأغلبية، ويبدو أن المشاورات بدأت بالفعل بين شريف وحزب الشعب الباكستاني لهذا الغرض، وهو تكتيك- على ما يبدو مدعوم من الجيش، ولكن التحدي الحقيقي هو صمود مثل هذه الحكومة الائتلافية في مواجهة الأعاصير والابتزازات السياسية التي عُرفت بها المعادلات السياسية الباكستانية في مثل هذه الظروف. فشلت كل الإجراءات التي صاحبت عملية ما قبل الانتخابات وأثناءها وما بعدها في استبعاد أقوى حزب سياسي باكستاني، وعملًا بنظرية فيلسوف التاريخ البريطاني أرنولد توينبي -وهي نظرية التحدي- فإن الشارع الباكستاني مع كل ضغوط تمارس على عمران خان وحزبه، يصعّد الشارع وخاصة فئة الشباب 18- 35 عامًا من تحديهم للعسكر بالالتفاف حول عمران خان المسجون، بتهم وأحكام ثلاثة وُجهت له خلال أسبوع فقط قضت بسجنه ثلاثة عقود، بل وإن أحد الأحكام صدر قبل يومين تقريبًا من توجّه الناخبين لصناديق الاقتراع، مما أرسل رسائل تخويف وضغط لمؤيديه. ومع تقدم عمران خان قائمة الفائزين على لوائح المستقلين، إذ إنه لم يسمح لحزبه بالمشاركة تحت لافتة الحزب، وحتى شعار الحزب في الحملة الانتخابية، وهو عصا الكريكيت قد تم سحبه، ولكنه مع هذا كله تقدم كل الأحزاب السياسية، مما أوقع المعادلة السياسية الباكستانية في مأزق حقيقي، إذ لا يمكن تشكيل حكومة بدونه، فمعارضته ستكون قوية ومؤثرة على أي حكومة مقبلة، فجعل بذلك المرشحين الفائزين بالانتخابات المُسمَّين بالمستقلين الداعمين لحزب الإنصاف بيضةَ قبان حقيقية. ولكن نواز شريف واجه المشهد هذا باللجوء إلى مناشدة الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومات ائتلافية، وهو ما يعني بالتأكيد فوضى سياسية، ستنعكس سلبًا على أداء الاقتصاد الباكستاني، بالإضافة إلى مخاطر من تدخلات عسكرية مقبلة في شؤون الحكومة، تفضي لاحقًا لانتخابات مبكرة، إذ إن التشتت في التفويض لا يقتصر على تشكيل الحكومة الفدرالية المركزية في إسلام آباد، وإنما سيمتد إلى الحكومات المحلية في الأقاليم الأربعة من السند أكبر الأقاليم الباكستانية، حيث يحتاج حزب الرابطة الإسلامية بزعامة شريف المتقدم في النتائج هناك لأحزاب أخرى، ونفس الأمر لحزب عمران خان في إقليم بختون خواه وعاصمته بيشاور، وكذلك حاجة شريف لدعم قوى أخرى في إقليم بلوشستان، تمامًا كحاجة حزب الشعب لحلفاء في تشكيل حكومة محلية بإقليم السند وعاصمته كراتشي. لعل أكثر ما يُميز هذه الانتخابات هو تراجع الأحزاب السياسية الباكستانية التقليدية التي طبعت المشهد لأكثر من نصف قرن، ولعلَّ هذا التراجع بدأ في الهند وسريلانكا وبوتان وغيرها من المناطق التي كانت من أملاك الإمبراطورية البريطانية. وقد جرت العادة أن ما يحصل في منطقة سينعكس بالتأكيد على المنطقة الأخرى، فمنذ تراجع حزب المؤتمر الهندي بزعامة آل غاندي وتقدّم حزب جاناتا بارتي الهندوسي المتطرف، والخبراء يقرؤون الحدث في سياق إقليمي أبعد من الدولة الحاصل فيها، مما سينعكس على الأحزاب التقليدية الأخرى، حتى لمسناه في سابقة سياسية باكستانية غير معهودة، بأن يدعو شريف خصمه التقليدي حزب الشعب لتشكيل حكومة ائتلافية، لمواجهة حزب يعتبر حديث الولادة- مقارنة بتاريخ حزبيهما العتيدين- وهو حزب الإنصاف، الذي لم يمضِ عليه عُشر مدة تاريخ الحزبَين التقليديين. مبادرة نواز شريف هذه تعكس القوة والزخم اللذين يحظى بهما عمران خان وحزبه، يعززهما مخاوف الحزبين الرئيسيين من الحزب الناشئ الصاعد كالصاروخ، وبالتالي وجدا الحال بضرورة تحالفهما في مواجهته، مما يعني أنه في الانتخابات المقبلة سيكونان بعيدين عن المعادلة السياسية الباكستانية، تمامًا كما خرج حزب المؤتمر الوطني الهندي من المعادلة السياسية الهندية. استطلاع غالوب لقياس الرأي الشهر الماضي أظهر أن شعبية عمران خان تصل إلى 57 مقارنة بالشخصيات السياسية الباكستانية الأخرى، وفي ظل تضخم اقتصادي بلغ 30، سيجعل ذلك تشكيل أي حكومة باكستانية بدون عمران خان وحزبه، حكومة تفتقر إلى المصداقية، نتيجة غياب التفويض الشعبي الكافي لها، لاسيما شريحة الشباب التي تشكل أساس ولبّ وجوهر حزب الإنصاف بزعامة عمران خان، الذي يراقب ذلك كله من زنزانته. هذا الواقع السياسي والاقتصادي المضطرب جعل بعض الخبراء يتساءلون فيما إذا كان الجيش الباكستاني قد ندم على الانقلاب على عمران خان يوم أطاح به من خلال دفعه بعض أدواته لحجب الثقة عنه عام 2022، ولكن المؤسسة العسكرية التي تعيش عقدة المنقذ للبلد، كونها حكمت باكستان نصف عمرها، بينما مارست دورها في النصف الآخر من خلال أدوات السلطة، وهي القضاء والأحزاب السياسية والإعلام، فكان انقلابًا هجينًا كما يحلو للبعض وصفه هذه المؤسسة اليوم تُعول على نواز شريف؛ نظرًا لكونه من رجال الأعمال الذين يثقون به على الرغم من تهم الفساد التي سجنته وأبعدته عن السلطة، لكنه يظل أيضًا مدعومًا من دول خليجية، يمكن التعويل عليها في تخفيف الواقع الاقتصادي المزري، حيث وصل التضخم في الفترة الأخيرة إلى 30. ولكن ستظل الأيام المقبلة مهمة في تحديد هُوية الحكومة المقبلة، وتحديد أولوياتها الاقتصادية والسياسية، مع ضرورة مراقبة عنصرَي المعادلة السياسية الباكستانية المهمّين اليوم، وهما الجيش وعمران خان. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/19/%d8%a8%d8%a7%d9%83%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%b5%d8%af%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d9%86%d8%aa%d8%a7%d8%a6%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%b9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-19T06:54:24
2024-02-19T06:54:24
مقالات
2,233
فرص وتحديات ومخاطر أمام الثورة السورية
يأتي النظام الجديد تعبيراً عن إرادة شعبية عارمة، بينما لا يكاد النظام السابق يجد من يأسف عليه؛ وهي فرصة مهمة لإحداث تغييرات جذرية وعاجلة، وحسم عدد من القضايا وعلاجها في فترة قصيرة.
تتميز الثورة السورية بأنها أوَّل ثورة مكتملة الأركان منذ الربيع العربي، وأنها ثورة قادرة على إحداث تغييرات جذرية في بنية النظام، بما يوفر فرصًا حقيقية لحالة صعود نهضوي كبير. غير أنّ هذه الثورة تواجه تحديات ومخاطر كبيرة، بعضها داخلي، ويزيد من حِدّتها موقع سوريا الإستراتيجي وثرواتها، وكونها دولة مواجهة، وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية تجاهها. تتمثل أبرز عناصر قوة نظام الحكم الجديد في دمشق بامتلاكه للثلاثي الذهبي، في قيادة الدولة وبناء نظام جديد، وهي العدالة الانتقالية، وعناصر القوة الخشنة، وعناصر القوة الناعمة. كما أن هناك فرصًا تدفع باتجاه نجاح الثورة حيث يمكن من خلالها إنشاء محاكم ثورية ونظام قضائي مَعنِي بتفكيك الدولة العميقة السابقة، ومعاقبة أو تحييد رموزها، والحيلولة دون تمكّنهم من تعطيل الثورة، أو إفراغها من محتواها، أو تشويهها، أو حرف بوصلتها، أو العودة للبروز تحت روافع ومسميات جديدة. ويجب أن تكون ثمة معادلة حكيمة وحازمة، تسمح بأجواء من التسامح وطي صفحة الماضي، وتجاوز العصبيات الطائفية والعرقية؛ ولكنها في الوقت نفسه تقتلع أكابر مجرميها ورموز فسادها، وكوادر منظومة نفوذها الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والإدارية. القوة الخشنة تتمثل في فرص إنشاء جيشٍ وطني مستوعبٍ لجميع المخلصين لسوريا الجديدة، وقائمٍ على حماية الوطن، وحماية عقيدة الأمة وتراثها وقيمها، ومُتشرّبٍ لمعاني الانتماء للأمة والدفاع عن قضاياها. وإنشاء أجهزة أمنية تحمي حرية الإنسان وكرامته وحقوقه، وتُحصّن البلد من الأعداء والخصوم، كما تحمي القيم والأخلاق، وتواجه أشكال الفساد والانحراف الاجتماعي. تتمثل في فرص الإمساك بالمفاصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، بحيث تصبُّ في خدمة الدولة الجديدة، ويحكمها دستورٌ يصون النظام الجديد، ويجعل اللعبة السياسية ضمن شروط وبيئات تُفسح مجالات الإبداع والتطوير والتداول القيادي، ولكنها في الوقت نفسه تحمي الدولة الجديدة من المُتسلِّقين والعناصر الانتهازية، والمال السياسي والتدخل الخارجي وأعداء الثورة. يأتي النظام الجديد تعبيرًا عن إرادة شعبية عارمة، بينما لا يكاد النظام السابق يجد من يأسف عليه؛ وهي فرصة مهمة لإحداث تغييرات جذرية وعاجلة، وحسم عدد من القضايا وعلاجها في فترة قصيرة. الشعب السوري زاخر بالطاقات والكفاءات المتميزة، وقد استفاد في أثناء معاناته في مواطن اللجوء في بناء مئات الآلاف من القدرات والخبرات في شتى مجالات الحياة؛ حيث إن عودتها واستيعابها، وتوفير بيئات الحرية والإبداع المناسبة، سيوفر قفزات نوعية في مشروع النهوض والارتقاء. توجد فرص كبيرة في الاستفادة ممن يرغب في البقاء من المغتربين، خصوصًا من تحولهم إلى سفراء ولوبيات ضغط لبلدهم، ومن تحويلاتهم المالية، إذا ما وجدت أنظمة بنكية ومالية شفافة وفعالة، وبيئات استثمار مشجعة. سابعًا تملك سوريا ثروات طبيعية، وموقعًا إستراتيجيًا، ومواقع سياحية وأثرية، وموانئ بحرية، تُمكنها من الوقوف على رجليها بسرعة كبيرة إذا ما أحسن التعامل معها. ثامنًا لدى القيادة فرصة قوية في اجتثاث الفساد من جذوره، خصوصًا أنه مرتبط بالنظام السابق وأدواته؛ وبالتالي لا يصعب بناء منظومة مؤسساتية وإدارية جديدة نظيفة وفعالة. تاسعًا لعل الخبرات التي اكتسبها الثوار في إدارة منطقة إدلب لعدة سنوات كانت عيِّنة اختبارية ستدفعهم خطوات للأمام في الانتقال لإدارة الدولة، مقارنة بالثورات التي تنتقل من الثورة إلى الدولة مباشرة، والتي لا يُتاح لعناصرها اكتساب حدٍّ معقول من الشروط الضرورية لإدارة الدولة. تواجه الثورة السورية تحديات ومخاطر كبيرة، يمكن أن تعصف بها إن لم تملك الرؤية الواضحة، والقدرة على المبادرة، والمسارعة لملء الفراغ، والتعامل بالجدية والحزم والحكمة اللازمة معها. بل وسيلجأ أعداء الثورة والانتهازيون تحت هذا الغطاء إلى رفع سقف المطالبات وتحريض المواطنين، وسيضخِّمون الأخطاء؛ وما سكتوا عنه ستين عامًا تحت حكم البعث سيلجؤون للتشنيع على الثورة بسببه إن لم يتحقق في أيام. وسيسعى بعض المنتفعين من الاستقطاب الطائفي والعرقي الداخلي إلى ركوب موجات التحريض العلوي والدرزي والسني والكردي، كما ستسعى قوى خارجية إقليمية ودولية، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني لإذكاء أجواء الفتنة والانشقاق الداخلي، وتفجير الأزمات، بل وحتى افتعال أحداث قتل وتفجيرات واغتيالات، للدفع باتجاه تمزيق البلد من جديد؛ وصناعة رموز طائفية في مواجهة رموز الدولة، وتهيئة أجواء الانفصال أو فرض حكم ذاتي بشروط تُضعف الدولة والهوية الوطنية. وصحيح أن الثورة قادتها فصائل إسلامية، غير أن عشرات السنوات من الحكم العلماني الدكتاتوري الطائفي، واللجوء السوري بالملايين في المهجر، قد فتح المجال لرؤية سوريا المستقبل في قوالب مختلفة إسلامية أم علمانية أم في المزج بينهما بدرجة أو بأُخرى، وفي تعريف سوريا لنفسها في بيئتها العربية والإسلامية والدولية، ودورها تجاه قضايا أمتها، وفي درجة انكفائها المحلي القُطري أو انفتاحها الإقليمي؛ خصوصًا أن التحديات المحيطة بها لن تتركها حتى لو أرادت هي نفسها أن تنكفئ على ذاتها. وستسعى القوى الإقليمية والدولية إلى استخدام كافة وسائل النفوذ التي لديها لتوجيه بوصلة الحكم بما يتوافق مع معاييرها. وكما لاحظنا فإن هذه القضية كانت من أولى القضايا التي تمت محاولة تحريك الشارع لأجلها، ونزلت أولى المظاهرات بعد أيام من انتصار الثورة تنادي بشعارات علمانية الدولة، وهو مدخل مثالي للقوى المضادة للثورة يجد صدى ودعمًا إقليميًا ودوليًا. وقد يظن البعض أن إبقاء حالة الغموض فيه مصلحة، غير أن ذلك سيكون أكبر مدخل لإفراغ الثورة من محتواها، وحرف بوصلتها والقفز عليها؛ وسيكون حسم الهوية والبوصلة في إطار حضاري تشاركي استيعابي متسامح، أحسن ألف مرة في حشد وتحفيز الغالبية الساحقة من الشعب، وترسيخ بنية الدولة الجديدة، وتحصين الثورة، وقطع ألسن المرجفين والمشككين. ولعل الأولى بالنظام الجديد أن يحسم مبكرًا الهوية العربية الإسلامية للدولة، وانسجامها مع دينها وتراثها وحضارتها، وقضايا أمتها وعلى رأسها قضية فلسطين. وأخيرًا، فالشعب السوري قدم تضحيات هائلة، ومن حقه أن يقطف ثمار تضحياته، وثمة تجربة جديدة تستحق التشجيع. وصحيح أن المخاطر كبيرة، لكن الفرص المتاحة غير مسبوقة. والسوريون في كل الأحوال لا يملكون ترف الخيارات السهلة؛ وإن أجواء الدعم والثقة بالله مع الحذر الواجب يجب أن تحكم المسيرة، وليس أجواء الإحباط والتثبيط. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/12/24/%d9%81%d8%b1%d8%b5-%d9%88%d8%aa%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d9%85%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%b1-%d8%a3%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-12-24T12:59:13
2024-12-24T12:59:13
مقالات
2,234
7 محاور فاصلة ستؤثر على نجاح التحول في سوريا
سوريا الجديدة تواجه تحديات بناء دولة مدنية تعددية تحترم الحريات والحقوق، مع ضرورة كبح التطرف، تجنب الاستقواء بالخارج، والتعلم من تجارب الربيع العربي، وسط توقعات عربية بنجاحها.
لسوريا مكانة خاصة في فكر ووجدان كل عربي، سواء كان علمانيًا، أو قوميًا، أو إسلاميًا أو أيًا ما يصنف أحد نفسه، ذلك أن لكل منهم تاريخَه في هذا البلد، فإمبراطوريتهم الأولى الدولة الأموية كان مركزها الشام، وأفكارهم وحركاتهم القومية واليسارية الوطنية والإسلامية والشعر والفنون كان للشام مساهمة مميزة فيها. وقد كانت ثورة الشعب السوري الأخيرة مصدر إلهام للكثيرين منهم. لذلك وغيره ظهر اهتمام واضح بعد سقوط نظام الأسد بمستقبل سوريا، وما يمكن أن يكون عليه شكل الحكم فيها. تلاقت آراء الجميع على حق الشعب السوري في الحرية والكرامة، وعبروا عن أملهم بأن يتمكن الشعب السوري من بناء دولة الحقوق والحريات، والسيادة الوطنية، والإرادة الشعبية. غير أن التباين حول المستقبل، والمخاوف من توجّهات المكونات السياسية والاجتماعية، سرعان ما طفت إلى السطح. وفتح النقاش حول سوريا المستقبل وطبيعة وهوية الدولة فيها، وسارع العلمانيون السوريون والعرب إلى المطالبة بدولة علمانية، فيما رأى الإسلاميون بأن هوية الثوار وغالبية الشعب السوري واضحة، وأن إسلامية هوية الدولة هي أمر واقع. هذا التباين يحتّم على كل المكونات السياسية، الإسلامية منها والعلمانية، المحافظة والليبرالية أن تتصرف بمسؤولية عالية، وأن تتعظ بالتجاذب المشابه الذي حدث في غير دولة ومكان. ولعل من المفيد في هذه اللحظة الوقوف على بعض القضايا التي ستؤثر على التحول في سوريا ومستقبلها السياسي، بعد نجاح ثورتها في إسقاط نظام الأسد، والأمل في نجاحها في بناء الدولة التي يرنو لها السوريون والعرب. ينبغي أن يدرك العلمانيون والإسلاميون أنهم لا يمتلكون الحقيقة المطلقة، وما لديهم من أفكار ومناهج وطرق حول الحكم وإدارة شؤون الناس وإقامة الدول، هي تجارب بشرية نسبية الصواب، وهي في الحالة السورية فقيرة إلى التجربة ولم تختبر بعد، وهو ما يستدعي التواضع في طرح الأفكار والمقاربات. وفي ظل محدودية المعرفة والتجربة والخبرة لدى الجميع، فإن التسامح مع الآخر وما لديه من أفكار، وإعطاء الفرصة الكافية لاختبار ما لديه من ادعاءات، أمر ذو أهمية قصوى، بل لا مفرَّ منه. وليكن التأثير المتبادل على المناهج والأفكار والأداء بالوسائل الحضارية والقانونية، ولنطور تجربتنا الخاصة بالتدافع والتنافس والنقد الإيجابي. فلا يحق للعلمانيين اليوم أن يطالبوا إسلاميًا وصل إلى الحكم عن طريق الثورة أن يطبق ما لديهم من أفكار، ويقصي ذاته وفكره. كما لا بدّ للإسلامي، وهو في سدة الحكم، أن يعطي الآخرين المساحة والفرصة الكافية ليعرضوا على الناس ما لديهم من أفكار وقيم، ويكون الشعب هو الحكم على الأداء. لقد قامت الثورة ابتداء لمنح الناس حريتهم كاملة، والحرية هي القيمة العليا التي تحرك الناس من أجلها، وهي المبرر الذي منح الثورة شرعيّتها، وعليه فإن إعطاء الجماهير حرية المفاضلة بين البرامج والأحزاب والجماعات، هو حق وواجب. ولا ينبغي لأي طرف كان أن يدّعي الوصاية على الشعب كونه يعتقد أنه يمتلك الحقيقة، أو الأصلح والأصوب للشعب ومستقبله. إن قبول الآخر كما هو شرط التعددية والعمل السياسي، وأي محاولة لنفي الآخر، تعني إعادة إنتاج نظام الاستبداد بحُلة جديدة. يجب الاستفادة من تجارب الربيع العربي، ومحاولات التغيير خلال العقد الماضي، وإبداء الجدية في العمل مع الجميع، والاستفادة من كل الطاقات، وعدم الإقصاء، وتحصين الداخل بمكوناته المختلفة من التدخلات الخارجية، والاصطفافات الإقليمية. فقد كان التفرد والتفرق والانتهازية، والأحكام المسبقة، والفجور في الخصومة السياسية، والاستعجال في قطف الثمار المتوقعة أو المتوهمة، كل ذلك بموازاة قلة الخبرة والتجربة السياسية التي عانى منها الجميع، كنتيجة منطقية للعيش في ظل الدولة الشمولية لعقود طويلة، مَقاتِل قضت على الكثير من الفرص التي لاحت أمام شعوب المنطقة للانتقال إلى حقبة تاريخية جديدة، والتخلّص من الاستبداد والفساد والجهل. الكعكة السورية لم تنضج بعد، ويحيط بها مخاطر هائلة، داخلية وخارجية. هذه المخاطر تدعو إلى الحرص ابتداءً على إنجاح التجربة واستقرار البلد وإعادة بنائه، ومن ثم فليدخل الجميع إلى حلبة المنافسة المشروعة على الحكم والنفوذ والمكانة، التي لا ينبغي أن يكون لأحد القدرة على منحها سوى الشعب السوري، صاحب الحق الحصري في منح الشرعية ونزعها. هذه القضية تعني الجميع، لكن الفصيل الحاكم اليوم جبهة تحرير الشام أو الإسلاميون هم المعني الأول بها. فالوقوع في فخ الرغبة في الاستئثار والهيمنة وتهميش الآخرين سيكون مدخلًا لتقويض التجربة، ويفتح الباب لكل المتربصين والخائفين للتدخل السلبي في البلد. بالاستناد إلى تاريخ الدول الغربية الطويل في التعامل مع قضايا العالم الثالث، وبأخذ العبرة من مواقفها تجاه دول الربيع العربي، فإن الغرب، في غالبيته العظمى، منافق ومعادٍ للتغيير في منطقتنا، ولا يدعم حرية الشعوب وامتلاكها إرادتها الحرة، وهو داعم بكل قوة للاستبداد والأنظمة الشمولية. وكل ما يردده من شعارات حول الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، إنما هي سلسلة لا تتوقف من الأكاذيب. وهو لا ينظر لمنطقتنا ودولها إلا في إطار المصالح والأهداف والمشاريع الإمبريالية. وعليه فلا ينبغي انتظار الدعم من أي من الدول الغربية، بل لا بد من الوعي بأهدافها وسياساتها، ووضع الخطط وتهيئة الذات للتصدي لأدوارها التخريبية. وملفات تدخلها الفجة حاضرة دومًا المرأة، والأقليات، وحرية التعبير... إلخ، وهي قضايا في غاية الأهمية والحساسية، وعلينا في العالم العربي والإسلامي أن ننتج فلسفتنا ومفاهيمنا وقيمنا وآلياتنا الخاصة في التعامل معها والتي تعبر عن قيمنا ومفاهيمنا القادرة على إنتاج مقاربات حضارية ومنصفة وعادلة للتعامل مع هذه القضايا وغيرها. هذا السلوك هو وصفة قاتلة للتغيير، ولمن يقدم عليه أيضًا؛ إذ غالبًا ما تستقوي بعض الجهات المحلية من مؤسسات وأقليات بالدول الغربية تحت ستار الدفاع عن الحقوق الأساسية كحقوق المرأة والأقليات، وهو ما يفتح الباب واسعًا على التدخل الخارجي، السلبي غالبًا، ويعقد المشهد الداخلي، ويزيد من حالة العداء والاستقطاب. الأطراف المرشّحة لذلك في الحالة السورية هي بالأساس القوى العلمانية وقوى المجتمع المدني والأقليات، وبعضها بالفعل يتحرك الآن تحت الحماية الخارجية، والبعض الآخر يحاول استجلابها. ولعل المثال الأهم الذي ينبغي أن يشكل عبرة لكل المستقوين بالخارج هو نظام الأسد ذاته الذي لم يستند يومًا في شرعيته لشعبه، واعتمد وبالذات خلال سنوات الثورة على الدعم الأجنبي، ولعل نهايته الدراماتيكية تشكل درسًا لكل من يبحث عن شرعية حكم أو مشاركة بعيدًا عن الإرادة الوطنية الشعبية. هذه الدولة بوصفها أداة إمبريالية وكيانًا استعماريًا استيطانيًا غريبًا عن المنطقة وتاريخها وهويتها الثقافية والسياسية، هي عدو الجميع في سوريا وعموم المنطقة، حتى وإن طبّع معها من طبع، وصادقها من صادق، فالشعوب تدرك جيدًا أن لا عدوَّ مشتركًا لها في المنطقة سوى إسرائيل، وعليه فالبحث عن حماية أو تعزيز نفوذ بالتعاون معها، أو الاعتماد عليها، هو جريمة لا ينبغي لأحد أن يقترفها. وبالذات عندما ندرك أن التصور الإسرائيلي المعلن لسوريا الجديدة هو التقسيم، ودعم إنشاء كيانات متعددة في البلاد، مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى، وهو تصور ينسجم مع رؤية قائمة على إعادة تفتيت المنطقة، وبناء كيانات وأنظمة الأقليات، كي تنفي إسرائيل عن نفسها صفة الشذوذ بوصفها جزءًا من منطقة قائمة على فكرة كيانات ودول الأقليات. المشترك الذي ينبغي العمل وفقه والإصرار على تحقيقه هو بناء دولة مدنية تعددية تضمن الحريات للجميع، وترعى حقوق جميع المواطنين بوصفها دولة مواطنة، توفر لكل أبنائها الأمن والرعاية والفرص المتساوية. إن مدنية الدولة، التي تشكل نقيضًا للاستبداد والحكم العسكري والشمولي، هي قضية مشتركة في الفكر الإسلامي والوطني والعلماني. ولا ينبغي أن تشكل هوية الدولة أزمة داخلية، كما أن أية محاولة لبناء نظام سياسي مغاير، ستشكل مدخلًا للكثير من القوى الداخلية والخارجية لتعطيل التجربة، وقد تقود إلى تمزيق سوريا والحيلولة دون تعافيها وانتقالها لمرحلة جديدة. ولا شك أن العبء الأكبر في هذه القضية يقع على عاتق من يتولون زمام الأمور اليوم، ومن يمتلكون النصيب الأكبر من القوة، ويسيطرون على مقاليد السياسة والجغرافيا، فنجاح السيد أحمد الشرع وفريقه في التعامل مع هذه القضية أمر حاسم في عبور سوريا الآمن نحو المستقبل. إنّ الانزلاق إلى حالة من الاشتباك أو التصادم السياسي أو العسكري يعني الفشل الحتمي، وإن الاغترار بالقوة والإمكانات المحلية يشكل خطرًا لا يقل عن الاستقواء بالخارج لجلب الدعم. لا شك أن جميع المكونات السياسية والاجتماعية السورية أمام اختبار تاريخي، فإما أن تنجح في تقديم مصلحة بلدها وشعبها ومستقبلها وتدفع باتجاه نجاح هذه المحطة التاريخية الفاصلة، أو أن تقدم مصالحها الضيقة فتجني على التجربة وتفوت اللحظة التاريخية، كما حدث في أكثر من دولة عربية. ولا بد أن مختلف الأطراف في سوريا يدركون أن شعوب المنطقة ومكوناتها السياسية ينظرون إلى سوريا، وينتظرون منها أن تقدم لهم تجربة ناجحة تفتح لهم باب الأمل من جديد، وهو ما يضاعف من المسؤولية الملقاة على عاتقهم. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2025/1/22/7-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%88%d8%b1-%d9%81%d8%a7%d8%b5%d9%84%d8%a9-%d8%b3%d8%aa%d8%a4%d8%ab%d8%b1-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%86%d8%ac%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d9%88%d9%84-%d9%81%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2025-01-21T22:56:46
2025-01-21T22:57:03
مقالات
2,235
أجيال الطوفان... هذا زمانكم
انتعشت الأحلام حين اندلعت الانتفاضة الأولى عام 1987، لكنها ما لبثت أن تراجعت حين دخلت القيادات الرموز على الميدان، وأفسدت بالمال كل شيء. ومع ظلام أوسلو لم يعد الواحد منا يتبين الطريق.
دعوني أولًا أعرب عن أسفي إذ ارتكبت في مقال سابق خطأ لن أنساه أبدًا حين اقتطفتُ جزءًا من كلام مترجم للعربية من مقال نسب تزويرًا لكاتب بريطاني، قيل إنه نشر في جريدة بريطانية، وتبين أنه غير صحيح، وأخطأت عندما استشهدت به في المقال. لقد تعجلت لأني وثقت بمن أرسله لي من دون أن أبحث وأخطأت، ولا أملك إلا أن أعتذر، وأن أتعلم، وليس في هذا عيب، وأرجو أن أنال العفو من الله أولًا، والسماح منكم. ولعلي لا أجد مسوغًا أو تفسيرًا لخطأ يرتكبه مَن عمِلَ في الصحافة عقودًا متتالية، إلا التسرع والثقة الزائدة عن الحد في المصدر، فارتكب مثل هذا الخطأ، وهو يعلم أن ما يأتي على وسائل التواصل الاجتماعي ليس موثوقًا، وينبغي التحقق منه، ولكننا بني البشر- لا بدَ أن نَخْطَأ، لأن من المستحيل لنا أن نبلغ مرتبة الكمال، فهي لله وحده، خلقنا هكذا كي نظل نعمل للارتقاء والإتقان والإحسان وهي أعلى مراتب العمل الإنسانيّ. هكذا هي حياتنا محطات نتعلم منها حتى حينما نخطئ. وكلما امتدّ بنا العُمُر وراجع الواحد منا ما فات من العمر، يتمنى لو أنه ما فعل بعض الأمور، ولكن هيهات، وما يهم هو تعديل المسار، وتصحيح المنهج حين يجانب صاحبه الصواب، حتى ينقل تجربته بأمانة لمن بعده. والعبد لله من جيل النكبة، وُلد بعدها بعام أو يزيد قليلًا، وعاش آلامها واكتوى بأوجاعها طفلًا وصبيًا وشابًا، وما زال وهو في منتصف العَقد الثامن من العمر يتلوّى وهو يرى أمّة كاملة لا تحرك ساكنًا لنجدة غزة وفلسطين. ما أشد هذا الألم ولن يعرفه إلا من عاش عمره من دون أن يعرف معنى الوطن المستقل. بعد منتصف الخمسينيات أصبحت صبيًا يرود المراعي مع أترابه، يسوقون صغار الماعز والخراف إلى الوُدْيان وإلى رؤوس التلال والجبال. وفي يوم صافٍ على قمة جبل المزار شمال قريتنا كنا نرى زرقة مياه البحر المتوسط. وإن صعدنا يومًا قبل الغروب كانت ضياء الشمس تنعكس صفراء من على صفحة الماء. كنت أمعن النظر وأحاول تخيّل الشاطئ والبحر، ولم أكن قد رأيت بحرًا من قبلُ، ولا وقفت عند شاطئ. وكل ما عرفته وسمعته عن ذلك البحر وتلك الشواطئ في فلسطين بضع عبارات وشهادات عيان كان جَدّي يقصها، وقد كان يرعى الغنم فوق تل الربيع قبل أن يصبح اسمه بالعبرية تل أبيب، وأبيب هي النطق المعرب لكلمة أفيف العبرية، ومعناها الربيع إن شئت ترجمتها. ويكبر الصبي وكلما توسعت معارفه في المدرسة عن الوطن السليب، كما اعتدنا وصفه، توسعت آفاق خياله وما فيه من صور. عن يافا وشواطئها وعن عكا وأسوارها، وعن طبريا وصفاء مياهها، وعن اللد ومطارها، وعن حيفا ومينائها، وعن جبال الجليل وشموخها، وعن مرج ابن عامر وخصبه، وعن السهل الساحلي وبهائه، وعن غزة وعزتها، وعن النقب وقبائله، وعن أم الرشراش ودفئها، وعن البيارات وبرتقالها، عن كل الوطن المستلب منذ أن ولدت كم كنت أمني النفس لو أني أستطيع أن أسوق قطيع أغنامي يومًا وأرعاها فوق تل الربيع، وأنام حيث كان جَدي ينام. كم تمنيت لو أني أتقن السباحة في البحر فأعوم في المياه التي تغسل يافا فيها أخمصيها. كم تمنيت لو أني أصعد إلى قمة جبال الجرمق وقد تعلمنا أنه الأعلى في فلسطين. كم تمنيت لو أني أرى الكرمل وميناء حيفا الشهير. كم تمنيت وحَلَمت، ثم صحوت في يونيوحزيران 1967 وأنا شاب وقد وُئِدَت كل أحلامي وأصبح الوطن كله مستلبًا. بعد شهور قليلة أصبح بإمكاني أن أعبر إلى ما كنت أتمنّى أن أراه. ركبت حافلة من حافلاتهم وذهبت. مررنا بكفر قاسم ورأس العين واللد والرملة حتى يافا وتل أبيب. هل تحققت أحلامي؟ أم ليتها ظلت خبيئة في الخيال فالحلم الخبيء المَوْؤُود أرحم من الواقع المرير. على الشواطئ قوم منكرون حتى الرمل يستنجد بمن يريحه من وقع أقدامهم. وعلى تل الربيع، حيث رعى جدي أغنامه ثمة عمران غريب على الأرض وعلى التاريخ. اختفت بيارات البرتقال واختفى سوق اللد وألوف الجمال ورؤوس الماشية تساق إليه من أصقاع الجزيرة والهلال الخصيب، واختفت مئات القرى فلا تكاد ترى لها من باقٍ، اختفى العقال والقمباز ودماية السرتلي وارد الشام وحلب، اختفت الأزياء النسائية التقليدية الجميلة، صمتت الزغاريد وتكبيرات المآذن، وسكتت صيحات الباعة والمتسوقين. هل تحقق شيء من أحلامي الأولى؟ لا ما هكذا تتحقق الأحلام، ولا أنا وجيلي من أولئك الذين يمكن لهم القول إنهم حققوها. مضت الأيام كما شاء الله لها أن تمضي ولا نقدر أن نوقفها. غادر الشاب الأمرد القرية والمراعي والشويهات التي أحبها وما زال يحنّ إلى ثغائها وغاب وراءه جبل المزار وتعامير التين والزيتون وبيادر الغلال. غاب منظر أمي تنسج الأطباق من قشّ بيدرنا تلونه بأجمل الأصباغ. غابت ورائي كف يد أبي الخشنة تقبض على كابوس المحراث، وتناهى صوت خشخشة المناجل في مواسم الحصاد. غاب خوار بقراتنا، ونهيق حمارنا وعواء كلاب حيّنا ونقيق دجاجاتنا ودُخَان التنور الطابون يملأ الفضاء. غابت تواشيح أبي محمود على الربابة في الديوان ليالي الصيف. غاب العيد وتكبيراته وأضاحيه، وقبر جدي وجدتي وأخي نزورهم بعد الصلاة، وكم كان القرش في العيد خيرًا وفيرًا ننتظره بلهفة. غابت أشياء كثيرة وغدت مجرد صور تكتنز بها الذاكرة، أما الأحلام العتيقة فظلت خبيئة يخشى صاحبها أن يبوح بها في الغربة ولا يَسْمح لها في دنيا الاغتراب، وحتى حين يعود صيفًا إلى الوطن، أن تتقد كما كانت تفعل في الصبا، وقبل أن يُسْتَلَبَ الوطن كاملًا. كان الاحتلال يضغط ليطمسها بحواجزه وسجنه وتحقيقاته وأفعال عملائه القذرة. وكانت إخفاقات الثوار ورموزها أشد وطأة في أحيان كثيرة على تلك الأحلام، وربما تدفع صاحبها إلى القنوط واليأس. انتعشت الأحلام حين اندلعت الانتفاضة الأولى عام 1987، لكنها ما لبثت أن تراجعت حين دخلت القيادات الرموز على الميدان، وأفسدت بالمال كل شيء. ومع ظلام أوسلو لم يعد الواحد منا يتبين الطريق. لم يكن ذلك حالي وحدي بل حال أجيال وأجيال لا بد أن تسأل اليوم أنفسها لماذا فشلنا نحن أهل الأرض أولًا؟ ولماذا فشلت الأمة من حولنا؟ وكيف نخرج من وَهْدتنا وماذا نفعل؟ ظلت هذه الأسئلة حائرة حتى أضاءت غزة الدنيا بنور طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر تشرين الأول. قال لنا حامل قذيفة الياسين الجواب يسير ومباشر وواضح المقاومة. وقال لنا طفل من غزة يحفظ كتاب الله الهوية. وقالت لنا أم من غزة التوكل على الله. قالت لنا غزة ادخلوا عليهم الباب وإنه لجهاد، نصر أو استشهاد. هذه هي الأجيال التي يحق لها أن تقول ها نحن بدأنا نحقق أحلامنا، أجيال الطوفان. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/4/%d8%a3%d8%ac%d9%8a%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%88%d9%81%d8%a7%d9%86-%d9%87%d8%b0%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-02-04T07:32:09
2024-02-04T07:32:09
مقالات
2,236
حلّل يا دويري.. المعنى والعلاقة برسالة أبوعبيدة
“اللواء الدويري”، في تحليله “المهني” لما يدور في غزة، من منظور عسكري، إستراتيجي، يبث الأمل وينشر الرجاء والثقة بأنَّ انتصار المقاومة قادم، لا محالة، على عكس ما يروّجه الانهزاميون العرب ودعاة التطبيع.
حلّل يا دويري؛ نداء أطلقه بأعلى الصوت مقاتل من أبطال المقاومة الفلسطينية البواسل في قطاع غزة؛ فرحًا، وسعادةً بما أنجزه باستهداف عشرة جنود لجيش الاحتلال متحصنين في بناية بمنطقة جحر الديك، وإيقاعهم بين قتيل وجريح. الدنيا كلها، سمعت المُقاتل قاصدًا، مُناداة الخبير العسكري الأردني اللواء فايز الدويري، الذي يطل مرات عديدة يوميًا من شاشة قناة الجزيرة التي اختارت- دائمًا- الوقوف بما لها من ثقل إعلامي، إلى جانب الشعب الفلسطيني، ومقاومته، في قضيته العادلة، دون التخلّي عن المهنية والموضوعية والرصانة. المقاوم البطل المُنادي للدويري، من مقاتلي كتائب القسام، الذين أنهكوا- مع سرايا القدس- جيشَ العار الإسرائيلي، الذي لا يُتقن سوى قتل المدنيين العُزل؛ من الأطفال والنساء والشيوخ، والتنكيل بهم؛ بينما جنوده يفرون مذعورين تحت ضربات المقاومة. الدويري، استدعته قناة الجزيرة، للمتابعة والقراءة العسكرية الآنية لمجريات، ومآلات العدوان الصهيوني الغاشم على القطاع. الرجل الدويري، يُنجِز المُهمة على أكمل وجه، بما يمتلكه من خبرةٍ وعلم عسكريَين، ومعرفة واسعة بـ القضية الفلسطينية، وإلمامٍ عميق بها، وبتاريخها، وإيمانٍ بعدالتها، وشرعية المقاومة. خلاصات تحليل الدويري، مبنية على أسس فنية وعسكرية، بعيدًا عن العاطفة، لا سيما أنه على إدراك بالتكوين التربوي، والعَقَدي للمقاوم الفلسطيني الذي لا يهاب الموت.. مقابل الجُندي الإسرائيلي المرعوب، والمهزوم معنويًا، رغم تحصّنه داخل آليات فائقة الحماية والتدريع. فصائل المقاومة في غزة، ضمن خطتها الإعلامية، وحربها النفسية على الجيش والمجتمع الإسرائيلي، لجأت للتوثيق بمقاطع فيديو لبعض هجماتها وعملياتها العسكرية، والكمائن، والفخاخ التي تنصبها لجنود الاحتلال وآلياته، حيث لا يمكنها ميدانيًا، تصوير كل الضربات. التوثيق بمقاطع الفيديو، وإن كان كافيًا لإثبات المصداقية، وضرب الروح المعنوية للاحتلال، ورفع معنويات الشعب الفلسطيني والعربي والمسلم، إلا أن هذه المقاطع- التي تستغرق دقائق، أو ثوانيَ- ليست كافية لبيان الجهود الجبارة- الخفية عن الجمهور- التي تسبق تنفيذ أي عملية. هنا، تأتي مهمة الدويري، تفسيرًا، وتشريحًا، لبطولات، وشجاعة وبسالة، وبأس، وجسارة رجال المقاومة. كذلك، بيان ما هو خفي، وسابق لعمليات المقاومة، من أمور فنية عسكرية؛ تخطيطًا، واستطلاعًا، وجمعًا وتحليلًا للمعلومات عن تحركات جيش الاحتلال، ثم إعداد واختيار السلاح المُلائم؛ لاستهداف الجنود، سواء كانوا متحصنين داخل آلياتهم، أم بنايات أو راجلين، أو الإيقاع بهم في كمائن، وأنفاق مفخخة. الخبير العسكري الدويري في هذه المهمة الإعلامية، يأخذنا إلى الهندسة العكسية، شارحًا بأنّها محاكاة لقذائف، أو أسلحة لا تملكها المقاومة، بتصنيع مثيلات لها، في طريقة عملها، ووظيفتها، بل تفوّقها أحيانًا، بمراعاة نقاط الضعف الكامنة في آليات الاحتلال. يلفت الجنرال الأردني نظرنا إلى تواضع تكلفة تصنيع هذه الأسلحة، بمكونات محلية، تحت الحصار الخانق منذ عام 2005، فـ صاروخ المقاومة، تكلفته عدة آلاف من الدولارات، تتصدى له القبة الحديدية الإسرائيلية، بصاروخ يتكلف مليون دولار، وأكثر في بعض الأنواع، والحالات. ويضرب للمشاهدين أمثلة كثيرة؛ شارحًا في تبسيط مواصفات عبوّة شواظ، المُصنعة محليًا؛ لتفجير الآليات، وتقنية العمل، والمسافة الفاعلة لقذائف تي بي جي لتفجير البنايات، والياسين 105 لضرب الآليات، وغيرها، على شاكلة مُسيرات المقاومة التي تستهدف عموديًا الآليات، والأفراد. الخبير الدويري، لا يفوته دائمًا، التذكير، بأنّ المقاومة بإمكاناتها المحدودة، وضرباتها، تهزم جيش الاحتلال- حتى الآن على الأقل-، وتحول دون انتصاره. في إطلالاته اليومية، على فضائية الجزيرة، منذ طوفان الأقصى، يشدّد الدويري على سيطرة المقاومة، وتماسكها، ويبرهن على أن لها اليد العُليا؛ استنادًا إلى جهوزيتها؛ بدليل إحباطها عمليةَ تحرير جندي إسرائيلي أسير لديها، واستمرارية عملياتها النوعية، وإيقاعها الخسائر يوميًا في الجُند والعتاد، لجيش الاحتلال بمناطق الاشتباك كافةً. كما يُسلط الدويري الضوء على هوان الجيش الإسرائيلي، الرابع عالميًا في التكنولوجيا العسكرية، كاشفًا ارتباك روايته العسكرية، والطابع التمثيلي لمقاطع الفيديو التي يبثها؛ على شاكلة إطلاق جنوده النار على جدران مدرسة مهجورة، والسلوك المشين بتعرية المدنيين والتنكيل بهم؛ زعمًا بأنهم مسلّحون. اللواء الدويري، في تحليله المهني لما يدور في غزة، من منظور عسكري، إستراتيجي، يبث الأمل وينشر الرجاء والثقة بأنَّ انتصار المقاومة قادم، لا محالة، على عكس ما يروّجه الانهزاميون العرب ودعاة التطبيع. وهو في هذا يتماهى، في مهمته، مع رسالة أبوعبيدة، وبياناته المُحملة بمعاني القوة، والعزة، والبطولة، والكفاح، وفي علاقة تكاملية معها، ومع المقاومة بعملياتها المؤلمة للاحتلال الصهيوني، وهي رسائل ينتظرها الشارع العربي والإسلامي، ويتلقاها بلهفة. لا يميل الجنرال الدويري، لاستخدام مُصطلحات مُقعرة، ومفردات أجنبية غير مفهومة، مُنفّرة للمشاهدين، بل يلجأ إلى شرح الأمور الفنية والعسكرية التي يتناولها، في سلاسة ويسر مُفعمين بالاحترام والتقدير والإجلال لمقاتلي المقاومة، والفخر بعقولهم التخطيطية والتصنيعية الفذّة، وعزائمهم التي لا تلين، وجهادهم في سبيل الله، وقضيتهم العادلة. اللواء فايز الدويري 71 سنة، أردني المولد، والجنسية، صاحب مسيرة عسكرية وأكاديمية ثرية.. وصل إلى منصب قائد كلية الأركان الأردنية برتبة لواء، قبل الإحالة إلى التقاعد في عام 2005، ثم حصل على درجة الدكتوراه في فلسفة التربية من الجامعة الأردنية. النداء حلل يا دويري، فجّر ينابيع الإعزاز والتقدير التي يكنّها ملايين العرب والمسلمين لـ اللواء الدويري، ومهمته الجليلة، ويعني أن رسالة الدويري وصلت، وأن المقاومة تثمّن دوره، وتدعوه للاستمرار عبر شاشة الجزيرة. المجد للمقاومة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/28/%d8%ad%d9%84%d9%91%d9%84-%d9%8a%d8%a7-%d8%af%d9%88%d9%8a%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%86%d9%89-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a9-%d8%a8%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2023-12-28T04:56:00
2023-12-28T04:56:00
مقالات
2,237
بين الحصار والتهجير.. لماذا يصل العقل الصهيوني والأميركي إلى الحلول الخطأ؟
إسرائيل بدعم أميركي، تمتلك التكنولوجيا العسكرية المتطورة التي تسمح لها بالقيام بهذا الإنجاز، وتملك الحشد الدولي القادر على تغطية جرائمها، وتملك القدرة على تحييد كل جبهات القتال الأخرى بدعم أميركي.
كثيرة هي المقاربات التي تحاول تفسير الحرب على غزة ومستقبلها، وأي السيناريوهات يمكن أن تأخذه، لكن قلما يتم الالتفات إلى البعد الفكري والنظري في الموضوع، والقواعد التي تؤطر العقل الصهيوني والغربي عمومًا في تعاطيه مع حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية. منذ سنة 2005، أي سنة تصدر حماس نتائج الانتخابات في قطاع غزة، وإمساكها بدواليب السلطة فيها، أنتج العقل الصهيوني والأميركي مقاربة واحدة، لا تزال إلى الآن، الجواب المتكرر في التعاطي مع قطاع غزة ومقاومتها الحصار. خلافًا للاستشرافات الأميركية حول أشكال استجابة المواطن الفلسطيني للحصار على غزة، أثبتت الوقائع، أن فصائل المقاومة الفلسطينية باتت تتمتع بشرعية أكبر، وأن هناك معادلة متلازمة، تربط بين استهداف الحاجيات الأساسية للمواطن الفلسطيني، وازدياد نسبة الدعم للمقاومة الفلسطينية انطلقت الأطروحة من تصور بنيوي وظيفي، يقوم على فكرة أن دعم المواطن الغزي للمقاومة الفلسطينية لن يستمر إذا ما فقد الحاجيات الأساسية للحياة، وأن سؤالًا سينقدح في ذهنه، ويستبد به كلما شعر أنه يفقد كل متطلبات العيش، فيكبر التناقض في تصوره بين الحاجة إلى الحياة، والحاجة إلى دعم المقاومة، حتى ينتهي إلى نتيجة مصيرية، مفادها أن الاستمرار في الحياة، يتطلب فك الارتباط بفصائل المقاومة، بل خوض معركة ضدها، باعتبارها مسؤولة عن المعاناة التي لحقت بالمواطنين الفلسطينيين. لم تؤتِ هذه الأطروحة نتائجها في العدوان على غزة سنة 2014، وتحولت إلى أطروحة تهجير، إذ اتجه العدوان الإسرائيلي إلى منحى استهداف المدنيين بدرجة أولى؛ لإلجائهم إلى الهجرة، فتحول المنظور من حصار بالمنع من الحاجيات الأساسية، إلى تهديد بالموت والقتل. العقل البحثي الغربي- الذي يؤطر مختلف حقول المعرفة الاجتماعية- كان دائمًا يتأرجح بين أطروحتين أطروحة البنية، وأطروحة الفعل الاجتماعي، لكن، أغلب التقليعات النظرية والمنهجية- لاسيما في مجال العلوم الاجتماعية- تنتصر أكثر لأطروحة البنية أكثر من انتصارها لفكرة الفعل الاجتماعي، وهو ما نرى انعكاسه على قواعد تفكير العقل السياسي الأميركي والصهيوني على حد سواء. تنطلق أطروحة البنية، من فكرة أن القضاء على حماس وبنيتها العسكرية وتولي الكيان الصهيوني المسؤولية الأمنية للقطاع، أمر ممكن، فإسرائيل بدعم أميركي، تمتلك التكنولوجيا العسكرية المتطورة التي تسمح لها بالقيام بهذا الإنجاز، وتملك الحشد الدولي القادر على تغطية جرائمها، وتملك القدرة على تحييد كل جبهات القتال الأخرى بدعم أميركي، وتملك جعل فاعلية الدول العربية خارج دائرة التأثير، وفوق هذا وذاك، تملك القدرة على تعبئة داخلها، ورصّ الجبهة الداخلية، وتملك الخيارات التي تعزل فصائل المقاومة الفلسطينية عن حاضنتها الشعبية، وتملك أن تدير المعركة بالشكل الذي تريد، وفي الزمان الذي تختاره، والمكان الذي تحدده. في الواقع، ثمة إشكالان عريضان يواجهان العقل البنيوي الوظيفي الصهيوني وكذلك الأميركي التجربة أثبتت العكس، فخلافًا للاستشرافات الأميركية التي أنتجتها مختلف أدوات الصناعة البحثية حول أشكال استجابة المواطن الفلسطيني للحصار على غزة، أثبتت الوقائع، أن فصائل المقاومة الفلسطينية باتت تتمتع بشرعية أكبر، وأن هناك معادلة متلازمة، تربط بين استهداف الحاجيات الأساسية للمواطن الفلسطيني، وازدياد نسبة الدعم للمقاومة الفلسطينية. تتبّع التطورات الجارية، أثبت أن القدرة على التحكم في مخرجات هذه البنية صار ممتنعًا، وأن الإدارة الأميركية اضطرت إلى أن تلعب أكثر من دور لتأمين عنصر التوازن، وحتى لا تسير الديناميات في مسار معاكس للإرادة الإسرائيلية. تفكيك هذه الديناميات، يكشف تبلور تناقضات مفصلية يصعب معها التوفيق بين مخرجات الفاعلين وضبطها، وهو الأمر الذي سيقود حتمًا إلى تفجير النسق البنية ومنعه من تحقيق أهدافه. يتطلب اشتغال البنية بشكل متوازن وفعال أن يتم تأمين الحشد الدولي، وضمان مساندة إسرائيل في دفاعها عن النفس ضد الإرهاب الذي تشكله حركة حماس. ويتطلب من جانب ثانٍ، تحييد جبهات الحرب، بالشكل الذي يتم فيه التركيز على هدف القضاء على حماس، وتأمين شروط حصوله. ويتطلب من جهة ثالثة، تحييد الدور العربي، حتى وإن كان الهدف الإستراتيجي يمس المصالح الأمنية الإستراتيجية لكل من مصر والأردن في البدء، ومختلف الدول العربية في النهاية. ويتطلب من جهة رابعة، أن يتم التحكم في المنتظم الدولي ومنعه من تحويل الوحشية الإسرائيلية اتجاه المدنيين إلى موضوع إنساني يحشد المجتمع الدولي ضد جرائم الحرب الإسرائيلية. ويتطلب من جهة خامسة، أن يتم تأمين الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وضمان دعمها وتأييدها المطلق للحرب على غزة، وعدم تحولها إلى معيق للفعل العسكري. ويتطلب من جهة سادسة، إسكات صواريخ حماس، وإبطال قدرتها الدفاعية داخل غزة، وإضعاف أدائها الإعلامي حتى لا تتأثر الجبهة الداخلية الإسرائيلية. ويتطلب من جهة سابعة، أن تكون مدة الحرب محدودة، حتى تضمن استمرار تماسك الجبهة الداخلية وثقتها في فاعلية التدخل العسكري، وألا تـتأثر المؤشرات الاقتصادية، ولا يكون لها انعكاس على معاش الإسرائيليين، بالشكل الذي يؤدي وظيفة معاكسة لمتطلبات الحرب. ويتطلب الأمر من جهة ثامنة، أن تكون نتائج العملية العسكرية ملموسة، يرى فيها المواطن الإسرائيلي تحقق الأهداف بشكل مقنع. من الواضح تمامًا أن الاختلال في عناصر البنية، دفع بها إلى فقدان التوازن بشكل كلي، فعلى الرغم من الدور الأميركي- الذي برز في شكل زيارات متكررة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لدول المنطقة لضبط الإيقاع- فإن ذلك لم يحقق إلا نتائج جد محدودة. فعلى الرغم من عدم خروج المناوشات بين حزب الله والكيان الصهيوني عن قواعد الاشتباك، وعلى الرغم من أن الديناميات العربية المتفاوتة، لم تشكل تهديدًا لقواعد البنية، فإن أطروحة التهجير، وضعت العالم العربي- وبشكل خاص مصر والأردن- ضمن منظور مختلف، فقد أضحت الدول العربية، ترى في تحقيق إسرائيل نصرًا على حماس بمثابة تهديد جدي لأمنها القومي، ومن ثمة، كان لتحركها من زاوية إدانة استهداف المدنيين وتجويعهم ومنعهم من الحاجيات الأساسية للحياة- فضلًا عن استهداف المؤسسات الخدمية الاستشفائية والتعليمية وأماكن العبادة، ومحاولة إبادة الشعب الفلسطيني- دور مهم في سحب الغطاء والشرعية عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وتحويل الموقف الدولي من موقف داعم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها إلى إدانة جرائم الحرب التي ترتكبها ضد الفلسطينيين. من الواضح أن الشجب الدولي، وعدم تمكن إسرائيل من تأمين غطاء أممي أو دولي، حفزا الولايات المتحدة الأميركية إلى تغيير مواقفها وتغيير بعض وظائفها، من التبني والاحتضان والدعم العسكري إلى البحث عن خيارات لإسكات الغضب الدولي عبر البحث عن هدن إنسانية مؤقتة، إلى محاولة إقناع القيادة الإسرائيلية، بتحويل الهدف إلى وقف الحرب والاكتفاء بإجراء صفقة أسرى، تكسب منها إسرائيل عودة جنودها ومحتجزيها المدنيين. البعد الآخر المنفلت من قواعد اشتغال البنية، هو الداخل الإسرائيلي، وذلك على مستوى عمودي وأفقي، فالثابت أن الصراع الذي يخترق القيادة السياسية من جهة، والعلاقات بين الجهاز الحكومي والجهاز العسكري والأمني، فضلًا عن تفكك الجبهة الداخلية، وتباين وجهات النظر التي تعبر عنها، بشأن أهداف الحرب ومدى قدرة آلة الحرب الإسرائيلية على تحقيقها، وسير المعارك على الأرض، ومدى جدية الأهداف التي يتم الإقناع بتحققها، وقدرة الجيش الإسرائيلي على استنقاذ الأسرى والمحتجزين، وتأمين المدن والمستوطنات الإسرائيلية، إضافة إلى التناقض الذي حصل في هذه القضايا، والديناميات الداخلية التي تحركت على خلفيتها، كل ذلك يشير إلى أن عطبًا كبيرًا أصاب قواعد اشتغال البنية ومنعها من تأمين كفاءتها. لكن، يبقى العنصر الأكثر انفلاتًا من قواعد اشتغال البنية، هو شكل الاستجابة الذي تبديه المقاومة الفلسطينية، وذلك على ثلاثة مستويات أساسية الحاصل من ذلك كله، أن المواطن الإسرائيلي بات مقتنعًا أن الآلة الحربية الإسرائيلية بعد مرور أكثر من شهر على العدوان على غزة- لم تحقق أيًا من أهدافها، وأن القيادة الإسرائيلية أضحت مرتبكة مترددة تغير أهدافها كل مرة، من القضاء على حماس، إلى القضاء على بنيتها العسكرية، إلى القضاء على عقلها المدبر يحيى السنوار، وأنها لم تنجح إلى الآن في استنقاذ أي من جنودها الأسرى أو مواطنيها المحتجزين لدى حماس والقوى الفلسطينية، رغم استعانتها بخبرة الطائرات المسيرة الأميركية في الاستطلاع الاستخباراتي الدقيق. كما لم تنجح في إيقاف صواريخ حماس، ولا في إبطاء فاعلية بنيتها العسكرية الدفاعية على أرض غزة، وأن النجاح النسبي الذي حققته على مستوى تحييد جبهات الصراع المفتوحة، أو تسقيف الدور العربي، لم يحُل دون أن يتحول الموقف الدولي إلى مدين للهمجية الإسرائيلية ولجرائم الحرب التي ترتكبها ضد الفلسطينيين. ولهذا الغرض تسارع الولايات المتحدة الأميركية لإقناع القيادة الإسرائيلية بأنها لن تستمر إلى الأبد في لعب دور الإطفائي الذي يكثر من التدخل حتى يؤمن شروط توازن اشتغال البنية، وأن الوقت لم يعد في صالح إسرائيل ولا أميركا، وأن الخيار الذي تبقى هو أن تحقق إسرائيل أهدافها بسرعة مكوكية، أو أن تضطر واشنطن إلى أن تسحب ثقتها في القيادة الحالية، وتحملها مسؤولية السابع من أكتوبر بكل تداعياتها، بما في ذلك فشل إسرائيل في حماية مواطنيها وتحقيق انتصار في المعركة ضد حماس، وتشتغل على سيناريو قيادة إسرائيلية جديدة. بالجملة، تثبت الوقائع، أن أطروحة البنية انهزمت بشكل كامل أمام أطروحة الفعل الاجتماعي، التي يمثلها أداء المقاومة البطولي وشكل استجابة الشعب الفلسطيني، وتمثلها أيضًا مختلف الديناميات التي تحول دون أن تشتغل قواعد البنية الصهيونية والأميركية بكفاءتها، كما كان المفترض منها لحظة التنظير. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/15/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d9%86%d8%aa%d8%b5%d8%b1-%d8%a3%d8%b7%d8%b1%d9%88%d8%ad%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b9%d9%84
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-15T06:39:02
2023-11-15T07:31:46
مقالات
2,238
التغلغل الصينيّ الناعم في الخاصرة الأميركيَّة
وهذا ما فضح مخاوف واشنطن من تغلغل العملاق الصيني الذي أصبح الشريك التجاري الرئيسي لأميركا الجنوبية وثاني أكبر شريك لأميركا اللاتينية بعد الولايات المتحدة
تُحيي الولاياتُ المتّحدة نهايةَ السنة الجارية، ذكرَى مرور 200 سنة على إعلان مبدأ مونروو، الذي يكرِّس نفوذَ الولايات المتّحدة على باقي دول القارّة الواقعة جنوبها، ومنع تعرُّضها لأيّ عمليّة غزو أو استعمار من قِبل القوى الخارجيّة. ولئن كان المستعمر المقصود في ذلك الوقت هو القادم من أوروبا، إلّا أنّ مفاجآت التاريخ جعلت الصين هي من تمثّل هذا الخطر. وليست قمّة تحالف الأميركتَين من أجل الازدهار الاقتصاديّ، التي احتضنتها واشنطن نهاية الأسبوع الماضي، سوى إحدى خطوات تصدّي الإدارة الأميركية للتمدّد الصيني المتصاعد في أميركا الوسطى والجنوبيّة. قبل الحديث عن القمّة المذكورة وأهدافها، من المهمّ توضيح بعض المُصطلحات الجغرافية التي تبدو بديهيةً، لكنها تُحدث لَبْسًا عندما يتعلّق الأمر بتفاصيل القارّة الأميركيّة، لاسيما بين مسمّيات أميركا الجنوبيّة وأميركا اللاتينيّة. فمسمّيات أميركا الشماليّة والجنوبيّة والوسطى ودول الكاريبي، كلها مسمّيات تعتمد الموقع الجغرافي للدولة من القارّة التي تنقسم إلى شماليّ وجنوبيّ، وبينهما المنطقة الوسطى، وحوض الكاريبي. أمّا مسمّى اللاتينية، فتشمل كلّ دول القارة الأميركيّة التي تتحدث لغات متفرّعة من اللغة اللاتينية فرنسية، إسبانية، برتغالية، وهو ما يستثني الولايات المتحدة، وكندا، وخمس دويلات في أميركا الوسطى، والكاريبي، وغوايانا، وسورينامي، في أميركا الجنوبيّة. وعودة إلى قمّة تحالف الأميركتَين من أجلِ الازدهار الاقتصاديّ، فهي مبادرة اقتصاديّة أطلقها الرئيسُ الأميركيُّ جو بايدن السنة الماضية، في إطار توسيع التّحالفات الأميركيّة لمقاومة التدفّق الصينيّ في نصف القارّة الجنوبيّ. وقد انخرطت في هذه المُبادرة، إحدى عشرة دولة من القارّة، وحضر نسختها الأولى، كلٌّ من رؤساء التشيلي، وكولومبيا، وكندا، وكوستاريكا، وجمهورية الدومينيكان، والإكوادور، والبيرو، والأوروغواي، وبربادوس، واكتفت المكسيك وبنما بإرسال وزيرَي خارجيتَهما. وتجدر الإشارة إلى أنَّ رئيس بنما الذي تربطه علاقة قوية بالإدارة الأميركيّة، تغيّب بسبب تزامن توقيت القمّة مع العيد الوطنيّ لبلاده، أمّا رئيس المكسيك- المعروف بقلّة زياراته الخارجيّة- فيعتبر ناقدًا بارزًا للسياسة الخارجية الأميركية، رغم تعاونه الوثيق معها في ملفّ الهجرة غير النظامية، إضافة إلى استنكاره مؤخرًا الدور الأميركي في الحرب على غزّة. وتهدف واشنطن عبر هذه القمّة إلى جعل نصفِ الكرة الغربيّ المنطقةَ الأكثر تنافسية على الصعيد الاقتصاديّ في العالم، إضافةً إلى أن تكون القارة الأميركية بأكملها، آمنة ومزدهرة وديموقراطية، من أقصى الشمال الكندي إلى أقصى الجنوب التشيلي، حسب تعبير الرئيس الأميركيّ. وهذا ما يفسّر تناول القمة مواضيعَ خارج الاقتصاد، من أهمّها موضوع التغيّر المناخيّ ودور القارّة الأميركية في قيادته، والهجرة غير النّظاميّة نحو الولايات المتحدة، باعتبارها إحدى نتائج السياسات الاقتصاديّة غير الناجحة، في دول أميركا الوسطى والجنوبيّة. ووَفقًا لأرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإنَّ عدد النازحين واللاجئين في القارة الأميركيّة بلغ حتى هذه السنة، 21 مليونَ شخص، من بينهم 6 ملايين فنزويلي. وقد أعلنَ الرئيس الأميركيّ بايدن، عن تخصيص استثمارات بقيمة 485 مليونَ دولار لمساعدة اللاجئين والمهاجرين والتجمّعات السكّانية المنعدمة الإمكانات في المناطق الفقيرة. لكنّ رئيس كولومبيا، غوستافو بيترو، رأى أنَّ هذه المساعدات، كان من الأجدر تخصيصُها لخلق فرص عمل في بلدان هؤلاء المهاجرين غير النظاميّين، من أجل بقائهم في بلدانهم، مادام الوضع الاقتصادي هو العاملَ الأساسي وراء ظاهرة الهجرة عمومًا. وكان الرئيس بيترو قد صرّح في مناسبة سابقة، أنّه على الولايات المتحدة- التي ضاقت ذرعًا بموجات طالبي اللجوء، لاسيما الفنزويليين في المحافظات الأميركية الديموقراطية- أن تفكّ الحصار على بلدهم، من أجل أن تعودَ الحياة إلى طبيعتها، ويلزموا الإقامة في بلدهم الأصليّ. أمّا فيما يتعلّق بالجانب الاقتصاديّ لهذه القمة، فقد ركّز الرئيس بايدن على فتح شهية البلدان الأعضاء لتوسيع المجموعة، والعمل بأولوية على النّهوض باقتصاداتها جميعًا، ودعاها إلى اختيار الاستثمارات الديموقراطية والشفّافة، في إشارة إلى القروض الأميركيّة وحلفائها من المؤسَّسات المالية الدوليّة، بدلًا من اللجوء إلى الشركاء من خارج القارّة، وتجنب الوقوع في فخّ دبلوماسية الديون، حسب تعبيره. وهذا ما فضح مخاوف واشنطن من تغلغل العملاق الصيني الذي أصبح الشريك التجاري الرئيسي لأميركا الجنوبية وثاني أكبر شريك لأميركا اللاتينية بعد الولايات المتحدة، مع العلم أن حجم تجارة الصين في السلع مع أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في الفترة بين 2000-2022، تضاعف 35 مرة، بينما زاد إجمالي تجارة المنطقة مع العالم أربعة أضعاف فقط حسب الأرقام الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية، وجزر الكاريبي. يُضاف إلى هذا، نجاح الصين في إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع كوستاريكا والبيرو التشيلي، على اختلاف توجهات حكوماتها، والإكوادور التي أجّلت توقيع الاتفاقية إلى استئناف عمل البرلمان هذا الشهر. وليس من المبالغة في شيء القول إن الصين- التي ضخّت استثمارات بمليارات الدولارات في البنى التحتية في أميركا اللاتينية، عبر قروض على الدول سدادها بمعدلات فائدة عالية الكلفة- نجحت في ضمّ 21 دولة منها، في إطار مبادرة ما يعرف بـطريق الحرير. إضافة إلى عضوية البرازيل، والأرجنتين مؤخرًا في مجموعة البريكس، ووعد فنزويلا وبوليفيا بضمّهما في المرحلة القادمة. ورغم أنّ قمة تحالف الأميركتَين من أجل الازدهار الاقتصادي- كما يشير اسمها- تخصّ موضوع الاقتصاد، إلّا أنّ رئيسَي التشيلي وكولومبيا، أبيا إلّا أن يصرّح كلّ منهما للصحافة، ومن البيت الأبيض، باستيائهما من الجرائم التي تقوم بها إسرائيل في حقّ الشعب الفلسطينيّ في غزّة، ودعا رئيس التشيليّ بوريش، الرئيس الأميركي بايدن إلى التدخل لوقف ما يجري. يحدث هذا والرئيسان بيترو وبوريش يواجهان تحدّيات محلية كبرى، من قبل المعارضة في بلديهما، بسبب موقفيهما من حرب إسرائيل على غزة، وليس من الغريب أن هذا الموقف قد يكلّفهما وحزبيهما خسارةَ منصب الرئاسة، في الفترة القادمة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/8/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d9%84%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%8a%d9%86%d9%8a%d9%91-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b9%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b5%d8%b1%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-07T22:22:45
2023-11-08T04:54:08
مقالات
2,239
تحالف لصد إسرائيل.. لماذا الآن؟
إذا استمر العالم الإسلامي في هذا التشتت والتشظي وضعف المواقف تجاه ما يجري على مسرح الأحداث في عالمنا الإسلامي، فسنرى على الأرجح تمدد إسرائيل في المنطقة، ولن يكون هناك من رادع أمام هذه الرغبات الجامحة.
أظهرت الحرب في غزة أننا بمفردنا غير قادرين على منع قتل إخواننا المسلمين أمام أعيننا، وتدمير أوطانهم. والآن إسرائيل تتوعد بلدًا آخر، وهو لبنان، بشن هجوم عنيف، فهل سيكتفي العالم الإسلامي بمشاهدة تحول تلك الأراضي إلى خراب وموت الآلاف من الناس؟ لدى إسرائيل رؤية مستقبلية؛ حيث تسعى للاستيلاء على أراضي أرض الميعاد، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى. فهم يتملكهم حلم الدولة المثالية، وأعتقد أن العديد من المسلمين، لا يعتقدون بإمكانية تحقق هذه الدولة. ولكن الصهاينة يعملون بدأب لتكون واقعًا. قبل الحرب العالمية الأولى؛ لم يكن أحد يعتقد بأن حلم ثيودور هرتزل في إقامة كيان إسرائيلي على أراضي الدولة العثمانية يمكن تحقيقه، لكنهم حققوه في ذلك الوقت، والآن يسعون لتحقيق حلم أرض الميعاد. إذا استمر العالم الإسلامي في هذا التشتت والتشظي وضعف المواقف تجاه ما يجري على مسرح الأحداث في عالمنا الإسلامي، فسنرى على الأرجح تمدد إسرائيل في المنطقة، ولن يكون هناك من رادع أمام هذه الرغبات الجامحة. لكن قضيتنا ليست رؤية إسرائيل للمستقبل، بل ما هي خطط العالم الإسلامي للمستقبل. هل لدى الدول الإسلامية في المنطقة خطة لمواجهة توسع إسرائيل وعدوانها؟ أو هل لديها رؤية مشتركة للمستقبل؟ إذا نظرنا من نافذة الواقعية السياسية، عندما نرى حال وسياسات الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الـ57، يعتقد الجميع أنه من المستحيل وضع هدف مشترك. كيف يمكن لعشرات الدول التي تعادي بعضها بعضًا وتتنازع فيما بينها أن تتفق على رؤية مشتركة، أليس كذلك؟ في مثل هذه الحالة، دائمًا ما أذكر تأسيس الاتحاد الأوروبي كمثال. فرنسا وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا خاضت حروبًا فيما بينها، لكنها بدأت العمل على الوحدة فور انتهاء الحرب العالمية الثانية. كيف تمكنت من الاتحاد بعد حرب تسببت في مقتل ما يقرب من 70 مليون شخص؟ اليابان والولايات المتحدة خاضتا أكثر الحروب دموية ولكنهما تحالفتا ضد الصين. أليس الناتو منظمة مشابهة؟ تركيا واليونان لا تتفقان أبدًا، لكنهما تتعاونان في مجال الدفاع. إذًا، لماذا لا تتّحد الدول الإسلامية على الأقل في الحد الأدنى من القواسم المشتركة؟ على سبيل المثال، ضد السياسات العدوانية والتوسعية لإسرائيل. إن حلم أرض الميعاد لا يشمل فقط الأراضي الفلسطينية، بل يعتبر أراضي لبنان وسوريا والأردن وتركيا والعراق والسعودية ومصر وإيران أيضًا ضمن الأراضي المستهدفة. إذا كان الناتو قد تأسس لمواجهة خطر روسيا، فلماذا لا تستطيع الدول الإسلامية إنشاء حلف دفاعي لمواجهة خطر إسرائيل؟ السبب يكمن في ضعف الإرادة لدى الأنظمة الرسمية، فمعظم هذه الأنظمة تعيش في انفصال عن شعوبها، ولا تفكر في الأخطار التي تحيط بعالمنا الإسلامي وسبل مواجهتها. لكن، إذا أجريت أي استطلاع رأي عام في أي بلد، فستجد أن الشعوب المسلمة ترغب في الوحدة، والتحرك المشترك، والتوحد ضد عدوان إسرائيل. حتى احتلال غزة والمجازر التي ارتكبت لم تجعل هذه الأنظمة تستيقظ، ولا أعتقد أن أي شيء آخر يمكنه ذلك؛ لذا يمكننا أن نفقد الأمل في أي تحرك يسهم في وقف الإبادة التي يتعرض لها سكان القطاع. أملي يكمن في الشباب المسلم، فهم يرون الأخطاء المتراكمة أمام أعينهم، وأنا واثق بأنهم في المستقبل لن يرتكبوا هذه الأخطاء، ولكنهم سيتبنّون رؤية جديدة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/27/%d8%aa%d8%ad%d8%a7%d9%84%d9%81-%d9%84%d8%b5%d8%af-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d9%86
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-06-27T13:09:25
2024-06-27T13:32:10
مقالات
2,240
هل سيتدخلون لإنقاذ بشار الأسد؟
السؤال الذي يطرح ذاته، هل سيكون للأسد من متّسع من الوقت ليقول وادعًا، وعلى متن أي مدمرة أم طائرة سيغادر البلاد؟
دعت السفارة الروسية في دمشق رعاياها الجمعة 6 ديسمبر كانون الأول الجاري، إلى مغادرة البلاد، محذرة من الوضع العسكري والسياسي الصعب في سوريا. هذا، وكان قد ذكر مصدر أميركي مطلع لوكالة بلومبيرغ الأميركية أن روسيا ليست لديها خطة لإنقاذ الرئيس السوري بشار الأسد، ولا تتوقع ظهور خطة ما دام الجيش السوري يواصل التخلي عن مواقعه. في هذا السياق، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الخميس 5 ديسمبر كانون الأول الجاري، إن روسيا تراقب الوضع من كثب في سوريا، وتقيّم انطلاقًا من الوضع على الأرض حجم الدعم اللازم لها في مكافحة المسلحين، والقضاء على تهديدهم. دلالات كثيرة من الممكن أن يأخذ بها المتابع من الموقف الروسي، الذي من المفترض أن يكون أكثر حزمًا فيما خصّ الدفاع عن النظام السوري الذي فتح المجال للتواجد الروسي في المنطقة، وتحديدًا على شواطئ البحر المتوسط، في ميناء طرطوس. لكنّ الروسي بات يدرك أن القرار اتخذ بمصير الأسد الذي بات أمام حلّ وحيد هو الرحيل. لم يكن الأسد قارئًا جيّدًا للرسائل التي وجهت إليه، لهذا وقع في أخطاء أقل ما يُقال عنها أنها سترسم نهايةً لحكمه في سوريا. فإن رفضه ضبط الحضور الإيراني وحلفائه في سوريا على رأسهم حزب الله، وإصراره على تصنيف معارضيه بالجماعات الإرهابية، دون ملاقاتهم في منتصف الطريق للتباحث على مستقبل البلد، كان خطأ سيكلّف النظام ثمنًا يدفع به استمراريته في الحكم. يجد البعض أن الأسد بات مهددًا بالرحيل عن دمشق، إذ لا تحتاج إلا قراءة هادئة للموقف الروسي من خلال حديثه عن عدم وجود خطة لإنقاذ الأسد، إلى التحركات الروسية، لا سيما الحديث عن مغادرة بعض مدمراتها ميناء طرطوس، والطلب من مواطنيها مغادرة سوريا، جميعها مؤشرات تعجّل الرحيل، وتدفع نحو الاستعداد إلى المرحلة السورية فيما بعد الأسد. لكنّ السؤال الذي يطرح ذاته، هل سيكون للأسد من متّسع من الوقت ليقول وادعًا، وعلى متن أي مدمرة أم طائرة سيغادر البلاد؟ ما إن وضعت الحرب الإسرائيلية على حزب الله في لبنان أوزارها وانتهت بتسوية برعاية أميركية الأربعاء 27 نوفمبر تشرين الثاني الماضي، حتى أتت المفاجأة من الشمال السوري عندما قامت الفصائل المعارضة بشنّ هجوم واسع على محافظة حلب وغيرها من المحافظات. إذ أعلن الجيش السوري في وقت سابق أنه خسر حماة لحساب فصائل المعارضة التي دخلت المدينة. خربطات الحرب في سوريا أتت على خارطة التوازنات في المنطقة التي رست منذ سنوات على ستايكو بين القوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة. هذا ما أعطى استقرارًا بمكان ما للنظام السوري بقيادة بشار الأسد، حيث بسط نفوذه على ما يقدر بحوالي 60 من أراضي سوريا، بدعم روسي وإيراني واضح، رغم الخلافات بين القيادة الروسية والإيرانية التي ظهرت إلى العلن على نقاط كثيرة، لا سيما بعدما وضعت موسكو فيتو أمام طهران التي عمدت إلى فتح جبهة الجولان إسنادًا لحزب الله في لبنان. تشظت الأوراق في سوريا وتطايرت من يد الأسد، أمام اللاعب التركي الذي أمل الرئيس رجب طيب أردوغان في أن يتواصل تقدم مقاتلي المعارضة في سوريا من دون مشاكل. في دلالة على أن تركيا على ما يبدو غير منزعجة من الأحداث المتسارعة التي تصبّ لصالحها، بعدما ذهب النظام بعيدًا في خياراته، نحو فتح باب التواصل مع قوات سوريا الديمقراطية قسد التي تصنفها أنقرة بأنها جماعة إرهابية. يقدم الطيران الروسي دعمًا جويًا واضحًا للنظام السوري، ومن المستنظر أن تلعب القوى الداعمة لبقاء الأسد ليس محبة فيه، بل لأنّه يجسد مشروعها في المنطقة وعلى رأسها إيران وفصائلها دورًا في مساندة الأسد. إذ أطلق رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، فالح الفياض، تصريحًا يعتبر فيه أن أمن واستقرار العراق مسؤولية الجميع، وأنه لا يمكن للعراق أن يغض النظر عما يحصل في سوريا. أمور كثيرة سارعت في إسقاط ورقة الأسد، وفي جعله ورقة تفاوضية بيد موسكو، تبدأ من الموقف التركي المساند للفصائل والداعم لها، حيث إن روسيا تحتاج إلى أنقرة حليفة ثابتة معها في وجه الهجوم الغربي. كما أن تركيا أبدت نيّة جيدة تجاه روسيا عندما رفضت مشاركة الغرب بفرض عقوبات على موسكو، وهي إلى الآن تقف حجر عثرة أمام تمادي حلف شمال الأطلسي تجاه روسيا. لهذا تجد موسكو أن من مصالحها تمتين العلاقة مع أنقرة حتى لو كلّف الأمر أن يكون الأسد رئيسًا لمحافظة دمشق، أو المساومة على رحيله مقابل ضمان مصالحها في المنطقة. كان متوقعًا أن يشتعل الميدان في ظلّ تصاعد الحديث عن دخول الآلاف من حزب الله الحرب إسنادًا لبشار، مع أوراق تفاوضية على أكثر من طاولة مستديرة للاعبين الإقليميين، لتحديد مصير هذا الرجل الحاكم. لكنّ ما لم يكن في الحسبان، هو التحول الذي قام به زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني أحمد الشرع، في إسقاط سرديات لطالما استخدمها النظام ومن معه، بإطلاق صفة الإرهاب على كل من يعارضه. وفي مقابلة في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، نشرت الجمعة 6 ديسمبر كانون الأول، أكد الجولاني أن هدف المعارضة هو كسر الأسد، وإقامة دولة المؤسسات، حيث قدّم مشروعًا أكبر لبناء سوريا، مؤكدًا أن الهيئة قد تتفكك في أي وقت، لأنها ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لأداء مهمة. ضباب يسيطر على المشهدية في سوريا، ولاعبون كثر باتوا يتحركون في ساحة صراعها، مع الحديث عن دخول الدبابات الإسرائيلية بلدة القنيطرة السورية، لحماية حدودها في حال سقط النظام، ووصلت الفصائل إلى الحدود معها. لهذا تبقى كافة الفرضيات مقبولة، حتى فرضية رحيل الأسد، حيث لن يجد يومها من يودعه أو يلوّح له يعِده بالعودة إلى سوريا مجددًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/12/7/%d9%87%d9%84-%d9%84%d8%af%d9%89-%d8%b1%d9%88%d8%b3%d9%8a%d8%a7-%d8%ae%d8%b7%d8%a9-%d9%84%d8%a5%d9%86%d9%82%d8%a7%d8%b0-%d8%a8%d8%b4%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%af
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-12-07T12:54:18
2024-12-07T13:12:18
مقالات
2,241
هل يجوز للدولة تحديد النسل كإحدى سلطاتها على الشعب؟
اختلف العلماء المعاصرون كثيرًا في قضية تنظيم النسل وتحديده، وقد كان جل نقاشهم يدور حول تنظيم النسل، وهو ترك فترة بين كل طفل والآخر، مراعاة لصحة المرأة، ولأهداف أخرى.
في لقاء تلفزيونيّ أفتى الدكتور شوقي علام مفتي جمهورية مصر العربية، في حوار حول موقف الإسلام من تنظيم النسل وتحديده، وقد تحدّث عن تحديد النسل، وأن الصحابة كانوا يحدّدون، وهو ما كان يسمى بـ العزل، وأن الفقهاء نظروا للعزل، على أنه أمر مباح، وأن المباح قد يتحول لواجب، وللدولة أن توجب تحديد النسل، إذا رأت أن الموارد قليلة ولا تكفي. كثيرًا ما يصرّح بالرأي نفسِه مشايخُ في مناصب رسمية، أو غير رسمية، لكنهم مؤيدون لهذه السلطة، والأمر لا يقف عند مفتي مصر، بل يتبنّاه بعض المفتين كذلك، أو المشايخ في بلدان أخرى، وهنا عدة مسائل تتعلق بكلام المفتي، وبكلام من يتبنّون رأيه، وهو عن حكم تحديد النسل هل هو جائز أم ممنوع؟ وهل الفتوى الصادرة عن مفتي مصر وغيره، مبنية على معلومات واقعية صحيحة، يمكن من خلالها صحة الفتوى؟ ولو صحّت الفتوى بجواز تحديد النسل، هل للدولة سلطة في فرض هذا الحكم الفقهي على أفراد الشعب، أم أنها فتوى شخصية لمن أراد أن يأخذ بها أو يتركها، وليس للدولة سلطة في ذلك؟ آراء المذاهب الفقهية مختلفة في العزل، فأبو حنيفة، ومالك، وأحمد، يرون ذلك جائزًا مع الكراهة التنزيهية، بشرط أن يكون برضا الزوجة، واختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من وافق الجمهور في هذا الشرط، ومنهم من خالفه لقد اختلف العلماء المعاصرون كثيرًا في قضية تنظيم النسل وتحديده، وقد كان جل نقاشهم يدور حول تنظيم النسل، وهو ترك فترة بين كل طفل والآخر، مراعاة لصحة المرأة، ولأهداف أخرى، وهو ما ورد في شأنه أحاديث عديدة، كلها تدور حول ممارسة الصحابة العزل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم- وجلها تدور روايتها حول هذه الصيغة كنا نعزل، والقرآن ينزل. أي كنا نعزل عن النساء، وهو عدم وصول الحيوان المنوي لرحم المرأة حتى لا يتم التخصيب، وكان ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على إقراره صلى الله عليه وسلم ذلك. ولكن ورد حديث قال عنه صلى الله عليه وسلم - ذلك الوأد الخفي. وقد ناقش العلماء والفقهاء هذه الأحاديث؛ محاولين الجمع بين نصوص الإباحة ونصوص المنع. هذه الأحاديث لا يؤخذ منها مسألة التحديد، بل هي كما نرى متعلقة بتنظيم النسل كما يتضح، فهي مسألة متعلقة بتنظيم عملية الحمل، وليس تحديد كم طفلًا ينجب؟ ولا أعلم في النصوص القرآنية أو النبوية حديثًا يتعلق بجواز التحديد، ولا بمنعه، بل هي قضية مسكوت عنها تحديدًا، وما ورد في الموضوع عموميات، ودلالات نصوص، يمكن الأخذ منها في قضية الجواز والمنع، كضوابط لذلك، وليست كأدلة صريحة في المنع أو الجواز. لذا كانت آراء المذاهب الفقهية مختلفة في العزل، فالأئمة أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، يرون ذلك جائزًا مع الكراهة التنزيهية، بشرط أن يكون برضا الزوجة، واختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من وافق الجمهور في هذا الشرط، ومنهم من خالفه فأجازه بدون إذن الزوجة. وقد فصل في هذه المسألة وتفاصيلها، والجمع بين أحاديث المنع والجواز، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه مسألة تحديد النسل.. وقاية وعلاجًا، فليرجع إليه. هذه النظرة الأولى للمسألة من حيث الرأي الفقهي بعيدًا عن تدخّل الدولة، فهل لدى الدولة أسباب تدعوها لدعوة المواطنين لتحديد النسل، والاكتفاء بعدد معين؟ إن بعض رجال السلطة، وبعض مشايخ الدين، يصطفون في المسألة مع السلطة، متذرّعين بأن الموارد قليلة، وللأسف نرى المسالة تفتقد الدقة والموضوعية، فإن معظم هذه الدول التي ينادي شيوخها بالتحديد استجابة لمطالب الدولة، نجد أن السلطة نفسها قد تهدر الموارد فيما لا نفع له للمواطن، فمثلاً تسرف في تشييد مباني لن يستفيد بها المواطنين، أوترفع رواتب فئة معينة، وبهذا يجري الإسراف في جهة، والتقتير في أخرى، وعند طلب التضحيات يكون ذلك مطلوبًا من الشعوب فقط ودون تقدير للأولويات. ما يدل على تسييس الأمر، وخروجه عن الجانب العلمي الواقعي، أن دعاة التحديد أنفسهم، لم يحددوا النسل، فالمفتي صاحب الفتوى لديه أربعة أولاد، وقد بدأت برامج تحديد النسل في مصر منذ هذا التاريخ، أي أن الداعين للتحديد الآن، ولدوا وعاشوا في ظل برامج توعوية تبث للتحديد، فهل نفّذوها؟ ثم إن العالم الغربي شكواه الدائمة قلة الموارد البشرية، وانخفاض عدد الشباب والمواليد لديه، ولذا سميت قارتهم بالقارة العجوز، فهي بحاجة دائمة للبشر، بينما لا يشكو من الزيادة السكانية سوى الدول النامية، وليس لقلة الموارد، بل للفساد المستشري في التعامل مع الموارد، ودليل ذلك أن من أهم مصادر الدخل المصري تحويلات العاملين بالخارج، فالأزمة ليست أزمة موارد طبيعية وبشرية، بل أزمة إدارة. وما يقال عن مصر يقال عن جل العالم العربي والإسلامي. ويأتي السؤال الأبرز والأهم هنا هل من حق السلطة أو الدولة، سنّ قوانين، أو فرض قضية تحديد النسل على المواطنين، كما ذهب إلى ذلك مفتي مصر؟ إن بعض المشايخ في الفتوى لا يحسنون التفرقة بين ما هو خاص وما هو عام في القضايا المتعلقة بالفرد والسلطة، ومساحات الالتقاء والافتراق فيهما، وهو مبحث شائك يتعلق بمتى يتحول الشأن الخاص لشأن عام، والعكس، ومن ذلك قضية الإنجاب، فالزواج والإنجاب والطلاق، قضية فردية تتعلق بالفرد، ولا تتدخل الدولة هنا، سوى ببرامج التوعية، وضبط الإجراءات الثبوتية في ذلك، وتيسير ذلك للمواطنين، وليس المنع أو الإدارة له، لأنه أمر يختلف من فرد لآخر، وليس له حكم واحد يمكن أن يسري على الجميع، لأن حكم الفرد في ذلك ينتقل من الإباحة للحرمة، مرورًا بالوجوب والاستحباب والكراهة، إذ يتعلق بحال الشخص لا حال المجموع. وتفكير السلطات المصرية في هذه المسألة قديم، منذ جاء الحكم العسكري لمصر، والتفكير مستمر فيها، ولذا كانت فتاوى الجهات العلمية الراسخة ثابتة في ذلك، مميزة بين ما هو خاص بالفرد، وما هو خاص بالمجتمع أو الأمة، ومن ذلك بيان مجمع البحوث الإسلامية بمصر، سنة 1965م، فيما يتعلق بقضية تحديد النسل، فقال في بيانه الإسلام رغب في زيادة النسل وتكثيره، لأن كثرة النسل تقوي الأمة الإسلامية اجتماعيًا وحربيًا وتزيدها عزة ومنعة. إذا كانت هناك ضرورة شخصية تحتم تنظيم النسل فللزوجين أن يتصرفا طبقًا لما تقتضيه الضرورة، وتقدير هذه الضرورة متروك لضمير الفرد ودينه. عند حديث مجمع البحوث عن تحديد النسل بالنسبة للمجتمع، وهي هنا مسألة عامة، وليست فتوى تتعلق بالفرد فقال لا يصح شرعًا وضع قوانين تجبر الناس على تحديد النسل بأي وجه من الوجوه. وهو ما انتهى إليه كثير من علماء الشرع والفتوى، بأن مسألة الإنجاب، من حيث المبدأ، ومن حيث العدد، هي من القضايا المتعلقة بالشخص، وقراره، وإذا كان الفقهاء الذين أباحوا العزل، اشترطوا رضا الزوجة، لأنه حق مشترك بين الزوجين، فمعناه أنه حق خاص بالزوجين، وليس متعلقًا بالسلطة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/27/%d9%87%d9%84-%d9%8a%d8%ac%d9%88%d8%b2-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%aa%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d9%84-%d9%83%d8%a5%d8%ad%d8%af%d9%89
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-01-27T10:37:57
2024-01-27T10:38:09
مقالات
2,242
الانتخابات الفرنسية.. مأساة فرنسا وكابوس أوروبا الموحدة
الحالة الفرنسية وما أسفرت وستسفر عنه في الانتخابات الراهنة في جولتها الثانية بخصوص الاستقطاب بين اليمين المتطرف واليسار، وانهيار تمثيلية الفاعلين السياسيين التقليديين، تقدم لنا نموذجاً للدراسة.
لم يكن مفاجئًا أن يحصل حزب التجمع الوطني الذي يمثل تيار اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، على المرتبة الأولى في انتخابات الجمعية الوطنية البرلمان الفرنسية التي جرت يوم 30 يونيوحزيران الماضي. ذلك أن اليمين المتطرف في عموم أوروبا يهيمن تدريجيًا على المشهد السياسي. ولعلّ فرنسا ستكون البلد المحوري الأول في الاتحاد الأوروبي الذي سيسيطر عليه اليمين الشعبوي بعد إيطاليا، ثم ستعقبهما ألمانيا التي أصبح فيها اليمين الشعبوي يمثل القوة السياسية الثانية في البلاد، كما برهنت على ذلك الانتخابات الأوروبية الأخيرة. مما يعني أن حيازة اليمين الشعبوي للسلطة بشكل كامل في الاتحاد الأوروبي قد تحصل في الأمد القريب أو المتوسط كما تدل على ذلك عدة مؤشرات. ولعل تقدم اليمين في فرنسا وإمكان فوزه في الجولة الثانية من الانتخابات الراهنة، سيكون ذلك الخطوة الأولى في هذا المسار، نظرًا للموقع المركزي الذي تحتله فرنسا في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى البعد الرمزي الذي تمثله في الخيال السياسي والثقافي الأوروبي الحديث والمعاصر. وفي هذا الصدد، وبعد أن عالجنا في مقالتين سابقتين العوامل التي أدت إلى صعود اليمين الشعبوي والمخاطر التي يحملها صعوده للسلطة على أوروبا من حيث عودة الشمولية، فإن الحالة الفرنسية وما أسفرت وستسفر عنه في الانتخابات الراهنة في جولتها الثانية بخصوص الاستقطاب بين اليمين المتطرف واليسار، وانهيار تمثيلية الفاعلين السياسيين التقليديين تقدم لنا نموذجًا للدراسة يقارن في جهة أداء اليمين، والقضايا التي استثمر فيها بذكاء بين الأزمة الاقتصادية ومشكلة الهوية والقيم الثقافية، وفي الجهة الأخرى، بدائل ذلك اليمين والطاقات المضادّة، والدور المطلوب من المواطنين الفرنسيين الذين تعود أصولهم إلى خلفيات مهاجرة في إعاقة الهيمنة السريعة لليمين. ويمثل اليسار وقواه السياسية هنا الاختيار النموذجي في فرنسا لما يمثله خطابه وعرضه السياسي من عناصر جذب، سواء داخل فرنسا، أو في القضايا الدولية والإقليمية، بما يخفف حدة التوتر والنزاعات في أوروبا والشرق الأوسط على السواء. كشفت نتائج الانتخابات الفرنسية عن أزمة عميقة تواجه فرنسا في مستويين اثنين ستؤدي النتائج في جميع الحالات إلى تشكيل الحكومة من الطيف السياسي المعارض للرئيس، وهو طيف قد يمثل أغلبية البرلمان، مما يعني افتراضَ عطلٍ في تمظهرات السلطة بين الجمعية الوطنية البرلمان والحكومة والرئيس، ووجود توترٍ قد ينتج عنه عدم استقرار سياسي. وتشير التوافقات الراهنة بين طيف اليسار الذي حل في الجولة الأولى ثانيًا بعد حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان، ويمين الوسط الذي يقوده إيمانويل ماكرون، إلى انسحاب حوالي 214 مرشحًا، مما يفسح المجال أمام الدعم المتبادل للحيلولة دون تصدر اليمين الشعبوي للانتخابات. هذا الخيار التوافقي، وإن كان سيؤثر على فرص اليمين الشعبوي في تصدر الانتخابات بشكل مريح، لا يحل معضلة أزمة السلطة، بل سيفرض إستراتيجيات جديدة في التعايش السياسي والمؤسساتي، وهو ما سيكون صعبًا في ظل التباين الحاد في البرامج السياسية والاجتماعية بين اليسار بمكوناته المتنوعة، وحزب ماكرون الليبرالي. بل يمتد الخلاف إلى القضايا الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان على غزة. أفرزت الانتخابات استقطابًا حادًا بين أقصى اليمين وأقصى اليسار؛ ظل مؤجلًا منذ مجيء الرئيس الفرنسي ماكرون إلى السلطة. لم يكن الرئيس الفرنسي في واقع الأمر في مساره كفاعل سياسي يستند إلى تاريخ سياسي عريق كباقي الشخصيات السياسية الفرنسية التي مرّت على الحكم، وإنما استثمر بذكاء في التناقضات الحاصلة، وفي التخوفات المجتمعية من اليمين الشعبوي آنذاك. نفس الإستراتيجية حاول ماكرون الاستثمار فيها عقب الانتخابات الأوروبية، إذ كان رهانه الأساسي قائمًا على إحداث انقسام بين مكونات اليسار أولًا، ثم إمكانية الاستفادة من الانطباعات السائدة عن اليمين المتطرف، في محاولة لجعل المجتمع في مواجهة مدّ اليمين الشعبوي. لكن قراءته في الواقع حسب عدد من الكتّاب والخبراء الفرنسيين أنفسهم كانت متهورة، ولم تكن تعبر عن معرفة باتجاهات الرأي السياسي في فرنسا، وهو ما عجّل بخلق أزمة سيشهدها النظام السياسي كانت مؤجلة، وقد يسهل ذلك في الآن نفسه طريق اليمين المتطرف إلى السلطة، مما يذكي الاصطفافات المجتمعية الحادة ليس في فرنسا وحدها بل وفي عموم أوروبا. صرح المستشار الألماني أولاف شولتس في مهرجان للجناح اليساري لحزبه ببرلين في اليوم الثاني من يوليوتموز بأنه على تواصل يومي مع الرئيس الفرنسي من خلال الرسائل النصية بخصوص الوضع الصعب، معبرًا عن رغبته في الحيلولة دون تشكيل حكومة يقودها حزب يميني شعبوي. كما عبرت وزيرة الخارجية الألمانية عن قلقها من تصدر حزب ينظر إلى أوروبا باعتبارها مشكلة وليست حلًا، في سياق الحديث عن المسؤوليات المشتركة بين ألمانيا وفرنسا حيال وحدة أوروبا. وبشكل أكثر حدة، جاءت جملة من آراء لفيف من النخبة السياسية والإعلامية على السواء في عدد من الدول الأوروبية حول اختيارات الناخبين الفرنسيين بين اليمين المتطرف واليسار، محذرة من الضرر البالغ للقيم السياسية التقليدية والأضرار التي قد تلحق بوحدة أوروبا. وبقدر انتشار المخاوف التي يتم التعبير عنها في وضع غير مألوف بخصوص إبداء الرأي بشأن الانتخابات داخل الدول الأوروبية، نجد ترحيبًا لدى قوى اليمين الشعبوي. وقد دعت رئيسة إيطاليا في هذا السياق إلى تجنب شيطنة اليمين، فيما رحب الإعلام الروسي بنتائج الجولة الأولى، مما يجلي حالة الترقب لما ستسفر عنه الانتخابات الفرنسية، فهي في واقع الأمر ستؤثر بشكل مباشر في رسم الخريطة السياسية لمستقبل أوروبا. يؤشر مناخ التوتر السائد لدى الطبقة السياسية الأوروبية ذات الميول اليسارية أو اليمينية المعتدلة من الانسياق المجتمعي خلف اليمين الشعبوي، وتصدر التجمع الوطني للانتخابات الفرنسية، وإمكانية حصوله على الأغلبية في الجولة الثانية المقررة يوم الأحد 7 يوليوتموز، إلى إمكانية أن تشكل هذه الحالة السياسية حافزًا لحزب البديل من أجل ألمانيا وغيره من القوى اليمينية في أوروبا. كما أنه يدفع الشعور الجماعي في سياقات أضحى الوعي السياسي فيها يتشكل بخطابات عابرة للحدود، من خلال الاستثمار في وسائط التواصل، ونمط الخطاب البسيط والمباشر، إلى الإقبال على الاتجاهات الشعبوية. وينبغي التأكيد سواء في فرنسا أو ألمانيا على أن شبكات الإعلام الجديد شكلت الوسيلة الفعالة لليمين الشعبوي في الوصول إلى شرائح واسعة بخطاب وشعارات اجتماعية وسياسية وثقافية اختزالية وتبسيطية من حيث العمق، لكنها فعالة في حشد الجمهور. وصفت الجريدة الفرنسية Le Figaro لو فيغارو في إحدى افتتاحياتها عقب إعلان نتائج الجولة الأولى، الانتخابات الحالية بالمأساة أو التراجيديا الفرنسية، إذ تجد فرنسا نفسها في مواجهة منظور مزدوج المغامرة السياسية أو الانسداد المؤسسي، وهما معًا وجهان لأزمة النظام حسب الافتتاحية. وفي المقارنة بين اليمين المتطرف واليسار، تنتصر الافتتاحية التي تمثل توجهًا ونموذجًا لمخاوف الإعلام ولفيف من النخبة الليبرالية الفرنسية إلى التجمع الوطني RN اليمين المتطرف. ويعلل مدير تحرير الجريدة ذلك في افتتاحيته قائلًا إن برنامج الجبهة الوطنية مثير للقلق بالتأكيد، ولكن من ناحية أخرى معاداة السامية، واليسار الإسلامي، والكراهية الطبقية، والهستيريا المالية، الجبهة الشعبية الجديدة هي ناقلة للأيديولوجية التي من شأنها أن تجلب العار والخراب للبلاد. يمثل هذا الموقف الذي أسفر عن اعتراض لفيف واسع من طاقم تحرير الجريدة نموذجًا للمحددات التي تصاغ على منوالها تمثلات ومواقف النخب والمجتمع على السواء، وتشكل أرضية السجال السياسي والثقافي في فرنسا. وهي في عمومها لها صلة وثيقة بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وإن كان اليمين المتطرف وكتلة اليسار أو الجبهة الشعبية لا يختلف أحدهما عن الآخر كثيرًا في عدد من النقاط ذات الصلة بالبعد الاجتماعي في مسألة الضرائب وسن التقاعد وغيره، فهي أمور تخص عموم الطبقة السياسية في فرنسا وتشكل مدخلًا للفاعلين السياسيين في خلق تفاعلات جديدة في المشهد السياسي ولا تخرج كليًا عن نسق السوق إلا في بعض الجوانب ذات الصبغة الاجتماعية في البرامج والمقترحات. لكن الجبهة الشعبية الجديدة التي تتشكل من حزب فرنسا الأبية والحزب الشيوعي الفرنسي، والتجمع الوطني RN بقيادة مارين لوبان، يختلفان بشكل جوهري في الجدل الثقافي وقضايا الحريات والتعددية. في صلب ذلك ما سمي في فرنسا باليسار الإسلامي، وهي سمة أطلقتها حكومة ماكرون سابقًا على لفيف من النخبة الأكاديمية والثقافية التي تمثل الحسّ النقدي المضاد للنزعة التي تلبّست الخطاب السياسي الفرنسي في التخويف من الإسلام، واختلاق الأزمات الاجتماعية والثقافية والهوياتية تحت عنوان الهجرة والمهاجرين وقيم الجمهورية الفرنسية. تلك النخبة في واقع الأمر تعبّر عن انتصار أمين لقيم الأنوار في الحرية والمساواة والنقد، لكن فرنسا بفعل تراكم مشكلة الهوية المزمنة، وعدم النجاح في إنتاج سياسات اجتماعية تستوعب التعدد المجتمعي والتنوع، أفرزت مظاهر مختلفة أصبح ينظر إليها باعتبارها سبب الأزمات والإخفاقات، بينما الأزمة كامنة في السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي نهجتها فرنسا. ومن ثم فجملة من القضايا ذات الصلة بالهجرة والمهاجرين، والآخر تمثل في الإسلام أو في غيره، والعلاقة مع الشعوب والمجتمعات الأفريقية والشرق أوسطية، إنما هو إفراز لديناميات الإقصاء والاستبعاد الاجتماعي والثقافي والسياسي، تخص فرنسا والنموذج الفرنسي ذا الصبغة الشمولية، ولا تخص هذه المكونات التي وجدت نفسها مستبعدة أو مهمشة. إن الأزمة الراهنة في الاستقطاب الحاد بين اليمين المتطرف وتكتل اليسار، والمخاوف الناجمة عن إمكانية هيمنة اليمين الشعبوي على السلطة، إنما هو إفراز لحالة القلق التي سادت في فرنسا خلال العقد الماضي. وبدلًا من معالجة الجذور السياسية والثقافية والاقتصادية للمشكلات المعقدة، تم التضييق على أعراضها وتمظهراتها أو نتائجها، بل كان التنافس حادًا في إنتاج خطاب يعمم حالة الخوف المتبادل بين مكونات المجتمع، وقدم قراءة سطحية لجملة من القضايا تستمد أصولها من الأدبيات الثقافية والهوياتية التي يركز عليها اليمين المتطرف. فالحالة الراهنة هي تجلٍّ للبعد اللاعقلاني في الحياة السياسية بالحالة الفرنسية، ومن ثم فإن أهم الجوانب التي يمكن من خلالها تجاوز تمدد اليمين وسيطرته على السلطة في الانتخابات الراهنة أو المقبلة، إنما يقتضي ضرورة الانزياح إلى الأبعاد العقلانية في الخطاب السياسي داخل فرنسا، والبحث في الجذور السياسية والاقتصادية للأزمات، وليس في التركيز على الجوانب والأبعاد الثقافية والهوياتية. فالبعد الهوياتي والثقافي بطبعه حين يخضع للتوظيف السياسي، يؤدي إلى إفراز الشمولية والانقسام المجتمعي، بينما يشكل مناخ الحرية والتعددية حالة ثراء مجتمعي. والنخبة الثقافية والإعلامية والسياسية الفرنسية بحاجة إلى الاستثمار في تراث العقل النقدي، وليس الانسياق خلف خطاب يميني يغذي سيكولوجيا الجمهور. كما أن سيطرة الشعارات والعواطف على الخطاب السياسي قد تنتج مأساة مستقبلية، إن لم يكن في الانتخابات الراهنة، ففي المستقبل، سواء في فرنسا أو أوروبا. ختامًا نختتم بهذا السؤال المحوري أي مؤشرات تحملها الانتخابات الفرنسية، وأي أدوار للمكونات من أصول مهاجرة أو للدول العربية والإسلامية نفسها في محاصرة اليمين المتطرف؟ قد يكون التوافق علاجًا مرحليًا لوقف مد اليمين في فرنسا، حسب عدد من المتتبعين للحالة الفرنسية، لكن فرنسا تتجه بخطى ثابتة نحو احتضان اليمين الشعبوي. بيد أن الانخراط الفعلي في عملية إنتاج خطاب سياسي عقلاني قد يجنب فرنسا في الأمد البعيد الوقوع في المأساة أو حصول التراجيديا. لكن انتهازية الفاعلين السياسيين، والتي يمثلها حزب الرئيس الفرنسي في الاستثمار في اليسار لوقف مدّ اليمين بعد أن أخفق في انقسامه، قد تحجم اليمين مرحليًا، لكن ستصنع أزمة عميقة في المدى المستقبلي. أما في حال حصول اليمين المتطرف على الأغلبية المطلقة في الجولة الثانية، فإن أوروبا ستكون بالفعل قد دخلت مرحلة هيمنة قوى اليمين الشعبوي. لذلك يعتبر اليسار بالنسبة للمتضررين من اليمين المتطرف أفقًا عقلانيًا وبديلًا فعليًا في الحالة الفرنسية، سواء خلال الجولة الثانية من الانتخابات يوم الأحد المقبل 7 يوليوتموز 2024، أو في عقلنة الخطاب والممارسة السياسية والثقافية فيما سيعقب الجولة الثانية. هذا من الناحية السياسية. أما مؤسساتيًا، فإن طبيعة النظام السياسي مع الاستقطاب الحاد ستبقي على حالة الاصطفاف، ذلك أن اليمين الشعبوي إذا لم يحصل على المرتبة الأولى، فإنه سيكون القوة الفعلية كتكتل متجانس ثقافيًا وسياسيًا، وهو ما قد يفتقر إليه التوافق بين كتلة ماكرون وكتلة اليسار. فهو توافق قائم على مصلحة مرحلية، لكنه توافق في سياق نسق ديمقراطي، ولعل هذا ما قد يشكل ضمانة للمستقبل، وإن كانت الشموليات في القرن العشرين من إفراز الديمقراطيات نفسها. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/7/6/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%a3%d8%b3%d8%a7%d8%a9-%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-07-06T13:29:20
2024-07-06T14:44:21
مقالات
2,243
احتفاء الشباب بقيم الفروسية.. حين تهزم الشعوب هزائمها
لم تعد الرموز الملهمة لأغلب شبابنا ذات أسماء أعجمية دخلت التاريخ؛ بسبب مهاراتها الرياضية أو حضورها الهوليودي، بل صار ملهموهم أسماءً عربيةً يحمل أصحابها أسلحة خفيفة، يتصدون لأعتى تحالف عسكري في العالم
يلاحظ المتابع لنقاشات الشباب العربي واهتماماتهم في الأشهر الستة الماضية، أنه طرأت تحوّلات كبيرة على مستوى المفاهيم والهموم لديهم. فلم تعد الرموز الملهمة لأغلبهم أسماء أعجمية دخلت التاريخ؛ بسبب مهاراتها الرياضية أو حضورها الهوليودي، بل صار ملهموهم أسماءً عربيةً يحمل أصحابها أسلحة خفيفة، يتصدون لأعتى تحالف عسكري في العالم، ويلحقون به الهزيمة تلو الأخرى لأكثر من نصف عام. مظاهر هذا الاحتفاء تتجلّى في اهتمام الشباب العربي والإسلامي بأخبار وسير المقاتلين في حاضر وتاريخ القضية الفلسطينية من المؤسسين الأوائل، ومن أمثال المقاتل الأنيق، والشهيد الساجد، وصاحب مقولة حلل يا دويري، وكلمات أبي عبيدة وكوفيته، وصور محمد الضيف، ورسائل السنوار، ونمط شخصيته الأسطورية، وبسالة مجاهد بركات المتصدي لجيش كامل مدة تسع ساعات. كل هؤلاء مع بقية المقاتلين الفلسطينيين المشهورين والأخفياء أعادوا الأمل لملايين الشباب العربي الذين ودعتهم شمس السادس من أكتوبرتشرين الأول 2023 وهم ينتظرون يومًا جديدًا من أيام الانكسارات العربية المعتادة، قبل أن يحمل لهم فجر السابع من أكتوبرتشرين الأول بشريات العبور الكبير، والأمل الواعد بالتحرر. الرمزية القتالية لقادة المقاومة الفلسطينية ذكّرت الشعوب العربية التي حملت السلاح ضد حكامها إبان ثورات الربيع العربي بأبطالهم ورموزهم، وهم في الغالب شباب مقاتلون احتفظت بهم الذاكرة الجمعية وأنزلتهم منازل القادة الخالدين، وباتت أسماء أصحابها وقصص بطولاتهم تتربّى عليها أجيال فتحت عيونها على واقع تقول لهم تجلياته المحيطة بهم وتجاربه المريرة؛ إن أضمن طرقه إلى الحقوق تلك التي تتخذ من مبدأ عمرو بن براقة الهمداني شعارًا يهديها السبيل. ففي سوريا يستلهم شباب المخيمات والنزوح والمنافي مُثلهم الثورية وقيمهم السياسية من أمثال الشهداء الأبطال عبد الباسط الساروت، وعبد القادر الصالح حجي مارع، ويوسف الجارد أبو فرات، وحسين هرموش وزهران علوش وحسان عبود أبو عبد الله الحموي، وحتى من غير العسكريين، مثل إبراهيم القاشوش وغياث مطر. وفي ليبيا التي كان شبابها يتسابقون إلى الموت وكأنهم في لعبة أثيرة، يستذكر أهلها أسماء زادت المشهد الليبي المحتدم حينها وهجًا، وأبرز هؤلاء القائد الشهيد وسام بن حميد الفتى العصامي والميكانيكي المحترف الذي ترك ورشة صناعته، وحمل السلاح دفاعًا عن مدينته الأثيرة بني غازي؛ لتبرز مواهبه القيادية الفذّة التي لم يزل يعلو في درجاتها حتى تجاوز تأثيره وأثره ليبيا يوم نعته كتائب الشهيد عز الدين القسام كاشفة عن جهوده الكبيرة في تزويد المقاومة في غزة بالسلاح، رغم أنف حراس الحدود، وحماة الكيان من أنظمة الثورة المضادة. برز مع الشهيد وسام قادة آخرون بارزون، مثل الشهداء راف الله السحاتي، وسالم دربي، وناصر العكر، والقادة عبد الحكيم بلحاج، وصلاح بادي، وزياد بلعم، وإسماعيل الصلابي، وعبد الوهاب قايد، وغيرهم الكثير ممن قادوا جموع الشباب الليبي حتى نالوا ثأرهم من النظام الذي كتم أنفاسهم أربعة عقود، شردهم خلالها وسجن ونفى وقتل كثيرًا منهم، وسجلوا بشجاعتهم وإقدامهم نماذج ملهمة للشباب الليبي الجسور. رغم ضراوة الثورة المضادة وحربها الضروس على أحلام التحرر العربي، فإن الكثير من قادة الثورة الليبية والسورية ما زالوا يحمون مدنهم التي حرّروها ببنادقهم، ويتنسمون فيها نسيم الحرية الذي حرموا منه طويلًا. كما يدافع أبطال المقاومة الفلسطينية عن المسرى والمقدسات بشجاعة وإقدام، وهي حالات تبدو ملهمة في عدة مناطق عربية أخرى، يحتدم فيها الصراع بين الحالمين بالحرية ودحر الاستبداد، وبين وكلاء الثورة المضادة المبشّرين بالاستسلام للهيمنة الصهيونية العالمية تحت مسمى العائلة الأبراهامية المزيفة. احتفاء الشباب العربي بقيم الفروسية ليس حدثًا عابرًا ولا طارئًا في منطقتنا، فطالما كان للفرسان لدى العرب في الجاهلية والإسلام مكانة خاصة، ورمزية ألهمت الشعوب في معاركها التحررية من الغزاة منذ طلائع الاستعمار وحتى معركة طوفان الأقصى الجارية، وهو احتفاء يحمل عدة رسائل وملامح، جديرٌ بالباحثين والكتاب وراصدي التحولات في المنطقة الوقوف عندها. تجاوُز الشعوب العربية للهزيمة النفسية التي مني بها المسلمون قرونًا طويلة، في غاية الأهمية في مسيرة التحرر العربي، فالشعوب حين تُسيرها ردّات الفعل المنهزم، تبقى أسيرة أوهام العجز والقنوط. وهذا ما وقع للمسلمين عقب هزيمة ثورة الفقهاء بقيادة عبدالرحمن بن الأشعث في القرن الثاني الهجري، فبعد تلك الهزيمة حدثت بدع مهلكة في التدافع السياسي، ومنها الإرجاء، كما قال الإمام المحدث قتادة بن دعامة السدوسي إنما حدث هذا الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث، سير أعلام النبلاء -5 275 ط الرسالة. والإرجاء مذهب عقدي يريح الناس من الأعمال بما فيها مشقة تغيير منكر الحاكم، إذ لا يشترط عند المرجئة العمل لحقيقة الإيمان، كما أنه لا تضر عندهم مع الإيمان معصية، ومن هذه الجهة أحب الحكام الإرجاء حتى قيل الإرجاء دين الملوك. فقد روى ابن عساكر من طريق النضر بن شميل، قال دخلت على المأمون فقال كيف أصبحت يا نضر؟ فقلت بخير يا أمير المؤمنين. فقال ما الإرجاء؟ فقلت دين يوافق الملوك يصيبون به من دنياهم وينقصون به من دينهم، قال صدقت، كما في البداية والنهاية لابن كثير. ومن أراد فهم خطورة الهزائم النفسية على الشعوب يتأمل في عبودية الألمان لليهود؛ بسبب العقدة التاريخية من المحرقة؛ فجبروت العقل الألماني في الفكر والفلسفة والسياسة والفن والصناعة لم يستطع تجاوز تلك المذبحة، فظلت ألمانيا أسيرة تلك العقدة تدفع التعويضات المضاعفة للكيان الصهيوني، وترتعد فرائس برلين حين يبكي طفل مدلل في تل أبيب، والعجيب أن يهود ألمانيا أنفسهم بدؤُوا يشكون من مبالغة ألمانيا في الدفاع عن إسرائيل، وفقًا لتقرير في مجلة ذي إيكونوميست البريطانية ينايركانون الثاني الماضي. مسارات التحول والتغيير في تاريخ الشعوب التي عانت الاستبداد ونهب المقدرات تأخذ وقتًا طويلًا تتشكل فيه قناعاتها ورؤاها وتجاربها حتى إذا بلغ الكتاب أجله امتطى الفرسان صهوات أحلامهم ليُسرعوا طلوع الفجر، كما فعل الشعب السوداني في هبّته الأخيرة ضد تكالب الثورة المضادة عليه، وعلى بلاده. وأعتبرُ كل التقلبات والتدافعات العربية منذ انطلاق الربيع العربي في تونس إلى فجر السابع من أكتوبرتشرين الأول مرحلة من تلك المسارات التغييرية التي لن تتوقف حتى تتحرر الدول العربية من التبعية المقيتة لمخلفات الاستعمار الغربي، وتملك الشعوب أمرَ نفسها. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/13/%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d9%81%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%a8%d9%82%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%88%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d9%87%d8%b2%d9%85
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-04-13T12:17:42
2024-04-13T12:57:59
مقالات
2,244
سقوط الأسد.. من كسب ومن خسر؟
إلى جانب تركيا، تظهر الولايات المتحدة وإسرائيل كأحد المستفيدين من التحول السوري. إن مُجرد إخراج سوريا من دائرة التحالف مع أنظمة معادية للغرب مثل إيران وروسيا يُعد مكسبًا جيوسياسيًا كبيراً لهما.
بعد أربعة عشر عامًا من الثورة على نظام الدكتاتور بشار الأسد وخمسة عقود من العيش القسري في كنف الدولة القمعية، التي أسّسها والده الراحل، تمكّن السوريون أخيرًا من طي صفحة حكم آل الأسد. إن تعطش السوريين لبناء بلد يقوم على الديمقراطية والتعددية السياسية ودولة القانون والمؤسسات لا يعني أن الطريق إلى تحقيق هذا الهدف مفروشٌ بالورود. لكنّ مُجرد طي صفحة مُظلمة وطويلة من تاريخ البلد، يُشكل بداية قوية لمشروع سوريا الجديدة. مع ذلك، فإن حقيقة أن الصراع السوري لم يكن صراعًا بين شعب ونظام فحسب، بل كان أيضًا صراعًا إقليميًا ودوليًا على سوريا، تجعل التحول السوري بمثابة زلزال جيوسياسي كبير يضرب الشرق الأوسط ولن تقتصر ارتداداته على حدود الإقليم. على مدى أربعة عشر عامًا، أصبحت سوريا ساحة صراع بالوكالة بين العديد من الدول الساعية لتحقيق طموحاتها الخاصة. وتُظهر الآثار القوية للصراع على سياسات الفاعلين الخارجيين المنخرطين فيه دوره المؤثر في إعادة تشكيل العلاقات الجانبية بينهم على نطاق أوسع. فمن جانب، أسّس الانخراط الروسي الإيراني في الحرب لدعم نظام الأسد شراكة إستراتيجية عميقة بين موسكو وطهران. ومن جانب آخر، أعاد الصراع تشكيل علاقات تركيا وروسيا. وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا والولايات المتحدة. وحتى ما قبل إعادة إصلاح العلاقات التركية العربية منذ مطلع العقد الجاري، كان للصراع السوري دور مؤثر في تشكيل علاقات تركيا مع بعض القوى العربية الفاعلة في العقد الماضي. إن التحول الدراماتيكي الذي طرأ على الصراع بعد الإطاحة بنظام الأسد سيكون له آثار عميقة على أدوار الفاعلين المؤثرين في الصراع وعلاقاتهم الجانبية وعلى مكانتهم في الشرق الأوسط. في ميزان الرابحين والخاسرين الخارجيين من هذا التحول، تظهر تركيا كأحد الرابحين الكبار. فمن جهة، يُعظم من دور أنقرة في تشكيل مستقبل سوريا بعد الحرب ويضمن لها تأسيس سوريا جديدة حليفة لها. ومن جهة ثانية، فإن التحول في الهوية الجيوسياسية لسوريا من دولة حليفة لإيران وروسيا إلى بلد حليف لتركيا يجلب مزايا جيوسياسية هائلة لأنقرة تُعزز طموحاتها في لعب دور قيادي في الشرق الأوسط. ومن الفوائد المتصورة على تركيا ضمان معالجة الصراع بما يتلاءم مع مصالحها ومُتطلبات أمنها القومي ورؤيتها لدورها الجديد في الشرق الأوسط كوسيط للاستقرار والقوة. وتتنوع هذه الفوائد بين لعب دور قيادي بين الفاعلين الخارجيين في تشكيل مستقبل سوريا، وتعزيز موقفها في صراعها مع المشروع الانفصالي للوحدات الكردية في شمال سوريا، وتعزيز موقفها في تفاعلاتها مع كل من إيران وروسيا والولايات المتحدة والعالم العربي. كما تُقدم هذه التحولات فرصة كبيرة لأنقرة لفرض مصالحها في علاقاتها المقبلة مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. مع ذلك، فإن هذه الفوائد المتصورة تجلب أيضًا تحديات كبيرة على تركيا في إدارة مشروع ولادة سوريا الجديدة. وبالنظر إلى اليد العليا التي باتت تركيا تتمتع بها في سوريا، فإن ذلك يجعلها دولة مسؤولة بشكل خاص عن ضمان منع انجراف التحول السوري إلى وضع يجلب مخاطر تفوق الفوائد. على الرغم من أن أنقرة نفت باستمرار أي علاقة لها بهيئة تحرير الشام، فإنه من غير المتصور أنها كانت على الهامش في تحولات الصراع منذ السابع والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني الماضي. وسيختبر مسار التحول السوري أولًا مدى قدرة أنقرة في الحفاظ على انسجام أهداف الفصائل المعارضة المتنوعة بعيدًا عن التنافس والاقتتال الداخلي، وثانيًا مدى قدرتها في التأثير على هيئة تحرير الشام؛ لضمان مواصلة التحولات التي أحدثتها على نفسها منذ أن انفصلت عن القاعدة. وإلى جانب تركيا، تظهر الولايات المتحدة وإسرائيل كأحد المستفيدين من التحول السوري. إن مُجرد إخراج سوريا من دائرة التحالف مع أنظمة معادية للغرب مثل إيران وروسيا يُعد مكسبًا جيوسياسيًا كبيرًا لهما. رغم ذلك، فإن التحول يجلب مخاطر أيضًا على البلدين. بينما كان التصور السائد في الماضي أن سوريا في ظل حكم آل الأسد كانت فائدة لإسرائيل إن لجهة ضمان أمنها أو لجهة تدمير مقومات التنوع السياسي الداخلي في سوريا، فإنه من غير المتصور أن تكون سوريا المتحولة، والتي ترتكز هويتها الجيوسياسية الجديدة على التحالف مع تركيا، أكثر فائدة للإسرائيليين. وبالنسبة للعالم العربي، فإن معيار الربح والخسارة من هذا التحول يبدو غير واضح. ففي حين أن الآثار الكبيرة لهذا التحول على حضور إيران في سوريا وعلى دورها الإقليمي ترجع بفوائد كبيرة على المنطقة العربية، إلا أن هذه الفوائد لا تُخفي القلق العربي من أن تؤدي الإطاحة بنظام الأسد إلى موجة ثانية من الربيع العربي. مع ذلك، فإن هذه التحولات تُقدم فرصة للعالم العربي للعب دور أكثر فاعلية في تشكيل سوريا الجديدة مع الإمكانات والموارد المالية الكبيرة التي تبدو حاجة لا غنى عنها لإعادة إعمار سوريا. وبالنسبة للخاسرين الكبار في هذا التحول، تظهر إيران وروسيا في المقدمة. لقد استثمرت طهران الكثير من الأموال والموارد العسكرية الكبيرة في الصراع من أجل تعزيز حضورها في هذا البلد، وتعظيم حضورها الإستراتيجي، وتأمين طريق بري من أراضيها عبر العراق وسوريا إلى حليفها حزب الله في لبنان، غير أن كل هذا الاستثمار انهار بانهيار نظام الأسد. ويجلب هذا التحول عواقب كبيرة على دور إيران الإقليمي يتجاوز الجغرافيا السورية. فقد أصبح حزب الله، الذي خرج من حرب صعبة مع إسرائيل بتكاليف باهظة أكثر عُرضة للحصار والضغط، بينما يفقد سوريا كحليف ضمن له القوة والسطوة في لبنان وإمدادات الأسلحة لعقود طويلة. كما أن انهيار الاستثمار الإيراني في سوريا يجلب عواقب أخرى على نفوذ إيران في العراق والمنطقة. أما روسيا، فإن خسارة سوريا كبلد حليف لها يجلب لها عواقب كبيرة على دورها ومكانتها في الشرق الأوسط. وإذا كان انهيار الاتحاد السوفياتي بمثابة أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين، فإن خسارة سوريا تُمثل كارثة جيوسياسية لروسيا في الشرق الأوسط. كان الانخراط الروسي في الصراع إلى جانب نظام الأسد منتصف العقد الماضي أحد المظاهر الرئيسية لقدرة روسيا على فرض نفوذها في الخارج. لكنّها اليوم تحصد التكاليف الباهظة لحربها مع أوكرانيا على مكانتها في الشرق الأوسط. وبعد هذه التحولات، تبدو قدرة روسيا على الاحتفاظ بقواعدها العسكرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط على المدى البعيد، والتي تُشكل حاجة لها للتأثير في سياسات الشرق الأوسط والصراعات البعيدة المدى مثل ليبيا والسودان وأفريقيا، محل شكوك قوية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/12/14/%d8%b3%d9%82%d9%88%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%af-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%b3%d8%a8-%d9%88%d9%85%d9%86-%d8%ae%d8%b3%d8%b1
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-12-13T22:02:29
2024-12-13T22:02:29
مقالات
2,245
نُخَب ما بعد العدوان وحتمية الإذعان للواقع الجديد
انهار جاهين مع الانهيار السياسي للمشروع الناصري، وهزيمة ضباط يوليو، ولكن ـ بالعكس ـ وجع النكسة ومرارة الهزيمة، أحالا نزار قباني من التفرغ لـ “تحرير الحب”، إلى رائد النضال بالشعر، وجلد الدكتاتوريات.
الأحداث التاريخيّة الكُبرى ـ بحسب أوزانها النسبية ـ عادة ما تكون منعطفًا، يدفع في اتجاهات مغايرة؛ لا تؤدي فقط إلى مخرجات على قطيعة مع الأسس التي أفضت إلى هذه الأحداث، وإنما تعيد رسم شكل العالم وفحواه الأخلاقي والإنساني والفلسفي. ولعلّي لا أكون مبالغًا إذا قلت إنّ في صدارةِ هذه الأحداث المنعطف الحركةَ الطلابية في فرنسا عام 1968، التي زلزلت العالم، وأعادت توحيده ضدَّ الإنسانِ ذي البعد الواحد، على حد تعبير هاربرت ماركوز، والنزعة الاستهلاكية لديه، وتفاقم قلقه وخلق احتياجات وهْمية لديه طيلة الوقت. وهي الحركة التي مهّدت لأكبر إضراب عمالي في فرنسا 11 مليون عامل- فرّ على إثره الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول إلى ألمانيا سرًا. وامتد أثرها إلى فيتنام، وباتت مصدر إلهام للشباب في الصين؛ الثورة الثقافية، ومناهضة الاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة، حيث تنامت الحركات المناهضة للحرب في فيتنام، وإيطاليا، واليابان، الجيش الأحمر، وتشيكوسلوفاكيا الانتفاضات الإصلاحية، وفلسطين الانتفاضة الفلسطينية، وملهمة أيضًا لليسار العربي في مواجهة القمع السلطوي. حتى أصبح مايو 1968، كما وصفه الفيلسوف الفرنسي اليساري آلان باديو بأنه التنويعة الفرنسية لظاهرة عالمية، وأطاحت بكل النفاق الاجتماعي والأخلاقي والسياسي الذي كان سائدًا في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وعرَّت- كما تقول فلورنس جوتييه- الزيفَ الأيديولوجي الذي كان سائدًا آنذاك في المعسكرَين الشرقي والغربي. وقامت في سياقها بفرز طبقتَي النخبة التقدمية التي ساندتها- سارتر، وميشيل فوكو، وجيل دولوز- والرجعية التي اعتبرتها طفولية جماهيرية؛ كلود ليفي ستراوس، أو دراما اجتماعية. وألحّ على ضرورة نزع القداسة عنها ريمون آرون، وتصدّر المشهد الإبداعي جيلٌ جديد من النقاد والمبدعين الطليعيين دريدا، وفوكو، بارت، كرستيفا، فيليب سولرز، وجان ريكاردو. قُبيل الحركة الطلابية الباريسية بعام، شهد العالم العربي زلزالًا هو الأسوأ في تاريخه الحديث ـ هزيمة 1967 ـ لم يُحدِثْ على إثره حراكًا فرزًا، وما يترتب عليه بطبيعة حال من منتج سياسي وثقافي وإبداعي مختلف لما قبل النكسة، حيث انتظم المثقفون في ذات السردية للقوى السياسية المهزومة، مع وجود هامش من النصوص الروائية النقدية، موظِّفةً ـ ببراعة ـ الإسقاطَ والرمز والتلميح الآمن والإيحاء، وذلك على مستوى الجماعة. فيما أثّرت الهزيمة بشكل حاد وقاسٍ على مبدعين، فمنهم من أصيب بالاكتئاب المفضي إلى الانتحار، ومنهم من تخلى عن ذاته العبثية ليتحول كليًا ـ وحده ـ إلى حركة احتجاجية نالت مباشرة من القيادات السياسية التي تسببت في الهزيمة. قبل هزيمة يونيو، لُقبَ نزار قباني بـ شاعر النّساء والحب، حينها أصدر ثلاثة دواوين قالت لي السمراء، وهو طالب بكلية الحقوق، ثم طفولة نهد، والرسم بالكلمات. وكما سحقت هزيمة 67 صلاح جاهين في مصر، فإنها أيضًا تركت ذات الأثر، على نزار قباني في دمشق، ولكن بفارق في الوعي بدور الشعر النضالي عند الشاعرَين. جاهين في القاهرة، تقريبًا بات شخصًا محطّمًا، مثقلًا بضمير تحاصره مشاعر التأنيب، فلا تترك له فرصة الخروج من عتمة الاكتئاب إلى التعلق بقشّة الأمل حتى ولو كان بعيدًا؛ فبعد أن كتب صورة ويا ولاد بلدي ووالله زمان يا سلاحي.. سقط في استسهال الابتذال، فكتب سيناريو خلّي بالك من زوز، وأميرة حبي أنا، وأغنية الدنيا ربيع، وأغنية الدنيا بقى لونها بمبي، أثارت الشفقة عليه من جهة، وسُخرية المثقّفين الثوريين وتهكمهم عليه من جهة أخرى، حتى قال له نجيب سرور بمبي يا صلاح؟ بمبي ولسه البلد خربانة؟ بمبي ودم إخْواتنا لسه مبردش في سينا؟. وانتهت المشاجرة بمغادرة صلاح جاهين باكيًا مقهى الفيشاوي، حيث التقيا. انهار جاهين مع الانهيار السياسي للمشروع الناصري، وهزيمة ضباط يوليو، ولكن ـ بالعكس ـ وجع النكسة ومرارة الهزيمة، أحالا نزار قباني من التفرغ لـ تحرير الحب، وكما كتب يومًا إن الحبّ في العالم العربي سجينٌ وأنا أريد تحريره، أحالته الهزيمة من فلسفة العشق إلى رائد النضال بالشعر من أجل الديمقراطية وجلد الدكتاتوريات التي أدت إلى التراجع الحضاري للأمة. وعلى هامش هذا المتن كان ثمة حالات، ربما لم تحظَ بذات شهرة نهاية جاهين ومأساويتها، مثل انتحار الروائي الأردني تيسير السبول، واليسارية المصرية أروى صالح، والشاعر اللبناني خليل حاوي؛ نتاج القهر السياسي والاجتماعي ودخول الإسرائيليين إلى لبنان في حالة الأخير. وكنتيجة بالتبعية لغياب نضج واختمار تيار إبداعي فكري جديد، يقوم بدور الاحتواء وتقديم مدونة جديدة مفارقة لما قبلُ، ومقنعة بأنها انتظمت في حراك إصلاحي وتجديدي يعيد الأمل في أن ثمة فائدة من وجوده ومن قيمة ما يضيفه إلى إنسان ما بعد الأزمات التاريخية الكبيرة. لم يحدث في العالم العربي، أي حدث قد يشطر العرب ـ والعالم كله كذلك ـ إلى ما قبلُ وما بعد مثل 7 أكتوبر 2023، وما تلاه من مشاهد في غزة، زلزلت العالم، وبعثرت صورته التي كانت من ميراث ما بعد الحرب العالمية الثانية. فيما تواترت التحليلات الرصينة التي تؤكد على أن الحرب الأخيرة ستؤدي حتمًا إلى انهيار النظام الدولي الحالي، وستدفن تحت أنقاض غزة، منظومة القيم الغربية والأميركية التي كانت عادةً مصدر إلهام وإبهار، خاصة في الدول الشرق أوسطية التي تكابد مشقة قاسية في التحرر من تحت السيطرة الأمنية والمخابراتية، وسحق حقوق الإنسان فيها. في السياق ـ بطبيعة الحال ـ يجري الآن فرز الطيف الفكري والثقافي وإكسسواراته من إبداع وغيره على تنوعه واتساعه. وكما أفرزت الانتفاضة الطلابية في مايو 1968 في باريس تيارًا جديدًا ومدارس نقدية وإبداعية تقدمية تحتقر الكتل الإسمنتية من المفكّرين والمبدعين الذين وقفوا ضدها.. وانحازوا إلى حداثة ما قبل الستينيات التي صادرت المعنى داخل الإنسان الغربي، وأحالته إلى مجرد شيء في تُرْس الرأسمالية المتوحشة، فإنه من المتوقع -من قبيل حتمية الإذعان للواقع الجديد- أن تختفي نخب ما قبل 710 2023. خاصة هؤلاء الذين خذلوا المقاومة، إما بالسكوت؛ إرضاءً لحسابات سياسية داخلية، أو لتأمين أحلام ومكاسب وأشواق شخصية تجافي الضمير والانتماء لقضايا الأمة. ناهيك عمن ابتذلوا تاريخَهم، وانتظموا فيما يشبه الكتائب الإلكترونية المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتبنَّى الفحوى ذاته الذي يتبنّاه الإعلام العسكري الإسرائيليّ. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/20/%d9%86%d9%8f%d8%ae%d9%8e%d8%a8-%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%88%d8%a7%d9%86-%d9%88%d8%ad%d8%aa%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b0%d8%b9%d8%a7%d9%86
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-01-19T21:06:53
2024-01-19T21:06:53
مقالات
2,246
الردع الأميركي لا يكفي وحده للحدّ من توسع الحرب
أحدثت حرب السابع من أكتوبر تحوّلات كبيرة في الشرق الأوسط، من حيث إعادة إحياء القضية الفلسطينية ودورها في تشكيل ديناميكيات السياسات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط.
هناك خلاصتان واضحتان يُمكن الخروج بهما بعد الهجمات الأميركية والبريطانية على جماعة الحوثي في اليمن، وهما أن انتشار الحرب الإسرائيلية على غزة في أرجاء الشرق الأوسط يتسع بشكل متزايد، ويعمل على خلق وضع إقليمي مضطرب يصعب معالجته بمُجرد انتهاء الحرب، وأن الولايات المتحدة- التي أرسلت بعد السابع من أكتوبر تعزيزات عسكرية إلى المنطقة لأهداف من بينها منع اتساع الحرب- تعمل الآن على توسعتها وتُعمق انخراطها فيها. إن التصور بأن استخدام القوة سيؤدي إلى ردع الحوثيين عن مواصلة هجماتهم في البحر الأحمر، أو تقويض قدرة حلفاء إيران الآخرين على تهديد المصالح الأميركية في المِنطقة لا يقلّ سذاجة عن التصور الإسرائيلي بأن الحرب على غزة ستؤدي إلى القضاء على حركة حماس. لقد وضعت الولايات المتحدة نفسها مُجددًا في حالة عداء مع الحوثيين بعد سنوات من سعي إدارة الرئيس جو بايدن لمغازلة الجماعة عبر رفعها من قائمة الإرهاب الأميركية؛ لتشجيعها على الدخول في عملية سلام لإنهاء الحرب اليمنية. من المفارقات المثيرة للاهتمام أن الولايات المتحدة، التي تضغط على إسرائيل لوضع تصور لليوم التالي لنهاية الحرب في غزة، لا تملك نفسها تصورًا واضحًا للتعامل مع اليوم التالي الذي يُمكن أن ينزلق فيه الاضطراب الإقليمي الراهن إلى صراع أكثر خطورة وأوسع نطاقًا يُمكن الافتراض بعد الآن أن الحوثيين سيتخلون عن حذرهم السابق في تصميم هجماتهم في البحر الأحمر، كعامل ضغط فقط لإنهاء الحرب على غزّة، ما يعني أن فترة من الاضطراب ستستمر في أكثر الممرات البحرية حيوية للاقتصادَين الإقليمي والعالمي. تُمثل جبهة البحر الأحمر الآن صورة مُصغرة عن الشرق الأوسط الجديد الذي دخل حالة من عدم اليقين، بعد الحرب الإسرائيلية على غزة. بينما تُصعد الجماعات المدعومة من إيران هجماتها على القوات الأميركية في سوريا والعراق، بشكل متزايد، وتُقابل برد أميركي متصاعد، فإنّ الوضع على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية لا يقل خطورة، ويلوح في الأفق شبح حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله. وقد أصبح مسار التوتر-مع مرور الوقت- مستقلًا بحد ذاته عن مسار الحرب على غزة، إنْ من حيث الفعل ورد الفعل، أو من حيث الظروف العميقة التي أدَّت لظهوره اليوم. إن العامل الوحيد الذي حال حتى الآن دون تطور التصعيد على الجبهة اللبنانية -الإسرائيلية إلى حرب هو أن الطرفين لا يُريدانها لاعتبارات مُختلفة. لكنّ هذا العامل يصبح أقل تأثيرًا في ديناميكية المواجهة الحالية بين إسرائيل وحزب الله مع تفوق العوامل الأخرى التي تجعل الحرب خيارًا لا مفرّ منه. وحتى لو بدت مسألة اليوم التالي لنهاية الحرب في غزة الأكثر تعقيدًا، فإن أحدًا لا يملك تصورًا واضحًا للكيفية التي يُمكن أن يكون عليها الشرق الأوسط في اللحظة التي تندلع فيها حرب كبيرة بين إسرائيل وحزب الله، وكيف ستكون الاستجابة الأميركية لها. حتى لو كانت إدارة الرئيس جو بايدن لا تمتلك خيارات أقل تكلفة للتعامل مع الارتدادات الإقليمية لحرب غزة سوى استخدام القوة العسكرية كعامل ردع، فإن الردع لن يكون كافيًا وحده للحد من المخاطر الإقليمية. ومن المفارقات المثيرة للاهتمام أن الولايات المتحدة، التي تضغط على إسرائيل لوضع تصور لليوم التالي لنهاية الحرب في غزة، لا تملك نفسها تصورًا واضحًا للتعامل مع اليوم التالي الذي يُمكن أن ينزلق فيه الاضطراب الإقليمي الراهن إلى صراع أكثر خطورة وأوسع نطاقًا، باستثناء أنها تأمل تجنّب هذا السيناريو. تكمن نقطة الضعف الأساسية في الإستراتيجية الأميركية في التعامل مع هذا الاضطراب الإقليمي، في أن واشنطن تعتقد أن عامل الردع يُمكن أن يُثني إيران وحلفاءها عن تعميق انخراطهم في الحرب، وفي أن الدفع باتجاه تقليص الحرب الإسرائيلية على غزة، ودفع دول المنطقة إلى الانخراط في الرؤية الأميركية لإدارة غزة بعد الحرب، سيؤديان تلقائيًا إلى الحد من المخاطر الإقليمية الناجمة عن الحرب. قد يبدو جزء من هذا الاعتقاد صحيحًا، خصوصًا لجهة أن إيران وحلفاءها لا يزالون يُظهرون انضباطًا أكبر في نشاطهم العسكري. لكنّ مُحفزات مواصلة هذا الانضباط تتضاءل شيئًا فشيئًا. كما أن إيران تجد في الارتدادات الإقليمية لحرب غزة فرصة لاستعراض قوتها الإقليمية، وزيادة الضغط العسكري -عبر وكلائها- على الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق، وتعظيم تأثير الحوثي في المعادلة الأمنية في البحر الأحمر. كما تتعامل الولايات المتحدة مع حرب غزة على أنها فرصة لتجديد حضورها العسكري في الشرق الأوسط، فإن طهران تنظر إليها أيضًا على أنها فرصة لرفع التكاليف العسكرية على الحضور الأميركي في المنطقة. حتى مع الأخذ بعين الاعتبار دور الحرب على غزة في تأجيج الاضطراب الإقليمي الراهن، فإنه يتغذى الآن من هذه الحرب بقدر أكبر من كونه نتيجة لها. أدى انهيار فرص إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني في عهد بايدن، وعودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، والشكوك المتزايدة بشأن مستقبل الدور الأميركي في الشرق الأوسط، فضلًا عن المنافسة الجيوسياسية الجديدة بين القوى العظمى وانعكاساتها على الشرق الأوسط، وأخيرًا الحرب على غزة، أدّت جميعها إلى خلق آفاق جديدة أمام إيران لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية. أحدثت حرب السابع من أكتوبر تحوّلات كبيرة في الشرق الأوسط، إن من حيث إعادة إحياء القضية الفلسطينية ودورها في تشكيل ديناميكيات السياسات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، أو من حيث إعادة تسخين حرب الوكالة بين الولايات المتحدة وإيران، فضلًا عن تحريك خطوط الصدع في الصراع بين إسرائيل وحزب الله. وبمعزل عن مآلات حرب غزة وسيناريوهات الاضطراب الإقليمي الراهن، فإن التنبؤ بشرق أوسط جديد أكثر استقرارًا أضحى مُجرد وهْم. والحقيقة، التي سيتعين على بايدن ومساعديه أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار بشنّ ضربات عسكرية في المنطقة، أن القوة وحدها لن تُنظف الفوضى التي خلّفتها حرب إسرائيل على غزة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/21/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%af%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d9%8a-%d9%84%d8%a7-%d9%8a%d9%83%d9%81%d9%8a-%d9%88%d8%ad%d8%af%d9%87-%d9%84%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%91-%d9%85%d9%86
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-01-21T08:52:23
2024-01-21T08:52:23
مقالات
2,247
العنوة السياسية.. مرض يصيب الديمقراطية الأميركية
إن صدور حكم على ترامب، حتى لو لم يكن يمنع ترشحه، فإنه يعرقل استمرار المنافسة السياسية من بابها الطيع المقبول، على غرار ما جرى للرؤساء السابقين الذين حرصوا على الالتزام بالدستور والقانون، ولو شكليًا.
لا يخفى على متابع للسياسة الداخلية الأميركية أن الإحن فيها قد تعافت، والانتقال من الغمز واللمز في إطار المنافسة المحكومة بقواعد متعارف عليها إلى المواجهة السافرة، قد تصاعدت، منذ دخول دونالد ترامب إلى حلبة السياسة مرشحًا للمرّة الأولى، ثم وصوله إلى البيت الأبيض رئيسًا، لتستعر بعد فشله في الاحتفاظ بمنصبه، خلال الانتخابات الأخيرة. واليوم، وبعد إدانة القضاء الأميركي ترامب في 34 قضية، لاسيما إن تحوّلت إلى حكم بالسجن في يوليوتموز، المقبل، ستدخل السياسة الداخليّة الأميركية إلى حال من العنت والعناد والعناء لم تعرفها من قبل، على هذه الصورة، ما يجعل الديمقراطية التمثيلية نفسها أمام أخطار تضاف إلى تلك التي تواجهها منذ عقد على الأقل في المجتمع الغربي كله، ما جعل بعض المفكرين السياسيين هناك يتحدثون عن ضرورة تعزيز وجود ديمقراطية تشاركية، تحافظ على حيوية السياسة في الغرب، وتغذيها بقدر أعمق وأوسع من الرضا الشعبي، الذي هو أساس للشرعية الحقيقية. إن صدور حكم على ترامب، حتى لو لم يكن يمنع ترشحه، فإنه يعرقل استمرار المنافسة السياسية من بابها الطيع المقبول، على غرار ما جرى للرؤساء السابقين الذين حرصوا على الالتزام بالدستور والقانون، ولو من الناحية الشكلية. فهذا الشكل كان، على الأقل، يعبر عن السير في طريق سلمي آمن، يحظى بالرضا الشعبي، مع التسليم بما أنتجته الديمقراطية من نتائج، تترتب على مقدمات متوافق عليها ويحميها الدستور، تجعل الفائز في الانتخابات الرئاسية، على تركيبها وتعقيدها في ظل صيغة المجمع الانتخابي لكل ولاية. فهذا كله قد يكون محل شك مستقبلًا، إن فاز بايدن، ومحل انتقاص من النزاهة والهيبة، إن فاز ترامب. يُرى هذا الأمر في ظلّ إعلان الحزب الجمهوري أن ترامب هو مرشّحه، مهما كان الحكم النهائي في حقّه، ما يعني أنّ الرجل سيحضر إلى السياسة من باب العنوة، وربما الفوضى، لاسيما إن غضب أنصاره، واعتبروا الحكم محض مؤامرة، مثلما فعلوا حين خسر الانتخابات الفائتة. لقد اتّهمت المحكمة ترامب بتزوير سجلات الأعمال التي واجهها في محاكمته الجنائية المتعلقة بشراء سكوت ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز عن إقامة علاقة جنسية معها، وهي القضية المعروفة إعلاميًا بـ أموال الصمت. واتّهم ترامب أيضًا بـ المشاركة في مؤامرة غير قانونية لتقويض نزاهة انتخابات الرئاسة عام 2016، والاشتراك في خُطة غير قانونية لقمع المعلومات السلبية، والتي تضمّنت إخفاء دفع أموال مقابل صمت الممثلة الإباحية. وهذا، من دون شك، يمثل نيلًا من سمعة ترامب، حتى لو كان بمقدوره الاستئناف على أي حكم يصدر في 11 يوليوتموز المقبل حسبما حدد القاضي خوان ميرشان، ودخول سباق الانتخابات، وهو أمر يمكنه أن يفعله أيضًا حتى من داخل سجنه. فلو سجن ترامب، وهي مسألة لا يرجحها خبراء قانونيون؛ لأنه ليس لديه سجل إجرامي، ونظرًا لأنه متهم بارتكاب جرائم غير عنيفة، فإن هذا لن يمنع ترشحه على غرار ما جرى مع مرشح الحزب الاشتراكي يوجين ديز، الذي خاض انتخابات 1920 من سجن كان ينفذ فيه حكمًا بعشر سنوات، ووظف أنصاره سجنه في الدعاية له، وحصل على مليون صوت، رغم أنه كان مدانًا باتهامات أشد وطأة على الحياة السياسية الأميركية وقتها، وهي التحريض على الفرقة والانشقاق، وحضّ المواطنين على رفض التجنيد الإلزامي. سيستفيد ترامب من دستور بلاده الذي لا يشترط خلو سجل المرشح الرئاسي من السوابق الجنائية، ويفرض فقط أن يكون أميركيًا بالميلاد بلغ الأربعين من عمره وقت ترشحه. وهذا أمر لم يكن غائبًا بالطبع عن ذهن القاضي ميرشان، الذي خاطب ترامب قائلًا أنت الرئيس السابق للولايات المتحدة، وربما الرئيس المقبل أيضًا. بل إنه، ومنذ اليوم الأول، الذي استدعي فيه ترامب للمحاكمة وهو 4 أبريلنيسان 2023، وصفه بأنه مرشّح لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية. لكن ترامب وإن لم يقبع في السجن، إذ يعاقب القانون بالسجن لمدة تتراوح بين 16 شهرًا وأربع سنوات في مثل هذا النوع من القضايا، فقد ينفّذ إقامة جبرية بمنزله في نيويورك أو فلوريدا، ويخضع لمراقبة فترة من الزمن، وللإجراءات الاعتيادية التي تنفّذ على المجرمين المدانين، وكذلك لتدابير استثنائية منها طريقة حماية جهاز الخدمة السرية له، وما إذا سيسمح له بالسفر لحضور فعاليات حملته الانتخابية إذا حكم عليه بالإقامة الجبرية في منزله. هذا، سيلقي بظلال كثيفة على الانتخابات الرئاسيّة الأميركية المقبلة، سواء بسبب اتهام القضاء بالتسييس، أو توظيف السجن في جلب تعاطف مع ترامب، وهي مسألة انطلقت بعد دقائق فقط من إدانة المحكمة له، إذ فتح الموقع الرسمي له حملة تبرعات لصالحه بوصفه سجينًا سياسيًا، وليس مجرمًا، وهي مسألة يحاول ترامب نفسه ترسيخها، حيث حملها تعليقه الفوري على الحكم بالقول لقد تمت إدانتي للتو في محاكمة مطاردة الساحرات السياسية. لم أفعل شيئًا خاطئًا .. لقد داهموا منزلي، واعتقلوني، وأخذوا صورتي، والآن أدانوني للتو. إن ترامب راح يشكك في نظام العدالة الأميركي ويتهم القاضي بالفساد، والقضاء بالخضوع لأهواء السياسة وانحيازاتها، ما يعني أنه، حال ترشحه، سيوظف كل هذا في الهجوم على النتائج إن جاءت في غير صالحه، مثلما فعل في انتخابات 2020، التي وُجه فيها له اتهام من قبل الديمقراطيين بأنه شارك في مخطط لإلغاء نتائجها، ما عدّه البعض وقتها محاولة انقلاب، فضلًا عن اتهامه بتدبير مؤامرة غير قانونية للتأثير على نتائج انتخابات 2016 التي فاز فيها. ويمهّد ترامب الطريق إلى نواياه هذه إذ طالما استفاد من مسار محاكمته في جمع التبرعات، وكان يغازل أنصاره دومًا برسائل إلكترونية، قال في إحداها لقد خرجت من المحكمة بسرعة.، مدركًا في كل الأحوال أن من حقه الاستئناف على أي حكم يصدر ضده، وهي مسألة قد تستغرق شهورًا أو سنوات، ما يعني أن موعد الانتخابات المقبلة سيحل بينما القضية التي لا تزال سارية. إن ترامب لا يمثل شخصًا عاديًا في الحياة السياسية الأميركية، إذ صنع ظاهرة أطلق عليها البعض الترامبية وهي مزيج من الشرعية القانونية والجنوح، بل البذاءة السياسية، والتدابير اليمينية المتطرفة التي تنعكس في إجراءات تخص المهاجرين، وتهندس دور الولايات المتحدة في العالم وكيف تواجه منافسيها وخصومها وأعداءها، علاوة على تصورات دينية وأفكار سياسية واجتماعية تغذي نوعًا من المكارثية الجديدة. كل هذه الحزمة من التصورات ستنعكس، حتمًا، على الخطاب السياسي للجمهوريين، لاسيما الترامبيين منهم، في الفترة المقبلة، ما يعني وجود مواجهة حادة بين أنصار الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تسبق الانتخابات وتتخللها وتعقبها، ربما بصيغة أكثر ضراوة من الانتخابات السابقة، تضع الديمقراطية الأميركية، التي تقدمها واشنطن للآخرين كنموذج تطالب الآخرين بالامتثال له، في اختبار قاسٍ، بل محنة، ستكون لها آثارها على العالم أجمع. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/4/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%b1%d8%b6-%d9%8a%d8%b5%d9%8a%d8%a8
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-06-03T21:40:23
2024-06-03T21:54:23
مقالات
2,248
سجين واحد لفنزويلا مقابل ثلاثين.. مَن هو أليكس صعب؟
واعتُبرت طريقة إيقافه في الرأس الأخضر، في الغرب الأفريقي، “إنجازًا” تباهت به إدارة الرئيس السابق ترامب، وحقّقت ثأرًا سياسيًا من الرئيس مادورو، أثلج صدور الجمهوريين، والمعارضة الفنزويلية
سجّلت العلاقات الفنزويلية الأميركية منعرجًا بارزًا الأسبوع الماضي، وذلك بعد توصُّل إدارتَي الرئيس بايدن، ونظيره مادورو، إلى اتفاق يقضي بتبادل سجناء من الجانبين، بعد جهود من الوساطة القطرية. ورغم أن الصفقة شملت تسليم فنزويلا 32 سجينًا، من بينهم اثنا عشر من حاملي الجنسية الأميركية، انصاع الرئيس بايدن لتنفيذ مطلب الرئيس مادورو، المتمثل في تسليم سجين واحد، من الحجم السياسي الثقيل، وهو أليكس صعب، الشخصية المخضرمة التي تقول الإدارة الأميركية إنها حلقة الوصل بين حكومات؛ إيران، وتركيا، وحزب الله، والنظام الفنزويلي. فمن هو صعب بالنسبة للرئيس مادورو؟ ولماذا مثّل صيدًا ثمينًا للولايات المتحدة عند إلقاء الإنتربول القبض عليه في 2020، وجلبه لسجن في ولاية فلوريدا في 2021؟ بعيدًا عن اعتبار الإدارة الأميركية، أليكس صعب واجهة الرئيس مادورو في مهماته الخارجية شرقًا، تعتمد اتهامات القضاء الأميركي لصعب على رواية قضايا غسل أموال، استخدم فيها هذا الأخير بعض البنوك الأميركية لنقل وتحريك أموال متأتية من أرباح تحققت عن طريق صفقات فساد داخل فنزويلا، بقيمة إجمالية تصل 350 مليون دولار. وقد وظّف صعب، لهذه العمليات، شبكةً من الأسماء الحليفة للنظام الفنزويلي في الولايات المتحدة، حسَب الرواية الأميركية. وكان من المرجّح أن تصل عقوبة السجن 20 سنة، ما جعل مطلب ترحيل صعب إلى فنزويلا، مُصنّفًا حسب الإدارة الأميركية من مطالب الحد الأقصى. واعتُبرت طريقة إيقافه في الرأس الأخضر، في الغرب الأفريقي، إنجازًا تباهت به إدارة الرئيس السابق ترامب، وحقّقت ثأرًا سياسيًا من الرئيس مادورو، أثلج صدور الجمهوريين، والمعارضة الفنزويلية. لكن الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الحالي بايدن، خذلت سياسيين كُثُرًا داخل الولايات المتحدة، وفي فنزويلا، رغم أن صفقة إطلاق سراح صعب، تمت مقابل إطلاق سراح أكثر من ثلاثين شخصًا، كانوا يقبعون في سجون فنزويلا، بين معارضين فنزويليين، وحاملين للجنسية الأميركية. تعود تفاصيل إيقاف أليكس صعب، إلى يونيو حزيران 2020، عندما توقّفت الطائرة الخاصة التي كان على متنها، والقادمة من إيران، في أرخبيل الرأس الأخضر للتزوّد بالوقود، فوجد عناصر من الإنتربول في انتظاره، ألقت عليه القبض؛ بحجّة صدور بطاقة تفتيش من القضاء الأميركي ضده، وتمّ التحفظ عليه هناك في انتظار إحضار قرار الترحيل. في الأثناء، تقدّم فريق الدفاع عن صعب، ببطاقة إقامة وبطاقة دبلوماسية باسمه، من الخارجية الفنزويلية، تُظهر اعتماده سفيرًا لها لدى الاتحاد الأفريقي، وأنه يتمتع بكامل الحصانة التي بموجبها يُمنع تفتيش صعب، ومصادرة محتويات الطائرة. لكن رئيس الرأس الأخضر وقتها، اليميني خوسي ماريا نيفيس، لم يُبدِ تعاونًا مع الجانب الفنزويلي. وقبل أيام فقط من نهاية مدة رئاسته، مكّن حكومة الرئيس بايدن في أكتوبر تشرين الأول 2021، من ترحيل صعب إلى فلوريدا. من المثير أن يمثّل أليكس صعب كل هذا الوزن السياسي لدى فنزويلا والولايات المتحدة، والحال أنه ليس فنزويليًا، لا بالولادة ولا بالنشأة ولا بالجنسية، لكن حظوته لدى النظام الفنزويلي تعود إلى عهد الزعيم الراحل شافيز، وانطلقت فعليًا في 2011، وتطورت في ظل حكم الرئيس الحالي مادورو، إلى درجة وصفه بذراعه اليمنى في الخارج. إذ لعب أليكس صعب دور النائب عن الرئيس مادورو، في مهماته الخارجية، منذ التضييق الذي فرضته عليه الإدارة الأميركية في التنقل، في 2019. إضافة إلى تأزم الظروف الاجتماعية داخل فنزويلا؛ بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية المتصاعدة منذ 2015، وتعزيزها بالقطيعة الدبلوماسية في 2018. وفي الوقت الذي ترى فيه الإدارة الأميركية ومن والاها، أن المهام التي كان الرئيس مادورو يُسندها إلى صعب، تعتريها شبهات فساد مالي كبرى، ترى الحكومات اليسارية، أن أليكس صعب مجرد رجل أعمال رائد، يحظى بثقة ودعم النظام الفنزويلي، وأن كل ما تقوله الإدارة الأميركية، يدخل في باب الحرب على الرئيس مادورو، ورموز تيار شافيز. ويرى جزءٌ آخر من الطبقة السياسية- محايدٌ نسبيًا- أن صعب، يؤدي مهامَّ مثيرة للجدل في الخارج بتكليف من الرئيس مادورو، لكنه مستفيد فعلًا، ولحسابه الخاص من العقوبات المفروضة على فنزويلا، وذلك من خلال المتاجرة في قطاع الإعانات الغذائية، وفي مواد مشاريع الإسكان المدعومة، وتحقيق أرباح مبالغ فيها، بضوء أخضر من الحكومة الفنزويلية، وكأنه يجسّد أولئك الذين يوصَفون بـ من ازدهرت أحوالهم عندما جاعت أوطانهم. ويتمثّل أوَّل أنشطة أليكس صعب، في التفرّد بمهمة تزويد مشروع الزعيم الراحل شافيز للمساكن الشعبية، بمواد البناء من كولومبيا والإكوادور ما بين 2012 و2013، والتي تلقّى مقابلها 159 مليون دولار، لكنه قام بتسليم سلع لا تتجاوز قيمتها 3 ملايين دولار، حسب موقع أرماندو إنفو الاستقصائي، التابع للمعارضة. على صعيد آخر، فازَ صعب وشريكه الكولومبي أيضًا، آلفارو بوليدو بعقد في 2016، خوّله تزويد الحكومة الفنزويلية بحاجيات البلاد من المواد الغذائية، وذلك في أوَج الحصار الغذائي على فنزويلا، والذي قررت أثناءه الحكومة اعتماد أسلوب العلب الكرتونية الشهريّة للمواطنين. وكان صعب يتولّى استيراد المواد الغذائية الأساسية، تماشيًا مع قائمة تمدّه بها الحكومة لشركات أجنبية يقع أغلبها في إيران، وروسيا، وتركيا. وقد ذكرت المعارضة أن حكومة الرئيس مادورو، كانت تعتمد أسلوب المقايضة في هذه المعاملات، حيث تمنح شركاءها في الخارج، عقود تنقيب عن النفط والمعادن، مقابل السلع الغذائية. وأضافت إن كل المعاملات المالية بينها، تتمّ في شركات وهمية في بنما، وكولومبيا، والمكسيك، والإمارات العربية، وتركيا، وهونغ كونغ، لكن صعب مثلًا، قام بتغيير مقرات شركاته، نحو تركيا في 2019، مع فتح القضاء الأميركي تحقيقات بشأنه، حسب موقع أرماندو إنفوالاستقصائي المعارض. لكن الشهرة الكبرى- التي رافقت اسم صعب لدى المعارضة، والتي لم تُثبت عليه أبدًا- هي تهريب المال والذهب، إلى حلفاء الرئيس مادورو في الخارج. من المؤكد أن إدارة الرئيس بايدن وحكومة الرئيس الفنزويلي مادورو، قَبِلتا التفاوض والقبول بهذه الصفقة، مُرغمتين ومنصاعتين لمصالح يفرضها الأمر الواقع على الجانبين. فالرئيس مادورو يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تخفيف العقوبات الدولية على بلاده، وهو مُقدِم على سنة انتخابية جديدة، ووحده يعلم أن الشرط الأميركي عليه، في السماح بهامش حرية للمعارضة في المحطة القادمة، مقدور عليه، في ظل ثقته بقدرات قبضة نظامه الحديدية. أما واشنطن، فتحتاج بشكل عاجل إلى خفض أسعار النفط، حتى لو كان الثمن، تعويض النفط الروسي بعودة تدفُّق النفط الفنزويلي في السوق العالمية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/26/%d8%b3%d8%ac%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af-%d9%84%d9%81%d9%86%d8%b2%d9%88%d9%8a%d9%84%d8%a7-%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%a8%d9%84-%d8%ab%d9%84%d8%a7%d8%ab%d9%8a%d9%86-%d9%85%d9%8e%d9%86-%d9%87%d9%88
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-26T06:45:13
2023-12-26T07:09:47
مقالات
2,249
حان الوقت ليراجع العالم الإسلامي نفسه
نعاني كل يوم من ألم مشاهدة إخواننا وأخواتنا المسلمين يُقتلون أمام أعيننا كل يوم بلا حول ولا قوة، وإزاء ما يجري، يجب علينا طرح كثير من الأسئلة، لنعرف كيف وصلنا إلى هذه النقطة، وكيف نستطيع الخروج منها.
هزتنا، ولا تزال، مذبحة غزة التي تحولت إلى مأساة عميقة نعيشها وتعيشها الإنسانية. نعاني كل يوم من ألم مشاهدة إخواننا وأخواتنا المسلمين يُقتلون أمام أعيننا كل يوم بلا حول ولا قوة، وإزاء ما يجري، يجب علينا أن نطرح كثيرًا من الأسئلة، لنعرف كيف وصلنا إلى هذه النقطة، وكيف نستطيع الخروج منها. كيف يمكن لـ57 دولة إسلامية، مع ما يقرب من 2 مليار مسلم، أن يفشلوا في منع المجزرة التي تحدث أمام أعيننا؟ كيف يمكن لمن يديرون هذه الدول أن يكونوا عاجزين، وغير مبالين إلى هذا الحد؟ توحّدت الدول الغربية في حرب أوكرانيا وروسيا لمواجهة روسيا التي رأوا فيها تهديدًا أمنيًا، فلماذا لا ترى الدول الإسلامية العدوان الإسرائيلي كتهديد أمني وتتحد بنفس الطريقة؟ علينا الآن مساءلة الأنظمة الحاكمة، ومواقف الدول، وعلاقاتها. يجب أن نفكّر في كيفية تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية لزيادة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على إسرائيل. ينبغي أيضًا تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بين الدول الإسلامية كوسيلة لحماية المدنيين والممتلكات في غزة وغيرها من المناطق الفلسطينية. وبينما نُسائل الأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية على سلوكها السلبي، يجب علينا أيضًا مساءلة أنفسنا. في جميع الدول الغربية، نزل مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع، محتجّين من أجل فلسطين التي لا ينتمون لدينها أو عرقها، فلماذا يسود صمت قاتل في شوارع الدول الإسلامية؟ ما هو سبب خمول الأفراد المسلمين، وصمتهم، وعدم مبالاتهم؟ لقد حان الوقت لمساءلة الهوية الإسلامية، والفكر، والنظرة إلى العالم، والحياة المنفصلة عن المبادئ. يجب أن نسعى لزيادة الوعي والتثقيف حول القضية الفلسطينية في المجتمعات الإسلامية. يمكننا تنظيم حملات توعية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؛ لتعزيز فهم الناس للمأساة التي تحدث في غزة وتشجيعهم على المشاركة في الاحتجاجات والنشاطات الداعمة للفلسطينيين. من الضروري أيضًا أن نعمل على بناء شبكات تضامن قوية بين المسلمين في مختلف أنحاء العالم؛ لدعم القضية الفلسطينية بشكل أكثر فاعليّة. ما يحدث في غزة هو نتيجة للاختلافات الفكرية بين المسلمين. فهذه الانقسامات التي تفرقنا إلى هذا الحد، وتجعلنا نصمت حتى عن موت الأطفال، يجب أن تنتهي الآن. وإذا كانت اختلافات المذاهب، والتوجهات الفكرية، والنظرات الأيديولوجية تفصلنا بهذا الشكل، وتخلق عداءً وتهميشًا، فقد حان الوقت لوضع حد لذلك. على علمائنا ومفكرينا مساءلة عالم الأفكار، وانتقاد الأفكار التي تفرقنا، وابتكار أفكار جديدة توحدنا. لقد أثرت أحداث غزة بشكل كبير على الغرب أيضًا، فعلى الرغم من أن معظم الحكومات الغربية أعلنت رسميًا دعمها للاحتلال الإسرائيلي، ووفرت له الأسلحة والذخيرة والدعم الدبلوماسي، فإن موقف الشعوب كان على العكس تمامًا؛ حيث انتفض الشباب في الجامعات، وملأت الجماهير الشوارع. وانتشرت فعاليات التضامن مع الشعب الفلسطيني غير المعروف لهم في جميع أنحاء العالم. علينا الآن مساءلة علاقتنا مع الدول الغربية، ومؤسساتها. ما فائدة الأمم المتحدة؟ لماذا لا يمكنها منع المجازر؟ يجب أن نبدأ بمساءلة هذا الأمر. وأثناء إعادة تقييم علاقاتنا مع الدول الغربية، يجب أن نتواصل ونتفاعل بشكل أكبر مع شعوبها الحساسة والمثالية. يمكننا العمل على تعزيز العلاقات مع المنظمات الحقوقية والإنسانية في الغرب لدعم القضية الفلسطينية. يجب أن نسعى لبناء تحالفات قوية مع هذه المنظمات؛ لتعزيز الضغط على الحكومات الغربية لتغيير سياساتها تجاه إسرائيل. يمكننا أيضًا تنظيم حملات إعلامية مشتركة لزيادة الوعي حول ما يحدث في غزة وتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين. لا ينبغي أن تقتصر تساؤلاتنا على عالمنا الخاص فقط، ولكن ما هو تصورنا للعالم من أجل الإنسانية؟ ما هي اقتراحاتنا تجاه جميع الأيديولوجيات التي تسبب الألم للعالم؟ وفي عالم تتغير فيه التوازنات؛ ما هو مكاننا؟ هل لدينا نظام اقتصادي عادل نقترحه للعالم، ونظام عادل لتوزيع الدخل، ونظام عدالة يطبق بالتساوي على الجميع؟ لقد حان الوقت لمناقشة هذه الأمور. إذا كنا لا نريد أن نرى غزة جديدة، وإذا كنا لا نريد أن تُحتل أراضينا ويستعبد أطفالنا، وإذا كنا نريد عالمًا نعيش فيه بحرية وسعادة، فقد حان وقت التساؤل الجدي حول أنفسنا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/7/3/%d8%ad%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%82%d8%aa-%d9%84%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%ac%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%87
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-07-03T07:08:18
2024-07-03T07:24:35
مقالات
2,250
إسطنبول.. هل بدأت معركتها الانتخابية مبكرًا؟
حزب “الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة- الذي يتولى حاليًا رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، التي يديرها أكرم إمام أوغلو- أعلن عن نيته إعادة ترشيح الرجل مرَّة أخرى
حالة من الترقّب والقلق العميق، تسيطر على أجواء الحملات الدعائية لأحزاب المعارضة التركيّة مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية المنتظرة في الواحد والثلاثين من مارس آذار المقبل. يتمحور هذا القلق بصورة خاصة حول الترتيبات والتفاهمات التي تتم سرًا وعلانية بشأن بلدية إسطنبول الكبرى، تحديدًا، وكأنها معركة منفصلة تمامًا عن معركة الانتخابات المحلية، عمومًا، وعما يجري من اتفاقيات تخصّ باقي البلديات الثمانين الأخرى. رغم أهمية العديد من المحافظات التركية الكبرى كأنقرة- بصفتها العاصمة السياسية والإدارية للبلاد، إلى جانب أضنة، وإزمير، وأنطاليا، والتي عادة ما تشتد المنافسة بين الأحزاب التركية بشأنها؛ لأسباب تاريخية وسياسية- فإن معظم الجهد المبذول حاليًا من جانب قادة الأحزاب يتمحور حول إسطنبول، تحديدًا. وهو أمر لا يرتبط بصيغ الترتيبات والاتفاقيات التي يسعى كل حزب لعقدها؛ أملًا في تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، والسيطرة على عدد من البلديات يفوق ما سبق تحقيقه في انتخابات 2019، ضمن تحالف الأمة، الذي انفرط عِقده عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة. ويبدو أنّ سبب القلق يعود إلى حقيقة أن نجاح أحزاب المعارضة في انتخابات 2019؛ كان بفضل تحالفها، حيث استطاعت الفوز بالعديد من المدن الكبرى، وإبعاد حزب العدالة والتنمية عن رئاستها. ومع انفراط عقد تحالف الأمة، وإعلان معظم قادة أحزاب المعارضة خوض الانتخابات المحلية، هذه المرة منفردين، وتفضيلهم صيغة التعاون على صيغة التحالف، تبدو حظوظهم أدنى بكثير مما كانت عليه من قبل، مما يعني أن خسارتهم إسطنبول تلوح في الأفق. حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة- الذي يتولى حاليًا رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، التي يديرها أكرم إمام أوغلو- أعلن عن نيته إعادة ترشيح الرجل مرَّة أخرى لخوض هذه الانتخابات مجددًا، وذلك في إطار المصالح المتبادلة بين الرئيس الجديد للحزب أوزغور أوزال، وإمام أوغلو. إذ أثمر التعاون القائم بينهما- أثناء انتخابات رئاسة الحزب- عن الإطاحة بكمال كليجدار أوغلو الرئيس السابق، وفوز أوزال، الأمر الذي ضمن لإمام أوغلو ترشيحه لانتخابات بلدية إسطنبول، رغم ما يمثله هذا الاختيار من مجازفة حقيقية في معركة تبدو الأكثر شراسة مع زيادة حجم الانتقادات التي وجهت له خلال فترة رئاسته من جانب سكان المدينة، الذين عانوا الأمرَّين من تخبط قراراته، وغيابه في أوقات الأزمات، وعدم شعوره بالمسؤولية، وضبابية موقفه مما عليه من واجبات. وهو ما كان أحد الأسباب التي دفعت كليجدار أوغلو إلى التفكير في إبعاده عن الانتخابات المقبلة. أما حزب الجيد برئاسة ميرال أكشينار، فأعلن عن نيته الدفع بمرشحين من أعضائه البارزين لخوض الانتخابات في أهم المدن الكبرى، وفي مقدمتها بالقطع كل من إسطنبول، وأنقرة، وإزمير، ورفض دعوات الشعب الجمهوري للتعاون فيها، ضاربًا عرض الحائط بالتحذيرات التي أطلقها العديد من أعضاء هيئته العليا. وهو الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لبدء مرحلة جديدة من سيل الاستقالات التي طالت هذه المرّة نوابًا ومساعدين لرئيسة الحزب؛ اعتراضًا على انفرادها بالقرار، وتجاهلها مخاوف وآراء باقي القيادات، التي ترى صعوبة تحقيق قوائم الحزب أيَّ انتصارات حال دخوله الانتخابات المحلية منفردًا. حزب العدالة والتنمية وشريكه في الحكم الحركة القومية، كثّفا استعداداتهما مبكرًا لمعركة استعادة إسطنبول من حزب الشعب الجمهوري، كما سبق أن وعد الرئيس أردوغان عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية مايو أيار الماضي، فقد وضعا قائمة تضم عددًا من الأسماء المرشحة لخوض الاستحقاق الانتخابي لاختيار المرشّح الذي سيتم الدفع به في معركة استعادة المدينة مجددًا. ورغم تحديد تحالف الجمهور -الذي يضمّ العدالة والتنمية والحركة القومية -تاريخ الخامس عشر من يناير كانون الثاني المقبل موعدًا للإعلان عن قائمة أسماء مرشّحيه المنتظرين، فإن هناك بعض الأسماء التي يتم تداولها في وسائل الإعلام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارهم الأوفر حظًا لخوض هذا السباق الانتخابي. من أبرز هذه الأسماء فخر الدين خوجة، وزير الصحة، الرجل الذي بذل جهدًا خارقًا خلال وباء كورونا، وكان مثالًا يحتذى لما يجب أن يكون عليه المسؤول، خاصةً في أوقات الأزمات والكوارث، الأمر الذي أهّله للاحتفاظ بمنصبه بعد الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة. وسلجوق أوزدمير بيرقدار أوغلو، مهندس منظومة المسيرات التركية التي أصبحت حديث العالم، وصهر الرئيس أردوغان، وهو أبرز الوجوه الشابة على الساحة السياسية التركية، يتمتع بشخصية قيادية، وذكاء متقد، ومكانة مقدرة في الشارع التركي، وله العديد من المواقف الوطنية التي تؤهله لخوض هذه المعركة والخروج منتصرًا فيها. إلى جانب كل من سليمان صويلو، وزير الداخلية السابق، وعضو البرلمان الحالي الذي يتمتع بشعبية واسعة، ومراد كوروم، وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي السابق، وإن كان هناك من يرى أن أردوغان سوف يعلن عن مفاجأة غير متوقعة بشأن فارس معركة إسطنبول المنتظر، خلافًا لهذه التوقعات. لا يبدو أنّ اهتمام الأحزاب التركية بإسطنبول يرتكز فقط على مقولة؛ إن من يحكم إسطنبول يحكم تركيا التي سبق أن أطلقها أردوغان وطبقها فعليًا، بل المسألة تتخطى هذا الأمر، وإن كان ذلك صحيحًا دون شك. لكن الصراع القائم بين الأحزاب التركية، والمنافسة المحتدمة الواضحة بشأن من سيكون له الكلمة العليا، ويفرض سيطرته على المدينة التاريخية، خصوصًا بين حزبَي الشعب الجمهوري والعدالة والتنمية، لا يمكن حصره فقط في هذه المقولة التي أصبحت شائعة بين السياسيين. إذ من الواضح أن الأمر يصبّ في خانة الصراع التاريخي التقليدي بين التيارَين العلماني والإسلامي، الذي اندلع مع إعلان انتهاء حقبة الإمبراطورية العثمانية، وبدء مرحلة الجمهورية التركية، وهو ما أدى إلى تغيير عاصمة البلاد من إسطنبول إلى أنقرة. وهو الصراع الذي شهد تصاعدًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، وبدا تأثيره واضحًا في الاستحقاقات الانتخابية التي تم إجراؤُها مؤخرًا، وبدأت بوادره تعاود الظهور مجددًا مع الحملات الانتخابية المحلية الحالية. التيار العلماني يريد استمرار فرض سيطرته على المدينة؛ لاستكمال مخططه الرامي للعودة بها إلى المظهر الغربي الأوروبي، الذي يتوافق مع رؤية مصطفى كمال أتاتورك لها، وإزالة كافة المظاهر الإسلامية التي أصبحت تمثل واجهتها، وهو ما بدا واضحًا في الاحتفالات التي تقيمها بلديتها تحت حكم أكرم إمام أوغلو. فقد تعمد إذاعة القرآن الكريم باللغة التركية في أحد الاحتفالات، وعمل على إزالة كافة اللوحات الدعائية المكتوبة باللغة العربية؛ متجاهلًا تمامًا تلك المدونة باللغات الأجنبية الأخرى كالفرنسية، والإنجليزية، والروسية، وحتى اليونانية، إضافة إلى الوعود التي تم إطلاقها خلال الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية الأخيرة حول نيّة إعادة مسجد آيا صوفيا متحفًا مرة أخرى. وهو التوجّه الذي شجّع المتعصبين لفكر أتاتورك على مهاجمة عدد من المحجبات في محاولة لنزع حجابهنّ في الشوارع، كما تمت مهاجمة بعض المنتمين للتيار الإسلامي في وسائل النقل العام. بينما ينظر التيار الإسلامي إلى إسطنبول بصفتها درة تاج الخلافة الإسلامية، ورمز أمجاد وانتصارات الإمبراطورية العثمانية التي يتوقون إلى استعادتها مرة أخرى، وهو ما وعدهم به حزب العدالة والتنمية، ضمن مشروعه السياسي، الذي يعمل بكل جدية لوضعه موضع التنفيذ. وفي هذا الإطار اتخذ الحزب عدة خطوات، أكدت عزمه على استكمال مسيرته، فقد استعاد الهُوية الإسلامية للدولة التركية بعد عقود من الاغتراب وفقدان الذات، وأعاد آيا صوفيا مسجدًا مرة أخرى، وقام ببناء مسجد ضخم في قلب ميدان تقسيم رمز العلمانية الأتاتوركية وأبرز معاقلها، إلى جانب حرصه على الاحتفاء بالمناسبات والأعياد الإسلامية. لذا، فإنَّ استعادة سيطرته على المدينة التاريخية، تعني في نظر قاعدته الشعبية اتخاذ الخطوة الحاسمة التي ينتظرونها بفارغ صبر، وهي المرتبطة بصياغة دستور جديد للبلاد، يمنح النساء الحق في ارتداء الحجاب ويمنع تجريمه، وإزالة المادة الدستورية التي تنصّ على أن أنقرة هي العاصمة الأبدية للجمهورية التركية؛ حتى يمكن إعادة إسطنبول مجددًا إلى مكانتها كعاصمة للبلاد. فهل تصدق استطلاعات الرأي العام التي تؤكد تفوق العدالة والتنمية على باقي الأحزاب التركية في توجهات التصويت بالانتخابات المحلية في إسطنبول بحوالي 49 مقابل 42 لأقرب منافسيه؛ وهو الشعب الجمهوري، وتشهد تركيا مرحلة جديدة من مراحل استعادة هُويتها الإسلامية، في ظل انقسام المعارضة إلى أربع جبهات؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/21/%d8%a5%d8%b3%d8%b7%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%84-%d9%87%d9%84-%d8%a8%d8%af%d8%a3%d8%aa-%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-21T07:15:49
2023-12-21T10:27:14
مقالات
2,251
توحش وفظاعة تحت اسم الحضارة والتقدم.. كيف حررتنا غزة من زمن الأسر الغربي؟
إن ما يحصل في غزة اليوم من فظاعة يُسائِل الضمير الإنساني أكثر من كل الأحداث الفظيعة عبر التاريخ. فلم يسبق للبشرية أن عاينت- مثلما تعاين اليوم- مجازرَ إنسانية على المباشر.
إنّ الإنسان ليخجل من نفسه، وهو يجلس أمام شاشة التلفزيون، أو أي شاشة من شاشات الأجهزة الذكية ليتابع تحليلات المحللين والخبراء؛ لما يجري في غزة من تشريد وتهجير وإزهاق لأرواح الأبرياء من الأطفال والنساء والمسنّين. هذا الشعور بالخجل مصدره الإحساس بالعجز، ليس العجز عن الفهم والاستيعاب لما يحصل، بل العجز عن الفعل والحركة والتأثير في مجريات الأحداث. وهل من شيء مخجل أكثر من وقوف العالم بأسره عاجزًا عن أن يفرض وقفًا لإطلاق النار وقصف المدنيين العزل بالقنابل من السماء؟ كنا نحسب أنَّ البشرية قد قطعت أشواطًا في التحضر، وأن عالمنا قد أقَرَّ أعرافًا قانونية ومنظومة أخلاقية لا تسمح بالإبادة الجماعية للشعوب وبمشاهد التطهير العِرقي والتهجير الجماعي، حتى جاء العدوان الإسرائيلي على غزة ليثبت لنا أنَّ هذه البشرية تبلغ اليوم القاع في تدني المروءة والانحطاط الأخلاقي. إن ما يحصل في غزة اليوم من فظاعة يُسائِل الضمير الإنساني أكثر من كل الأحداث الفظيعة عبر التاريخ. فلم يسبق للبشرية أن عاينت- مثلما تعاين اليوم- مجازرَ إنسانية على المباشر. من سمات مجتمع ما وراء أو ما فوق الحداثة، أنه مجتمع يتوسل بالأدوات التكنولوجية لتحميل كل المحتويات والأخبار والمعاني، سواء من الأزمنة القديمة أو الجديدة، سواء من هنا أو من هناك؛ كما أنَّ من سماته كذلك بسط ما يجري حول العالم أمام أنظار العالمين كانت هذه المجازر في العصور السابقة تصل الإنسان في صيغة أخبار، والأخبار تحتمل الصدق، كما تحتمل الكذب، كما أنها قد تكون عرضة لمبالغات اللسان، وهذا ما قد يفسر التباس المواقف والتردد في الأحكام. غير أننا اليوم- ونحن نعاين بالصوت والصورة فظاعة ما يقع في غزة- لا نملك فسحة للتأويل أو التدقيق في المصادر والأخبار؛ فإما أن نقبل بفظاعة ما يجري في غزة في زماننا، أو نرفضها. وإننا نحسب أن التعاليم السماوية والقوانين البشرية لا تقبل بأي مُسوِّغ- مهما كان عقليًا- تبريرَ ما يحصل في غزة من جرائم شنيعة في حق الإنسان. ولهذا تجدنا نتساءل عن طبيعة العصر الذي ننتسب إليه، وكيف يسمح بمثل هذه الجرائم؛ أهو عصر الحداثة، أو ما بعد الحداثة، أم عصر جديد لم تنكشف أسراره بعد ولم تتجلَّ ملامحه؟ غزة تسائلنا إلى أين نحن ذاهبون؟. يرى البعض أننا اليوم نخرج من مرحلة ما بعد الحداثة لندخل زمنًا جديدًا يرتسم فيه أفق حضاري جديد. ومن هؤلاء من يميل إلى تسمية المرحلة الزمنية الجديدة مرحلة ما بعد ما بعد الحداثة، على الرغم مما تتسم به هذه التسمية من ركاكة. ومنهم من يفضل لفظة Metamodernity Metamodernism ، وهم يحملون على Meta معنى ما فوق أو ما وراء عوض معناها الأصلي الذي يفيد ما بعد في اللغة اليونانية، مثلها مثل Post اللاتينيَّة. بينما أنا أقرأ كتاب هانزي فرايناخت Hanzi Freinacht عن المجتمع المُصغي The Listening Society- هذا الكتاب الذي يتضمن محاولة جادة لوصف ملامح المجتمع ما وراء ما فوق حداثي- وجدتني أتساءل هل غزة معنية بمثل هذا الكلام؟. فكان الجواب نعم، غزة معنية بمعرفة تحت سقف أي زمن هي اليوم تُباد؛ أهو زمن الحداثة، أو ما بعد الحداثة، أو ما فوق الحداثة؟ إن غزة تُباد في مرحلة انتقالية، ما بين زمن أثبت إفلاس منظومته العقلية والأخلاقية، وهو زمن ما بعد الحداثة الذي تم فيه تفكيك الحداثة؛ وبين زمن جديد يقول المنظرون له إنه سيجمع بين حسنات التراث والحداثة، وما بعد الحداثة فيرتقي بالإنسان إلى درجة أعلى في الإنسانية، كما يسمح بتحقق ما ظل هذا الإنسان يحلم به على امتداد التاريخ. من سمات مجتمع ما وراء أو ما فوق الحداثة، أنه مجتمع يتوسل بالأدوات التكنولوجية لتحميل كل المحتويات والأخبار والمعاني، سواء من الأزمنة القديمة أو الجديدة، سواء من هنا أو من هناك؛ كما أنَّ من سماته كذلك بسط ما يجري حول العالم أمام أنظار العالمين. وكأننا بالأدوات التكنولوجية تمكّنُنا من النفاذ إلى كل الأعماق، عمق التاريخ وعمق الواقع، كل شيء أصبح مرئيًا منظورًا. وهذا يحملنا على الاعتقاد بأن ساحة الجريمة ستضيق أمام توسع ساحة الفضيلة، وأن زماننا لن يتّسع لجرائم مثل الجرائم التي تشهدها غزة. مع كامل الأسف، إنّ تفاعل العالم مع أحداث غزة يثبت لنا أنّ حالنا في الزمن المُنتقَل إليه، ليس أفضل من حالنا في الزمن المُنتقَل عنه. صحيح أنَّ صور الإبادة الجماعية في غزة أصبحت تملأ كل الشاشات؛ غير أنه لا يقل صحة كذلك أنها صور عارضة، لا تكاد تستقر في الوعي أو المخيال حتى تتلوها صور أخرى، صور أجساد عارية، أو لقطات من مباريات كرة القدم، أو مستملحات ومضحكات، أو معلومات علمية، أو مشاهد مسلية. وكأننا بصور الإبادة تصبح جزءًا من صور أخرى تمهّد وتعدّ المشهد العام؛ لتلبي رغبة الإنسان في الاسترسال في تقليب النظر فيما حدث ويحدث في كل الأزمنة والأمكنة. ليس الزمن المنتظر أرحم بغزة من الزمن المنظور، إنما هو امتداد لأزمنة الإنسان، هذا الإنسان الذي سمته التجبّر والطغيان. إن الحداثة، وما بعد الحداثة، وما فوق الحداثة، هي مجرد مسميات تخفي نزعة التسلط والاستبداد والاستعباد. إن صراع غزة اليوم من أجل البقاء، هو صراع البشرية كلها من أجل التحرر من سطوة هذا الإنسان المتسلط المستبد الميال إلى استعباد الآخرين، وإخضاعهم بالقهر، وقوة السلاح. لا يسعني في هذا المقام إلا أنّ أردد عبارة الراحل كينث وايت الداعية إلى الخروج من طريق الغرب السيّار. يؤكد وايت من خلال هذه العبارة على أن الأزمة أكبر من أن تُحَلّ بمجرد الانتقال من حداثة إلى ما بعد الحداثة، ثم إلى ما بعد ما بعد الحداثة، وكأننا ندخل في حكم من يطلب الاستراحة من شيء مألوف باللجوء إلى شيء مستجدّ. إن تخليص المجتمعات من الأزمة التي تتخبط فيها اليوم يقتضي إنسانًا آخر، غير إنسان القوة المادية الغاشمة، الإنسان المغرور بتفوقه التقني، المنجحر في البُعد الواحد. تحضرني في هذا السياق لفظة أخرى كان يرددها على أسماعنا كينث وايت، في معرض حديثه عن الإنسان الذي يجب أن نَتَشَوَّف إليه، كان يقول إننا في حاجة إلى Postman؛ بمعنى ساعي البريد، أو، بالمعنى المجازي، ذلك الإنسان الذي يحمل إلينا رسالة؛ عوض Postman، بمعنى الإنسان الذي يأتي ليخلف إنسان الحداثة، كما يراد لما بعد الحداثة أن تخلف الحداثة. إن أحداث غزة تعيد ترتيب علاقاتنا بذواتنا وبالآخرين، وتدعونا للخروج من أسر الزمن الغربي الذي بلغ فيه التحالف الأميركي-الإسرائيلي المنتهى في اللجوء إلى القوة والتنكر للقيم الأخلاقية التي تنضبط بضابط التقوى؛ أي بقوة أخلاقية يجدها الإنسان في نفسه؛ كي يكبح جموح قوته المادية عن التنطّع والمبالغة في التدمير والتخريب. لقد تحوَّل هذا النوع من الإنسان- الذي أفرزه الزمن الغربي، الإسرائيلي- الأميركي- إلى آلة لا ينهاها الحياء عن دفن الأطفال أحياء. وفي هذا إيذان بنهاية الإيمان، وتألّه الإنسان، وبلوغ القمة في العدوان والطغيان. لا شك في أن الإفلاس الأخلاقي- الذي يتجسد في التدمير الممنهج لأسباب الحياة في غزة- سيجعل الكثير من الناس- من مختلف الأجناس والأعراق، بمن فيهم الكثير من الغربيين- يخرجون أفواجًا من زمن تألّه الإنسان المادي، باتجاه أفق زمني آخر، زمن أخلاقي- ديني. هناك دلائل كثيرة تؤشر على أن العالم اليوم ماضٍ في الانقسام بين فسطاطَين فسطاط يتوسل بالعقل الإنساني المتنور لتبرير إبادة الآخرين؛ وفسطاط يتمسّك بالأخلاق للحفاظ على النفس البشرية. لم يعد في وسع المرء أن يقف على الحياد. لقد جاءت أحداث غزة لتصفعنا فتوقظنا من أحلام الزمن الغربي الذي ظلت تهفو إليه قلوب العالمين. إننا نركن إلى الاعتقاد بأن مظاهر التدمير الشنيعة المقترفة باسم الحضارة والعقل والتنوير بلغت درجة كبيرة في القسوة والعنف والحمق والجنون، حتى إنها أصبحت في عيون الناظرين عنوانًا على التوحش وقلة العقل والظلامية. لقد أشكل على المرء ما أصبح يراه من سلوك أهوج يصدر من أناس يدعون الانتساب إلى الحضارة والديمقراطية ومنظومة حقوق الإنسان، حتى إنه لم يعد يعرف لهؤلاء المدعين وجهًا يقرؤُه. بعد أحداث غزة صار الغرب- بمعناه السياسي، المؤسساتي، الإعلامي، العسكري- يصغر في عيون شعوب الأرض، وخصوصًا في عيون الشعوب العربية والإسلامية، حتى وكأنه لم يعد شيئًا، بعد أن كانت هذه الشعوب تراه عظيمًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/16/%d8%aa%d9%88%d8%ad%d8%b4-%d9%88%d9%81%d8%b8%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%aa%d8%ad%d8%aa-%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%af%d9%85
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2023-12-16T15:37:59
2023-12-16T15:37:59
مقالات
2,252
5 شروط لتعود الديمقراطية من جديد للعالم
تناقش المقالة ركود الديمقراطية عالميًا وتحدياتها في المنطقة العربية، مسلطة الضوء على ضرورات تحرير الديمقراطية من المركزية الغربية والأيديولوجيا والطائفية، والأنانية السياسية، وتأثير اقتصاد السوق.
تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال ملامح ومؤشرات الركود الديمقراطي، وأشرنا إلى حجم الانحسار الذي تعيشه فكرة الديمقراطية وتراجع زخمها حتى في معاقلها التقليدية كالولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية. كما عرضنا لتداعيات هذا الركود على منطقتنا التي لا تزال تكافح من أجل التغيير والإصلاح والديمقراطية. بيد أن هذا التراجع لفكرة الديمقراطية، أو انحسار زخْمها كنظام حكمٍ في العالم، لا يمنع من الوقوف عند مؤشرات كثيرة معاكسة تؤكد تطلعات الشعوب وكفاحها في أنحاء العالم من أجل الديمقراطية، ورؤية بلدانها تُدار بنظام حكم رشيد، حيث لا يشير الجدل الفكري والسياسي اليوم إلى غير الديمقراطية، كمنظومة حكم هي الأكثر مقبولية، أو إن شئنا القول إنها منظومة الحكم الأقل سوءًا وشرورًا. فالديمقراطية كمفهوم سياسي، وكآلية للحكم ليست مفهومًا مغلقًا وستاتيكيًا، وهي ليست معطى ثابتًا، ولا مكسبًا مضمونًا ونهائيًا، بل هي حالة متحركة، لم تكن يومًا ولن تكون حالة مثالية مكتملة، على الرغم من أنها تُصوّر اليوم بشكل نوستالجي، باعتبارها المثال المفقود والنموذج الموعود، الذي عاشه وتنعّم به المواطنون في الماضي بينما افتقده مواطنو الحاضر، في حين تبدو الديمقراطية ديناميكية في التاريخ تطرأ عليها عوارض القوة والضعف؛ الازدهار والانكسار. تلوح اليوم مجموعة من الشروط والمؤشرات التي يمكنها أن تلعب دورًا مهمًا في أن تخرج الحالة الديمقراطية من الركود إلى الصحوة، ومن التعثر إلى النهوض، ومن الانحسار إلى الانتشار، مستعيدة جاذبيتها كفكرة، وفاعليتها كمشروع إنقاذ. تخليص فكرة الديمقراطية من القفص الثقافي الغربي، وتحريرها من هذه المركزية المتغلبة والغالبة، يساعد على استعادتها كتجربة إنسانية ساهمت شعوب وحضارات متعددة ومتنوعة في نشأتها وتطورها، فكرًا وآليات. ويمكّن هذا التحرير المفهومي للديمقراطية من إطار المركزية الغربية، من النظر لهذا الكسب بعيدًا عن الحذر منها أو التوتر تجاهها أو سوء التفاهم التاريخي في العلاقة بها، وهو موقف سلبي راكمته قرون من الاستيلاء الغربي على هذه الفكرة، والزعم بأنها كسب غربي خالص، نشأ في فضائها الحضاري، ثم فاضت به على البشرية تنعّمًا. فالتيارات السياسية في المنطقة العربية بقدر ما رفعت لواء التغيير وكافحت من أجله، بقدر ما مثّل تمترسها خلف أيديولوجياتها الصارمة والصلبة، وعدم تحليها بالمرونة لتحقيق التوافقات وبناء الجبهات السياسية المؤهلة للتغيير، حاجزًا أمام تحقيق التغيير. وقد لعب الاستبداد في المنطقة بورقة الانقسامات الأيديولوجية واستثمرها أي استثمار باستدامة ضعف قوى المعارضة وضرب بعضها ببعض، وتبديد أي فرص للتغيير، بل وحتى الإصلاح. وتبدو الحاجة لتحرير الديمقراطية ملحّة وماسّة في ظل ما عاشته التجارب العربية التي تحقق فيها تغيير النظام السياسي، على غرار تونس ومصر وحتى اليمن. ففي هذه الدول أعاق الانقسام الأيديولوجي بين القوى التغييرية مسار الانتقال الديمقراطي، فانتهى إلى فشل التجربة وإغلاق قوسها، وعودة أنظمة حكم عسكرية أو شبه عسكرية متحكمة، بينما جرى إضعاف أو إقصاء كل تلك القوى المنقسمة أيديولوجيًا من المشهد السياسي. إلى ذلك يعاني العراق ولبنان من طائفية حرمت البلدين من انتقال ديمقراطي طالب به العراقيون واللبنانيون خلال حراك شعبي كبير بين 2019 و2021 من أجل التغيير والإصلاح والحرب على الفساد، والعدالة الاجتماعية. ونجحت القوى النافذة في الحكم أن تلتف على ذلك الحراك الشعبي، وتجهض فرص التغيير والإصلاح الجدي. فجوهر الديمقراطية كآلية للحكم الرشيد بكل أدواتها المؤسساتية والقانونية والرقابية، يحكمها مبدأ التداول السلمي على السلطة، عبر الانتخابات الحرة والديمقراطية والنزيهة. لكن أثبتت العديد من التجارب أن شخصيات وتيارات سياسية، تحوّلت من قوة إصلاح وتغيير، إلى قوة عرقلة وإرباك؛ بسبب الإصرار على الاستمرار وعدم السماح بالتداول على القيادة أو على السلطة، إما بزعم أنها ناجحة ولا تتغير أو بزعم المخاطر التي يمكن أن تنجرّ على التغيير. وتساق حجج ومبررات كثيرة، يبدو بعضها معقولًا ومنطقيًا، ولكنه يكرّس على المدى البعيد الاستمرارية على حساب التجديد والتداول. وتحرم الأنانية السياسية، أحزابًا ودولًا من ميزة التداول، ويفوّت عليها فرص التجدد والتحوّل. وتعاني جميع التيارات والقوى من الأنانية السياسية، ولم ينجُ منها لا اليسار ولا الإسلاميون ولا القوميون ولا الليبراليون. وهي مرض سياسي مستفحل يكاد يجعل من الديمقراطية فكرة طاردة للأجيال الشابة المتطلعة للمستقبل، تغييرًا وتجديدًا، أشخاصًا وأفكارًا. فبقدر ما تبدو وسائل التواصل الاجتماعي حالة من الحرية السائلة والسائبة، بقدر ما تخفي حجم التحكم والسيطرة عليها من قبل المؤسسات العملاقة التي تديرها بطريقة ناعمة، ولكنها تغولية وتحكمية. ونتج عن اختطاف العملية الديمقراطية إفراغها من جوهر فلسفتها القائمة على الحكم الرشيد، بما في ذلك العدالة الاجتماعية. وبقدر ما جرّدت الليبرالية الاقتصادية نظام الحكم الديمقراطي من أسس العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، بقدر ما تحولت فكرة الديمقراطية إلى فكرة طاردة، وغير جاذبة، بعد أن أصبحت تبدو لقطاعات واسعة من المجتمع باعتبارها أداة لتحكم مؤسسات الدولة العميقة، المختطفة والمشكلة أصلًا على مقاس اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية. لذلك يُعد تحرير الديمقراطية من سطوة اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية، وإعادة تبيئتها ضمن فلسفة حكم تقوم على العدالة الاجتماعية والرؤية التنموية الاقتصادية الاجتماعية مهمة حيوية من أجل استعادة زخمها كآلية للحكم لا التحكم، وبالتالي استعادة ثقة الشعوب فيها كأفضل وأرشد أنظمة الحكم وأقومها مسالكًا. والمؤكد أن هذه الانتخابات التي يجري تنظيمها يطغى على الكثير منها صبغة شكلية استعراضية، لا تعبرّ عن إرادة حرة بالكامل، ولا تتسم بالشفافية التي تضفي على المنتصرين فيها الشرعية الكاملة، وإنما هي عملية مشوّهة لتكريس سلطة الأمر الواقع، أو إضفاء شرعية على سلطة تغلّبت. تحتاج قوى الإصلاح والتغيير المدافعة عن الديمقراطية أن تكافح من أجل عملية انتخابية أكثر تعددية ونزاهة، كشرط في مسار ديمقراطي حقيقي يعكس الإرادة العامة للناخبين. ويؤكّد تمسّك عشرات البلدان بتنظيم انتخابات ومؤسسات حكم تمثيلية حتى وإن بدت في الكثير من الأحيان شكلية، على أن المنحى التراجعي والنكوصي على فكرة الديمقراطية ليس منحى نهائيًا، أو أنه غير قابل للتوقف irreversible، وإنما يمكن النظر لذلك باعتباره فرصة لتصحيح وإعادة إنعاش مسار ديمقراطي جدي وحقيقي. فمنطقة مثل منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، يظهر سجلّها وتصنيفها في التقارير والمؤشرات العالمية المتخصصة، أنها هي الأسوأ في العالم من حيث الحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وغياب الحكم الرشيد. وهي منطقة بقدر ما تتوفر فيها من مقدرات وإمكانات، بقدر ما تعتبر الأسوأ لجهة انتشار المجاعة والفساد والأنظمة الاستبدادية. فمثلًا اضطرت مؤسسة مو إبراهيم للإنجاز في القيادة الأفريقية، وهي مؤسسة متخصصة في الديمقراطية والحوكمة والحكم الرشيد، لأن تحجب جائزتها المقدرة بخمسة ملايين دولار، لسنوات متتالية؛ بسبب عدم جدارة أي قائد أفريقي بالجائزة. ويمثل انتشار التعليم، والنسبة الكبيرة لفئة الشباب في المنطقة، وارتفاع الوعي لديهم بالحاجة لأنظمة سياسية تستجب لتطلعاتهم، عوامل ضاغطة من أجل الإصلاح والتغيير، لذلك نشهد بشكل دوري حراكًا شعبيًا وأشكالًا متعددة من الاحتجاجات المتصاعدة، تمثل الأرضية الخصبة لانتعاش فكرة الديمقراطية كسبيل لهذا الإصلاح وهذا التغيير. سابعًا مثّل انتصار الثورة السورية بعد أربعة عشر عامًا على انطلاقتها حدثًا تاريخيًا بارزًا ليس فقط لسوريا وإنما للمنطقة وحتى العالم، بما حمله من دلالات وما سيخلّفه من تداعيات. ففي وقت سادت فيه حالة من الانكسار ومزاج من الإحباط واليأس، اندفعت الثورة السورية، مستفيدة من الأحداث في المنطقة، وما أسفرت عنه من تغيّر في بعض المعادلات، لتطيح بواحد من أعتى الأنظمة الاستبدادية والدموية في المنطقة، ولتعلن نهاية حقبة استمرت لنصف قرن حكم خلالها نظام الأسد سوريا بالحديد والنار. وضخّ انتصار الثورة في سوريا موجة إيجابية غير مسبوقة في شعوب المنطقة، حيث سادت حالة من استعادة الأمل والحلم في التغيير. وسبق انتصار الثورة السورية أحداث أخرى في بنغلاديش، وباكستان، أشرت على إصرار شعب البلدين على التغيير. فقد دفعت تحركات شعبية وطلابية حاشدة في بنغلاديش إلى هروب رئيسة الوزراء المتسلّطة من البلاد، وأُغلقت معها حقبة طويلة من الاستبداد والدكتاتورية والفساد. كما شهدت باكستان ولا تزال حراكًا شعبيًا واسعًا لاستعادة المسار الديمقراطي، وللمطالبة بالإفراج عن رئيس الحكومة عمران خان المطاح به من قبل العسكر. ففي منحى معاكس لتراجع زخم الديمقراطية، تنهض اليوم مع بداية العام الجديد الثورة السورية كلحظة تاريخية لاستعادة زخم التغيير في المنطقة. فنجاح الثورة السورية يؤشّر اليوم على سيناريو موجة جديدة في مسار الربيع العربي، يمكن تسميتها بالموجة الثالثة. وبالنظر للأهمية الإستراتيجية لسوريا وثقل وزنها في المنطقة، فإن ما تحمله من دلالات كبيرة وتداعيات نوعية لثورتها على المنطقة، قد يجعل هذه الموجة الجديدة المتوقعة مختلفة نوعيًا وكميًا. والخلاصة تواجه المنطقة اليوم تحديات إستراتيجية ومخاطر كبرى تهدد المعادلات التي استقرّت عليها منذ أكثر من مائة عام. ولم تعد هذه التحديات والمخاطر تهدد التوازنات الإقليمية لمنطقتنا فحسب، وإنما تهديدات تطال حدود بلدان، بل ووجود بلدان أخرى. وهو ما يجعل الاستخفاف بالديمقراطية والزهد فيها ترفًا يفاقم هذه المخاطر ويعمّقها. فجميع دول المنطقة اليوم في حاجة لتعزيز شرعياتها، وترميم اجتماعها السياسي وتمتينه، باتجاه وحدة أكثر صلابة ومناعة، ولن يتم ذلك إلا عبر نظام سياسي ديمقراطي، يأخذ بعين الاعتبار أخطاء وانحرافات التجربة السياسية المنصرمة فيتجاوزها. تبدو ملامح المنطقة في شكلها الحالي القائم على تسويات وترتيبات الحرب العالمية الأولى، قد استهلك، ولم يعد قادرًا على الاستجابة لا لتطلعات وانتظارات شعوب المنطقة، ولا لمقتضيات استقرار أقطارها. وتنهض الديمقراطية والاختيارات الديمقراطية السبيل الوحيد لولوج هذه المنطقة مئوية جديدة وحقبة جديدة تعبّر عن هويتها وتطلعات شعوبها، التي ملّت القهر والاستبداد والدونية. منطقتنا في حاجة للديمقراطية الآن وللديمقراطية أبدًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2025/1/14/5-%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b7-%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%84%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2025-01-14T18:03:05
2025-01-14T18:03:05
مقالات
2,253
إسرائيل تتحدى الأمم المتحدة.. الأونروا في مرمى النيران من جديد
لم يسبق لدولة عضوة في الأمم المتحدة أن صنفت كيانًا تابعًا للأمم المتحدة منظمة إرهابية. وبالتالي، فإن القانون الإسرائيلي الذي يعلن الأونروا “منظمة إرهابية” من شأنه أن يضع الأمم المتحدة في منطقة مجهولة.
منذ أن شنّت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، تجاوزت العديد من الخطوط الحمراء. فلا التدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية وهي أعلى جهاز قضائي في الأمم المتحدة لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ولا الرأي الاستشاري الذي أصدرته المحكمة نفسها، والذي أمر بإنهاء احتلالها غير القانوني لفلسطين وسياسات الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، أعطت إسرائيل فرصة للتوقف والتأمل. كما لم يكن لطلب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكّرات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت تأثير كبير على سلوكها. والواقع أن الانتقادات المتراكمة من بعض حلفائها لم تجعل إسرائيل تعيد النظر في سياساتها القاتلة المتمثلة في الفصل العنصري والإبادة الجماعية. والآن، تتخطى إسرائيل خطًا أحمر آخر بتحديها للمجتمع الدولي بأكمله الأمم المتحدة نفسها. ففي 22 يوليوتموز، أعطى المجلس التشريعي الإسرائيلي، الكنيست، موافقة أولية على مشروع قانون يعلن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط الأونروا منظمة إرهابية. وتأتي هذه الخطوة الأخيرة في أعقاب الحيلة التي اتخذتها إسرائيل في ينايركانون الثاني الماضي والتي نجحت، على الأقل في البداية حيث اتهمت إسرائيل 12 عاملًا في الأونروا بالمشاركة في الهجوم الذي شنته حماس وجماعات فلسطينية أخرى ضدها في السابع من أكتوبرتشرين الأول، وزعمت وجود تواطؤ واسع النطاق بين الوكالة التابعة للأمم المتحدة وحماس. وردّ المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على الاتهامات بطرد جميع موظفي الأمم المتحدة الذين ذكرتهم إسرائيل على الفور، وبطريقة ساذجة على أساس ادعاءات دون أي دليل. ويبدو أن القرار شجّع بعض المانحين الغربيين على تعليق تمويلهم للوكالة الإنسانية التي توظف نحو 30 ألف موظف والتي كلفتها الجمعية العامة بتقديم الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين. ولكن في أبريلنيسان 2024، خلصت مراجعة مستقلة للاتهامات الإسرائيلية ضد الأونروا، والتي أمر بها غوتيريش وقادتها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا، إلى أن اتهامات إسرائيل الشاملة بالتواطؤ بين حماس والأونروا لم تثبت. وحتى الآن، لم يتم تقديم أي دليل يدين موظفي الأونروا الاثني عشر المتهمين. ونتيجة لذلك، بدأت الدول المانحة، بما في ذلك ألمانيا، وإيطاليا، وأستراليا، وكندا، في استئناف تمويلها الضروري للوكالة تدريجيًا على خلفية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة والخطيرة في غزة. وفي 19 يوليوتموز، صرح وزير الخارجية البريطاني الجديد ديفيد لامي، في إعلانه عن استئناف تمويل الأونروا، قائلًا المساعدات الإنسانية ضرورة أخلاقية في مواجهة مثل هذه الكارثة... فالأونروا هي محورية تمامًا لهذه الجهود. لا يمكن لأي وكالة أخرى تقديم المساعدة على النطاق المطلوب. ولكن حتى مثل هذه التصريحات من الحلفاء المخلصين لم تقنع إسرائيل بالتوقف عن استهداف الوكالة التابعة للأمم المتحدة. سواء أصبح قانونًا أم لا، فإن تحرك الكنيست الإسرائيلي لتصنيف الأونروا منظمة إرهابية يشكل هجومًا غير مسبوق على الأمم المتحدة نفسها، حيث تأسست وكالة اللاجئين في عام 1949 من قبل الجمعية العامة. وإذا أصبح قانونًا إسرائيليًا، فإن التصنيف الإرهابي سيعطي غطاء قانونيًا محليًا وإن كان يشكل انتهاكًا للقانون الدولي للاحتلال الإسرائيلي لمهاجمة موظفي الأونروا والبنية التحتية لها، كما حدث بالفعل بقتل ما يقرب من 200 موظف، ولكن هذه المرّة دون الحاجة إلى السعي للتبرير نفسه أو الادعاء بأن مذبحة موظفي الأونروا كانت أخطاء مأساوية كلما واجهت انتقادات من حلفائها. إذا أعلنت إسرائيل رسميًا أن الأونروا منظمة إرهابية بموجب قانونها المحلي، فإن القضاء على 30 ألف موظف في الأونروا، بمن في ذلك رئيسها فيليب لازاريني، لن يصبح حقًا فحسب، بل واجبًا أيضًا، على حد تعبير وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي كرر منذ السابع من أكتوبرتشرين الأول ما تعتبره محكمة العدل الدولية غير قانوني، ألا وهو استخدام القوة للدفاع عن احتلال غير قانوني. ومن هذا المنظور، يتعين على الأمم المتحدة أن ترد بقوة على هذا الاستفزاز الإسرائيلي الأخير قبل أن تبدأ المذبحة المتعمدة لموظفي الأونروا. في أبريلنيسان، قال لازاريني لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اليوم، تجري حملة خبيثة لإنهاء عمليات الأونروا، مع عواقب وخيمة على السلام والأمن الدوليين. هذه الحملة تتقدم، ونظرًا لأهدافها المخيفة، يجب على غوتيريش أن يتفاعل بقوّة وبلا خجل. بمجرد بدء الهجمات ضد موظفي الأمم المتحدة ومرافقها بموجب التشريع الإسرائيلي المعلن، سيكون الأوان قد فات لوقف عمليات القتل. إنه يعرف بالفعل، كما ذكر هو نفسه، أن العديد من العاملين في المجال الإنساني في الأونروا محتجزون بشكل غير قانوني من قبل القوات الإسرائيلية، ويقال إنهم يتعرّضون لسوء المعاملة وحتى التعذيب. وبمجرد سنّ القانون المحتمل، سيفتح الباب على مصراعيه للقمع وقتل موظفي الأمم المتحدة بشكل جماعي. إن هذا القانون من شأنه أن يضع حلفاء إسرائيل في مأزق. فإذا اختاروا الاستمرار في تمويل الأونروا، التي يعتبرونها ضرورة إنسانية، فإنهم بذلك يساعدون ويشجعون منظمة إرهابية بموجب التشريع الإسرائيلي. كيف سيتعامل لامي والحكومات الأخرى التي تدعم إسرائيل مع هذا الموقف، وكيف ستردّ تل أبيب؟ هذا ما سنراه في المستقبل. لم يسبق لدولة عضوة في الأمم المتحدة أن صنفت كيانًا تابعًا للأمم المتحدة منظمة إرهابية بموجب القانون. وبالتالي، فإن القانون الإسرائيلي الذي يعلن الأونروا منظمة إرهابية من شأنه أن يضع الأمم المتحدة في منطقة مجهولة. وبذلك، فإن إسرائيل ستضع غوتيريش، الذي طالبت مرارًا وتكرارًا باستقالته، على رأس منظمة إرهابية. وإذا ما تجاوزت إسرائيل هذا الخط، فسوف يتعين على الأمين العام والجمعية العامة ومجلس الأمن أن يتوصلوا إلى استنتاج لا مفر منه؛ مفاده أن استمرار عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة لن يكون متعارضًا مع ميثاقها فحسب، بل إنه يشكل أيضًا صراعًا وتناقضًا مباشرًا معه. وعلى هذا الأساس، فإذا تم سن هذا القانون، فلابد من التفكير بجدية في اتخاذ التدابير اللازمة ضد الاحتلال الإسرائيلي المارق وفقًا للمادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أن أي عضو في الأمم المتحدة ينتهك باستمرار المبادئ الواردة في هذا الميثاق يجوز للجمعية العامة أن تطرده من المنظمة بناء على توصية من مجلس الأمن. ويتعيّن على الأمين العام غوتيريش أن يتولى زمام المبادرة لإقناع مجلس الأمن والجمعية العامة بأن إعلان دولة عضوة أنه وموظفيه إرهابيون سيكون ببساطة أمرًا شائنًا وغير مقبول. ومن الناحية العملية، يتعين عليه أن يظهر قيادته من خلال إقناع رئيس الولايات المتحدة بالتوقف عن حماية إسرائيل في مجلس الأمن، وفرض عواقب على أحدث إهانة من جانب إسرائيل للمجتمع الدولي بأسْره. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/7/29/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%86%d8%b1%d9%88%d8%a7-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%88%d8%b4%d9%83-%d8%a3%d9%86-%d8%aa%d8%b5%d8%a8%d8%ad-%d9%85%d9%86%d8%b8%d9%85%d8%a9-%d8%a5%d8%b1%d9%87%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-07-29T08:22:22
2024-07-29T09:29:15
مقالات
2,254
سوريا زهرة الربيع العربي ودروس المرحلة
الخطّ الفاصل اليوم هو بين الاستبداد والديمقراطية ولا شيء آخر. أي بين الاستبداديين أكانوا علمانيين أو إسلاميين، وبين الديمقراطيين لا يهم أن يكونوا علمانيين أو إسلاميين.
لم يكلفني سوري واحد بتوجيه أي رسالة باسمه، ولست الناطق الرسمي باسم الأمة. كل ما في الأمر أننا أمام أحداث هائلة حبلى بالدروس المبطنة والواضحة، أردت أن أضعها في هذا القالب الصحفي الأدبي، وكل أملي أن يجد فيها الكثير من العرب والسوريين بعضًا من هواجسهم وأفكارهم وأحلامهم. لم يتعرض شعب عربي وغير عربي ابتلي بالاستبداد لما تعرضنا له نحن. رمينا بالقنابل والبراميل المتفجرة، قتلنا بمئات الآلاف، هجرنا بالملايين في كل أصقاع الأرض، ولدت لنا أجيال من الأطفال في السجون. ذروة معاناتنا وأبلغ مثال لها مأساة القديسة الطاهرة العفيفة الشريفة التي دخلت السجن عذراء في التاسعة عشرة من عمرها وخرجت في الثانية والثلاثين بعدد من الأطفال لا تعرف آباءهم.. ومع ذلك لم نرضخ، لم نستسلم، لم نيأس. ها نحن نستأنف ثورتنا المجيدة أجمل زهرات الربيع العربي التي تصوَّر الهمج القدرة على إجهاضها إلى الأبد. لسنا أوصياء عليكم، وليست مهمتنا إعطاء الدروس، لكن ثوراتنا واحدة وغرفة العمليات التي أجهضتها في الماضي واحدة، ومستقبلنا واحد. ماذا تنتظرون لإتمام ما لم يكتمل، لتحقيق ما يجب تحقيقه، حتى يكون للأجيال العربية المقبلة مستقبل؟ ثلاثية حكم عنف الأجهزة، فساد الأقارب والمقربين، والتضليل الإعلامي هي الوصفة التي ذهب سفاح دمشق إلى أبعد شوط فيها، في مستوى العنف والهمجية والوحشية والسادية؛ لإرهاب المجتمع. ومع ذلك هشمنا تماثيله، وتجولنا في قصره، وأجبرناه على الفرار مستجيرًا بسادته. أقصى العنف لا يفعل سوى تأخير النهاية البائسة للاستبداد، وأنه عليكم عوض ممارسة الإنكار وسياسة الهروب إلى الإمام قبل فوات الأوان، لجمَ شراسة الأجهزة القمعية، وإطلاق سراح المساجين السياسيين، والسعي لمصالحة حقيقية مع الشعوب، والقبول بالإصلاحات الموجعة، والاستعداد لرحيل منظم وسلمي يقي المجتمعات من كوارث لا سبب لها. رفضتم لنا الحق في الحرية وفي الكرامة؛ بحجة أن الدكتاتورية السورية حالة خاصة. قلتم إن ثورتنا المجيدة في 2011 مؤامرة كونية هدفها ضرب محور المقاومة والممانعة والنضال ضد الإمبريالية والصهيونية. الآن وبغض النظر عن الثمن الرهيب لحكم الأسد الذي لا تولونه أدنى قيمة. الآن وقد اتضح للجميع أن بطل الممانعة قتل الآلاف من الفلسطينيين، ومئات الآلاف من السوريين، ولم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل. والآن وقد رأيتم أنه لم يحرك إصبعًا لنصرة غزة وهي تباد. والآن وقد رأيتم أنه غدر حتى بحليفه حزب الله، حيث لم يطلق ولو تصريحًا ناريًا للدفاع عنه. والآن وقد فرّ كالجبان من ساحة المعركة تاركًا وراءه شبيحته للمحاسبة. والآن وقد تجندت إسرائيل لاحتلال كل المناطق التي كان حارسها الوفي المكلف بأمنها. ماذا تقولون؟ أننا لا نفهم شيئًا في السياسة، وأن كل هذه التحركات مؤامرة تركية صهيونية أميركية مريخية عطاردية للتخلص من المقاوم الأكبر الذي كان يحتفظ بحق الرد، وتحرير فلسطين في الوقت المناسب، بل وأننا شعب ناكر للجميل خائن وعميل لا نستأهل أن يحكمنا حافظ الثاني. تعودتم الجلوس حول الطاولة وسوريا هي التي دومًا على قائمة الطعام. إلى عشية رحيل الطاغية وأنتم تقررون مصيرنا في غياب أي سوري. لكن يبدو أننا فاجأناكم جميعًا بسرعة تحركنا وانتفاضة شعبنا. ما زلتم في بداية المفاجآت. غرّكم منا ومن أمتنا لحظات الضعف التي نمرّ بها ونسيتم من نحن عبر التاريخ وأي مكانة سنحتل عندما ننتهي من ثوراتنا الداخلية، وإعادة ترتيب أوضاعنا، والخاصية الكبرى الأولى للقوة التي لا تؤمنون إلا بها أن ميزانها لا يثبت أبدًا على حال. كم نتألم ونحزن ونتأسف لكل ما عانيتم من تقتيل وتهجير وتعذيب. كم نشعر بالعار، نحن الرجال كل الرجال، لما لحق حرائركم اللواتي تعرضن لصنوف التنكيل والتعذيب بالآلاف في سجون الطاغية. نقبل أرجلهن ونعتذر لهن ونطلب منهن العفو والمعذرة.. كم نخجل من حكوماتنا التي أغلقت أبواب بلداننا في وجوهكم أنتم أكثر شعوبنا حفاوة وكرمًا مع الغرباء. كم نفخر بكم، كم نعتزّ بانتصاركم، كم نحبكم. وأيضًا كم نخشى عليكم من تجدد الكابوس في شكل آخر. خشيتنا هذه، وكل القوى الإقليمية، تحضر السكاكين لكم، هي التي تدفع بنا لتقديم هذه النصائح تفاديًا لأخطاء ارتكبناها عن حسن نية بعد انطلاق ثورات الربيع ودفعنا ثمنها باهظًا ولا نريدكم أن تدفعوه مرة أخرى. للانتصار على كل المتربصين بثورتكم العظيمة، استثمروا الغلطات التي وقعنا فيها لتتعلموا منها حتى تسرعوا بالنصر وتكونوا الشرارة التي سيتجدد منها اللهب الذي سيحرق أنظمة الفساد والقمع والتضليل في وطننا العربي المنكوب. إنها قاعدة في السياسة تكاد تكون بمثابة القانون الذي يتحكم في حركة الشمس والقمر، ويمكن سنها كالتالي كلما طالت المرحلة الانتقالية، من انتصار الثورة إلى تثبيت النظام السياسي الجديد أيًا كانت الحجج والمعاذير-، أُعطي الوقت لقوى الثورة المضادة لتنظيم صفوفها. كلما زاد تدهور الاقتصاد، تفاقمت معاناة الناس وتزايد إحباطهم وفقدهم الآمال في الثورة، وضعفت حظوظ الثورة في التمكن والاستقرار. معنى هذا أن الخيار بين مصلحة السياسيين في أخذ كل وقت العراك والصفقات، ومصلحة الوطن في تثبيت الاستقرار بمنتهى السرعة. اعترف بأنني أُصبت بالفزع عندما سمعت من الإخوة السوريين من يتحدث عن فترة انتقالية بثمانية عشر شهرًا. وكنت قد نبهت الإخوة السودانيين بعد نهاية حكم البشير إلى خطورة المرحلة الانتقالية الطويلة وتمّ ما كنت أخشاه. رجاءً، إخوتنا، دستور توافقي وانتخابات رئاسية وتشريعية وإقليمية وحكومة كفاءات سياسية تقنية لاستقرار كفيل بعودة العجلة الاقتصادية بأسرع ما يمكن، وإلا فستقدمون بإطالة فترة النقاشات البيزنطية سوريا مجددًا على قائمة طعام القوى الإقليميّة. نعم وألف نعم لكل مبادرات التهدئة والطمأنة لكل مكونات الشعب السوري وخاصة إخوتنا العلويين، وتهانينا الحارة لما أبدت قوات الثورة من حرص على ألا يحدث أي انتقام. كل هذا مشرف ونبيل ومطمئن، لكن إياكم من متلازمة بوس خوك التي انتهجناها في تونس؛ أي طيّ صفحة الإجرام في حق شعبنا، وخاصة التعذيب بحجة المحافظة على الوحدة الوطنية. هذا خطأ كبير أدى تحت اسم العدالة الانتقالية التي اعترف بأنني كنت أول مسؤول عن انتصابها وعملها إلى إفلات المجرمين من كل عقاب وانخراطهم في تدمير الثورة، وإلى عدم تعويض الضحايا، وأخيرًا إلى انتهاء رئيسة مؤسسة العدالة الانتقالية في السجن بعد انتصار الثورة المضادة والانقلاب على الدستور والشرعيّة. ليكن شعاركم لا عدالة انتقامية ولا عدالة انتقالية.. العدالة وبس؛ أي عدالة تشمل رؤوس النظام وكبار المسؤولين عن القمع والسجن واغتصاب الحرائر، وألا تكون كمحاكم المهداوي في العراق والعشماوي في مصر؛ أي تمثيليات سخيفة وحبل الجلاد جاهز قبل الحكم. يجب أن تكون محاكمات عادلة شفافة بحضور مراقبين دوليين موثقة بالحجج والبراهين، وتأخذ كل الوقت الضروري. هكذا لن يتم فقط توثيق التاريخ وإنصاف الضحايا وإنما بناء أولى أسس دولة القانون. تركت الثورة نفسها تحت رحمة قوى عسكرية متصارعة وحد بينها هدف الإطاحة بالدكتاتور، وفرق بينها تباين المطامح السياسية والشخصية، فانتهى الأمر بتقسيم فعلي للبلاد حسب مناطق نفوذ هذه القوة أو تلك. وها هي ليبيا الحبيبة مقسمة فعليًا إلى دولتين على الأقلّ. إن ذلك ما يجب تفاديه بكل وسائل الدبلوماسية والتفاوض والتنازل، لكن يجب عدم رفض استعمال القوة لفرض سلطة عسكرية واحدة، لأن كل تساهل في مبدأ وحدة القيادة العسكرية يعني تعبيد الطريق للحرب الأهلية والفوضى المدمرة، وعودة التدخل الخارجي بكل وقاحة. أخيرًا وليس آخرًا ليسمح لي برسالة خاصة إلى الجيل الجديد من القادة العرب عمومًا والسوريين خصوصًا حتى لا تتواصل ولا تتكرر المآسي التي عرفتها شعوبنا، ثمة ثورة ذهنية يجب أن تحصل داخل العقل السياسي العربي مستقبلًا. يكفي ما أضعنا من زمن التاريخ، ويكفي ما دفعت شعوبنا من دماء ودموع ثمنًا لخيارات سياسية خاطئة، وأيدولوجيات غبية وشخصيات مريضة. تجاوزت الأحداث والتجارب التقسيمات والثنائيات التي عشنا عليها عقودًا رجعي تقدمي، قومي انفصالي، إسلامي علماني، الخطّ الفاصل اليوم هو بين الاستبداد والديمقراطية ولا شيء آخر. أي بين الاستبداديين أكانوا علمانيين أو إسلاميين، وبين الديمقراطيين لا يهم أن يكونوا علمانيين أو إسلاميين. الديمقراطية التي يجب أن تحكم الوطن العربي ليست نسخة طبق الأصل من الديمقراطية الغربية. هي ديمقراطية سيادية غير تابعة للغرب اجتماعية الحرية والعدالة الاجتماعية بالنسبة لها وجها نفس قطعة النقد، مواطنية أي مبنية على الحريات الفردية والجماعية والمساواة بين كل مكونات المجتمع، وهو ما يعطي للمواطنة فحواها الحقيقي وليس التضليلي. أخيرًا لا آخرًا هي ديمقراطية اتحادية، هدفها الأخير بناء اتحاد بين الشعوب العربية الحرة ودولها المستقلة، كما نجحت في ذلك أوروبا بعد القضاء على النازية والفاشية والشيوعية. البعد الأعمق تخلص العقل السياسي العربي من السم الزعاف الذي يمثله البحث عن الرجل القوي؛ أي الرجل العنيف، والحزب القوي والأيديولوجيا التي لا يأتيها الباطل من خلفها وأمامها. كل هذه الأوهام هي سبب خراب دولنا وشعوبنا. لن نتحرر ولن نحقق شيئًا ولن نستعيد مكانتنا بين الأمم إلا عندما يصبح بديهيًا لكل عربي، أن قوة الشعوب في قوة المبادئ والقوانين والمؤسسات الديمقراطية التي تستخدم الأشخاص الأكفاء، لا التي يستولي عليها ويستخدمها الأشخاص الخبثاء. يوم تصبح هذه البديهيات التي علمتنا إياها التجربة، الزاد الفكري المشترك لكل التيارات السياسية، أيًا كانت خياراتها التكتيكية، فإن الحلقة المفرغة البائسة التي ندور فيها منذ قرن ستكسر، وسنكون فعلًا قد أصبحنا نمشي على طريق مستقيم سيؤدي بنا إلى حيث نحلم بالوصول. ولا بد لليل أن ينجلي الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/12/10/%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d8%b2%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d9%88%d8%af%d8%b1%d9%88%d8%b3
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-12-10T08:08:55
2024-12-10T08:08:55
مقالات
2,255
ماذا تغيّر؟
كانت الشعوب متعاطفة، كانت الحكومات عاجزة، كان الشعب الفلسطيني يحمل همومه منفردًا. هكذا كانت الخطوط العريضة للوضع قبل مائة عام مثلما هي – بالتمام – الملامح الرئيسية للمشهد في اللحظة الحاضرة،
أتت الحرب الكبرى في غزة 2023 2024 م تتويجًا وخلاصةً لمائة عام من النضال الفلسطينيّ الذي انطلقت شرارته ولم تتوقف منذ بدأت أولى خطوات التطبيق الفعلي لوعد بلفور في ظل الحكم البريطاني الذي أعقب دخول فلسطين تحت انتدابه. كذلك فإن هذه الحرب تأتي نقطة ابتداء لحقبة ثانية من النضال الفلسطيني تتجلى للأفهام طلائعها لكنها في مجملها مطوية في لفافات الغيب المستور تنتظر أن تكشف عنها الأيام والسنون. والسؤال ماذا تغيّر في المشهد بين النضال الدائرة رحاه الآن والنضال قبل مائة عام؟، الجواب واضح قبل مائة عام كانت الفكرة الصهيونية لم تزل مختصرة في ثلاثة أمور دعاية، هجرة، عصابات تتجهز للقتال. وكانت راعيتها إمبراطورية تدخل طور الأفول، وهي بريطانيا. وكان العرب كلهم تقريبًا تحت الاحتلال؛ أي لا يملكون إرادتهم بصورة كاملة كحكومات، لكنهم كشعوب كانوا ضد الفكرة الصهيونيّة. أما الآن فالوضع مختلف، إسرائيل قوة جذب إقليمي يتقرّب منها ويتودد لها كثير من حكّام العرب، في رعاية إمبراطورية عسكرية عاتية تكفل لها السبل الكافية لسحق المقاومة الفلسطينيّة. قبل مائة عام لم يكن الدور الأميركي بهذه القوة، فقط كان لها مشورة في ترتيب صدور وعد بلفور، ثم كان لها ترتيب في تمويل تدفق المهاجرين، ثم كان لها ترتيب في نصر العصابات اليهودية على العرب 1948م. لكن هذه الكفالة الكاملة من أميركا لإسرائيل بلغت ذروتها مرتين في حرب أكتوبرتشرين الأول 1973م على الجبهتَين السورية والمصرية، ثم حرب الإبادة ضد غزة 2023م. في المرتَين كان العرب في حرب مباشرة مع أميركا، بينهما خمسون عامًا هي الفترة التي تطوّرت خلالها أميركا من جمهورية دستورية إلى إمبراطورية عسكرية كونية فوق القانون الدولي، وهو الحقّ المكتسب الذي حصلت عليه إسرائيل لتكون قوة عسكرية إقليمية فوق القانون الدولي، وكلتاهما تحاربان العرب دون رادع من أي قانون دولي أو عرف إنساني أو مبدأ أخلاقي. وفي خلال الخمسين عامًا ذاتها تغير وضع العرب، فقد سقطت أواخر بقايا المناعة الوطنية والروح الاستقلالية، ودخلوا تحت مظلة الإمبراطورية الأميركية تمامًا مثلما كان عرب الجزيرة ينضوون تحت سلطان الفرس، وعرب الشام تحت سلطان الروم. فقد العرب في آخر خمسة عقود كل مصادر الاستقلال التي حصنهم بها الإسلام، ثم مصادر الاستقلال التي حصنتهم بها الأفكار والحركات والنهضات القومية والوطنية الحديثة في فترات مقاومة الاستعمار الأوروبي، لهذا كانت لدى جميع العرب شرف المشاركة في حرب أكتوبرتشرين الأول 1973م ثم بعد خمسين عامًا وصلوا إلى النقيض تمامًا بشأن حرب غزة أكتوبر تشرين الأوّل 2023م. هذا التغيير الذي جرى في العقود الخمسة الأخيرة له جذوره في العقود الخمسة السابقة عليه؛ أي من بدء اندلاع الثورة الفلسطينية الأولى في عشرينيات القرن العشرين حتى السبعينيات منه؛ أي من ثورة البراق 1929 حتى توقيع أول اتفاقية سلام عربي مع إسرائيل 1979م، التاريخ وحدة واحدة مهما اتسعت أوانيه، ومهما تباعدت أراضيه يؤدّي بعضه إلى بعض. في عشرينيات القرن العشرين كانت الصهيونية تعمل على ثلاثة محاور الأول الاستحواذ على الأرض واستبعاد أهلها. الثاني وضع بذور الانقسام بين الفلسطينيين، ففريق يتزعّمه آل الحسيني، وفريق يتزعّمه آل النشاشيبي. الثالث حصر الصراع مع الفلسطينيين فقط، والسعي لاتفاقيات سلام مع باقي العرب. وهي المحاور الثلاثة التي مازالت تمثل خُطة العمل الصهيوني. يحكي الدكتور محمد حسين هيكل في الجزء الثالث من مذكراته أنّه عندما كان يترأس تحرير صحيفتَي السياسة و السياسة الأسبوعية جاءه كاتب يهودي وطلب منه صراحةً أن تُتيح الصحيفتان صفحاتهما لتأييد الحركة الصهيونية، في مقابل تمويل مادي كريم، فردّ عليه الدكتور هيكل بأنه من المستحيل أن يجد صحيفة مصرية تؤازر الصهيونيّة ضد العرب. ثم يشرح لنا الخطوط العريضة لمواقف العرب آنذاك، فيقول 1- كانت البلاد العربية والإسلامية تعطف على عرب فلسطين أشد العطف. 2- لكن موقف الحكومات العربية والإسلامية كان سلبيًا بحتًا. 3- كان ساسة مصر على اختلاف أحزابهم يرون في هذا الموقف السلبي حكمةً غاية الحكمة. 4- لم تكن هذه الحكومات وكانت خاضعة للنفوذ البريطاني تستطيع أن تصنع شيئًا يُذكر. 5 لهذا كان مجهود أبناء فلسطين يقصد الثورة الفلسطينية في 1929م، ثم 1936م مجهودًا قوميًا صادقًا، كانت ثورتهم ضد الهجرة اليهودية وبيع الأراضي لليهود عنيفة غاية العنف، ولم يخفّف منها ما حدث من انقسام بين زعماء العرب الفلسطينيين، بل لا يخطئ من يذكر أن هذا الانقسام أدّى إلى المزيد من عنف الثورة الفلسطينية 1936م. الخلاصة كانت الشعوب متعاطفة، كانت الحكومات عاجزة، كان الشعب الفلسطيني يحمل همومه منفردًا. هكذا كانت الخطوط العريضة للوضع قبل مائة عام مثلما هي بالتمام الملامح الرئيسية للمشهد في اللحظة الحاضرة، ما كان قبل مائة عام هو ما هو كائن الآن . السؤال إذن ما الذي تغير؟ الجواب الذي تغير هو أنه في قلب المائة عام؛ أي في العقود الثلاثة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات بلغ الفكر العربي ذروته في الاهتمام بالحق الفلسطيني، كانت طفرة تختلف عما قبلها وعما بعدها، أما لماذا تلاشت هذه الطفرة، فهذا مقال الخميس المقبل بمشيئة الله تعالى. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/23/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%ba%d9%8a%d8%b1
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-05-23T04:03:02
2024-05-23T04:52:15
مقالات
2,256
حان وقت تغيير المؤسسات
أظهرت الحرب في غزة أن الأمم المتحدة مجرد مجموعة عاجزة من الدول، تخضع لقيادة الولايات المتحدة. لهذا السبب، يعتقد ملايين الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع أن الأمم المتحدة فشلت في تأدية واجبها.
أعتقد أن تأثير الحرب الإسرائيلية الفلسطينية سيكون أعمق وأهم مما هو متوقع. يحدث الآن تفاعلان مختلفان على مستويين مختلفين حول العالم. أولًا؛ رد فعل الشركات الدولية والمؤسسات الرسمية والدول على الحرب. وثانيًا؛ ردّ فعل الشعوب والمجتمع المدني والأكاديميين والمثقّفين والمبدعين. وسيكون لهذه الاستجابات المتباينة نتائج مختلفة أيضًا. ولكن هناك حقيقة واضحة وهي أن غزة تجبر المؤسسات والحكومات في العالم على تغيير نهجها. ولكن ما يهمنا هنا في الأساس مؤسستان. تأسَّست الأمم المتحدة عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية التي قُتل فيها حوالي 70 مليون شخص. وكان السبب الرئيسي وراء تأسيسها منع الحروب، وتهديدات السلام، وحفظ السلام والأمن الدوليين... لكن يتهم الجميع الآن الأمم المتحدة بالانحراف عن هدفها الأساسي، وعدم القدرة على عكس الواقع العالمي. قال داغ همرشولد- الذي شغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة بين عامَي 1953 و1961- لم يتم تأسيس الأمم المتحدة لتجعلنا نعيش في جنّة، بل لتنقذنا من الجحيم. الآن، رأى الجميع أن الدول الخمس الكبرى تستخدم حق النقض، ليس لإنقاذ الناس من الجحيم، بل لخدمة مصلحتها الخاصة. وقد أظهرت الحرب في غزة أن الأمم المتحدة مجرد مجموعة عاجزة من الدول، تخضع لقيادة الولايات المتحدة. لهذا السبب، يعتقد ملايين الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع- من إندونيسيا إلى المملكة المتحدة- أن الأمم المتحدة قد فشلت في تأدية واجبها. لذلك، حان وقت التغيير ومراجعة دورها. لقد تغيّر العالم، وكذلك الدول وموازين القوى، واتخذ علم الاجتماع شكلًا مختلفًا. هناك دعوات للإصلاح منذ التسعينيات. فمثلًا، أعلنت الهند، وألمانيا، والبرازيل، واليابان، وتركيا، وإيطاليا، والمكسيك، ومصر، وباكستان، وعدد كبير من الدول الأفريقية- منذ ما يقارب 30 عامًا- عن ضرورة تغيير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقد كان الرئيس التركي أردوغان أول من صرّح علنًا بطلب التغيير- الذي يصوغه بشعار؛ العالم أكبر من خمسة في الجلسة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2014- فقال إن جعل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، غير فعال من قبل الدول الخمس دائمة العضوية فيه، بما يتعارض مع حقائق العالم، هو أمر لا يمكن أن يقبله ضمير العالم. وقال المستشار الألماني شولتز- في الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة 2023- إن الأمم المتحدة لا تعكس واقع العالم متعدد الأقطاب. قرار الإصلاح في الأمم المتحدة في أيدي الجمعية العامة للأمم المتحدة. لا توجد دولة واحدة تمثّل ملياري مسلم في مجلس الأمن، الذي يمكنه إبطال جميع القرارات. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد دولة تمثل صوت قارة أفريقيا التي يبلغ عدد سكانها 1.2 مليار نسمة. وكذلك لا يوجد من يُمثل 550 مليون شخص يعيشون في أميركا اللاتينية. لقد رأينا انعكاسات هذا الظلم في رواندا، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وكوبا، والبوسنة، وأفغانستان، والعراق، وأخيرًا غزة. ورأينا في الأسبوع الماضي، كيف سخِرت الولايات المتحدة من بقية العالم بمفردها؛ برفضها طلب 153 دولةً عضوًا في الأمم المتحدة، إعلانَ وقف إطلاق النار لمنع قتل المدنيين في غزة. لدى الأمم المتحدة هيكل ميزانية شديد التعقيد. مع ذلك، ترى الولايات المتحدة أنها تتمتع بحق التصويت؛ لأنها تدفع 20 بالمئة من ميزانية الأمم المتحدة لعمليات السلم والتنمية والمساعدة الإنسانية حوالي 10 مليارات دولار، بعدها إنجلترا، واليابان، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي التي تدفع أكبر قدر من المال. هناك حاجة إلى زيادة عدد أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وتغيير هيكل حق النقض، وتغيير علاقات مجلس الأمن مع الجمعية العامة، وإعادة النظر في هيكل تمويل الأمم المتحدة. ولا توجد فرصة أفضل من اليوم لتحقيق هذا الإصلاح، الذي تمت مناقشته لأكثر من ثلاثين عامًا، وإلا فإن الأمم المتحدة ستفقد الهدف الأساسي من دورها وظيفتها تمامًا. منظمة التعاون الإسلامي؛ هي المؤسسة الثانية التي بات وجودها محل نقاش في ظل الحرب في غزة. تأسَّست منظمة التعاون الإسلامي في عام 1969، عندما حاول يهودي أسترالي راديكالي حرْق المسجد الأقصى. وكان الهدف من إنشاء منظمة التعاون الإسلامي تحرير القدس من الاحتلال. لكن للأسف، لم تتحرر القدس، بل وسّعت إسرائيل أراضيها أكثر فأكثر. ووَفقًا لبيانات المركز الإحصائي الفلسطيني، استولت إسرائيل على 85 من أراضي فلسطين البالغة مساحتها 27 ألف كيلومتر مربع. تضم المنظمة 57 دولة عضوًا، مما يجعلها ثاني أكبر منظمة دولية في العالم بعد الأمم المتحدة. ولكن هل هي فعّالة اليوم؟ إذا نظرنا إلى بيانات الإحصاءات التي قدّمها الباحث التركي أوزكان قاضي أوغلو، فإن الوضع ليس جيدًا. وحالة التعليم في دول منظمة التعاون الإسلامي أقلّ من المتوسط العالمي. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي العالمي لدول المنظمة 8.8. كما أن حصة العالم الإسلامي في صادرات النفط والمنتجات النفطية 36. لكن رغم هذا المعدل المرتفع، فإن الدخل الفردي أقل من المتوسط العالمي بمقدار الثلث؛ وذلك لأن دول منظمة التعاون الإسلامي تنفق 50 من عائدات النفط على الصناعات الدفاعية. وتبلغ حصتها في العالم من صادرات التكنولوجيا العالية 0.001 . وتقوم 57 دولة فقط بـ 19 من إجمالي صادراتها ووارداتها فيما بينها. بينما يقوم 81 من اقتصاداتها بالتعامل مع دول غير مسلمة. لكن منظمة التعاون الإسلامي كيان يتمتع بإمكانية تحقيق مكاسب اقتصادية عالية، مثل الاتحاد الأوروبي. للأسف، تضم البلدان التي تعاني من الأزمات في جميع أنحاء العالم، دول العالم الإسلامي. ومنذ الحرب الإيرانية العراقية، كانت الحروب والأزمة الإنسانية بين المسلمين أكثر بكثير من البلدان غير المسلمة. في أفريقيا، أراكان راخين، أفغانستان، دول غرب آسيا، لا يمكن منع الجوع والفقر والجهل على أي حال. وتحوّلت مياه البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة لآلاف المهاجرين المسلمين الذين يحاولون الفرار من هذا البؤس. وكل من يموت ويُقتل ويُنفى ويُحكم عليه بالفقر هم من السكان المسلمين. نعم، كان يُتوقع من منظمة التعاون الإسلامي أن تجد حلًا لكل هذه المشاكل، لكن ذلك لم يحدث. وقد ازدادت المناقشات حول المنظمة التي أصبحت غير فعّالة بعد الإبادة الجماعية في غزة. حينها اجتمعت منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية معًا في الرياض الشهر الماضي من أجل غزة. واعتقد الجميع أن المجتمعين سيتّخذون موقفًا مشتركًا هذه المرة من أجل غزة، التي قُتل فيها أكثر من 18 ألف شخص. لكن للأسف، لم يتم قبول اقتراح فرض عقوبات مشتركة وحظر وعزلة على إسرائيل؛ بسبب بعض الأصوات. ومع تهديد نتنياهو قبل اللقاء إذا كنتم تريدون حماية مصالحكم فابقوا صامتين، لم يتمكنوا من اتخاذ قرار. والآن، أصبح الملايين من المسلمين الذين يندبون غزة، من ماليزيا إلى البوسنة، يشككون في منظمة التعاون الإسلامي التي تمثلهم، ولا يثقون بها. في عام 1984، اتخذت منظمة التعاون الإسلامي قرارًا بإنشاء محكمة العدل الإسلامية؛ لأنها اعترضت على قرارات محكمة العدل الدولية في لاهاي. لكن لا يمكن إنشاء المحكمة؛ لأن الدول الأعضاء لم توقع على هذا القرار منذ ذلك الحين. وإذا تم إنشاؤها، فقد يتم البتّ في جرائم الحرب الإسرائيلية اليوم. أو يمكن التحقيق في الجرائم التي ارتُكبت ضد المدنيين في سوريا، واليمن، وليبيا، والسودان. وأخيرًا، لماذا لا تستطيع منظمة التعاون الإسلامي إنشاء قوة حفظ سلام لإرسالها إلى مناطق الأزمات؟ لم يحدث أي شيء.. باختصار، حان الوقت لتغيير هذه المؤسسات. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/20/%d8%ad%d8%a7%d9%86-%d9%88%d9%82%d8%aa-%d8%aa%d8%ba%d9%8a%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%b3%d8%b3%d8%a7%d8%aa
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-20T11:39:54
2023-12-20T12:18:51
مقالات
2,257
الهند بعد الانتخابات أيام صعبة تنتظر المسلمين والمعارضة والأقليات
المرجح أن يفوز القوميون الهندوس بقيادة نارديندرا مودي في الانتخابات البرلمانية الهندية، وأن يستخدموا تفويضهم الجديد لسحق أي معارضة متبقية لهيمنتهم على الديمقراطية الهندية.
من المرجّح أن يفوز القوميون الهندوس بقيادة نارديندرا مودي في الانتخابات البرلمانيّة الهندية، وأن يستخدموا تفويضهم الجديد لسحق أي معارضة متبقية لهيمنتهم على الديمقراطية الهندية. ويقول عديد من المعلقين، إن انتصارًا لا لبس فيه لناريندرا مودي وحزبه القومي الهندوسي، بهاراتيا جاناتا، هو نتيجة حتمية للانتخابات العامة الهندية الجارية، ويصرون على أن السؤال لا يتعلق بما إذا كان مودي سيفوز، بل بكم من المقاعد والأصوات؟ ومع ذلك، ورغم هذا اليقين الظاهر، فيما يتعلق بنتيجة الانتخابات، بدا الحزب الحاكم وزعيمه متوترين. وبالنسبة لي، بعد إعلان الفائز، سأشعر بالقلق من أن أيامًا أكثر قتامة وقمعًا ستعقب ذلك الفوز. بدا أنه لم يعد لدى الحزب قضايا يحشد حولها الناخبين. لقد تمّ بالفعل الوفاء بوعود انتخابية مبالغ فيها مثل بناء معبد رام في أيوديا فوق أنقاض مسجد بابري الذي دمره حشد هندوسي في عام 1992 للانتخابات الهندية أهمية كبيرة. فهي الكبرى في العالم، إذ يبلغ عدد الناخبين المؤهلين للمشاركة فيها 969 مليون ناخب. ويتنافس فيها 2600 حزب سياسي مسجل على 543 مقعدًا في مجلس النواب. ويعمل في لجنة الانتخابات الهندية 15 مليون مراقب وموظف. وجرت استطلاعات للرأي على مدار 44 يومًا، وفي هذه الفترة، ورد أن رئيس الوزراء الحالي مودي الساعي لولاية ثالثة، حضر أكثر من 200 فعالية عامة وأجرى 80 مقابلة. النظرة السطحية للأرقام السابقة قد تخلص إلى أننا أمام عرس ديمقراطي، لكن الأرقام يمكن أن تكون خادعة. فمنذ بضع سنوات، شهدت الهند تراجعًا ديمقراطيًا ثابتًا؛ تم قمع حرية وسائل الإعلام ولم يتبقَّ الكثير من الاستقلال الصحفي لنتحدث عنه في كبرياتها. أصبح يطلق على الإعلام غودي ميديا، وهو لعب بالكلمات يمزج بين اسم مودي وبين نوع من الكلاب الصغيرة المدللة، إذ أصبحت الصحف والقنوات الكبرى ذراعًا دعائية لحزب بهاراتيا جاناتا. أما الصحفيون المعارضون فاستهدفوا من قبل فريق رئيس الوزراء ومن الوكالات الاقتصادية والاستقصائية الفدرالية. وفي عام 2024، أعلنت منظمة مراسلون بلا حدود أن وسائل الإعلام الهندية في حالة طوارئ غير رسمية. كما تعرضت حقوق الأقليات للهجوم بشكل منهجيّ. وشملت التدابير العقابية الاحتجاز التعسفي والاعتقال، والجلد العلني، وهدم المنازل والأعمال التجارية ودور العبادة. وساعدت كلّ هذه الإجراءات القوميين الهندوس بقيادة مودي على أن يصبحوا قوة مهيمنة في السياسة الهندية قبل فترة طويلة من الانتخابات. ومع ذلك، في الفترة التي سبقت هذه الانتخابات، بدا أنّهم غير متأكدين من تحقيق النصر، فلماذا ذلك؟ لاحظ المعلّقون أنه رغم أن أحدًا لا يشك أن مودي سيفوز، إلا أن حماسة المتطرفين القوميين حوله بدت باهتة بشكل ملحوظ عما قبل. وانعكس ذلك في صورة انخفاض طفيف في إقبالهم على التصويت في الانتخابات التي تجرَى على 7 مراحل. وكذلك، فقد تعرضت صورة حزب بهاراتيا جاناتا الذي طالما قدم نفسه على أنه قاتل الفساد، لضربة مؤلمة في أواخر مارسآذار عندما انكشف ما سمي بـمخطط السندات الانتخابية، وهو برنامج شديد السرية لـ تمويل الانتخابات قدمته حكومة مودي في مشروع قانون المالية لعام 2017، وكان حزب بهاراتيا جاناتا أكبر مستفيد منه. ووصفت المعارضة المخطط بأنه أكبر عملية ابتزاز في العالم يديرها رئيس الوزراء بنفسه. بدا أيضًا أنه لم تعد لدى الحزب قضايا يحشد حولها الناخبين. لقد تمّ بالفعل الوفاء بوعود انتخابية مبالغ فيها مثل بناء معبد رام في أيوديا فوق أنقاض مسجد بابري الذي دمره حشد هندوسي في عام 1992، وإلغاء الوضع الخاص المضمون بالدستور لولاية جامو وكشمير، فتحول الاهتمام إلى قضايا الخبز والزبدة في إشارة للحالة الاقتصادية وأحوال الناس المعيشية، وهو الجانب الذي كان فيه أداء الحزب الحاكم مخيب لآمال أنصاره. في الهند نحو 800 مليون شخص لا يزالون يعتمدون على حصص الإعاشة الحكومية. ومعدل البطالة بين الشريحة العمرية بين 20-24 سنة يبلغ 50، والتفاوت الطبقي تجاوز ما كان عليه أيام الاستعمار البريطاني. وفي عهد مودي، هناك شريحة تبلغ 1 من المواطنين تستأثر بنحو 40.1 من الدخل القومي، ما يخلق تفاوتًا يعتبر من بين الأعلى في العالم، متجاوزًا جنوب أفريقيا، والبرازيل، والولايات المتحدة. ورغم قلق الحكومة من تأثير هذه الحقائق على نتائج الانتخابات، فإنها لم تكن قابلة للتنازل. حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم لديه أموال أكثر من جميع الأحزاب السياسية الأخرى مجتمعة. ومع ذلك، عندما حاول حزب المؤتمر الهندي، أكبر حزب معارض في البلاد، جمع تبرّعات فردية صغيرة، تدخلت الحكومة عبر إدارة الضرائب على الدخل، فجمدت الحساب المصرفي للحزب، وصادرت 14 مليون دولار منه. وبسبب ذلك قال الرئيس السابق لحزب المؤتمر راهول غاندي إنه لم يتمكن من القيام بحملة قبل الانتخابات. وقال للصحفيين لا يمكننا دفع أجر موظفينا، ولا يستطيع مرشحونا وقادة الحزب السفر جوًا أو بالقطار. هذا عمل إجرامي ضد حزب المؤتمر قام به رئيس الوزراء ووزير الداخلية. الزعم بأن هناك نظامًا ديمقراطيًا ليس إلا كذبة. لا توجد ديمقراطية في الهند اليوم. وقبل أقل من شهر من الانتخابات، ألقت وكالة الجرائم المالية الفدرالية القبض على رئيس وزراء دلهي وزعيم حزب آم آدمي أرفيند كيجريوال بتهمة الكسب غير المشروع فيما يتعلق بسياسة الخمور في المدينة. وقال أعضاء الحزب إن هذه كانت خطوة ذات دوافع سياسية لمنعه من القيام بحملات انتخابية. وقال كبير قادة الحزب والزعيم المالي في دلهي أتيشي كانت هذه طريقة لسرقة الانتخابات. وعلى مدار فترة الانتخابات سعى الحزب الحاكم إلى تذكير الناخبين بأفكاره التأسيسية؛ أي روحه وتطلعاته المعادية للإسلام. وفي العادة يسمح مودي للآخرين من أعضاء حزبه بالانخراط في خطاب معادٍ للإسلام بشكل علني، بينما يحافظ هو نفسه على هالة زعيم روحي متقشف وزاهد في كل شيء. ومع ذلك، فقد شعر هذه المرة بالحاجة إلى أن يستخدم شخصيًا فزاعة الإسلام، فاستخدم خلال الحملة الانتخابية، وبانتظام، لغة شعبوية ووصف المسلمين بأنّهم متسللون لهم عائلات كبيرة. ودون أي دليل، ادّعى مودي أنه في ظل حكم حزب المؤتمر، كان للمسلمين الحق الأول في الموارد. وحذر من أن حزب المعارضة سيجمع كل ثروة الهندوس ويعيد توزيعها بين المتسللين المسلمين، وحذر النساء الهندوسيات من أنهم سيأخذون ذهبهن ويعيدون توزيعه على المسلمين. وخلال مسيرة عامة في بلدة خارغون بولاية ماديا براديش، قال مودي أيضًا إن حزب المؤتمر يمارس جهاد التصويت من خلال توحيد المسلمين ضد مودي. في 4 يونيوحزيران، من المرجح أن يتم إعلان مودي فائزًا. لكن النصر لن يزيل قلقه بشأن سيطرته على المشهد السياسي الهندي. وكما فعل في الفترة التي سبقت الانتخابات، من المرجح أن يواصل حزب بهاراتيا جاناتا ومودي جهودهما لزيادة ترسيخ الطغيان والهيمنة القومية الهندوسية. ولسوء الحظ، في ظل ديمقراطية متدهورة بالفعل، فإن هذا يعني المزيد من الإجراءات القمعية، وربما القضاء على ما تبقى من سبل الاحتجاج على الهيمنة القومية الهندوسية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/2/%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%86%d8%af-%d8%a3%d9%8a%d8%a7%d9%85-%d8%a3%d8%ad%d9%84%d9%83-%d8%aa%d9%86%d8%aa%d8%b8%d8%b1
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-06-02T20:50:04
2024-06-02T20:50:04
مقالات
2,258
الانتخابات المحلية التركية ستُعيد هندسة السياسة العامة
بالنسبة لأردوغان، فإن استعادة حزبه السيطرة على إسطنبول ضرورية لمواصلة تعافي زعامته من الأضرار التي أصيبت بها منذ خسارة المدينة وبعض المدن الكبرى الأخرى في عام 2019.
تستعدُّ تركيا لانتخابات محلّية عالية المخاطر نهاية هذا الشهر، ولن تؤدي نتائجها فحسب إلى إعادة تشكيل موازين القوى الحزبية على مستوى الإدارات المحلية، بل ستعمل أيضًا على إعادة هندسة السياسة الداخلية على نطاق واسع. ومع أنّ الانتخابات لن تُشكل تهديدًا للولاية الرئاسية الحالية للرئيس رجب طيب أردوغان، فإنها ستلعب دورًا بارزًا في تحديد مستقبل زعامة أردوغان من جانب، وستختبر من جانب آخر ما إذا كانت المعارضة ستحتفظ بما تبقى لديها من القوة التي اكتسبتها منذ آخر انتخابات محلية في عام 2019. على الرغم من أن أردوغان قال في وقت سابق هذا الشهر؛ إن الانتخابات الحالية هي الأخيرة التي سيخوضها في إشارة إلى أنه لن يترشح للرئاسة مرّة أخرى بعد انتهاء ولايته في عام 2028 بسبب القيود الدستورية فإن مسؤولين في الحزب الحاكم كبكير بوزداغ نائب رئيس البرلمان ألمح إلى إمكانية إجراء انتخابات عامة مبكرة قبل انتهاء ولاية أردوغان لإفساح المجال أمامه للترشح مرّة أخرى. إن إثارة النقاش بشأن الانتخابات المبكرة ومستقبل زعامة أردوغان قبل الانتخابات المحلية تُعطي لمحة عن الانعكاسات الكبيرة المحتملة لنتائجها على السياسة الداخلية. وبالنظر إلى أن المنافسة الأكثر أهمية في هذه الانتخابات تتمثل في الزعامة على إسطنبول، أكبر مدن تركيا من حيث عدد السكان والثقل السياسي، فإنها ستكون محورية في عملية إعادة هندسة السياسة الداخلية بعد الحادي والثلاثين من مارس آذار. وبالنسبة لأردوغان، فإن استعادة حزبه السيطرة على إسطنبول ضرورية لمواصلة تعافي زعامته من الأضرار التي أصيبت بها منذ خسارة المدينة وبعض المدن الكبرى الأخرى في عام 2019. أما حزب الشعب الجمهوري، فإن احتفاظه بالسيطرة على إسطنبول يكتسب أهمية كبيرة على مستوى الحزب، ودوره المستقبلي في الحياة السياسية، وعلى مستوى مستقبل الشخصية الأكثر قوة في المعارضة، وهو أكرم إمام أوغلو. ومن المفارقة أن النقاش بشأن الانتخابات العامة المبكرة بدأ يُثار على جبهتي الحزب الحاكم، وحزب الشعب الجمهوري المعارض لأهداف مختلفة. فبينما يُعول حزب الشعب الجمهوري على نصر كبير في الانتخابات المحلية للدفع باتجاه إجراء انتخابات عامة مبكرة بعد ذلك، فإن حزب العدالة والتنمية، يسعى لفوز يبني عليه من أجل التمهيد لهدفه القريب المتمثل في تغيير الدستور، ولهدفه البعيد المتمثل في خيار الانتخابات المبكرة الذي سيكون مُصممًا لإفساح المجال أمام أردوغان للترشح للرئاسة مرّة أخرى. مع ذلك، من غير المتصور بأي حال أن يتحقق سيناريو الانتخابات العامة المبكرة في المستقبل المنظور بمعزل عن نتائج الانتخابات المحلية؛ لأسباب متعددة، أهمها أن هذا الخيار لن يكون مطروحًا على أجندة التحالف الحاكم إلا قبل فترة قصيرة من انتهاء ولاية أردوغان، فضلًا عن أن خُطة التعافي الاقتصادي، لا تحتمل مزيدًا من حالة عدم اليقين السياسي قبل إتمامها. كما أن إجراء انتخابات مبكرة من دون انفراجة في الأزمة الاقتصادية الراهنة قد يأتي بنتائج عكسية لأردوغان. منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة قبل أكثر من عقدين، لم تكن الانتخابات المحلية تأخذ هذا القدر الكبير من الأهمية على مستوى السياسة العامة سوى بعد انتخابات 2019. ولا تقتصر أسباب ذلك على أن انتخابات 2019 شكّلت أول هزيمة انتخابية للحزب الحاكم في مدن كبرى مثل إسطنبول وأنقرة، بل لأنها خلقت حقبة جديدة من السياسة الحزبية تمثّلت في تشكيل تحالف بين أكبر حزبين معارضين هما حزبا الشعب الجمهوري والجيد، قبل أن يتطور في انتخابات عام 2023 إلى ائتلاف واسع ضم ستة أحزاب معارضة إلى جانب حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي، علاوة على ظهور إمام أوغلو الذي نُظر إلى فوزه برئاسة بلدية إسطنبول وقتها على أنه بداية لطموحه السياسي بالوصول إلى رئاسة الجمهورية. ومع أن التقييمات الكبيرة التي بُنيت على انتخابات 2019 انهارت بعد فشل المعارضة في الإطاحة بحكم أردوغان في انتخابات مايو أيار الماضية، إلا أن نتائج الانتخابات المحلية المقبلة ستُحدد ما إذا كان بعض هذه التقييمات لا يزال واقعيًا. حقيقة أن البيئة السياسية التي ستُجرى فيها انتخابات مارس آذار تختلف بشكل جذري عن البيئة التي صاحبت انتخابات عام 2019 تزيد المخاطر على حزب الشعب الجمهوري وأحزاب المعارضة عمومًا، وهو ما يجعل الآثار المحتملة لها على حالة المعارضة، عمومًا، وعلى أحزابها المختلفة، قويةً لدرجة أنها قد تُعيد هندسة السياسة الحزبية للمعارضة. فمن جانب، ستخوض أحزاب المعارضة انتخابات مارسآذار بدون تحالف على غرار 2019 و2023. ومن جانب آخر، فإن أكبر مكونين لتحالف الأمة المعارض السابق وهما حزبا الشعب الجمهوري والجيد أصبحا الآن في حالة عداء شديد، ويشهد كلاهما أزمات داخلية وصراعات على مستوى القيادة. وهذا الوضع يُقوض بالتّأكيد من فرص حزب الشعب الجمهوري للاحتفاظ بسيطرته على البلديات الكبرى، على غرار إسطنبول وأنقرة حتى في الوقت الذي يستعيض فيه عن شراكته السابقة مع حزب الجيد بتحالف انتخابي مع حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي. أما الآثار المتوقعة للانتخابات على حزب الشعب الجمهوري، كونه المنافس الأكبر للتحالف الحاكم، فإنها ستكون على مستويَين. الأول يتعلق بالوضع الداخلي للحزب بعد التغيير الذي أحدثه على مستوى قيادته بعد انتخابات مايوأيار الماضية. ومن البديهي القول؛ إن فوز حزب الشعب الجمهوري سيُعزز زعامة أوزغور أوزيل للحزب، والعكس صحيح. كما أن هزيمة محتملة له قد تُمهد الطريق أمام الزعيم السابق للحزب كمال كليجدار أوغلو لمحاولة العودة مُجددًا إلى زعامة الحزب. أما المستوى الثاني، فيتعلق بمصير أكرم إمام أوغلو. وليس من المبالغة القول إن إمام أوغلو أهم عنصر في هذه الانتخابات. ففي حال نجاحه في البقاء بمنصبه، فإنه سيُعزز تأثيره كزعيم الظل لحزب الشعب الجمهوري وسيدعم طموحاته للترشح عن الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2028، أو في سيناريو انتخابات مبكرة عامة، والعكس صحيح. ولا تقل أهمية هذه الانتخابات لحزب الشعب الجمهوري عما هو الوضع عليه بالنسبة لحزب الجيد. كون الأخير سيخوض للمرة الأولى منذ تأسيسه أول استحقاق انتخابي بشكل مستقل عن حزب الشعب الجمهوري، لذا فإن انتخابات 31 مارسآذار ستُشكل اختبارًا لمدى قدرة زعيمته ميرال أكشينار على إظهار أن حزبها قادر على الاحتفاظ بوضعه كثاني أكبر حزب معارض دون الاعتماد على شريكه السابق. وفي حال نجاحها في ذلك، فإنها ستُعزز وضع حزبها في المعادلة السياسية الداخلية كبديل ثالث عن الثنائية الحزبية التقليدية المتمثلة بحزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، وستُصبح طرفًا وازنًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة. كما أن فشل حزب الجيد في الحفاظ على كتلته التصويتية في هذه الانتخابات قد يؤدي إلى مزيد من الاستنزاف الداخلي له إن على مستوى القادة، أو على مستوى القاعدة الشعبية، بما يُشكل تهديدًا وجوديًا له. وهذا التهديد الوجودي، سيعمل على إعادة تشكيل الحالة القومية في الحياة السياسية. أخيرًا، فإن الآثار المحتملة لانتخابات مارسآذار على حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي ستبقى أقل حدة مقارنة بحزبي الشعب الجمهوري والجيد، لكنّه أيضًا يواجه اختبارًا حاسمًا لاستعادة قاعدته الشعبية التي خسر جزءًا منها في انتخابات 2023 لأسباب عديدة، على رأسها تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري. لذلك، فإن نجاح الحزب في تحقيق معايير الفوز الخاصة به في هذه الانتخابات، والمتمثلة في استعادة زخمه التمثيلي للحالة السياسية الكردية، سيُحدد التأثير المستقبلي له في ديناميكيات السياسة الداخلية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/24/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d8%b3%d8%aa%d8%b9%d9%8a%d8%af
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-03-24T10:49:58
2024-03-24T11:37:19
مقالات
2,259
الهدن الإنسانية استراحة محاربين أم مقدمة لوقف النار؟
استفادت الإدارة الأميركية من جهود قطر الدبلوماسيّة ووساطتها بين حماس والكيان الصهيوني لإنجاز اتفاق الهدن الإنسانية، واستغلت ضغط الشارع وعائلات المحتجزين على حكومة نتنياهو، لمطالبتها بالتعامل مع هذا ال
استأنفت إسرائيل هجماتها على قطاع غزة شمالًا وجنوبًا، بعد سبعة أيام من الهدن الإنسانية، تبادلت فيها مع المقاومة الفلسطينية عددًا من النساء والقصّر بنسبة ثلاثة إلى واحد. ومع ذلك، أكد الاحتلال من جديد أنه مستعد لهدنة إضافية، حددها بيوم واحد، فيما لا تزال المقاومة تبدي استعدادها لاستئنافها، ما يعني أنّ هذه الهدن قد تتكرر. ولا يزال الوسطاء قطر ومصر- يعملون بالتنسيق مع الولايات المتحدة للوصول لاتّفاقات هدن جديدة بين الطرفين، بعد أن أكدت حماس استعدادها لتشمل هدنًا جديدة، ورفضت عرضًا إسرائيليًا بإطلاق مجنّدات في جيش الاحتلال. فما هي المدلولات التي انطوت عليها هذه الهدن، وهل أحدثت اختراقًا في منطق ومنهج الحرب لدى الاحتلال؟ وهل تشكل هذه الهدن فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في الأيام أو الأسابيع القادمة؟ لعل المدلول الأهم في هذه الآلية هو أن الاحتلال لا يمكنه الاستمرار إلى ما لا نهاية في حربه على غزة، وأن القيود الدولية على القوة المفرطة ستظل تعمل بصرف النظر عن تقدم الحرب أو تطورها، فضلًا عن استحقاقات إخفاق القوة العسكرية الإسرائيلية في تحقيق الإنجازات أو استعادة كرامة الكيان المستباحة في هجمات 7 أكتوبر تشرين الأول الماضي. فقد اعتبر الاحتلال أنه يخوض حربَ استقلال جديدةً- كالتي خاضتها العصابات المؤسِّسة له عام 1948- وسخّر لها كل قوته العسكرية التقليدية المتاحة، فيما هدد أحد وزراء حكومته باستخدام السلاح النووي ضد غزة ورغم كل الحشد والاستنفار الذي نفذه الاحتلال في غزة، وتنفيذه العديد من المجازر البشعة بحق المدنيين- التي أدّت لاستشهاد أكثر من 15 ألفَ فلسطيني، ووقوع الآلاف من الجرحى، وتشريد ونزوح مئات الآلاف، وتدمير جزء كبير من قطاع غزة، وتسويته بالأرض- فإنّ ذلك لم يحقق له ما أراد حتى الآن. وفي الوقت نفسه، تكبّدت قوات الاحتلال خسائر كبيرة في الأرواح والمعدّات، رغم أنها لم تدخل بعد المدن والمناطق ذات الكثافة العالية في شمال وجنوب غزة. ولم يعترف الاحتلال إلا بسقوط ما يقارب 80 من جنوده، ولكن صحيفة هآرتس كشفت، نقلًا، عن ناطق عسكري عن سقوط 1000 جريح، بينهم 202 بحالة الخطر. أمّا المقاومة فقد وثّقت بالفيديو تدمير عدد كبير من الآليات، من بينها مدرعات وناقلات جند، وقتْل وجرْح مَن فيها، الأمر الذي يرجح لجوء الاحتلال إلى إخفاء خسائره. كما استمر نزوح مستوطني غِلاف غزة الذين يقدرون بالآلاف، ليزيدوا من حجم التكاليف التي يتحمّلها الاحتلال في هذه الحرب، فضلًا عن استمرار شعور مواطنيه في المستوطنات وفي المدن الرئيسية بتهديد صواريخ المقاومة. واللافت أنَّ حماس عرضت- قبل بدء الحرب البرية نهايات شهر أكتوبرتشرين الأول الماضي- إطلاقَ سراح المدنيين بحوزتها دون مقابل، ولكن الاحتلال أصرّ على الاستمرار بحملته البرية، وعمد إلى المماطلة بالاستجابة للمطلب الأميركي بالهدن الإنسانية علّه يظفر بصورة نصر يظهرها أمام شعبه قبل الذهاب لوقفات من هذا النوع. لقد فشل الاحتلال في تحقيق أيّ إنجاز على الأرض، من قبيل اعتقال أو تصفية قيادات المقاومة، أو الاستيلاء على أنفاقها المنتشرة طولًا وعرضًا في القطاع، أو شلّ قدرة المقاومة عن استهداف آلياته ودباباته وجنوده، بل كانت صواريخ المقاومة تنطلق ضد مدن الاحتلال وغلاف غزة من بين أرتال الدبابات والمدرعات، لتثبت فشل الحملة البرية في تحقيق أهدافها. ورغم الدعم اللامحدود الذي قدَّمته الولايات المتحدة لإسرائيل، فإنّها فشلت في تحقيق هدفَيها المعلنَين هزيمة حماس والقضاء عليها، وتحرير الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية. غير أنه، ومع استمرار الصور المروِّعة للهجمات على المدنيين، وركاكة وكذب روايات الاحتلال في تبرير استهداف المستشفيات والمدارس، فقد بدأت صورة الكيان- ومعه الإدارة الأميركية- تهتزّ، فيما بدأ التحالف الغربي يتخلخل أمام الرأي العام الذي انقلب ضد الكيان، وأسفر عن مظاهرات مليونية في بريطانيا، وأميركا الداعمتين الأساسيتين للكيان. لذلك استفادت الإدارة الأميركية من جهود قطر الدبلوماسيّة ووساطتها بين حماس والكيان الصهيوني لإنجاز اتفاق الهدن الإنسانية، واستغلت ضغط الشارع وعائلات المحتجزين على حكومة نتنياهو، لمطالبتها بالتعامل مع هذا المطلب، خصوصًا بعد إعلان حماس أكثر من مرة أن القصف الإسرائيلي على غزة تسبّب بمقتل محتجزين لديها. ولأن حماس أدركت أن حكومة نتنياهو وافقت على الهدن الإنسانية تحت ضغط الواقع، فقد بدَّلت خُطتها لإطلاق سراح محتجزيها مجانًا، لتطالب بإطلاق 3 من النساء والأطفال من سجون الاحتلال، مقابل كل امرأة أو قاصر تطلقه، كما نجحت في إقناع الفصائل الأخرى مثل الجهاد بالمشاركة في الصفقة، وهو ما تمّ. وما من شك في أنّ حماس -كقيادة للمقاومة- كانت معنية جدًا بالهدن الإنسانية، فهي ليست في سعة من خياراتها. ورغم أنَّ المقاومة لم تتضرر بشكل كبير من ضربات الاحتلال، فإنّ هؤلاء المحتجزين شكلوا عبئًا عليها، فضلًا عن أن الخسائر البشرية وصور الدمار والخراب التي يتسبب بها القصف الإسرائيلي تضر بحاضنتها الشعبية والتفافها حول المقاومة. ولذلك فهي ملزمة بالسعي للتخفيف عن الفلسطينيين باستخدام أوراق القوة التي تملكها، لدفع الكيان الصهيوني للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية والوقود للقطاع المحاصر، وهو ما تم تضمينه باتفاق الهدن الإنسانية، ولكنه مع ذلك بقي أقلَّ من المطلوب كانت صحيفة بوليتيكو نقلت عن مسؤولين أميركيين، أنّ الرئيس جو بايدن لن يفرض قريبًا أيَّ قيود على المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، وذلك ردًا على طلب عددٍ من المشرّعين الأميركيين من البيت الأبيض بأن يربط تدفق المساعدات العسكرية لإسرائيل بالتزامها بالقانون الدولي وخلال عمليات التبادل، قدّمت المقاومة صورة إنسانية في التعامل مع الأسرى، وأظهرت المقاطع المصورة أثناء تسليمهم للصليب الأحمر صورًا للتعامل الراقي. وقد خرج هؤلاء بروايات إيجابية عن حسن المعاملة خلال الأسْر؛ ليمحو ذلك الصورة الكاذبة التي روّجها إعلام الاحتلال منذ 7 أكتوبر تشرين الأول الماضي ، بإظهار مقاتلي المقاومة بأنهم يقتلون الأطفال ويقطعون رؤوسهم ويغتصبون النساء. وبعد ظهور أكثر من رواية للأسرى بهذا الخصوص، عمد الاحتلال لمنع أيّ محتجز مفرج عنه، من الحديث المباشر في الإعلام. وبالإضافة إلى 97 محتجزًا من الإسرائيليين، أفرجت المقاومة عن عدد من الإسرائيليين الروس؛ لمكافأة روسيا على موقفها المتقدم، بما في ذلك منع إدانة حماس في مجلس الأمن الدولي. كما تم الإفراج عن عدد من العمال التايلنديين، على اعتبار أنهم غير متورطين في الصراع، وجاؤُوا للكيان للعمل. وفي المقابل تمّ إطلاق ما يماثل ثلاثة أضعاف الإسرائيليين من سجون الاحتلال من فئة النساء والقصَر، ومنهم بعض الأسرى من فلسطينيي 48. ورغم رغبة الاحتلال في تحقيق صورة نصر في غزة، وتمتعه بدعم الشارع المتعطش للانتقام، فلا تزال هناك فرص لتمديد الهدن الإنسانية لحاجة الطرفَين لها، غير أنّ الأهم هو مدى إمكانية تطور هذه الهدن إلى وقف شامل لإطلاق النار؟ وكيفية الوصول إليه؟ لا بد من الإشارة إلى أنّ الأجواء التي فرضتها الهدن الإنسانية ستهيئ المناخات للضغط باتجاه وقف دائم لإطلاق النار. فالبنسبة للإسرائيليين الذين يدعمون حكومتهم في حربها على غزة، فإنهم رأوا أن جزءًا من أسراهم عادوا في ظل هدنة، وأنّ الاستمرار في ذلك وصولًا لوقف إطلاق النار سيعيد لهم ما تبقى من الأسرى أكثر مما ستفعله الحرب. لقد باتت الحكومة الأميركية أكثر تفهمًا لأهمية الهدن الإنسانية، حيث أرسلت رئيس مخابراتها المركزية سي آي إيه للدوحة للتفاوض مع الموساد والمخابرات المصرية بحضور الحكومة القطرية حول صفقة محتملة لوقف إطلاق النار. كما أرسلت رسائل مباشرة، وفي الإعلام لحكومة نتنياهو بأنها تتوقع حربًا أقل حدة في استهداف المدنيين، الأمر الذي يشير لضجرها من سلوك حكومة المتطرفين، واضعة نصب عينَيها ردود الفعل المتعاظمة عالميًا والمناهضة للحرب، وتأثيرات ذلك السلبية على حجم التأييد للرئيس الأميركي جو بايدن وحزبه الديمقراطي. وكانت صحيفة بوليتيكو نقلت عن مسؤولين أميركيين، أنّ الرئيس جو بايدن لن يفرض قريبًا أيَّ قيود على المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، وذلك ردًا على طلب عددٍ من المشرّعين الأميركيين من البيت الأبيض بأن يربط تدفق المساعدات العسكرية لإسرائيل بالتزامها بالقانون الدولي. ولكن يلاحظ أنّ الموقف الأميركي- الداعم بلا تحفظ لإسرائيل- مرتبط بمدة زمنية قصيرة، إذ سيبدأ عدّاد الوقت بالنفاد مع اقتراب إطلاق حملة الانتخابات الأميركية، التي تريد إدارة بايدن دخولها بعد تحقيق نجاح في إنجاز الهدوء في المنطقة. كما أنّ إدارة بايدن تتخوف من اندلاع حرب إقليمية في حالة استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، تتورط فيها الولايات المتحدة. وقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، عن مسؤولي الأمن القومي أنّهم يخشون أن يؤدي سوء التقدير بين واشنطن وطهران إلى صراع إقليمي، لا تريده واشنطن؛ لأنه سيصرفها عن تركيزها على الصين وروسيا. وما دام أن وقف إطلاق النار يتطلب موافقة طرفي الصراع، فمن الجيد التذكير بأن حكومة نتنياهو أصبحت أكثر قناعة بأنها لن تتمكن من إنهاء حركة حماس، كما كانت تتوعد. ويُستدَل على ذلك من عدد من التصريحات لمسؤولين إسرائيليين تؤشر على التراجع عن التمسك بهدف إنهاء حماس، لصالح هدف إضعاف قدراتها السياسية والعسكرية، وصولًا لقيامها بالتفاوض غير المباشر معها على الهدن الإنسانية وقد أكد مندوب الاحتلال في جلسة لمجلس الأمن في نوفمبر تشرين الثاني 2023 على هذا التراجع، حينما قال هذه الحرب يمكن أن تنتهي غدًا، أو حتى اليوم، إذا أعادت حماس جميع الرهائن، وسلمت جميع الإرهابيين الذين شاركوا في مجزرة 7 أكتوبر تشرين الأول الماضي. يمكن التوصل إلى هدنة حقيقية تدوم لعقود. أطلب ذلك من حماس، هذا هو الحل. غير أن قوات الاحتلال تسعى الآن لتحقيق أي إنجاز ينزلها عن الشجرة، مثل اغتيال رموز في المقاومة، وعلى رأسهم رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار، إذ إن التركيز عليه -في تصريحات نتنياهو ووزير دفاعه- يعد محاولة لإظهار أن التمكن من قتله سيشكل انتصارًا كبيرًا لإسرائيل وتحقيقًا لأهدافها. هذا مع أن كل تجاربها السابقة تدل على عدم تمكنها من تحقيق أهدافها باغتيال رمز للمقاومة أو حتى باغتيال كل قادتها، ذلك أن حماس حركة وفكر وتيار عريض متجذر في الأرض، وله أتباع ومؤيدون في العالم أجمع، وأن هناك أجيالًا قيادية ستحل لا شك محل من يتم اغتيالهم. في الطرف المقابل، فإن هدف حماس بتبييض سجون الاحتلال عبر مبادلة أسرى الاحتلال بهم، لن يتم إلا بوقف النار وانسحاب قوات الاحتلال وفك الحصار المطبق عليها. وإن كان أبوعبيدة الناطق باسم كتائب القسام، قد أشار إلى إمكانية الإفراج عن الأسرى دفعة واحدة أو على دفعات، فليس من المتوقع أن تكتفي حماس بصفقة المبادلة وتقبل باستمرار الاحتلال والحصار، إذ إن ذلك يتناقض مع نظرتها للمكاسب التي حققتها هجمات 7 أكتوبر تشرين الأول الماضي. لذلك، تنطوي قصة التبادل الشاملة على الكثير من التعقيدات، ويصعب التكهن بالصيغة والظروف التي ستنتهي إليها، وإن كانت المؤشرات تدلّ على فشل العدوان الصهيوني في تحقيق أهدافه بعد قرابة الشهرَين من عدوانه على غزة، بما يجعله عرضة للتراجع والتنازل والقبول بشروط المقاومة، خصوصًا مع استمرار صمود المقاومة، وتراجع زخم الدعم الأميركي والأوروبي للعدوان. ويبقى التساؤل مطروحًا حول الشروط التي سيتضمنها وقف إطلاق النار، وما إذا كان ذلك سيشكل نهاية الاحتلال الإسرائيلي لغزة أم لا، وما يترتب عن ذلك من شكل الحكم في غزة، ودور الأطراف الفلسطينية، وربما غير الفلسطينية فيه. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/3/%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%af%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ad%d8%a9-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a3%d9%85
https://www.aljazeera.ne…C1080&quality=80
2023-12-03T07:06:23
2023-12-03T13:49:49
مقالات
2,260
اقتلوا ولكن على غير مَرأى من الصحافة
في غزة تُقصف المساكن والمدارس والكنائس والمساجد والمؤسسات الطبية، من غير سبب، ويُقتل آلاف المدنيين. وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، تتم مصادرة بيوت أصحابها، وتُمنح للأغيار.
لم يصطبر مديرُ مكتب المندوبية السامية لحقوق الإنسان التابع للأمم، بنيويورك السيد كريك موخيبر Craig Mokhiber على ما يجري في غزّة وقدّم استقالته لِما اعتبره إبادة جماعيَّة تجري أمام الأعين، للتهاون الذي أبدته المنظومة الدوليّة والمجموعة الدولية في وقف العدوان وحماية المدنيين، وشفع الاستقالة برسالة إلى المندوب السامي لحقوق الإنسان تُوضّح حقيقة الوضع وسبب المشكل يظهر جليًا، مع ما يطبع ذلك من أسى، أننا تخلّفنا عما يلزم وما يفرضه الواجب لتجنب فظائع جماعيّة، وعن واجبنا في حماية الأشخاص في وضعيّة هشّة، وإلى الواجب المرتّب عن ذلك في عرض من اقترفوا تلك الجرائم أن يكونوا محاسَبين على أفعالهم. استمرّ الأمر من خلال موجات متكرّرة من تقتيل الفلسطينيين واضطهادهم منذ أن وُجدت الأمم المتحدة. وليضيف إنَّ المجزرة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني- والتي تستند إلى أيديولوجية استعمارية، وإثنية قومية، بعد عقود من الاضطهاد والتطهير المنهجي، على أساس وضعيتهم بصفتهم عربًا، مع إعلان عن تلك النوايا بشكل جلي، من قِبل زعماء الحكومة الإسرائيلية، وجيشها- لا تترك مجالًا للشكّ ولا للحوار. ويسترسل في غزة تُقصف المساكن والمدارس والكنائس والمساجد والمؤسسات الطبية، من غير سبب، ويُقتل آلاف المدنيين. وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، تتم مصادرة بيوت أصحابها، وتُمنح للأغيار، استنادًا لعِرقهم. يرافق المستوطنين- الذين يرتكبون بوغرومات مجازر- وحداتٌ عسكرية إسرائيلية. تسود شِرعة الأبارتيد البلد كله. ندخل إلى صنف جديد من الإبادة .. القضاء بشكل سريع على بقايا الحياة الفلسطينية الأهلية في تلك الأراضي. لنصل إلى بيت القصيد حكومات كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجزء كبير من أوروبا مشاركون في هذه الهجمة المريعة. إنهم لا يكتفون بالامتناع عن الاضطلاع بواجبهم بالنظر لاحترام معاهدات جنيف، ولكنهم يمدُّون إسرائيل بالسلاح والمعلومات ويغطون سياسيًا ودبلوماسيًا على الفظائع التي ترتكبها. أتوقف هنا، لأنَّه ليس هناك تحليل أدقّ عن جذور المأساة، والتي تعود إلى فجر الأمم المتحدة، أو عقبها مباشرة، وإلى جوهر المشكل، وهو واقع الاحتلال والأبارتيد، والقتل والاضطهاد، وإلى التطور الذي حصل في مسار النزاع- مع الانتقال إلى فصل جديد في الإبادة، إلى إبادة نهائيّة، والإشارة إلى المسؤولين عمّا يجري- وهو مشاركة الغرب، وليس فقط تواطؤُه، مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب، عسكريًا ولوجيستيكيًا، ثم تغطية أعمال إسرائيل سياسيًا ودبلوماسيًا. أهمية التحليل هو أنه يأتي من شخص ليس فلسطينيًا ولا عربيًا ولا مسلمًا، ولا ناشطًا سياسيًا، ولكنه مسؤولٌ عن ملفّ حقوق الإنسان، في منظمة أممية، وهو ما يضفي عليه الموضوعية. هناك مسؤولية دولية عن الإبادة الجماعية التي تجري في غزة، ومشاركة غربية، فعلية أو ضمنية، ولا يمكن لأحد منذ الآن، أن يتذرع بأنه لم يكن يعرف. ما تزعمه الولايات من حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها بل واجبها- حسب الرئيس الأميركي بايدن- يعني عمليًا قتل شعب وإبادته، وعدم التحرج من التطهير العِرقي. هذا ما يقوله مسؤولوها في إسرائيل، جهارًا، ويرسمون خطط الإبادة في الاجتماعات التي يعقدونها مع القيادة العسكرية الإسرائيلية سرًّا. المؤذي ليس هو اصطفاف الولايات المتحدة إلى جانب القوة، والعنف والتقتيل، والدمار، والتشريد، والزيف والتضليل، وتقديم أدوات التقتيل؛ إذ ليس في الأمر جديد، ولكن تقديم خدمة الشفاه، كما يقال في اللغة الإنجليزية، أو الضحك على الذقون باللغة العربية؛ لأنّ أميركا تزعم أنها تُعنى بحَيَوات المدنيين، وتقديم المساعدات لهم، وفتح الممرات الإنسانية، وهي التي حملت في أول مُكوكها خيار الترانسفير. بلينيكن، الذي يمثل جيلًا جديدًا من ساكنة فوغي باتوم مقر كتابة الدولة الأميركية، يُغلفون خطابهم ببعض المراهم. اقتلوا ولكن لا تغلوا في القتل، واقتلوا ولكن على غير مرأى من الصحافة. اقتلوا، وأعطوا ضحاياكم مهلة، كي تستردوا قوتكم.. ويسترجعوا أنفاسهم. لا شيء يمكن انتظاره من الولايات المتحدة، الوسيط النزيه، الذي روّج الأداة السحرية، في الحديث إلى العالم العربي، من خلال توظيف تناقضات مكوناته، ولغة خدمة الشفاه. الحديث ينبغي أن يجري مع التاريخ. وما يقع هو إبادة جماعية، وهو تطهير عِرقيّ، غير مسبوق مما تعرض له الفلسطينيون منذ النكبة. ينبغي حفظ كل ما يجري وتوثيقه لتحديد مسؤولية الجناة، ومسؤولية المشاركين والمتواطئين، للتاريخ. نحن أمام تطهير عِرقيّ وإبادة جماعيَّة، ونكبة جديدة، ولكن في حجم أكبر من الأولى. فلم يعرف الفلسطينيون تقتيلًا كهذا الذي يجري الآن- وفي برودة دم- يفوق دير ياسين، وكفر قاسم، وجنين، وغزة 2009، وغزة 2014. ولكن التاريخ لا يعيد نفسه، وإن تكرّر. يأخذ شكلًا تراجيديًا أول الأمر، ولكنه يأخذ شكلًا مغايرًا بعدها. لن تكون حرب استقلال ثانية، كما زعم نتنياهو، ولكن بداية منعرج في العلاقات الدولية لن يكون أبدًا -من منظور التاريخ- في مصلحة إسرائيل، ولا الغرب، ولا الدول المتمسّكة بتلابيه، والمستظلّة بحمايته. ما يقع هو تحول جذريّ ليس فقط على مستوى الصراع العربي- الإسرائيلي، ولكنه على مستوى العالم، ستبلغ فرقعاته مجتمعات العالم العربي، يحجبه عنا اليوم نقْعُ المواجهة.. نعم الثمن غالٍ، ذلك الذي أدّاه الفلسطينيون ويؤدّونه، ولكن التحوّل لن يكون في صالح من ارتكنوا للقوَّة، وخنقوا الحقيقة. الانتصار العسكري ليس بالضرورة صنو الانتصار السياسي، والقوة ليست مرادفًا للحق والعدل. والموضوعية تقتضي النظر إلى الصورة كاملة، إلى سياق ما قبل طوفان الأقصى، إلى الحصار المضروب على غزّة والتضييق والتقتيل والاستهتار الذي يطال الفلسطينيين. ونتحمل مسؤوليتنا فيما يجري؛ لأننا حرمنا الفلسطينيين من جدارٍ يسندون إليه ظهورهم حين المواجهة، وعمقٍ يلوذون به، ليضمّدوا جراحهم، ويستردوا أنفاسهم. حينما كان مسلمو الأندلس يواجهون وحدهم عمليات الإبادة بعد مجزرة معارك البوشارات 1568 بعث فقيهٌ رسالة إلى علماء تلمسان والأزهر حول ما كان يتعرض له مسلمو الأندلس من تقتيل وانتهاك حرمات ذويهم، وشفع أن ما يؤذيه ليس ما يتعرضون له، فذلك أهون عليهم من الفُرقة التي عليها أبناء جلدتهم وإخوانهم في الدين، فذلكم يؤذيهم أكثر مما يؤذيهم ما كان العدو يفعله بهم. وستبقى مسؤوليتنا قائمة ما أبقينا على الفُرقة بيننا والنزاعات الهامشية، ولم نستخلص العِبرة مما يجري، ونقبل أن نكون كما الأيتام على مائدة اللئام. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/9/%d8%a7%d9%82%d8%aa%d9%84%d9%88%d8%a7-%d9%88%d9%84%d9%83%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d9%85%d9%8e%d8%b1%d8%a3%d9%89-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-09T08:00:41
2023-11-09T08:00:41
مقالات
2,261
واشنطن تعود إلى موازنتها بين تركيا واليونان
إن انفتاح الغرب على تركيا في السنوات الثلاث الماضية، كان نتيجة حاسمة لتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية ولضعف إستراتيجية الضغوط الغربية على أنقرة.
بعد عامين تقريبًا من المفاوضات الشاقة بين تركيا والولايات المتحدة حول طلب الأولى شراء 40 مقاتِلة من طراز إف-16 الأميركية، وما يقرب من 80 من مجموعات التحديث، قرّرت واشنطن أخيرًا أن الوقت قد حان لإتمام الصفقة. ومع أن تقديم الإدارة الأميركية إخطارًا رسميًا للكونغرس بالصفقة جاء في إطار عملية المساومة مع أنقرة على مصادقة الأخيرة على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي الناتو، مقابل تحرك واشنطن لإتمام صفقة المقاتِلات، إلا أن الدوافع الأميركية لتمرير هذه الصفقة تتجاوز في الواقع ملفّ السويد، وإن لعبت المساومة بين المسألتين دورًا حاسمًا في النهاية. هذه الدوافع بدأت بالظهور بعد الحرب الروسيّة على أوكرانيا، عندما أدركت واشنطن الحاجة إلى إعادة ضبط علاقاتها المضطربة مع أنقرة، والاستفادة من قيمتها الجيوسياسية الثمينة بالنسبة للغرب في صراعه الجديد مع روسيا. علاوة على ذلك، فإنّ الضغوط التي مارستها واشنطن والدول الأوروبية على أنقرة خلال السنوات الماضية، ومحاولة معاقبتها على خياراتها الجيوسياسية الجديدة، ونزعتها الاستقلالية في السياسة الخارجية، لم تنجح في التأثير على سياساتها الخارجية، وعلاقاتها مع روسيا على وجه الخصوص. إن أهمّ النتائج المستخلصة من فترة التوترات الأميركية-التركية الكبيرة خلال العقد الماضي، تتمثل في أن التخلي الأميركي عن العلاقات المتوازنة مع أنقرة وأثينا لم يؤدِّ سوى إلى مفاقمة التوترات بين حليفين للولايات المتحدة وبهذا المعنى، فإن انفتاح الغرب على تركيا في السنوات الثلاث الماضية، كان نتيجة حاسمة لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ولضعف إستراتيجية الضغوط الغربية على أنقرة. لذلك، فإن التحرك الأميركي الراهن لإتمام صفقة المقاتلات مع تركيا مُرتبط بديناميكيات مُتعددة في السياسة الأميركية تجاه أنقرة؛ وعلى رأسها محاولة واشنطن إعادة تشكيل سياستها مع كل من تركيا واليونان. ولم يكن مفاجئًا أن تعمل الولايات المتحدة أيضًا على تمرير صفقة بيع اليونان مقاتلات من طراز إف-35 بالتوازي مع بيع تركيا مقاتلات إف-16. هنا تبرز أيضًا الكيفية التي عملت بها الزيارة التاريخية الأخيرة للرئيس رجب طيب أردوغان إلى أثينا على تحفيز الولايات المتحدة للمضي قدمًا في إتمام عمليتَي البيع لأنقرة وأثينا. بقدر ما إن التوترات التركية اليونانية خلال السنوات الماضية شكّلت فرصة لواشنطن لتعزيز تعاونها الدفاعي مع اليونان من أجل تعزيز حضورها في شرق البحر المتوسط والضغط على أنقرة؛ بسبب خياراتها الجيوسياسية المستقلة عن الغرب وتقاربها مع روسيا، فإنّها عملت في المقابل على إضعاف قدرة واشنطن على التأثير في ديناميكيات التوترات التركية اليونانية. وقد بدا في تلك الفترة أن الولايات المتحدة تتخلّى عن نهجها التاريخي في موازنة علاقاتها مع أنقرة وأثينا. ويُمكن القول إن انجراف التوترات التركية اليونانية في عام 2020 إلى حافة الصدام المسلح عكس في جانب أساسي انحراف واشنطن عن نهج التوازن في علاقاتها مع تركيا واليونان. لذا، ينبغي النظر إلى مزامنة الولايات المتحدة لعمليتَي بيع تركيا واليونان المقاتلات الجديدة من منظور سعيها إلى العودة إلى نهج التوازن. وهذه العودة إلى نهج التوازن تُحقق فوائد جيوسياسية كبيرة للولايات المتحدة، إن على صعيد إعادة ضبط علاقاتها مع حليف مهم كتركيا، أو على صعيد تعظيم قدرتها في التأثير على ديناميكية العلاقات الجديدة بين تركيا واليونان، وجعلها قابلة للاستدامة لفترة طويلة، فضلًا عن تعزيز التّناغم داخل حلف شمال الأطلسي، وتعظيم الدور الأميركيّ في المنافسة الجيوسياسية مع روسيا في البحر الأبيض المتوسط. مع ذلك، سيبقى الوجود العسكري الأميركي في اليونان يُشكل عامل ضغط على العلاقات التركية الأميركية، لكنّ العودة الأميركية إلى نهج التوازن يُمكن أن تُساعد في خلق بيئة جديدة في التفاعلات الأميركية مع أنقرة وأثينا. إن أهمّ النتائج المستخلصة من فترة التوترات الأميركية التركية الكبيرة خلال العقد الماضي، تتمثل في أن التخلي الأميركي عن العلاقات المتوازنة مع أنقرة وأثينا لم يؤدِّ سوى إلى مفاقمة التوترات بين حليفين للولايات المتحدة. والعودة إلى نهج التوازن لا تخلق فرصًا جديدة للولايات المتحدة لتعزيز الوضع الجديد في العلاقات التركية اليونانية فحسب، بل يُمكن أن تساعدها في تقويض قدرة روسيا على الاستفادة من الاضطرابات التركية الغربية لتعميق شراكتها مع أنقرة. إذا كانت الحرب الروسية الأوكرانية فرضت على حلف الناتو التكيف مع التحدي الجديد مع روسيا بإحداث موجة توسع جديدة للحلف، فإنه من الأهمية بمكان العمل أيضًا على إعادة ترميم العلاقات المتصدعة بين أعضاء الحلف نفسه، إن كان على مستوى تركيا واليونان، أو على مستوى تركيا والولايات المتحدة. في نهاية المطاف، تبقى كل من تركيا واليونان حليفين لا غنى عن أحدهما بالنسبة للولايات المتحدة، حتى لو بدت أثينا أقرب إلى التوجهات الغربية من أنقرة. وفي ظل البيئة الشرق أوسطية المضطربة التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحديات الهائلة التي تواجهها الولايات المتحدة للحفاظ على مكانتها وتأثيرها في السياسات الشرق أوسطية، فإن أهمية تركيا في السياسات الأميركية في الشرق الأوسط أصبحت أكبر من أي وقت مضى. وبالنسبة للدول الأوروبية، فإن العودة الأميركية إلى نهج التوازن بين تركيا واليونان تُحقق لها فوائد جيوسياسية كبيرة أيضًا. فمن جانب، سيكون الدور الأميركي محوريًا منذ الآن وصاعدًا في الحفاظ على حالة التهدئة بين تركيا واليونان، ومنع انجراف العلاقات بين البلدين مرّة أخرى إلى دائرة التوترات التي ضغطت على العلاقات التركية الأوروبية في السنوات الماضية. ومن جانب آخر، فإن تطور العلاقات الجديدة بين تركيا واليونان إلى تعاون في مجال الطاقة يكتسب أهمية بالغة لأوروبا في إطار مساعيها لفطم نفسها عن الغاز الروسي. في خضم التوترات التركية اليونانية نهاية العقد الماضي، ساعد اعتقاد بأن الولايات المتحدة بدأت تنظر إلى تعزيز علاقاتها مع اليونان على أنها بديل لها عن شراكتها الإستراتيجية مع تركيا. لكن مساعي واشنطن للعودة إلى نهج التوازن في علاقاتها مع تركيا واليونان تُظهر عدم واقعيّة هذا الاعتقاد وأن الشراكة مع تركيا لا تزال حيوية لواشنطن. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/4/%d9%88%d8%a7%d8%b4%d9%86%d8%b7%d9%86-%d8%aa%d8%b9%d9%88%d8%af-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%b2%d9%86%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-04T06:54:24
2024-02-04T06:54:24
مقالات
2,262
اللعبة الخطرة بين الجزائر والمغرب
“الإعلان” عن “جمهورية الريف ” في الحدود المعترف به دوليًا للمغرب، لا يخدم المنطقة، ولا يخدم العالم العربي، ولا يخدم الجزائر، كما أن الدعوة لتقرير مصير “شعب القبايل”، لا تخدم المنطقة ولا تخدم العالم.
هناك حكمة شعبية متداولة في بلاد المغرب تقول اللي تلف يشد الأرض، أي أن على من أضاع السبيل، أن يلزم المكان الذي هو فيه، وهي حكمة تحيل إلى عالم الرحّل، حين تهبّ الرياح فتنحجب الرؤية على قافلة، ينصح الهداة حينذاك بأن يلزم أصحاب القافلة مكانهم، إلى أن تنجلي العاصفة، وتتضح الرؤية. ونحن في عالم لم تتحدد فيه الرؤية، بالنظر للتحولات الجسام التي يعرفها العالم، لا نظير لها إلا سياق ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويحسُن عدم التسرع في القرارات المرتجلة أو العاطفية، أو ردود الفعل. والخطأ بل الخطر التفكير في دائرة قوالب قديمة لعالم جديد، أو قيد الاعتمال. هذه المقدمة هي توطئة لحدث لا حدث في واقع الأمر، وهو ليس بكل تأكيد التعبير الذكي لمواكبة التحولات الجديدة، وهو إعلان قيام جمهورية الريف، في الجزائر العاصمة، في حي السفارات بها، مع يليق مع الحدث من جلال وطقوس، منها النشيد الوطني بتاريفيت متفرعة عن الأمازيغية والعَلم، وإعلان التوجهات. لعبة دعم الانفصال لعبة غير محسوبة العواقب، إذ لو تم التساهل معها، فمن شأنها أن تُقوض البنى الاجتماعية، في المغرب والجزائر، وتكون وقودًا لحروبٍ أهلية، في كل بلد، ولصراع لن يخمد ما بين العرب والأمازيغ لا يحتاج الإنسان أن يكون من ذوي الاختصاص، أيًا كان الاختصاص، ولا من العارفين أيًا كانت المعرفة، ولكن مجرد المنطق السليم، أن ذلك يخدم، إستراتيجيًا، الجزائر، حسب ما يسميه الرياضيون بالاستدلال بالعبث، أو المناطقة بـ الافتراض جدلًا قيام جمهورية الريف. حالة انفصال ناجحة تغذي حركات انفصالية جنينية، وما أكثرها قابلية للاستهلال، إن توفرت على تغطية إعلامية، ومغازلة الجرح الوجودي، ومختبرات خبراء، وأحداث مفتعلة، وتوظيف أخرى، ودعم دولي.. يحبُل العالم بحركات سلمية جدًا، تنادي بحقوق ثقافية، مشروعة جدًا، وتنتهي بالدماء، والدعوة للانفصال. منطق الأشياء، في خضم التحولات الكبرى التي تقع في العالم، هو وضع سِنان المواجهة بين الجزائر والمغرب، والتفكير مليًّا في التحولات الكبرى، والسعي من أجل أن يكون التحول لصالح شعوب المنطقة، وللعالم العربي، كما حدث سابقًا، بعد التحولات التي طرأت في أوروبا الشرقية، في نهاية القرن الماضي، وألقت بظلالها على البلدين. استأنف المغرب حينها علاقاته الدبلوماسية التي كانت مقطوعة مع الجزائر، وحضر المرحوم الملك الحسن الثاني القمة العربية التي انعقدت في الجزائر في يونيو حزيران 1988، وكان لقاء زرالدة ضواحي الجزائر العاصمة في أعقاب القمة. لكننا لم نعد في منطق الأشياء، بل نقيضها. الإعلان عن جمهورية الريف في الحدود المعترف به دوليًا للمغرب، لا يخدم المنطقة، ولا يخدم العالم العربي، ولا يخدم الجزائر، كما أن الدعوة لتقرير مصير شعب القبايل، لا تخدم المنطقة ولا تخدم العالم العربي، ولا تخدم المغرب. لم أتورّع عن انتقاد ما كان أقدم عليه سفير المغرب في الأمم المتحدة السيد عمر هلال، حين قال بحق شعب القبايل الأبي في تقرير مصيره، في غمرة سجال مع نظيره الجزائري 14 يوليوتموز 2021- وكتبت وصرّحت في غير موقع دولي، عن رعونة هذا التصريح. وكان من الممكن طيّ الموضوع، لأن الملك محمد السادس خصص خطاب العرش كله للعلاقات المغربية الجزائرية 30 يوليوتموز 2021، وقال؛ إن الشعبين أكثر من شقيقين بل سيامي، يعني متلاصقين، وأن الشر لن يأتي من المغرب، وهي اللازمة التي تتكرر كذلك في الخطاب الرسمي الجزائري حيال المغرب الشر لن يأتي من الجزائر. وهل نعتدُّ بالخطابات أم بالأفعال؟ لا جدال أنّ لمنطقة القبايل في الجزائر خصوصيتها الثقافية، ولكنها كانت في لُب معركة التحرير، وقلبها النابض. تبنّى بعض قيادييها بعد الاستقلال، خيارات سياسية، مغايرة لتلك التي تبنتها الجزائر عقب الاستقلال. لكن الانفصال لم يكن واردًا قط، ولا تحمله أي قوة فعلية، ولها مصداقية، وليس له أي تواجد شعبي. نفس الشيء يقال عن منطقة الريف في المغرب، لها خصوصيتها الثقافية، وكانت معركة الأمير عبد الكريم الخطابي، تحرير الريف أولًا وتوجيه قواته للمنطقة التي كانت خاضعة للحكم الفرنسي. وللتذكير، فالسلطات الاستعمارية اقتسمت المغرب كما يتم اقتسام الفيء، ما بين فرنسا وإسبانيا، ومنطقة دولية في طنجة. اندلاع المقاومة في الريف، بالشكل الذي بدت فيه، والمسار الذي اتخذته ناجم عن التقسيم الذي خضع له المغرب وسياسة إسبانيا ووضعها. من المؤكد كذلك أن منطقة القبايل عرفت اهتزازات كبرى بعد مقتل الناشط ماسينسة كرماح أبريلنيسان 2001، أفضت إلى ما عُرف بالربيع الأسود، ومن المؤكد كذلك أن فرم بائع السمك محسن فكري بالحسيمة أكتوبرتشرين الأول 2016، كان الشرارة التي أوقدت حراك الريف. لم يرِد الانفصال في الحالتين. لعبة دعم الانفصال لعبة غير محسوبة العواقب، إذ لو تم التساهل معها، فمن شأنها أن تُقوض البنى الاجتماعية، في المغرب والجزائر، وتكون وقودًا لحروبٍ أهلية، في كل بلد، ولصراع لن يخمد ما بين العرب والأمازيغ، وبركانًا يُلقي بحُممه في المنطقة، ويوتر الوضع في حوض البحر الأبيض المتوسط. كنا نُغبَط في بلاد المغرب بوَحدة الدين والمذهب، ولم يكن قادة أمازيغيون ينظرون لمصير بلديهما خارج الوحدة، من الأمير عبد الكريم الخطابي، أو الحسين آيت أحمد، أو محمد بنسعيد. لكن نحن مع فاعلين بنفس المرجعيات، لا التوجهات وهل نحن في نفس السياق؟ لا ينبغي التوجه بالحديث هنا إلى صانعي الرأي في البلدين فقط، بل لأصحاب القرار بالأخصّ من أجل التوقف عن ردود الفعل، والمزايدة. هناك جفاء بين البلدين ينبغي التعامل معه بواقعية، كما يفعل الطبيب حين يسعى ليدفع الداء للاستقرار، لكن الضرب بأبجديات التعامل الدولي عرض الحائط، من دعم الانفصال والتدخل في الشؤون الداخلية، ونكث الالتزامات الدولية، هي لعبة خطرة، وغير محسوبة العواقب. أعمال العقلاء تُنزه عن العبث، لكن للأسف الشديد أن الذكاء الفردي يوظف لما ليس ذكاء على المستوى الجماعي. وهذا من مآسينا الجسام. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/24/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%a6%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8-2
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-03-23T22:27:32
2024-03-24T23:14:14
مقالات
2,263
هل طُويت صفحة الخلافات التركية الأميركية إلى حين؟
تطورات إيجابية على صعيد أكثر من ملفّ، في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، لكن اللافت في هذه العودة أنها لن تكون وفق رؤية التابع والمتبوع، بل ستكون وفق الرؤية التركية التي تستند إلى الوقوف على قدم المساواة.
سؤال أصبح مطروحًا بقوّة على الساحة السياسية التركية في أعقاب موافقة البرلمان على قَبول عضوية السويد في حلف الناتو، وما تبع هذا الإعلان من تصريحات ومواقف أميركيّة حملت رسائل إيجابية، تشير في مجملها إلى أن مرحلة الخلافات التركية الأميركية قد طُويت صفحاتها أو كادت، وأن المرحلة المقبلة ربما تشهد المزيد من التقارب بين الحليفَين في العديد من الملفات الخلافية بينهما، والتي أدّت إلى تراجع علاقتهما إلى أدنى مستوى لها منذ عقود. المكاسب التي حصلت عليها تركيا من موافقتها على قبول عضوية السويد في حلف الناتو، تتخطّى في مجموعها زيادة تقاربها مع دول الاتحاد الأوروبي، وإثبات ولائها للحلف، بعد أن حقّقت رغبة دوله في تشكيل جبهة موسعة ضد موسكو؛ تحسبًا لما يمكن أن تسفر عنه الحرب الروسية الأوكرانية من نتائج، رغم العلاقات الحميمة والمصالح المشتركة التي تربطها مع جارتها روسيا. إذ نجحت تركيا في إجبار السويد على تعديل دستورها، وإقرار قانون جديد لمكافحة الإرهاب، وإلغاء الجنسيات الممنوحة لعدد من عناصر حزب العمال الكردستاني المطلوبين لدى القضاء التركي، ومصادرة أموال بعضهم من المصارف السويدية، والحد من نشاطاتهم العدائية ضد الدولة التركية ورموزها السياسية. هذا إلى جانب قيامها برفع الحظر عن تصدير الأسلحة لتركيا، ومن بعدها اتخذت هولندا الموقف نفسه، ولحقت بهما مؤخرًا كندا، التي أعلنت عن إلغاء كافة القيود التي كانت تعرقل عمليات بيع الأسلحة الكندية لتركيا منذ عام 2020. تخطي السويد عقبة تركيا أمام عضويتها في الناتو، جاء في إطار المقايضة التي فرضتها الولايات المتحدة على تركيا، مقابل إتمام صفقة بيعها 40 طائرة من طائرات إف- 16 المحدثة بقيمة 23 مليار دولار، إلى جانب الحصول على حوالي 80 مجموعة من قطع الغيار لتحديث قدرات سلاحها الجوي بقيمة 20 مليار دولار. حيث أعلن البيت الأبيض عن قيامه بإبلاغ الكونغرس، رسميًا، بعزمه المضي قدمًا في طريق إتمام صفقة بيع طائرات حربية من طراز إف- 16 المحدثة لتركيا، عقب تصديق الرئيس التركي على مذكرة البرلمان مباشرة، وكأنه بهذا الإعلان يفي بالتزامه بجزئه الخاص من هذه المقايضة، وبوعده الذي قطعه لإتمامها. ورغم هذا، فإنّ التصريحات التي صدرت من بعض مسؤولي البيت الأبيض، والخطوات التي اتخذت بعد ذلك تشير إلى أنّ العلاقات بين البلدين سوف تأخذ منحًى مغايرًا لما هي عليه الآن. كما أن هناك إمكانية كبيرة لعودة التعاون بينهما في العديد من الملفات، والقضايا الإقليمية والدولية التي تتقاطع فيها مصالحهما، مثل الملف الليبي، والسوري، والعراقي بما يمنح أنقرة مكاسب جمّة لطالما طمحت إلى تحقيقها، وأعاقتها واشنطن. انتشرت مؤخرًا عدّة تسريبات متلاحقة تفيد بوجود رغبة لدى الولايات المتحدة في سحب قواتها المتواجدة بكل من شمال العراق 2500 جندي، وشرق سوريا 900 جندي، وهي الرغبة التي تتوافق مع رؤية تركيا للوجود العسكري الأميركي في كلا البلدين. حيث أُعلن على لسان العديد من المسؤولين الأميركيين عن وجود نقاشات جدية مكثفة تجري حاليًا داخل أروقة البيت الأبيض لبحث كيفية وتوقيت الانسحاب من الأراضي السورية والعراقية، وأن هناك يقينًا لدى مسؤولين داخل الإدارة الأميركية ومقربين من الرئيس جو بايدن يرون أنّ الاستمرار العسكري الأميركي في كلا البلدين لم يعد ضروريًا. ورغم مسارعة الخارجية الأميركية لنفي هذه التسريبات، وتأكيدها عدم وجود مثل هذا التوجه لدى واشنطن، وأنهم مصرّون على استمرار التواجد الأميركي في المنطقة؛ حفاظًا على مصالح أميركا وحلفائها، فإنّ الحديث عن سحب القوات الأميركية من المنطقة في هذا التوقيت يبدو أمرًا منطقيًا بالنظر إلى موقف واشنطن الصامت تجاه العمليات العسكرية التركية في كل من الشمالَين السوري والعراقي. وتحديدًا في المناطق التي تتمركز فيها قواتها، وعدم اتخاذها أي رد فعل يشير إلى رفضها هذه العمليات أو المطالبة بوقفها. هذا إلى جانب الهجمات التي تعرضت لها قواتها على الأرض في البلدين، والخسائر التي تكبدتها في الأرواح والمعدات، وحجم الإخفاقات التي تعرضت لها، وفشل الإدارة الأميركية في تحقيق أهدافها التي سعت إليها من خلال تواجدها على الأرض هناك. وأيضًا ما يواجهه هذا التواجد العسكريّ من معارضة قوية سواء من جانب المسؤولين في كل من بغداد ودمشق، الذين يرون فيه احتلالًا لأراضيهم، أو من جانب كل من تركيا، وروسيا، وإيران، إضافة إلى تصاعد التوترات في البحر الأحمر، والأراضي الفلسطينية. أما نفي الخارجية الأميركية، فيأتي على الأغلب في إطار محاولاتها لبث الطمأنينة في نفوس كل من قوات وحدات حماية الشعب قسد وعناصر حزب العمال الكردستاني شركائها في المنطقة، عبر رسالة مفادها أنها لن تتخلى عنهم، ولن تتركهم لقمة سائغة في أفواه أنقرة وطهران، كما سبق أن حدث من قبل. ولعل التصريحات التي صدرت مؤخرًا من جانب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن استمرار وجود خطر عناصر تنظيم الدولة، المتواجدين في الكثير من النقاط داخل المناطق، وأن الحرب ضدهم لا تزال مستمرة تصبّ في هذا الاتجاه، للتأكيد على أن تحالف بلاده معهم لا يزال قائمًا، وأن دورهم لم ينتهِ، وأن واشنطن ماضية قُدمًا في تعاونها معهم، رغم محاولات الوقيعة بينهما. إخراج القوات الأميركية من العراق وسوريا يعني تلقائيًا وقف الدعم العسكري واللوجيستي عن عناصر حزب العمال الكردستاني، وقوات حماية الشعب، وخروجهم من تحت عباءة الحماية الأميركية الأمر الذي سيصبّ حتمًا في صالح تركيا، ويمنحها القدرة على إعادة ترتيب الأوضاع بالمنطقة بالتوافق مع كل من قيادات البلدين في سوريا والعراق، إضافة إلى روسيا وإيران، بما يضمن لها حماية حدودها، والحفاظ على أمنها القومي. من المكاسب التركية التي حصدتها أنقرة أيضًا جراء إيجابية الولايات المتحدة تجاهها، تمثلت في سعي الأخيرة لتنقية أجواء العلاقات التركية اليونانية، بصفتهما حليفتَيها المقربتَين، ودفعهما إلى الجلوس مجددًا على طاولة المفاوضات لوضع حدّ لخلافاتهما، وإزالة التوتر بينهما، وهو ما أسفر عن إعلان أثينا موافقتها على إتمام صفقة طائرات إف-16 لتركيا، التي كانت تعارضها بشدة، وسعت إلى عرقلتها لدى الكونغرس. صحيح أنها حصلت من واشنطن في المقابل على 40 طائرة من طراز إف 35 بقيمة 8 مليارات دولار، إلا أن قبولها بمد جارتها بطائرات إف-16 المحدّثة دون الحديث عن أن هذا يزيد من قدرات تركيا العسكرية- وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا لها- ساهم في تلقي أنقرة تصريحات رئيس وزرائها كيرياكوس ميتسوتاكيس بارتياح بالغ. إذ أكد رغبته في تعزيز الأجواء الإيجابية القائمة حاليًا بين بلاده وتركيا إثر الدعم الذي قدمته أثينا لجارتها أثناء كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا في فبرايرشباط من العام الماضي. مشيدًا وللمرة الأولى بالصناعات الدفاعية التركية وبقدراتها العسكرية غير المسبوقة، وبرغبته في إيجاد آلية للتعاون بينهما في هذا المجال، مؤكدًا قيامه بزيارة أنقرة في شهر مايو أيار المقبل. معربًا عن تفاؤله بشأن إمكانية التوصل إلى حلّ لمسألة تحديد الصلاحيات البحرية العالقة بينهما، والتي تعدّ من أهم القضايا الخلافية التي تعيق تقدّم العلاقات بين البلدين. تطورات إيجابية على صعيد أكثر من ملفّ، ومكاسب متتالية، ما يؤكد أن المرحلة المقبلة سوف تشهد تحسنًا مطردًا في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، لكن اللافت في هذه العودة أنها لن تكون وفق رؤية التابع والمتبوع التي أرادتها واشنطن، بل ستكون وفق الرؤية التركية التي تستند إلى الوقوف على قدم المساواة بينهما، وتحكمها المصالح المشتركة لكل منهما دون إملاءات أو اشتراطات، كما كان عليه الوضع من قبلُ. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/1/%d9%87%d9%84-%d8%b7%d9%88%d9%8a%d8%aa-%d8%b5%d9%81%d8%ad%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%81%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-01T16:48:58
2024-02-02T03:22:03
مقالات
2,264
كيف نقرأ الجهاد في المصادر الإسلامية؟
“الجهاد” مبحث أصيلٌ من مباحث التراث الإسلامي، وينتمي إلى عدة حقول من المعرفة الإسلامية، أبرزها ثلاثة هي: علوم الحديث، والفقه، والأحكام السلطانية والسياسة الشرعية.
على خلاف التصوّرات الحديثة، نجد أن الجهاد مبحثٌ أصيلٌ من مباحث التراث الإسلامي، وينتمي إلى عدة حقول من المعرفة الإسلامية، أبرزها ثلاثة، هي علوم الحديث، والفقه، والأحكام السلطانية والسياسة الشرعية، وإن كان هذا الحقل الأخير جزءًا من حقل الفقه في الأصل، قبل أن يستقلّ عنه لأسباب ليس هنا مجال بحثها. وقد يسمّى الجهادُ السِّيَر، وهو جمع سيرة وهي الطريقة سواءٌ كانت خيرًا أم شرًّا، ولكن كلمة السِّيَر صارت معنى اصطلاحيًّا عند الفقهاء يعبّرون بها عن الطريق المأمور بها في أمور الغزو قبل نشوء الدولة الحديثة، وربما وسّع بعضهم مدلول الكلمة ليشمل تفاصيل التعامل مع المحاربين سواء كانوا من الكفار المحاربين أم من المسلمين البغاة، أو غيرهم من المستأمنين والمرتدّين عن الإسلام. أما مدونات الحديث، فهي تجمع الآثار النبوية وغيرها، وقد خَصصت كتب رواية الحديث فصلًا خاصًّا يسمونه كتابًا يجمع الأحاديث والآثار النبوية الواردة في موضوع الجهاد، كما نجد في صحيح محمد بن إسماعيل البخاري ت. 256هـ، وصحيح مسلم بن الحجاج ت. 261هـ، وفي كتب السنن الأربعة، وهي سنن أبي داود السِّجِستاني ت. 275هـ، وسنن أبي عيسى التِّرْمِذي ت. 279هـ، وسنن أبي عبد الرحمن النَّسائي ت. 303هـ، وسنن أبي عبد الله بن ماجَهْ ت. 273هـ. وهذه الكتب جميعًا سُميت الكتب الستة، وقد جمعت معظمَ ديوان الحديث النبوي، وفي كل كتاب منها فصلٌ خاص بالجهاد. أما كتب الفقه، فجميعها ومن مختلف المذاهب تشتمل على فصل أو كتاب خاص عن الجهاد والسير، وربما استعمل بعضهم تعبير كتاب الجهاد فقط، أو تعبير كتاب السير فقط. وأما كتب السياسة الشرعية والأحكام السلطانية، فتبحث الجهاد بوصفه مهمة من مهمات الإمامة أو السلطة وما يتعلق بجانبه التنظيمي والإجرائي. وثمة كتبٌ مفردة خُصصت لأحكام الجهاد وفضائله، وقد بدأ هذا النوعُ مبكرًا منذ منتصف القرن الثاني الهجري مع عبد الله بن المبارك ت. 181هـ، أي أنه نشأ مع ظهور التصنيف في العلوم الإسلامية من حديث وفقه وتفسير وغير ذلك. وإذا أمعنا النظر في الجهاد كما تُظهره هذه الحقول المختلفة بوصفه موضوعًا بحثيًّا أو مبحثًا وجدنا أنفسنا أمام ثلاث مسائل ونجده كذلك عند أبي إسحاق الشيرازي ت. 476هـ، وأبي حامد الغزالي ت. 505هـ، وأبي زكريا النووي ت. 676هـ والرُّوْياني ت. 502هـ وغيرهم من الشافعية، وعند محمد بن مفلح ت. 763هـ وإبراهيم بن محمد بن مفلح ت. 884هـ من الحنابلة. ورغم أنّ مدونات الحديث الستة المذكورة سابقًا معدودةٌ في كتب الرواية التي مهمتها جمع الأحاديث النبوية أصالةً، إلا أننا يمكن أن نستنبط من طريقة تبويبها وتصنيف الأحاديث فيها معاني فقهية تأويلية، وبناء على ذلك سنجد أن المنظورين المشار إليهما في كتب الفقه موجودان أيضًا في كتب الحديث كذلك، فأبو داود والنسائي وضعا كتاب الجهاد في سننهما بعد أبواب العبادات مباشرة، في حين أنّ البخاري ومسلمًا في صحيحيهما، والترمذي وابن ماجه في سننهما، وضعوه ضمن أبواب المعاملات بعد كتاب الحدود وغيره، فعاد بنا الأمر إلى الخلاف حول توصيف الفعل الجهادي، هل هو عبادة أم معاملة؟ ولكن ما ثمرة هذا الاختلاف؟ تظهر ثمرة الاختلاف على مستوى الممارسة بين مضيّق وموسع لها؛ فالشأن في العبادة الامتثال والتَكرار، وتضييق الاجتهاد بالرأي فيها، وتكون مقصودة بذاتها، ولهذا وجدنا بين الآراء الفقهية القديمة من كان يرى أن الجهاد واجب في كل عام مرة، وغير ذلك من الآراء المبكرة قبل إمساك السلطة بتنظيم الجهاد وانضباطه، في حين أن إدراج الجهاد ضمن أبواب المعاملات يعني أنه مطلوب طلب الوسائل، ويمكن أن يسقط بتحقق الغاية بوسائل أخرى، كما أن ذلك يُخرج النقاش حول الجهاد من دائرة العقائد على خلاف تصور الجماعات المنتسبة إلى الجهاد في العصر الحاضر. يقدم مفهوم الجهاد نموذجًا لمنهجية قراءة المفاهيم في المصادر الإسلامية وفق منظور متعدد التخصصات، كما يوضح أن طريقة تصنيف مباحث الفقه تعبّر عن تصورات منهجية وليست مجرد مسألة تنظيمية أو شكلية. وثمة ترابط بين كتب الفقه من جهة، وكتب الحديث روايةً من جهة أخرى، كما أن المفاهيم إنما تنشأ ضمن سياق تاريخي تجب ملاحظته لفهم تفاصيلها وتطوراتها، وهذا كله يغيب عن الصياغات الحديثة للجهاد وعن التنظيمات التي انتسبت إلى الجهاد أو حاولت استعادته في سياق الدولة القومية دون مراعاة نشأة الدولة الحديثة وتنظيماتها، ليبقى الاستثناء الوحيد في هذا السياق هو ما تقدمه حركات المقاومة الإسلامية التي تجنب بعضها تسمية الجهاد التي أصبحت إشكالية في سياق الدولة الحديثة التي إنما تضفي الشرعية على حركات التحرر من الاحتلال التي يُفترض أن القانون الدولي يضمنها ويقرّ بشرعيتها، ولكن تبقى مصالح القوى الكبرى السياسية فوق القانون الدولي عمليًّا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/17/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d9%86%d9%82%d8%b1%d8%a3-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%87%d8%a7%d8%af-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%a7%d8%af%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-05-17T09:44:12
2024-05-17T09:44:12
مقالات
2,265
بعد زيارته القاهرة .. متى يزور أردوغان دمشق؟
خطوة المصالحة التركية مع القاهرة والسعي لتحسين علاقاتها معها ليست الأولى التي تخطوها أنقرة لإنهاء خلافاتها الإقليمية، وتحسين علاقاتها السياسية،فقد سبق لها استعادة علاقاتها مع المملكة العربية السعودية.
بعد قطيعة استمرّت عقدًا من الزمن بين البلدَين، تخللته الكثيرُ من المواقف السياسيَّة العدائية، والتصريحات السلبية المتبادلة تجاه كلّ منهما لنهج سياسات الآخر الإقليمية، توجّه الرئيس أردوغان إلى القاهرة في زيارة رسمية لمدة يوم واحد، وهي الزيارة التي من المنتظر أن يكون لها انعكاسات إيجابية واسعة المدى على العديد من الملفات والقضايا الإقليمية التي تحتاج إلى تعاون البلدين، خاصة تلك التي تتشابك فيها مصالحهما، مثلما هو الحال في أحداث غزة، والوضع في كل من ليبيا، والسودان، وملفّ شرق المتوسط. إيجابية موقف الرئيس التركي تجاه القاهرة، وتعاطيه بكل هذا الودّ والتَرحاب مع رئيسها عبدالفتاح السيسي بعد مرحلة من الكراهية الشديدة التي ميزت تعاطيهما على الصعيد الشخصي لسنوات، وهو ما انعكس بصورة سلبية على علاقات البلدين السياسية والدبلوماسية، يجعل ذلك من المنطقي البحث عن إجابة لسؤال طالما شغل أذهان الكثيرين من الأتراك والسوريين معًا متى إذًا يزور أردوغان دمشق؟ خطوة المصالحة التركية مع القاهرة والسعي لتحسين علاقاتها معها ليست الأولى التي تخطوها أنقرة في سبيل إنهاء خلافاتها الإقليمية، وتحسين علاقاتها السياسية، وتوسيع حجم تعاونها السياسي والاقتصادي مع دول المنطقة، فقد سبق لها استعادة علاقاتها مع المملكة العربية السعودية. كما استأنفت علاقاتها الدبلوماسيّة مع الإمارات العربية المتحدة بعد سنوات من الجفاء والتوتر نتيجة التباين في وجهات النظر بشأن قضايا المنطقة، وموقف كل منهما من ثورات الربيع العربي. من هذا المنطلق يبدو من الطبيعيّ بل ومن المنطقي أن يتم فتح باب ملف العلاقات التركية السورية على مصراعيه، وأن يبدأ الجميع في التكهن بالموعد الذي سيتم فيه تبادل الزيارات الرسمية بين البلدين، ويلتقي أردوغان والأسد وجهًا لوجه. خاصة أنه كانت هناك علاقة صداقة عائلية قوية ربطت لسنوات بين الرجلَين، قبل اندلاع الثورة السورية، تبادلا خلالها الزيارات الخاصة، وقضاء العطلات، والاحتفال بالعديد من المناسبات الاجتماعية سويًا. الواقع الإقليمي وما تمرّ به المنطقة من توترات، والدعم الذي يتلقاه النظام السوري، كلّها عوامل تؤكّد أن بشار الأسد باقٍ على رأس السلطة في دمشق، وأن مسألة الإطاحة به أو محاولة تغييره لم تعد مطروحة حاليًا لا على الصعيد الإقليمي ولا الدولي. بل إن الجميع بدأ في البحث عن آليات وسبل يمكن من خلالها وضع حدّ لمرحلة الانقسام التي يعيشُها الشعب السوريّ، وإنهاء معاناة اللاجئين منهم، وضمان عودتِهم إلى مدنهم وقراهم، واستعادة ممتلكاتهم التي صادرها النظام، وضمان مشاركة فصائل من المعارضة في الحكم، عبر إجراء انتخابات نزيهة تتم وفق بنود ومواد الدستور الجديد الذي يتم إعداده حاليًا في جنيف برعاية الأمم المتحدة. وهي في جملتها تمثل نفس المطالب التي تضعها أنقرة شرطًا لإعادة علاقاتها مع دمشق، إلى جانب مسألة التعاون بينهما في مجال مكافحة الإرهاب، لإخراج عناصر حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب قسد من الشمال السوري. وهي المعضلة التي قدمت واشنطن حلًا لها على طبق من ذهب لكل من أنقرة ودمشق معًا، بعد أن تم الإفصاح عن وجود نقاش واسع ومكثف داخل دوائر صنع القرار الأميركيّ حول الرغبة في سحب القوات الأميركية الموجودة في شرق سوريا، حيث تحتفظ واشنطن بـ 900 جندي هناك، إلى جانب مجموعة من أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية المتنوعة، بعد أن أصبح وجودها هناك غير ضروري. وهو ما يفسح المجال أمام إمكانية خلق آلية لتعاون القوات التركية في الشمال السوري مع كل من القوات الروسية والسورية الموجودة في المنطقة؛ لإنهاء وجود هذه العناصر من على طول خط الحدود بين البلدين البالغ 932 كيلومترًا، ويحقق لأنقرة أمنها القومي، وينهي مخاوفها من تعريض وحدتها الترابية لخطر التقسيم. وهو ما يعني بدوره تلبية المطلب السوري الوحيد من أنقرة، والمتمثل في سحب قواتها من المناطق التي تتمركز فيها في الشمال السوري، ووضع برنامج زمني محدّد للقيام بذلك، حيث تعتبرها دمشق قوّات احتلال، تهدّد أمنها القومي، وتستحوذ على جزء من ترابِها الوطني. حقيقة الأمر أنَّ هناك جملةً من المكاسب لا يمكن تجاهلها، يمكن لأنقرة تحقيقها إذا ما قررت استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، وفي مقدّمتها بطبيعة الحال إغلاق ملف اللاجئين السوريين لديها؛ تحقيقًا لمطالب شعبية واسعة النطاق تتخطى شريحة العلمانيين والكماليين إلى باقي شرائح المجتمع التركيّ، خصوصًا منتمي الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، الذين أصبحوا يعانون أشد المعاناة في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة، والارتفاع غير المسبوق في أسعار كافة السلع والخدمات والسكن. إلى جانب الرغبة في إنهاء التّوتر القائم على المناطق الحدودية، الذي يعيق عمليات التبادل التجاري التي طالما كانت السبيل الوحيد أمام تحقيق مكاسب اقتصادية، ومصدر كسب لسكان المنطقة، وخلق فرص عمل أمام آلاف الشباب من خلال تجارة الترانزيت الحدودية. هناك حاجة إلى وجود قنوات دبلوماسية مع دمشق، يمكن من خلالها وضع آلية تركية سورية للتعاون في ملف غاز شرق المتوسط، وهو الأمر الذي يعضد موقف تركيا، خاصة إذا نجحت في ترسيم حدودها البحرية مع القاهرة، مما يمنحها قدرة أكبر على التصدي للموقف الأميركي والأوروبي الرافض لاقتسامها ثروات المنطقة مع باقي الدول تحت ضغط كل من اليونان وقبرص. التطورات الإقليمية والدولية، والمكاسب التي يمكن لأنقرة إحرازها، قد تعجل بإنهاء الخلافات، بما يفضي إلى عودة قريبة للعلاقات التركية السورية، وتبادل الزيارات الرسمية، في ظل نصائح المؤسستين العسكرية والاستخباراتية، التركيتين، اللتين طالبتا فيها بضرورة تغيير السياسة التي تمَّ انتهاجها خلال السنوات الماضية في التعاطي مع الملف السوري، بعد إجرائهما دراسات معمقة حول الأوضاع الدولية والإقليمية، وانعكاساتها المستقبلية على الأوضاع الداخلية التركية سياسًيا واقتصاديًا. إضافة إلى دعم كل من موسكو، وطهران اللتين انضمت لهما الرياض، وأبوظبي لاتخاذ خطوات أكثر إيجابية في سبيل إنهاء الخصومة واستئناف علاقتهما، مع احتمالية أن تلعب القاهرة هي الأخرى دورًا فاعلًا في هذا الملف للتقريب بين وجهات النظر، وحل المسائل الخلافية التي تعرقل إتمام هذه المصالحة بعد تصالحها هي نفسها مع أنقرة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/15/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%AA%D9%89-%D9%8A%D8%B2%D9%88%D8%B1-%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-15T05:26:50
2024-02-15T05:26:50
مقالات
2,266
الكتاب وحركة النشر في العالم.. رؤية تحليلية
إن غياب الناشر العربي عن النشر الأكاديمي بصورة تواكب المتغيرات الدولية في هذا المجال يمثل علامة استفهام كبيرة، حتى الجامعات العربية التي لديها برامج نشر ما زال دورها محدودًا.
إن تقييم حالة النشر في الوطن العربي يتطلب إلقاء نظرة سريعة على صناعة النشر في العالم، من هذا المنطلق فهذا المدخل يذهب إلى تقديم نظرة مركّزة حول واقع النشر في العالم. يذهب عدد من خبراء النشر إلى أن حركة النشر ستشهد في السنوات القادمة نموًا جيدًا، ويعود ذلك لعدة معطيات، منها الشعبية المتزايدة للكتب الصوتية، واستمرار الإقبال على الكتب المطبوعة، والطلب المتزايد على الكتب في الأسواق الناشئة. يمكن قياس هذه الفرضيات عبر السوق الأهم للكتاب في العالم، وهي الولايات المتحدة الأميركية، فقد شهد الكتاب الصوتي بها نموًا بنسبة تزيد على 20 في عام 2022، في حين مثلت الروايات الفئة الأكثر نموًا في الكتب المطبوعة، فمن بين 788 مليون كتاب مطبوع، 40 منها روايات، تمثل الولايات المتحدة الأميركية ربع حجم السوق الدولي للكتب، كما أن مبيعات الكتب في الولايات المتحدة زادت بنسبة 21 خلال عامَي 2019 2020، لكن المهم أن ندرك أن مبيعات الكتب عبر شبكة الإنترنت تمثل 71 من حجم المبيعات في الولايات المتحدة. تزايد عدد الكتب المنشورة في العالم في السنوات الأخيرة، حيث نشر 1.5 مليون كتاب في عام 2021. تعد الولايات المتحدة أكبر ناشر في العالم، تليها المملكة المتحدة، والصين، وما زالت الإنجليزية هي الأكثر إقبالًا في حركة النشر، تليها الصينية، ثم الإسبانية، ولا مجال هنا للتحدث عن العربية أو وضعها في مقارنة أو مقاربة. من الطرائف التي تشير لها الأرقام أنه من بين كل ألف رواية ألفت النساء 629 منها، هذا الرقم يقودنا أيضًا إلى زيادة مطردة في نشر الروايات المؤلفة من قبل أديبات عربيات في السنوات العشر الأخيرة، فقد مثلن في عام 2019 ما يقرب من 10 من حجم الروايات المنشورة عربيًا، في حين أنهن مثلن 17 في عام 2022، وهذا يقودنا على الفور إلى أن الأديبة أحلام مستغانمي هي أكثر الأديبات العربيات انتشارًا، لذلك فهي نموذج يستحق الدراسة. إن كل ما سبق يشير إلى أنّ دراسة سوق النشر العالمي ضرورية؛ لكي يكون هناك وجود عربي على هذه الساحة، مع تحليل كيفية واتجاهات نمو هذا السوق، ففي عام 2016 قُدر عدد الكتب المبيعة بحوالي 2.2 مليار نسخة، 72 منها بيعت في الولايات المتحدة، والصين، وبريطانيا. وتشير تقديرات غوغل إلى أنه نشر على الصعيد الدولي حتى الآن 129864880 كتابًا، ومن المتوقع أن تنمو صناعة نشر الكتاب العام التعليمي بنسبة 1.9 سنويًا بحلول عام 2030، علمًا بأن إيرادات نشر الكتب عالميًا قُدرت بـ 143.65 مليار دولار، بينما كانت مقدرة في عام 2018 بـ 122 مليارًا، ومن المتوقع أن تبلغ 163.89 مليار دولار عام 2030. ولا تزال الكتب المطبوعة تمثل 77 من حجم المبيعات، بينما من المتوقع أن تنمو الكتب الصوتية بنسبة، قدرها 27 على مدار الخمس سنوات القادمة. إن هناك متغيرات قادمة في حركة النشر، وبالتالي إيراداته دوليًا، فالهند في عام 2019 تجاوزت بريطانيا لتصبح الناشر رقم 5 على الصعيد الدولي، وهي الآن تجاوزت بريطانيا لتصبح الاقتصاد الـ 5 دوليًا. اليوم الدول الخمس الكبرى في حركة النشر الولايات المتحدة، والصين، واليابان، وألمانيا، والهند حصتها من السوق الدولي من المتوقع أن تصل عام 2027 ما يقرب من 68 من إيرادات مبيعات الكتب دوليًا، ومن اللافت للنظر أن الهند تصدّر كتب التعريف بالإسلام والكتب الإسلامية باللغة الإنجليزية للعديد من الدول، وهو مجال دور النشر العربية غائبة عنه . تمثل الكتب الدينية رقمًا مهمًا في حركة النشر على الصعيد الدولي، ففي الولايات المتحدة ينفق سنويًا 705.1 ملايين دولار على الكتب الدينية، ويقدر عدد النسخ المَبيعة منها بأكثر من 179 مليون نسخة، ويباع من الكتاب المقدس الإنجيل، أكثر من 20 مليون نسخة على الصعيد الدولي، على أقل تقدير، بإيرادات تقدر بـ 430 مليون دولار. لكن اللافت للنظر أنه على الصعيد العربي تراجع الكتاب الديني من 60 من حجم النشر في الوطن العربي عام 2015 إلى 41 عام 2021، لكن في ذات الوقت ما زال هو الأكثر توزيعًا، حيث تطبع من الكتاب الديني نسخ أكثر مما يطبع في أي فئة أخرى . يعد قطاع نشر الكتب التعليمية الأكثر نموًا والأكبر حجمًا، حيث يبلغ حجم سوق الكتاب التعليمي عالميًا 3000 مليار دولار سنويًا، والولايات المتحدة هي الكبرى عالميًا، تليها أوروبا، حيث يمثل 31.87 من إيرادات صناعة النشر في الولايات المتحدة في عام 2022، وفي ذات العام حقق هذا القطاع إيرادات قدرها 8.96 مليارات دولار في الولايات المتحدة. لكن علينا التنبه إلى أن كتب التعليم الرقمي في زيادة متسارعة، فمن المتوقع أن تنمو بمعدل 17 سنويًا حتى عام 2027، وتظل الكتب المدرسية المطبوعة هي الشكل السائد في نشر الكتب التعليمية، ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن سوق الكتب الرقمية التعليمية من المتوقع أن يصل إلى 29.5 مليار دولار بحلول عام 2027. إن غياب الناشر العربي عن النشر الأكاديمي بصورة تواكب المتغيرات الدولية في هذا المجال، يمثل علامة استفهام كبيرة، حتى الجامعات العربية التي لديها برامج نشر ما زال دورها محدودًا، ونستطيع أن نقرّ بأن جامعة الكويت، وجامعة قطر، وجامعة حمد بن خليفة في قطر، وجامعة الملك سعود لديها أفضل برامج النشر العربية الأكاديمية، لكن هذا يقودنا لسبر غور النشر الأكاديمي الدولي وعوائده. يحقق النشر الأكاديمي أعلى عوائد ربح على الصعيد الدولي، لكنه بدأ يواجه مشكلة النشر مفتوح المصدر المجاني، تشير التقديرات إلى أنه يتم نشر أكثر من 5.14 ملايين ورقة أكاديمية كل عام، بما في ذلك أوراق المؤتمرات والدراسات الاستقصائيّة والمراجعات. وخلال السنوات الخمس الماضية زاد عدد المقالات الأكاديمية المنشورة بنسبة 22.78 ، واحتلت الصين المرتبة الأولى عالميًا في النشر الأكاديمي منذ العام 2022، وهي أوّل دولة تنشر أكثر من مليون بحث في العام، مع الأخذ في الاعتبار أن 36 من عدد المقالات الأكاديمية تأتي من الصين، والولايات المتحدة، كما أنّ 10 دول فقط تنشر 87 من جميع الأبحاث الأكاديمية في العالم . يمثّل الكتاب المستعمل رقمًا متصاعدًا في سوق الكتاب المستعمل عالميًا، بالرغم من أنه لا يحظى باهتمام كبير، لكنه له دور متصاعد أيضًا عربيًا خاصة في مصر، والعراق، والمغرب، حتى إن مبيعاته على فيسبوك أخذت تنمو بوتيرة متصاعدة عربيًا. يقدر حجم مبيعات الكتب المستعملة عالميًا عام 2022 بـ 24.03 مليار دولار، بنسبة نمو 5.5 عن عام 2021. أكثر من 50 من الكتب المستعملة تباع في الولايات المتحدة، وأوروبا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/29/%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d9%88%d8%ad%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b4%d8%b1-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-29T16:42:45
2024-02-29T16:42:45
مقالات
2,267
ذريعة نتنياهو للانطلاق في مغامرة حربية جديدة
ثمة قناعة راسخة لدى الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط أن بنيامين نتنياهو يدفع بالأوضاع المعقدة في المنطقة لمزيد من التصعيد الخطر، وصولًا لتحقيق أهداف إستراتيجية أساسية، وهي ضرب القدرة العسكرية لإيران.
هناك قناعة راسخة لدى الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط بأن رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يدفع بالأوضاع المعقدة في المنطقة نحو مزيد من التصعيد الخطير لتحقيق أهداف استراتيجية أساسية. هذه الأهداف تشمل ضرب القدرة العسكرية لإيران، بما في ذلك المنشآت النووية، وتوجيه ضربة عسكرية ضد حزب الله، وإبعاده نهائيًا عن الحدود اللبنانية بعمق لا يقل عن عشرة كيلومترات. يتعامل نتنياهو مع التطورات الميدانية والسياسية وكأنها تصب في مصلحته، إذ يرى أن حالة الحرب والطوارئ فتحت له مجالًا للتحرك داخليًا واتخاذ قرارات أوسع. أما على الصعيد الخارجي، فهو يعتقد أن التحديات الانتخابية في الولايات المتحدة، والتي تسارعت مع انسحاب بايدن وترشح كامالا هاريس، تتيح له مزيدًا من حرية الحركة. وقد ظهر هذا الشعور خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن وخطابه في الكونغرس، حيث ركز بشكل رئيسي على أهمية توجيه ضربة عسكرية لإيران. يدرك نتنياهو أيضًا أن الوقت يمر بسرعة، وأن الفرصة ليست مفتوحة إلى ما لا نهاية. ويمكن الاستدلال على ذلك من تصريح الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بقوله لا أريد أن تكون الحرب مستمرة لدى عودتي إلى البيت الأبيض. مما يعني أن نتنياهو لديه أشهر قليلة لإنهاء الحرب. من المعروف أيضًا أن لنتنياهو أهدافًا أخرى تتعلق بمستقبله السياسي وضمان خروجه الآمن من السلطة السياسية الإسرائيلية؛ فهو يدرك جيدًا أن الرأي العام الإسرائيلي لا يزال، رغم كل الجرائم الحاصلة والاغتيالات، يحمّله مسؤولية عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبرتشرين الأول الماضي. تلك العملية التي لم تكن لتحدث لولا غض النظر عن تطوير حماس لبنيتها العسكرية. لذا، بدأ نتنياهو التحضير للمرحلة الجديدة من الحرب الطويلة عبر زيارته لواشنطن ولقاءاته الباردة مع أركان الحكم الأميركي. وقد أعطاه صاروخ مجدل شمس، الذي تهرب الجميع من إعلان المسؤولية عنه، ذريعة للانطلاق نحو مغامرة حربية جديدة قد تشمل تداعياتها كل المنطقة. هذا ما أدى إلى النزاع السياسي بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، حيث حاول الأخير إدارة الرد العسكري على صاروخ مجدل شمس، لكن نتنياهو تصدى له بعدم اتخاذ أي قرار وتجميد كل شيء حتى عودته. ومع تنفيذ الضربات الإسرائيلية، أصبح المشهد أكثر وضوحًا، حيث بدا نتنياهو أكثر قلقًا من علاقة خصمه مع الإدارة الأميركية. فالضربات الإسرائيلية تجاوزت سقف المعركة القائمة وتخطت قواعد الاشتباك المرسومة، سواء من خلال اغتيال فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت أو باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، بعد ساعات قليلة من دخوله أهم مقرات الحرس الثوري عشية مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. هاتان العمليتان، بما تحملان من دلالات على تهور نتنياهو الميداني، تبعتهما ضربات استهدفت فصائل متمركزة في القصير في سوريا وجرف الصخر في العراق. من الواضح أن نتنياهو يهدف إلى توجيه ضربات استفزازية لا يمكن لإيران أو حزب الله تجاهلها دون رد. يعتبر بعض المراقبين أن نتنياهو، المترقب للردود على استهدافَي الضاحية وطهران، يعمل على حشد الجبهة الداخلية، فعلى سبيل المثال نقل جزءًا من المنتجات الزراعية من المدن الشمالية إلى المدن الداخلية، بالإضافة إلى إزالة نترات الأمونيوم والمواد السريعة الاشتعال من معامل المنطقة الشمالية. قبل ذلك، وجّهت الطائرات الحربية الإسرائيلية ضربة لهدف بعيد، وهو ميناء الحُديدة اليمني. وأكدت إسرائيل حينها أن العملية أنجزها سلاح الجو الإسرائيلي دون مساعدة من أحد، ما يشير إلى أن إسرائيل باتت قادرة على توجيه ضربة مماثلة في منطقة بعيدة مثل إيران. وفي الوقت ذاته، حصلت إسرائيل على قنابل تحدث دمارًا واسعًا، بالإضافة إلى الأسلحة الذكية والانشطارية التي تسعى لاستخدامها في لبنان كما استخدمتها في قطاع غزة. اللافت في هذا السياق هو حالة الاستنفار العسكري الأميركي والبريطاني في مياه المتوسط قبالة لبنان والخليج العربي. وعلى الرغم من أن الطابع العسكري لهذه القطع البحرية دفاعي كونها مجهزة بصواريخ متخصصة في إسقاط الصواريخ الباليستية الموجهة نحو إسرائيل، فإن الجميع بات مقتنعًا بأن الإدارة الديمقراطية حريصة على عدم التورط في مستنقع الحرب في المنطقة، رغم أنها أصبحت غير قادرة على لجم اندفاع نتنياهو. من هنا، تجري في الأروقة الدبلوماسية اتصالات ولقاءات لمحاولة سحب الجميع من حافة الهاوية عبر الدخول في مفاوضات جدية تمنع الانفجار. وتندرج زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى طهران في هذا الإطار، رغم حالة البرودة والتوتر بين الجانبين والاتهامات المستمرة من الأردن لإيران بزعزعة أمنه. اتضح أن الصفدي، الذي عاد أدراجه، لم يتمكن من إحداث خرق يذكر في دفع إيران لتجاوز قرارها بالرد على اغتيال إسماعيل هنية، وهذا ما أعلنته طهران خلال زيارة الصفدي في جلسة البرلمان الإيراني عبر التأكيد على دعوة القيادة السياسية إلى رد مزلزل على إسرائيل. رغم ذلك، كانت هناك إشارات مرنة ولو صامتة من قبل طهران تجاه واشنطن، عبر إبقاء قناة التواصل مفتوحة بينهما إما عبر قطر أو سلطنة عمان. كل هذه الوقائع تجعل المنطقة تعيش على وقع مغامرات نتنياهو، الذي بات من الصعب توقع أفعاله وجرائمه المتخيلة. يبدو الرجل مستعدًا لإدخال المنطقة بأكملها في دوامة صراع لا تنتهي، ولو استدرج معه كل القوى والدول. فلو تطورت الوقائع العسكرية إلى ضربات متبادلة بين طهران وتل أبيب، فإن ذلك سيشمل الكثير من الدول العربية التي قد تجد نفسها في قلب الصراع، مما يزيد من مخاطر تفجر الأوضاع الإقليمية. لا يمكن إغفال ما تبثه وسائل الإعلام المقربة من الجمهوريين الأميركيين عن موجة ثورات محتملة إثر ما يجري في المنطقة. أما على جانب حزب الله، فإن الحزب الذي فصل بين الرد على اغتيال القيادي فؤاد شكر وبين جبهة الإسناد ضمن قواعدها التقليدية، يؤكد أن رده على ضرب الضاحية الجنوبية لبيروت سيكون مؤكدًا. هذا الرد سيكون كافيًا لإعادة قواعد الردع إلى سابق عهدها؛ كي لا يستمر نتنياهو في مواصلة سياسة الاستفزاز والاستهداف بلا رادع. من هنا، تلقى الحزب رسائل من واشنطن عبر وسطاء من دول عدة تؤكد على ثابتة رئيسية، وهي أن الإدارة الأميركية لم تكن على علم بالضربة الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت، وأن واشنطن لا علاقة لها بما جرى ولا ترغب في الحرب. لكن الحزب يرى أن الأميركيين وحدهم القادرون على وقف إسرائيل عن مواصلة الحرب، لو أرادوا ذلك. قد يكون نتنياهو، ومعه قوى اليمين الإسرائيلي المتطرف، يرون أن الظروف تلعب لمصلحة الذهاب نحو تغيير المعادلة الإقليمية القائمة. وربما ترى واشنطن، التي تعيش أدق استحقاق انتخابي، أن لا شيء يمنع من إعادة رسم ملامح المنطقة ونفوذ الأطراف فيها ما دامت المفاوضات السياسية لم تحدث أي خرق حتى الآن ولم تصل إلى النتائج المرجوة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/8/13/%d9%85%d8%ba%d8%a7%d9%85%d8%b1%d8%a9-%d9%86%d8%aa%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%87%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1366
2024-08-13T18:31:15
2024-08-13T20:08:45
مقالات
2,268
نهاية الغرب هل نحن على حافة تحول عالمي؟
الكثير من الأدبيات الأمريكية والأوروبية باتت تتحدث بصورة متزايدة عن تراجع الغرب، بل اتخذ بعضها عناوين مثيرة من قبيل موت الغرب، ونهاية الغرب، وانتحار الغرب، وسقوط الغرب.
لا يخفى على المراقب أن الكثير من الأدبيات الأميركية والأوروبية باتت تتحدّث بصورة متزايدة عن تراجع الغرب، بل اتخذ بعضها عناوين مثيرة من قبيل موت الغرب، ونهاية الغرب، وانتحار الغرب، وسقوط الغرب وما شابه ذلك. سبق للفيلسوف والمفكر الألماني شبنجلر في أربعينيات القرن الماضي أن نشر كتابه الشهير انحطاط الغرب، ولكن ذلك كان بمثابة منبّه عام مما عساه يعتري هذا الغرب من خطر السقوط الذي يعرض لكل الحضارات، والأمم أكثر من كونه توصيفًا لواقع فعلي للغرب الأوروبي والأميركي الذي كان في صدارة عنفوانه تقريبًا. ومع ما أصاب الغرب من إنهاك بسبب حربَيه الطاحنتين، فقد حافظ على حيويته الفكرية والسياسية وقوته العسكرية، خاصة أن مخزون الطاقة التي يمتلكها الغرب الأوروبي قد انتقل إلى الضفة الشمالية الأطلسية من دون منازع جدّي أميركا. بيدَ أن ما يكتب اليوم وينشر عن سقوطه، يتجاوز نطاق الإشارات والتنبيهات التي أثارها شبنجلر من قبل، بقدر ما يتوقف عند المعطيات والتوازنات، فقد بات الغرب الأوروبي والأطلسي يواجه اليوم منافسة جيدة من قوى كبرى، ليس بالضرورة لأنه فقد عنفوانه وقدرته على الابتكار، ولكن لصعود قوى أخرى تسعى لكسر الاحتكار العلمي والتقني وانتزاعه من بين يديه، قوى باتت تنافسه على صعيد التسلح والجيوش في ظل عالم يتّجه نحو مزيد من التنوع والتعدد، من الصينيين والروس والهنود إلى البرازيليين والأتراك والإيرانيين وغيرهم، وذلك في إطار معادلة سبق أن أسماها فريد زكريا الغرب والآخرون The West and the Rest. ولا نعلم إن كان من سوء حظ العرب والمسلمين أو من حسنه أن توالت عليهم موجات العدوانية الغربية واحدة تلو الأخرى، كلّما دفعوا منها حلقة جاءتهم أخرى، فإذا بموعودات التحرير التي دوّنها رجال الأنوار تستحيل في أرضهم إلى احتلال مقيت، وإذا بالديمقراطية الموعودة تستحيل وطأة ثقيلة من الاستبداد السياسي المدعومة أميركيًا وغربيًا. ولعل الوجهين الأكثر كثافة اليوم لتلك الهوة السحيقة التي تفصل بين دعاوى الحداثة الغربية في الحرية والتحرير وبين تجسّداتها العملية في منطقتنا العربية هما مشروع الاحتلال الصهيوني لفلسطين وما يلقاه من أشكال الدعم الخفي والمعلن من القوى الغربية، وفي مقدمة ذلك الولايات المتحدة الأميركية، ثم ما رآه العراقيون وشعوب المنطقة من مظاهر الترويع والعنف خلال الاحتلال الأميركي للعراق وقبله لأفغانستان. في وقت كانت أصوات بعض المنظّرين الغربيين والأميركان تتعالى مؤكدة انتصار القيم الثقافية الغربية واكتساحها الضارب لكل مناحي المعمورة، كانت مظاهر العنف في العراق تزداد شراسة على شراستها، وتزداد معها عوامل النقمة والشكوك بين مختلف شعوب العالم في مدى جدية وصدقية القيم الثقافية والسياسية التي تبشر بها العواصم الغربية، حتى لكأن أول مهمات الآلة العسكرية الأميركية التشكيك في عالمية القيم الليبرالية الأميركية وتفكيك دعاواها التحرريّة. إن الاختبار الأكبر لمدى جدية أي قيم سياسية وثقافية يتعلق بمدى التزام الحاملين لها والمبشّرين بها في سلوكهم وسياساتهم في فترات العُسرة والحروب، وفي مقدمة ذلك قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد شهد العالم كيف أدارت بعض الديمقراطيات الغربية آلتها الحربية ضد العراق بأساليب الخداع ومخاتلة مواطنيها ومخادعة الرأي العام، وكيف تحولت أم الديمقراطيات الليبرالية إلى آلة ضخمة من الرقابة الأمنية والأكاذيب المفضوحة التي تسوّغ شنّ الحرب والعدوان وانتهاك الحريات وحقوق الإنسان. ففي الوقت الذي كانت الآلة الإعلامية والسياسية الأميركية تغلّف أهدافها التوسعية والاستحواذية في العراق عبر تلفيق التهم وفبركة الأدلّة أو الادّعاء بجلب الديمقراطية وحقوق الإنسان، كانت الإجراءات الأمنية والرقابية المقيدة للحريات وخصوصيات الأفراد تزداد توسعًا في الداخل الأميركي نفسه خلال حقبة المحافظين الجدد. أي أن هذا النموذج السياسي والثقافي الذي يراد تصديره للعالم والذي شُنت الحروب باسمه لـم يستطع أن يصمد حتى في موطنه الأصلي فضلًا عن صموده خارج حدوده القومية. صحيح أن هذه الهوّة السحيقة بين القيم السياسية والثقافية الغربية، التي تبرز على نحو ما، في الشعارات وحرم الجامعات وفي بطون الكتب، مقارنة بما نراه واقعًا على صعيد الممارسات على الأرض، ليست أمرًا جديدًا أو طارئًا. فقد ولدت الحداثة الغربية منذ بواكيرها مسكونة بهذا التوتر المستمر بين مطالب التحرر وآليات الهيمنة والإخضاع في الداخل وبصورة أوضح في الخارج. ولسنا نضيف جديدًا في تبيان هذه الهوة السحيقة التي تفصل بين الجانبين، فقد سبق للفيلسوف الألماني هابرماس أن فصل القول فيما أسماه بالهوة السحيقة التي باتت تفصل بين مبشّرات المشروع الثقافي الأنواري في التقدم والتحرير والعقلنة، وبين مشروع التحديث الغربي على نحو ما هو قائم على أرض الواقع وما لازمه ويلازمه من مظاهر التشوه والانحراف، وهو ما أسماه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور التفاوت بين طوباويات الحداثة ومحصول الحداثة. المركز الغربي المهيمن لا يحتمل عالمًا ديمقراطيًا وليبراليًا على شاكلته في كل مكان، لأن ذلك يفضي إلى محو الحدود الفاصلة بين المركز والأطراف، أي انتفاء مبررات التمايز أصلًا وغياب ثنائية نحن الديمقراطيون مقابل هم غير الديمقراطيين كانت ولادة الغرب الحديث واكتسابه طابع العالمية يوم شيوع الحلم الليبرالي الغربي في التقدم والتحرير، كما أن نهايته أو موته ستكون بموت هذه الأحلام والأوهام التي صنعها وروّجها عن نفسه وصدّرها لغيره في مختلف مناحي المعمورة الكونية، وحينما نتحدث عن نهاية أو موت الغرب هنا لا نعني بذلك نهاية ماديّة موضعية جغرافية قد تواضع أهلها والعالم على تسميتها بالغرب، بل نعني بذلك على وجه الدقة نهاية ادعاءاته الكونية بعد إرجاعه إلى نسبيته التاريخية ومحدوديته الثقافية، شأنه في ذلك شأن الظواهر التاريخية الكبرى التي تولد وتحيا ثم تموت، مع تقدير قيمة ما يمتلك منها صلاحية كونية عابرة للثقافات ويحمل قابلية الاستمرار. لا شك أن الحضارة الغربية الحديثة عظيمة في منجزاتها وملهمة في مُثُلها، وقد تركت وستترك بصماتها في مختلف قارّات العالم لآماد طويلة من الزمن، ولكنها تظلّ في نهاية المطاف حضارة مهمّة من بين حضارات أخرى، ولن ترتقي إلى أن تكون الصوت الباطنيّ والنهائي للتاريخ، فكما كانت مسبوقة بمنجزات كثيرة لحضارات أخرى، فستتلوها ضرورةً منجزات وتأثيرات حضارية لاحقة لها. صحيح أنّ الغرب الحديث بما حقّقه من امتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا، وبما يختزنه من منظومة قيمية ورمزية ذات ادعاءات عالمية قد أشاع الكثير من مكاسبه وثمراته في مختلف قارات العالم، بقدر ما أورث نفسه وأورث الآخرين الكثير من ندوبه وأمراضه، ومن مظاهر ذلك النظرة الإجرائية والمادية للكون، وما تولّد عنها من إفساد للكوكب وتخريب للبيئة وشنّ الحروب، إلى التوسع في أدوات القتل والفتك، إلى النزعة الفردانية المتطرفة وطغيان التوجهات العدمية وغيرها. فلا أحد يكاد يسلم اليوم من هذه الظواهر إن قليلًا أو كثيرًا. فالعالم بكل تنوّعاته وتعقيداته لا يمكن أن يتغرّب على المنوال الأوروبي والأميركي، ليس لأنه يرفض أن يكون كذلك، بل لأن الغرب الحديث نفسه لا يقبل أن يفكّك المسافات الثقافية والأخلاقية والمادية التي تفصل بينه وبين الآخرين. فشرط من شروط وجود ما يسمى بالغرب واستمراريته هو تأكيد هذه الثنائيّة الحادّة، أي التّشديد على تميّزه عن الغير ورسم حدوده القاطعة مع الآخرين. فالعالم مثلًا لا يمكن أن يتحول ديمقراطيًا ليبراليًا على الطريقة الأميركية أو البريطانية ليس لأنه يرفض قبول القيم الديمقراطية كما تزعم الكثير من الأدبيات الليبرالية الغربية، بل لأن المركز الغربي نفسه المتحكم والمهيمن لا يحتمل عالمًا ديمقراطيًا وليبراليًا على شاكلته في كل مكان، لأن ذلك يفضي ضرورة إلى تعميم فوائد الليبرالية من رفاه مادي وحرية سياسية لتشمل الجميع، مع ما يتولد عن ذلك من محو الحدود الفاصلة بين الأصل والفرع، وبين المركز والأطراف من جهة، وبين ديمقراطية الغرب وديمقراطيات العالم الواسعة من جهة أخرى، أي انتفاء مبررات التمايز أصلًا وغياب ثنائية نحن الديمقراطيون، مقابل هم غير الديمقراطيين. هذا الأمر شبيه من بعض الوجوه بوضعية إسرائيل التي لا تستطيع أن تعيش طويلًا في محيط عربي ديمقراطي من حولها، لأنّ ذلك ينزع عنها نظرية الاستثناء وطابعها الخارق للجغرافيا والتاريخ، وهذا ما يفسّر مقاومتها للتوجهات الديمقراطية في المنطقة. من الواضح اليوم أن الغرب الليبرالي يريد تحررية سياسية واقتصادية في اتجاه واحد فقط، يريد تحررية ليبرالية مكيفة وتابعة، يرى بموجبها صورته في مرآته العاكسة ويثبت من خلالها تفوق الحل الليبرالي وليس أكثر من ذلك، فهو يريد ديمقراطية النخب أو الأوليغارش بدل ديمقراطية الشعب والعامة التي يمكن أن تغير مجرى هذه الديمقراطية وتطبعها بطابع الشعوب ومطالبها وأولوياتها وأوجاعها، أي هو يريد ديمقراطية مشروطة بأن تبقى في دوائر النخب المهذبة والمؤهلة ثقافيًا وسياسيًا بما لا يمسّ مصالحه الهَيمَنيّة، وهو يرغب إلى جانب ذلك في ليبرالية اقتصادية تفتح أمامه الأسواق وتداول الرساميل، ولكنه في ذات الوقت لا يقبل نزع القيود على حركة البشر والمنتجات الزراعية لدول الجنوب مثلًا، وهذا ما يؤكد أن مقولات التجارة الحرة والعولمة الاقتصادية هي في الكثير من الأحيان مجرد غطاء لسيطرة القوي على الضعيف، وتثبيت نظام الهيمنة الدولي لا غير. بيد أنه يتوجب الانتباه إلى أن الحديث عن نهاية الغرب أو موته لا يعني إلقاء الرضيع مع المياه الملوثة على ما يقول المثل الإنجليزي، بقدر ما يعني إرجاعه إلى حجمه الطبيعي ونسبيته التاريخية والجغرافية والثقافية. فالكثير من القيم والتطلعات التي نادى بها الغرب وما زال ينادي بها هي قيم إنسانية جميلة وملهمة ساهمت فيها مختلف الحضارات الكبرى بدرجات متفاوتة، وقد أضحت ملكًا للإنسانية أكثر منها ملكًا لجنس معين أو أمّة محددة. فمن لا يريد مثلًا حكمًا مقيدًا بالدستور وسلطان القانون؟ ومن لا يريد احترام حرية الإنسان وكرامته؟ ومن لا يريد قيم المساواة بين البشر بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية أو الإثنية والدينية؟ ومن لا يرغب في وجود مجتمعات حرّة ومتسامحة ومتعددة؟ هذه قيم كونية جميلة ومن حق الشعوب، بل من واجبها استلهامها سواء من داخل ثقافتها الذاتية أو بأخذ ما يرد عليها من الحداثية الغربية. الخلاصة هنا أننا نحن أبناء هذا العصر قُّدِّر علينا طوعًا وكرهًا أن نحمل في دواخلنا الكثير من مظاهر وقيم هذا الغرب الحديث وشخوصه، فنلبس ملابسه ونستعمل الكثير من مصنوعاته، بل نتكلّم في الكثير من الأحيان لغاته ونقرأ بلسانه، وقد نتذوق قليلًا أو كثيرًا من فنونه وآدابه، ولكن قدرنا أيضًا وقدر شعوب العالم من حولنا أن تحرر وعيها الفردي والجمعي ومختزنات شعورها من سطوة الأوهام. هذا الأمر يعد شرطًا لازمًا من شروط الحضور الحي والفاعل في هذا العالم، أي أن هذا التحرر النفسي والثقافي هو شرط للتحرر الاجتماعي والسياسي ودخول مغامرة التاريخ. ستظلّ تأثيرات الغرب حاضرة وفاعلة في شعوب العالم على اختلاف ألسنتها وألوانها وعقائدها، ولكن ذلك لن يجعل من هذه الشعوب مجرد صفحة بيضاء ينطبع فيها ما يرد من الآخرين، لأن ذلك يتعارض مع واقع تعددية العالم، كما يتصادم مع مصالح هذه الشعوب ومطامحها الكبرى. بل إن الكثير من الأمم، ولا سيما تلك التي تمتلك خبرة تاريخية مديدة ومختزنات رمزية عميقة، كما هو حال المسلمين والصينيين والهنود، باتت ساعية في سبيل إعادة صهر الكثير من المؤسسات والقيم الموصوفة بالغربية داخل نسيجها الذاتي والحضاري، وإعادة بنائها بحسب حاجياتها وسُلم أولوياتها. لنا أن نبشّر أنفسنا والعالم بنهاية هيمنة الغرب، ليس لأننا نكرهه أو نجهله، بل لأننا بلغنا درجة كافية من الرشد، ورصيدًا مهمًا من الخبرة، ما يجعلنا نميّز بين الحقائق والأوهام، والمصالح والمفاسد. وربما يكون أبناؤنا أكثر امتلاكًا لناصية الوعي التاريخي، ويشهدون موت ظاهرة كبرى اصطلح على تسميتها بالغرب، لا يزيد عمرها عن 4 قرون إنّ الظاهرة الماثلة للعيان اليوم هي تسارع عودة الشعوب إلى منابعها الرمزية والثقافية، خلافًا لرؤية هايدغر الذي اعتبر ما أسماه بـأَوْرَبة الكوكب بالمعنى الوجودي للكلمة قدرًا محتومًا للعالم، وما يقصده بالأَوْرَبة هنا هو صعود النظرة المادية الإجرائية للكون والطبيعة ودَهْرنة الوعي الإنساني تناسبًا مع انتشار العلوم والمعارف التجريبية. ولا يضير تلك الظاهرة أخذها طابعًا اندفاعيًا ومتطرفًا في كثير من الأحيان، كما هو شأن الجماعات العنيفة في العالم الإسلامي وحركات التعصب اليميني الهندوسي والمسيحي وغيرها. فظاهرة التطرف الإسلامي مثلًا يجب ألا تحجب عنا المشهد الأكبر في أرض الإسلام الممتدة، وهي ظاهرة اليقظة الإسلامية الآخذة في إعادة تشكيل الخارطة الثقافية والسياسية في المنطقة العربية والإسلامية، وهي ظاهرة يتعاظم حضورها في قلب المدن والحواضر الكبرى وبين القطاعات الحديثة والمتعلمة التي كان يفترض فيها بحسب الأدبيات التحديثية أن تكون طليعة تغريب المنطقة وعَلْمنتها. تصور أن دول العالم ليست إلا عجينة طيّعة أو صفحات بيضاء يمكن أن يكتب عليها الرجل الغربي كل ما يريد هو، وهم كبير وسام في ذات الوقت، فالحضارات الكبرى لا تموت، ولكنها تمر بقوة وضعف، تخبو طموحاتها أحيانًا وتصعد أخرى. الحضارات الكبرى تستقبل من الغير وتتكيف مع المحيط، ولكنها على الجهة الأخرى ترفض وتقاوم وتعيد بناء الخيارات والاتجاهات والأفكار. لقد تأثر الصينيون واليابانيون والهنود والمسلمون العرب والفرس والأتراك بالحداثة فكرًا وواقعًا، ولكنهم يبحثون بأشكال مختلفة عن إعادة تكييفها والتحكم فيها لصالحهم. فالشعور بالكبرياء وحتى بالعظمة لدى ورثة هذه الحضارات الكبرى ظل يسكن عقول وقلوب أبنائها وبناتها، وحتى حينما ضعفت وغلبت على أمرها بالقوة الصلبة، ظلت المشاعر والتقاليد والأفكار متجذرة وهامدة مثل النار تحت الرماد. ولنا أخيرًا أن نبشّر أنفسنا والعالم بنهاية هيمنة هذا الغرب، ليس لأننا نكرهه أو نجهله، بل ربما لأننا قد بلغنا درجة كافية من الرشد، وامتلكنا رصيدًا مهمًا من الخبرة والتجربة، ما يجعلنا نـميز بين الحقائق والأوهام، وبين المصالح والمفاسد. وربما سيكون أبناؤنا وأحفادنا أكثر قدرة منا على امتلاك ناصية الوعي التاريخي وأمكن منا على التحرر من الأوهام المريضة، ربما يكونون شهودًا أحياء على موت ظاهرة كبرى اصطلح على تسميتها بالغرب، لا يزيد عمرها عن أربعة قرون أو خمسة على الأكثر. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/19/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d9%86%d9%8a-%d9%86%d9%87%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-06-19T09:53:37
2024-06-19T17:47:50
مقالات
2,269
لو انتصرت النازية.. كيف سيكون حساب أميركا؟
النازية سقطت والحمد لله، وصعد نازيون جدد. ولم تُحاسَب إسرائيل على جرائمها ضد الإنسانية، ولا الولايات المتحدة التي قتلت نحو خمسة ملايين فيتنامي.
ماذا لو انتصرت النازية، لا سمح الله، ولو ضحّت بهتلر؟ سؤالي عن وجود الحقيقة مهما تتقادم، لا أقصد تقييم الشخصيات، مثل أخناتون الذي يختلف فيه الرأي، بين نبي مثالي، وملك ضعيف. الحقيقة أن ملكه تداعى، وكادت الدولة تسقط، لولا قبضة قائده العسكري حور محب. ما عدا حقيقة سقوط أخناتون يظل التاريخ مطية المنتصرين، يُملونه على الكَتَبة، ويقدسه المغفلون. من كان يظن، في ربيع 2011، أن يطول عمر بشار الأسد، ويشارك في القمة العربية في جدة، في مايوأيار 2023، وفي القمة العربية والإسلامية المشتركة بالرياض، في نوفمبرتشرين الثاني 2023؟ الملايين من الضحايا في القبور والمنافي، طوال هذا النزيف، تخيلوا له مصيرًا آخر، ولا بدّ أن حضوره يؤرق أرواح أبرياء رأوا مصير صدام حسين، إذ سقط أسيرًا في يد الاحتلال الأميركي، فأخرج له من الأضابير قضية الدجيل، جواز مرور إلى المشنقة. فكيف ستُؤرخ فصول المأساة السورية؟ الطغاة يخشون الحقيقة. في فيلم عمر المختار، قال ضابط صغير لقائده، وهما يمارسان القتل، لتأديب الثوار، المتمردين واقعة قريبة رواها طرفان بصيغتين. في كتابه مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان 2012، ذكر محمد حسنين هيكل أنه كان يجهز لكتابه حرب الخليج 1992، واتصل به حسني مبارك، بعد انقطاع طويل، وسأله مباشرة عن صحة ما نشرته الصحف عن سفره، لمقابلة الملك حسين؛ لأنك تكتب كتابًا عن حرب الخليج. أجاب بأنه سيقابل الملك وغيره، فقال مبارك الملك سوف يكذب عليك. وبعد عودته إلى القاهرة اتصل به مبارك، وسأله بالمباشرة نفسها هل كذب عليك، وروى لك ما يشاء لكي يبرر موقفه؟. وبادر مبارك بإطلاع هيكل على ملفات الرئاسة السرية الخاصة بحرب الخليج، شرط عدم تصويرها، وإرسالها على مراحل مع مصطفى الفقي سكرتير الرئيس للمعلومات. وكلما اطلع هيكل على جزء وافاه بآخر. فتح الفقي الدفعة الأولى، وانهمك هيكل في القراءة، وصارح الفقي بالاكتفاء بما قرأ؛ فالملفات تبدو مكتوبة بأثر رجعي، بعد الحرب، محررة بتوجيه، لكي ترسم صورة معينة قد لا تكون موافقة لحقيقة ما جرى. خبرة هيكل بقراءة الوثائق دفعته إلى العزوف عن استكمال قراءة ما سيحمله إليه الفقي غدًا وبعد غد، وآثر أن يكتب استنادًا إلى ما يتوصل إليه، لا ما يُقدم إليه مما يشكّ فيه؛ فقراءته للملفات ستقيّده، وربما تلزمه بما لا يقتنع به. وأعاد الفقي الأوراق إلى الحقيبة، وقال بإيجاز لا تعتمد فيما تكتب إلا على ما تثق فيه، ولا تسألني أكثر من ذلك. وصدر الكتاب، فأغضب مبارك. وفي عشاء عند صديق مشترك همس الفقي إلى هيكل لا تجعل شيئًا مما يقال يضايقك، الحق كان معك، والواقع كما أعرفه من موقعي أفظع بكثير من أي شيء قلته في كتابك. انتهت رواية هيكل لواقعة شغلت أكثر من خمس صفحات، في كتاب صدر في حياة مبارك. وبعد وفاة هيكل ومبارك، روى الفقي الواقعة في سيرته الرواية.. رحلة الزمان والمكان 2021، في أقل من سبعة سطور. قال إن هيكل طلب إليه الاطلاع على الرسائل المتبادلة بين مبارك وصدام، فاستأذن مبارك وأقنعه بأن هيكل، بعد لقائه بالملك حسين، من غير المستحب أن نحجب عنه ما لدينا، فوافق الرئيس... والطريف أنني عندما ذهبت إلى هيكل، تصفحها في دقائق قليلة، دون اعتناء، وأعادها لي شاكرًا، وقال ليس فيها جديد. أيهما نصدق؟ في حياة مبارك، نشر هيكل رواية محددة، طرفاها هيكل ومبارك، ويشهد عليها الفقي الذي انتظر موت هيكل؛ ليكتب رواية يضع فيها نفسه في جملة مفيدة، جسرًا بين هيكل والرئيس. السياق أكبر من مجرد الاطلاع على وثائق، رواية هيكل تمثل علاقة ندية بين صحفي ورئيس يبادر بالاتصال، ولعله يخشى رواية من خارج الحدود تنقُض ما أمر بكتابته بعد سكوت المدافع، وما أراد الإيعاز به إلى كاتب مرموق تتسع دوائر قرّائه فتتجاوز حدود العالم العربي، ثم يعاود الرئيس الاتصال بالصحفي؛ للسؤال عن الرواية الأخرى. لم يردّ مبارك أو الفقي على رواية هيكل عام 2012، لكن الرواية الأقل من سبعة سطور، في السفر الأمين للفقي، تجاهلت هذه التفاصيل، وأسقطت همس الفقي عن واقع أفظع بكثير مما كتبه هيكل. لا اتفاق على رواية واحدة لواقعة عصرية، فكيف نصدق رواية كتبها صنّاعها المنتصرون؟ الجنون الأميركي في فيتنام كافٍ لمحاكمة المسؤولين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، يذكر المؤرخ الأميركي هوارد زِن، في كتابه التاريخ الشعبي للولايات المتحدة، أن المخابرات الأميركية أعدمت في برنامج سري يسمى عملية العنقاء أكثر من عشرين ألف مدني فيتنامي، لشكوك في انتمائهم إلى منظمات شيوعية سرية. وأن أميركا أسقطت سبعة ملايين طن من القنابل، وهو ما يفوق أكثر من مرتين إجمالي ما أُلقي من قنابل على أوروبا وآسيا في الحرب العالمية الثانية؛ أي قنبلة تزن خمسمئة رطل لكل إنسان في فيتنام... أُلقيت غازات سامة بالطائرات لتقضي على الشجر... منطقة باتساع ولاية ماساشوستس قد غطيت بهذه الغازات، فضلًا عن تشوهات الأطفال. ويسجل هوارد زِن، في الكتاب الذي ترجمه الدكتور شعبان مكاوي 1963 ـ 2005، أن جنودًا أميركيين أحاطوا في 16مارس آذار 1968 بسكّان قرية ماي لاي، وفيهم العجائز والرضع، وأمروهم بالنزول إلى خندق كبير، وقتلوهم. ثم قال الجندي جيمس دورسي، في شهادته أثناء المحاكمة كان الناس يغطسون تحت بعضهم البعض، وكانت الأمهات يحاولن حماية أطفالهن، وإن الضابط كاللي أمر الجندي بول دي ميدلو بإطلاق النار، وهو نفسه الجندي الذي كان يطعم الأطفال الشوكولاتة قبل أن يطلق الرصاص عليهم، كان الجندي يطلق النار ويبكي. وينقل هوارد زِن عن الصحفي الأميركي سيمور هيرش، الذي تقصّى مذبحة ماي لاي، أنهم عثروا على مقابر جماعية في ثلاثة مواقع، فضلًا عن خندق مكدس بنحو 500 جثة معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، وينقل هيرش قول جندي أميركي في خطاب إلى أسرته كنا اليوم في مهمة وأشعر بالخزي من نفسي ومن أصدقائي ومن بلدي. لقد أحرقنا كل كوخ وقعت عليه عيوننا. كانت هذه شبكة صغيرة من القرى، وسكانها فقراء فقرًا شديدًا. قامت وحدتي بحرق ممتلكات هؤلاء الفقراء وسلبها... كان الكل يبكي ويتوسل إلينا بألا نفصل بينهم بأخذ الآباء والأزواج والأبناء والأجداد. وكانت النساء تبكي وتنوح. كانوا ينظرون إلينا في رعب ونحن نحرق منازلهم وممتلكاتهم الشخصية وطعامهم. نعم كنا نحرق الأرز ونقتل الماشية. النسخة الصهيونية من الجريمة الأميركية ذكر جانبًا منها رئيس وزراء إسرائيل موشي شاريت. في كتاب إرهاب إسرائيل المقدس تدرس الكاتبة الإسرائيلية ليڤيا روكاش يوميات شاريت، وفيها شهادة لجندي شارك، عام 1948، في احتلال قرية الدوايمة الفلسطينية قتلت ما بين 80 إلى 100 عربي، من النساء والأطفال. لقتل الأطفال، كانوا يقومون بتحطيم رؤوسهم بالعصي. لم يكن هناك منزل واحد بلا جثث... أمر قائدنا بإحضار امرأتين إلى المنزل الذي كان على وشْك تفجيره... جندي آخر افتخر بأنه اغتصب امرأة عربية قبل إطلاق النار عليها وقتلها. أمر الجنود امرأة عربية أخرى معها رضيعها بتنظيف المكان لمدة يومين، وبعد ذلك أطلقوا النار عليها وعلى طفلها. أعود إلى سؤال البداية ماذا لو انتصرت النازية، لو ضحّى النظام بزعيمه لتستمر النازية؟ كنا سنرى مشهدًا آخر، ومحاكمات أخرى، وتفاصيل مختلفة على خريطة العالم. لكن النازية سقطت والحمد لله، وصعد نازيون جدد. ولم تُحاسَب إسرائيل على جرائمها ضد الإنسانية، ولا الولايات المتحدة التي قتلت نحو خمسة ملايين فيتنامي، وحرقت 37 مليون فدان من الزروع والغابات، وخلفت 55 ألف قتيل أميركي، لتأكيد القوة، وخدمة لرأس المال، وهو ما عبر عنه كيسنجر بقوله على الولايات المتحدة أن تقوم ببعض الأفعال في مكان ما بالعالم لتأكيد استمرارها كقوة عالمية. كان لأميركا أن تتجنب إلقاء القنبلتين النوويتين على اليابان الموشكة على الاستسلام. وكان لها وللحلفاء ألا ينسفوا مدينة دريسدن الألمانية، تلك جريمة استعراضية ارتكبوها بلا داعٍ، والحرب تكاد تنتهي ومعها هتلر. يذكر هوارد زِن أن درجة الحرارة الناتجة عن القصف قتلت مئة ألف ألماني. خلاصة السلوك الأميركي الإمبريالي يؤكد مقولة أنها الدولة الوحيدة التي ستنتقل من البربرية إلى الاضمحلال، من دون المرور بالحضارة. تلك مقولة يرجح أن قائلها أوسكار وايلد. أما إسرائيل فليست إلا جيشًا يحيط به مجتمع، كعائلات جنود الاحتلال البريطاني في مصر. في البدء جاءت العصابات الصهيونية المسلحة إلى فلسطين، قبل استقدام الشعب، والتقاطه من الشرق والغرب. الكيان الوحيد في التاريخ الذي يستجدي مواطنين، لا بقاء للقطاء. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/3/%d9%84%d9%88-%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%b5%d8%b1%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b2%d9%8a%d8%a9-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%b3%d9%8a%d9%83%d9%88%d9%86-%d8%ad%d8%b3%d8%a7%d8%a8
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-03-03T05:30:37
2024-03-03T05:30:37
مقالات
2,270
جيش الإبادة.. ومشاهده المنشورة والمحجوبة
كثيفة هي المواد المصوّرة التي يصرّ جيش الاحتلال على حجبها؛ لأنها لا تخدم روايته الدعائية، ومما يعزِّز هذا الاستنتاج المشاهد التي تتمكّن المقاومة من تفريغها من ذاكرة مسيّرات الاحتلال بعد إسقاطها.
تميّزت الإبادة الجماعية التي تستهدف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة 2023-2024 بأنّها حرب مرئيّة، تواكبها الكاميرات من كل اتجاه، وفيها تشتبك الصورة مع الصورة والمشهد مع المشهد، فثمة صور ومقاطع مزيّفة وملفّقة ومحبوكة تتواطأ مع فظائع الاحتلال؛ وأخرى تنزع الأستار عن ممارسات الحجب والتضليل، وقد تُنتزَع من خوذة جندي تحمل كاميرا أو تُستلّ من حافظة بيانات تتبع مسيّرة إسرائيلية جرى الاستيلاء عليها. يتوالى ظهور المشاهد المُنتزعة من كاميرات تتبع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وثّقت الفظائع التي أريد لها أن تبقى مطموسة، وفيها تتجلّى فظائع الإبادة الجارية بأبعاد جديدة ومناظر غير متوقّعة، بخلاف المشاهد النمطية التي تدفع بها دعاية الجيش. لجأ جيش الاحتلال إلى ترويج مشاهد ملفّقة عندما حاول تبرير مجزرة الطحين الوحشية التي اقترفها بحقّ حشود الفلسطينيين قرب دوّار النابلسي بمدينة غزة مساء يوم 29 فبراير شباط 2024. تعارضت الروايات الصادرة عن قادة الحرب ومتحدثي جيش الاحتلال بشأن ملابسات قتل 118 فلسطينيًا على الأقلّ، وإصابة 760 آخرين في تلك الواقعة الصادمة التي أحرجت داعمي الاحتلال وجيشه على جانبي الأطلسي، لكنّ تلك الروايات اتّفقت على مغزى مشترك هو التنصّل من المسؤولية ولوْم الضحايا ونزع الإنسانية عن هؤلاء البشر الذين احتشدوا للتزوّد بما يسدّ رمق أطفالهم، بينما تشتدّ حرب التجويع الرهيبة عليهم. اتّجهت الأنظار إلى تحليل المادة المصوّرة التي روّجها جيش الاحتلال، فاتضح أنّ مشاهده الجوية الملتقطة ليلًا مُلفّقة بوضوح، فهي مُجتزأة وغير منسجمة فيما بينها، علاوة على أنها تخالف ادعاءات متحدثي الجيش وقادة الحرب الإسرائيليين. لكنّ الرسائل الكامنة في تلك المشاهد تتجاوز المضمون الوقائعي التي تشتمل عليه، ففيها يظهر البشر الضحايا على هيئة لا تتعدّى نقاطًا صغيرة متحرِّكة على الأرض، فبماذا يوحي ذلك؟ إنّها مشاهد مصوّرة من منظور عُلوي بعيد، وهي مثالية تمامًا لطمس الصفة البشرية لهذه الكائنات المُتحرِّكة. كانت تلك المشاهد بمثابة ترويج بصري أريد منه أن يدعم دعاية الإبادة من وجه مخصوص أيضًا، فمن شأن الانطباعات الإيحائية التي تبعث بها هذه المشاهد أن تُحيِّد أي فرصة للتفاعل الوجداني مع الحدث، فكاميرا جيش الإبادة واكبت تجمّعات حيوية معيّنة لا تكاد تختلف في التلقِّي الإدراكي لأبعادها ومواصفات مشهدها عن أيّ مستعمرة حشرية، وهذا يحرِّض الذائقة البصرية والحسّ الجماهيري على استسهال الإجهاز عليها جماعيًا وكأنّها وادي نَمْل. من المرجّح أنّ لدى جيش الاحتلال مشاهد أخرى مصوّرة عن مجزرة الطحين الفظيعة تلك، لكنّه اختار اقتطاع بعض المشاهد الجوية المنتقاة وحسب، وتجاوَز ما تصوّره آليّاته المدرّعة ومراصد المراقبة التي تتبعه في الميدان؛ لأنّها ستفضح ما اقترفه بحقّ حشود الفلسطينيين العُزّل في نقطة توزيع المساعدات عند دوار النابلسي، علاوة على أنّ التصوير الأفقي يمنح الحالة الإنسانية والمأساوية فرصة اقتراب وحضور في المشهد بخلاف التصوير الرأسي البعيد من الجوّ. تجلّى هذا الفارق الجوهري من خلال المشاهد التي بثّتها قناة الجزيرة من ميدان مجزرة الطحين، وفيها تكشّفت جوانب من وقائع إطلاق النار العشوائي من جانب مدرّعات جيش الاحتلال صوب الحشود البشرية. كما أنّ امتياز الاقتراب والتصوير المُلوّن في مشاهد الجزيرة الليلية، أوضح انفعالات إنسانية استثارتها المجزرة الوحشية. وضعت كاميرا الجزيرة المشاهدين حول العالم في قلب الميدان ويسّرت لهم مشاركة الحشود تجربة الاحتماء الرمزي من نيران القصف الوحشي، فلا يستوي في وَقْع المشهد المرئي أن يكون الجمهور في زاوية الجاني الذي يقصف، كما في مشاهد جيش الاحتلال الدعائية، وفي زاوية الضحية التي تُباد، كما في مشاهد الرصد الصحفي الأمين على الأرض. لم تكن صُوَر جيش الاحتلال الجوية لمجزرة الطحين مصادفة عابرة، ذلك أنّ الرسائل البصرية التي تبعث بها دعايته من الميدان الغزِّي تلتزم الحرص على تعطيل أيّ فرصة إحساس بإنسانية الضحايا الفلسطينيين، الذين هم في رواية قادة الحرب والإبادة مجرّد وحوش، أو حيوانات بشرية، كما قيل -تصريحًا- بالعبرية حايوت آدام. دأب جيش الاحتلال على ترويج مشاهد القصف الجوي النمطية بالأبيض والأسود كلّ يوم، فهي تمنحه أفضلية معيّنة من خلال الانطباع الذي تشكِّله عن الكفاءة المزعومة في إنجاز المهامّ الميدانية ودقّة التعقّب والاستهداف من خلال إحداثيات معيّنة، رغم أنّ فعل القصف أتى على معظم المنشآت المدنية والمنازل في قطاع غزة إجمالًا، وجدّد العهد بتقاليد الأرض المحروقة. ثمّة امتياز آخر تجود به الصور الجوية على دعاية الجيوش الحديثة؛ هو أنها تساعد على حجب التعاطف عن المُستهدَفين، فالأهداف الثابتة أو المتحرِّكة التي تظهر في التصوير الجوي تبدو مجرّدة من المواصفات البشرية الواضحة التي يمكن الإحساس بها، كما تغيب بالأحرى متطلّبات الأنسنة، إذ لا تظهر وجوه أو ملامح أو انفعالات قد تحرِّك تماثلًا وجدانيًا مع من يسقطون في الميدان أو يستبسلون، ويمكن في هذا المقام ملاحظة المفعول العكسي لمشهد اغتيال المقاوم الساجد الذي ظهر للجمهور في هيئة ملحمية عندما اتّضحت التفاصيل. ثمّ إنّ الجمهور الذي يتلقّى هذه الوجبات الدعائية المصوّرة يُوضَع وجدانيًا في قمرة التحكّم التي تتحفّز للإقدام على الاستهداف. يُعايش المشاهدون خطوات تحديد الهدف الواقع في مرمى التصويب، ثمّ الضغط على زر التحكّم، فانطلاق القذيفة القاتلة والمدمِّرة التي يُرى أثرها المصوّر بصفة بصرية صامتة وحسب؛ رغم سحابة الدخان والغبار الرمادية التي تظهر فجأة. تتملّق هذه المُعايشة البصرية خبرة الاستهداف في عالم الألعاب الإلكترونية والشبكية، فيصير مشاهدو دعاية الحرب النمطية المصوّرة في موقع اللاعب الذي يُصوِّب من بعيد، أي أنّ الجمهور يُستدرج وجدانيًا إلى خندق الطرف المُهاجِم وتُعطّل فرصة انبثاق أيّ مشاعر تعاطف محتملة مع الهدف البشري أو المادي الذي وقع استهدافه، وكأنّ عليه أن يُطلق صيحته المعهودة بعد الاستهداف الدقيق المزعوم واو. تبقى صور القصف الجوية بالأبيض والأسود مثالية لدعاية حرب الإبادة الوحشية، فهي بمواصفاتها المعتمة والتقاطتها البعيدة ومنظورها العلوي فوق القامات لا تمنح إنسانية الضحايا أيّ فرصة للظهور في المشهد. والواقع أنّ الرواية المصوّرة التي يدفع بها جيش الاحتلال عن وقائع الاستهداف على الأرض تقوم على انتقائية محبوكة ومُلفّقة، فالمشاهِد تُختار بعناية من فيض المواد المصوّرة المختزنة في أوعية حفظ البيانات، ويُشترط فيها عادة أن تكون مشوّشة ومنزوعة الإنسانية أيضًا. فهذا الجيش يمارس حرب إبادة وحشية في رقعة ضيِّقة تُعدّ الأكثر رصدًا وتصويرًا في العالم من الأجواء، فطائرات الاستطلاع والمراقبة تحوم على مدار الساعة فوق كلّ بقعة من قطاع غزة، وترصد بكاميرات مُطوّرة كلّ ثابت ومتحرِّك على الأرض. ولا شكّ أنّ كثيرًا من المشاهد التي تراها عيون ضباط الجيش وجنود الوحدات المختصّة بالرصد والتعقّب تتأهّل لمعايشة الوقائع الإنسانية على الأرض وإن جاءت من منظور علويّ عادة، لكنّ ما يُنشَر في نهاية المطاف يُشترط فيه تغييب فرص الأنسنة وطمس جرائم الحرب، وإظهار الاقتدار الميداني المزعوم. كثيفة هي المواد المصوّرة التي يصرّ جيش الاحتلال على حجبها عن الجمهور؛ لأنها لا تخدم روايته الدعائية، ومما يعزِّز هذا الاستنتاج تلك المشاهد المتزايدة التي تتمكّن المقاومة الفلسطينية من تفريغها من ذاكرة مسيّرات الاحتلال بعد إسقاطها أو من كاميرات الخوَذ الخاصة بجنود الاحتلال بعد الاستيلاء عليها. تمثِّل المشاهد الدعائية المُنتقاة بعناية التي ينشرها جيش الاحتلال مادّة شحيحة للغاية من فيْض التوثيق المصوّر وبمواصفات عالية الجودة، الذي يحوزه في الواقع. فعيون الاحتلال مفتوحة على رقعة قطاع غزة رصدًا وتصويرًا، وفي محفوظات الذاكرة المختزنة ما يكفي لجرّ قادة الاحتلال وضبّاطه وجنوده إلى محاكم جرائم الحرب، علاوة على ما يُظهر إنجازات ميدانية محقّقة يحرزها المقاومون الفلسطينيون. ومن واقعية التقدير أن يُستنتج حيازة الاحتلال توثيقات مصوّرة عالية الدقّة لكثير من خسائره الفادحة، ومنها مشاهد يتأبّى على عرضها عن فعل قذيفة الياسين 105 بدبابات ميركافا وناقلات النمر مثلًا، أو مقاطع مصوّرة تُظهر انهمار قذائف الهاون على آليّاته وتفجير حقول ألغام ومنازل مفخخة بجنوده، أو جرّ عربات جيش وأشلاء جنود من الميدان، ووفرة من غير ذلك على الأرجح. أتاح تفريغ ذاكرة مسيّرات استولت عليها المقاومة الفلسطينية، الحصولَ على إطلالات استثنائية على سلوك اقتراف الفظائع، وتجلّى للعيان كيف يتتبّع جيش الاحتلال الضحايا المدنيين العزّل الذين يفتك بهم في المناطق المفتوحة برصاص القنّاصة أو بالقصف الجوي. أظهرت مشاهد بثّتها الجزيرة في العاشر من مارس آذار 2024 قنص جنود الاحتلال فتى فلسطينيًا في محيط مدرسة الفاخورة بمخيم جباليا شمالي قطاع غزة. جرى الحصول على هذه المشاهد من ذاكرة مسيّرة إسرائيلية استولت عليها المقاومة في ديسمبر كانون الأول 2023. كشفت المشاهد كيف صوّرت المسيّرة الفتى الأعزل وهو مضرّج بدمائه بعد أن قنصه جنود الاحتلال، وكيف تعمّد مشغِّلو المسيّرة في غرفة التحكّم التي تتبع جيش الاحتلال تصويره عن قُرب ومسح المنطقة المحيطة به. يكشف هذا المشهد وحشية القنص الإسرائيلي بحق فتى أعزل، وتعمُّد تركه ينزف دون إتاحة فرصة لإسعافه، ومواكبة الجيش هذه الجريمة عن قُرب، ولابدّ أنها مجرّد عيِّنة من تقاليد الممارسة الميدانية في حرب الإبادة. تجّددت هذه التجربة الجوية يوم 21 مارس آذار 2024 عندما عرضت الجزيرة مشاهد حصرية تظهر استهداف مسيّرة تتبع جيش الاحتلال أربعة مدنيين فلسطينيين عزّل، في منطقة السكّة الواقعة في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة. التقُطت المشاهد من مسيرة إسرائيلية استولت عليها المقاومة الفلسطينية في بداية فبراير شباط. تكشف المشاهد كيف لاحقت المسيّرة الشبان الأربعة الذين كانوا يتحرّكون وهم عُزّل في منطقة مفتوحة، ثمّ استهدفتهم تباعًا بعدّة صواريخ حوّلتهم إلى أشلاء في سلسلة من الضربات الجوية. قدّمت مشاهد منطقة السكّة فرصة لمعايشة بعض تقاليد الإبادة الجارية، فالقتل العمد استهدف هؤلاء الشبّان الذين لم يشكِّلوا أيّ خطر على جيش الاحتلال خلال سيْرهم المتعثِّر فوق طريق جرّفها الجيش بحثًا عن بقايا منازلهم التي دمّرها الاجتياح. تبيّن للمرّة الأولى عبر تصوير جوّي ملوّن عالي الجودة كيف يطارد الجيش المدنيين العزّل، وكيف يقرِّر الإجهاز عليهم بهذه الوحشية عبر وسيط تقني يتحكّم به مشغِّلوه في غرف القيادة. إنها قطوف يسيرة من فيض الوحشية المحجوبة في أوعية الذاكرة المصوّرة، المحفوظة لدى جيش الاحتلال، وتكفي المشاهد الشحيحة التي تتسرّب منها بعد الاستيلاء على المسيّرات لإحداث وقع صادم تنتفض له المشاعر الإنسانية السوية. شوهد الشبان الأربعة في المشاهد الواضحة الملوّنة وقد صاروا أشلاء مقطّعة واحدًا تلو الآخر دون أن يكون من تفسير لهذا القتل الوحشي سوى إرادة الإبادة التي لا ترى للفلسطيني حقًّا في الحياة. يتمثّل الفارق بين ما يقع تفريغه من ذاكرة المسيّرات وذاكرة الكاميرات المثبّتة فوق خُوَذ الجنود؛ في أنّ الثانية تمتاز بالمنظور الرأسي في التصوير، وبالاقتراب المباشر من تفاصيل الميدان. منحت مشاهد مُفرّغة من كاميرا محمولة على خوذة أحد جنود الاحتلال فرصة معايشة واقعية جدًا لبعض مهام القتل الوحشية. بثّت قناة الجزيرة المشاهد في الثامن من مارس آذار 2024، وظهرت فيها تفاصيل واقعة مروِّعة جرت قبل أربعة شهور من ذلك التاريخ. استعرض المقطع اقتحام الجنود المدججين بالسلاح منزلًا غرب مدينة غزة، وفيه وجدوا مسنًّا فلسطينيًا في الثالثة والسبعين من العمر يعاني إعاقة شاملة في السمع والكلام، فأجهز عليه أحدهم بأربع رصاصات رغم أنّ الضحية لم يشكِّل أي خطر على أحد، ولوّح بيديه لإظهار أنّه أعزل ولا يستطيع الحديث. تفاخر الجندي في حضرة زملائه بالفظاعة التي اقترفها للتوّ، فلقي منهم ثناء غامرًا وإطراء ظاهرًا، ثم لم يستوقفهم مشهد المسنّ الممدّد أرضًا بجانب السرير عندما صعدوا إلى غرفة نومه التي قُتِل فيها دون رأفة، بينما كانت كاميرات الخُوَذ تواكب ما يقترفونه ويعاينونه ويتحدّثون عنه. اتّضح لاحقًا أنّ المسنّ المغدور هو عطا إبراهيم المقيّد، من سكان مخيّم الشاطئ، وهو غير متزوِّج وانقطعت أخباره عن ذويه، ويبدو أنّه احتمى بعد تدمير المخيم بالمسكن الفارغ في غزة الذي صار مسرح الجريمة المصوّرة التي ارتُكبت في السادس من نوفمبر تشرين الثاني 2023. ستبقى رأس المسنّ الغزّي عطا، المتدلية فوق بدن ضعيف مضرّج بالدماء، شاهدة على بشاعة حرب الإبادة التي تستهدف الشعب الفلسطيني في ختام الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. منحت تلك المشاهد المفرّغة من كاميرا الخوذة العسكرية إطلالة استثنائية على ثقافة القتل السائدة في الميدان، وكشفت عن استشراء الحمّى الوحشية في صفوف جيش الاحتلال إلى درجة الحفاوة الظاهرة بقتل مسنّ فلسطيني أصمّ وأبكم وهو في غرفة النوم رغم تلويحه بيديه تعبيرًا عن أنّه من ذوي الاحتياجات الخاصة. شكّلت التعبيرات المنطوقة ولغة الجسد المرئية خلال حديث الجنود عن هذه الجريمة انطباعًا عن اليوميات الواقعية في جيش الإبادة، كأن يقول جندي لرفيقه قتلته؟ ممتاز مع كثير من الإيماءات الداعمة للفعلة الشنعاء. لكنّ الخيار المفضّل للجنود كان القصف بالسلاح الثقيل ليكفيهم عناء التحرّك في المبنى، لكنّ خدمة تفجير المكان بمن فيه لم تتوفّر لهم في تلك اللحظة، كما ورد في الحوار الموثّق بالصوت والصورة. تبقى هذه الحالة المصوّرة على فظاعتها مجرّد عيِّنة مفردة من أعمال القتل الوحشي التي أسرف جنود الاحتلال في اقترافها خلال حرب الإبادة. من المرجّح أنّ خُوَذ الجنود تحتفظ بذاكرة مصوّرة توثِّق جرائم قتل جماعي ارتكبوها في العديد من الشقق السكنية بحقّ نساء وأطفال ومسنِّين حسب شهادات متواترة. يحرص جيش الاحتلال على إبقاء هذه المشاهد ومثيلاتها الكثيرة جدًا محجوبة عن التداول، وقد يعمد إلى إتلاف بعضها حسب تقاليد الجناة المحترفين مع إثباتات القتل الذي يقترفونه. يبقى جيش الاحتلال هو الجيش ذاته عندما يمارس الفظائع بعيدًا عن مسرح قطاع غزة، حيث تتلاحق المشاهد الصادمة التي توثقها كاميرات فلسطينية في الضفة الغربية، باستخدام هواتف محمولة من داخل سيّارة عند حاجز عسكري أو عبر نافذة بيت ترصد توغّلات الجنود. تقدِّم كاميرات المراقبة التي لا ينتبه جيش الاحتلال لوجودها توثيقًا مصوّرًا لأعمال شنيعة، مثل ما رصدته في أحد شوارع مخيم جنين يوم 29 نوفمبر تشرين الثاني 2023. أظهرت مقاطع مصوّرة وكاميرات مراقبة في المخيّم لحظات إعدام جنود الاحتلال الطفليْن آدم سامر الغول 8 سنوات وباسل سليمان أبو الوفا 15 سنة بإطلاق نار وحشي وتركهما ينزفان حتى الموت، واستهداف كل من يسعى لإسعافهما. شوهد في المقاطع أحد الطفلين يسقط بعد إصابته برصاصة إسرائيلية في الرأس خلال وقوفه أمام منزله في شارع البساتين، وأجهز الرصاص الإسرائيلي على طفل آخر، وبقي امتياز الواقعة عن غيرها في حقيقة أنّها مصوّرة، لكنها تبقى غيضًا من فيض جرائم الحرب المتواصلة في الضفة الغربية. لا تقوى دعاية الاحتلال على ترويج شواهد مرئية تطفح بها أوعية الذاكرة المختزنة في مقارّ الاستطلاع والرصد والتعقّب والاستهداف. ومن الواضح أنّ القابعين في تلك المقارّ لا يقيمون أيّ اعتبار لإنسانية الضحايا الذين يتساقطون على مدار الساعة في حصيلة شهرية تتجاوز عشرين ألفًا من الشهداء والجرحى حسب المعدّل المرصود في نصف سنة. لا فرصة لخفقة قلب أو يقظة ضمير في غرف التحكّم، فقد نُزِعت الإنسانية عن الشعب الفلسطيني ابتداءً، وصُنِّفت حملة الإبادة الوحشية من جانب قادة الاحتلال على أنها حرب مصيرية، وحرب استقلال ثانية؛ أي أنها نكبة ثانية للشعب الفلسطيني، أو بتعبير وزير الزراعة المخضرم آفي ديختر هذه نكبة غزة 2023 في حديثه للقناة 12 العبرية يوم 11 نوفمبر تشرين الثاني. وقيل في خطابات قادة الحرب إما نحن أو هُم، ما يعني ضمنًا أنّ إبادتهم ضرورة لبقائنا. ممّا يُغري بمزيد من تخدير الضمائر أن تُمارَس الوحشية عبر وسيط تقني، فالجالسون في غرف التحكّم يقترفون الإبادة عن بُعد ويفتكون بالبشر من كلّ الأعمار دون الاضطرار إلى حمل سكاكين لحزّ الرؤوس أو سواطير لفلق الجماجم، وليسوا مضطرين حتى لارتداء سترة وقفّازات خلال تقطيع البشر؛ لأنّ الشظايا الدامية ستبقى بعيدة عنهم. يتدخّل الوسيط التقني الذي يستخدمونه في تمكين الوهْم من أذهانهم ووجدانهم بأنّهم ليسوا متوحِّشين، فالآلة هي التي تقتل، وكأنّهم مجرّد خبراء أنظمة محوسبة يجلسون إزاء الشاشات ثم يخرجون لاستراحات ارتشاف القهوة. لكنّ الوحشية بلغت بجيش الاحتلال مبلغًا تجاوز هذا المنسوب واستحالت ثقافة عامّة في صفوفه حسب مؤشرات متضافرة، فالجنود يمارسون الفظائع بصفة مباشرة أيضًا على الأرض، كما في مأساة المسنّ عطا المقيّد، ولدى قياداتهم فيض هائل من المشاهد المروِّعة عمّا يقترفه الضباط والجنود في الميدان، لكنّهم يحظرون تمريرها إلى الجمهور وتداولها إعلاميًا. تدفع دعاية الاحتلال، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمشاهد ملوّنة من الميدان، يظهر في بعضها الجنود في حالات متعددة وهم يتحصّنون في مكان ما أو يطلقون النار أو يقومون بتفخيخ منشآت وأنفاق. يغيب الفلسطيني عن هذه المشاهد التي يبدو فيها الجنود غالبًا في هيئة تمثيلية مفتعلة تثير الشكوك الجدية بمصداقية وقائع الاشتباك المصوّرة. جرى إظهار الفلسطينيين في مقاطع أخرى، دفعت بها دعاية الاحتلال، وهم في طوابير أو صفوف مجرّدون من معظم ملابسهم، ومعصوبو العيون ومقيّدو الأيدي، وفي وضعيات مهينة للكرامة الإنسانية. انطوت هذه المشاهد المحبوكة على افتعال واضح، فدعاية الاحتلال تزعم عادة أنّها لمقاومين فلسطينيين استسلموا للجيش، ثم يتأكّد لدى التدقيق في الوجوه أنهم مدنيون فلسطينيون عزّل وبعضهم كهول بلا لياقة ميدانية، وأسماؤهم وأعمالهم معروفة في المجتمع المحلي. فرض الجنود تحت التهديد على أحد الكهول أن يتقدّم لتسليم سلاح أرغموه على حمله، وهو عاري البدن، فظهر المشهد بنسختين اثنتين غير متوافقتين. أثارت هذه المشاهد سخطًا لدى متابعين حول العالم، فانتشرت تصميمات بصرية في مواقع التواصل الاجتماعي؛ تنديدًا بهذه المشاهد السادية، وعمد متظاهرون إلى محاكاة هذا السلوك في الميادين، كما جرى ذات مرّة قبالة السفارة الأميركية في العاصمة الأيرلندية دبلن؛ بهدف فضح سلوك الاحتقار الذي يمارسه جيش الاحتلال ولإبداء التضامن مع هؤلاء الفلسطينيين العزّل. يمكن الافتراض بأنّ هذه المشاهد تحديدًا لم تكن مخصّصة للاستهلاك العالمي، لكنّها بلغت الآفاق من تلقائها في زمن لا يمكن التحكّم فيه بنطاق الفئة المستهدفة، فألحقت أذى إضافيًا بصورة الاحتلال وسمعة جيشه الملطّخة بالعار في الخارج. من الواضح أنّ دعاية الجيش حاولت عبر هذه المشاهد الإمعان في كيّ الوعي الذي يستهدف معنويات الشعب الفلسطيني من خلال افتعال مواقف إذلال بحقّ الرجال الفلسطينيين وتصويرها وترويجها، في استقواء جبان على المدنيين العُزّل يبتغي امتهان كرامتهم الإنسانية، وكذلك تعزيز معنويات مجتمع الاحتلال الذي شاهد جنود جيشه وهم يُجَرّون في حالة ذهول وانكسار من داخل الثكنات وجوف الدبابات يوم السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 على أيدي مقاومين فلسطينيين مرفوعي الرؤوس. ثمّة تجلِّيات أخرى للسادية المصوّرة، تتمثّل في مقاطع فردية مُخزية يخرج بها جنود الاحتلال من الميدان ويدفعون بها عبر منصّات التواصل. يتولّد الانطباع بأنّ بعض هذه المقاطع تحظى برعاية الجيش أو ترحيبه، أو تأتي بتوجيه مباشر أو غير مباشر منه، أو أنّه يتغاضى عنها لأهداف دعائية وعملانية، بينما يخرج بعضها عن المسار المرسوم للجنود أو يتعارض مع تعليمات القيادة؛ لأنه يُلحِق خسائر دعائية وأضرارًا معنوية فادحة بمربّع الاحتلال، حتى إنّ بعض المشاهد التي صوّرها جنود أظهرت حالات هلع وصدمة وإصابات بينهم. تطفح المنصّات الشبكية بالمقاطع المرئية التي تصوِّر مواقف تفريغ الكبت الميداني وإحباطات واقع القتال، وسلوك التعويض عن مشاعر جزع وانكسار تتخلّل جيش الاحتلال. نشر العديد من الجنود مشاهد عابثة من داخل منازل المواطنين الفلسطينيين بعد ترويعهم وتشريدهم وقتلهم، فظهروا في مشاهد لهو أو أفرغوا محتويات الخزائن لإظهار ملابس داخلية نسائية والتقطوا صورًا ذكورية مهينة للمرأة. كما خرجت صور ومقاطع بيّنت تعمّد الجنود إتلاف مواد غذائية، بينما تتصاعد المجاعة بين الفلسطينيين من حولهم. وظهر جنود في مقاطع تمثيلية متعددة، سخر أحدها من أحوال البيوت المدمّرة عبر فتح باب في جدار هو وحده ما بقي من أحد المنازل، ومثّل جنود دور المعلم والتلاميذ في غرفة صفِّية داخل مدرسة دمّرها جيش الاحتلال، بينما ظهر جندي آخر في متجر لبيع القرطاسية ولعب الأطفال وهو يمثِّل دور البائع ويباشر تحطيم كل شيء في سلوك هستيري أهوج. أضيفت هذه وسواها إلى مقاطع اللهو بقصف البيوت وتدميرها وإهداء هذه المشاهد عبر مواقع التواصل إلى الأزواج والأبناء في المناسبات الاجتماعية. لأنّ جيش الاحتلال يخوض حملته الوحشية في زمن الصورة والمقطع والأجهزة المحمولة ومواقع التواصل، فإنّ منظومته الدعائية تحفِّز إقدام الجنود على ترويج مشاهد سخيفة تصلح لمسعى أنسنة الجيش وتخفيف وطأة حرب الإبادة على الجمهور حول العالم. تتجنّد في خدمة هذا المسعى الدؤوب وفرة من المقاطع التي تصوِّر مواقف ساخرة أو يُراد منها أن تبدو ظريفة، دون أن يعني ذلك أنها تصدر من تلقائها بتوجيه من دعاية الجيش. ومن عادة جيش الاحتلال أن يوظِّف الفتيات في دعايته المضلِّلة، مستفيدًا من خصوصيَّة هذا الجيش في التجنيد الواسع والإلزامي للنساء بالقياس إلى جيوش العالم الأخرى. فإن كان مشهد جنود الجيش من لوازم الصورة السياحية النمطية لزائري فلسطين المحتلة، حيث يُشاهَدون بكثافة في المدن والبلدات وعند مفترقات الطرق؛ فإنّ المجنّدة بزيِّها الزيتوني وسلاحها المحمول ظلّت نموذجًا مثاليًا لهذه الصورة الترويجية. حرصت مواد الجيش الدعائية على إبراز فتيات مجنّدات بمواصفات شكلية معيّنة في ملصقاته ومقاطعه وأفلامه ومواده الترويجية المباشرة وغير المباشرة. ومع صعود دور مواقع التواصل شاع إقدام المجنّدات على نمط جديد من النشر الذاتي، يروِّج صورًا ومقاطع ويبثّها عبر الشبكة، وتسبّب بعضها بفضائح مخزية من داخل الثكنات أو عبّر بعضها عن سلوك سادي نحو المواطنين الفلسطينيين عند بعض الحواجز. برز دور مقاطع المجنّدات بقوّة خلال حرب الإبادة، وفيها تظهر المجندات ببزّات عسكرية وأسلحة مخصّصة لاقتراف الفظائع خلال تأدية أدوار مفتعلة وكأنهنّ في نزهة ترويح أو رحلة تخييم شبابية. تعمل هذه المقاطع ليس فقط على أنسنة الجيش؛ وإنما على تأنيث صورته أيضًا. فمن يَظهرن في المقاطع ينتمين إلى تقاليد جيل إنستغرام وتيك توك ويتقمّصن حركات ظريفة ورقصات معولمة أو يتصرّفن وفق النمط الاستهلاكي للمجتمعات الحديثة، بما في ذلك الحرص على التدقيق في مواصفات الوجبة، مثل الاحتفاء بطلبية وجبة سريعة من شطائر البرغر، وارتشاف المرطبات، دون أن يفارقن الزيّ العسكري وآلة القتل بطبيعة الحال. إنّها تدخّلات بصرية محبوكة أو تلقائية من جانب جيش الاحتلال وجنوده الضالعين في جرائم العصر الرهيبة، ولا غنى لدعاية هذا الجيش عن جهود الافتعال المصوّر وهو يخوض حربه الوحشية التي دخلت التاريخ بصفتها إبادة مصوّرة على مدار الساعة، وفي ظلالها تشتبك الصورة مع الصورة والمشهد مع المشهد والتزييف مع الواقع الذي لا يمكن طمسه إلى الأبد. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/23/%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%a8%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d9%88%d9%85%d8%b4%d8%a7%d9%87%d8%af%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b4%d9%88%d8%b1%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-03-23T11:38:02
2024-03-23T12:23:25
مقالات
2,271
لانش بوكس دراما الزمن الرديء.. والأم الفلسطينية الثكلى
هذا “المشهد الغبي”، كاشف عن تردي بعض الأعمال الدرامية، وسقوطها في بئر سحيقة من البلادة، والتجرد من المعنى والرسالة. بل، وانعدام للإحساس، واضمحلال للثقافة، وغياب للحس الخلقي.
صادم.. مثير للغضب، والسخط، والنفور، والغثيان، ذلك المشهد الذي تضمنه المسلسل التلفزيوني المصري الرمضاني لانش بوكس، الموصوف بأنه، اجتماعي، كوميدي، سخريةً، واستهزاءً بآلام وعذابات أُسر الشهداء الفلسطينيين؛ بفعل الإبادة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي عليهم في قطاع غزة. المشهد المثير للاشمئزاز في المسلسل، تضمنته الحلقة المُذاعة أمس الأول الإثنين، ظهرت فيه الممثلة المصرية جميلة عوض، باحثة عن شاب في أحد المتاجر، قائلة لو سمحت أنا بسأل عن شاب اسمه يوسف أو ياسين.. أشقر وشعره كيرلي مُجعد، وحليوة، وسط ضحكات رفيقاتها. كلمات جميلة عوض، في سؤالها، بدت سخرية مقيتة من الأم الغزّية المكلومة التي انتشر لها مقطع فيديو شهير أكتوبر تشرين الأول الماضي، وهي كالمذبوحة تبحث عن فِلذة كبدها يوسف 7 سنوات، في المستشفى سائلة من حولها، مرددةً اسمه يوسف.. أبيضاني وشعره كيرلي وحلو. مشهد الأم الفلسطينية الثكلى، ورعبها على صغيرها الشهيد يوسف، أثار تعاطف الملايين من العرب والأجانب؛ كونه مُفجعًا، يُدمي حتى القلوب المتحجرة، من شدة إيلامه للنفس.. كلماتها، اشُتهرت عالميًا، وتُرجمت إلى لغات أجنبية، من شدة تأثيرها على بني البشر. فكيف لصُناع لانش بوكس، التبجح باستغلال مُصاب الأم الفلسطينية المقهورة، مادةً للاستخفاف والسخرية، والكوميديا، وتوظيف أوجاع الفلسطينيين مادة للفكاهة السمجة. هذا المشهد الغبي، كاشف عن تردي بعض الأعمال الدرامية، وسقوطها في بئر سحيقة من البلادة، والتجرد من المعنى والرسالة. بل، وانعدام للإحساس، واضمحلال للثقافة، وغياب للحس الخلقي.. إلى حد التصادم مع مشاعر مليارات البشر الغاضبين لـ الشعب الفلسطيني، الذي يُباد في غزة، بموجات متلاحقة من القصف الإسرائيلي، ليلًا ونهارًا. كاتب السيناريو والحوار للمسلسل لانش بوكس عمرو مدحت، تبرأ من السخرية من الأم الفلسطينية.. نُقل عنه أن اسم الشاب في السيناريو الأصلي، سيف، أو سليم، وأنه أسمر شوية ويرتدي نظارة، وأن يدًا امتدت للنص بالتغيير في هذا المشهد المستفز. أما المخرج هشام الرشيدي، فقد نشر اعتذارًا على صفحاته الشخصية، بعدما انهالت التعليقات الغاضبة على المسلسل من روّاد منصات التواصل الاجتماعي، وتداوُل دعوات لمقاطعة المسلسل الرمضاني، بينما تعللت جميلة عوض بحجج واهية. لانش بوكس، مكون من 30 حلقة.. يذاع على فضائيات مصرية.. يدور في إطار كوميدي، حول ثلاث سيدات هن غادة عادل في دور ليلى، أرملة، وجميلة عوض بطلة المشهد الصادم في دور شقيقتها الطبيبة ندى، ولديها معاناة في حياتها الزوجية، وفدوى عابد في دور هدى، مُعلمة، تواجه صعوبات في تربية ابنها. النسوة الثلاث، يقررن، ويخططن لسرقة مبلغ مالي كبير، للتغلُب على الأزمات المالية التي يعانين منها، والخروج من مشكلاتهن.. الأمور لا تسير كما أردن لها، وتتوالى عليهن مواقف سيئة غير متوقعة. لانش بوكس، من بطولة غادة عادل، وجميلة عوض، وفدوى عابد، ومغني الراب والممثل شاهين، وصدقي صخر، وآخرين. وهو نسخة مصرية من المسلسل الأميركي Good Girls أو بنات صالحات، ويدور حول شقيقتَين، وصديقة ثالثة لهما، يعانين صعوبات لتدبير نفقات الحياة، فيقررن السطو على متجر. المسلسل الأميركي، ليس به سخرية من عذابات وأوجاع الفلسطينيين، فهو يقدم قصة مشوقة تجمع بين الكوميديا، والصداقة، والجريمة، والإثارة في قالب كوميدي، وهو مكوّن من 84 حلقة، من بطولة كريستينا هندريكس، وريتا، وماي ويتمان، ويُذاع على منصة نتفليكس، منذ عام 2018. من المفارقات، أن الممثلة جميلة عوض بطلة المشهد المثير للغضب والاستهجان، الذي يخلو من الإنسانية، تنتمي لأسرة فنية، فهي حفيدة الفنان الكوميدي الشهير المُلقب بـ فيلسوف الكوميديا محمد عوض 1932- 1997م، مؤسس فرقة الكوميدي المصرية عام 1968، الذي قدم أكثر من 150 عملًا فنيًا ما بين أفلام، ومسرحيات، ومسلسلات. وهي ابنة المخرج عادل عوض 62 الذي أخرج الكثير من أغاني الفيديو كليب لكبار المطربين، والأفلام السينمائية، ووالدتها هي الممثلة المصرية من أصل لبناني راندا عوض 60 سنة. جميلة عوض بدأت رحلة التمثيل عام 2015، بالمشاركة في المسلسل التلفزيوني، تحت السيطرة، كما شاركت في عدد من المسلسلات منها جريمة شغف، وإلا أنا، كما شاركت في عدد من الأفلام منها بنات ثانوي. في مسلسل لازم أعيش، قامت الممثلة جميلة عوض، بدور الفتاة نور، المصابة بمرض البُهاق، ونجحت في نقل معاناة مرضى البهاق من التنمر وسُخرية البعض، وعدم تقبل الناس لهم. تقمُّص دور مريضة البهاق، ومعاناتها من التنمر، كان كافيًا لردعها، وامتناعها عن السقوط بتأدية مشهد التنمر، والاستخفاف بعذابات الأم الفلسطينية، وقهرها، وحزنها على صغيرها، لكنها حتى لم تتعلم من أدوارها السابقة، ولا استفادت من تجربة جدها الذي كان فنانًا محبوبًا جماهيريًا. للدراما رسالة اجتماعية، وإنسانية، فهي تعيد صياغة تجارب الإنسان في قالب فني جذاب؛ سعيًا لتغيير الواقع إلى الأفضل، والانتصار لقيم الخير، والعدالة، ونبذ العنف والعدوان والشر، والتماهي مع عواطف الجمهور، وتشكيل وعيه. إن السخرية من الآخرين، والاستهزاء بمشاعرهم، سلوك بغيض، مقيت، مذموم أخلاقيًا، ودينيًا، وقانونيًا.. مرفوض إنسانيًا.. فما بالنا والمسلسل السخيف يتهكم على آلام وعذابات الأم الفلسطينية والدة يوسف وغيرها الآلاف، ولا يقيم وزنًا لمشاعر الفقد الموجعة. لكن، ماذا عسانا نفعل مع هذا التردي الأخلاقي؛ دراما الزمن الرديء.. زمن الانكسار والتراجع العربي. ربَّنا لا تؤاخذنا بما فعلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/20/%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%b4-%d8%a8%d9%88%d9%83%d8%b3-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%af%d9%8a%d8%a1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-03-20T08:45:40
2024-03-20T09:23:16
مقالات
2,272
إسرائيل على خطى فرعون.. وقت لا ينفع الندم
في عمليتهم التي بدؤوها قبل أسبوع تمكن مقاتلو غزة الشجعان -الذين عاشوا تحت حصار لا إنساني 16 عاما- من إذاقة إسرائيل هزيمة هي الأكثر عارا في تاريخها، لنراها أمامنا تتداعى كنمر من ورق.
في عمليتهم التي بدؤوها قبل أسبوع تمكن مقاتلو غزة الشجعان -الذين عاشوا تحت حصار لا إنساني 16 عاما- من إذاقة إسرائيل هزيمة هي الأكثر عارا في تاريخها، لنراها أمامنا تتداعى كنمر من ورق. فلنتذكر أن تلك الدولة التي غُرست في قلب الشرق الأوسط كالسكين كانت تعتبر نفسها الأمة الأكثر تفوقا وامتيازا ونبلا في العالم، وقد احتفظت بتفوق عسكري وسياسي دائم بفضل الامتيازات والدعم الذي منحه لها النظام الدولي، خصوصا الولايات المتحدة، وقد أصبحت على مر السنين آلة حربية خارقة لا يتصور أحد -داخلها أو خارجها- هزيمتها أو اختراق دفاعاتها، لقد تصورت نفسها آمنة، لدرجة أنه لن تصيبها شرارة حتى لو التهمت النيران كل ما حولها. كانت إسرائيل تبيع هذا الإحساس الموهوم بالأمان لأولئك المستوطنين الذين جلبتهم من أنحاء العالم، من بلاد لم تكن لهم فيها مشكلة أمان أو معيشة، بل حظوا فيها بالامتيازات، وكأن ذلك لم يكن كافيا، فجاؤوا من بلادهم البعيدة ليجبروا الفلسطينيين على الرحيل من منازلهم ويستولوا على ممتلكاتهم بالقوة. هذه حالة عصيبة لا تتسع جملة واحدة لشرحها، هل تعرضت يوما لمداهمة أثناء نومك ليخبرك زوار الليل أن منزلك الآن صار ملكا لهم، وأن عليك جمع أغراضك والرحيل؟ هل يمكنك تصور هذا الموقف للحظة واحدة؟ لقد مارس المستوطنون في إسرائيل هذا النمط من الإرهاب بشكل منهجي منذ عام 1948 وحتى اليوم. غزة في مجموعها مدينة مؤلفة من مخيمات لاجئين أُجبروا على مغادرة منازلهم وأراضيهم عام 1948، وهم يشكلون 80 من سكان المدينة، فيما لا يزيد سكانها الأصليون على 20، وتلك الأغلبية من اللاجئين تتمنى العودة يوما ما إلى أراضيها ودورها التي أجبرت على تركها، لكنها لا تملك ذلك، ولا تملك حتى حق مغادرة غزة. فهل اكتفت دولة الاحتلال الإرهابي إسرائيل بذلك؟ لا، فهي لم تمنحهم حتى راحة البقاء في سجنهم المفتوح غزة، فعلى مدى 16 عاما واصلت حصار هذا القطاع الضيق، وهو أمر -إن فكرنا فيه- ليس إلا تعبيرا عن خوف إسرائيل من شعب غزة، وقد ظنت أن الضغط والقمع المستمرين سيكونان مفيدين في تأخير نهايتها. وخبراتنا تقول إن الجبان يكون أكثر فظاعة ووحشية في ممارسته الإرهاب، وقد كانت إسرائيل تحاصر وتسجن ولا تتوانى عن قتل الأطفال والرضع، بل والأجنة في أحشاء الأمهات خوفا من يوم يكبرون فيه ليواجهوها. والمفارقة أن اليهود في لحظة من تاريخهم كانوا ضحايا قصة مطابقة يمارس فيها ضدهم حاكم إرهابي جبان هو فرعون موسى أشكال القتل والتنكيل خوفا على نفسه، لم يأخذ اليهود عبرة من حياة موسى التي يدّعون الانتماء إليها، لقد كان موسى كابوس فرعون الذي يؤرق منامه وأصبح لاحقا نهايته ومصيره. فرعون -الذي تنبأ بمجيء موسى لينهي حكمه- ظن أنه يمكنه تجنب المصير عبر قتل جميع الأطفال الذكور من بني إسرائيل، لكن موسى كان عصا الله التي ستسقط على فرعون، وعندما حان وقت سقوطها خرج موسى من داخل قصر فرعون نفسه ليكون هو الذي يجلده، وبالمثل، خوف إسرائيل من محاربي غزة لن يفيد في تأخير نهايتها، تماما كما كان خوف فرعون من موسى. وعملية طوفان الأقصى -التي بدأها رجال غزة- أظهرت للعالم أنه لا يمكن لجيوش العالم المتحدة أن تجعل هذا الشعب يتخلى عن حريته، فالحرية أثمن لديه من أي شيء آخر، والعملية التي خاضوها بمواردهم المحدودة ضد أقوى أنظمة الدفاع في العالم كانت بطولية بكل معنى الكلمة. قبل عقود عدة اعتبر الفيلسوف اليهودي هيربرت ماركوزه من مدرسة فرانكفورت أن مفهوم البطولة في المعارك قد انتهى مع تطور تكنولوجيا الدفاع، فالفوز في الحرب لم يعد معتمدا على شجاعة أو نبل أو مهارة أو بطولة المقابل، بل على ما يمتلكه من تكنولوجيا، ويمكن تلخيص ذلك بعبارة اخترعت البندقية فماتت الشجاعة، ونحن نرى اليوم كم تطورت التكنولوجيا بحيث أصبح بإمكان من يملكها أن يحدث دمارا دون أن يتحمل المخاطر، فهل أصبح مفهوم البطولة إذن في ذمة التاريخ؟ المفارقة أن اليهود في لحظة من تاريخهم كانوا ضحايا قصة مطابقة يمارس فيها ضدهم حاكم إرهابي جبان هو فرعون موسى أشكال القتل والتنكيل خوفا على نفسه، لكنهم لم يأخذوا العبرة من سيرة موسى التي يؤمنون بها الواقع أن هذه النظرية قد انهارت تماما في مواجهة إرادة رجال المقاومة الفلسطينية الباحثين عن الحرية، فرغم مواردهم المحدودة وأسلحتهم البسيطة التي أنتجوها بأيديهم فإن بطولتهم وشجاعتهم ومهارتهم في استخدام ذلك السلاح البدائي لعبت الدور المرجح في تلك المواجهة التي خاضوها ضد أقوى نظام دفاع متكامل في العالم ولكن يقف وراءه عدو لا يستطيع مواجهتهم بالبطولة ذاتها. إسرائيل لا تتردد أبدا في استخدام تكنولوجيا الإبادة الجماعية التي يعفيها استخدامها من تحمل أي مخاطر، وهي لا تتورع أن تستهدف بها طفلا أو عجوزا أو امرأة أو مدنيا، ولكنها حتى وإن قلبت غزة رأسا على عقب ولم تترك فيها حجرا على حجر فإنها لن تستطيع إخفاء حقيقة هزيمتها وفضيحتها. القوة التي تظهرها إسرائيل ليست قوتها، بل قوة تكنولوجيا الإبادة الجماعية التي تلجأ إليها الآن بغضب لتكشف فقط عن جبنها وفضيحتها، وكأن قدرتها على القتل الوحشي ليست كافية، ليسارع أبوها الروحي الولايات المتحدة إلى مساعدتها بإرسال إحدى أقوى حاملات طائراتها لدعمها. ما هذا الخوف؟ ما هذه الفضيحة؟ أليست لدى إسرائيل ثقة كافية في أسلحتها؟ ما هي القوة الإضافية التي ستضيفها الولايات المتحدة إليها؟ العالم كله يعرف أن إسرائيل تبادر دائما بالعدوان وتمارس النهب والتضييق والقتل ضد جميع الفلسطينيين وتقتل أطفالهم ونساءهم الأبرياء دون أن تكون هناك قوة مكافأة لصدها. واليوم، عندما ترسل الولايات المتحدة سفنها الحربية لدعم إسرائيل ضد كتائب القسام التي أظهرت مهارة قتالية في المواجهة غير المتكافئة لأول مرة فإن هذا يعبر عن خوف أكبر بكثير عما كنا نظن، فكم رصاصة وقنبلة وهجوما جويا يحتاج الإسرائيليون لقتل طفل وُلد ليهدم فرعون وجبروته؟ لقد رأوا بالتأكيد كابوسا لا نستطيع نحن رؤيته، جعلهم يجمعون بتوتر سفنهم الحربية وجيوشهم وترساناتهم الإعلامية والعملاء الذين زرعوهم منذ فترة طويلة في البلدان المسلمة. ما نراه هو أن وعد الله سيتحقق بالتأكيد، وليس ذلك حلما فهو مكتوب بوضوح في كتاب الله، ونحن نؤمن بذلك الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل آل عمران 173. من هذه اللحظة فصاعدا لا معنى لمحاولة إلقاء الخوف في قلوب مقاتلي حماس الذين لم يعد الموت يخيفهم، فهم يخيفونه، لقد فازوا سواء ماتوا أو عاشوا، فلننشغل بحالتنا الخاصة، وتحية للأبطال الذين يعتبرون الله وكيلهم. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/10/17/%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ae%d8%b7%d9%89-%d9%81%d8%b1%d8%b9%d9%88%d9%86-%d9%88%d9%82%d8%aa-%d9%84%d8%a7-%d9%8a%d9%86%d9%81%d8%b9-2
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-10-17T12:41:34
2023-10-17T12:53:34
مقالات
2,273
نيويورك تايمز .. هل تلوي الحقائق لصالح إسرائيل؟
من حين لآخر، تضطر صحيفة نيويورك تايمز إلى نشر بعض الحقائق غير المريحة بخصوص إسرائيل، الشريك المفضل للولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن اضطرار الصحيفة الأميركية لكشف الحقيقة لا يعني أنها تفعل ذلك بشكل مباشر
تواصل إسرائيل، منذ وقت طويل قبل بداية جولة القتال الأخيرة في غزة، تخريب الجهود الرامية لتحقيق السلام. من حين لآخر، تنشر صحيفة نيويورك تايمز بعض الحقائق غير المريحة حول إسرائيل، الشريك الأساسي للولايات المتحدة والمتلقي لمليارات الدولارات من المساعدات والأسلحة الأميركية. ورغم ذلك، فإنّ نشر الصحيفة لهذه الحقائق لا يعني بالضرورة أنها تقدمها بشكل مباشر. في عام 2014، ذكرت نيويورك تايمز في تقريرها، الضربة الصاروخية الإسرائيلية التي قتلت أربعة فتيان كانوا يلعبون كرة القدم على شاطئ غزة. ورغم أن النص نقل الحقيقة بوضوح، فإن العنوان كان غامضًا بشكل مثير للسخرية فتيان ينجذبون إلى شاطئ غزة، ويقعون في قلب النزاع في الشرق الأوسط. والآن، مع تحول غزة ليس فقط إلى قلب النزاع في الشرق الأوسط بل إلى مسرح إبادة جماعية واضحة، عادت الصحيفة مرة أخرى لتحريف الأخبار بطريقة إبداعية، كما يظهر في عنوان يوم الثلاثاء إسرائيل كانت أقل مرونة في محادثات وقف إطلاق النار الأخيرة في غزة، حسب الوثائق. الترجمة الحقيقية لهذا العنوان هي إسرائيل تعرقل جهود وقف إطلاق النار في حرب أسفرت منذ ينايركانون الثاني الماضي عن مقتل 1 من سكّان غزة. رسميًا، قُتل حوالي 40 ألف فلسطيني منذ 7 أكتوبرتشرين الأول، رغم أن دراسة نشرتها مجلة The Lancet تشير إلى أن العدد الحقيقي للضحايا، قد يتجاوز 186 ألفًا. في المقابل، وافقت إدارة جو بايدن مؤخرًا على نقل أسلحة إضافية بقيمة 20 مليار دولار إلى إسرائيل، حتى في الوقت الذي تدعي فيه الولايات المتحدة أنها تعمل من أجل تحقيق وقف إطلاق النار. تؤكد نيويورك تايمز بطريقة ملتوية أنه في حين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفى بشكل مستمر محاولته منع التوصل إلى اتفاق في غزة، وألقى باللوم على حركة حماس في الجمود، فإن الوثائق غير المنشورة التي اطلعت عليها الصحيفة توضح أن المناورات السرية التي يقوم بها نتنياهو كانت واسعة النطاق. في يوليوتموز، نقلت إسرائيل قائمة بشروط جديدة إلى الوسطاء الأميركيين والمصريين والقطريين في محادثات وقف إطلاق النار، تضمنت شروطًا أقل مرونة من مجموعة المبادئ التي قدمتها سابقًا. من بين هذه الشروط الجديدة، وبدلاً من أن تسحب إسرائيل قواتها العسكرية من قطاع غزة في حالة وقف إطلاق النار، ستظل مسيطرة على الحدود الجنوبية لغزة مع مصر. ولكن، كيف يمكن للفلسطينيين أن يقبلوا باستمرار هذا الاحتلال العسكري كما أعادت إسرائيل إحياء إصرارها على إقامة نقاط تفتيش يتولى فيها الجنود الإسرائيليون عمليات تفتيش عن الأسلحة على الفلسطينيين النازحين العائدين إلى منازلهم في شمال غزة، وهو شرط يُعتبر قبيحًا للغاية بالنظر إلى أن الطرف الذي يفرضه هو من يرتكب حاليًا إبادة جماعية باستخدام جميع أنواع الأسلحة. إنها إستراتيجية بسيطة لتحريك الهدف. كلما اقتربت صفقة وقف إطلاق النار من التحقق، يضيف نتنياهو مجموعة جديدة من المطالب التي يعتبرها حتى أعضاء من مؤسسته الأمنية مبالغًا فيها. إلى جانب مغازلة اليمين الإسرائيلي المتطرّف الذي يعتبر أي توقف للقتل الجماعي أمرًا غير مقبول، لدى نتنياهو دوافع أخرى لتعطيل المفاوضات. فإذا توقفت الحرب، سيتعين عليه التعامل مع تهم الفساد والمعارضة الداخلية، إضافة إلى مواجهة المحكمة الجنائية الدولية التي قدم مدعيها العام طلبًا لإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. في نهاية المطاف، لم تكن إسرائيل يومًا مهتمة بالسلام؛ بل إن المشروع الإسرائيلي بأكمله يستند إلى استمرار الحرب والقتل. ولا يحتاج المرء إلى البحث بعيدًا عن تاريخ إسرائيل الطويل في تخريب ليس فقط صفقات وقف إطلاق النار بل أيضًا عملية السلام المزعومة بشكل عام، كل ذلك بالطبع مع تحميل الفلسطينيين المسؤولية عن كل فشل في الوصول إلى حلّ. في العام الذي سبق الانسحاب الإسرائيلي الرسمي من قطاع غزة عام 2005، والذي أنهى ظاهريًا احتلال إسرائيل للقطاع، قدّم كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون، دوف ويسغلاس، لصحيفة هآرتس ملخصًا للصفقة. فقال ويسغلاس لصحيفة هآرتس إن أهمية خطة فك الارتباط عن غزة تكمن في تجميد عملية السلام. وتابع وعندما تجمد تلك العملية، فإنك تمنع إقامة دولة فلسطينية، وتمنع مناقشة مسألة اللاجئين والحدود والقدس. وهكذا فعليًا، تم إزالة كل هذه الحزمة المسماة الدولة الفلسطينية، بكل ما تتضمنه، بشكل غير محدد من جدول أعمالنا... كل ذلك بمباركة أميركية رئاسية ومصادقة من كلا المجلسَين في الكونغرس. وبالطبع، يمكنك أيضًا إزالة حزمة الدولة الفلسطينية بالكامل من جدول الأعمال ببساطة عن طريق القضاء على الجميع. ومع استمرار الجرائم الجماعية بالتزامن مع اقتراب جولة المفاوضات الجديدة، فإن اقتراح نيويورك تايمز بأن الاتفاق قد يكون صعب المنال يُعد بالفعل تقليلًا من حجم الواقع. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/8/19/%d9%86%d9%8a%d9%88%d9%8a%d9%88%d8%b1%d9%83-%d8%aa%d8%a7%d9%8a%d9%85%d8%b2-%d9%88%d9%81%d9%86-%d8%aa%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%82-%d9%84%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-08-19T07:00:00
2024-10-29T10:02:57
مقالات
2,274
نقاشات الدولة الفلسطينية والمعادلات الجديدة
كشف تقرير لموقع أكسيوس الأميركي في نهاية يناير أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أصدر تعليمات للمسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية بأن تعرض عليه خيارات للاعتراف الأميركي بالدولة الفلسطينية.
منذ أن أسست اتفاقيةُ أوسلو بين الاحتلال الإسرائيلي، ومنظمة التحرير في 1993 السلطةَ الفلسطينية كإدارة مؤقتة للحكم الذاتي، بقيت الكثير من الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة، وكندا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي ممتنعةً عن الاعتراف بدولة فلسطينيّة، بالرغم من إعلانها دعم حلّ الدولتَين بشكل عام كحل للصراع الفلسطيني، وبقيت تؤكّد أن إقامة الدولة لا يتحقّق إلا من خلال المفاوضات بين حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية، حيث تركت هذه الدولُ دولةَ الاحتلال تنهش بشكل يومي أي أفق لإقامة هذه الدولة. كما أن الدول الـ 138 الأخرى التي اعترفت بفلسطين في الأمم المتحدة، لم يقدم اعترافها الكثير، ولم تقدم ما يمكن أن يساهم في وجود دولة فلسطينية مستقلة، حتى في إطار حل الدولتين المدعوم دوليًا، وكان هذا الحل يتلاشى تدريجيًا بفعل سياسات الاحتلال وداعميه، كما أن الاحتلال استطاع أن يطبّع ويطوّر علاقاته مع عدد كبير من هذه الدول. لقد أعادت معركة طوفان الأقصى وضع ملف القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني على الأجندة الدولية مرة أخرى وبقوَّة، بشكل يستدعي إعادة النظر من كافة الأطراف في كل السياسات التي كانت قائمة على تجاوز حقوق الشعب الفلسطينيّ. مؤخرًا كشف تقرير لموقع أكسيوس الأميركي في نهاية ينايركانون الثاني 2024 أنّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أصدر تعليمات للمسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية بأن تعرض عليه خيارات للاعتراف الأميركي أو الدولي بالدولة الفلسطينية، فضلًا عن تقديم توصيات بشأن الشكل الذي ستبدو عليه الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وقد جاء الخبر في سياق احتمال وجود تحول في التفكير لدى إدارة بايدن حول الاعتراف المحتمل بدولة فلسطينية. مما زاد من جدية النظر لهذا التطور، وجود تصريح آخر من وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون الذي قال؛ إن لندن تدرس الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مؤكدًا ضرورةَ إظهار تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين. وإن بريطانيا تنظر مع حلفائها في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك في الأمم المتحدة. تفتح هذه التصريحات علامات استفهام حول الأسباب الحقيقية التي تقف خلفها من حيث احتمال وجود تحول حقيقي لتغيير في السياسة الأميركية والبريطانية، فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية من عدمه، وكذلك حول الملفات المرتبطة بمثل هذا الخطاب في هذه اللحظة بالذات. قد يكون الطرح الأميركي استمرارًا لنفس السياسات السابقة، ولكن في قولبة جديدة، كما كان يحدث في رؤية كل رئيس أميركي من كلينتون إلى بوش إلى أوباما ووصولًا إلى بايدن خلال العقود الأخيرة يبدو من خلال التحليل الأوّلي أن هذه الأطراف والولايات المتحدة تحديدًا والذين التزموا خلال أكثر من 30 عامًا بسياسة أن المفاوضات بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة ستفضي لقيام دولة فلسطينيّة، بات لديهم أفكار تستحق الدراسة حول إمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية، وبالطبع بما يتماشى مع مصالحهم، وأحيانًا كما يقولون -بشكل فجّ- إن وجود شكل من أشكال الكيانية للفلسطينيين، هو يخدم أمن إسرائيل بالدرجة الأولى. بداية، بغض النظر عن الدوافع الأميركيّة ومدى جديتها فإن مجرد طرح هذه الأفكار هو بحدّ ذاته بسبب ما أحدثته عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر تشرين الأول 2023 والتي قامت من خلالها المقاومة الفلسطينية بوضع حدّ لكل المشاريع الإلهائية والتصفوية التي كان يقوم بها الاحتلال ومن خلفه حلفاؤه الذين تجاوبوا مع إمكانية المضي بالمشاريع الإقليمية والدولية عبر تجاوز الشعب الفلسطينيّ وحقوقه. لم يكن هذا التفكير ليأتي من رؤية أميركية ذاتية لتحقيق الاستقرار، بل كان الذي يحدث خلال السنوات الماضية هو النقيض تمامًا. لهذا يمكننا القول؛ إن معركة طوفان الأقصى ثبتت واقعًا جديدًا، ووضعت مسارَ قيام دولة فلسطينية في معادلة جديدة بمدخلات وقواعد جديدة تحتّم التعامل معها بسياسات جديدة ومعدلة. ويتفق مع هذا الطرح السفير الأميركيّ السابق جيمس جيفري، الذي يرى أنّ الحرب في غزة هي حدث كبير يجبر الولايات المتحدة وغيرها على التفكير بحلول من خارج الصندوق، ومع ذلك يرى جيفري أنه لحدوث المزيد من التطور لابدّ من خروج هذه النقاشات من دوائر وزارة الخارجية الأميركية، إلى دوائر أخرى كمجلس الأمن القومي الأميركي، على سبيل المثال. قد يكون الطرح الأميركي استمرارًا لنفس السياسات السابقة، ولكن في قولبة جديدة، كما كان يحدث في رؤية كل رئيس أميركي من كلينتون إلى بوش إلى أوباما ووصولًا إلى بايدن خلال العقود الأخيرة. وعلى مستوى الشكل، قد لا يعطي شيئًا مختلفًا على الأرض، ويبقى في إحدى صوره اعترافًا أحاديًا يشبه اعتراف بقية الدول الأخرى بفلسطين، كما أنه قد يكون بالسماح لهذه الدولة أن تكون دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. بشكل واضح، الموقف الأميركي يضع نفسه في مستوى أعمق في المأزِق إن استمر في اختيار حلول إلهائية أو حلول جزئية تخدم أجندة الاحتلال، ولا تقدم سوى الفتات للشعب الفلسطيني، أو تقدم قضايا شكلية غير جوهرية. إن بقي ما يعني الولايات المتحدة هو أمن الاحتلال وليس حلًا واقعيًا عمليًا عادلًا فلن يحصلَ إلا مزيدٌ من انعدام الأمن للاحتلال، وعلى سبيل المثال- وفقًا لما نُشر أيضًا- فإن طلب بلينكن حول شكل الدولة الفلسطينية، شمل أيضًا فكرة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. وفي الحقيقة هذا نموذج فاشل يكرر ما يجري في الضفة الغربية، ويترك الشعب الفلسطيني تحت رحمة آلة القتل الإسرائيلية. تسعى إدارة بايدن منذ مدة إلى إنجاز التطبيع على مستويات عدة وهذا هو هدف يتجاوز رغبة نتنياهو في كتابة التاريخ بأنه من قام بإنجاز التطبيع مع عدة دول عربية إلى رؤية أميركية أوسع تريد إعادة هندسة المنطقة، وتجميع حلفائها لتتفرغ لملفات أكثر أولوية على المستوى الدولي. بما أن وجود دولةٍ فلسطينية معترفٍ بها بات شرطًا لإنجاح عملية التطبيع هذه- والتي أصبحَ إنجاحها بدون ذلك بعد معركة طوفان الأقصى وبعد العدوان المستمر على غزة معقدًا جدًا- فإنه من الممكن أن يكون طلب بلينكن متماشيًا مع هذا الشرط، ولم يخفِ بلينكن ذلك بعد جولته الخامسة للشرق الأوسط في 2024 والتي بدأها من الرياض، وختمها بلقاء قادة الاحتلال، مشيرًا بوضوح إلى شرط وجود دولة فلسطينية لإتمام التطبيع. من الواضح أنّ الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين لا تستطيعان إجبار حكومة الاحتلال اليمينية على إدخال كميات محددة من المساعدات الإنسانية إلى غزة، ستكونان أضعف عندما يتعلق الأمر بدولة فلسطينية ذات سيادة. وإن كان مسار أوسلو برغم ما فيه من تنازلات وهشاشة واجه كل هذه المماطلات والتعنت والاستيطان والتهويد والإذلال، فإن كل حرف حول شكل الدولة وحدودها وعلاقاتها سيفتح أسئلة معقدة ستحتاج إجاباتها لسنوات. ولكن، ما هي هذه الدولة وما شكلها؟ وما هي حدودها؟ وما هو شكل علاقتها مع الجيران ومن سيديرها؟.. أسئلة صعبة جدًا، وقد تحتاج لسنوات طويلة. على الأغلب ما يجري ليس تغييرًا جوهريًا في السياسة الأميركية، بل هو تدوير للزوايا، ومع ذلك هذا مهم ويحتاج البناء عليه، ويضاف لذلك أن هناك ما يمكن أن يحدث تغييرًا جوهريًا في المعادلة السياسية بعد النجاح العسكريّ، وهو قدرة المقاومة الفلسطينية على إحداث تغيير إيجابي في البنية السياسية الفلسطينية حيث توجد فرصة قوية جدًا لذلك. لا يريد الشعب الفلسطيني دولة يعطَى رئيسُها الحقّ في الجلوس في المقعد المخصص لرؤساء الدول في خطاب الجمعية العامة للأمم المتحدة فحسب، ولا يريد اعترافًا دوليًا بمن يمثله بشكل شرعي ووحيد، بل يريد دولةً ذات سيادة، واستعادة حقوقه التي سلبها الاحتلال منه، وإذا نجح المجموع الفلسطيني في التوصل لصيغة شاملة فإنها ستحفر مسارات حقيقيّة في صخر المواقف الإقليميّة والدولية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/12/%d9%86%d9%82%d8%a7%d8%b4%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%af%d9%84%d8%a7%d8%aa
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1312
2024-02-12T06:45:44
2024-02-12T06:45:44
مقالات
2,275
اللاجئون بين المسؤولية المجتمعية والتحديات الدولية
تتنوّع الجوانب المحيطة بظاهرة اللجوء بين الإيجابية والسلبية، مما يتطلب تفكيرًا عميقًا وتحليلًا شاملًا. إذ تنتهج الدول طرقًا وأساليب مختلفة للتعامل مع ملف اللاجئين.
يواجه العالم اليوم العديد من القضايا المعاصرة، والمتغيّرات السريعة المتلاحقة، بدءًا من أزمة فيروس كورونا التي أحدثت هزّة عميقة في جميع جوانب الحياة، وصولًا إلى الحروب والصراعات الدولية التي أدت إلى اضطرابات كبيرة وأثرت على العديد من البلدان. هذه الظروف المعقدة خلّفت وراءها العديد من القضايا والتحديات. من بين أبرز هذه التّحديات التي تفرض نفسها بقوّة على الساحة العالميّة اليوم هي قضية نزوح اللاجئين. فالحروب والنزاعات المسلّحة، بالإضافة إلى الاضطهاد والفقر والظروف الاقتصادية الصعبة، دفعت ملايين الأشخاص إلى مغادرة بلدانهم والبحث عن مأوى آمن في دول أخرى. وقد قدّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنّ عدد اللاجئين والنازحين حول العالم بلغ حوالي 114 مليون شخص بحلول سبتمبرأيلول 2023، ويمثل هذا زيادة 1.6 مليون عن نهاية عام 2022. وقد أفاد تقرير المفوضية بأن الحرب في أوكرانيا، والصراعات في السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية وميانمار، وأفغانستان، من الأسباب الرئيسية للنزوح القسري من النصف الأوّل في عام 2023. تتنوّع الجوانب المحيطة بظاهرة اللجوء بين الإيجابيّة والسلبيّة، مما يتطلب تفكيرًا عميقًا وتحليلًا شاملًا. إذ تنتهج الدول طرقًا وأساليب مختلفة للتعامل مع ملفّ اللاجئين، فمنها من يتبنّى سياسة العزل في أماكن مخصصة، مثل المخيمات والمعسكرات، ومن بين هذه الدول الأردن التي تضمّ واحدًا من أشهر مخيمات اللاجئين السوريين في العالم، وهو مخيم الزعتري. كذلك، تستضيف بنغلاديش مئات الآلاف من اللاجئين الروهينغا الفارّين من الاضطهاد العنصري، والعنف في ميانمار في مخيمات ضخمة، مثل مخيم كوكس بازار. ومنها من يفضّل الدمج مع المواطنين مثل كندا، ومصر اللتين تحتلان مكانة هامة في استضافة العديد من اللاجئين من مختلف الجنسيات. رغم التحديات التي يواجهها ملف اللاجئين، هناك جوانب مضيئة تظهر من خلال جهود الدول المضيفة؛ لضمان سلامة وإيواء اللاجئين. تشمل هذه الجهود فتح الأبواب، وتوفير الحماية والمساعدة اللازمة، بالإضافة إلى تقديم الرعاية الصحية والتعليم والسكن والدعم النفسي والاجتماعيّ. كما قدّمت بعض الدول فرصَ العمل والتدريب والاندماج، ما أسهمَ في خلق حراك اقتصاديّ، وإضافة صناعات وآفاق جديدة للتجارة. علاوةً على ذلك، أدّى الاندماج الثقافي والفكري بين اللاجئين والسكّان الأصليين إلى تعزيز التعاون الثقافي والاجتماعي، وخلق نوعٍ من التّعايش بين الطرفَين. هذه الجهود ليست فقط لصالح اللاجئين، بل تسهم أيضًا في تعزيز التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات المضيفة. كما تضمن بيئةً آمنة ومستدامة لحياة اللاجئين، وتساهم في بناء مستقبل أفضل لهم وللمجتمعات التي يعيشون فيها. رغم الجوانب الإيجابية التي تشهدها استضافة اللاجئين، فإن هناك بعض التحديات التي تواجه الدول المضيفة، سواء فيما يتعلق بالناحية الاقتصادية أم الاجتماعية أو السياسية. فعادة ما يصل اللاجئون دون موارد كافية أو دعم، ويحتاجون بشدّة إلى الإسكان والغذاء والرعاية الصحيّة والتعليم. وهذا يفرض عبئًا كبيرًا على البنية التحتيّة والخِدمات العامة في الدول المضيفة، وقد يؤدّي إلى توترات اجتماعيّة واقتصادية. بالإضافة إلى التّحديات الاجتماعية والاقتصادية، تواجه الدول أيضًا تحديات سياسية فيما يتعلّق بنزوح اللاجئين. فقد يؤدي هذا الأمر إلى توترات داخليّة، وصراعات محتملة بين اللاجئين والمجتمعات المحلية، وقد يثير قضايا التمييز والتعصّب والعنصرية من قِبل المجتمعات المضيفة، مما يزيد من صعوبات إعادة توطينهم واندماجهم. بالتالي، ينبغي على المجتمع الدولي العمل بتعاون شامل لمعالجة قضايا اللاجئين، وتقديم الدعم اللازم للبلدان المضيفة؛ بهدف تحقيق توازن مستدام بين استقبال اللاجئين، وضمان استدامة ورفاهية المجتمعات المضيفة والسكان المحليين. ما الآليات التي يجب استخدامها لإدارة الملف بشكل فعّال؟ لضمان إدارة فعّالة لملف اللاجئين، يجب على الدول تبني آليات محددة لتنظيم استقبال اللاجئين وإقامتهم في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الدول تعزيز التعاون الدولي من خلال تبادل المعلومات والخبرات فيما يتعلق بإدارة تدفقات اللاجئين، وتحسين البنية التحتية وتقديم خدمات عامة، مثل الإسكان والتعليم والرعاية الصحية لضمان توفير بيئة مستقرّة ولائقة لهم. كما ينبغي توفير فرص توظيف وتدريب للأشخاص المتأثّرين بالأزمة الحالية، ما يساهم في دمجهم بشكل أفضل في المجتمع. كما يجب تعزيز التفاهم بين اللاجئين والمجتمع المحلي من خلال تقديم برامج التوعية حول اللاجئين وخلفياتهم الثقافية، وتنظيم ورش عمل وندوات وفعاليات تعريفية بالمجتمع المحلي، بهدف تعريفهم بالثقافات المختلفة وتعزيز الاحترام المتبادل. كما يجب على الدول العمل على مكافحة التمييز والعنصرية وتعزيز قيم التسامح والمساواة من خلال تنفيذ حملات توعية للتصدي للتحيز والتمييز الثقافي. يتعين أيضًا تعزيز القيم العالمية لحقوق الإنسان والتعايش السلمي، من خلال التركيز على التعليم والتثقيف بشأن هذه القضايا. كما ينبغي التأكيد على دعم اللاجئين نفسيًا وتوفير برامج الرعاية والتأهيل لتعويض ما واجهوه من أهوال نفسية وجسدية، حتى يتمكنوا من الاندماج في المجتمع الجديد بسلام. بالاعتماد على هذه الآليات، يمكن للدول تحقيق إدارة فعّالة لتدفقات اللاجئين، وتحسين ظروفهم المعيشية، مما يساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المجتمعات المضيفة. وأخيرًا؛ ينبغي علينا أن نتذكّر أن ملفّ اللاجئين ليس مجرد إحصاءات وأرقام، بل قضية إنسانية تحتاج إلى التعاطف والتفكير الشامل. لذلك، يجب التعامل مع اللاجئين بإنسانية وعدالة، والعمل على توفير الحماية والدعم لهم، سواء على المستوى القومي أو الدولي. ولا يمثل هذا فقط التزامًا إنسانيًا، بل يعد أيضًا استثمارًا في المستقبل. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/25/%d9%86%d8%b2%d9%88%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%a6%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-05-25T12:30:06
2024-05-25T12:30:31
مقالات
2,276
عواقب نجاح إسرائيل في حربها على غزة
هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الرد الإسرائيلي على معركة “طوفان الأقصى” سيستغرق وقتا وسيغير وجه الشرق الأوسط. فما الذي قصده بذلك؟ وماذا يعني نجاح الاحتلال في تحقيق أهدافه في قطاع غزة؟
هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ الرد الإسرائيلي على معركة طوفان الأقصى سيستغرق وقتًا وسيغير وجّه الشرق الأوسط. فما الذي قصده بذلك؟ وماذا يعني نجاح الاحتلال في تحقيق أهدافه في قطاع غزة والتي أعلن أنها تتمثّل في اجتثاث حماس وقوى المقاومة؟ لا شكّ أن الضربة التي تلقّاها الاحتلال أثرت ليس على معنويات جنوده ومجتمعه فحسب، وإنما أحدثت أيضًا خللًا كبيرًا في موازين القوى في المنطقة، وأعطت إشارة إلى أن هذه الدولة قابلة للهزيمة عندما تتوفر الإرادة والتصميم والقدرة. ولكن كيف يمكن أن تكون الصورة لو تمكّن جيش الاحتلال بالدعم والانحياز الغربي غير المحدود، بل والشراكة الأميركية الكاملة، في إنجاز أهدافه بإعادة احتلال قطاع غزة والتخلّص من قوى المقاومة وعلى رأسها حركة حماس؟ إسرائيليًا، يعني ذلك استعادة صورتها التي رسمتها منذ نشأتها كصاحبة الحضور والنفوذ والتفوق النوعي في المنطقة، وأنّ جيشها قوي لا يمكن العبث معه ولا يتسامح مع أي ضربات، ما يعني استعادة قدرتها على الردع وعودة الهيبة والاعتبار لفكرة الجيش الذي لا يقهر. وهذا سيقود إلى التنكر الكامل للحقوق الفلسطينية ووضع خطة سموتريتش التي تعرف بخطة حسم الصراع موضع التنفيذ، عبر إعادة تهجير من تبقّى من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية لتصفية القضية الفلسطينية وحسم الصراع لصالح المشروع الصهيوني. من مصلحة دول المنطقة الوقوف خلف المقاومة الفلسطينية والحيلولة دون الانقضاض عليها وإضعافها، مهما كانت اختلافاتها معها، لأن الضرر سيعمّ الجميع، ولأن المقاومة بشكل من الأشكال تعتبر سندًا وحاميًا ليس فقط للفلسطينيين، وإنما للأمن القومي لعدد من الدول العربية. وفلسطينيًا، يعني ذلكَ تجريد الشعب الفلسطيني من كلّ ما أنجزه خلال السنوات الماضية، ليس فقط من بنية وطنية نوعية في قطاع غزة بما فيه من قوى المقاومة، التي باتت يُحسب لها الحساب، وإنما سيمتد ليصل إلى ما يعتبر نواة لكيانية سياسية، وأقصد هنا السلطة الفلسطينية، فرغم كل ما يمكن أن يقال عن هشاشتها وضعفها وسوء أدائها، إلا أنها تظل غير مرغوبة من اليمين الصهيوني الحاكم. بل إن الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية سيكون مهددًا بشكل جِدي، وقد يجد فلسطينيو الضفة الغربية وحتى فلسطينيو 48 أنفسهم، مهددين بالتهجير والإبعاد إلى دول أخرى وبالذات إلى المملكة الأردنية الهاشمية. وعربيًا، وخاصة في مصر والأردن، فإن تحقيق أهداف الاحتلال الإسرائيلي، ولا سيما هدف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، سيشكل خطرًا إستراتيجيًا على الأمن القومي المصري، وسيخلق أزمة عميقة لها، إذ سيفرض على مصر أن تتولى ملف الفلسطينيين بشكل عام، وملف قطاع غزة على نحو خاص. كما ستصبح المملكة الأردنية، مرشحة لاستقبال ثلاثة إلى أربعة ملايين فلسطيني من الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948، لتتحقق مقولة اليمين الصهيوني الفاشي التاريخية بأن الأردن هي فلسطين، وسيتم تنفيذ سياسة الوطن البديل وإقامة كيان فلسطيني في الأردن وَفقًا لخطة سموتريتش لحسم الصراع. بما يعني تقويض المملكة الأردنية وتغيير بنية البلد على أكثر من مستوى وبشكل جذري. أمّا ما يعرف بـ محور المقاومة فوجوده على المحك، فدوره سينتهي إذا انتهت المقاومة في قطاع غزة، ولا سيما أن معنى هذا المحور ومغزاه مستمدان من الحديث عن القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بل إن مصطلح المقاومة في المنطقة تم صكّه استنادًا إلى مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الصهيوني، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يطلقَ على نفسه صفة مقاوم أو يتحدث عن المقاومة إن لم تكن القضية الفلسطينية والفلسطينيون في المركز. ويعني غياب أو كسر شوكة قوى المقاومة الفلسطينية، أنّ هذا المحور بلا قيمة أو وجود أو شرعية، ليس على مستوى ارتباطه بالقضية الفلسطينية فحسب، بل إنه سيخسر خسارة كبيرة على مستوى الدول التي يوجد فيها، لأنه استمد جزءًا من شرعيته في تلك الدول لموقفه الداعم للمقاومة الفلسطينية، وليس استنادًا إلى الاعتبارات الداخلية أو القُطرية وحدها. وسيعني ذلك أن النفوذ الإيراني في المنطقة سيتأثر، فشعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل الذي ترفعه هي وحلفاؤها في المنطقة، يستند بشكل أساسي إلى دعم المقاومة الفلسطينية والقضية الفلسطينية، وإذا ما حيّدت إسرائيل قوى المقاومة فإن مبرر هذا النفوذ الإيراني في كثير من دول الإقليم قد انتهى، ولن يبقى تفسير له سوى التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول، تحقيقًا لأهداف إيرانية محضة وسيكون خاليًا من أي رسالة، وهو ما يشكل تحديًا حقيقيًا لإيران. أخيرًا؛ فإن من أخطر نتائج تحقيق إسرائيل أهدافَها، هي الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، وإعادة الاعتبار لها، والتأكيد مجددًا أنها صاحبة الكلمة العليا واليد الطولى في المنطقة. وأن كل حديث عن تراجع دورها ونفوذها وما يستتبعه من محاولات تمرّد عليه يصبح كلامًا بلا معنى. ولا يؤثر هذا على الفلسطينيين وحدهم، وإنما على الدول والقوى الصاعدة في المنطقة، وأيضًا على القوى الدولية التي ترغب أن يكون لها دور ونفوذ على المستوى الدولي، ما يعني أن ذلك سيشكّل رسالة عملية للصين وروسيا، وأي دولة طامحة أخرى، بأن زمن هذه الطموحات لم يحِن بعد. لهذه كله يجب ألا يتمكن العدو الصهيوني من إنجاز أهدافه، ويجب على كل القوى والدول المتضررة من هذا الموقف المساهمة في لجم العدوان ووقف الحرب الهمجية. كما يجب الحيلولة دون إعادة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى أي دولة كانت، وليس فقط إلى مصر. ويقتضي هذا تنحية الخلافات، بين بعض دول الإقليم والمقاومة الفلسطينية، جانبًا، فمن مصلحة تلك الدول الوقوف خلف المقاومة الفلسطينية والحيلولة دون الانقضاض عليها وإضعافها؛ لأنها بشكل من الأشكال تعتبر سندًا وحاميًا ليس فقط للفلسطينيين وإنما للأمن القومي لعدد من الدول العربية. إن ضمان عدم تهجير الفلسطينيين واستمرار المقاومة الفلسطينية، حتى وإن تمكّن العدو الصهيوني من إلحاق الأذى الكبير بالفلسطينيين تدميرًا وقتلًا، يعني فشل هذه الحرب، وتثبيت صورة النصر التي تحقّقت في الأيام الأولى، ويعني أيضًا أن الكيان الصهيوني سيبقى عاجزًا عن التدخل في الشؤون العربية وفي شؤون الدول المختلفة في الإقليم، وإلا فالكل متضرر من هذه المعركة إذا انتصر فيها الاحتلال الإسرائيلي والنفوذ الأجنبي والهيمنة الأمريكية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/10/18/%d8%b9%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%a8-%d9%86%d8%ac%d8%a7%d8%ad-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d8%b1%d8%a8%d9%87%d8%a7-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ba%d8%b2%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…C1080&quality=80
2023-10-18T08:58:30
2023-10-18T08:58:30
مقالات
2,277
منظمة الإيغاد.. من محاربة التصّحر إلى حلبة السياسة
مع ظهور المبادرات بدت الإيغاد منحازة في تحركاتها ومواقفها لقوات الدعم السريع المتّهمة بالتمرّد على الدولة ومؤسساتها بما فيها الجيش القومي الذي يفترض أن تلك القوات جزءٌ منه وتخضع لتراتبيته ولقوانينه.
منذ تفجُّر الأزمة السودانية والحرب المشتعلة في البلاد منذ 15 أبريل نيسان 2023، طرحت السلطة الحكومية للتنمية لدول القرن الأفريقي الكبير إيغاد التي تضمّ في عضويتها كلًا من الصومال، وجيبوتي، وإثيوبيا، والسودان، وإريتريا، بالإضافة لأوغندا، وكينيا نفسها لاعبًا مهمًا يتطلع للعب دور الوسيط بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع؛ بهدف وقف الحرب والوصول لتسوية سياسيّة اتسمت بالغموض والابتعاد عن المنهجيّة التقليدية التي يجب أن تتحلّى بها المنظمات الحكوميّة. ومع ظهور المبادرات بدت الإيغاد منحازة في تحركاتها ومواقفها لقوات الدعم السريع المتّهمة بالتمرّد على الدولة ومؤسساتها بما فيها الجيش القومي الذي يفترض أن تلك القوات جزءٌ منه وتخضع لتراتبيته ولقوانينه، وهو ما أثار الكثير من الأسئلة حول الدوافع الحقيقية لهذه المنظمة. سنحاول ضمن سلسلة مقالات تقديم إضاءة على الجوانب غير المرئية والخفية لهذه المنظمة الإقليمية وظروف نشأتها وتقلّب أدوارها وحدود صلاحياتها وارتباطاتها الدولية، وما هي الدوائر والأيادي التي تحركها من خلف الكواليس، ومن الذي يشكل رؤيتها نحو الأمن الإقليمي للدول الأعضاء؟. انتهزت الدوائر النيوليبرالية المتنفذة في منظمة الأمم المتحدة تبدلات المناخ في النظام الدولي، والذي بدأ يتجه نحو الأحادية القطبية باعتلاء الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف للسلطة في 1985، فقد بدأت تلك القوى من خلال الأمم المتحدة في لعب أدوار أكثر جرأة تجاه الجنوب عمومًا، والدول النامية والمتعطشة للمساعدات الغربية والدولية بأن أدخلت بصورة حاسمة نظام المشروطية إزاء كل المساعدات الممنوحة، وكان جوهر تلك المشروطيات سواء كانت أحادية أو متعددة الجوانب هو الضغط على الدول باتّباع النظام الليبرالي، والابتعاد عن الاشتراكية والشيوعية، وقد صادف بداية الثمانينيات من القرن الماضي أن ضرب الجفاف والمجاعة أجزاء واسعة من القرن الأفريقي، بحيث تضررت كل دوله، ونال موضوع الجفاف والمجاعة تغطية إعلامية دولية ضخمة. كانت الأمم المتحدة في جلستها رقْم 35 لعام 1980 قد اتخذت القرار 35-90 كاستجابة للتعاطف العالمي مع آثار موجة الجفاف والمجاعة تلك، ولكن القرار اشترط على دول القرن الأفريقي أن تفكر بطريقة إقليمية لمعالجة آثار الجفاف، وأن تنسق فيما بينها إذا كانت ترغب في تلقي أي مساعدة من المنظمة الدولية والمجتمع الدولي. وقد جاء في الفقرة السادسة من القرار ما يلي تنصح حكومات دول الإقليم التي تأثرت بالجفاف أن تفكر في تأسيس منظمة حكومية يقع على عاتقها مسؤولية الدعم والتنسيق لجهود الحكومات في محاولاتها القضاءَ على آثار الجفاف والكوارث الطبيعية الأخرى، وأن تتعامل مع التحديات التي ستواجه التعافي والتأهيل في المديَين المتوسط والطويل. كانت حكومات دول القرن الأفريقي متوزعة في تبعيتها لأحد قطبي الحرب الباردة، ما أدى في نهاية المطاف إلى خمول فكرة منظمة الإيغاد طوال حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي الملاحظ أن فكرة تأسيس منظمة حكومية نفسها لم تأتِ من هذه الحكومات بل كانت شرطًا لتلقي العون الخارجي المخادع، وكانت هذه أكبر مشكلة واجهت عمل وتطور المنظمة؛ إذ إنها لم تنبع عن قناعة ووعي بضرورة العمل الإقليمي المشترك من الأنظمة الحاكمة، كما هو الحال في نشأة وتطور الاتحاد الأوروبي، بل إنها اصطنعت استجابة لشرط تلقي المساعدات الدولية من الدول المانحة، وتم ربط المساعدات بالتوجه والالتزام الإقليمي لهذه الدول والذي أُريد له أن يدعم الترتيبات النيوليبرالية حول العالم، حيث يبقى حل الأزمات خارج أيدي السلطات الوطنية، وذلك من خلال ترتيبات إقليمية تخضع وتنسق مع المركز النيوليبرالي، وتأخذ بذلك شرعية دولية تستعملها كعصا في وجه الأنظمة المخالفة للتوجه الليبرالي. بناء على ذلك القرار نشأت وحدة داخل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للإشراف على تمرير المساعدات للمناطق المتأثرة، وأن تنسق وتعمل مع حكومات المناطق المتأثرة للقيام بسياسات وطنية وإقليمية؛ لدرء آثار الجفاف، ولترقية التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة، وقد كان أمر المساعدات نفسه طوعيًا يأتي من مساهمات تقدمها دول ومنظمات بصورة غير ملزمة، على أن يتابع ذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة. الأمر الآخر أن التركيز في هذا الجهد الإقليمي لم يكن منصبًا على البعد السياسي، وإنما الاقتصادي والتنموي، وهو ما أشار إليه الرئيس الإريتري ساخرًا من أن المنظمة قامت من أجل مكافحة الجراد والتصحر، لكن رسالتها تغيّرت فجأة دون أن تحقق أي نجاح في المهمة الأولى طوال عشر سنوات، وذلك لأسباب تتعلق بالدول المتأثرة بالجفاف نفسها، بجانب أسباب إقليمية وأخرى دولية. فقد شهدت فترة مطلع الثمانينيات تصعيدًا شديدًا في الحرب الباردة بين الغرب -خاصةً إدارةَ الرئيس الأميركي رونالد ريغان- وحلفائه، وبين الاتحاد السوفياتي، وهو ما ألقى بظلاله على أولويات السياسة الخارجية لتلك الدول المعنية بالتنمية والجفاف، فقد كانت حكومات دول القرن الأفريقي متوزعة في تبعيتها لأحد قطبي الحرب الباردة، ما أدى في نهاية المطاف إلى خمول فكرة منظمة الإيغاد طوال حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. بينما كان الاتحاد السوفياتي في تراجع، فقد تعللت الدول الغربية المانحة بأنها لا تستطيع أن تساعد النظام الماركسي في إثيوبيا، أو دكتاتورية العشائر في الصومال، أو النظام الإسلامي القمعي في السودان، فمن الدعم الذي التزم به مؤتمر للمانحين عام 1987 والذي بلغ أكثر من مليار دولار، لم تتحصل برامج الأمن الغذائي ومكافحة الجفاف إلا على 10 و5 على التوالي. كما لم تمول الدراسات التي أعدت حتى بعد عشر سنوات من هذا التاريخ، إذ رفضت الدول المانحة دفع مبلغ 500 مليون دولار للإيغاد، كان يفترض أن يخصص جزء منه لتمويل طريق يربط أغنى منطقة لإنتاج الحبوب بأكثر المناطق حاجة لهذه الحبوب في إثيوبيا، وإريتريا، وهو طريق الحمرة -القلابات- القضارف بذريعة عدم أهمية المشروع إقليميًا، لكن دافع الرفض هو وجود نظام إسلامي في الخرطوم، وبذلك تبخّر أكبر مشروع للأمن الغذائي لمنطقة القرن الأفريقي التي عانت طويلًا من الجفاف والجوع. وهنا تبرز أهمية الأجندة الدولية على الإقليمية في منظمة الإيغاد منذ البداية، ولكن هذا المنحى لم يجد اعتراضًا من رؤساء دول المنظمة؛ بسبب أن أولوياتهم الأمنية مرتبطة بالمانحين أكثر من مصالح الإقليم الإستراتيجية، وكان ذلك كعب أخيل في موضوع ترقية الأمن الإقليمي. فالأوضاع الاقتصادية والتنموية الصعبة لم تكن أكثر تهديدًا للدكتاتوريات في الإقليم من التحديات الأمنية والعسكرية التي كانت أكثر إلحاحًا، ومتقدمة في سُلّم الأولويات على المجاعة والجفاف. ففي عهد الرئيس السوداني محمد جعفر نميري 1969-1985 اندلع تمرد في جنوب السودان عام 1983 والذي تسبب في سقوط نظامه جزئيًا في 1985. بينما شكلت حركات الكفاح المسلح الصومالية، والإريترية، والأرومية، والتقراوية تحديًا كبيرًا لنظام الزعيم الإثيوبي منغستو هايلي ماريام 1987- 1991 لتنجح في إسقاطه في عام 1991 بعد أن فقد الدعم السوفياتي، وكذلك الرئيس الصومالي محمد سياد بري الذي كان يريد إدخال إصلاحات دستورية لإنقاذ موقفه من تمرد العشائر والحركات المسلحة الصومالية، مما اضطره للتقارب مع غريمه التاريخي منغستو بوساطة إيطالية تحت مظلة منظمة الإيغاد، لكن تلك الاتفاقية لم تنجح، إلا بسقوط سياد بري وهروبه من البلاد بعد أن اقتحمت حركات التمرد البلاد قادمة من إثيوبيا؛ خوفًا من تقارب منغستو مع سياد بري. مع ظهور سياسة الإصلاح والانفتاح في الاتحاد السوفياتي التي انتهت بتفككه في ديسمبر 1991، بدأ نفوذ الولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة لها في الصعود، وكانت أولى الإشارات عندما أعلن الرئيس جورج بوش الأب بعد انتهاء حرب تحرير الكويت، أن نسقًا دوليًا جديدًا يقوم على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية الأقليات قد بدأ يتشكل بقيادة بلاده. كان دلالة ذلك أن قادة في منطقة القرن الأفريقي سرعان ما وجدوا أنفسهم جزءًا من ذلك النسق الدولي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة، وهم الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، وبدرجة أقل رئيس الوزراء الإثيوبي السابق ميليس زيناوي. أما القادة الجدد في السودان بزعامة الرئيس السوداني السابق عمر حسن أحمد البشير 1989-2019 الذي تولى السلطة إثر انقلاب عسكري قادته الجبهة الإسلامية في السودان وظهور الإسلاميين في الصومال تاليًا لدخول قوات محمد فارح عيديد للعاصمة بعد سقوط نظام محمد سياد بري- فقد تم تصنيفهم وفق النسق الجديد دولًا أو جماعات مارقة. وكانت أول محاولة لمواجهة ما اعتبرته أميركا تهديدًا لها في هذا الصدد هو شنها عملية عسكرية في الصومال سُميت إعادة الأمل إلا أنها فشلت وتكبدت فيها الولايات المتحدة خسائر عسكرية كبيرة اضطرت معها للانسحاب والتفكير في طريقة أخرى لمواجهة ذلك الخطر. فكان التفكير في تأسيس قوة أفريقية بموارد أميركية، فوقع الاختيار على الاتحاد الأفريقي والإيغاد كآليات لخدمة المصالح الأميركية والغربية بصورة غير مباشرة، وذلك من خلال ما يعرف بسياسة العصا والجزرة مع استخدام سلاح الإغراء والتمويل، وهنا كانت المعضلة الأولى للأمن الإقليمي- كما تفهمه الدول الغربية- هو شبح الإسلاميين وليس الجفاف والتصحر، ولا جوع شعوب القرن الإفريقي، وهذا كان السبب الأهم في تحول الهيئة الحكومية للتنمية إيغاد من مهمتها في الإنعاش الاقتصادي وإعادة التأهيل التنموي إلى منظمة سياسية لإدارة ملفات الأزمات السياسية في القرن الأفريقي. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/26/%d9%85%d9%86%d8%b8%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%8a%d8%ba%d8%a7%d8%af-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d8%b1%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b5%d9%91%d8%ad%d8%b1-%d8%a5%d9%84%d9%89
https://www.aljazeera.ne…C1080&quality=80
2024-01-26T06:30:38
2024-01-26T07:56:50
مقالات
2,278
أبو عبيدة.. دلالات الحضور والغياب
بعد مرور حوالي أسبوعين، جاء الظهور الإعلامي لـ”أبو عبيدة”، ليبدّد كل تلك المزاعم، ولكن فجّر في الوقت نفسه مزيدًا من الأسئلة عن جدل الحضور والغياب، أو للدقة، عن مبررات الغياب، وموجِبات الحضور.
ثمةَ أسئلة كثيرة تطرح بصدد جدل الحضور والغياب في ظاهرة أبوعبيدة، المتحدث الرسمي باسم كتائب عزالدين القسام. مع طوفان الأقصى كان ظهور أبوعبيدة شبه يومي، لكن مع دخول الحرب مرحلتها البرية، وبداية استهداف شمال غزة، بدأت هذه الوتيرة تتباعد، نسبيًا، إلى أن وصلت لثلاثة أيام. ثم زاد الأمر غموضًا، بعد أن غاب أبوعبيدة حوالي أسبوعين عن المشهد الإعلامي، ليطرح ذلك عددًا من التكهنات، فضلًا عن عدد من الروايات الإسرائيلية التي حاولت أن تجعل من غيابه مؤشرًا على استهدافه، أو محاصرة قيادات الكتائب في خان يونس، ليأتي ظهوره الأخير ليثير الأسئلة مرّة أخرى عن جدل الحضور والغياب. في البدء كانت الوتيرة عادية، وأضحى تباعدها النسبي ثلاثة أيام متفهمًا، إذ تم تفسيره بإكراهات الحرب البرية، والحاجة لجمع المعطيات وترتيبها وتنسيقها، وضمان التوازي بين كلمة أبوعبيدة، وبين التسجيلات المصورة التي تبثّها كتائب القسام، عن اشتباك مجاهديها مع قوات العدو، وآلياته وتحقيقها أهدافًا محققة. لكن تباطؤ هذه الوتيرة، والغياب، الذي طال حوالي أسبوعين، أثارا كثيرًا من الأسئلة، وفتحا المجال لعدد من المزاعم الإسرائيلية، التي تتعلق بسلامته الشخصية أو سلامة عائلته، أو وضعية القيادة، وهو جزء منها في جنوب قطاع غزة، وغيرها من الأسئلة التي لم تقدم المقاومة توضيحًا بخصوصها. في الواقع، كان واضحًا من سلوك حركة حماس، وكتائبها العسكرية، أنها لم تعْتَدْ أن تخفي شهداءها، لاسيما من القيادات، بل كان من نهجها الإعلان عن ذلك، دون أن يشكل لها ذلك أي حرج، بل هي على العكس من الجيش الإسرائيلي- الذي يتعمد إخفاء قتلاه ومصابيه؛ تأمينًا للجبهة الداخلية- تعتبر شهداءها وقودًا لمزيد من الجهوزية والتعبئة العسكرية لمجاهديها. فقد أعلنت عن استشهاد عضو مكتبها السياسي أسامة المزيني أبو همام، وأيضًا قائد قوات الأمن الوطني في قطاع غزة، جهاد محيسن، مع أفراد عائلته في منزلهم أثناء ضربة جوية إسرائيلية بالقطاع، ونعت عضو مجلسها العسكري العام، وقائد لواء منطقة وسط غزة أيمن نوفل؛ إثر قصف صهيوني استهدف مخيم البريج وسط قطاع غزة، ولم تخفِ استشهاد رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني بالإنابة أحمد بحر الذي استشهد متأثرًا بإصابته في قصف إسرائيليّ على قطاع غزة. البعض حاول أن يجعل لهذه القاعدة استثناءً، في مسعى للإقناع بحصول شيء ما لـأبوعبيدة، مستندًا إلى المكانة الرمزية للمتحدّث الرسمي للكتائب، وأن الإعلان عن وفاته أو إصابته، سيشكل صدمة كبيرة في الداخل الفلسطيني وخارجه، وربما يكون لذلك أثر على جهوزية المقاتلين، لكن، خروجه الإعلامي الأخير، بدَّد هذا الاستثناء، وبيّن ألا مستند له إلا الظنون. من المهمّ أن نلاحظ أن التّصريحات المنسوبة لـأبوعبيدة، استمرّت في الظهور مرة كل ثلاثة أيام، لكنها لم تقدم جوابًا عن الغياب. لكن بعد مرور حوالي أسبوعين، جاء الظهور الإعلامي لـأبوعبيدة، ليبدّد كل تلك المزاعم، ولكن فجّر في الوقت نفسه مزيدًا من الأسئلة عن جدل الحضور والغياب، أو للدقة، عن مبررات الغياب، وموجِبات الحضور. المعطيات التي خرجت من قيادات العدو الإسرائيلي بعد إطلالة أبوعبيدة، بخصوص الظروف الناضجة للتفاوض، تؤكد أنَّ حضور أبوعبيدة، يندرج ضمن سياق إدارة التفاوض، وبالأخص مراحله الأولى؛ أي تهيئة أرضيته وبيان شروط حماس إزاءه مضامين الظهور الإعلامي الأخير، لم تختلف كثيرًا عما تضمنته الإطلالات الإعلامية السابقة، لكن المثير فيها، الحديث عن صفقة التبادل، وشروط حماس، مع أن السياق، والأخبار التفصيلية التي تحيط بالحرب، لم تكن، على المطلق، تدعم فرضية وجود محاولة للتفاوض، أو اقتناع إسرائيلي بضرورته، أو حتى وجود ما يبرر تراجع حماس عن قرارها الأخير بألا تفاوض إلا بعد وقف نهائي لإطلاق النار. فكلمة أبوعبيدة، جاءت قبل أن تنطلق بعض التصريحات من بعض وزراء الحرب الإسرائيليين الذين قالوا- وعلى رأسهم وزير الدفاع- إن الظروف قد نضجت لصفقة تبادل. ثمة من فسّر الغياب تفسيرًا عسكريًا، واعتبر أن التدخل العسكري الإسرائيلي في جنوب غزة، ومحاولة تطويق خان يونس- التي تعتبر القاعدة الأساسية لحركة حماس وذراعها العسكرية- كان وراء هذا الغياب المطوّل، وافترض أن تقدير حماس الأمني، قرَّر الاكتفاء بالبيان المكتوب بدلًا عن البيان الصوتي. لكن في الواقع، يصعب قبول هذا التفسير، وذلك لسبَبين؛ الأول أن الفرق بين البيان المكتوب والبيان الصوتي شبه معدوم، فكلاهما يحتاج إلى تحركات ميدانية واسعة لجمع المعلومات من مختلف الجبهات وترتيبها وتنسيقها وتوثيقها، وفي هذه الحالة، فتيسّر البيان المكتوب، ينتج عنه ضرورةً تيسّر البيان الصوتي. ومما يدحض هذا التفسير ثمّة تفسير واحد- ربما كان الأكثر مطابقة للواقع- وهو الذي يعزو الحضور والغياب في ظاهرة أبوعبيدة، إلى طبيعة إحدى الوظائف الإستراتيجية التي كان يقوم بها؛ أي إدارة المعركة الإعلامية، وبشكل خاص، إدارة التفاوض مع الكيان الصهيوني، وذلك في جميع المحطات، عند تهيئة أرضية التفاوض، أو تقوية شروطه، أو التنوير بمضمونه، أو الكشف عن خرق العدو الصهيوني ونقضه التزاماته. وهذا في الوقت الذي يمتنع الإعلام الصهيوني عن تقديم أي معلومة بشأن عملية التفاوض إلى جمهوره. يمكن أن نسجّل أن إطلالات أبوعبيدة، الإعلامية توقفت مباشرة بعد إنهاء الهدنة الإنسانية الممددة، ووصلت المفاوضات في الدوحة إلى طريق مسدود، بعد أن تشبّث الاحتلال بأطروحة أن إخضاع حماس للضغط العسكري، هو ما سيدفعها لخفض سقف مطالباتها في التفاوض استئناف الحرب، وأكَّدت حماس ألا تفاوض إلا بعد وقف إطلاق النار؛ ردًا على رفض شروطها. ربما كان من تقدير حماس أن البيانات المكتوبة المنسوبة لـ أبوعبيدة، واستمرار التوثيق الحي لأداء مجاهدي القسام ضد العدو وآلياته، فضلًا عن الإطلالات الرسمية لقيادات حماس بالخارج أسامة حمدان، يمكن أن يعوض ذلك الوظائف التي كان أبوعبيدة يقوم بها، باستثناء إدارة التفاوض. يؤكد هذا التفسير أن حضور أبوعبيدة، بعد حوالي أسبوعين من الغياب، جاء محملًا بمضمون كثيف حول معادلة فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه، وتكبده خسائر أكثر درامية، في مقابل فتح باب للتفاوض، لكن بشروط المقاومة. ليس معنى هذا التفسير أن عودته رهينة بالعودة مرة أخرى للمفاوضات، حتى يقوم بدوره من جديد في إدارة التفاوض عبر التأثير في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فالأمر في نهاية المطاف هو تفسيري وليس تقديريًا. ففي أي لحظة- ولاعتبارات تخص عناصر في التقدير العسكري والسياسي- يمكن لقيادة كتائب القسام، أن ترى ضرورة لهذه العودة، وذلك حسب سياقات الحرب، والوظائف التي تتطلبها إدارتُها في محطة من المحطات. المعطيات التي خرجت من قيادات العدو الإسرائيلي بعد إطلالة أبوعبيدة، بخصوص الظروف الناضجة للتفاوض، تؤكد أنَّ حضور أبوعبيدة، يندرج ضمن سياق إدارة التفاوض، وبالأخص مراحله الأولى؛ أي تهيئة أرضيته وبيان شروط حماس إزاءه. فكتائب القسام، ربما اعتبرت هذا هو التوقيت المناسب لخروج متحدثها الرسمي، وذلك حتى تؤكد عنفوان المقاومة، واتجاه ضرباتها في سياق تصعيدي أكبر. كما يمكن فهم خروجه كجواب على الاحتلال، بعد أن زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي أن جيشه قتل العديد من قيادات حماس، ويحاصر قيادات أخرى، وهو بصدد القبض على السنوار، وأن على بقية القادة والمقاتلين في صفوف الكتائب الاستسلام للجيش الإسرائيليّ. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/20/%d8%a3%d8%a8%d9%88-%d8%b9%d8%a8%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d8%af%d9%84%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d9%88%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%8a%d8%a7%d8%a8
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2023-12-20T06:06:11
2023-12-20T06:06:11
مقالات
2,279
تحت قصف الصواريخ.. سلام زائف وضمير كاذب
تعد التصريحات التي أدلت بها كل من بريطانيا وألمانيا والدول التي تدعم إسرائيل دون شروط بعد قصف مخيم اللاجئين عروضًا للضمائر الزائفة.
لأول مرة استنكرت أميركا والغرب قصف مخيمات اللاجئين في رفح، وكأن كل ما فعلته إسرائيل قبل ذلك منذ بداية العدوان على غزة أمر طبيعي ومعتاد. لقد بلغَ عددُ القتلى 36 ألف شخص، ومعظمُهم من النساء والأطفال. تعتبر الهجمات التي نفّذتها إسرائيل على المستشفيات تصرفًا غير إنساني، والآن يعبرون عن غضبهم لمقتل 45 شخصًا نتيجة لقصف خيام اللاجئين. يُعتبر هذا التصرف انتهاكًا صارخًا للقيم الإنسانية وعرضًا فظًا للضمير. أحد أكبر مظاهر النفاق يأتي من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي وصف قصف مخيم اللاجئين بأنه خطأ مأساوي. هل لا يُعتبر قصف الأطفال وقتل النساء بالقنابل، واستهداف القوافل الإنسانية، وسيارات الإسعاف، والمستشفيات، والكنائس، والمساجد، مأساويًا؟ الضمير الزائف للقاتل لا يمكن أن يظهر إلا بهذه الطريقة. أما وزير الخارجية الأميركي بلينكن، فقد جلب لنفسه الإحراج. فقد وصف الحادثة أولًا بأنها مروعة، ثم قال إنها هجوم محدود ومركّز على الإرهابيين الذين يقتلون المدنيين، مما يظهر التناقض والمزيد من الفظائع التي ترتكب بحق المدنيين. ماذا يمكن أن نتوقع من شخص لم يبدِ أي رد فعل ليوم واحد على قتل 36 ألف إنسان وجثث الأطفال؟ هل هو عدم الاكتراث أم تحايلٌ على الحقيقة؟ رغم عدة تصريحات من الرئيس الأميركي بايدن تحذر من خطورة هجمات إسرائيل على رفح، فإن صمته كان مُريبًا عندما قامت إسرائيل بقصف مخيمات اللاجئين في رفح، وقتلت المدنيين الذين كانوا يبحثون عن ملاذ آمن. لم يستطع هذا البطل المزعوم لقضايا الإنسانية وقف إسرائيل أو حتى التصدي للقنابل التي تُرسل إليها. وعلى الرغم من تصريحات بريطانيا وألمانيا ودول أخرى التي تُعبر عن دعمها لإسرائيل بدون وضع شروط بعد قصف مخيم اللاجئين، فإن هذه التصريحات لا تُعد إلا عروضًا باطلة للضمائر الزائفة. لا ينبغي الاعتماد على أيٍ منها. بالإضافة إلى تلاعبه بمفهوم الضمير الكاذب، قام الرئيس بايدن بنشر مقترح لوقف إطلاق النار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يبدو وكأنه اهتمام حقيقي بحياة الناس ورغبة في تحقيق السلام. ومع ذلك، يمكننا التعرف على أن هذا المقترح يعد باطلًا، نظرًا لعدم وجود تهديد بفرض عقوبات أو قطع المساعدات العسكرية والنفطية في حال عدم القبول به. لو كان هذا المقترح جادًا، لكان من الممكن رؤية تهديدات حقيقية بالعواقب إذا لم يتم قبوله. ولكن نتنياهو رفضه بسهولة، مما يثير الشكوك حول جدية هذا المقترح. في الواقع، أعلن نتنياهو بوضوح أنه لن يقبل بإنهاء الحرب دون تحقيق أهدافها، وهو موقف أكده في جلسة سرية للكنيست وتم تسريبها عن عمد إلى الصحافة. فما هي تلك الأهداف التي يسعى إليها؟ تتضمن قتل المزيد من الفلسطينيين، وإحداث المزيد من الدمار، والمزيد من التهجير، وزيادة الاحتلال. في هذا السياق، لا يمكن أن تكون هناك أهداف أخرى غير ذلك. بايدن لم يعبر بأي تعليق حول هذا الأمر. بالعكس، هو مستمر في دعم إسرائيل عبر إرسال القنابل التي تسفك دماء الأطفال، ويموّل الطائرات التي تقصف المدن بالوقود. كما أنه يهدّد الدول التي تسعى لفرض عقوبات على إسرائيل. بمعنى آخر، يجب ألا نثق بعروض السلام الزائفة التي تصدر عن إدارة بايدن. من الواضح أن الاستنكار والتنديد لم يعودا كافيَين لمواجهة الظلم والقمع الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. يجب على الدول الإسلامية والعالمية بشكل عام القيام بخطوات عملية وفعّالة لوقف هذه المأساة الإنسانية. أولًا وقبل كل شيء، يجب أن تضغط الدول الإسلامية والعربية بقوة على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات فعّالة ضد إسرائيل، بما في ذلك فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، وقطع العلاقات التجارية والعسكرية. علاوة على ذلك، ينبغي عليها العمل على توجيه الضغط الدبلوماسي؛ لتحقيق إنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. ثانيًا، يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه حماية الفلسطينيين من الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وضمان تقديم العون الإنساني اللازم للمتضررين. وأخيرًا، يجب على المجتمع الدولي العمل على تعزيز الوعي العام بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في فلسطين، وتقديم الدعم للجهود السلمية، وحق تقرير المصير للفلسطينيين، وذلك من خلال دعم الحوار والتفاوض؛ لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/7/%d8%aa%d8%ad%d8%aa-%d9%82%d8%b5%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%86%d8%a7%d8%a8%d9%84-%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%b2%d8%a7%d8%a6%d9%81-%d9%88%d8%b6%d9%85%d9%8a%d8%b1-%d9%83%d8%a7%d8%b0%d8%a8
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-06-06T23:32:09
2024-06-06T23:53:30
مقالات
2,280
أعلام إسرائيل في سماء ساو باولو.. ورسائل الوعيد إلى الرئيس لولا
من الواضح أن بولسونارو، الممنوع من السفر إلى الخارج، كإجراء قضائي احتياطي، أراد قصدًا أن يبعث برسائل لا تخطئها العين إلى حلفائه خارج البرازيل، والتقطتها الصحافة الإسرائيلية على عَجَل واستحسنت معانيها.
بعد مضيّ أسبوع واحد على تصريحات الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، على هامش قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، والتي اتّهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة في قطاع غزة، مشبّهًا ما تقوم به هناك بـ محرقة اليهود، خرج خَصمه الرئيس السابق، جايير بولسونارو وأنصاره في ساو باولو، بمئات الآلاف رافعين عَلَمي البرازيل وإسرائيل، في مظاهرة عارمة، ظاهرها استعراض ودفاع عن شعبية بولسونارو، وباطنها مغازلة إسرائيل وانتقام لها من تصريحات الرئيس دا سيلفا المتتالية. تأتي مظاهرات الأحد الماضي في ساو باولو- العاصمة المالية للبرازيل- في إطار دعوة من الرئيس اليميني السابق بولسونارو لأنصاره للاحتجاج على شروع القضاء البرازيلي في إجراءات استجوابه، فيما يتعلق بتهمة محاولة الانقلاب على نتائج انتخابات خريف 2022 الرئاسية؛ بسبب هزيمته أمام خصمه، الرئيس الحالي لولا دا سيلفا، إضافة إلى عدد من التهم الأخرى تتضمن سوء إدارة أزمة كوفيد- 19، واختلاس هدايا ثمينة من مؤسسة الرئاسة. ورغم أن الرئيس بولسونارو اشترط على أنصاره ارتداء زي منتخبهم الوطني لكرة القدم، وعدم رفع شعارات ضد القضاء، فإنه سمح فقط برفع علم إسرائيل إلى جانب علم البرازيل، وهو ما رأت الصحافة الدولية أنه رسالة مغازلة لإسرائيل حكومةً وشعبًا، كردّ فعل على التصريحات المتتالية للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا ضد إسرائيل، وما تبعها من تصعيد سياسي ودبلوماسي بين البلدين. وتعتبر هذه المظاهرات الأولى من نوعها بقيادة الرئيس السابق بولسونارو، منذ إعلان هزيمته الرسمية في نهاية 2022، ومغادرته البلاد نحو الولايات المتحدة، ثم عودته في ربيع السنة الماضية. ورغم أن التهم الموجهة له ولأسماء نافذة معه من الساحة العسكرية والسياسية والقضائية لاسيما تلك المتعلقة بمحاولة الانقلاب تكاد تكون ثابتة، إلّا أنه ما زال ينتهج هو وبعض منهم، أسلوب الصمت في التحقيقات، ويعتبر من جهته أن ما يقوم به القضاء في حقّه، يدخل في باب الاضطهاد السياسي والملاحقة القضائية. وتجدر الإشارة إلى أن القضاء أصدر منذ بضعة أشهر، حكمًا ضده، يمنعه من الترشح لأي منصب سياسي حتى عام 2030؛ بتهمة بثّ معلومات مضللة، ومن المحتمل أن يُصدِر قريبًا، أحكامًا أخرى. وبالرغم من خطورة التهم الموجهة للرئيس اليميني المتطرف بولسونارو، فإن تحركاته مؤخرًا تعكس ثقة في حظوظ تياره في المناسبات الانتخابية القادمة، وأقربها الانتخابات البلدية التي سيتمّ إجراؤها في أكتوبرتشرين الأول من السنة الجارية. وفي الحقيقة، لا يمكن الاستهانة بنجاعة هذه التحركات في بلد يبلغ عدد ناخبيه 152 مليون شخص، ويتّسم بالانقسام البارز في توجهاته الأيديولوجية، ويكفي الرجوع إلى نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة للوقوف على هذا الانقسام، حيث فاز الرئيس الحالي دا سيلفا في جولة ثانية، بفارق 1.8 فقط على خصمه بولسونارو. إضافة إلى أن توزيع الثقل الحزبي في المشهد الحالي، يؤكد هذا الانقسام، حيث يملك تيار الرئيس السابق بولسونارو، أغلبية البرلمان، ويتقاسم الخصمان تقريبًا، مراكز المحافظات والبلديات، وهو ما يجعل المعارك الانتخابية في البلاد، طاحنة دائمًا. ولاختيار ساو باولو، المدينة الكبرى من حيث عدد السكان في أميركا الجنوبية، ومركز البرازيل المالي، لمظاهرات الأحد الماضي دلالاتٌ من أهمها أن حاكمها، المُحافظ ترسيسيو دي فريتاش، يعتبر أبرز حلفاء الرئيس السابق بولسونارو، حيث إنه عسكري سابق وشغل منصب وزير في حكومته، ثم استقال للترشح للمنصب الحالي، وترجّح بعض الآراء من داخل البرازيل أنه سيكون أحد أسماء بولسونارو لرئاسة 2026، في حال استمرّ منعه هو من الترشح. من الواضح أن بولسونارو، الممنوع من السفر إلى الخارج، كإجراء قضائي احتياطي، أراد قصدًا أن يبعث برسائل لا تخطئها العين إلى حلفائه خارج البرازيل، والتقطتها الصحافة الإسرائيلية على عَجَل، واستحسنت معانيها. حيث تولّى القسّ الإنجيلي سيلاس مالافايا، الذي يحظى بشعبية عارمة في البرازيل وشغل منصب مستشار لبولسونارو، تمويل هذه المظاهرات، حسب الصحافة البرازيلية، وافتتحها بخطاب حماسي يدافع عن صورة الرئيس السابق الذي كان إلى جانبه مع مُحافظ ساو باولو، وشخصيات يمينية أخرى بارزة. وبعيدًا عن الهدف الظاهر لهذه الفعالية، فإن السيدة الأولى السابقة ميشال بولسونارو، التي تعتبر من أشدّ أتباع القسّ الإنجيلي مالافايا، كانت الأكثر صراحة مع جمهور المؤيدين الذين رفعوا علم إسرائيل عاليًا مع علم البرازيل، وانطلقت بصلاة من أجل ضحايا إسرائيل، وواصلت تدعو باكية لمباركة إسرائيل وحمايتها قائلة وسط بحر من الدموع لنبارك إسرائيل، نحبّ إسرائيل، باسم المسيح، آمين، وأردفت تلك الدعوات بتلميحات جعلت الحضور يهتف بسحب الثقة من الرئيس الحالي دا سيلفا، في إشارة إلى غضبهم العارم على مواقفه من إسرائيل. وليس هذا بغريب على السيدة الأولى السابقة، ميشال بولسونارو، التي لا تفوّت أي فعالية إلّا وتُغالي في إظهار دعمها إسرائيلَ، حتى إنها ذهبت في يوم التصويت في الانتخابات الرئاسية الماضية في 2022، وهي ترتدي قميصًا بعلَم إسرائيل، والحال أن المناسبة كانت وطنية. ما لفت اهتمام الصحافة الدولية أيضًا، في مظاهرات الأحد الماضي، وإلى جانب رفع أعلام إسرائيل والاحتجاج على تصريحات الرئيس دا سيلفا الأخيرة، عمّا يحدث في غزة، هي التحية التي بعث بها الرئيس السابق بولسونارو إلى ابنه إدواردو النائب في البرلمان الحالي، والذي حضر بدلًا منه في مؤتمر العمل السياسي المُحافظ الذي انتظم الأسبوع الماضي في واشنطن، وجمع الرئيس السابق الأميركي ترامب ورئيسَي الأرجنتين والسلفادور، ورئيس حزب فوكس اليميني المتطرف الإسباني سنتياغو أباسكال، وأسماء أخرى من الحركات اليمينية. وهي رسائل أثارت حماس الحضور، وجدّدت شعارات التوعّد بدحر الرئيس دا سيلفا في أقرب مناسبة، حتى قبل حلول الانتخابات الرئاسية القادمة. قد يعتبر البعض أن الشجاعة التي اتسمت بها تصريحات ومواقف الرئيس دا سيلفا تُجاه جرائم إسرائيل، لا تعدو أن تُصنّف إلّا في خانة بطولات دون كيشوت، وأن الرجل يريد أن يختم آخر فتراته الانتخابية بحصاد أخلاقي وإنساني مُشرّف، لم يسبقه إليه أحد من رؤساء العالم المعاصرين. بيدَ أن هذه القراءة لا يمكن تصديقها، في ظل وجود تهديدات حقيقيّة قد تعصف بولاية الرجل قبل موعد انتهائها وتقضي حتى على أحلام حزبه وأنصاره، لا سيما أنّ مؤهلات المؤسسة العسكرية واللوبي الإسرائيلي مع القساوسة الإنجيليين قادرون على ذلك. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/27/%d8%a3%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%b3%d8%a7%d9%88-%d8%a8%d8%a7%d9%88%d9%84%d9%88-%d9%88%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-27T05:44:16
2024-02-27T05:45:17
مقالات
2,281
هل تفعلها المحكمة الجنائية الدولية؟
لو صدرت مذكرات اعتقال ضد قادة إسرائيلين، فسيكون ذلك هو الخبر الأهم على الإطلاق منذ قيام دولة إسرائيل التي توصف بأنها دولة محمية من المساءلة وأن قادتها يتمتعون بالمناعة ضد أية ملاحقة.
تناقلت وسائل إعلام متعددة خبر إمكانية قيام المحكمة الجنائية الدولية، بإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين، على رأسهم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وقائد الجيش هاليفي، وذلك على خلفية حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة منذ السابع من أكتوبرتشرين الأول من العام الماضي. ومن المتوقع أن تصدر هذه المذكرات خلال الأيام القليلة المقبلة. ولعل المذكرات فيما لو صدرت سوف تكون الخبر الأهم على الإطلاق، منذ قيام دولة إسرائيل التي توصف بأنها دولة محمية من المساءلة، وأن قادتها يتمتّعون بالمناعة ضد أية ملاحقة. وعلى إثر هذه الأخبار فقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ اجتماعًا طارئًا غير معلن ضم نتنياهو، وكذلك وزير القضاء، ووزير الشؤون الإستراتيجية، وشخصيات مختصة في القانون الدولي؛ لبحث تبعات هذا القرار. كما طالب نتنياهو كلًا من ألمانيا وفرنسا بالتدخل العاجل للضغط على المحكمة الجنائية الدولية؛ لعدم إصدار هذه المذكرات. ومن دون شك فإنّ هذه المذكرات إن صدرت فإنها تعني أن ثمة إدانة معنوية قد أصابت أولئك الذين سوف تشملهم. وتعود الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية على فلسطين للعام 2014. وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، قد زار قبل نحو خمسة أشهر معبر رفح. وقد تعرّضت المحكمة الجنائية الدولية بشكل عام وكذلك مدّعيها العام على وجه الخصوص لانتقادات حادّة؛ لعدم فتح تحقيق فعّال ذي جدوى، وكذلك لعدم إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة متهمين بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة، رغم توفر معطيات ودلائل ذات مصداقية توفر الركن المعنوي من خلال تصريحات، وكذلك الركن المادي، بخلاف السرعة اللافتة بملف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مارس آذار 2023، وكذلك ملف السودان، وإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني السابق عمر البشير مارس آذار 2009. لو صدرت مذكرات اعتقال ضد قادة إسرائيلين، فسيكون ذلك هو الخبر الأهم على الإطلاق منذ قيام دولة إسرائيل التي توصف بأنها دولة محمية من المساءلة وأن قادتها يتمتعون بالمناعة ضد أية ملاحقة إن الشكوك التي تحيط بالمحكمة الجنائية الدولية كثيرة، وإن القضايا التي تناولتها تركّزها الجغرافي في أفريقيا أو دول العالم الثالث، واستثناء قادة دول غربيين تعزز هذه الشكوك. وإن المحكمة مطالبة اليوم بأن تثبت للرأي العام العالمي أنها هيئة قضائية محترمة جادة ومهنية. تعتبر المحكمة الجنائية الدّولية التي بدأت عملها عام 2002 أداة قانونية مهمّة قادرة على محاسبة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم دولية خطيرة. لكن الإرادة الدولية التي أنشأت هذه المحكمة لم تتوفر بعد لتحقيق العدالة المرجوة. وإن فاعليتها تعتمد بشكل كبير على تعاون ودعم الدول الأطراف في نظام روما الأساسي لعام 1998. كما أن الموضوعية والمهنية والشفافية التي يجب أن تتمتع بها المحكمة والتي تؤدي لكسب ثقة العالم وهو ما يعزّز من مصداقيتها ويقوّي من موقفها كهيئة قضائية دولية؛ بأنه لا أحد فوق القانون بغض النظر عن جنسيته أو مسؤوليته السياسية لم توجد بعد. لماذا القلق الإسرائيلي؟ عقد نتنياهو لقاءات خاصة مع وزراء ومستشارين لبحث السيناريوهات المتوقعة، كما أوعزت الخارجية الإسرائيلية لسفرائها في العالم بالاستنفار؛ للدفاع عن سلوك حكومتها وجيشها، كما طلبت بشكل مباشر من حكومات الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، ممارسة ضغوط؛ لعدم صدور مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين. ومع أن إسرائيل لا تلقي بالًا للقانون الدولي، ولا تحترم القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية المتعلقة بالحرب على غزة، فإن ثمة قلقًا إسرائيليًا، لدرجة الفزع، نابعًا من عدة أمور إن حالة الغضب العالمي لا سيما الحراك في الجامعات الأميركية، ثم انتقاله لجامعات في أوروبا أمرٌ لا يمكن تجاوزه بسهولة، ولا بد أن يُحدث أثرًا لدى صانع القرار الغربي الذي يشعر أن سلوك إسرائيل بات يشكل عبئًا حقيقيًا على السياسة العالمية، وبنفس القدر على الأوضاع الداخلية، لا سيما الانتخابات. هذا الغضب يمكن أن يوفر بيئة ضاغطة إضافية على المحكمة الجنائية الدولية؛ كي تصدر مذكرات اعتقال؛ انطلاقًا من مسؤولياتها القانونية، وحفظًا لماء الوجه بعد الانتظار وقتًا طويلًا. وفي هذا الإطار، فإن المحكمة بحاجة لفلسطين، كما أن فلسطين بحاجة للمحكمة. إن مشاهد الاحتجاجات العارمة في العالم ضد جرائم الإبادة في قطاع غزة، تشبه إلى حد بعيد تلك الاحتجاجات التي ساهمت في وقت سابق بإسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وهي تعد بمثابة مؤشرات قوية لبداية فرض عزلة دولية على إسرائيل. هل تتهرب إسرائيل من خلال مبدأ التكامل القضائي؟ إن الحديث عن إصدار مذكرات اعتقال لقادة وضباط إسرائيليين متّهمين بارتكاب جرائم دولية، يدفع هؤلاء، وبتوجيه من حكومتهم، للاستعانة بمحامين، للترافع عنهم أمام القضاء الدولي من جهة، وتمثيلهم أمام لجان تحقيق داخلية من جهة أخرى. هذا السلوك الإسرائيلي تكرر في أكثر من جريمة ارتكبها الاحتلال خلال حروب سابقة صبرا وشاتيلا عام 1982، ثم 2018، 2012، 2014..، وهو محاولة للهروب من التحقيق الدولي. ولكن من المهم التأكيد أن التحقيق الداخلي لا يعني بالضرورة نهاية القضية، أو إلغاء الحاجة لتحقيق دولي، خاصة في القضايا التي تتعلق بجرائم جسيمة، مثل الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الحرب، خاصة إذا لم يكن التحقيق الداخلي كافيًا أو كان غير فعَّال. من المتوقع أن تصدر مذكرات اعتقال بحق طرفي الصراع حماس وإسرائيل. هذا الافتراض مبنيّ على سياق اعتادت عليه المؤسسات الدولية التوازن، فلم يصدر أي تقرير دولي إلا وأدان المقاومة الفلسطينية بنفس القدر الذي أدان به إسرائيل وربما أكثر. ومن المرجح أن يكون إدراج قادة المقاومة إن تم من باب ادعاء التوازن والحيادية؛ ولكن من الناحية العملية فإن الأهمية سوف تكون صفرية قياسًا على قرارات تجميد حسابات مالية لبعض قادة المقاومة في السابق أبوعبيدة على سبيل المثال، وبخلاف ذلك فإن مذكرات الاعتقال بحق قادة إسرائيليين سوف تكون ذات تأثير كبير، وسوف تضيّق عليهم حركاتهم وعلاقاتهم بشكل مباشر، وكذلك على مستقبلهم السياسي حاليًا، والشخصي بعد التقاعد، حيث يسعى الكثير من الضباط والقادة السياسيين لبناء حياة تجارية جديدة في أوروبا. خلاصة القول؛ هو أن تصدر مذكرات اعتقال بحق أحد من العالم العربي والإسلامي أو دول العالم الثالث فهذا أمر متوقع، وأن تدرج الدول الغربية قيادات على لوائحها فهو أمر غير مستغرب، ولكن الجديد أن تصدر مذكرات اعتقال بحق قادة الاحتلال، وأن يُطلَب قادته السياسيون والعسكريون للمحاكمة كمجرمين، فهذا أمر لم يدر في خلد أحد منا أو منهم. وإذا تم هذا ولم تنجح الضغوط في ثني المدعي العام الذي تباطأ كثيرًا، فهو نصر عظيم. تخيلوا أن يُحاصر نتنياهو وقادة الإجرام ولا يستطيعون السفر، ويُنظر لهم كمجرمي حرب، وللاحتلال كمن خرج عن الشرعة الدولية التي رعته وأنشأته الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/1/%d9%87%d9%84-%d8%aa%d9%81%d8%b9%d9%84%d9%87%d8%a7-%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-05-01T10:14:24
2024-05-02T09:35:55
مقالات
2,282
خطة نتنياهو لليوم التالي في غزّة.. وصفة لحرب إقليمية شرسة
المعالم الأساسية الواردة في خطة نتنياهو لا يتم الشروع بها إلا بعد تحقيق أهداف العدوان على غزة، والتي أكّدها نتنياهو مرارًا منذ إعلان الحرب على القطاع، وهي: تدمير القدرات العسكرية لحركة حماس.
كشف بنيامين نتنياهو عن خُطته لليوم التالي بعد الحرب على غزة، أثناء انعقاد باريس 23 فبراير شباط لبحث وقف إطلاق النار المتعثّر مساره منذ أسابيع، وبعد أربعة أشهر من السؤال الأميركي عن خطة إسرائيل بشأن مستقبل قطاع غزة. وهو السؤال ذاته الذي كرّره العديد من المسؤولين الإسرائيليين، وفي مقدّمتهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي الذي اعتبر عدم الإفصاح عن أهداف واقعية للتنفيذ، سيُفقد الجيش قدرته على إنجاز المهمّة، فهو يرى أن الجيش يُقاتل وينجز تكتيكيًا، ولكنه غير قادر على توظيف إنجازاته إستراتيجيًا في غياب الرؤية السياسية لليوم التالي. جاءت الخطة التي عرضها بنيامين نتنياهو على أعضاء حكومته، بالعديد من التفاصيل الخاصّة بمستقبل قطاع غزة، ومن أهم معالمها علاوة على ذلك، تقوم إسرائيل بنزع السلاح من قطاع غزة، وتجرّده من أي قدرة عسكرية، باستثناء ما هو مطلوب لحفظ الأمن العام. وفي هذا السياق تتحدث الخطة؛ عن إغلاق وكالة الأونروا، واستبدالها بوكالات معنية بالمساعدات الإنسانية. أما بالنسبة لإعادة إعمار قطاع غزة، فتنصّ الخطة على تمويل وإدارة الإعمار من قبل دول فقط مقبولة إسرائيليًا، على ألا يبدأ الإعمار إلا بعد الانتهاء من نزع السلاح واجتثاث التطرف. تلك المعالم الأساسية الواردة في خطة نتنياهو لا يتم الشروع بها أو الانتقال إليها إلا بعد تحقيق أهداف العدوان الجاري على غزة، والتي أكّدها نتنياهو مرارًا منذ إعلان الحرب على قطاع غزة، وهي تدمير القدرات العسكرية والبنية التحتية السلطوية لحركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، وإطلاق كافة الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، ومنع أي تهديد مستقبلي لإسرائيل من القطاع. بالوقوف على تلك التفاصيل وغيرها من المواقف المعلنة والسياسات الجارية على أرض الواقع في الضفة والقطاع والقدس، يمكن ملاحظة ما يلي أولًا الخطة ترفض وجود مرجعية فلسطينية بما فيها السلطة الفلسطينية القائمة بموجب اتفاقيات أوسلو، كما ترفض وجود أيّ أطر تمثيلية مدنية أو سياسية منبثقة عن الشعب الفلسطيني، وكل ما هو مسموح به روابط مدنية مبنية على أشخاص يختارهم ويعيّنهم الاحتلال وفق معاييره؛ بهدف تغييب الهُوية الوطنية والتمهيد لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية كليًّا، بعد السيطرة عليه وإعادة احتلاله. ثانيًا إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية كمخرج سياسي لوقف إنهاء الصراع، وإلغاء حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بموجب القوانين الدولية، وهذا يتّسق مع ما يسمى قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل، الصادر عن الكنيست في العام 2018، والذي يشير إلى وجود شعب واحد على أرض فلسطين التاريخية، وهو الشعب اليهودي فقط، وهو من يحق له تقرير المصير. وهذا ما أكّدته أيضًا تصريحات نتنياهو والعديد من وزرائه خلال الأسابيع والأيام الأخيرة، برفض وجود دولة فلسطينية، ليس في غزة فقط، وإنما في الضفة أيضًا باستخدام نتنياهو صيغةَ إسرائيل لن تتخلى عن سيطرتها الأمنية الكاملة على الأراضي الواقعة غرب الأردن الضفة الغربية. ثالثًا المفاوضات السياسية؛ ستكون بين طرفين ودون شروط مسبقة؛ بمعنى حذف مرجعيات القانون الدولي والقرارات الدولية ذات الصلة، والمبادرة العربية للسلام، أو أي معايير وقواعد ناظمة للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين؛ أيْ أن إسرائيل المحتلة تريد أن تستفرد بالفلسطينيين لتُملي عليهم، وترسم لهم ملامح الحل النهائي وفق منطق القوة المنتصرة الفارضة لإرادتها على المهزوم سياسة الأمر الواقع، وهذا يلتقي مع فكرة إنهاء الهُوية الوطنية للفلسطينيين كشعب، ومنحهم حكمًا ذاتيًا في الضفة والقطاع كأقلية تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة. رابعًا التمهيد لإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين المكفول بالقرار 194، عبر إلغاء وكالة الأونروا القائمة بموجب القرار الأممي رقْم 302، واستبدالها بوكالات دولية أخرى، وليس من المستبعد أن تكون إحدى تلك الوكالات هي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، المعنية بحماية اللاجئين والنازحين قسرًا، والأشخاص عديمي الجنسية، للعمل على إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين الذين بلغ عددهم 7 ملايين 50 من الشعب الفلسطيني، في إطار تصفية القضية الفلسطينية. خامسًا إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني، ليكون محبًّا للاحتلال وقابلًا للعبودية في دولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية، وإقناع الفلسطينيين وتربية أطفالهم على كراهية المقاومة والحرية التي تعدّ ترفًا مضرًا بالمجتمع والصحة العامة، وعليهم أن يحذروا؛ فإن لم يُقنِعوا أنفسهم بذلك فلا يوجد إعمار ولا إعادة إعمار في قطاع غزة حسب شروط خطة نتنياهو، وسيبقون مشرّدين بائسين بلا مأوى. تلك الخطة مَبنية على فرضية حاسمة، وهي الانتصار الساحق لإسرائيل المحتلة في العدوان الجاري على قطاع غزة، وقدرتها على تحقيق كامل أهدافها المعلنة، وهذا أمر مشكوك فيه إلى حد بعيد، فما زالت المقاومة فاعلةً ونشطةً، كما أنَّ مستوى أدائها وتحكّمها في المشهد عالٍ ومؤثر. وهو ما دفع العديد من الضبّاط الأميركيين والإسرائيليين إلى التشكيك في إمكانية إحراز النصر الحاسمالمطلق في غزة، وفي مقدمتهم عضو وزارة الحرب الإسرائيلية غادي آيزنكوت رئيس أركان سابق لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي شكّك في رسالته إلى أعضاء الحكومة قبل أيام، بإمكانية النصر المطلق وفق اصطلاح نتنياهو. وهو أيضًا ما أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز 23 فبرايرشباط، نقلًا عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين بأنه ما زال لدى حماس في شمال قطاع غزة نحو 5 آلاف مقاتل، وبأن أغلبية أنفاقها سليمة. الأمر الآخر، إلغاء الخطّة لفكرة الدولة الفلسطينية وحق تقرير المصير، يضع إسرائيل في مواجهة الأصدقاء قبل الأعداء. فالأوروبيون والأميركيون رغم انحيازهم، لن يستطيعوا الترويج أو الدفاع عن هذه الخطة؛ لأنها وصفة لصبّ الزيت على النار في المنطقة، بإغلاقها الأفق السياسي للحل، ما يعني أن البديل هو التصعيد في فلسطين وعموم المنطقة. علاوة على أنها ستغلق الباب أمام واشنطن للترويج لفكرة التطبيع في ظل غياب فكرة الدولة الفلسطينية التي أصبحت استحقاقًا ملحًّا بعد السابع من أكتوبرتشرين الأول طوفان الأقصى، وهو ما أكدته الرياض في مواقفها الأخيرة؛ أنه لا تطبيع بدون أفق سياسي لدولة فلسطينية، وهذا ما سيُحرج الدول العربية، وخاصة المطبّعة منها أمام شعوبها المقبلة على شهر رمضان، الذي قد يتحوّل إلى مناسبة رافعة لمستوى الاحتجاج ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، إن بقي الاحتلال على تعنّته وغطرسته وعدوانه على قطاع غزة. أيضًا، تنكُّر الاحتلال لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وسعيه لإلغاء الأطر السياسية والمدنية الوطنية الممثّلة للشعب الفلسطيني، سيكون ذلك مدعاة لوَحدة الفلسطينيين في الضفة والقطاع والخارج على اختلاف مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية، في مواجهة الاحتلال الساعي لإلغاء وتصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وذلك بكافة الوسائل وفي مقدمتها القوّة الخشنة. وفي هذا السياق، يبرز السؤال بشأن فرضية انفلات الوضع الأمني من يد الاحتلال في عموم الضفة الغربية، لا سيّما إذا شعر الضباط والجنود من منتسبي الأجهزة الأمنية 60 ألف عنصر مسلح، بانسداد الأفق السياسي واندثار مسار التسوية، وبأن البديل القادم هو الاستيطان والتهجير من الضفة، كما يروّج له اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة وزير الأمن القومي بن غفير، ووزير المالية سموتريتش، فهل سيقف أولئك متفرّجين، أو حراسًا للاستيطان والمستوطنين؟ خلاصة القول؛ خطة بنيامين نتنياهو، عكست في مفرداتها جوهر الاحتلال وحقيقة سياساته الاستعمارية الإمبريالية العنصرية الفاشية، الذي استطاع طوال عقود مضت تجميلها بمساحيق السياسة والعلاقات العامة، إلى أن جاءت ضربة السابع من أكتوبرتشرين الأول، فكشفت سوءة الاحتلال وغطرسته واستعلاءه على البشرية والقيم الإنسانية. ما أدى لسقوط سردية الاحتلال واتساع نطاق عزلته أمام العالم، لا سيّما بعد مطالبة أغلب الدول بوقف إطلاق النار والعدوان على غزة، وفتح الممرات الإنسانية فورًا بالتصويت في مجلس الأمن الدولي لـ 3 مرات، استخدمت فيها واشنطن حق النقض الفيتو. وكان آخرها الاعتراض على مشروع القرار الجزائري الأسبوع الماضي 20 فبراير شباط، مع الإشارة إلى تمكّن الجمعية العامة للأمم المتحدة 13 ديسمبر كانون الأول 2023، من إصدار قرار بالدعوة لوقف إطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية بموافقة 153 دولة، ومعارضة 10 دول فقط. هذا في وقتٍ بدأت تشعر فيه الدول الأوروبية والصديقة لإسرائيل، بالحرج أمام الرأي العام المحلي والدولي الساخط على الاحتلال وداعميه في هذه الحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني المطالب بالحرية كما تجدُ صعوبة في الدفاع عن إسرائيل وانتهاكاتها الفاضحة لحقوق الإنسان، ما جعل العديد منها يأخذ مسافة من الاحتلال باستنكار جرائمه ضد الأطفال والمدنيين العزّل في قطاع غزة 100 ألف بين شهيد وجريح حتى اللحظة، والتي أفضت لمثول إسرائيل المحتلة أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية. حالة التعالي والشوفينية والغطرسة لدى قادة الاحتلال الإسرائيلي- وعدم اكتراثهم بتوجّهات المؤسسات الدولية بما فيها الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، وضعف الموقف الأوروبي وانحياز واشنطن التي ما زالت ترى في القضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية هدفًا لا بد من تحقيقه لإزالة العائق أمام إعادة رسمها مستقبلَ القضية الفلسطينية والشرق الأوسط بقيادة إسرائيل القوية حَمَلت بنيامين نتنياهو على إشهار خطته لليوم التالي في غزة، والتعبير عن نظرته للمستقبل بالتأصيل لفكرة الحسم في الصراع على قاعدة نكون أو لا نكون، ما يأخذ المنطقة عَنوة إلى احتمالات أكثر تعقيدًا وصعوبة من الواقع الحالي، الذي قد يتطور إلى حرب إقليمية يصعب التنبّؤ بمآلاتها. وذلك بعكس ما تشتهيه واشنطن وتخطط له إسرائيل، بعد أن فرضت القضية الفلسطينية نفسها بقوّة على جدول أعمال الإقليم والمؤسسات الدولية، وأصبحت قضية ذات أبعاد وتأثيرات جيوسياسية خطرة في البحرَين الأحمر والمتوسط، وعموم الشرق الأوسط. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/27/%d8%ae%d8%b7%d8%a9-%d9%86%d8%aa%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%87%d9%88-%d9%84%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d9%88%d8%b5%d9%81%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-02-27T07:35:06
2024-02-27T07:45:39
مقالات
2,283
لماذا تعمد إمام أوغلو التطاول على حماس؟
الغريب والمثير للدهشة في موقف إمام أوغلو وحزبه أنهم اعتبروا حماس منظمة إرهابية، بينما لا يرون غضاضة في عقد تحالف انتخابي مع حزب يتهمه القضاء التركي رسميًا بالتعاون مع عناصر مسلحة خارجة على القانون.
في تصريحات له على قناة سي إن إن إنترناشيونال أعلن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو أن ما قامت به حماس يوم السابع من أكتوبرتشرين الأول هو عمل إرهابي، وأن أي كيان يقوم باستهداف المدنيين وذبحهم هو منظمة إرهابية من وجهة نظره، وهي التصريحات التي تصدرت العناوين الرئيسية للصحف الإسرائيلية، وأفردت لها وسائل إعلام الكيان الصهيونيّ المسموعة والمرئية مساحات واسعة من ساعات بثّها. تصريحات إمام أوغلو أدّت في الوقت نفسه إلى اشتعال حرب إعلامية واسعة النطاق داخل تركيا، حيث رحّب بها التيار المؤيد له، إذ حاول بعضهم الدفاع عنه، وعن موقفه من الحرب على غزة، عبر تقديم تفسيرات وتحليلات لما قصده وما عنيه بكلماته، التي فُهمت وفق طرحهم- على غير المراد منها، بل وسعوا جاهدين لتبرير ما ذهب إليه في تصريحاته، بل ونفي توصيفه حماس بأنها منظمة إرهابية، وأن التوصيف كان على الفعل وليس الفاعل. بينما رفض التياران القومي والإسلامي كل ما تفوّه به إمام أوغلو، معلنين عن الغضب من تخطي الرجل حدود منصبه ووظيفته التي اختير من أجلها كرجلٍ خدمي لا سياسيٍّ، وبالتالي كان عليه الاحتفاظ بوجهة نظره لنفسه ولا يخرج بها هكذا إلى العلن. الحرب المشتعلة بسبب هذه التصريحات لم تتوقف عند هذا الحد، بل تخللتها تصريحات أدلى السياسيون والحزبيون على اختلاف توجهاتهم الأيديولوجية بدلوهم فيها، منهم من عبّر عن أسفه لصدور مثل هذه التصريحات من أحد المسؤولين داخل تركيا، حتى وإن كان مسؤولًا خدميًا لا علاقة له بالسياسة العامة للدولة. ومنهم من اعتبر تصريحاته مسيئة تستوجب الاعتذار لكل من الشعبَين الفلسطيني والتركي، وهناك من شن عليه هجومًا شديدًا، واصفًا إياه بصديق إسرائيل في تركيا، وفريق آخر اعتبر الأمر برمته زلة لسان، وخطأ غير مقصود. وبغض النظر عن التبريرات التي أطلقها مؤيدوه أو الهجوم الذي شنه معارضوه، يبدو أن الرجل قرر المضي قدمًا في خططه الرامية إلى إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2028، وأنه بهذا التصريح يدشّن على ما يبدو حملته الانتخابية. وذلك بعد أن حقق فوزًا في الانتخابات المحلية، واستطاع الاحتفاظ بمنصبه كرئيس لبلدية إسطنبول الكبرى للسنوات الخمس المقبلة، وهو الفوز الذي لم يكن هو نفسه يتوقعه بعد فشله في إدارة المدينة، وزيادة حجم معاناة قاطنيها نتيجة قراراته المتضاربة. وفي سبيل تحقيق هذه الرغبة قرر البدء مبكرًا بإطلاق حملته، مستغلًا الأحداث الجارية، والاختلاف الواضح في وجهات النظر تجاه أحداث غزة بين الدولة التركية والدول الغربية، إذ من الواضح للعيان أنه يستهدف بهذا التصريح التقرب من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية تحديدًا من خلال تبنيه وجهة نظرها بشأن القضايا الدولية والإقليمية، وإعلانه السير على دربها حتى وإن خالف هذا الدرب توجهات السياسة الخارجية التركية في مجملها. وهو بهذه التصريحات المسيئة التي أطلقها بشأن حماس أراد تقديم نفسه للغرب على أنه رجلهم المنشود الذي يمكن أن يكون الشخص المناسب لخلافة أردوغان في حكم تركيا، وأنه يمثل بالنسبة لهم الخيار الأمثل، الذي يؤمن بتوجهاتهم، ويتبنّى وجهات نظرهم، ويسعى لتحويل بوصلة السياسة الخارجية في الاتجاه الذي يريدونه ويطمحون إليه. وذلك بهدف ضمان دعمهم له لتحقيق رغبته في تبوُّؤ منصب الرئيس والعودة بقاطرة البلاد والعباد إلى مرحلة التبعية، والسير على النهج الذي يريدونه، من خلال تنفيذ توجهاتهم، وتبني وجهات نظرهم، والالتزام بتعليماتهم، وهذا لن يتأتى بطبيعة الحال إلا من خلال إصداره التصريحات التي توافق هواهم، وتنال رضاهم، وتضمن دعمهم له في معركته المنتظرة. نسي إمام أوغلو في خضم محاولاته استرضاء الغرب وواشنطن بوصف حماس بالمنظمة الإرهابية، أنه لم يجرؤ على وصم الكيان الصهيوني بنفس الصفة، الذي ارتكب منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول مذابح وحشية، وشن حرب إبادة جماعية ضد المدنيين، وقتل أكثر من أربعة وثلاثين ألفًا، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ودمر المدارس، والمستشفيات، والجوامع والكنائس، وحتى المخيمات على رؤوس قاطنيها. وأن حماس ومقاتليها في كتائب القسام هم من يتصدون لهمجية الاحتلال، ويقومون بالدفاع عن الشعب الفلسطيني ومحاولة استعادة حقوقه المهدرة من الكيان المحتل، الذي يمارس أبشع أنواع الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، مستخدمًا جميع الأسلحة المحرمة دوليًا بما فيها سلاح التجويع. ولعل التساؤل الذي يجب أن يوجه لرئيس بلدية إسطنبول وحزبه الشعب الجمهوري الذي يتبنّى نفس وجهة النظر، التي ترى أن أي تنظيم يقتل المدنيين هو منظمة إرهابية، لماذا لم تقوموا باتهام إسرائيل بأنها دولة إرهابية على خلفية تسببها في استشهاد أكثر من أربعة وثلاثين ألف مدني في غزة منذ اندلاع المواجهات في السابع من أكتوبرتشرين الأول الماضي فقط، واستخدامها الغذاء سلاحًا لقتل الأطفال وسكان غزة، خلافًا لكافة الأعراف الدولية. نسي إمام أوغلو وحزبه أن مصطفى كمال أتاتورك قام خلال حرب الاستقلال بتنظيم المقاومة الشعبية ضد قوات الاحتلال، وأنشأ تنظيمًا مسلحًا لم تعترف به الحكومة العثمانية آنذاك نتيجة لضغوط بريطانيا، واعتُبر التنظيم في نظر الجميع إرهابيًا، وهو نفس الموقف الذي تواجهه حماس اليوم من جانب حكومة محمود عباس، التي لا تدعم حماس، ولا ترى فيما تقوم به نضالًا ضد الغاصب المحتل. فلو كان أكرم إمام أوغلو وقادة حزب الشعب الجمهوري موجودين أيام أتاتورك الذي يفتخرون بأنهم حزبه، ويدينون له بالولاء، ويقدسون نهجه السياسي، ويعتبرونه نبراسًا يضيء لهم الطريق، فهل كانوا سيعتبرونه مناضلًا أم كانوا سينظرون له على أنه ورفاقه إرهابيون كما هي نظرتهم لحماس الآن الغريب والمثير للدهشة في موقف إمام أوغلو وحزبه أنهم اعتبروا حماس منظمة إرهابية، بينما لا يرون غضاضة في عقد تحالف انتخابي مع حزب يتهمه القضاء التركي رسميًا بالتعاون مع عناصر مسلحة خارجة على القانون، وبأنه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربًا انفصالية ضد الدولة التركية منذ عقود مضت، وسقط بسببها العديد من المدنيين الأتراك أخطأ إمام أوغلو حينما قرر الزجّ بنفسه في أحداث سياسية خارجية، والخوض فيها بتصريحات تمثل وجهة نظره الشخصية، التي تخالف في مجملها توجهات الدولة التركية المعلنة رسميًا، حتى وإن اختلف معها، فمنصبه كرئيس لبلدية إسطنبول هو منصب خدمي في المقام الأول، وكان يجب عليه الالتزام بما يمليه عليه هذا المنصب، ولا تخرج تصريحاته عن حدود تلك الوظيفة، حتى وإن كان الدافعُ وراء هذا السلوك أسبابًا سياسية، فهي تخصّه وحده. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/2/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d9%85%d8%af-%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a3%d9%88%d8%ba%d9%84%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b7%d8%a7%d9%88%d9%84-%d8%b9%d9%84%d9%89
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-05-02T10:21:32
2024-05-02T10:21:32
مقالات
2,284
هجوم موسكو.. رحلة أفكار تنظيم الدولة من قرية مصرية إلى العالمية
تدرك موسكو أن التنظيم، حتى ولو كان هو المنفذ فعلًا لكنه مخترق أمنيًا من قبل أجهزة الاستخبارات العالمية، ويتم توظيفه بشكل رئيسي وأساسي لخدمة الأجندات العالمية كما حدث في سوريا، والعراق، وإيران، وغيرها.
من جديد يطلُّ علينا تنظيم الدولة الإسلامية، الذي اقترن اسمه بالعمليات الإرهابية، وذلك عقب إعلانه مسؤوليتَه عن الهجوم الذي استهدف مركز كروكوس سيتي هول التجاري بضواحي موسكو، مساء الجمعة، وخلف عشرات القتلى والمصابين. الصور المبثوثة، وشهادات الناجين، أكدت حرص المهاجمين على إيقاع أكبر قدر من الضحايا، من خلال إطلاق النار عشوائيًا دون تمييز على رواد حفل موسيقي لإحدى فرق الروك، وإشعال النار في المسرح بواسطة قنبلة أو إلقاء مواد سريعة الاشتعال. الحادث وصفه محللون روس بأنه بمثابة هجوم 11 سبتمبرأيلول جديد، لكن هذه المرة ضد روسيا، التي تخوض حربًا طاحنة ضد أوكرانيا وحلفائها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة. سارع تنظيم الدولة إلى إعلان مسؤوليته عن الهجوم، بعد وقت قليل من حدوثه، إذ نشرت وكالة أعماق القريبة من التنظيم، تصريحًا نسبته إلى مصدر أمني يؤكد فيه أن مقاتلي الدولة الإسلامية استهدفوا تجمعًا لـ النصارى في ضواحي العاصمة الروسية، وأنهم انسحبوا إلى قواعدهم بسلام. لكن روسيا التي خبرت التنظيم جيدًا في سوريا، وتعلم كيف تم توظيفه هناك؛ لضرب ثورة الشعب السوري، شككت في البيان، وقالت؛ إنه لا يعكس الحقيقة. إذ تدرك موسكو أن التنظيم، حتى ولو كان هو المنفذ فعلًا، لكنه مخترق أمنيًا من قبل أجهزة الاستخبارات العالمية، ويتم توظيفه بشكل رئيسي وأساسي لخدمة الأجندات العالمية، كما حدث في سوريا، والعراق، وإيران، وغيرها. فقبل أيام أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم انتحاري قرب أحد المصارف في ولاية قندهار الأفغانية، خلَّف ستة وعشرين قتيلًا. هجوم موسكو أثار تساؤلات مشروعة بشأن أهداف التنظيم من وراء تلك العملية، أو أهداف من وظّفه لتنفيذها. لكن قبلها دعونا لنلقي نظرة سريعة على أفكار التنظيم، وكيف تحوّلت في فترة وجيزة إلى أفكار عابرة للقارات. ربما لا يعلم كثيرون أن الحمولة الفكرية التي يتحرك بها التنظيم، بدأت في التبلور في قرية كحك الصغيرة بمحافظة الفيوم، حيث أسس شخص يدعى شوقي الشيخ تنظيمًا عمد إلى استحلال أموال الناس؛ بدعوى عدم ثبوت عقد الإسلام لهم. لكن أجهزة الأمن المصرية تمكنت عام 1990 من قتله ومعه مجموعة من أتباعه عقب اقتحام القرية، واعتقلت آخرين، فيما عرف حينها إعلاميًا بقضية الشوقيين. برحيل شوقي الشيخ، آلت الزعامة الفكرية والتنظيرية إلى حلمي هاشم، الذي كان يعمل قبلها ضابطًا في وزارة الداخلية، ووصل حتى رتبة عقيد في مصلحة السجون، قبل أن يفتضح أمره، ليتم اعتقاله عام 1982 على ذمة تنظيم الجهاد، ليفصل على إثرها من الخدمة. بعد ترك العمل في وزارة الداخلية، أسس حلمي هاشم مكتبة في القاهرة، وبدأ في نشر مؤلفاته تحت اسم مستعار شاكر نعم الله، والتي ضمّنها توجهه الفكري الجديد، حيث يعدّ المنظّر الفعلي والأهم للجماعة، التي عرفت إعلاميًا بـ التوقف والتبين، حيث طور أفكارَها، وتوسع في تقعيد مسائلها. تركزت أفكار حلمي هاشم حول التوقف في الحكم بإسلام الناس حتى ولو وُلدوا ونشؤُوا في مجتمعات مسلمة ومن أبوَين مسلمين، حتى يتبين إقرارهم بالتوحيد وتكفير الطواغيت ومرتادي الأضرحة.. إلخ. وهو هنا يخالف أفكار جماعة التكفير والهجرة التي أسسها شكري مصطفى في سبعينيات القرن الماضي، والتي كانت تحكم بكفر المسلمين بالإصرار على المعاصي، وموالاة الحكام الممتنعين عن تطبيق شرائع الإسلام. هذه الأفكار التكفيرية، كانت بمثابة الحمولة الفكرية لتنظيم الدولة عقب انفصاله عن تنظيم القاعدة، حيث أشارت تقارير صحفية إلى أن هاشم كان يتمتع بمكانة شرعية متميزة في التنظيم، وكان مقربًا من زعيمه السابق، أبوبكر البغدادي، ومن خلال تلك المكانة تمكّن من نشر أفكاره داخل التنظيم. ورغم هذا الحضور الفكري المصري في التنظيم، سواء من هاشم أو بعض الشرعيين الآخرين، فإن المفارقة أن الدول الأكثر مدًا للتنظيم بالرجال، كانت تلك التي تصنف بالعلمانية مثل تونس والدول الإسلامية في آسيا الوسطى، والجمهوريات المسلمة في الاتحاد الروسي، والجيل الجديد من مسلمي أوروبا، الذي ولد وتربى هناك خاصة في فرنسا لكن هل تتيح مثل هذه الأفكار الشاذة للتنظيم فرصة الانتشار والتمدد في رقعة جغرافية تمتد من آسيا إلى أفريقيا وصولًا إلى أوروبا مرورًا بالشرق الأوسط؟ بالطبع لا. هنا لا بد من توفر روافع استخباراتية عالمية لديها القدرة على توفير البيئات الملائمة للانتشار سواء أكانت بيئات افتراضية على مواقع التواصل أو حقيقية، ثم توظيف التنظيم لخدمة أجندتها وتحقيق أهداف متنوعة تختلف باختلاف المكان، ولعل قضية شركة لافارج العملاقة للإسمنت وعلاقتها بتمويل التنظيم في سوريا، بمعرفة المخابرات الفرنسية، والتي أميط عنها اللثام عام 2017، تشرح لنا الكثير في هذا الصدد. هذا العرض الموجز لأفكار التنظيم، يقودنا إلى الحديث عن أهدافه من وراء تبنّي هجوم موسكو. رغم تبني التنظيم الهجومَ، ونجاح السلطات الروسية في اعتقال منفذي الهجوم أثناء محاولتهم الفرار إلى أوكرانيا، فإن المسؤولين الروس، وفي مقدمتهم الرئيس، فلاديمير بوتين، لديهم قناعة بأن التنظيم ليس سوى بيدق على رقعة الشطرنج الدولية، وأنه تم توظيفه من قبل دول أخرى لتنفيذ الهجوم. فوزارة الداخلية الروسية أكدت في بيان أن جميع منفذي الهجوم أجانب وليس بينهم مواطنون روس. كما عززت اعترافات أحد المتهمين هذه الشكوك، إذ أكد أنه اشترك في الهجوم مقابل الحصول على المال، وأنه تم تجنيده من خلال مجموعة على تطبيق تليغرام، دون أن يعرف هُوية المسؤول، مضيفًا أنه وجد السلاح مخبّأ في أحد الأماكن التي تم توجيهه إليه، مشيرًا إلى وصوله روسيا قادمًا من تركيا في وقت سابق من الشهر الجاري. من هنا فإن تلك الجهات التي وظفت التنظيم لتنفيذ الهجوم، أرادت تحقيق الأهداف التالية أولًا إعادة ظاهرة الإسلاموفوبيا إلى الواجهة، لمحاصرة التعاطف الواسع الذي ناله المسلمون؛ بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والضرر البالغ الذي طال الحركة الصهيونية؛ بسبب المجازر ضد المدنيين وخاصة النساء والأطفال. وقد تابعنا خلال الشهور الماضية كيف تصاعد العداء والرفض للحركة الصهيونية في معاقلها التقليدية في الولايات المتحدة وأوروبا. ثانيًا ضرب الاستقرار داخل روسيا وإظهارها بمظهر الدولة الضعيفة الهشة أمنيًا، كما أن توريط عناصر مسلمة في تنفيذ الهجوم يمكن أن يسهم في ضرب الاستقرار الاجتماعي داخل الاتحاد الروسي، حيث يوجد أكثر من عشرين مليون مسلم يتمتعون بحقوقهم الدينية والمدنية دون تمييز. خاصة أن مسلمي جمهورية الشيشان يلعبون دورًا مهمًا في القتال بجوار القوات الروسية في حربها ضد أوكرانيا. ثالثًا تأزيم العلاقة بين تركيا وروسيا، حيث اعترف أحد الموقوفين أنه قدم إلى روسيا من تركيا. حيث جرت محاولات سابقة لجرّ البلدين إلى المواجهة، أشهرها عندما تم إسقاط طائرة حربية روسية في نوفمبرتشرين الثاني 2015 بواسطة مقاتلة تركية، إضافة إلى اغتيال السفير الروسي لدى تركيا في ديسمبركانون الأول 2016 بواسطة شرطي تركي. مثل تلك الأزمات تم احتواؤها من قبل الدولتين، لكن موقف تركيا المحايد من الصراع الروسي الأوكراني، لا يجد قبولًا لدى حلفائها في حلف الناتو، الذين يهمهم في تلك المرحلة المتقدمة من الصراع افتعال أزمة جديدة بين البلدين، وإجبار تركيا، التي تشارك روسيا البحر الأسود، على ترك الحياد والمشاركة في تعزيز الجهود العسكرية ضد روسيا. تأكيدًا؛ فإن التحقيقات ستميط اللثام عن كيفية وتنفيذ العملية، وهل بالفعل تم توظيف عناصر التنظيم في هذه العملية، أم جرى استخدام اسمه عقبها للتمويه على الفاعل الأصلي؟ وفي كل الأحوال فإن الردّ الروسي لن يتوقف عند حدود التنظيم، بل سيشمل الجهات التي تقف وراءه، والساحة الأوكرانية مفتوحة على مصراعيها لمثل هذه الردود. أما تهديدات تنظيم الدولة، فستظل تلاحق الدول المسلمة سواء على المستوى الفكري أم الأمني، في ظل الإصرار على مواجهة الخصوم السياسيين دون الأعداء الحقيقيين. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/24/%d9%87%d8%ac%d9%88%d9%85-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%83%d9%88-%d8%b1%d8%ad%d9%84%d8%a9-%d8%a3%d9%81%d9%83%d8%a7%d8%b1-%d8%aa%d9%86%d8%b8%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d9%85%d9%86
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-03-24T06:17:10
2024-03-24T06:17:10
مقالات
2,285
تحالف حارس الأزهار.. البحر الأحمر ومعركة الملاحة العالمية
منذ بدء الهجمات التي يقول الحوثي إنه ينفذها إسنادًا للمقاومة الفلسطينية في غزة والأنظار تتجه نحو البحر الأحمر ومدخله الجنوبي وصولًا إلى بحر العرب.
ليس واضحًا إن كانت الإدارة الأميركية قد قابلت تهديدات الحوثي باستهداف السفن الإسرائيلية، أو تلك المبحرة نحو موانئها في بادئ الأمر بالسخرية ذاتها التي قابل بها سفيرها السابق في اليمن جيرالد فايرستاين شعار الحوثي المعادي لأميركا، ووصفه له خلال مؤتمر صحفي عقده بصنعاء منتصف العام 2012 بالمضحك والسخيف، وذلك قبل سنتين من انقلاب الحوثي على المسار السياسي، وسيطرة جماعته المسلحة على العاصمة صنعاء، أم أنها أخذته على محمل الجِد. فمنذ بدء الهجمات التي يقول الحوثي إنه ينفذها إسنادًا للمقاومة الفلسطينية في غزة والأنظار تتجه نحو البحر الأحمر ومدخله الجنوبي وصولًا إلى بحر العرب. ورغم تشكيك البعض في قدرة جماعة الحوثي على مواصلة هذه الهجمات خصوصًا أن حرب إسرائيل على غزة قد أخذت مدى زمنيًا غير مسبوق، وسخرية القوى اليمنية المناوئة لها، فإن هجمات الجماعة ضد السفن الإسرائيلية، وتلك المتجهة إلى موانئها، وأيضًا السفن الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر، وخليج عدن أخذت شكلًا تصاعديًا منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى وحتى يومنا هذا. وفي المقابل كثف التحالف الأميركي البريطاني المسمى بتحالف حارس الازدهار غاراته الجوية مؤخرًا على مواقع للحوثيين في شمال اليمن، ووسع من دائرة أهدافه. وكانت المخابرات الأميركية قد كشفت قبل أيام عن تأثر نحو 65 دولة جراء هذه العمليات، وتغيير ما لا يقل عن 29 شركة من شركات الشحن والطاقة الكبرى مساراتها بعيدًا عن المنطقة، وتعرّض أكثر من 12 سفينة تجارية للقصف بين نوفمبرتشرين الثاني، ومارسآذار، ناهيك عن محاولات الخطف، وإن كانت قليلة، كما انخفض شحن الحاويات عبر البحر الأحمر بنسبة 90 ٪؜ تقريبًا، وارتفعت أقساط التأمين، وذلك وفقًا لما أورده موقع أكسيوس الأميركي. ولابد من التوضيح هنا أن الحوثي الذي يتحدث عنه المسؤولون الأميركيون ووسائل الإعلام الأميركية، وكذلك الحوثي الذي انبهرت بهجماته التضامنية مع غزة، الجماهير العربية والإسلامية منذ انطلاقها، يختلف تمامًا عن الحوثي الذي عرفه اليمنيون منذ ظهوره المشؤوم في شمال اليمن، مطلع القرن الحالي، والكثير منهم ينظرون إلى تصعيده في البحر الأحمر وخليج عدن، على أنه مجرد محاولة للهروب من أزماته الداخلية، وأنه استفاد من غزة أكثر من استفادة أهلها ومقاومتها منه. وبالنظر إلى الأحداث التي شهدها البحر الأحمر كممر حيوي للتجارة الدولية خلال النصف قرن الأخير، على الأقل، فقد كان لافتًا نشر وزارة الدفاع المصرية مطلع هذا العام، وفي خضم معركة طوفان الأقصى وفي خطوة غير مسبوقة وثائق تاريخيّة للحرب العربية الرابعة التي شنتها مصر بالتعاون مع سوريا ضد إسرائيل في أكتوبرتشرين الأول 1973؛ لاستعادة أراضٍ عربيةٍ محتلة، ومن ضمن هذه الوثائق أمر بتحريك وحدات بحرية مصرية للتمركز في ميناء مدينة عدن اليمنية المدخل الجنوبي للبحر الأحمر قبل اندلاع الحرب بحوالي شهرين وتكليفها باعتراض السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل. أكدت الوثائق المصرية حديثة النشر ما سبق أن تحدث عنه الرئيس السابق للشطر الجنوبي من اليمن علي ناصر محمد، والذي كان يومها وزيرًا للدفاع، بأن حكومته استقبلت في تلك الفترة سفن الأسطول البحري المصري في عدن وباب المندب، وكانت تتنقل بين عدن والغردقة وبعض الجزر لنقل المواد الغذائية والتموينية، وأنه تم إغلاق مضيق باب المندب في وجه السفن الإسرائيلية، ولم يُفتح إلا بعد اتفاق مصر وإسرائيل على وقف إطلاق النار. وذكر في مقال نشره قبل نحو سنتين بمناسبة الذكرى السنوية لحرب أكتوبرتشرين الأول آنفة الذكر، أن حكومته ردت على الضغوط الإسرائيلية عبر حليفها آنذاك الاتحاد السوفياتي بقولها إنها معركة عربية. ولذلك كانت إسرائيل ولا تزال حريصة كل الحرص على أن يكون لها حضور ما في الدول المطلة على البحر الأحمر، وفي جزره لإدراكها التام ومن واقع تجربة مريرة أهميته، وقلقها الدائم من أي استهداف مباشر أو غير مباشر يأتيها منه. والمتتبع للمشهد على ضفتَي البحر الأحمر ومدخله الجنوبي، يلاحظ التسابق الدولي على التمركز العسكري فيه منذ فترة طويلة بداية بالقاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي التي تأسّست مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أي بعد حرب السادس من أكتوبرتشرين الأول بسنوات معدودة، وقبل أن يتحول هذا البلد الصغير إلى وجهة عسكرية لمعظم الدول الكبرى، بفضل موقعه المطل على غرب مضيق باب المندب الإستراتيجي، فأنشأت الولايات المتحدة الأميركية فيه أكبر قواعدها العسكرية في القارة السمراء، واختارته الصين لتمركز قاعدتها العسكرية الوحيدة خارج حدودها الجغرافية، وفيه قاعدة عسكرية يابانية هي الأولى لها خارج أراضيها منذ الحرب العالمية الثانية، ويستضيف على أراضيه قاعدة إسبانية، وأخرى إيطالية. وبالقرب من جيبوتي لم يغب الجيش الأميركي عن الصومال، رغم خسارته القاسية فيما يعرف بمعركة مقديشو عام 1993 وإن بحضور محدود، وافتتحت تركيا الدولة العضو في حلف الناتو أكبر قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في العاصمة مقديشو قبل نحو ثماني سنوات، رغم الاضطرابات الأمنية التي تعصف بالصومال، وتوجت وجودها العسكري في القرن الأفريقي بتوقيع اتفاقية للدفاع عن المياه الإقليمية الصومالية، وإعادة تنظيم قواتها البحرية في فبرايرشباط الماضي وعينها على سواكن السودانية، فيما خابت آمال الروس حتى يومنا هذا على الأقل في التموضع العسكري ببورتسودان، لاسيما بعد دخول السودان في دوامة الحرب الأهلية. وفي الضفة الأخرى للبحر الأحمر وخليج عدن كادت الولايات المتحدة أن تتمركز عسكريًا في مدينة عدن جنوبي اليمن عقب الهجوم الذي استهدف المدمرة يو إس إس كول في أكتوبرتشرين الأول من العام 2000 إلا أن حساباتها الأمنية حالت دون ذلك، واكتفت كما المملكة المتحدة بالحضور العسكري المحدود في اليمن تحت مبررات تدريبية وتنسيقية. في ظل هذا الاحتشاد البحري سواء تحت مسمى عملية حارس الازدهار بقيادة أميركا وبريطانيا أو عملية أسبيدس التي أطلقتها دول أوروبية لحماية سفنها التجارية، تبدو الصين القطب التجاري الأكثر أهمية في عالم اليوم كمن يراقب الأحداث بصمت، فيما بادرت جارتها اللدود الهند إلى استغلال الأحداث لاستعراض عضلاتها ونشر قطعها البحرية قبالة السواحل الهندية، وصولًا إلى خليج عدن تحت غطاء الاستجابة السريعة، وتقديم المساعدة للسفن المستهدفة، دون أن تعلن انضمامها إلى أي تحالف بحري. وإذا كانت القطع البحرية العسكرية لمعظم دول العالم المتحالفة والمتصارعة على حد سواء، بدءًا من أميركا، ووصولًا إلى إيران، لم تبرح مياه البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب منذ سنوات، تحت مبرّر مواجهة القرصنة التي نشطت بالقرب من باب المندب خلال الفترة الماضية، انطلاقًا من الأراضي الصومالية، فإنّ تزاحمها اليوم يضع المنطقة برمتها أمام سيناريوهات مفتوحة، قد يكون من الصعب التنبّؤ بمآلاتها، خصوصًا أنّ صراع القوى الكبرى في تصاعد مستمرّ، رغم التحذيرات المتكررة، والتأكيد على حاجة العالم الملحّة لخفض التوتر والتصعيد، وضمان تدفّق سلس ومتواصل لسلاسل الإمداد، وذلك للتغلب على تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي الذي تسبّبت به حرب روسيا على أوكرانيا، وتداعيات جائحة كورونا. وبغض النظر عن النوايا الحقيقية سواء لتلك الدول التي سارعت في إرسال سفنها وبوارجها الحربية إلى البحر الأحمر وخليج عدن أو لجماعة الحوثي وبعد نحو تسعة أشهر من عملية طوفان الأقصى، فإن هناك تساؤلات كثيرة تبحث عن إجابات. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/30/%d8%aa%d8%ad%d8%a7%d9%84%d9%81-%d8%ad%d8%a7%d8%b1%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%87%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%b1
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-06-30T10:21:37
2024-06-30T10:21:37
مقالات
2,286
أميركا ومواقفها المخادعة في حرب غزة
البيانات الأميركية منذ بداية الحرب في غزة لا تكفّ عن ترديد مقولة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع تجنب استهداف المدنيين” بهدف دعم الكيان وتسويغ استمراره في العدوان وحربه لإبادة المدنيين الفلسطينيين.
كثيرة هي التقارير الصحفية الغربية المُسرّبة، والبيانات الإعلامية، أو التصريحات لكبار مسؤولي الإدارة الأميركية وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن التي توحي بتناقض المواقف بين أميركا، وإسرائيل؛ على خلفية طوفان الأقصى، وما تلاه من عدوان إسرائيلي بربري، متوحّش على قطاع غزة. هذا تقرير في صحيفة غربية عن توتر خفي في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وذاك تقريع من بايدن، لنتنياهو، ورفضًا لتلقي اتصاله.. وهذه تسريبات إعلامية عن خلافات في الغرف، والاجتماعات المغلقة بين أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي، ونتنياهو أو مجلس حربه، استنادًا إلى انعقاد المؤتمر الصحفي لكل منهما منفردًا نتنياهو، وبلينكن. هذه التقارير الصحفية الغربية أقرب إلى النميمة، منها إلى المعلومات الدقيقة.. أما البيانات وتصريحات مسؤولي الإدارة الأميركية، فهي دائمًا وأبدًا، ما تكون متناقضة في مكوناتها، فالمحتوى أو مضمون البيان أو التصريح في صياغته اللغوية، يوحي بالمعنى أو الموقف، ونقيضه في آن واحد.. حتى لو كان التصريح قصيرًا، وفي سطر واحد. بعبارة أخرى، الساسة الأميركان بالعموم مدربون جيدًا، على أن تكون إجاباتهم عن أسئلة الصحافة، وبياناتهم الرسمية حمّالة أوجه.. تُرضي جميع الأطراف. الأمثلة على هذه اللغة الإعلامية الأميركية المُخادعة، لا يمكن حصرها.. سواء في حرب غزة، أو غيرها من الحروب العراق، وأفغانستان، مثالًا، والقضايا. ففي ديسمبر كانون الأول عام 1998، قصفت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، لعدة أيام، العراق، بحجة عرقلته أعمالَ لجان التفتيش الأممية عن أسلحة الدمار الشامل، وأن المواقع المُستهدفة بالقصف ساهمت في امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. استمرّ القصف الأميركي البريطاني، في أول أيام شهر رمضان وقتها. هذا لم يمنع الساسة الأميركان من الإعراب عن احترامهم مشاعرَ المسلمين، والأسف لاستمرار القصف في الشهر الفضيل.. مع تحميل الرئيس العراقي صدام حسين مسؤولية القصف، لامتلاكه أسلحة دمار شامل يخفيها في قصوره وأماكن عديدة. هذا، مثال للتعاطي الإعلامي الأميركي.. كلام طيب يجري تسويقه للعالم الإسلامي المُستاء وقتها من استمرار القصف في الشهر المبارك، مع إلصاق المسؤولية الأخلاقية بطرف آخر. المشكلة، فيما تبين لاحقًا أن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، هي أكذوبة كُبرى.. انكشفت بعد حصار أميركي، وغربي للعراق لسنوات.. ثم غزوه واحتلاله عام 2003، حتى 2011.. مع ذلك لم تعتذر أميركا عن الكذب ولا الغزو، والدمار، والقتل الذي أحدثته بالعراق وشعبه. إذا عُدنا للحرب على غزة والتي يمكن احتسابها حربًا أميركية إسرائيلية، بامتياز؛ لإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره، ومحو مصطلح المقاومة، تمهيدًا لإماتة القضية الفلسطينية، ودفنها، والخلاص منها نهائيًا فالإدارة الأميركية داعمة للإبادة والتهجير عمليًا. فهي أميركا، تزود الاحتلال الإسرائيلي بعتاد حربي غزير، وغير مسبوق، وأسلحة مُحرمة دوليًا، وتخوض حروبًا شرسة في اليمن والعراق وسوريا، نيابة عنه.. لتمكينه من مواصلة إبادة غزة بشرًا وحجرًا. أميركا، لا تتردد في إشهار سلاح الفيتو، الفعال، لمنع مجلس الأمن الدولي من إدانة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وعرقلة أي جهود لاستصدار قرار بوقف إطلاق النار في القطاع. إذن الدعم الأميركي غير المشروط، هو الموقف الواضح وضوح الشمس في كبد السماء، كما يقولون. أما الخطاب الإعلامي، فهو مُخادع وملتوٍ ويتلاعب بالألفاظ.. وهو الخطاب الذي يلقى احتفاءً من نخب سياسية وإعلامية عربية.. بينما هو فارغ المضمون والقيمة العملية.. ماذا يعني تصريح بايدن بأنه مع الرأي القائل إن إسرائيل تجاوزت الحد في الرد على طوفان الأقصى؟ هذا الكلام لبايدن، هو والعدم سواء.. لا يوفر كسرة خبز للجوعى في غزة، ولا يروي ظمأ العطشى، ولا يعطي الدفْء للمُشردين الذين يقتلهم البرد القارس، هناك.. كما، لا يردع العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في القطاع، ولا يمنع قصفه بالنيران ليلًا ونهارًا. مثال آخر.. فيما يخُص ما يُسمى بـ عملية رفح العسكرية، التي تُزمع إسرائيل القيام بها لإبادة النازحين المدنيين، هناك، وتهجير الناجين منهم جبرًا، وقسرًا.. ماذا تعني تصريحات بايدن وعناصر إدارته بالتشديد على أن تكون العملية مُخططة جيدًا، وأن تحفظ للمدنيين حياتهم؟ هذا الكلام، كاشف بوضوح شديد عن الانحدار الأخلاقي الأميركي، بالتأييد التام لـ عملية رفح بأن تكون مُخططة.. بينما، أميركا تعلم جيدًا، أن الغرض الإسرائيلي هو إبادة مليون و400 ألف نازح هناك. أما حماية المدنيين في رفح، فمُجرد استخفاف بعقول العرب والمسلمين، فالتصريح، يحوي تناقضًا بين أوله وآخره. النازحون في رفح، ليسوا عسكريين ومقاتلين في حماس أو فصائل المقاومة.. بل هم مدنيون تستهدفهم إسرائيل؟.. لو كان هؤلاء النازحون مقاتلين ومقاومين لصارت إسرائيل أثرًا بعد عين في ساعات. البيانات الأميركية، منذ بداية الحرب في غزة لا تكفّ عن ترديد مقولة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع تجنب استهداف المدنيين.. بهدف دعم الكيان، وتسويغ استمراره في العدوان وحربه لإبادة المدنيين الفلسطينيين وليس غيرهم-، مع أن إسرائيل دولة احتلال، والشعب الفلسطيني هو الأولى قانونًا بالدفاع عن النفس. هذه مجرد أمثلة للمسلكِ الإعلاميّ الأميركي.. المؤلم والمؤسف هو الاحتفاء المُبالغ فيه من الإعلام العربي والساسة والنخب التي تتصدى للتحليل، وقراءة مدلولات ومضامين هذه التصريحات والبيانات الأميركية، حمّالة الأوجه. إنهم يُجملونها، ويغالون ويبالغون في تحميلها بمعانٍ لم ترد فيها، ويستفيضون في استشراف تبعاتها.. كما لو أن أميركا وإسرائيل على وشْك الصدام.. في حين أن اللعبة كلها ليست سوى توزيع للأدوار والمواقف على مستويين إعلامي يروج كلامًا، وأوهامًا.. وعملي واقعي، بالدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والمعنوي. رفقًا أيتها النخب.. لا تشاركوا في خداع الناس. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/21/%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d8%a7-%d9%88%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%82%d9%81%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%a7%d8%af%d8%b9%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%ba%d8%b2%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-02-21T06:46:05
2024-02-21T06:46:05
مقالات
2,287
أولويات الإصلاح.. الفكرة الحضارية قبل السياسة
إذا كان معنى كلمة “الأيديولوجية” هو “علم الأفكار” كيف يُتصور ألا تكون الفكرة قبل السياسة. لقد أدى تجريم علم الأفكار أن صارت الأحزابُ في العالم كلُّها متقاربةً في مساحة سُميت ظلمًا الوسط أو ” الوسطية”.
بدأ مالك بن نبي حديثه عن السياسة والفكرة في كتابه شروط النهضة بعبارة جميلة فقال إن الكلمة لمن روح القدس، إنها تُسهم إلى حد بعيد في خلق الظاهرة الاجتماعيّة، فهي ذات وقع في ضمير الفرد شديد، إذ تدخل إلى سويداء قلبه فتستقرّ معانيها فيه لتحوّله إلى إنسان ذي مبدأ ورسالة، فالكلمة ـ يطلقها إنسان ـ تستطيع أن تكون عاملًا من العوامل الاجتماعية حين تثير عواصف تغيّر الأوضاع العالمية. وقد ضرب مالك بن نبي المثل في أثر الفكرة في بلده بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين فقال لقد بدأت معجزة البعث تتدفق من كلمات بن باديس، فكانت تلك ساعة اليقظة، وبدأ الشعب الجزائري المخدَّر يتحرك، ويا لها من يقظة جميلة مباركة، يقظة شعب ما زالت مقلتاه مشحونتين بالنوم، حتى أُشرِب الشعب في قلبه نزعة التغيير، وأصبحت أحاديثه تتخذها شرعة ومنهاجًا، وهكذا استيقظ المعْنَى الجماعي، وتحولت مناجاة الفرد إلى حديث الشعب. ثم تجاوزت اليقظةُ الجمعيةَ ذاتَها، وكانت ثورةُ نوفمبرتشرين الثاني من ثمارها الزكيّة. وكان نوفمبرُ قبل الثورة كلمةً في البيان الأول من هذا الشهر من عام 1954. بيانٌ دعت أهدافه إلى الاستقلال ضمن الحرية والتضامن الاجتماعي والمبادئ الإسلامية، وإلى تحقيق وحدة الأمة من الشمال الأفريقي، إلى إطاره الطبيعي العربي الإسلامي، ولا تزال المسيرةُ لم تكتمل، فهي مستمرة تتطاول على مكائد الاستعمار وأذنابه. إن كل تلك الحركات الإحيائية عملت على أساس أن تكوينَ الحضارة بوصفها ظاهرة اجتماعية، إنما يكون في الظروف والشروط نفسِها التي وُلدت فيها الحضارة الأولى، في بيئة المدينة المنورة، على حد قول بن نبي. فإن بقيت الفكرة تصنع تلك الظروف فلا بدّ للحضارة أن تبزغ من جديد، فإن تبعت الفكرةَ السياساتُ والمؤسسات والأطرُ والهياكلُ والمناهجُ، ولم تغادرها أبدًا مهما كانت الصعوبات والتحديات، بلغت بإذن الله مبلغها نحو بزوغ فجر جديد. غير أن بن نبي عاب على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي رأى أنها نهضت بالمجتمع الجزائري في عقد واحد من الزمن فقط بين 1925 إلى 1936 وهيأته فرديًا واجتماعيًا لينعتق من الاستعمار أنها قد نزلت إلى أوهام السياسة على غير فكرتها، حينما انخرطت في مطالب الاستعمار بالإصلاحات والحقوق في المؤتمر الإسلامي عام 1936، مع نخب سياسية ليست لها فكرة حضارية ولا وجهة ثقافية، ولا تريد من الاستعمار إلا أن يحسّن ظروفها. لم يتّهم بن نبي جمعية العلماء في مقاصد قادتها، مُبدِيًا أسفَه على زلة العلماء التي كانت زلة نزيهة، لما توافر فيها من النية الطاهرة والقصد البريء، كما قال، وذلك حين سمحوا عام 1936 بسقوط الفكرة الإصلاحية في حبائل الوعود التي بذلتها الحكومة الفرنسية اليسارية بغير حساب، وهي تعمل في الحقيقة على اغتيال الإصلاح. ويمكننا أن نأخذ في الوقت الحالي على الحركات الإحيائيّة في التيار الإسلامي، التي أحيت الأمة وصنعت صحوة شعوبها في آخر القرن الماضي نفس المآخذ التي أسف لها بن نبي عن جمعيّة العلماء المسلمين في أواخر الثلاثينيات، إذ بدل أن تنتقل تلك الحركات إلى معامع السياسة بفكرتها، صار الكثير منها ينافس على الانتقال من مساحات الدعوة في المُجتمع إلى مؤسَّسات الدولة الحديثة بدون الفكرة التي تميزها، وصار مبلغ علم قادتها أن يُسمح لهم بهوامشَ في الوجود السياسي ضمن عملية ديمقراطية مغشوشة لا يوصل سقفُها المتدني إلى التغيير، ولو بقوا في العمل على ذات المنوال مائة سنة مقبلة. وضمن هذا المنظور السياسي البراغماتي الجديد صار الوجه البارز ـ وربما الوحيد ـ لتلك الحركات هو الوجه الحزبي المندمج في المنظومة الفكرية الحضارية الغربية المهيمنة في بلداننا وفي العالم بأسره، وفي أحسن الأحوال وجه أحزابٍ مُحَافظةٍ تهتم بمظاهر الهوية وقوانين الأحوال الشخصية دون مشاريع جادة لعبور الفكرة إلى مستوى العودة الحضارية للأمة الإسلامية. لقد برزت أصواتٌ خدّاعة بعد هيمنة الرأسمالية العالمية تدعو القوى الإسلامية إلى ترك الأيديولوجية والاهتمام بمصالح الناس فحسب في الممارسة السياسية، وما تلك الدعوة إلا لإزاحة كلّ الأيديولوجيات لتبقى أيديولوجيةٌ واحدةٌ مهيمنةٌ هي أيديولوجية الرأسمالية التي ضيعت مصالح غالبية سكان المعمورة لصالح فئات قليلة سيطرت على أغلب خيرات الأرض. وإذا كان معنى كلمة الأيديولوجية هو علم الأفكار، كيف يُتصور ألا تكون الفكرة قبل السياسة؟. لقد أدى تجريم علم الأفكار إلى أن صارت الأحزابُ في العالم كلُّها متقاربةً في مساحة سُميت ظلمًا الوسط أو الوسطية، ببرامج متشابهة، يختارها الناخبون في الظاهر، ولكن تتحكم فيها قوى غير معلنة ولا مسؤولة هي القوى المالية والعسكرية والشركات الكبرى ولوبيات الأقليات الممكّنة. تأخذ القوى الخفيةُ السلطةَ الحقيقية وتتهالك القوى الحزبيةُ البارزةُ على فتات المقاعد البرلمانية والوزارات والمصالح، فلا تسمع في النقاش السياسي شيئًا عن الأفكار والتوجهات الحضارية، وكيف تصان الكرامةُ الإنسانية، ولا تسمع شئيًا عن طبيعة الدولة المنشودة، ولا عن الرؤى الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية المناقضة لأيديولوجية السوق، وبرامج إطلاقِ الغريزة المحبطة للفضيلة، وأما أزمات الشعوب فعلاجها الوعود الانتخابية، أو تعميق الأزمات لوضع طموحات الناس في مستوياتها المتدنية. إن ابتعاد المصلحين عن فكرتهم، بعد أن تطول بهم الطريق، يُضيِّع منهم المبادرة فيأخذها الأكثر جسارة منهم، ولو بدون أفكار حضارية فيطول شقاء الأمة، في إطار الدولة الحديثة التي صارت تشقى تحت سلطتِها الدُّغماتيةِ كلّ البشرية. لا شيء يجب أن يحافظ عليه قادة حركات الإحياء الإسلامي أكثر من الفكرة التي أسستهم، والتي وحدها تتناسب مع قواعد المجتمع الذي نَبتُوا فيه وإلا صارت أحاديثُهم جوفاء بلا مضمون مهما تنمّقت، وصدق بن نبي إذ يقول ومن الواضح أن السياسة التي تجهل قواعد الاجتماع وأسسه، لا تستطيع إلا أن تكوّن دولة تقوم على العاطفة في تدبير شؤونها، وتستعين بالكلمات الجوفاء في تأسيس سلطانها. ولعل صدمة الطوفان تصلح الأوضاع. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/8/%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-06-08T06:30:14
2024-06-08T07:30:39
مقالات
2,288
صناعة الجوع وسيناريو التدخل الدولي في السودان
التدخلات الدولية في السودان تستغل الأزمات الإنسانية مثل المجاعة للسيطرة على موارده عبر دعم أطراف محلية واستغلال الظروف السياسية لتحقيق مصالح دولية، مما يعمق الأزمة ويهدد السيادة الوطنية.
كيف لنا أن نصدّق أن السودان، الذي تمّ ترشيحه من قبل ليصبح سلة غذاء العالم، يعاني اليوم من المجاعة؟ وأن ما لا يقل عن سبعة ملايين شخص داخل البلاد يواجهون صعوبة في الحصول على الطعام الذي يسكت صرخات بطونهم الخاوية، بمن فيهم المزارعون أنفسهم في الولايات التي يحاصرها التمرد؟ لدرجة أن بعض الناس أكلوا أوراق الشجر، ولحوم الحيوانات الميتة هذا غيض من فيض الأرقام المفزعة لبرنامج الأغذية العالمي، الذي يكرّس كل جهوده منذ أشهر للتعامل مع أكبر أزمة إنسانية في العالم يشهدها السودان كنتيجة طبيعية للحرب. لكن، ما حقيقتها؟ المريب أن تلك الأزمة تتعامل معها الدول الغربية من منطلقات سياسية في المقام الأول، وهي دول فقدت الأهلية الأخلاقية للحديث عن أي قضية إنسانية بعد أن رأيناها تتفرج على أهل غزة وهم يتضورون جوعًا ويموتون تحت وطأة الحصار الإسرائيلي. ومع ذلك، هنا في السودان تذرف دموع التماسيح، وتجتمع وتنفض لتقرر باسم المجاعة التخلص من القوى الوطنية واستبدالها بفئة رخيصة وفاسدة من الساسة وأرباب منظمات المجتمع المدني، الذين يعملون على خدمة مصالح المركز الاستعماري. بالطبع، هذا ليس من أجل الجوعى أو المحاصرين تحت قصف المدافع، بل من أجل مآرب قديمة تنظر إلى السودان كمنطقة بِكر لم ينتفع أهلها بها. ولذلك، يُمهِّدون من خلال مجلس الأمن ومن خلفه لتدويل القضية، ونشر قوات أجنبية هدفها الظاهر حماية المدنيين، لكنها في حقيقتها قوات احتلال تريد أن تستكمل المخطط الذي أشعلت من أجله الحرب. فجأة، وبلا حيثيات منطقية، أوصت لجنة المراقبة التابعة للأمم المتحدة بنشر تلك القوات الأجنبية، وعلى الأرجح ستأتي تحت البند السابع الذي يسمح لهم باستخدام القوة. لكنها ربما كانت خطوة مؤجلة. دعونا نتفحص أرقام المنظمات الأممية، التي تتحدث عن 10 ملايين سوداني في حاجة إلى الغذاء، وأحيانًا ترتفع الأرقام إلى 18 مليونًا. كيف تسنى لهم، دون آليات رصد دقيقة ولا فرق عمل على الأرض تفي بمعايير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن يطلقوا تلك الأرقام؟ هذا إذا وضعنا في الاعتبار أرقام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تتحدث عن أكثر من عشرة ملايين شخص أجبروا على ترك منازلهم وتفرقوا داخل السودان وخارجه، وأغلبهم في مناطق سيطرة الحكومة التي تنكر وجود أزمة غذائية، وترى في تقارير الأمم المتحدة عملًا دعائيًا. فالعلاقة بين الأعداد المتناقصة من البشر، وكمية الغذاء المحدودة مسألة في غاية التناقض. ومع ذلك، لا تلتزم دول العالم بتوفير الأموال الكافية للتعامل مع المأساة السودانية، حيث جُمِعَ أقل من نصف المبلغ المطلوب تقريبًا، وهي مبالغ تذهب عادةً وفق أولويات الصرف إلى الرواتب ونثريات الحركة. معنى ذلك أن الانفعالات تتسرب بعيدًا عن الصواب. فهم نفس الجمهور الذي وقف من قبل أمام صورة الطفلة السودانية الجائعة والنسر الذي كان ينتظر موتها ليأكلها، حين التقطها المصور كيفين كارتر عام 1993 خلال المجاعة في السودان. ومع ذلك، صفق الجمهور كما لو كان مشهدًا من عرض سينمائي مؤثر، لينفضّ السامر بعد ذلك لم تكن قوات الدعم السريع بريئة مما يحدث. فهي، في حقيقة الأمر، أقلّ من أن تخوض حربًا بهذه الكُلفة، لكنها فجأة انتشرت كعاصفة وحاصرت القرى والمدن. ثم، بطريقة غير مبرّرة عسكريًا، احتلّت المشاريع الزراعية في ولايتَي الجزيرة وسنار، ونهبت الأسواق ومخازن المحصول الإستراتيجي، وأغلقت أبواب التجارة ومداخل السلع الاستهلاكية، ودمّرت المصانع، وأحرقت الغابات، وعطّلت قنوات الري. كل ذلك تحت لافتة البحث عن الديمقراطية، ومحاربة الإسلاميين. ولم تبدِ أيَّ اعتراض على التدخل الدولي، بل تتماهى معه لدرجة الحديث عن تشغيل مطارات دارفور للطيران الأجنبي. وهي بذلك تستعجل المجاعة المفضية إلى الهروب أو الموت، وتهيئة البلاد لسيناريو التقسيم، أو وضعها تحت انتداب المجتمع الدولي، تلك الذراع الأميركية الكولونيالية. وعلى ما يبدو فإن مجموعة متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان- تمخضت عن مفاوضات جنيف، التي قاطعها الجيش هي رأس الكائن المتحور الذي تفجّرت قرونه بعد ثورة ديسمبركانون الأول من عام 2018، حينها ظهرت أميركا وحلفاؤها عبر تحالف الرباعية التي صنعت ورعت الاتفاق الإطاري، وهي أي تلك الرباعية، بمثابة المخلب الجارح الذي أزهق روح الثورة السودانية؛ لأجل تمكين سلطة حميدتي، لكنها وجدت مشقة في إخضاع الجيش والقوى الوطنية، فلجأت إلى الحرب، ودفعت بالمبعوث الأميركي للسودان توم بيرييلو ابن طبيب الأطفال والمهاجر الإيطالي فيتو أنتوني- لاستكمال المهمة، وذلك بعد فشل خيار الحسم العسكري. لذلك لجأ بيرييلو ومعاونوه من تنسيقية تقدم الظهير السياسي للجنجويد للترويج لابتدار حملة المجاعة، وإثارة الشكوك حول جدوى الحرب عندما أدركوا أن قوات حميدتي تآكلت دون كسب المعركة. رغم حقيقة وجود نقص في الثمرات في المناطق التي تحاصرها الدعم السريع، مثل الفاشر، إلى جانب ظهور التكايا التي توزع الطعام على الأسر في الخرطوم، فإن المساعدات الغذائية التي دخلت معبر أدري غرب السودان تجاهلت مدينة الفاشر الصامدة، التي يقطنها نحو 1.8 مليون نسمة، وتحتضن معسكرات نزوح، وهي في حاجة ماسّة للمساعدات. تكشفت المؤامرة بحرمان الفاشر من الغذاء وعرقلة قوافل أطباء بلا حدود من الوصول إليها كذلك، كما سقط مشروع الجزيرة الزراعي، ومشروع السوكي في ولاية سنار، دون أن يؤخذ في الاعتبار أن هؤلاء الضحايا منتجون، تعتمد حياتهم كليًا على بيع المحاصيل التي يزرعونها. السودان ليس بحاجة إلى الغذاء، فهو دولة منتجة، تخترقها عشرات الأنهار الدائمة والموسمية. وأفضل طريقة للتخلص من المشكلة هي تنفيذ اتفاق جدة، الذي نصّ على ضرورة الالتزام بالإجلاء والامتناع عن الاستحواذ، واحترام وحماية المرافق الخاصة والعامة، مثل المرافق الطبية والمستشفيات، ومنشآت المياه والكهرباء، والامتناع عن استخدامها للأغراض العسكرية، وفك الحصار عن المدنيين. وهذا يعني عمليًا إنهاء الحرب ومكافحة المجاعة. لكن الولايات المتحدة الأميركية لا ترغب في ذلك، إذ شكلت عقوباتها لسنوات عديدة أحد الأسباب الرئيسية وراء تدهور الأداء الاقتصادي للبلاد. أصبح الغذاء في عالمنا سلاحًا سياسيًا يُستخدم ببراعة وبلا ضمير؛ لإضعاف مقاومة الشعوب الفقيرة وإخضاعها لسياسة الدول التي تمسك بمفاتيح مخازن الغلال في العالم. فضلًا عن أن المشكلة ليست في نقص الغذاء الذي يمكن تعويضه، بل تكمن في الأراضي الزراعية المحتلة، وعدم وجود آليات فاعلة لتوزيع الاحتياجات الضرورية للنازحين، وضعف الجهاز الحكومي. من ناحية أخرى، أشار مؤلفا كتاب صناعة الجوع، فرانسيس مور لاييه وجوزيف كولينز، إلى أن إعادة توزيع الغذاء ليس الحل لمشكلة الجوع. وتشخيص الجوع على أنه نتيجة لندرة الغذاء والأرض، هو لوم للطبيعة على مشكلات من صنع البشر. ويقدم الكتاب خلاصة قريبة من الواقع السوداني حيثما نجد أناسًا لا يطعمون أنفسهم الآن، يمكنكم التأكد من وجود عقبات قوية قد وضعت في طريقهم. ومن يقف وراء سيناريو الحرب وتشريد السودانيين يهدف إلى تقليص عدد السكان والسيطرة على الأرض لصالح الشركات الأجنبية. وهذا تقريبًا نفس ما كان سيحدث في منطقة الفشقة الزراعية التي استعادها الجيش السوداني من إثيوبيا في العام 2021، وقد اقترحت دولة إقليمية إعادة تقسيمها بطريقة غير عادلة، 40 للسودان و40 لتلك الدولة، و20 للمزارعين الإثيوبيين، وهو ما رفضته الحكومة السودانية وقتها، وربما لذلك علاقة بالحرب الحالية. عمومًا، فإنّ التدخل الدولي في الشأن السوداني يريد فرض واقع جديد ووصاية مجحفة، دون اكتراث بالإرادة الوطنية أو مراعاة للسيادة واستقلال القرار السياسي. وبالتالي، ليس طعام السودانيين وحده المهدد بالخطر، بل حياتهم كلها وبلدهم بالضرورة. فهل سيسمحون بتفعيل هذا السيناريو الخطير بعد كل هذه التّضحيات؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/9/10/%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%88%d8%b9-%d9%88%d8%b3%d9%8a%d9%86%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%ae%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a-%d9%81%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-09-10T07:30:00
2024-09-10T04:59:42
مقالات
2,289
المقاومة بين السلبيات والإيجابيات
تركّز المقالة على الثغرات التي تواجه المقاومة والقضية الفلسطينية، وتهدّدهما بأشد الأخطار، وذلك بدلًا من التركيز على الإيجابيات، التي تسمح بانتصار المقاومة والشعب في غزة على حرب الإبادة والعدوان.
ملحوظات حول مقالة ثغرات لا بدّ من سدّها في جدار الصمود الفلسطيني في غزة، بقلم الأخ د. أحمد العطاونة، كتبت بمناسبة مرور مائة يوم على معركة طوفان الأقصى. ونشرت في الجزيرة نت، في 17 يناير كانون الثاني 2024. بداية، تحدد المقالة أن الوضع الفلسطيني في مرحلة الصمود، فيما معركة طوفان الأقصى عملية هجومية كبرى، وجاءت فاتحة للخروج من جدار الصمود لبدء مرحلة الدفاع- الهجوم الإستراتيجي، أو بلغة الإستراتيجية، نقلت المقاومة الفلسطينية من مرحلة الدفاع الإستراتيجي، والهجوم التكتيكي، إلى مرحلة شبه التوازن الإستراتيجي مرحلة الإعداد للهجوم العام. وهذا ما يفسّر تركيز المقالة على الثغرات التي تواجه المقاومة والقضية الفلسطينية، وتهدّدهما بأشد الأخطار، وذلك بدلًا من التركيز على الإيجابيات، التي تسمح بانتصار المقاومة والشعب في غزة على حرب الإبادة والعدوان. فكسْب الحرب الدائرة، لا يخدمه إبراز ثغرات في الوضعَين العام والخاص. وهي ثغرات لا يمكن معالجتها فورًا، كما سنرى. فمن يخوضُ حربًا يريد الانتصار فيها، يُبرز الإيجابيات في جبهته، والسلبيات في جبهة عدوّه. وفي المقدمة التمهيديّة للمقالة، تقول بأن طوفان الأقصى تستحق كل ما قيل فيها من إشادة، ثم أسرعت لتقول لو وجدت الإرادة الكافية للاستثمار فيها لشكّلت منعطفًا تاريخيًا يقود إلى تغيير الواقع السياسي للعديد من الدول العربية والإسلامية في المنطقة، ولكانت بداية النهاية لحقبة من الهيمنة والاستعمار والعربدة في المنطقة كلها. والسؤال، هذه الإشارة الغامضة إلى عدم وجود الإرادة الكافية، إرادة مَنْ في معركة طوفان الأقصى، أفلا يخشى أن تكون ضربة تحت الحزام للقيادة- القيادات المعنية في استثمار معركة طوفان الأقصى، والتي ما زالت محتدمة، ما انتهت بعد؟. ثم لاحِظوا المطلوب من هذه الإرادة الكافية بأن تغيّر الواقع السياسي للعديد من الدول العربية والإسلامية... ولإطلاق بداية النهاية لحقبة من الهيمنة والاستعمار والعربدة في المنطقة كلها. مما يعني أن توفير هذه الإرادة تعجيز وأيّ تعجيز؟ والآن ما هي الثغرات التي لا بدّ من إبرازها من أجل التحرك الفوري لسدّها ومعالجتها؟ الثغرة الأولى عدم انخراط كافة المكوّنات الفلسطينية في المعركة ويقصد الضفة الغربية، وأراضي الـ48 والشتات الفلسطيني. هذا الحكم الإطلاقي، كما هو حال كل حكمٍ إطلاقي عمومًا، يحمل ظلمًا، ويتنكر هنا، بصورة خاصة، للضفة الغربية، مقاومةً وشعبًا، وما قدّمته، وتقدمه، يوميًا من مواجهات، وشهداء وجرحى، ومعتقلين بالآلاف. والوضع في تصاعد وتواصل. ويظلم أهل الشتات، وما قدموه بهذا القدر أو ذاك. ثم لا يَعذُر فلسطينيي الـ48، ووضعهم الصعب للغاية، وهم الذين لم يقصروا مثلًا في حرب سيف القدس، وينسى أن تحت الرماد جمرًا ولهيبَ غضب. هنا فارقٌ بين نهجين نهج يقول للمقاوِم الفلسطيني والشعب في غزة ترككم الشعب الفلسطيني، ولم ينخرط بكل مكوّناته معكم. ونهج يقول الشعب الفلسطيني بأغلبيته الساحقة معكم، وهو يحاول أن يصعّد مشاركته يوميًا في نصرتكم، وأن الرأي العام الفلسطيني يحيطكم بحبٍ وإعجاب وتأييد، غير محدود، ويتفطر ألمًا وغضبًا، وهو يرى المجازر. وقد وقف بحزم إلى جانبكم، ملتفًا حول طوفان الأقصى، أمس واليوم وغدًا. وإن غضبه القادم لشديد. والأنكى أن المقالة تفسّر حكمها الإطلاقي عدم انخراط كافة المكوّنات بالقول لعل هذه من أهم الأزمات التي عانى منها النضال الوطني الفلسطيني على مدى عقود طويلة، إذ لم تتمكن قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، ولو لمرة واحدة، من أن تجند كل مكوّنات الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده في معركة مشتركة في مواجهة الاحتلال. ولكنْ السؤال إذا كانت هذه الأزمة معوّقة إلى هذا الحد، فكيف يفسّر ما وصلته المقاومة اليوم، من منعة وقوّة وتقدّم، إلى حد مواجهة جيش الكيان الصهيوني في غزة، ندًا لند، وبتفوّق عليه؟ وسؤال ثانٍ لماذا يشدّد على هذه الثغرة، وغزة في أَوْج حربها ما دامت هذه الأزمة مزمنة، ولم تتمكن قيادة وطنية من حلها. أفلا يعني هذا تعجيزًا فوق تعجيز؟. لأن المقالة تطالب بحلها فورًا. الثغرة الثانية وهي المتعلقة بالسلبية التي يمثلها الأداء السياسي للقيادة الرسمية الفلسطينية م.ت.ف، والسلطة الفلسطينية. وهنا أيضًا كيف يجب أن نقدّر مدى خطورة هذه الثغرة، مع ما وصلته المقاومة، بالرغم من وجودها، على مستوى عالٍ جدًا، تخطاها طوفان الأقصى. والأنكى مع إبراز هذه الثغرة، تضع المقالة أملًا في معالجتها، بقولها إن الوقت ما زال متاحًا والضرورة ما زالت ملحّة لتحرك وأداء سياسي يرقى لمستوى هذه المواجهة. ولهذا لننتظر هذا الأمل في تقدير المقالة لهذه الثغرة، إن كان سيتحقق؟ الثغرة الثالثة النص إن الانقسام الفلسطيني أيضًا ثغرة كبيرة في المشهد. والسؤال أيضًا، لو كانت هذه ثغرة بالخطورة التي تصفها المقالة، لما كان طوفان الأقصى، وما كانت المقاومة بهذه القوّة. بل أثبتت التجربة، بالعكس أن وجودها كان سببًا إيجابيًا في تطوّر المقاومة. لو تناولنا هذه الثغرة من زاوية أخرى، لوجدنا التهويل بموضوع الانقسام، يؤدي، عمليًا، بوضع طرفيه في سلة واحدة. وفي هذا إساءة للطرف- الأطراف المقاوِمة. وفيه إبعاد للخلاف السياسي والإستراتيجي، أي إبعاد لما يجعله مسوّغًا ولا مفرّ منه. ثم لنقرأ هذا التوبيخ للفلسطينيين، وبإطلاق ليس فيه إلّا الذين، والـ ومنهم من تقول المقالة إذا كان في ظل هذه الدماء الغزيرة والمجازر التي لا تتوقف لا يستطيع الفلسطينيون تجاوز انقساماتهم فمتى يمكنهم ذلك؟. هنا لم تلحظ هذه الثغرة بأنَّ من بين من تعنيهم، مقاومي غزة وشعبها وقيادة المقاومة فيها، الذين وحدّوا صفوفهم، في الأقل. والأهم لم تلحظ بأن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين، وقيادات الفصائل والنخب توحّدت مواقفها، في دعم طوفان الأقصى والمقاومة، والشعب في قطاع غزة. هذا يعني أن الحديث عن الثغرات في وادٍ، والواقع والمقاومة في وادٍ آخر. الثغرة الرابعة وتتعلق بـ غياب الظهير العربي والإسلامي الرسمي، وضعف التفاعل الشعبي وقد اعتبرته المقالة خِذلانًا للمقاومة. ثم تذهب فورًا في نقد موقف قادة المقاومة المرة الأولى والوحيدة تذكر المقالة وجود قيادة للمقاومة، بسبب تعاليهم على الجراح واستمرارهم في التعامل مع العرب والمسلمين، حيث يستمرون في مناشدتهم وشكرهم والإشادة ببعض مواقفهم على ضعفها. وتتابع المقالة قائلة إنَّ ألمهم وشعورهم بالمرارة كبير جدًا. ثم تُنحي باللوم، أيضًا على أمّة يزيد عددها على مليارَي إنسان، ولديها من الإمكانات والمقدرات الكثير، تعجز عن مدّ يد العون لشعب مضطهد، هو بالأساس يقاتل نيابةً عنهم. أولًا إن موقف المقاومة وقيادتها بعدم وصف المواقف الضعيفة، أو الموقف الشعبي، أو المواقف غير الكافية بالخذلان، هو الموقف الصحيح والحكيم، راهنًا ومستقبلًا. فمن يخوضُ حربًا عسكرية عليه أن يبرز الإيجابيات مهما صغرت، لأهميتها في حشد أوسع جبهة حول المقاومة. وذلك بدلًا من تجميع السلبيات والثغرات وتضخيم خطرها. فجمع الإيجابيات يقوّي المعنويات، وجمع السلبيات يثبط ويخذل ويوهن، معيدًا للشعار الفلسطيني المدمّر يا وحدنا، والذي قاد، مع أسباب أخرى، إلى اتفاق أوسلو. ثانيًا إن استخدام وصف الخذلان، لما يعتبر ضعفًا، أو غير كافٍ من شأنه أن يبذر العدائية. لأن تهمة الخذلان تقرب من حدود الخيانة. وفي هذا قِصرُ نظر، وتدمير للتحالفات راهنًا ومستقبلًا. ثالثًا من الظلم ومن الخطأ جمع كل من الموقف الشعبي وموقف الأمة، مع المواقف الرسمية. كما من الخطأ السياسي والشرعي التبخيس، وبإطلاق من أمّة الملياري إنسان مسلم. وهي الأمّة التي أشاد بها القرآن. إن المقاومة في فلسطين عمومًا، وفي غزة، خصوصًا حظيت بالكثير من أشكال الدعم المعنوي والسياسي والعسكري والمالي. مما ساعدها لتصل إلى ما وصلته الآن. إن الرأي العام العربي والإسلامي، حتى لو لم يترجم إلى تظاهرات مليونية، في كل بلد عربي وإسلامي لأسباب متعددة سيظل عظيم الأهمية في مجرى الصراع مع العدو الصهيوني، راهنًا ومستقبلًا. وإن من يَجُسَّ نبض الشارع وهو ما تفعله الدول الكبرى يوميًا، يلمس مخزون الغضب الملتهب ضد جرائم الإبادة والعدوان، التي ارتكبت، وترتكب في غزة. وأضفْ مخزون الاعتزاز ببطولات المقاومة. ومن ثم من لا يضع هذا في ميزان القوّة الراهن والمستقبلي الأمّة، لا يعرف أهمية احترام الأمّة وتأثيرها حتى العسكري في الحرب، وإلّا هي العدمية التي لا تبقي للمقاومة، مؤيدًا أو صديقًا أو حليفًا أو شعبًا أو أمّة. الثغرة الخامسة عدم وجود دعم عسكري للمقاومة، برغم الهوّة في موازين القوى العسكرية؛ نظرًا للانحياز الغربي المطلق للاحتلال، وعدم جرأة أيّ من الدول العربية والإسلامية، أو حتى القوى الدولية... على تقديم دعم ملموس ومباشر ومادي للمقاومة الفلسطينية. المقالة هنا تقول بعدم وجود دعم عسكري للمقاومة، وهي تعرف أن جبهة قتالية فتحت منذ الثامن من أكتوبر تشرين الأول في جنوبي لبنان. ودار فيها- ولا يزال- قتال عنيف. وقد ارتقى فيها ما يزيد على 170 شهيدًا من قادة وكوادر من حزب الله. ومسارها متصاعد. وتعرف المقالة بأن اليمن دخل الحرب ضد أميركا وبريطانيا بسبب تعطيل الملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر. وذلك بسبب حظره للسفن القادمة أو المتجهة إلى الكيان الصهيوني. وذلك إلى جانب قصفه لأم الرشراش. وقد أعلن مشاركته في الحرب، إلى أن يوقف إطلاق النار في غزة. هذا وتعرف المقالة بالصواريخ التي تطلق من العراق، وبأن الجبهة مفتوحة أصلًا في سوريا. وقد راح الكيان الصهيوني يحرض ضد إيران متهمًا إياها بأنها وراء كل ذلك. على أن المقالة لا تعتبر ذلك دعمًا ملموسًا ومباشرًا وماديًا للمقاومة الفلسطينية ومن ثم، بناءً عليه، تعتبر الدعم الملموس والمباشر هو إعلان الحرب الشاملة من جانب الداعمين، وإلاّ فليس ثمة وجود لدعم. وبهذا يكون الدعم المطلوب تحويل الحرب على غزة، إلى حرب إقليمية شاملة، لتصبح عمليًا حرب المتدخلين، وإلّا فلا. أي ما عدا ذلك فليس، بدعم ملموس ومادي ومباشر. وبهذا يكون المطلوب من قيادة المقاومة أن تخرّب علاقاتها بحلفائها وداعميها وتتهمهم بخذلان المقاومة. فيا للسياسة الحكيمة تُنصح بها المقاومة راهنًا ومستقبلًا. ولنصرخ يا وحدنا، وإلى أين المصير، فليس مهمًا. على أن المقالة تفسّر التوازن القائم بالرغم من الفرق الكبير في القدرات العسكرية بأنه يعود إلى البطولة والصمود والثبات الفلسطيني، فالذي رجح المعادلة لصالح المقاومة هو الإنسان الفلسطيني المقاوم والاستثنائي وبهذا تُختصر المقاومة التي رجحت المعادلة لصالحها في بُعد واحد وحيد هو البطولة والصمود والثبات الفلسطيني، هو الإنسان الفلسطيني المقاوِم والاستثنائي. ولكن أين ذهبت المقالة بدور القيادة التي قادت وتقود هذا الإنسان الفذ، القيادة التي قادت عملية حفر الأنفاق، وما أدراك ما دور الأنفاق في هذه الحرب؟. وأين القيادة التي خططت وصممت وقادت المقاوِم الفلسطيني في السابع من أكتوبر تشرين الأول؟. وقادته في حرب العدوان البريّة، وأسهمت في تعزيز روح الصمود والثبات الشعبي. وأخرجت الإعلام الكاسح الذي مثله أبوعبيدة. ثم أين ذهبت المقالة بكل العوامل الأخرى التي تراكمت لتصل المقاومة إلى هذا المستوى، تاريخيًا، وخلال الانقسام المذموم الذي جعل من غزة قلعة مقاومة جبارة. ثم دعك من عوامل الاهتراء في جبهة العدو وكيان العدو. وبهذا فإن مقالة إبراز الثغرات، وعدم ذكر الإيجابيات ختمت مسارها لتسكن في وادٍ غير وادي المقاومة والشعب في غزة، بعد مائة يوم وراهنًا ومستقبلًا قريبًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/28/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%88%d9%85%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%8a%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d8%aa
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-01-28T06:32:50
2024-01-28T06:33:43
مقالات
2,290
المهاجرون إلى أوروبا يواجهون سياسات اليمين المتطرف الجديدة
هذا الميثاق الذي يقع في ألفَي صفحة ويضم عشرة نُظُم قانونية مُوَجِّهة للتشريعات الوطنية لدول الاتحاد، طغت عليه في المجمل الرؤية الأمنية على حساب ما هو حقوقي وإنساني.
بعد أربع سنوات من المفاوضات الشاقة بين مجموع الدول المشكلة للاتحاد الأوروبي، صادق البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي، وبعده مجلس الاتحاد الأوروبي في نفس الأسبوع على ما يطلق عليه بميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي. حيث كان الهدف الأساسي الذي رُسم له هو التقريب بين مواقف هذه الدول، خصوصًا بعد ما عُرِف بأزمة اللاجئين التي تعود لسنة 2015. وهي مواقف منها ما يقترب أحيانًا من المقاربة الحقوقية والإنسانية لموضوع الهجرة واللجوء، ومنها ما يتبنى المقاربة الأمنية، التي غالبًا ما تكون ضحيتها الأقليات بمختلف ألوانها، خصوصًا في صفوف المسلمين بعدما ألِف اليمين واليمين المتطرف توظيف موضوع الهجرة، لتأجيج الانقسام المجتمعي، وتصعيب الاندماج في سياق عالمي محفز على الرفع من منسوب الإسلاموفوبيا، ولا يكشف بالشكل الكافي عن المفارقات التاريخية والعلمية لفرضية معاداة السامية. هذا الميثاق الذي يقع في ألفَي صفحة ويضم عشرة نُظُم قانونية مُوَجِّهة للتشريعات الوطنية لدول الاتحاد، طغت عليه في المجمل الرؤية الأمنية على حساب ما هو حقوقي وإنساني. الأمر الذي أثار حفيظة المنظمات الحقوقية والمنظمات المدنية غير الحكومية المنتصرة لحقوق المهاجرين، وحقوق الأقليات الدينية والثقافية، ودفع أحزاب اليسار والأحزاب المتبنِّية لما يسمى في الفكر السياسي الحديث بالديمقراطية الاجتماعية، إلى جانب أحزاب يمين الوسط، إلى الدعوة لسحب الميثاق من مجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان اللذين يتقاسمان الاختصاص التشريعي بمؤسسات الاتحاد الأوروبي، حسب اتفاقية لشبونة التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2009. منذ سنة 2020، ودول الاتحاد الأوروبي تعمل جاهدة للوصول إلى معالجة شاملة تستدمج الأبعاد الحقوقية والإنسانية والسياسية لظاهرة الهجرة وطلب اللجوء، لكن تعدد التصورات وتضارب المصالح، خصوصًا بين دول الجنوب، إسبانيا، وإيطاليا، واليونان، ودول الشمال، مثل فرنسا، وألمانيا، والدانمارك، حالت دون ذلك. لكن جديد ميثاق هذه السنة هو إلزام مجموع دول الاتحاد الأوروبي بالتضامن والتوزيع العادل لأعداد المهاجرين، خصوصًا وقت الأزمات. وذلك بناءً على قاعدة بيانات توفرها منصة إلكترونية أُطلق عليها اسم أوروداك، تتولى عملية مقارنة البصمات، إلى جانب إحصاء وتسجيل المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء. دون إغفال التأكد من جدية الطلب، ودرجة المخاطر المحدقة بالبلد الأصلي، والنظر فيما إذا كان بالفعل بلدًا آمنًا أو غير آمن، يستدعي طلب الحماية الدولية. مجموع هذه الإجراءات يتم القيام بها عند حدود الاتحاد الأوروبي، أي عند حدود البلد الأول الذي يسعى المهاجر أو طالب اللجوء للتوجه إليه قبل تحديد وجهته النهائية من طرف سلطات الحدود، وبتنسيق مع باقي بلدان الاتحاد من خلال عملية التبادل الآلي للمعطيات والبيانات البيومترية. الميثاق الأوروبي للجهرة واللجوء ألزم كذلك دول الاتحاد الأوروبي بالتضامن في توزيع عدد المهاجرين وطالبي الحماية الدولية، وذلك وفق معايير دقيقة لتحديد الدولة المستقبلة في الحالة التي يكون للمهاجر أحد أفراد عائلته بأحد بلدان الاتحاد الأوروبي؛ أو إذا تم وضع طلب الهجرة واللجوء في بلد غير البلد الأول الذي ولجه للمرة الأولى. حضر على مستوى الوثيقة الأوروبية، مفهوم الأزمة بشكل يوحي بأن سؤال الهجرة يُوَظَّف بشكل متعسف ضمن الحسابات السياسية للدول، وهو ما حصل سنة 2021 في بولونيا وليتوانيا، بعد تشجيع بيلاروسيا دخول آلاف المهاجرين الآسيويين والأفارقة إلى البلدين. كما تم إقحام مفهوم آخر دون تدقيقه وشرح محتواه، وهو مفهوم القوة القاهرة التي تدفع المهاجر وطالب اللجوء إلى البحث عن الحماية الدولية. هذا إلى جانب استعمال عبارة موجات الهجرة الموجبة لتفعيل المسطرة الاستثنائية لعودة المهاجرين وطالبي اللجوء إلى بلدانهم، أو السماح لهم بدخول دول الاتحاد الأوروبي. حقيقة هي مفاهيم وعبارات تؤكد أن الأوروبي مازال رهين التصورات السياسية والأمنية لسؤال الهجرة، بعيدًا عن الرؤية الموضوعية التي تبحث في الأسباب الحقيقية والعميقة للموضوع. وهي رؤية، لا شكَّ تخدمه، بحكم أنه يستفيد من اليد العاملة النشيطة، ومختلف الكوادر الطالبة للهجرة؛ لإنعاش الاقتصاد والمحافظة على معدلات النمو من جهة، كما يعمل على تجريم ظاهرة الهجرة غير النظامية، وشيطنتها؛ بغية الضغط على الدول المصدرة للهجرة لاستغلال مقدراتها ومواردها البشرية والطبيعية من جهة ثانية. يرى العديد من المراقبين أن الميثاق ولد ميتًا؛ لأنه يعول على عقد اتفاقيات مع دول ثالثة خارج الاتحاد الأوروبي، من أجل استقبال المهاجرين وطالبي الحماية الدولية في مراكز إيواء مخصصة لمعالجة طلباتهم فوق تراب غير تراب دول الاتحاد. وهو ما من شأنه أن يرفع الحرج عنها، ويُبعدها عن انتقادات المنظمات الحقوقية المدافعة عن المهاجرين. هو خيار تدافع عنه مجموعة من دول الاتحاد، وعلى رأسها إيطاليا التي عقدت اتفاقية في هذا الشأن مع ألبانيا، وتريد دول أخرى السير على منوالها، رغم فشل هذا النموذج في تجربة سابقة بين المملكة المتحدة، ورواندا. والحق أن هذا الخيار المدعوم من طرف رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أصبح تيارًا حقيقيًا يقوده اليمين، واليمين المتطرف الذي يشنّ حملة مسعورة على المسلمين، خصوصًا بعد تفوّقه عن التيارات اليسارية، وعقد تحالفات مع جزء من تيارات يمين الوسط في الانتخابات الأخيرة التي عرفها البرلمان الأوروبي بين 4 و9 من شهر يونيوحزيران للسنة الجارية، وهو ما مكّنه من اختراق مراكز القرار الأولى بمجموعة من أجهزة الاتحاد الأوروبي. في هذا السياق، يمكن التأكيد أن أوروبا فوّتت على نفسها فرصة تأسيس ميثاق للهجرة واللجوء، ينتصر لحقوق الإنسان وللقانون الدولي، وللقانون الدولي الإنساني. وإنصافًا لتيار مقابل داخل الاتحاد الأوروبي، هناك دول أخرى تطالب بأنسنة موضوع الهجرة، ومعالجته بعيدًا عن الحسابات السياسية، كإسبانيا التي ترفض ما بات يعرف في دول الاتحاد الأوروبي بالنموذج الإيطالي، أي إعداد مراكز إيواء لاستقبال المهاجرين غير النظاميين خارج تراب الاتحاد الأوروبي، رغم حالة الاستقطاب الحادة التي تعرفها الطبقة السياسية الإسبانية هذه الأيام ارتباطًا بالموضوع، أو ألمانيا التي يُشهد لها باستقبال أعداد كبيرة من المهاجرين وطالبي اللجوء خلال السنوات الأخيرة. لا ننسى التذكير، بأن صعود تيارات اليمين المتطرف إلى الصفوف الأولى لمراكز القرار الأوروبي، من خلال عملية انتخاب ديمقراطية، يشكل خطرًا على قيم الديمقراطية الليبرالية المنتصرة للحقوق الفردية وحقوق الأقليات الدينية والعرقية. كما أن عودة ما كان يعرف تاريخيًا بالديمقراطية الشعبوية، أو الديمقراطية الجماهيرية في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، كانت سببًا في إشعال الحربين العالميتين الأولى والثانية. ناهيك عن أن الديمقراطية الشعبية شكلت عاملًا رئيسيًا في بروز الكثير من الأنظمة الشمولية، كالفاشية الإيطالية، والنازية الألمانية المسؤولتَين عن إشعال الحرب العالمية الثانية. ألم يصل الحزب النازي إلى السلطة سنة 1933 عبر انتخابات شعبية ديمقراطية؟ وإذا كان السقف الزمني لبلورة النصوص القانونية والتنظيمية، مع التنزيل الفعلي لمضامين الميثاق هو 11 يونيو حزيران من سنة 2026، فهل ستتمكن القوى المناهضة لليمين المتطرف خلال هذه الفترة من الحد من قوته وتأثيراته في عملية صياغة هذه النصوص؟ّ هذا هو التحدي المطروح الآن على هذه القوى، خصوصًا بعد أن وجهت 14 دولة تنتمي للاتحاد الأوروبي، وهي الدانمارك، وبلغاريا، وجمهورية التشيك، وإستونيا، واليونان، وإيطاليا، وقبرص، وليتوانيا، ومالطا، وهولندا، وبولونيا، ورومانيا، وفنلندا، والنمسا، رسالة بعد مصادقة مجلس الاتحاد على الميثاق، تعبر من خلالها للمفوضية الأوروبية عن رغبتها في تشديد مراقبة حدودها، وتكثيف الجهود، دعمًا لمؤسسات الاتحاد في مواجهة الهجرة غير النظامية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/11/15/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%87%d8%a7%d8%ac%d8%b1%d9%88%d9%86-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a3%d9%88%d8%b1%d9%88%d8%a8%d8%a7-%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d9%87%d9%88-%d9%85%d9%8a%d8%ab%d8%a7%d9%82
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-11-15T17:34:09
2024-11-15T17:59:48
مقالات
2,291
تحتاج أصوات المسلمين.. هل ستتبنى هاريس العقيدة السياسية لبايدن؟
كامالا هاريس تواجه تحديات كبيرة في السياسة الخارجية إذا فازت، مع احتمال تبني عقيدة بايدن أو تعديلها، خاصة في قضايا الشرق الأوسط ودعم إسرائيل وإدارة الأزمات العالمية.
تسلّمت كامالا هاريس رسميًا راية حزبها الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبرتشرين الثاني 2024 ضد الرئيس السابق دونالد ترامب. وقد تسارعت الزعامات الديمقراطية للاصطفاف حول ترشحها بعد تراجع الرئيس بايدن عن الترشح نتيجة لضغوط سياسية قوية داخل حزبه. إذا فازت هاريس في الانتخابات المقبلة، سترث عالمًا خارجيًا أكثر اضطرابًا مما كان عليه الحال قبل أربع سنوات؛ حيث زادت المخاطر الدولية والحروب المشتعلة في أوكرانيا، غزة، السودان، ومنطقة البحر الأحمر بعد الهجمات الحوثية الأخيرة. هذه الأحداث العالمية الخطيرة، التي تهدّد السلم والأمن العالمي، جاءت متزامنة مع تغيُّرات متسارعة في العمليات السياسية الديمقراطية الغربية؛ بسبب أزمات اقتصادية واجتماعية حادّة، مثل ارتفاع حجم الديون الحكومية، زيادة معدلات التضخم، ارتفاع أسعار السلع والخدمات، زيادة الهجرة غير الشرعية، وصعود التيار اليميني الذي يهدّد النسيج الاجتماعي، والمؤسسات الديمقراطية في هذه الدول. كل ذلك خلق شعورًا عامًا حقيقيًا حول اضطراب العالم في عهد الرئيس بايدن، رغم ما تبديه خطاباته السياسية من دعوات لنشر السلام، وحماية حقوق الإنسان. وهذا إرث سياسي وأمني خطير سيثقل كاهل كامالا هاريس. يفتقر معظم الرؤساء الأميركيين عند دخولهم البيت الأبيض عشية فوزهم في الانتخابات الرئاسية إلى المعرفة العميقة بخبايا وتعقيدات القضايا الخارجية، والخبرات اللازمة لمعالجة الأزمات الدولية الطارئة. يعود ذلك إلى عدّة أسباب، منها ما يتعلّق بالثقافة الأميركية التي لا تُولي اهتمامًا كبيرًا بالسياسة الخارجية، نتيجة للبعد الجغرافي للولايات المتحدة عن مجريات الأحداث العالميّة. غالبًا لا تتصدر القضايا الخارجية أولويات الناخبين الأميركيين إلا عند ارتباطها المباشر بالأوضاع المعيشية والاقتصادية في الولايات المتحدة، مثل المعارضة الشعبيّة التي ظهرت لاحقًا ضد حرب فيتنام في القرن الماضي، وكذلك الاستياء الشعبي من نتائج الغزو الأميركي للعراق سنة 2003. على العكس من سابقيه، جاء بايدن إلى البيت الأبيض رئيسًا منتخبًا بخبرة واسعة في العلاقات الخارجية اكتسبها من خلال عمله في مجلس الشيوخ الأميركي لعدة عقود، في لجنة السياسات الخارجية بالمجلس، خلال فترة الحرب الباردة وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي. مما سمح له بالاطّلاع الدقيق على توجهات السياسة الأميركية العامة إزاء الاتحاد السوفياتي ووريثه الشرعي، دولة روسيا. جاء بايدن إلى الحكم خلفًا للرئيس ترامب، وما صاحب حكم الأخير من هزّات قوية في سياسات الولايات المتحدة حيال روسيا ودول حلف الناتو العسكري بزعامة أميركا. إذ قامت سياسة ترامب على الاهتمام بالشأن الأميركي الداخلي أولًا وأخيرًا، ثم إقامة علاقات صداقة شخصية مع خصوم أميركا، مثل رئيس كوريا الشمالية، والرئيس الروسي بوتين؛ رغبةً في تحقيق السلام بين أميركا وهذه الأنظمة. لذلك، حاول بايدن جاهدًا منذ أيامه الأولى في الرئاسة الأميركية إعادةَ مسار العلاقات الخارجية لما كانت عليه قبل وصول ترامب إلى الحكم، ساعيًا لتأكيد استعادة دور أميركا القيادي في الأمن العالمي، ومواجهة طموحات وأطماع الرئيس الروسيّ بوتين. استغلّ بايدن الحرب الأوكرانية لتوسعة حلف الناتو ليضمّ دولتي فنلندا والسويد كحلفاء جدد، مما يعمّق الوصول إلى حدود روسيا، وهو ما كان يستحيل تحقيقه قبل الحرب الأوكرانية. كما ساهمت عقلية الحرب الباردة لدى بايدن في تأجيج الصراع في منطقة الشرق الأوسط عند نشوب نيران الحرب مرة أخرى في غزة، بعد كسر هيبة الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبرتشرين الأوّل 2023. إذ قام بزيارة عاجلة إلى إسرائيل ليطمئنها بمساندته الراسخة لها، متجاهلًا المأساة الإنسانيّة والإبادة الفظيعة التي خلّفتها آلة الحرب الإسرائيليّة في غزة، رغم علم كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية بخطورة تداعيات هذه الحرب على الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، ومصالح الولايات المتحدة الحيوية فيها. ربما يكون من السابق لأوانه الحديث عن احتمالية استمرار هاريس في تبنّي عقيدة بايدن في السياسة الخارجية، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، وهي لم تفز بعد بسباق الانتخابات، إلا أن التحديات الجسيمة في المنطقة تحتم على هاريس تبنّي مبادئ سياسية عامة قد تجعلها تختلف شكلًا لا مضمونًا عن سياسة بايدن الخارجية. لكن ربما تدفع حاجة هاريس الماسّة لأصوات العرب والمسلمين في ولاية ميشيغان الهامة إلى تقديم إجابات واضحة حول مستقبل سياستها الخارجية نحو منطقة الشرق الأوسط، وخصوصًا الحرب الدائرة في غزة. بينما يعتقد البعض أن خلفية هاريس العرقية كأول امرأة سوداء مرشحة للرئاسة الأميركية، قد تجعلها أكثر تعاطفًا مع الأوضاع الفلسطينية المأساوية، بحكم العلاقات التاريخية بين الأقلية السوداء الأميركية والقضية الفلسطينية، إلا أنه من المستبعد أن يكون لهذه الخلفية العرقية تأثير قوي على موقفها من القضية أكثر مما كان عليه الحال مع الرئيس السابق أوباما، الذي لم يقدم أي تغيير ملحوظ في القضية الفلسطينية، رغم علاقاته الشخصية الخاصة مع صديقه السابق البروفيسور رشيد خالدي، أحد القامات العلمية الفلسطينية البارزة في الولايات المتحدة. وعليه، فإن عقيدة هاريس في السياسة الخارجية قد تكون أشبه بعقيدة الرئيس أوباما، التي تمثلت في تقديم خطاب إيجابي متعاطف مع معاناة الشعب الفلسطيني، مع الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية الخاصة مع دولة إسرائيل. لقد أصبح العالم أكثر اضطرابًا في عهد الرئيس الأميركي بايدن، الذي تجاوز الثمانين من العمر، نتيجة لعقيدته المتأثرة بمنطلقات الردع العسكري والأمني الأميركي في فترة الحرب الباردة. الأمر الذي ربما يدفع هاريس للتخلي عن هذه العقيدة من أجل إعادة الاستقرار والسلام العالمي، حتى لا تخرج الحروب المشتعلة عن نطاق السيطرة عليها. ولكن الأمر يعتمد أيضًا على مدى استجابة القوى الدولية الأخرى في الشقّ الآخر من معادلة الأمن الدولي. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/9/4/%d8%aa%d8%ad%d8%aa%d8%a7%d8%ac-%d8%a3%d8%b5%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%87%d9%84-%d8%b3%d8%aa%d8%aa%d8%a8%d9%86%d9%89-%d9%87%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%b3
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-09-04T04:30:00
2024-10-06T13:59:20
مقالات
2,292
هل سيتمكن الكيان الصهيونيّ من ضمّ قطاع غزّة؟
إنَّ ما يجري على الأرض من وقائع عسكرية وسياسية، يشير إلى أنَّ هناك مخطّطًا “صهيو- أميركي” يتمُّ تنفيذه في قطاع غزة، بعيدًا عما يتردّد في أروقة السياسة الفلسطينية والصهيونية والإقليمية.
تحقِّق المقاومةُ الفلسطينية نجاحات كبيرةً ضد جيش الكيان الصهيوني، لم يسبق له أنْ واجهها منذ تاريخ نشأته المشؤومة على أرضِ فلسطين. هذه النجاحات تؤكّد- بما لا يدعُ مجالًا للشك- أنّه لو كان الوضع العربيّ والإسلاميّ على حال غير هذه الحال؛ لتمَّ دحر الكيان الصهيونيّ من فلسطين في أشهرٍ معدودة. ومع ذلك فإنَّ ما يجري على الأرض من وقائع عسكرية وسياسية، يشير إلى أنَّ هناك مخطّطًا صهيو- أميركي يتمُّ تنفيذه في قطاع غزة، بعيدًا عما يتردّد في أروقة السياسة الفلسطينية والصهيونية والإقليمية والدولية من أحاديثَ باهتةٍ ومراوغة ودموية حول حلّ الدولتَين وترتيبات ما بعد حماس. هذا المخطّط يهدفُ إلى إفراغِ قطاعِ غزّة من ساكنيه، وضمّه للكيان الصهيونيّ الغاصب، وهو ما يدعو القيادة السياسيّة في حركة حماس خارج فلسطين والقوى الإقليمية والدولية التي تساندها، إلى التحرّك الجادّ والحثيث والعاجل للحيلولة دون وقوعه. وقد استعرضنا في المقال السابق أبرزَ الأسباب التي ترجّح هذا المخطّط. ونتناول في هذا المقال المراحلَ المتوقّعة التي سيمرّ بها، وصولًا إلى الخيارات الممكنة أمام حركة حماس والشعب الفلسطيني لمواجهته. منذ اليوم الأوّل لرد الفعل الصهيونيّ الوحشيّ البربريّ على قطاع غزّة؛ بدا واضحًا أنّ الكيان الصهيوني، يعمل مع الولايات المتحدة على تنفيذ مخطط أبعد بكثير من القضاء على حماس وتحرير الأسرى والرهائن، وهو مخطط إفراغ قطاع غزّة من السكان، ومن ثمّ ضمّه وليس مجرد احتلاله أو إدارته هذا المخطّط هو أحد السيناريوهات المحتملة لما قد تنتهي إليه الحرب، ونظرًا لخطورته ينبغي تسليط الضوء عليه، كي تسارع الأطراف المعنية إلى الحيلولة دون وقوعه. فمنذ اليوم الأوّل لردّ الفعل الصهيوني الوحشي البربري على قطاع غزة؛ بدا واضحًا أنَّ الكيان الصهيوني، يعمل مع الولايات المتحدة على تنفيذ مخطط أبعد بكثير من القضاء على حماس وتحرير الأسرى والرهائن، وهو مخطط إفراغ قطاع غزّة من السكان، ومن ثَمّ ضمّه وليس احتلاله أو إدارته، وهذا المخطط مرّ وما زال يمرّ- بعدّة مراحلَ على النحو التالي إنّ سيناريو مخطّط إفراغ قطاع غزّة من ساكنيه وضمّه للكيان الصهيونيّ الغاصب؛ يدعو القيادة السياسيّة في حركة حماس خارج فلسطين والقوى الإقليمية والدولية التي تساندها، إلى التحرّك الجادّ والحثيث والعاجل للحيلولة دون وقوعه وبحسَب التصريحات الأميركية، فإنَّ هذه المرحلة ستكون انتقالية، قد تمتد حتى نهاية سبتمبر أيلول 2025م، حسَب الفترة التي يغطيها الدعم الإنساني العاجل الذي طلبته الإدارة الأميركية من الكونغرس لمساعدة اللاجئين. ومن المتوقع أن يتم في هذه الفترة ما يأتي أما من سيرفض من الشعب الفلسطيني النزوح، ويصرّ على البقاء، فسيقضي أيامًا مرعبة شديدة القسوة قبل انتظار قصف منزله على رأسه، بحجّة أنَّه من خلايا المقاومة. فإذا سارت هذه العوامل في صالح الكيان الصهيوني، فمن المتوقع انتهاء الحرب في أقلَّ من عامَين، إما بالقضاء على حماس وفصائل المقاومة، أو بخروجهم من قطاع غزة بوساطة إقليمية ودولية، على غرار ما حدث لقوات منظمة التحرير الفلسطينية عند خروجها من لبنان عام 1982م بعد حوالي ثلاثة أشهر من القتال الشرس مع قوات الكيان الصهيوني. وهو ما سيهيئ الأمور للمرحلة التالية. إنَّ هذا السيناريو ليس محضَ خيال، فالتحالف الصهيو-أميركي لن يجد فرصة لتحقيقه أفضل من هذه الفرصة. فهل سينجح في ذلك؟ وما هي الخيارات أمام حركة حماس والمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في قطاع غزة للحيلولة دون ذلك؟ هذا ما سنتناوله في المقال القادم بإذن الله. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/10/%d9%87%d9%84-%d8%b3%d9%8a%d8%aa%d9%85%d9%83%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%87%d9%8a%d9%88%d9%86%d9%8a%d9%91-%d9%85%d9%86-%d8%b6%d9%85%d9%91-%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-10T11:27:05
2023-11-10T11:27:05
مقالات
2,293
أميركا وإسرائيل.. وخُطة الانتقام من صلاح الدين الأيوبي
الجميع يعرف منذ البداية أنّ “داعش” كانت من صنع الولايات المتحدة، والهدف، من صناعتها، كان دعم تنظيم PYD؛ لإنشاء قوة منظمة ومسلحة من “الأصدقاء” المحليين هناك؛ لتستخدم هذه القوة ضد تركيا عند الحاجة.
بينما تستمرّ هجمات الإبادة الوحشية الإسرائيلية ضد غزة والضفة الغربية بكل عنفها، يُظهر مجاهدو كتائب القسّام في غزة، أمثلة بطولية فريدة للمقاومة. منذ السابع من أكتوبر 2023، تبتعد إسرائيل يومًا بعد يوم عن الأهداف التي أعلنتها لهجومها على قطاع غزة، ويزداد اطّرادًا جنونُها، وتدميرها ووحشيّتها، وتحاول استغلال كل فرصة ممكنة. في هذه اللحظة، تحديدًا من الفشل الإسرائيلي، كنا سنفاجأ لو لم يَظهر حزب العمال الكردستاني الإرهابي -كعادته في هذه المواقف- على مسرح الأحداث، فكل قنبلة تنفجر في غزة تشعل نارًا في قلب تركيا وشعبها. ومع اشتعال النار، تعلن تركيا دعمها للمقاومة، شعبًا وحكومة. بل إنها تتبنى الموقف الأكثر قوة وإدانة لإسرائيل بين دول العالم، ولا سيما الإسلامية منها. وكل هذا بالطبع لا يكفي لردع إسرائيل، بل يزيد من جنونها، ويجعلها لا تتردد في استخدام أهم ورقة لديها ضد تركيا حليفها حزب العمال الكردستاني الإرهابي، PKK. قول الرئيس الأميركي جو بايدن لا يحتاج المرء إلى أن يكون يهوديًا ليكون صهيونيًا، لا يمثل فقط وجهة نظره، بل يعبّر عن الولاء لخطة يؤدي اليمين لها جميع رؤساء الولايات المتحدة، بطريقة ما حزب العمال الكردستاني ليس الورقة الوحيدة في يد إسرائيل، أو الولايات المتحدة ضد تركيا، كما أنه ليس مجرد أداة تستخدم ضد تركيا فحسب، الأبعاد أعمق من ذلك بكثير. يجدّد نتنياهو، القاتل المتبجّح- الذي يتهمه الرئيس أردوغان بالإبادة الجماعية- اتهاماته ضد تركيا، قائلًا، بلا خجل ليس لدينا درس في الإنسانية نتعلّمه من أردوغان الذي يقصف قراه، معيدًا تسخين البطاقة التي استخدمها ضد تركيا لسنوات. بعده مباشرةً، يشارك ابنه منشورًا على حسابات التواصل الاجتماعي، يقول كردستان حرّة، وتصل الإشارة إلى الوكلاء الإرهابيين، كما لو كانوا قد تلقوا التعليمات؛ فيقتل حزب العمال الكردستاني 12 جنديًا تركيًا في هجمات خسيسة في شمال العراق. نحن لم نكتشف اليوم فقط -مع الهجوم على غزة- أن إرهاب إسرائيل وإرهاب حزب العمال الكردستاني هما وجهان لذات المشروع الكبير. فالعلاقة بين الاثنَين واضحة جدًا، والدعم الصريح الذي تقدمه الولايات المتحدة- راعية إسرائيل الكبرى- لفروع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وسوريا، لم يعد سرًا منذ فترة طويلة. فرغم تحذيرات تركيا الدائمة، ورغم إدراج الولايات المتحدة حزبَ العمال الكردستاني في قائمتها الرسمية للمنظمات الإرهابية، فإنها على أرض الواقع لم تتراجع يومًا عن دعمه. وعندما قدّمت 10 آلاف شاحنة مليئة بالأسلحة إلى عناصر PYD الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، أمام أعين العالم، كانت الحجّة التي قدّمتها بلا خجل التحالف ضدّ داعش. لكن الجميع يعرف منذ البداية أنّ داعش كانت من صنع الولايات المتحدة، والهدف، من صناعتها، كان دعم تنظيم PYD؛ لإنشاء قوة منظمة ومسلحة من الأصدقاء المحليين هناك؛ لتستخدم هذه القوة ضد تركيا عند الحاجة، وهي تُستخدم بالفعل، لكن سبب وجودها طويل الأمد أكثر تعقيدًا. لهذا يجب أن نعاود التمعّن في خطة إسرائيل الشهيرة للتمدد في أرض الميعاد التي تمتدّ من النيل إلى الفرات. وهي الخطة التي لو كنا تحدثنا عنها في وقت سابق، لاتّهمنا بالعيش في أوهام نظرية المؤامرة، ولما تم أخذ حديثنا على محمل الجِد. ولكن ها نحن اليوم، لا نجد إلا سببًا وحيدًا معقولًا- لهذا الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة، وإسرائيل لهذا التنظيم الإرهابي- وهو السعي لتنفيذ تلك الخطة. قول الرئيس الأميركي جو بايدن لا يحتاج المرء إلى أن يكون يهوديًا ليكون صهيونيًا، لا يمثل فقط وجهة نظره، بل يعبّر عن الولاء لخطة يؤدي اليمين لها جميع رؤساء الولايات المتحدة، بطريقة ما. إنه دليل على أن الحكّام الكبار للنظام العالمي- الذين جعلوا العلمانية شبه واجبة على العالم كله، خاصة تركيا والعالم الإسلامي- يعيشون بقلوبهم وعقولهم في زمن الكتاب المقدس. وتحقيقُ دولة إسرائيل الممتدة من النيل إلى الفرات بالنسبة لهم هو خُطة إستراتيجية واضحة جدًا. والدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل وحزب العمال الكردستاني -على الرغم من تبعاته على سمعتها ومصالحها والتعاطف معها- لا يمكن فهمه إلا في إطار هذه الخُطة. اهتمام الولايات المتحدة أو إسرائيل بحزب العمال الكردستاني لا يأتي من حبهما للأكراد. فتلك الوحوش التي تذبح بشهية كبيرة الأطفال في غزة- حتى في الحضانات أو في أرحام الأمهات- ماذا تعرف عن الحب الإنساني؟ حزب العمال الكردستاني بالنسبة لهم مجرد أداة للانتشار في المنطقة، وهم بحاجة إلى هذه الأداة. الصهاينة يحبون الأكراد بقدر ما يحبون الأدوات التي يستخدمونها. حتى لو استولى اليهود، الذين يبلغ مجموع سكانهم في العالم نحو 12 مليونًا، على كل الأراضي من النيل إلى الفرات، فهل يستطيعون الاحتفاظ بها؟ نصف هؤلاء لا يعيشون في إسرائيل، ومن الصعب جدًا إقناعهم بالقدوم إلى هناك. وبقيتهم يتذمرون في الأغلب من سياسات حكومتهم في تل أبيب، فكيف يمكن لهم في هذه الحالة حكمُ دولة تمتد من النيل إلى الفرات بسلام وأمان واستقرار؟ كيف يمكن للقوة الصهيونية الانتشار في هذه المنطقة؟ هذا السؤال يفتح الباب لتفسير كل الأنشطة الإرهابية والاضطرابات والحروب التي تم إشعالها في المنطقة الممتدة من النيل إلى الفرات في السنوات الأخيرة. اليهود بأنفسهم لا يمكنهم الانتشار والسيطرة على هذه الأراضي، مهما بلغت قوتهم. لذلك يحتاجون إلى عبيد ترتبط مصالحهم بهم، ويعملون طوع إشارتهم. تسعى العصابات الصهيونية التي تحميها الولايات المتحدة، للتمدد إلى كردستان عبر استعباد هذا التنظيم الإرهابي المتطلع للسلطة المسمى حزب العمال الكردستاني بفروعه المختلفة. وسيتم توظيف عبيد آخرين في أماكن أخرى بالطبع. السكان اليهود لن يكونوا -أبدًا- كافِين لملء أرض الميعاد أو السيطرة عليها بمفردهم. فهم حتى هذه اللحظة -وبكل ما لهم من قوة- لم يستطيعوا البقاء في غزة أو الضفة الغربية، كما لم يستطيعوا الصمود في سيناء في الماضي. قوتهم غير كافية، والأهم أن عددهم لا يكفي، ولا قلوبهم تملك الشجاعة الكافية. بين عامَي 1917 و1947، تم إنشاء دولة إسرائيل على يد عصابات صهيونية عملت تحت الحماية المباشرة لبريطانيا. والآن، يتصور هؤلاء أن النتيجة نفسها يمكن تحقيقها في بقعة أخرى من هذه المنطقة باستخدام الطرق نفسها، ولكن هذه المرّة على يد عصابات حزب العمال الكردستاني الإرهابية PKK التي تعمل تحت الحماية الأميركية. هي مفارقة غريبة؛ حيث يسعون لتحقيق حُلم الأرض الموعودة التي تمتدّ من النيل إلى الفرات، بيد من؟ بيد أحفاد الأسد البطل الذي حرّر القدس من الاحتلال الصليبي. إنها محاولة انتقام جديدة من صلاح الدين الأيوبي. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/2/%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d8%a7-%d9%88%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%88%d8%ae%d9%8f%d8%b7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%86
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-01-02T06:44:14
2024-01-02T06:44:14
مقالات
2,294
مقتلة غزة.. حين تعرّى الجميع
إن مقتلة غزة عرّت وكشف سوءات الجميع شرقًا وغربًا، ولم ينجُ من ذلك سوى ضحاياها الذين سقطوا ودفعوا أرواحهم ثمنًا للحرية ضد محتل متطرف ومجنون.
لم يفاجئني أو يصدمني تصريحُ وزير التراث الإسرائيليّ عميحاي إلياهو الذي طالبَ فيه بضرب قطاع غزّة بقنبلة نوويّة والتخلّص من الفلسطينيين كافةً. بل إن تصريحه هو التطوُّر الطبيعيّ للمقتلة التي تجري في قطاع غزّة، ونتابعها على الهواء مباشرة صوتًا وصورة، دون أن يتحرّك أحد بجدّية لإيقافها. تصريحُ عميحاي يأتي في سياق أوسع من الشراكة الغربية، وليس فقط التواطؤ، قولًا وفعلًا فيما يجري بقطاع غزة، وهو- قطعًا- ليس نشازًا أو غريبًا عنه. فإذا كان مقتل ما يزيد على عشرة آلاف شخص- أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، وإصابة الآلاف، وهدم ما يقرب من نصف المنازل والبيوت في قطاع غزة على رؤوس أصحابها- لم يحرّك ساكنًا سواء لدى العرب أو الغرب، فماذا نتوقّع من مسؤول صهيونيّ متطرف؟ حقيقة الأمر، فإن مقتلة غزة عرّت وكشف سوءات الجميع شرقًا وغربًا، ولم ينجُ من ذلك سوى ضحاياها الذين سقطوا ودفعوا أرواحهم ثمنًا للحرية ضد محتل متطرف ومجنون. فشل العرب جميعًا في توفير الحماية لشعب غزّة الأعزل، ولم يجرؤُوا على اتخاذ موقف قوي يمكنه ردع إسرائيل ووقف جرائمها. وظلت مطالبهم بوقف إطلاق النار مجرد كلمات تتكسّر على صخرة التواطؤ والفيتو الأميركيّ. عرّت مقتلة غزة الكثير من ادعاءات الغرب وإعلامه ونخبته حول احترام حقوق الإنسان. وقد سقطت وسائل الإعلام الغربية سقوطًا مروّعًا في فخّ الانحياز الأعمى للرواية الإسرائيلية الكاذبة خمس دول عربية تطبّع علاقاتها مع الكيان ولم تجرؤ إحداها على استدعاء سفير الكيان لديها؛ لإبلاغه احتجاجها على ما يجري في قطاع غزة، ناهيك عن سحب سفيرها من تل أبيب أو التهديد بقطع العلاقات. سحبت الأردن سفيرها بعد مرور شهر على المقتلة وبعد سقوط الآلاف من الضحايا ما بين شهداء ومصابين، ولكن إسرائيل لم تكترث أو تهتمّ واستمرت في مسلسل القصف والقتل. جاء وزير الخارجية الأميركي بلينكن للمنطقة، ليس لوقف الحرب وإنقاذ بعضٍ مما تبقى من ماء وجه بلاده، ولكن لتقديم الغطاء وشراء الوقت لإسرائيل من أجل ارتكاب المزيد من المذابح والمجازر. جاء وفي جَعبته اقتراح خجول، ومفهوم جديد أدخله في قاموس النزاعات والحروب، اسمه هدنة إنسانية مؤقتة Humanitarian Pause. لم يجرؤ الرجل على اقتراح هدنة طويلة المدى، وكيف ذلك وهو يشاطر إسرائيل هدفها الأحمق والمجنون بمحاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية، ورغم ذلك قرّعه بنيامين نتنياهو ورفض مقترحه بالهدنة الإنسانية، وردّ على مقترحه عمليًا بقصف ثلاثة مستشفيات وعدة مدارس تؤوي نازحين فلسطينيين، وبإسقاط المزيد من القنابل الفسفورية على أطفال ونساء قطاع غزة. ثم ذهب إلى عمّان كي يكرّر نفس كلامه الممجوج حول حق إسرائيل في الدفاع عن النفس. وهو يعلم جيدًا أن ما تفعله تل أبيب ليس دفاعًا عن النفس، بل هو هجوم جنوني على شعب أعزل ومحاصر منذ أكثر من عقد ونصف. جاء ليكرر أكاذيبه حول استخدام المقاومة أهالي غزة كدروع بشرية، وذلك في تبرير فج لجرائم إسرائيل ضد المدنيين من الأطفال والنساء. وكان تحدث- بوجه بارد قبل زيارته في الكونجرس الأميركي- حول ضرورة دعم إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين، فقاطعه نشطاء أميركيون واتهموه بالتواطؤ مع ما يجري في غزة، مطالبين بوقف إطلاق النار وإنهاء المقتلة فورًا. يحاول بلينكن، ومن خلفه رئيسه جو بايدن، شراء أكبر قدر ممكن من الوقت لصالح إسرائيل من أجل إتمام عمليتها البرية في قطاع غزة وتهجير سكانها. بايدن- الذي يفخر بكونه صهيونيًا رغم أنه ليس يهوديًا- يتوسل الآن لنتنياهو كي يوافق على مقترح وقف تكتيكي للقتال من أجل ضمان السماح للمدنيين بالهروب من جحيم القصف الإسرائيلي. أما الأكثر دهشة واستغرابًا، فقد جاء قبل يومين حين طلبت إدارة بايدن من الكونجرس الأميركي نقل قنابل دقيقة التوجيه لإسرائيل بقيمة 320 مليون دولار، وذلك بدلًا من القنابل الكبيرة التي تلقيها إسرائيل على الفلسطينيين. أي أن بايدن يقول لنتنياهو بدلًا من أن تقتل 200 فلسطيني أو أكثر، يمكن أن تكتفي فقط بقتل خمسين فلسطينيًا أو مائة. فيا لعطف بايدن وإنسانيته أيضًا، عرّت مقتلة غزة الكثير من ادعاءات الغرب وإعلامه ونخبته حول احترام حقوق الإنسان. وقد سقطت وسائل الإعلام الغربية سقوطًا مروّعًا في فخّ الانحياز الأعمى للرواية الإسرائيلية الكاذبة حول ما يجري في قطاع غزة. وشاهدنا تعليقات المذيعين والمراسلين لكبريات الشبكات الإخبارية مثل سي إن إن وبي بي سي وغيرهما، وجميعها ينضح بالتحيز الأعمى لإسرائيل، ويتغافل عمدًا عن أصل المشكلة في فلسطين وهو الاحتلال الإسرائيلي. وقرأنا مانشيتات وعناوين لصحف أميركيّة كانت تحظى بقدر من المصداقية مثل واشنطن بوست ونيويوك تايمز وول ستريت جورنال، وهي تدافع عن وحشية وهمجية إسرائيل في قتل الأطفال والنساء والمدنيين. في حين تابعنا، ولا نزال، حملات التخويف والترويع والاستهداف التي تقوم بها الشبكات الداعمة لإسرائيل داخل الجامعات الغربية، خاصة في أميركا وألمانيا وفرنسا ضد كل من ينتقد جرائم إسرائيل تجاه سكّان قطاع غزّة. بل وقرأنا مقالات في هذه الجرائد تدافع عن الاحتلال الاستيطاني في فلسطين وتهاجم كل من يتحدث عنه أو يناقشه ولو من منظور بحثي وأكاديمي. ستظل مقتلة غزة شاهدةً على أكبر عملية تواطؤ ضد شعب أعزل، وستظل صور أطفال غزة- الذين قتلتهم إسرائيل بوحشية- كابوسًا يطارد كلَّ مَن كان بإمكانه وقف هذه المقتلة، أو على الأقلّ رفضها وانتقادها، ولم يفعل الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/8/%d9%85%d9%82%d8%aa%d9%84%d8%a9-%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%91%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d9%8a%d8%b9
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2023-11-08T12:37:00
2023-11-08T12:37:00
مقالات
2,295
هؤلاء قتلهم الموساد فاشتدت المقاومة
بينما تروج إسرائيل لاغتيال نصر الله كضربة قاضية ضد التنظيم، يكشف لمحة سريعة في التاريخ أن مثل هذه الاغتيالات لا تقتلع المقاومة، بل تزيدها شدة.
بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في غارة جوية مدمرة على حي الضاحية في بيروت، ذهب الجيش الإسرائيلي إلى منصة إكس ليعلن بفخر أن نصر الله لن يتمكن بعد الآن من إرهاب العالم. قد يُغتفر للمراقب الموضوعي إذا لم يستطع أن يكتشف كيف يمكن أن يكون نصر الله مسؤولًا عن الإرهاب الأرضي، في حين أنه ليس من يقود إبادة جماعية في قطاع غزة منذ ما يقرب من عام. وبالطبع، هو ليس من قتل أكثر من 700 شخص في لبنان في أقلّ من أسبوع. تتفاخر إسرائيل بكل ذلك، كما تتفاخر بتدمير العديد من المباني السكنية وسكانها في سعيها لقتل نصر الله، وهو مثال جيد على إرهاب العالم. وبينما تروج إسرائيل لاغتيال نصر الله كضربة قاضية ضد التنظيم، تكشف لمحة سريعة في التاريخ أن مثل هذه الاغتيالات لا تقتلع المقاومة، بل تزيدها شدة. خير مثال على ذلك هو عباس الموسوي، المؤسس المشارك لحزب الله وثاني أمين عام له، والذي تم اغتياله في عام 1992 في جنوب لبنان بواسطة مروحيات إسرائيلية، ما أسفر أيضًا عن مقتل زوجته وابنه البالغ من العمر خمس سنوات. في هذه المناسبة أيضًا، كانت إسرائيل سريعة في تهنئة نفسها على إنجازها الدموي، لكن الاحتفال كان مبكرًا بشكل مأساوي. بعد اغتيال الموسوي، تم انتخاب نصر الله أمينًا عامًا، واستطاع أن يحول حزب الله إلى قوة هائلة ليس فقط في لبنان، بل في جميع أنحاء المنطقة. تحت قيادته، طرد حزب الله إسرائيل من الأراضي اللبنانية في عام 2000، منهيًا بذلك احتلالًا وحشيًا دام 22 عامًا، ونجح في ردع الجيش الإسرائيلي خلال حرب الـ 34 يومًا على لبنان في عام 2006، مُلحِقًا بالجيش الإسرائيلي ضربات مهينة. وفي غضون ذلك، لم يؤدِ الهوس المستمر لإسرائيل بقتل شخصيات حزب الله إلى إضعاف التنظيم. فمثلًا، أدى الاغتيال المشترك للموساد وCIA في سوريا، قائدَ العمليات العسكرية لحزب الله، عماد مغنية، في عام 2008، إلى رفع مكانة الرجل إلى مستوى أسطوري في قاعة مشاهير حزب الله. وبطبيعة الحال، هناك العديد من الاغتيالات التي استهدفت قادة فلسطينيين على مدار عقود، والتي لم تثنِ الفلسطينيين عن الرغبة في الاستمرار في الوجود. ووفقًا لتقارير أسوشيتد برس، قُتل العديد من قادة منظمة التحرير الفلسطينية PLO في شققهم في بيروت عام 1973 على يد كوماندوز إسرائيليين في غارة ليلية بقيادة إيهود باراك، الذي أصبح فيما بعد قائد الجيش الإسرائيلي ورئيس الوزراء. ووفقًا للتقرير، قُتل كمال عدوان، المسؤول عن عمليات منظمة التحرير في الضفة الغربية المحتلة، ومحمد يوسف النجار، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وكمال ناصر، المتحدث باسم المنظمة، وهو كاتب وشاعر كاريزمي. وقعت هذه الأحداث بعد عام من اغتيال غسان كنفاني، الأديب والشاعر الفلسطيني البارز، والمتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، على يد الموساد في بيروت مع ابنة أخته البالغة من العمر 17 عامًا. لم تساهم هذه الاغتيالات وغيرها من الشخصيات الفلسطينية البارزة في كبح حركة المقاومة الفلسطينية. وكما أظهرت الانتفاضتان الأولى والثانية في الثمانينيات والألفينيات، يمكن للفلسطينيين إطلاق انتفاضات شعبية جماهيرية حتى دون قادة سياسيين أو عسكريين لتنظيمها. وكما سعت إسرائيل إلى القضاء على جماعات المقاومة التقليدية، ظهرت مجموعات جديدة. كان هذا هو الحال مع حماس، التي كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في غزة سعيدة بتشجيعها في البداية كقوة موازية لمنظمة التحرير. وفي النهاية، وجدت حماس نفسها أيضًا هدفًا لإستراتيجية الاغتيال الإسرائيلية، التي فشلت كالمعتاد في تحقيق أهدافها المعلنة. في عام 1996، قتلت إسرائيل مهندس حماس يحيى عياش بزرع متفجرات في هاتفه المحمول ربما تمهيدًا لما قامت به إسرائيل مؤخرًا من تفجير أجهزة النداء وغيرها من الأجهزة الإلكترونية في جميع أنحاء لبنان. ثم كان هناك اغتيال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حماس، في مارسآذار 2004 في غزة عبر ضربة من مروحية. وخلفه عبد العزيز الرنتيسي، الذي اغتيل أيضًا في غارة جوية إسرائيلية بعد أقل من شهر. ومع ذلك، وعلى الرغم من تحمل ثلاث حروب مدمرة، بالإضافة إلى الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة والاغتيالات المتكررة، تمكنت حماس من بناء قدرات كافية لتنفيذ هجوم 7 أكتوبرتشرين الأول على إسرائيل. والآن، لم يفعل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في يوليوتموز 2024 أحد المفاوضين الرئيسيين على صفقة لوقف إطلاق النار في غزة والذي كان يُعتبر دوليًا معتدلًا شيئًا لتقليص المقاومة الفلسطينية، لكنه أكد التزام إسرائيل بإفشال أي فرصة لوقف القتل الجماعي. أما بالنسبة لموت نصر الله، فيجدر التذكير بأن وجود حزب الله نفسه هو نتيجة نزعة إسرائيل للقتل الجماعي، وتحديدًا الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، الذي أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين. كان هذا الغزو، الذي أُطلق عليه عملية سلامة الجليل، يهدف إلى القضاء على المقاومة المناهضة لإسرائيل في لبنان، لكنه زادها قوة. كانت الذريعة المستخدمة لتبرير العملية هي محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في المملكة المتحدة، شلومو أرغوف. وقد نجا أرغوف، وهو امتياز لم يُمنح للضحايا اللبنانيين والفلسطينيين لعملية سلامة الجليل. إذا كان مجرد محاولة اغتيال فاشلة ضد دبلوماسي قد قدمت لإسرائيل ذريعة لذبح جماعي، فمن العجب أن الإدارة الإسرائيلية لا تفكر في نوع الانتقام الذي قد ينجم عن اغتيال شخصيّة عربيّة بارزة مثل نصر الله، لا سيما في ظل إبادة جماعية مستمرّة للعرب الآخرين. ومع ذلك، فإن تمهيد الطّريق لحرب دائمة وأكثر جنونًا هو بلا شكّ الهدف الأساسي. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/10/3/%d9%82%d8%aa%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b3%d8%a7%d8%af-%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d9%89-%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%b4-%d9%88%d8%ba%d8%b3%d8%a7%d9%86-%d9%83%d9%86%d9%81%d8%a7%d9%86%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-10-03T04:00:00
2024-10-03T07:17:12
مقالات
2,296
100 يوم من العدوان على غزة.. وانعكاساته أوروبيًا
ما يحدث من صراع في فلسطين المحتلة هو شأن أوروبي محلي بامتياز وانعكاساته فورية. وهذا تجلّى بالفعل طَوال المائة يوم الماضية من العدوان على غزة، وأخذ منحناه تقلبًا صعودًا ونزولًا على جانبَي الصراع.
كان لأحداث السابع من أكتوبر- وما تلاها من عدوان وحشي وجرائم إبادة جماعية وسياسية وتطهير عِرقي ممنهج من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في غزة انعكاسٌ حادّ على كافة الصُّعد السياسية والشعبية والإعلامية والقانونية في الغرب الأوروبي، مما يعد زلزالًا سياسيًا حقيقيًا بعدة مقاييس، وسيكون له آثاره الإستراتيجية في مسار التعامل الأوروبي مع الملف الفلسطيني في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء. نفهم هذه الآثار في سياق العلاقة الإستراتيجية والمتينة بين دولة الاحتلال وأوروبا الغربية على الصعيد القاري الاتحادي والقُطري وبدرجات. ويأتي هذا تاريخيًا في كافة مجالات الحياة ابتداءً من قرار إنشاء الدولة قبل أكثر من مئة عام، ثم العمل على قيامها وإرساء دعائمها، خاصة أنها تقع في محيط معادٍ بالعموم، وكذا السهر على تطورها واستقرارها واستمرارها قوية في المنطقة طَوال 76 سنة من وجودها. وقد أضحت دولةُ الاحتلال جزءًا أصيلًا عضويًا ضمن النسيج الأوروبي في كافة مناحي الحياة، ولها مكانة خاصة في كافة الأبعاد حتى الاجتماعية والثقافية والمجالات التفصيلية الأخرى، وهي حاضرة لناحية دعمها بقوة في المنصات الإعلامية الرسمية والخاصة، فأوروبا تعتبر بامتياز امتدادًا طبيعيًا لدولة الاحتلال. والشواهد في هذا السياق أكبر من أن تُحصى، ومنها الاتفاقات والامتيازات التجارية الخاصة والدعم العسكري والتغذية التكنولوجية، ووجود دولة الاحتلال في كافة المسابقات الرياضية والثقافية بكامل الأهليّة ودون توقف أو احتجاج من أحد، وحجم وجود وعمق نفوذ الأقلية اليهودية في الدول الأوروبية المختلفة وتأثيرهم في القرار السياسي والحضور الإعلامي، وأن يكونوا مرشحين متى شاؤُوا كمهاجرين لدولة الاحتلال ضمن قانون العودة اليهودي، بما يغذي عصب الدولة في البُعد الديمغرافي وامتداداته في القطاعات كافة، ومنها الجيش، وما يعنيه ذلك من انغماس أوروبي كامل في الصراع وأن يكونوا وجهًا لوجه أمام الفلسطينيين. وفي المقابل، فإن تطور حضور فلسطين لناحية دعم عدالة قضيتها وبأشكال عدة أضحى ملحوظًا، فوجود الأقلية الفلسطينية عددًا، وتوزعها على امتداد جغرافيّة القارة، وخاصة ألمانيا والسويد والدانمارك وبريطانيا وبلجيكا وهولندا مع اختلاف الإحصاءات لتعدادهم والتقديرات تتراوح بين نصف مليون إلى سبعمئة ألف، وكذا الحال للأقلية العربية والمسلمة بما يصل عددهم إلى 30 مليون عربي ومسلم، وتنامي حركة دعم فلسطين من قبل الشعوب الأوروبية الأصليّة، حيث أدى لذلك عوامل عديدة وأصبحت آثارها ونفوذها واضحة خاصة حركة المقاطعة. وأصبح مع هذا كله هناك تشكل واضح لمعسكرَين فلسطيني وإسرائيلي على المقاس الأوروبي مع اختلاف وزنهما وتأثيرهما، وهذا أفرز سجالًا وصراعًا منضبطًا تحت سقف القانون، وهو معلن ويتمظهر بأشكال عديدة ومنوعة وتضبطه القوانين الأوروبية ودولة القانون. إذن فما يحدث من صراع في فلسطين المحتلة هو شأن أوروبي محلي بامتياز وانعكاساته مباشرة وفورية. وهذا تجلّى بالفعل طَوال المئة يوم الماضية من العدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأخذ منحناه تقلبًا صعودًا ونزولًا على جانبَي الصراع في كافة المجالات المفتوحة والمتاحة لكي يغذّي كل طرف روايته وسرديته. فأخذ كل معسكر يغذّي موقفه في مجالات تأثيره بما يعكس قناعاته الممتدة في محاولات لاختراق مساحات الآخر. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ للتفاعل الأوروبي بعدَين؛ هما رسمي وشعبي، وهناك مسافة تزداد اتساعًا بينهما بالعموم في إنصاف الحقوق الفلسطينية. فعلى المستوى السياسي تماهى الموقف الجمعي الرسمي الأوروبي على مستوى الاتحاد الأوروبي وكذلك العديد من الدول على المستوى القُطري وأبرزها ألمانيا إلى حد بعيد مع دولة الاحتلال بإعطائها كل الحق بالدفاع عن نفسها بلا حدود، وانعكس ذلك في تصويت البرلمان الأوروبي بشبه إجماع يوم 19 أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي 2023 بأغلبية 500 صوت ضد 21 وامتناع 24 حيث أعطى غطاءً لعمليات دولة الاحتلال. وتزحزح الموقف قليلًا بعد فظاعة المجازر وعوامل أخرى إلى أن يُقر بحق الرد مع مراعاة القانون الدولي الإنساني في حماية المدنيين، مع ثباته بعدم دعم وقف العدوان ودخول المساعدات الإنسانية دون شروط. ولعوامل عديدة أبرزها وحشية العدوان وآثاره الكارثية، وكذلك حراك التضامن الشعبي الأوروبي، فقد أخذت دول أوروبية منفردة موقفًا ينأى بنفسه عن الموقف الجمعي الأوروبي؛ كإسبانيا، وبلجيكا، وأيرلندا، وأخذ الموقف الفرنسي شكلًا جديدًا بعيدًا عن الحدية السياسية المطلقة كألمانيا، وظهر ذلك في تصويت مجلس الأمن؛ دعمًا لمشروع القرار العربي الذي أُفشل بالفيتو الأميركي. وكذا الحال خارج الاتحاد الأوروبي في النرويج، ونذكّر هنا بالمؤتمر الصحفي لرئيسَي وزراء إسبانيا، وبلجيكا أمام معبر رفح، مطالبَين بدخول المساعدات، وكذلك التصويت التاريخي يوم 15 نوفمبر تشرين الثاني؛ لطرد سفيرة دولة الاحتلال من دبلن، والذي حصل على 55 مطالبين، مقابل 85 رافضين، في تقارب إستراتيجي ملحوظ . وانتهى الموقف الرسمي الجمعي الأوروبي في القمة الأوروبية منتصف الشهر الماضي ديسمبر كانون الأول بفشلها في إصدار بيان خاص بما يجري بفلسطين، مكتفية بالإشارة في البيان العام إلى أنه جرى حوار حول الشرق الأوسط. وهذا يعكس الخلافات والتباين في المواقف بما يعتبر بحد ذاته إيجابيًا. وعليه نعتبر أن الحصيلة السياسية أعطت نقاطًا لصالح فلسطين وحدوث شقوق واضحة في الجدار السياسي الأوروبي الذي تستند إليه دولة الاحتلال. ومن المهم التوقف عند محطات وأنشطة شعبية في عموم القارة كانت موجهة بشكل مباشر للسياسيين والتواصل معهم والتأثير عليهم سواء على مستوى الحكومات أو البرلمان. فقد عمَّت مظاهرات واعتصامات ووقفات وفعاليات فيما وثّقه المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام بأكثر من 6000 نشاط في أكثر من 400 مدينة أوروبية ممتدة في 15 دولة خلاف بريطانيا خلال الـ 90 يومًا الأولى من اندلاع العدوان، مع تنوع المتظاهرين بمختلف الأعراق والثقافات والخلفيات السياسية والأعمار. وما زالت المظاهرات في تنامٍ واتساع، فقد أعلن المتضامنون في إسبانيا عن تنظيم مظاهرات يوم السبت القادم 20 يناير في 67 مدينة بالتوازي، وهكذا حضرت المشاهد في الشوارع الأوروبية التي عكسها الإعلام ليكون لها عظيم الأثر سياسيًا. وانتهج المتضامنون أشكالًا اقتحمت الحياة العامة في أوروبا، وهنا نذكر الإضرابات العفوية في محطات القطارات، وأبرزها هولندا، حيث تكرر في عدة أيام متباعدة كمشهد التظاهر في تسع محطات في الوقت نفسه وبالتوازي. وكذلك العرائض السياسية كعريضة الدانمارك المطالبة بوقف العدوان، والتي وقع عليها 80 ألف شخص، وهناك القطاع الطبي الأوروبي وانخراطه بفاعليّة بالتظاهر ودعم القطاع الطبي المنكوب في غزة، ومسيرات المعاطف البيضاء التي عمت أوروبا. ولم يكترث المتظاهرون بأي ظروف أو معوقات تحول دون استمرار نشاطاتهم. ونشير في سياق المجهود الشعبي إلى الحملة التي أطلقها المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية ومقره بروكسل؛ لاستنهاض مناصري الحق الفلسطيني بأن يستعدوا باكرًا لانتخابات البرلمان الأوروبي المرتقبة في يونيو حزيران القادم، وأن تكون فلسطين حاضرة أمام المرشحين. وفي الجانب الإعلامي، فقد عكس الإعلام الأوروبي المرئي والمسموع والمكتوب ما يحدث في غزة، ونقل المظاهرات المذكورة آنفًا وتحول إلى إعطائها البعد الإيجابي الموضوعي. وفي الجانب الإعلامي أيضًا فقد انتقل الإعلام الأوروبي لمسافات ملحوظة اقترابًا من الرواية الفلسطينية، وهنا نذكر التقرير التفصيلي الذي أصدرته صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية يوم 8 ديسمبر كانون الأول، حول الشهيد الدكتور يوسف جادالله ألماني الجنسية والذي كان في إجازة في غزة، واستشهد هو وزوجته وأطفاله الثلاثة، وما كان مثل ذلك متوقعًا مع بداية العدوان. ونتوقف عند الإعلام الجديد ومنصات التواصل الاجتماعي وأثرها الانقلابي إيجابًا لصالح عدالة القضية، خاصة مع انخراط الجيل الجديد من الشباب وبأعداد ضخمة ومحترفة . كما أصبحت السردية الفلسطينية تفرض نفسها على الإعلام الغربي، فكان لملف جنوب أفريقيا في لاهاي- دفاعًا عن الشعب الفلسطيني- أثر بالغ، حيث تسيّد مشهد الإعلام باقتدار وامتياز، ومثال ذلك نقل صفحة BBC الإنجليزية تلخيص الملف القضائي لوفد جنوب أفريقيا بجملة إرادة المسؤولين الإسرائيليين بتدمير غزة. وهذا يدخلنا للجانب القانوني للمسألة، فعلى الجانب المساند لدولة الاحتلال، هناك من ذهب إلى قوننة دعم دولة الاحتلال وتحجيم ودفع حراك التضامن الفلسطيني للوراء، وأبرز مثال صارخ لذلك موقف ألمانيا، والذهاب بعيدًا بإصدار قوانين للحصول على الجنسية؛ بشرط إعلان موقف صريح من المتقدِّم باتجاه دولة الاحتلال. وفي المقابل، أخذ الحراك التضامني مع المظلمة الفلسطينية في المجال القانوني أشكالًا متقدمة إيجابية. نذكر منها التحالف القانوني الدولي الذي انضم إليه مئات القانونين، وقدمت شكاواه للمحكمة الجنائية الدولية نيابةً عن أهالي الضحايا، وهنا نشير إلى عنصر مهم ألا وهو وجود المئات من فلسطينيي غزة ممن هم مواطنون أوروبيون، مما يشكل عاملًا قضائيًا ضاغطًا بتقديمهم شكاوى، ومنهم من فقد العشرات من أهلهم من الدرجة الأولى للقرابة. وفي ذات المجال، جاءت جمهورية جنوب أفريقيا بمرافعتها في محكمة العدل الدولية وملفها الشامل في أن يكون للقضية مرجعية موثوقة لناحية وصف ما جرى من جرائم قتل وإبادة جماعية وتطهير عرقي وتدمير وتهجير وبالأرقام، وتدعيم ذلك عبر حضور شخصيات قانونية مرموقة، لتنتزع جنوب أفريقيا بذلك الإمامة السياسية دفاعًا عن القضية الفلسطينية عالميًا، وتضطر جميع المعنيين بالقضية -وعلى درجات أن يصطفوا خلفها مأمومين. نخلص إلى أنه وبعد 100 يوم من العدوان على غزة، فإن إيجابيات عديدة وإستراتيجية حصلت في أوروبا كسبتها القضية سياسيًا وقانونيًا وشعبيًا وإعلاميًا، ووجدت السردية الفلسطينية طريقها للضمير الجمعي الأوروبي، مما يتطلب استثمارًا حقيقيًا من قِبل الشعب الفلسطينيّ ومناصريه. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/15/100-%d9%8a%d9%88%d9%85-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa%d9%87
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-01-15T08:09:09
2024-01-15T08:09:26
مقالات
2,297
مظاهرات طلبة أميركا .. بداية تحول النظر إلى إسرائيل
إن الطلاب الغاضبين في كثير من الجامعات يزاوجون بين حريتهم وحرية الشعب الفلسطيني، فهم في حين يرفضون “الإبادة الجماعية” لأهل غزة،يطالبون بالإفراج عن الطلاب المعتقلين، وينادون بالامتثال للدستور الأميركي.
احتقنَ وجه المذيعة الألمانيّة، وأغلقت التسجيل سريعًا، وقالت لي آسفة جدًا، لا أستطيع أن أتركك تستمر. كنت وقتها أضرب مثلًا سريعًا، ينطوي على انتقاد الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل في الضفة الغربية، في معرض حديث عن الفرق بين العزلة المادية، كما في حال إسرائيل وجنوب أفريقيا، والعزلة الشعوريّة التي تحدث عنها سيد قطب، والعزلة النفسية التي تصيب مرضى الاكتئاب أو التوحديين الغارقين في العزلة والانطواء. قلت لها يومها وكان الحديث لصالح الإذاعة الألمانية باللغة العربية على هامش ندوة عقدت في مدينة إيرفورت- أتعجب من إغلاقك التسجيل، أين حرية التعبير التي تتحدثون عنها ليل نهار؟ أجابت على الفور إلا في هذا، فمجرد سماعي كلامك دون اعتراض قد يكلفني وظيفتي، وقد يتسبّب في مساءلتك هنا. قهقهتُ، وسألتها هل هذا مقبول بالنسبة لك؟ تلفتت حولها لتتأكد أن لا أحد يسمعها، وقالت أنا ضد هذا. إنه قيد شديد، لا مبرر له. نعم أنا أرفض بشدة الفظائع التي ارتكبها أودلف هتلر في حق اليهود، لكن لا أجد أي معنى أن يكون من حقي انتقاد الحكومة الألمانية بأقسى العبارات، بينما أمنع من مجرد إبداء أدنى ملاحظة على سياسة دولة أخرى. قلت لها يومها نحن في الشرق لا نرفض الهولوكوست فقط، بل نثمن ما قام به أجدادنا لحماية اليهود في بلادنا، والهاربين معهم من بلادكم؛ فرارًا من هتلر حين جاءت الجيوش الألمانية إلى شمال أفريقيا غازية، لكننا نتساءل متعجبين عن إلقاء أوروبا بأوزارها علينا، متخلصة من قسوتها التاريخية على اليهود، وحبسهم في غيتوهات تغلق عليهم عند حلول المساء، في وقت كانوا ممكّنين في الشرق، في الاقتصاد والثقافة والسياسة والمجتمع. هزّت رأسها، وكرّرت أسفها عما جرى، وقالت أرجو أن تتفهم هذا، ولا أدري ربما يأتي يوم ونراجع فيه الموقف كله، ولا تستمر الأجيال تحمل عقدة ذنب جريمة ارتكبها النازي، الذي تُحارب أفكاره في ألمانيا.، ولم يكن هناك ما أفعله أمام ذعرها، وإبداء رفضها المكتوم لهذا، سوى تفهّم موقفها، أو بمعنى أدقّ الإشفاق عليها، ومواصلة الحديث بعيدًا عن ذكر إسرائيل. تذكّرت هذا الحوار وأنا أرى اليوم الجامعات الأميركية تنتفض لنصرة قضية فلسطين، بل تتسع انتفاضتها نصرة للحرية في العموم. فالقمع الذي يقابل به كل من يعترض على سياسات إسرائيل يأتي بنتائج عكسية، بل يفتح أيضًا أذهان الطلاب اللامبالين أو المحايدين أو غير المشغولين بالسياسة وتصاريفها لماذا في بلد حرّ يُمنع الناس من حرية الكلام في قضية ما؟ إن الطلاب الغاضبين في كثير من هذه الجامعات يزاوجون بين حريتهم وحرية الشعب الفلسطيني، وبين أمنهم وأمن هذا الشعب. فهم في الوقت الذي يرفضون الإبادة الجماعية لأهل غزة، وفق ما انتهت إليه محكمة العدل الدولية، ويرفضون استثمار الولايات المتحدة في إٍسرائيل، خصوصًا في الصناعات العسكرية، يطالبون بالإفراج عن الطلاب المعتقلين، وينادون بالامتثال للدستور الأميركي الذي يقرّ الحرية في التعبير، دون مواربة، ويتعجبون من اتهامهم بـ معاداة السامية لمجرد أنّهم يرفعون أصواتهم ضد القتل والتدمير. هكذا أتاحت القضية الفلسطينية للطلاب الأميركيين، وفي بلدان غربية عدة، أن يضعوا حريتهم النظرية محل اختبار حقيقي في الواقع المعيش، ويضعوا الافتراض الذي سبق أن طرحه جون ماشايمر وستيفن والت وهما أكاديميان أميركيان مرموقان قبل عشرين عامًا تقريبًا عن تحول إسرائيل إلى عبء على الولايات المتحدة محلَّ تفكير. بل يمتد هذا الاختبار إلى ما يخصّ حالة الديمقراطية في المجتمع الأميركي نفسه، ومدى صلاحية بعض الأفكار الكبرى للتطبيق الآن. إن هذا يعيد إلى الأذهان ما سبق أن جرى في فرنسا، حيث هتف الطلاب الغاضبون في المظاهرات التي اجتاحت البلاد في شهري مايوأيار ويونيوحزيران من عام 1968 فلتسقط البنيوية، جنبًا إلى جنب مع شعار يسقط ديغول، باعتبارها سجنًا من اللغة، جدرانه من الأنساق والأنظمة، ولأنها، في نظرهم، تجعل الإنسان غريبًا أو مغتربًا بين هذه الجدران أو التحكّمات. رحل ديغول بالفعل، وخلع كثير من البنيويين أرديتهم، وتحطم النسق المنغلق التسلطي، المنطوي على مركز ثابت كالعلة الأولى، لتطل برأسها مناهج ونظريات واقترابات أخرى. وراجع بعض البنيويين مثل رولان بارت وألتوسير أفكارهم، وانضم إليهم آخرون، لتبدأ مرحلة ما بعد البنيوية، وهي مدرسة فكرية رفضت إصرار البنيوية على الأطر والهياكل كمسار إلى الحقيقة، والتعامل مع اللغة على أنها نطام مغلق، وانطلقت من أن المعنى غير مستقر، وأن وجود فجوة بين الدال والمدلول، مسألة حتمية، وجعلت القارئ هو الأهم وليس الكاتب، ودرست كلًا من النص وأنظمة المعرفة التي أنتجته، متجلية في التفكيكية، ونظريات ما بعد الحداثة. لم تنتهِ عوارف البنيوية تمامًا، إنما تم تطويرها وتحسينها، فكل ما بعدها لا يستبعد عطاءها المهم في تحليل النص من داخله، أو إعطاء اللغة وزنها في التحليل. وعلى المنوال نفسه ليس من المنتظر أن تنتهي الأفكار التقليدية التي عششت في الذهن الاجتماعي الأميركي طويلًا حول تقديس إسرائيل، فبعضها يستند إلى نصوص دينية وتأويلات ومصالح اقتصادية واسعة، لكن بعضها سيكون محل مساءلة كما كانت البنيوية في فرنسا. إن ما يفعله طلاب الجامعات في الولايات المتحدة، ليس هذا بالقليل، فكثير من التغيرات التي يشهدها الرأي العام، لاسيما في الدول الديمقراطية، يبدأ بطرح الأسئلة، واختبار صحة الافتراضات من عدمها. ومن ثم، وبمرور الوقت سيكسر الشباب في الغرب القيود التي تكبّل المواطن هناك حول إسرائيل، والتي تم فرضها عقودًا من الزمن، وتفهموها أو سكتوا عنها، أو لم يعنوا بها من قبل، ولم يفكّروا يومًا في أن يضعوها محل اختبار جادّ وحاسم. لا يبدو الأمر سهلًا وإلا ما كان أثار مخاوف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصفَ احتجاجات الطلاب الأميركيين ضد إسرائيل بأنها عمل مروع، وطالب، في كلمة مسجلة له، ببذل مزيد من الجهد للتصدي له، قائلًا هذا عمل غير معقول، ويتعين وقفه وإدانته على نحو لا لبس فيه، فيما يقول أكاديميون يهود مؤيدون لإسرائيل وأساتذة زائرون من إسرائيل نفسها؛ إن الاحتجاجات حولت الجامعات إلى بيئة معادية لهم، يشعرون فيها بالخطر. تحدث نتنياهو أيضًا عن تصاعد معاداة السامية لكن اشتراك يهود في الاحتجاجات من بينهم أعضاء في جماعة الصوت اليهودي من أجل السلام، يتخذ نقطة ارتكاز للرد على هذا الاتهام، بل يجعل الطلاب يفكرون جادين في هذه المسألة، التي كانوا يسلمون بها في الماضي دون نقاش، ويمكن لقول نتنياهو أن يزيدهم إصرارًا على مواصلة ما هم فيه. إن هذا يمثل تحولًا مهمًا، ينمو شيئًا فشيئًا، نازعًا عن إسرائيل الكثير من التعاطف معها الذي استمرّ عقودًا، وكاشفًا عن وجهها الحقيقي الذي كان الإعلام ومؤسسات التعليم في الغرب يخفيانه طويلًا تحت طبقة سميكة من مساحيق الدعاية والتلوين السياسي الفجّ. وما أدرانا لعل عدوى الجامعات في أميركا تنتقل إلى أوروبا، ومنها ألمانيا، وألا تضطر هذه الصحفية العاملة في الإذاعة الألمانية أو زميلة أخرى لها تأتي بعد سنين، مذعورةً وآسفةً في آن لقطع حديث ضيفها بمجرد أن يأتي على ذكر إسرائيل، ولو بشكل عارض. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/28/%d9%85%d8%b8%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%b7%d9%84%d8%a8%d8%a9-%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d8%a7-%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%b1
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-04-28T07:19:41
2024-04-28T07:19:41
مقالات
2,298
المليار يورو الأوروبية.. هدية مؤذية للبنان وشعبه
ستعزز حزمة المساعدات الأوربية بقيمة مليار من سلطة النخبة المتهمة بالفساد في لبنان، وتزيد من العنف ضد المواطنين واللاجئين.
أعلن الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو 1.07 مليار دولار للبنان. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال زيارتها بيروت إن الأموال ستُخصص لتعزيز الخدمات الأساسية، وتنفيذ إصلاحات مالية، ودعم قوات الأمن اللبنانية، وإدارة الهجرة، وذلك في إطار سعي الاتحاد الأوروبي لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. وبقدر ما ينبغي أن تشعرنا المساعدات التي تقدم لمن يحتاجها بنوع من الراحة، فإن هذه المساعدة على وجه الخصوص تصيبنا بقلق شديد، وهو شعور يصيب كل من يتابع انتهاكات وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي فرونتكس. ولهذا ليس مدهشًا أن توصف الصفقة من قبل منظمة سي ووتش، وهي منظمة بحث وإنقاذ تعمل في البحر الأبيض المتوسط، بأنها صفقة جديدة للمال مقابل العنف على الحدود، أي أن أوروبا توفر الأموال في هيئة مساعدات مقابل أن تتولى عنها الدول الأخرى مهمة العنف والموت على الحدود. سيكون لهذا الدعم المالي ثمن باهظ؛ إذ سيشجّع على تجريم أولئك المنكوبين الذين يسعون للتنقل من بلد إلى بلد، وسيتسبّب في مزيد من المعاناة للاجئين، ولا سيما السوريين الذين يعانون بالفعل من سوء معاملة في لبنان، ثم إنه أخيرًا سيقوّض جهود الشعب اللبناني للتخلص من نخبة سياسية فاسدة. يأتي الإعلان عن حزمة المساعدات الأوروبية للبنان في سياق صفقات مماثلة تهدف إلى معالجة الهجرة مع دول أخرى في المنطقة. ففي العام الماضي، تلقت مصر وتونس وموريتانيا مبالغ كبيرة من الاتحاد الأوروبي مقابل اتخاذ إجراءات صارمة ضد من يحاولون العبور إلى أوروبا. وشهدت ليبيا، التي تلقت دعمًا ماليًا من بروكسل لسنوات، بعضًا من أسوأ الانتهاكات. في مارسآذار 2023، أعلنت بعثة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة أن هناك مؤشرات معقولة للاعتقاد بأن المهاجرين في ليبيا، بمن في ذلك أولئك الذين أُجبروا على العودة بموجب الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي وليبيا، هم ضحايا جرائم ضد الإنسانية، تشمل القتل والإخفاء القسري، والتعذيب والاستعباد والعنف الجنسي والاغتصاب وغيرها. هناك قلق متزايد بين المنظمات الحقوقية والناشطين من أن لبنان سيتبع نفس النهج في انتهاك آدمية اللاجئين. الوضع في لبنان كان يزداد سوءًا حتى قبل الصفقة، حيث ارتفع عدد قوارب اللاجئين التي تغادر شواطئه. تأكدت الأمم المتحدة من أن 59 قاربًا على الأقل غادرت في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024، مقارنة بـ 3 قوارب في نفس الفترة من العام الماضي. وقدر مركز سيدار للدراسات القانونية عدد القوارب بنحو 100 في عام 2023. العدد الأكبر من ركاب هذه الرحلة الخطيرة هم من اللاجئين السوريين، ولكنْ هناك أيضًا مواطنون لبنانيون يحاولون يائسين الهروب من الاقتصاد المنهار والخدمات الاجتماعية شبه المنعدمة. اعتادت السلطات في الماضي التغاضي عن هذه الرحلات، لكنها في السنوات الأخيرة تعاونت أكثر فأكثر مع عمليات إعادة هؤلاء اللاجئين تحت ضغط من الاتحاد الأوروبي. وَفقًا لمنظمات حقوقية محلية، أبرم لبنان وقبرص اتفاقًا غير معلن لتنسيق الجهود لإعادة اللاجئين والمهاجرين إلى لبنان بعد وصولهم إلى قبرص، كما شاركت السلطات اللبنانية في دوريات حدودية عنيفة. في أبريلنيسان 2022، أغرقت البحرية اللبنانية قاربًا يحمل عشرات اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين. وفقًا لشهادات شهود موثقة، صدمت سفينة تابعة للبحرية القارب، ثم ابتعدت وهي تراه يغرق بمن فيه. تم العثور على سبع جثث، من بينها طفل عمره 40 يومًا، فيما لا يزال 33 شخصًا في عداد المفقودين، ونجا خمسة وأربعون. يتعرّض اللاجئون السوريون في لبنان لحملة قمع مكثفة، ويواجهون أعمال عنف يومية من جهات حكومية وشبه حكومية، كما تقوم الأحزاب الرئيسية بتجريدهم من إنسانيتهم بشكل روتيني في خطاباتها. إضافة إلى ذلك، قامت السلطات بترحيل لاجئين سوريين قسرًا إلى بلادهم، بمن في ذلك نشطاءُ في المعارضة ومنشقون عن الجيش، ليواجهوا خطر التعذيب والموت على أيدي النظام السوري. يعرف من اتخذوا هذا القرار أن منظمات حقوق الإنسان أكدت مرارًا وتكرارًا في تقاريرها أن سوريا ليست بلدًا آمنًا لإعادة اللاجئين إليها. ويعلمون أن النظام السوري قتل العديد من المعتقلين لدرجة ترقى إلى مستوى إبادة السكان المدنيين، حسب تعبير الأمم المتحدة. لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا وصفت مؤخرًا هذا البلد بأنه جهنم، حيث يؤدي اقتصاد الحرب المتدهور والأزمة الإنسانية المدمرة إلى مستويات جديدة من المعاناة يواجهها سكانها المدنيون. هذه هي أوصاف الهاوية التي يريد الاتحاد الأوروبي أن يعود اللاجئون إليها طواعية، ويخصِص جزءًا من حزمة المليار يورو لاستكشاف نهج أكثر تنظيمًا للعودة الطوعية إلى سوريا، حسب بيان فون دير لاين. وهكذا يكون الاتحاد الأوروبي قد أعطى الضوء الأخضر للدولة اللبنانية لتستخدم العنف ضد فئات السكان الأكثر هشاشة اللاجئين السوريين. على جانب آخر، ستسهم حزمة الاتحاد الأوروبي السخية في تعزيز قبضة النخبة الفاسدة في لبنان ضد إرادة الشعب اللبناني. يأتي ذلك وسط أزمة اقتصادية مستمرة منذ سنوات سببتها عقود من الفساد وانعدام الكفاءة وسوء الإدارة على أعلى مستويات الحكومة. تسببت تلك النخبة السياسية والاقتصادية في تركيع البلاد من خلال إدارة ما أسماه الاقتصاديون مخطط بونزي المنظم وطنيًا، حيث يتم اقتراض أموال جديدة لسداد الدائنين الحاليين. في عام 2019، خرج الشعب اللبناني إلى الشوارع في أكبر انتفاضة غير طائفية في البلاد؛ لإظهار رفضه للنخب اللبنانية الفاسدة. واحتل مئات الآلاف من المتظاهرين ساحات المدن في جميع أنحاء البلاد. وعلى غرار الربيع العربي عام 2011، هتفوا الشعب يريد إسقاط النظام. وردت حكومة الملياردير سعد الحريري بالاستقالة. فشلت الانتفاضة في إحداث تغيير سياسي فوري، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية عندما تفشّت جائحة كوفيد-19 بعد بضعة أشهر من ذلك. وفي أغسطسآب 2020، انفجر حوالي 2750 طنًا من نترات الأمونيوم في ميناء بيروت، فأدّى ذلك لمقتل 218 شخصًا وإصابة 7000 آخرين وتدمير العاصمة. استقالت حكومة حسان دياب التي خلفت حكومة الحريري بعد فترة وجيزة من تسلمها الحكم. وظل دياب رئيسًا مؤقتًا للوزراء حتى تولى الملياردير ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي منصبه في سبتمبرأيلول 2021. وصفت الصحفية اللبنانية لارا بيطار الحياة ما بعد الانفجار في لبنان بأنها محاولة قتل يومية من قبل الدولة. وقد قامت الأوليغارشية الحاكمة وأمراء الحرب الأوليغارشية مصطلح يشير إلى تركز السلطة في يد مجموعة صغيرة باستخدام العنف الممنهج كوسيلة للحفاظ على السلطة. يضرب هذا المسلك بجذوره إلى التسعينيات فترة ما بعد الحرب، عندما شهد الشعب اللبناني صعود ما أسمته الباحثة روث ويلسون غيلمور الدولة المناهضة للدولة، أي التخلي المنظم عن خدمات الدولة من قبل نفس الأشخاص الذين يديرون دفة تلك الدولة. في عام 2021، واعترافًا بدور النخب السياسية والاقتصادية في الأزمة اللبنانية، أنشأ الاتحاد الأوروبي نظام عقوبات ضد سياسيين لبنانيين متهمين بالفساد؛ وتم تجديد تلك العقوبات مرة أخرى في عام 2023. أطلق الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الأمم المتحدة والبنك الدولي ما أسموه إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار الذي يهدف إلى تحقيق التعافي الذي يركز على الناس ليعيد سبل العيش المستدامة إلى السكان المتضررين. ألا يحق لنا أن نتساءل كيف يمكن لهذه الحزمة من المساعدات أن تحقق ذلك التعافي الذي يركز على الناس، إذا علمنا أن من سيتسلمها ويديرها هم نفس حكومة القلة وأمراء الحرب الذين تسببوا في الأزمات المتتالية في المقام الأول. ستعمل الصفقة على ترسيخ سيطرة النخبة الحاكمة على الدولة، وترسل رسالة سياسية واضحة الاتحاد الأوروبي لا يهتم بالمساءلة عن الجرائم في لبنان مادام أن نخبه، بغض النظر عن فسادها أو عنفها، تشارك في نظام الحدود الأوروبي. ولم يعد من قبيل المبالغة وصف السكان المدنيين في لبنان مواطنين أو مقيمين بأنهم رهائن لنخبة عنيفة لا تخضع للمساءلة من الأوليغارشية وأمراء الحرب، وقد منح الاتحاد الأوروبي للتو- لبنان مليار يورو لتعزيز قبضتها على الدولة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/15/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%b1-%d9%8a%d9%88%d8%b1%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d8%b1%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%87%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%a4%d8%b0%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-06-15T08:08:00
2024-06-15T08:08:00
مقالات
2,299
لماذا أصبح قطار التضخم والغلاء في مصر بلا مكابح؟
يعتقد الجميع أن الحلول الاقتصادية في مصر بسيطة، ولكن ما إن يبدأ التنفيذ حتى تظهر مشكلات بلا حصر. كلما رُتق الثوب، انفتق. وكلمة السر دائمًا هي الدولار، الذي يتوقع ارتفاعه إلى 100 جنيه قبل منتصف العام
في مصر، لا يتحدّث الناس عن شيء سوى التضخم والغلاء؛ فهما يمثلان قطارًا يسير بلا مكابح. حتى جهابذة الاقتصاد وجدوا أنفسهم عاجزين عن حلّ معضلات وألغاز الوضع الاقتصادي الذي يزداد سوءًا يومًا بعد يوم. يعتقد الجميع أن الحلول بسيطة، ولكن ما إن يبدأ التنفيذ حتى تظهر مشكلات لا حصر لها. كلما رُتق الثوب من ناحية، انفتق من أخرى. وكلمة السر دائمًا هي الدولار، حيث يتوقع الكثيرون ألا يحل منتصف العام إلا وقد وصل إلى 100 جنيه. ورغم أن الدولة تعلّق إخفاقاتها الاقتصادية على شماعة خارجية تلو الأخرى أزمة كوفيد-19، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، ثم حرب غزة، فإن السبب الأكبر وراء الأزمة هو الدين الخارجي الضخم 190 مليار دولار بعد إضافة 24.6 مليار دولار كفوائد لعام 2024، والميزان التجاري المختل، مما وضع مصر في لحظة زمنية تتشابه من حيث الشكل والمضمون مع دولة الخِدَيو إسماعيل 1863-1879 الذي أطاح الدين الخارجي بكل إنجازاته. جميع الحلول التي قدّمتها الدولة أدت إلى مزيد من التدهور. فرفع سعر الفائدة الذي كان يهدف إلى جذب الأموال ومنع المضاربة في الدولار والذهب والعَقَارات أدّى إلى عجز غير مسبوق في الاستثمار المحلي، وإلى المزيد من المضاربات. ومحاولات جمع الدولار من الأسواق المحلية ومن المصريين في الخارج، برفع أسعار الفائدة عليه إلى 7، فشلت أيضًا في تحقيق أهدافها، بل وكبدتها أعباء مالية جديدة، تشبه تلك الأعباء التي تكبدتها بسبب طرح شهادات لادخار الجنيه بعائد مرتفع وصل في منتصف ينايركانون الثاني إلى 27. السيطرة على القطاعَين الخاص والعام من قبل المؤسسات السيادية؛ بحجة إدارتها بشكل أفضل وإسنادها الأعمالَ من الباطن بالأمر المباشر، لم تؤتِ ثمارها. فلم تُدر هذه الشركات بكفاءة، ولم يُسدِد المالكون الجدد الضرائب المتوجبة، أو ينافسوا في السوق الحرة، مما أسهم في فشل القطاع الخاص المتبقي. تواصَل تفاقم أزمة العملة، ووصل التضخم إلى 45٪ ثم تراجع إلى 38٪، وزادت أسعار الغذاء بنسبة 70٪، ولذلك؛ وبضغط من صندوق النقد الدولي، سعت الدولة إلى بيع الشركات التي تملكها لمستثمر إستراتيجي خليجي تحديدًا، ولكن المحاولة باءت بالفشل؛ بسبب رغبة المشترين في الشراء بثمن بخس. يعتقد الجميع أن الحلول الاقتصادية في مصر بسيطة، ولكن ما إن يبدأ التنفيذ حتى تظهر مشكلات بلا حصر. كلما رُتق الثوب، انفتق. وكلمة السر دائمًا هي الدولار، الذي يتوقع ارتفاعه إلى 100 جنيه قبل منتصف العام وانتهت مرحلة بيع لحْم الدولة، وبدأ التفكير في بيع عظْمها، فطرح مشروع بيع أراضي سيناء التي تمثل منطقة أمن قومي حساسة، فُعُدل التشريع رقْم 143 لسنة 1981 ليسهل للمستثمرين الأجانب تملك أراضيها. قبل ذلك، ولعقود طويلة، كان بيع هذه الأرض لغير المصريين من كبار الممنوعات، وكان بيعها للمصريين من أفراد وشركات محاطًا بقيود شديدة، أما سكان الأرض الأصليون من بدو سيناء فخرجوا من اللعبة بخفَّي حنين بعد أن ذاقوا الأمرّين ليحصلوا على سندات ملكية لمسقط رأسهم. أخيرًا، صدرت وثيقة التوجهات الاقتصادية في ينايركانون الثاني من هذا العام، لتتحدث عن دراسة خطط لتوريق نسبة من العائدات الدولارية تتراوح بين 20-25٪، مقابل سندات تطرح لمستثمرين دوليين بالعملة الأجنبية. ورغم غموض تلك الخطط، فإنها أثارت المخاوف بشأن مصير قناة السويس بما تمثله من أهمية سياسية واقتصادية وأمنية، وذلك لأن التوريق يستهدف الأصول الثابتة التي تدر دخلًا من العملة الأجنبية، وليس لدى مصر في هذه الحالة ما ينطبق عليه هذا الوصف إلا قناة السويس. خطط رهن قناة السويس مقابل الحصول على عملة أجنبية، وفقًا لهذا التفسير، هي عملية شديدة الخطورة؛ لأن الجهة التي سيتم رهن القناة لصالحها مقابل عقود توريق، ستضع يدها على هذا الأصل، حال عدم الوفاء بأقساط الدين وخدماته. وهذا هو السيناريو الأرجح في ضوء الفشل والشلل المتوالي، الناتج عن تنفيذ غير المتخصصين الذين تمتلئ بهم المؤسسات السيادية لرؤاهم غير المدروسة، وبذلك فإن القناة التي ارتبطت في أذهان المصريين باستقلالهم الوطني، ربما تصبح هي الأخرى في مهبّ الريح. إزاء هذا الوضع الصعب، يجدر بنا أن نقول إن المحور الاقتصادي في الحوار الوطني أصدَر في سبتمبر أيلول الماضي، وعقب عدة اجتماعات عددًا من المقترحات لتحسين الأوضاع الاقتصادية، تضمنت تصورات لمواجهة العجز، وتحديد التوجهات الحكومية فيما يتصل بالاستثمار الخاص، ووضع آلية استثمار ميسرة في المجالات المختلفة لمستثمري الداخل والخارج، والتوسع في إنشاء المناطق الحرة العامة والخاصة، وإنشاء منصة لإتاحة المعلومات لربط أصحاب الأعمال وتحديد احتياجاتهم. كما كانت هناك مقترحات مهمة تعالج أسباب تراجع الصناعة والزراعة، كتطوير المناطق الصناعية القائمة، وتحديث خريطة الاستثمار الصناعي، ورفع أسقف الحدود الائتمانية، ومراجعة الفجوات التصديرية بعد كل تغيّر في سعر الدولار، ودعم الزراعة التعاقدية وصناعة الأسمدة. وتضمنت كذلك مقترحات لتطوير السياحة وهي ثاني مصدر للعملة الأجنبية، خاصة فيما يتعلق بضرورة رسم خريطة سياحية لمصر وتوفير محفزات للاستثمار السياحي بكل أشكاله... إلخ. وقد سبق للرئيس عبد الفتاح السيسي أن ذكر أكثر من مرة أن المقترحات الصادرة عن هذا الحوار الوطني، سيتم تنفيذها دون نقاش، ولكن الحكومة بعد مرور نحو 5 أشهر على صدور تلك التوصيات، لم تعرْها اهتمامًا يُذكر، وقامت عوضًا عن ذلك بإصدار وثيقة توجهات اقتصادية، ودشنت منذ 16 ينايركانون الثاني 2024 حوارًا حولها، وكأننا ندور في حلقة حوارات مفرغة لا نهاية لها، ولا طائل من ورائها، وتتحول في نهاية الأمر إلى مكلمات، لسان حال صاحب القرار إزاءها يقول أصدروا ما شئتم من مقترحات، وسنفعل نحن ما نشاء. المشكلة الرئيسة للتضخم، بل مشكلة الاقتصاد المصري برمته، ترتبط بإعادة النظر في الأولويات، والوقف الفوري للمشروعات التي أدت إلى الاقتراض الضخم، كمشاريع الطرق والمواصلات التي استهلكت وحدها نحو تريليوني جنيه 50 مليار دولار، ومشروع العاصمة الجديدة، ومشروع العلمين، وغيرها. من المهم كذلك اللجوء إلى سلّة من العملات تجعل الدولار مجرد عملة عادية، واتخاذ الإجراءات التي تحفز الصادرات، ووقف الاستيراد الترفيهي، وترشيد الإنفاق الحكومي، وحوكمة كافة الصناديق والحسابات الموازية، واتخاذ عدد من الإجراءات لاستعادة ثقة المصريين في الخارج باقتصاد بلادهم، ما يجعلهم مصدرًا لتقويته. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/24/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%a3%d8%b5%d8%a8%d8%ad-%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b6%d8%ae%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%84%d8%a7%d8%a1-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b5%d8%b1
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-24T05:22:10
2024-02-24T05:22:10
مقالات
2,300
لحظة ترامب التاريخية بين الاستقطاب والإفلاس النخبوي
ستصبح صورة ترامب بعد محاولة الاغتيال، رافعًا قبضته اليمنى في الهواء وخده الأيمن ملوث بالدماء، بمثابة “أيقونة” وستجعله في عيون مؤيديه أسطورة يحميها الرب من “الأعداء” وستتدفق عليه بسببها تبرعات الدعم.
لا يتعرّض السياسيون عادةً لمحاولات اغتيال، خاصة في البلدان الديمقراطيّة التي يُفترض أن تُحل خلافاتها وصراعاتها السياسية بوسائل سلمية، أبرزها صندوق الاقتراع. صحيح أنّ الولايات المتحدة تمتلك سجلًا مشهودًا من حالات الاغتيال، خاصة للرؤساء والزعماء، بدءًا من اغتيال الرئيس السادس عشر أبراهام لينكولن في 14 أبريلنيسان 1865، وانتهاء باغتيال الرئيس الخامس والثلاثين جون إف كينيدي في 22 نوفمبرتشرين الثاني 1963، ناهيك عن محاولات الاغتيال الفاشلة، وآخرها محاولة اغتيال الرئيس السابق رونالد ريغان أواخر مارسآذار 1981. لكن ما حدث مع الرئيس السابق دونالد ترامب يوم السبت الماضي 13 يوليوتموز، سيظل يمثل لحظة فارقة في تاريخه، وتاريخ الولايات المتحدة، وهو يعكس الكثير عن حال البلاد خلال الأعوام الأخيرة من احتقان وتوتر وصل ذروته في تلك الحادثة. ما جرى مع ترامب ليس مجرد محاولة اغتيال أخرى فاشلة على غرار عشرات الحالات الأخرى التي وقعت لرؤساء أميركيين أو نوابهم بمن في ذلك ترامب نفسه الذي تعرّض لعدة محاولات اغتيال أثناء فترته الرئاسية الأولى وأجهضت قبل تنفيذها بل إنه تجسيد وانعكاس للواقع السياسي في أميركا خلال العقدين الأخيرين، والذي من المتوقع أن يتفاقم خلال السنوات القادمة. وهو واقعٌ يمكن تلخيصه في ثلاث عبارات أساسية استقطاب سياسي، وانقسام أيديولوجي، وإفلاس نخبوي. في الوقت نفسه، لم يتوقف ترامب عن استخدام لغة تحريضية وصلت حدّ التهديد بـحمام دم إذا خسر الانتخابات المقبلة، وتوفير غطاء للكثير من أحداث العنف خلال فترة رئاسته، وأبرزها اقتحام الكونغرس الأميركي في السادس من ينايركانون الثاني 2021. في المقابل، صعد تيار اليسار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي خلال فترة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي تبنى أجندة رآها الجمهوريون والمحافظون خطرًا على قيمهم مثل حقوق الشواذ، والمتحولين جنسيًا، وحق الإجهاض .. إلخ. أي أن أميركا شهدت عمليًا تراجع الوسط السياسي لصالح الانزياح في اتجاهين متشددين، يمينًا ويسارًا. أما الإفلاس النخبوي، فتجسد حرفيًا في مشهد المناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب، التي عكست حالة القحط السياسي والعفن الحزبي في أميركا. فمن بين أكثر من 340 مليون نسمة، بدت الأمة الأميركية عاجزة عن تقديم مرشحين أكْفاء للسلطة. بايدن وترامب هما أكبر المرشحين سنًا في تاريخ الولايات المتحدة، وهما الأقل لياقة سواء من الناحية الصحية والذهنية بالنسبة لبايدن، أو من الناحية السياسية والأخلاقية بالنسبة لترامب. هذا يعيد التأكيد على مدى سيطرة النخب الحزبية ولوبيات المال والأعمال والسلاح على عملية اختيار المرشحين، بغض النظر عن رغبة الشعب الأميركي. إذا كانت لدى ترامب حظوظ وافرة في الفوز بالرئاسة في نوفمبرتشرين الثاني المقبل قبل تعرضه لمحاولة الاغتيال، فقد تعززت تلك الحظوظ بشكل كبير بعدها، وتراجعت في المقابل فرص بايدن والحزب الديمقراطي في الفوز. فقد عززت محاولة الاغتيال من صورة الضحية التي يعشقها ترامب، ووضع نفسه في إطارها طيلة السنوات الثماني الماضية، فقد وصف نفسه بأنه ضحية الدولة العميقة، وضحية بايدن وحزبه، وضحية الإعلام الليبرالي.. إلخ. كما أظهرته هذه الحادثة أمام أنصاره وغيرهم كبطل يتحدى نواميس الكون، ويتحدى باسمهم بايدن والمؤسسات الأميركية والإعلام، بل إنه مستعد للتضحية بحياته من أجل تحقيق مطالبهم وأجندتهم، وهو الآن بالنسبة إليهم أقرب إلى أسطورة يحميها الربّ من الأعداء. ستصبح صورته بعد محاولة الاغتيال، رافعًا قبضته اليمنى في الهواء، وخده الأيمن ملوث بالدماء، بمثابة أيقونة على روح المثابرة والتحدي. وستزيد هذه المحاولة كذلك من حجم الدعم السياسي والمالي والإعلامي لصالح ترامب، وقد رأينا هذا يحدث بالفعل، حيث أعلن الملياردير إيلون ماسك مالك منصة إكس عن دعمه السياسي له بعد خمس ساعات فقط من محاولة الاغتيال، وتعهّد بدعم حملته الانتخابية بحوالي 45 مليون دولار شهريًا حتى نوفمبرتشرين الثاني المقبل. في كل الأحوال، فإنّ ما جرى عصر السبت الماضي في مدينة بتلر بولاية بنسلفانيا عندما حاول الشاب توماس كروكس اغتيال ترامب، يمثل نقطة فارقة في مسيرة ترامب السياسية، ويضعها ومعها أميركا أمام لحظة تاريخية جديدة سوف ترسم مستقبل البلاد لسنوات وربما لعقود قادمة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/7/17/%d9%84%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%a8
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-07-17T07:00:00
2024-07-17T02:22:29
مقالات