image
imagewidth (px) 1.08k
1.87k
| markdown
stringlengths 202
3.51k
|
---|---|
* الرابع: وجود حروف الروادف؛ وهي (ثخذ، ضظغ) في الخط المُسْنَد الحِمْيَرِيِّ دون الآرامي، وفيه أن المسند لو كان من أصول الخط الحجازي؛ لكان لتلك الحروف صور خاصة فيه، متسلسلة عن أصلها كسائر الحروف، ففقْدُ الخط الحجازي صورةً خاصة لتلك الحروف يَدُلُّ على أن الخط الآرامي الفاقد لها من أصوله، ولكن أصوات حروف الروادف الموجودة في لسان العرب، دعاهم إلى وَضْع الحروف الروادف بالإعجام لتلك الأصوات — ويؤيده قول مؤلف كتاب حياة اللغة العربية ص٨٨ — فلا بد أن يكون واضع الحروف العربية قد أخذ لها صُوَر الباء والجيم والدال والصاد والطاء والعين، ووَضَعَ لها النقط للتمييز، ويَدُلُّ أيضًا على أن الآرامي من أصول الخط العربي أن الحافظ شمس الدين الذهبي١١ ذَكَرَ في تَذْكِرة الحُفَّاظ في ذَيْل رواية خارجة بن زيد١٢ عن أبيه، أن زيد بن ثابت — رضي الله عنه — بأَمْر النبي ﷺ تَعَلَّمَ كتابة اليهود وحَذَقَهَا في نصف شهر، فتَعَلُّمُه في مُدَّة نصف شهر يَدُلُّ على أنه تَعَلَّمَ نفس الخط الكوفي — أصْل الخط السطرنجيلي وأحد نَوْعَي الخط السرياني — خط اليهود؛ ولذلك ذُكِرَ في ترجمة زيد بن ثابت — رضي الله عنه — أنه تَعَلَّمَ السرياني ومنه حدث الكوفي. |
|
إيه شارلوت! إن خيالك المقدَّس ماثلٌ أمامي الآن، وأراكِ في كل مكان. لقد جمعتُ كلَّ صغيرة لمسَتْها يدُكِ فقدَّستُها بشغفٍ صبياني، وها أنا أعيدُ إليكِ رسم منظرك الجانبي، وأستحلِفك أن تحفظيه لأنني طبعتُ عليه ألفَ قُبلة، وقد كتبتُ إلى أبيك أرجوه أن يُعنَى برفاتي، في زاويةٍ من فِناء الكنيسة شجرتا زيزفون، وهناك أريد أن أُدفَن فعزِّزي رجائي، وقد يُبدِي بعض المسيحيين الصالحين رغبتَه في أن يُدفَن بجانبي، فإذا عارضوا فَلْأوارَ قُربَ الطريق العام حتى يمرَّ بي الراهبُ واللاوي١ فيرفعان من عينيهما المطهرتين ويصلِّيان بينا يقف السماري٢ ليذرف دمعةَ حنوٍّ عليَّ.
وأريد يا شارلوت أن أُدفَن بالملابس التي عليَّ؛ لأنني كنت بها في حضرتك؛ ولذا فهي عزيزة لديَّ، وقد طلبتُ هذه المِنَّةَ أيضًا إلى أبيك. إن رُوحي لَتحلِّق فوق القبر، فلا تَدَعِي أحدًا يفتِّش جيوبي؛ ففيها الشريطُ القرنفلي الذي وضعتِه على صدركِ حين رأيتُك لأول مرة محوطة بالأطفال. يا للنفوس الحلوة! وإخال أنني أراهم الآن يلعبون حوالَيْك. قبِّليهم عني كثيرًا.
إيه شارلوت! كيف أحببتُكِ في تلك اللحظة الأولى، ولم أستطِعْ أن أنتزعكِ من فؤادي بعدُ!
المسدس محشوٌّ والساعة تدقُّ منتصف الليل.
شارلوت إنني ثابت، وعقلي لا يتردد. الوداع. |
|
النوع الثاني من الطائرات الأخفِّ من الهواء هو المنطاد airship، وهو مُسيَّر dirigible، أي أنه يختلف عن البالون في أن هذا تحت رحمة الهواء؛ ولذا لا يكون دائمًا مُطلقًا free، بل يكون أحيانًا captive، أي مقيَّدًا كما نراه في شكل ١-٢ مربوطًا إلى عوامة على سطح البحر، ويكون ذلك إذا أُريد إيقاف البالون مدة للمراقبة. أما المنطاد فيحمل محركًا engine، أي آلة machine تدفعه في الهواء أو تُسيِّره، وله أجزاء تُعين على ضبطه أو قيادته control وتوجيهه حيث شئنا، وفيما عدا ذلك فالمنطاد كالبالون، يتركب من جزأين رئيسيَّين؛ وهما الغلاف الذي يحتوي الغاز، والعربات أو الجندولات cars or gondolas التي تحل محل السَّبَت أو السلة، وتحمل الركاب والمحركات التي يختلف عددها وقوتها. ولمَّا كان المنطاد مُسيَّرًا هُذِّبَ شكله بحيث صار مسحوبًا streamlined كما ترى في الأشكال ١-٤ و١-٥ و١-٦ و١-٧، وهذا السحب يُقلِّل مقاومةَ resistance الهواء له أثناء حركته فيه، وركبت له في الخلف سطوح planes ضابطة كدفَّة أفقية ودفَّة رأسية. |
|
وأنت تتلو في القرآن: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وتتلو: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وتتلو في الحديث: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا.» مع ذلك ترى في تاريخ الأمم الإسلامية منذ مئات السنين من أسباب التنافس — بل التطاحن — ما لا يتفق في شيء مع هذه المعاني السامية، كم من أمير أو ملك في أمة إسلامية تحالَف مع الصليبين أو مع التتار ليكون وإياهم ألبًا على غيره من ملوك المسلمين وأمرائهم! |
|
جلسوا إلى مائدة الطعام … ولاحظوا على الفور أن الغرفة الواسعة كانت جدرانها مغطاة بالزرع الأخضر … طماطم … وخيار … وجرجير … وكان هذا يعني أن هذه المزروعات قد تمَّ استنباتها بالطاقة الذرية … وأن ركاب هذه الغواصة الرهيبة يأكلون الخضروات الطازجة، وبعد لحظات قُدِّم لهم طعامٌ كان من أمتع الأطعمة التي تناولوها في حياتهم … ثم قُدم لهم الشاي … وبعدها جاء الحارس وطلب منهم التوجُّه معه إلى المركز الأمامي للقيادة … وساروا خلفه وخلفهم حارس آخر حتى وصلوا إلى شبه دائرة حمراء ضخمة تشبه قرص الشمس وقد أغلقت من الخارج بأجهزة معقدة … وفتح الباب بعد حديث تليفوني قصير بين الحارس ومن في داخل الكرة الحمراء … ودخلوا … كانت أشبه بغواصة داخل الغواصة … فقد كانت حافلة بالأجهزة والأزرار واللمبات الكهربائية … وقد جلس فيها خمسة أشخاص أحدهم الأميرال … وأشار لهم بالجلوس في صف من المقاعد كأنهم في دار سينما ولم يُخطئ ظنهم … لقد كانوا في دار سينما حقًّا، ولكن سينما حية … سينما أعماق البحار … فقد ضغط أحد الرجال الخمسة على زر أمامه … وإذا بجانب من جدار الغرفة الحمراء ينزاح جانبًا … وقد أصابت الشياطين الأربعة هزة شديدة عندما وجدوا أنفسهم وكأنهم وقعوا في قاع المحيط فقد كان الجدار التالي للجدار الصلب جدارًا من الزجاج السميك لا يخفي شيئًا من أعماق المحيط بعد أن أطلقت الغواصة شعاعًا قويًّا من الضوء أحال ظلام القاع إلى نهار … كان مشهدًا لا يُنسى بالنسبة للشياطين … فهم يجلسون وليس بينهم وبين قاع المحيط الرهيب إلا جدار من الزجاج الشفاف … وكانت الغواصة تسير بسرعة متوسطة سمحت للجالسين بتأمُّل كل ما يدور في القاع … |
|
ويُلزَم البنات بحَصْرٍ ظاهرٍ ليَجِدْن من البُلْه مَن يتزوَّجونهن استنادًا إلى وضعهن، ولكن ادرُسوا أمرَ هؤلاء الفتيات ساعةً من الزَّمن تَرَوْا أنهن يُخفين تحت ظاهرٍ من الحَصْرِ إخفاءً رديئًا ما يلتَهِمْن من هَوًى، ومما كان يُقرَأ في عيونهن رغبةٌ حارةٌ في تقليد أمهاتهن. وليس الزوجُ هو ما يَشْتهينَه، بل تحلُّلُ الزواج. وما الحاجةُ إلى الزواج مع وجودِ كثيرٍ من السُّبل للاستغناء عنه؟ ولكنه يُحتاج إلى زوجٍ لسَتْرِ هذه السُّبُل؛١٤ فالحياءُ في وجوههن، والخلاعةُ في صميم قلوبهن. ويُعَدُّ هذا الحياءُ المصنوعُ دليلًا عليها، وهنَّ لا يتظاهرنَ به إلا للخلاص منه سريعًا، وأطلُبُ عفوَكنَّ يا نساءَ باريس ولندن، فلا يخلو مكانٌ من مُعجزات، وأمَّا أنا فلا أعْرِف منها شيئًا مطلقًا، وإذا ما وُجِدَت بينكن واحدةٌ ذاتُ نفْسٍ نقيةٍ حقًّا، فإنني لا أفقهُ شيئًا من طرائقكن. |
|
«ويراني قاضي التفتيش الأكبر في القُدَّاس ذات يومٍ، ويُحدِّق إليَّ كثيرًا، ويرسل مَنْ يبلِّغني أنه يريد أن يكلِّمني في أمورٍ سرِّية، ويؤتَى بي إلى قصره، وأخبره عن أصلي، ويقول: إنه لا يناسب مقامي مطلقًا أن أكون مِلْك يهودي، ويقترح على دون إيسَّاشار أن يتنزَّل عني لسيادته، ويكون دون إيسَّاشار صَيْرفيَّا للبلاط نافذًا فلا يوافق، ويهدده ذاك القاضي بحُكْمٍ تفتيشي. وأخيرًا يخاف اليهودي فيعقِد صفقةً أكون بها مع المنزل مِلكًا للاثنين، فتكون أيام الاثنين والأربعاء والسبت لليهودي، وتكون أيام الأسبوع الأخرى لقاضي التفتيش. وقد مضت ستة أشهرٍ على هذا العهد، ولم تُقضَ الأمور من غير نزاعٍ، فمما يحدث في الغالب ألَّا يُقطَع في كون ليلة السبت أو ليلة الأحد خاضعةً للشرع القديم أو الشرع الجديد، وأما أنا فقد قاومت كِلَا الشرعين حتى الآن، وأظن أن هذا سبب بقائي محبوبةً دائمًا.» |
|
* H. Dumoulin (ed.), Buddhism in the Modem World (London: Collier Macmillan Limited, 1962).
* P. C. Almond, The British Discovery of Buddhism (Cambridge: Cambridge University Press, 1988).
* Robert Bluck, British Buddhism: Teachings, Practice, and Development (London: Routledge, 2006).
* Ken Jones and Kenneth Kraft, The New Social Face of Buddhism: A Call to Action (Somerville, MA: Wisdom Publications, 2003).
* * Charles S. Prebish, American Buddhism (Belmont, CA: Duxbury, 1979).
* Charles S. Prebish and Kenneth K. Tanaka (eds.), The Faces of Buddhism in America (Berkeley, CA: University of California Press, 1998).
* Charles S. Prebish, Luminous Passage: The Practice and Study of Buddhism in America (Berkeley, CA: University of California Press, 1999).
* Dharmachari Subhuti, Buddhism for Today: A Portrait of a New Buddhist Movement (Salisbury: HarperCollins Distribution Services, 1983). |
|
هذا التعريف الجامع المانع يتجاوز الرؤية المبسطة للتكنولوجيا باعتبارها مجرد أدوات ومكونات مادية، إلى تعريفٍ أرحب كثيرًا يشمل كلَّ جانبٍ مما يطلق عليه إيلول السعي البشري «العقلاني». ومن هذا المنظور؛ فإن مختلف الأنشطة كالطهي، ولعب كرة السلة، والنوم (متأثِّرًا بتكنولوجيا مراتب الأسرة والأدوية المساعدة على النوم)، وإرسال الرسائل النصية على الهاتف المحمول، وتدريس برنامج دراسي للجامعة، والبستنة، بل حتى الجنس أيضًا (أعني استخدام وسائل منع الحمل أو تشغيل موسيقى رومانسية من مشغِّل إم بي ثري)؛ ستتضمن استخدام «التقنية» كما عرَّفَها إيلول. وجانبُ العقلانية له أهميته عند إيلول؛ لأنه يعكس رؤيتَه بأن التقنية في أي مجالٍ من مجالات النشاط البشري تتطوَّر بمرور الزمن نحو أكثر استخداماتها كفاءةً. وتطوُّرُ التقنية نحو «الكفاءة المطلقة» هو موضوعٌ محوري في كتابات إيلول حول التكنولوجيا، وهو الخيط الذي التقَطَه نقادُ دورِ التكنولوجيا في الحياة المعاصرة اللاحقون عليه؛ مثل نيل بوستمان. وكتب داريل فاشينج، الباحثُ الذي درس فِكْرَ إيلول، عن فلسفة إيلول:
التكنولوجيا الحديثة أصبحت ظاهرةً شاملة في الحضارة، أصبحَتِ القوةَ المحددة لنظامٍ اجتماعيٍّ جديدٍ حيث لم تَعُدِ الكفاءةُ خيارًا، بل ضرورة مفروضة على جميع مناحي النشاط البشري.15 |
|
٣ قال الشيخ حمد الجاسر رحمه الله في محاضرة ألقاها في جامعة أم القرى بمكَّة في ١٣ / ٦ / ١٤٠٢ﻫ الموافق لعام ١٩٨٢م بعنوان «الآثار الإسلامية في مكَّة المشرفة»: نص المتقدمون من مؤرخي مكَّة على عدم معرفة قبر أحد من الصحابة إلَّا قبر ميمونة زوج النبي ﷺ في سرف خارج مكَّة بقرب التنعيم. قال الفاسي: ولا أعلم في مكَّة، ولا فيما قرب منها قبر أحد ممن صحب النبي ﷺ سوى قبر ميمونة، لأن الخلف يأثره عن السلف. وقال ابن ظهيرة في الجامع اللطيف: عن مقبرة المعلاة: لما حوته من سادات الصحابة والتابعين، وكبار العلماء والصالحين، وإن لم يعرف قبر أحد من الصحابة تحقيقًا الآن. ا.ﻫ. فقبر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها كان مجهولًا لدى مؤرخي مكَّة حتى القرن الثامن الهجري، أي طيلة سبعة قرون بل تزيد، ثم أصبح معروفًا محدد المكان، في القرون الخمسة الماضية حتى يومنا هذا، بعد أن رأى أحد العارفين في المنام كأن نورًا ينبعث من شعبة النور، في مقبرة المعلاة، ولما علم أمير مكَّة في ذلك العهد بخبر تلك الرؤيا أمر ببناء قُبَّة فوق المكان الذي رأى ذلك العارف أن النور ينبعث منه، جازمًا ذلك الأمير أن ذلك المكان ما هو سوى قبر خديجة رضي الله عنها. ويورد المرجاني في كتاب «بهجة النفوس والأسرار» الخبرَ باختصار ويعقب عليه: ولا كان ينبغي تعيينه على الأمر المجهول. ا.ﻫ. ويدور الزمان فيصبح المكان وما حوله مقبرة للعظماء من أهل مكَّة؛ فيقبر فيه في القرن الحادي عشر في سنة ١٠١٠ﻫ/١٦٠١م عبد المطلب بن حسن بن أبي نُمي، ثم في سنة ١٠١٢ﻫ/١٦٠٣م يموت أحد أمراء مكَّة ممن عرف بالظلم والجبروت، وهو أبو طالب بن حسن بن أبي نُمي، وتبنى فوقه قبَّة تعرف بقبَّة أبي طالب، بجوار قُبَّة خديجة الخرافية وقُبَّة عبد المطلب، ويدور الزمان فيُجهل أمر صاحبيِّ القبَّة، فتنشأ خرافة قُبَّة عبد المطلب جد الرسول الذي مات في زمن الفترة، وقُبَّة أبي طالب بن عبد المطلب عم النبي عليه الصلاة والسلام، الذي مات مشركًا بنص القرآن الكريم. ويُدوِّن التاريخ تلك الخرافات الثلاث باعتبارها حقائق تاريخية، وتتناقلها الأجيال إلى يومنا هذا. ا.ﻫ. |
|
حين صار الأسيران، مع آسريهما الثلاثة، على مرمى البصر من المتطوِّعين الكنديين، رأوا مشهدًا ذا طابع أشد عسكرية بكثير من مشهد المعسكر الفينياني. أوقفتهم سَريةُ طوارئ خارجية فورًا واستجوبتهم قبل وصولهم إلى الوحدة العسكرية الرئيسة، وكان الحارس على درايةٍ كافية ليسألهم عن الإشارة السرية قبل أن يُطلق أي رصاصة. وبعدما مروا من هذه السَّرِية، أصبحوا على مرأى كلِّ أفراد القوات الكندية الذين بدَت ثيابهم العسكرية الموحدة في غاية النظافة والأناقة، والتي بدت جديدة إلى حدٍّ مُزعِج في الضوء الساطع لشمس شهر يونيو الصباحية الجميلة. كانت البنادق متراصَّة في أكوامٍ بدقة متناهية في أماكنَ متفرقة من المعسكر وكانت كل كومةٍ تعلوها مجموعةٌ من الحراب المنتصبة كشعيرات الفرشاة كانت تتلألأ مع انعكاس ضوء الشمس المُشرقة عليها. كان الرجال يُعِدُّون فطورهم بعدما طلبوا استراحةً مؤقتة من أجل ذلك. وكان المُتطوِّعون مُنتشرين على جانب الطريق وفي الحقول. ميَّز رينمارك ألوان كتيبة المتطوعين من مدينته، ولاحظ أنَّ معهم جماعة غريبة عليه. ومع أنَّه اقتيد إليهم أسيرًا، انتابه فخرٌ مُتقِد بالكتيبة ومظهرها المُهندَم، كان فخرًا وطنيًّا ومدنيًّا. وبدافع غريزي نَصَب قامته أكثر وهو يدنو منهم. |
|
وما أُمُّ ساجي الطَّرْفِ مالَ بِهِ الكَرى
على عَذَباتِ الجزعِ تَحسَبُهُ قُلبا
تُراعي بإحدى مُقْلَتَيْها كِناسَها
وَتَرْمي بِأُخْرى نَحْوَهُ نَظَرًا غَرْبا
فَلاحَ لَها مِنْ جانِبِ الرَّمْلِ مَرْتَعٌ
كَأَنَّ الرَّبيعَ الطَّلْقَ ألبَسَهُ عَصْبا
فَمالَت إليهِ، وَالحَريصُ إذا عَدَت
بهِ سَورَهُ الأطماعُ لم يَحْمَد العُقْبى
وَآنَسَها المَرْعى الخصيب وَصادَفَتْ
مدى العينِ في أرجائه بلدًا خصبا
فَلَمّا قَضَتْ مِنْهُ اللُّبانَة راجَعَتْ
طَلاها فَأَلْفَتْهُ قَضى بَعْدَها نَحْبا
أُتيحَ لَها عاري السَّواعِدِ لَمْ يَزَلْ
يَخوضُ إِلى أَوْطارِهِ مَطْلَبًا صَعْبا
فولَّتْ على ذعرٍ وبالنِّفسِ ما بها
من الكربِ لا لقِّيِت في حادثٍ كربا
بِأَوجَدَ مِنّي يَومَ عَجَّتْ رِكابُها
لِبَيْنٍ فَلَمْ تَتْرُكْ لِذي صَبْوَة لُبّا |
|
#### شدة خطرهم على اللغة
ولْيَعلم القراء أن خطرَ خوارج الأدب على اللغة شديدٌ جدًّا؛ لأنهم لا يفتأون يُناصبونها العداء، ولا ينفكون يكيدون لها المكايد ويخفون في سبيل تحصيلها الفخاخ والمصايد. وهم يسلطون عليها معاوِلَ تقويض وتهديم أشدَّ تخريبًا وتدميرًا من المعاول التي يسلطها الفوضويون على الحكوماتِ والإباحيةُ المعطِّلة على الأديان. فإذا لم يهبَّ سَدَنةُ اللغة وحُفاظها في جميع الأقطار العربية هُبَّةَ رجلٍ واحد لدَرْءِ هذه المفاسد، تَفاقَمَ الخَطْبُ واستَطار الشرُّ واتَّسع الخرقُ على الراقع.
ولستُ أجهل أن كلامي هذا سيُضرِم في قلوب هؤلاء المَرَدة نارَ الغيظ والحَنَق، فيَحملون عليَّ أشد حملة يستطيعونها، ويعرضونني لسهام المثالب والمطاعن. وأقل ما يَرْمونني به أني مُفْرِطٌ في المحافظة على القديم وشديدُ الغلو في مقاومة كل حديث جديد. وإني لكما يقولون مُفْرِط كل الإفراط في المحافظة على القديم، ولماذا؟ لكي أُبطل مشورات المُغرين بالتفريط في أكرم ما نباهي به ونفاخر، وأُحبط مَساعي المُؤتمرين على ضياع أغلى تراث تركه الأوائل للأواخر. أما في ما سوى ذلك، فإني بريء من كل ما يتهمونني به، وعلى الدوام يرونني في مقدمة المُصرِّحين علنًا بأن اللغة في أشد احتياج إلى إصلاحٍ يُرَقِّيها ويُمَكِّنها من الوفاء بحاجات هذا العصر. ولكن الإصلاح شيء والهدم والتدمير أو الاجتياح والاستئصال شيءٌ آخر! |
|
هنا يَستغرِب الأمرَ مَن لا يعرف السبب، ويَعجَب القارئُ بحق، كيف أن ملكًا كهلًا خدم الأمة نحو نصف قرن لم يأْلُها صبرًا حتى أنالَها أزِمَّة الوجود برًّا وبحرًا، وخلَّد لها في العالمين ذكرًا، يفضله مع ذلك في اعتبارها، ويقدم عليه في اختيارها، أمير شابٌّ لا يزال في ولاية العهد، وعلى أبواب العمل لم تَرَ له البلاد خيرًا ولا شرًّا، ولم تَبْلُ من ثمرِه حلوًا ولا مرًّا. فالجواب أن للأمة ما دامت في الحياة، كرامة من الخلقة، وإباء من الوجدان، يُذكِّرانها على الدوام حقَّ المساواة، ويُورِثانها أبدًا كراهية الطاعة لكل حكومة ينتفع بها فريق، من الشعب دون فريق، وتكون نعماء أيامها لطبقة من الأفراد دون طبقة، وتلك الكرامة وهذا الإباء لم يَرْعَهُما الفراعنة في دولة مِن دولهم، ولم يُلقُوا لهما بالًا في زمن من الأزمان، فلما ولِيَ «آشيم» الحكم على منفيس والأقاليم الوسطى، كان طرازًا وحده في الفراعنة وأبنائهم، من حيث العناية بمصالح العامة، والسهر على حقوقها، وتسوية الرعاية بينها وبين الخاصة، وقد سار سيرته هذه من أول يوم حتى فزَّع الطبقات العليا من الشعب، وعلى الأخص الكَهَنة فباءوا له بالعداوة، وباتوا يرقبون من أمر فرعون الغد ما سيكون. |
|
كانت أنظمة استطلاع الصور هي الأكثرَ أهمية؛ لأنها جعلت أُولى اتفاقيات الحدِّ من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي مُمكِنة في السبعينيات؛ إذ أضحى من الممكن احتسابُ صوامع الصواريخ وقاذفات القنابل والغواصات النووية (عندما تكون في الميناء)، الأمر الذي وضع أساسًا لحدود الاتفاقية. ونتيجةً لرفع السرية، عُرِف المزيد عن الأنظمة البصرية الأمريكية، على الأقل حتى الثمانينيات. وأحلَّ مكتبُ الاستطلاع الوطني والقوات الجوية أقمارَ الاستطلاع «هيكساجون» محلَّ سلسلة «كورونا»، بدءًا من عام ١٩٧١. غالبًا ما كان يُطلَق عليها «كيه إتش-٩»، على اسم الكاميرا الرئيسية الخاصة بها، ولُقِّبت «بيج بيرد» (أو الطائر الضخم) لأنها كانت ضخمة جدًّا، وحمَل كلُّ قمرٍ من سلسلة «هيكساجون» أربع مركبات إعادة دخول أكبر من أجل الرجوع بأشرطة صورٍ لمناطق شاسعةٍ من الكتلة السوفييتية والصين وأعداء آخرين. ومن ثَم تتولَّى الأقمار الصناعية العالية الدقة مِثل «جامبيت» وما يليها التحقيق في أهدافٍ مُعينة.6 |
|
وهو ما يختلف إلى حدٍّ مع النص العبري الذي يبرر إلقاء هاجر لإسماعيل (أبو العرب) طفلها؛ حتى لا تشهد معاناة موته، كما أنه يختلف كثيرًا في أنَّ المنفى — أو الوادي غير ذي زرع — لإسماعيل وأمه كان برية بئر سبع أو بير شبا في فلسطين، بدلًا من برية فاران أو وادي مكة، وفي أن إبراهيم زارهما بالماء والخبز في اليوم التالي:
فبكر إبراهيم صباحًا وأخذ خبزًا وقربة ماء، وأعطاها لهاجر واضعًا إياهما على كتفهما والولد وصرفها، فمضت وتاهت في برية بئر سبع، ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار، ومضت وجلست مقابله بعيدًا نحو رمية قوس؛ لأنها قالت: لا أنظر موت الولد، فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت، فسمع الله صوت الغلام، ونادى ملاك الله هاجر من السماء، وقال لها: مالك يا هاجر! لا تخافي؛ لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو، قومي احملي الغلام وشدي يدك به؛ لأني سأجعله أمة عظيمة، وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء، فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام، وكان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس (تكوين: ٢١). |
|
اطَّلع علماء أوروبا منذ سنة ١٧٤٢ للميلاد على معارف الخيام الرياضية والفلكية بما نقله عنه المسيو جيرار ميرمان في كتاب له نشره في ليدن. وفي سنة ١٨٥١م، نشر سديلو وشاسل ووبك ترجمة رسالة الخيام في الجبر، وهي خمسة أقسام. وفي سنة ١٨٥٧، نشر المسيو كارسين دي تاسي شرحًا على رُباعيات الخيام. وفي سنة ١٨٦٧، نشر المسيو نقولا الرباعيات نفسها باللغة الفرنسوية. والمسيو نقولا هذا يعتقد في الخيام أنه كابن الفارض متغزل بالخمرة الإلهية، وقد قال في مقدمة كتابه إنه تلقَّى هذا الرأي من رجل تقي من طهران. وفي سنة ١٨٩٨، ترجم تشوفوسكي الرباعيات إلى اللغة الروسية، غير أن الترجمة التي أطارَتْ شهرة الخيام في أوروبا وأميركا والعالم أجمع هي ترجمة الشاعر الإنكليزي فيتس جرالد للرباعيات في سنة ١٨٥٩، فإن جرالد ترجم الرباعيات شعرًا إنكليزيًّا وتصرف بالترجمة، فأُعجب الإنكليز والأميركان بشعر الخيام وأقبلوا عليه إقبالًا عجيبًا؛ لأنهم وجدوا فيه ما يعجبهم بالأكثر في شاعريهم بيرون وسوينبر من الآراء السامية في ذم الفساد في الدنيا، وسطوة الشر على الخير، والقبيح على الجميل فيها، فنال المترجم جرالد بهذه الترجمة شهرة واسعة، وراجَتْ كتبه وشعره بواسطتها رواجًا كثيرًا. وقد بلغ ببعضهم الإعجاب بالخيام ومترجمه أن اجتمعوا في لندن في سنة ١٨٩٦، وأنشئوا ناديًا خصوصيًّا دعوه: كلوب العمريين، نسبةً إلى عمر الخيام، ولعلَّ هذا الكلوب لا يزال قائمًا حتى اليوم. وأول ما ظهرت الرباعيات في أوروبا وأميركا سمَّى قُراؤها الخيام: فولتير الشرق. |
|
وبعض الخيال الذي «يبدو» وكأنه يخرق قوانين الفيزياء حقيقي أيضًا، وذلك في مكانٍ ما في الوجود المتعدِّد الأكوان. يتطرَّق هذا إلى مسألةٍ دقيقةٍ في بنية الوجود المتعدِّد الأكوان، أَلَا وهي: كيفية انبثاق التواريخ. التاريخ مستقل بوجهٍ تقريبي؛ فإذا وضعتُ بعضَ الماء ليغليَ في غلايةٍ لأُعِدَّ بعضَ الشاي، فسأكون حينئذٍ في تاريخٍ شغلت فيه الغلاية وتزايدت فيه حرارة الماء على نحوٍ تدريجيٍّ بفعل الطاقة التي تنقلها إليه الغلاية؛ ممَّا يتسبَّب في تكوين فقاقيع وما إلى ذلك، وبمرور الوقت يتكوَّن الشاي. إن هذا تاريخ لأن بوسع المرء أن يُقدِّم حوله التفسيراتِ والتنبؤاتِ دون أن يأتيَ مطلقًا على ذِكْر وجودِ تواريخَ أخرى في الوجود المتعدد الأكوان اخترتُ فيها أن أُعِدَّ قهوةً بدلًا من الشاي، أو حيث تأثَّرَتِ الحركةُ المجهرية لجزيئات المياه تأثُّرًا طفيفًا بأجزاءٍ من الوجود المتعدِّد الأكوان واقعة خارج هذا التاريخ. لا يأبه ذلك التفسير بأن جانبًا صغيرًا من ذلك التاريخ يمايز نفسه أثناء تلك العملية ويفعل أشياءَ أخرى. في نقطةٍ دقيقةٍ من ذلك التاريخ، تتحوَّل الغلاية نفسها إلى قبعةٍ طويلة، والمياه إلى أرنبٍ يقفز بعيدًا، ولا أحظى بالشاي ولا بالقهوة ولكن بالمفاجأة. إن هذا تاريخ كذلك، بعد ذلك التحوُّل، غير أنه ما من طريقةٍ لتفسير ما كان يحدث فيه تفسيرًا صحيحًا — ولا للتنبؤ باحتمالاته — دون الإشارة إلى أجزاءٍ أخرى من الوجود المتعدِّد الأكوان، أجزاء أكبر كثيرًا ليس فيها أرنب؛ لذا فلقد بدأ هذا التاريخ عند حدوث التحوُّل، ولا يمكن شرْحُ علاقته السببية بما حدث قبله فيما يتعلَّق بالتاريخ، وإنما فيما يتعلَّق بالوجود المتعدِّد الأكوان. |
|
#### (٥) أَعوانُ الزكاةِ
وفي بلادِ هذا الصَّعيدِ التي تعترضُ طريقَ الحُجَّاجِ والمُسافرينَ: كإِخميمَ، وقُوصٍ، ومُنْيَةِ ابْنِ الْخَصيبِ، كثيرٌ من الأَذَى والمُضايقاتِ التي يُلْحِقُها المَكَّاسُونَ بهم، متعلِّلين بالرغبة في تَحْصِيلِ الزَّكاةِ، فهم — كأَصحابِهم الذين استَقْبَلونا في ميناءِ الإِسكندرية — يُدْخِلون أَيْديَهُمْ في أَوْساطِ التُّجار، فَحْصًا عمَّا تأَبَّطُوهُ أَوِ احْتَضنوه من دراهِمَ أَوْ دنانيرَ، دونَ أَن يُراعُوا ما يَسْتَوْجِب الزَّكاةَ. ورُبَّما أَلزمُوهُمُ الأَيْمانَ عَلَى ما بأَيديهِمْ، وهلْ عندهُمْ غيرُ ذلك؟ ويُحْضرُونَ كتابَ اللهِ العزيزِ يَقَعُ الْيمِينُ عليهِ، فيقِفُ الحُجَّاجُ — بَيْن أَيْدِي هؤلاءِ المُتناولينَ للزَّكاةِ — مَواقِفَ خِزْي ومَهانَة، تُذَكِّرُهُمْ أَيَّام المُكوسِ. |
|
وصعِد لوط من صوغر وسكَن في الجبل وابنتاه معه؛ لأنه خاف أن يسكن في صوغر (؟!)، فسكن في المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض، هلُمَّ نسقي أبانا خمرًا ونضطجع معه، فنُحيي من أبينا نسلًا، فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة، ودَخلَت البكر واضطَجعَت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطَجَعت البارحة مع أبي، نسقيه خمرًا الليلة أيضًا، فادخلي اضطجعي معه فنُحيي من أبينا نسلًا، فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة أيضًا، وقامت الصغيرة واضطَجعَت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحَبلَت ابنتا لوط من أبيهما، فوَلدَت البكر ابنًا ودعت اسمه موآب، وهو أبو الموآبيِّين إلى اليوم، والصغيرة وَلدَت ابنًا ودَعَت اسمه بني عمي، وهو أبو بني عمون إلى اليوم. |
|
وأهالي هذه الجهة معتادون على الحمل على ظهورهم، وقد وصلنا بعد ظهر هذا اليوم إلى بلدة كبيرة تسمى: (سيسيكار)، ولما وصلنا إليها رأينا الازدحام شديدًا والوفود كثيرين، ومن ضمن الوافدين رجل من عظماء الصين قد أرسل لمقابلة الغراندوق، ومعه عشرون من العساكر الصينية لابسين ملابس تشبه ملابس العساكر اليابانية، ولما شاهدتهم رأيت أنهم ليسوا متمرنين تمرنًا تامًّا، فاستخففت بهم، فقيل لي: إنك لو رأيتهم في بلادهم لرأيت جندًا منتظمًا، وجيشًا قويًّا، وملابس جميلة، وأعجبك تمرنهم على جميع الأمور العسكرية. وقد مررنا على نهر يسمى: (نونى)، وهذا النهر هو الذي فاض في العام الماضي فيضانًا كثيرًا حتى أغرق أربعة وتسعين كيلو مترًا عرضًا، وغرق فيه بلاد كثيرة، ولكنها في هذا العام لما مررنا عليها وجدناها في غاية من البهجة والنضارة، وفي الساعة الحادية عشرة ليلًا قد وصلنا إلى (خاربين) عاصمة منشوريا الشمالية، وهي مركز الوالي المسكوفي، ولما وصلنا إليها وجدناها مزينة تمام الزينة، متأهبة لقدوم الغراندوق على حسب العادة وفي انتظاره كثير من الناس، وبينهم ثلاثة من عظماء الصين لابسين حللًا زرقًا وعلى رءوسهم قبعات من الخوص بكل قبعة حجر من الأحجار النفيسة، وهذه الأحجار تدل على رتبة كل واحد منهم، وفضلًا عن ذلك فإن هذه القبعات عليها كساء من شعر الخيل، مصبوغ بألوان مختلفة على حسب اختلاف مراتبهم، وفي هذه المحطة قد نزل السائحون الذين يريدون الوصول إلى بلاد الصين؛ لينتظروا ليلتهم ويركبوا بالقطار الذي يؤمُّها صباحًا. |
|
لم يزل الأسعد متصلًا بالأيوبيين وعلى ديوانهم إلى أن وَزَرَ ابن شكر للملك العادل، وكان بين الوزير الجديد وبين الأسعد عداوة قديمة منذ كان الأسعد رئيسًا على ابن شكر، وكثيرًا ما كان يهينه، فحقدها ابن شكر عليه إلى أن صارت إليه الوزارة، فأقبل بكُلِّيَّتِه على الأسعد، وفوض إليه جميع الدواوين لمدة سنة كاملة اطمأن فيها الأسعد إلى هذا الوزير الجديد، ثم أظهر الوزير حقده الدفين بعد مؤامرات دسها عليه، وأَوَّلَ أعمالَ الأسعد تأويلاتٍ نَكَبَهُ على إِثْرِهَا نَكْبة شنيعة، وطالبه بأموال جمة لم يكن له وَجْه فيها، وأخال عليه الجنود فطالبوه وآذوه، وعُلِّقَ في المطالبة على باب داره في الطريق العام إحدى عشرة مرة في يوم واحد، فلما رأى الجند أنه لا يستطيع الوفاء بالمال قيل له: تحيل ونَجم هذا المال، فقال الأسعد: أما المال فلا وَجْهَ له عندي، ولكن إن أُطْلِقْتُ استجْدَيْتُ من الناس، فليس لي بعد ما أخذتموه درهم واحد، فأُطلِق بعد أن قُسِّطَ المال عليه، وبقي مدة قصيرة إلى أن حل بعض القسط عليه فاختفى في مقبرة في القرافة، وأقام هناك مدة عام كامل حتى ضاق الأمر عليه، فهرب قاصدًا إلى الشام، وبينما هو في الطريق لحقه فارس مُجِدٌّ سَلَّمَ إليه مكتوبًا، فإذا هو من الوزير يقول فيه: لا تحسب أن اختفاءك عني كان بحيث لا أدري أين أنت، ولا أين مكانك، فاعلم أن أخبارك كانت تأتيني يومًا يومًا، وأنك كنت في قبور المادرائيين بالقرافة منذ يوم كذا، وأنني اجتزت هناك واطلعت فرأيتك بعيني، وأنك لما خرجت هاربًا عَرَفْتُ خَبَرَكَ، ولو أرَدْتُ رَدَّكَ لَفَعَلْتُ، ولو علمت أنك قد بقي لك مال أو حالٌ لما تركتك، ولم يكن ذنبك عندي مما يبلغ أن أُتْلِفَ معه نفسك، وإنما كان مقصودي أن أدعك تعيش خائفًا، فقيرًا، غريبًا، ممججًا في البلاد، فلا تظن أنك هربت مني بمكيدة صَحَّتْ لك عليَّ، فاذهب إلى غير دعة الله. فعندما قرأ الأسعد هذا الخطاب بقي مبهوتًا إلى أن وصل حلب، وقد أنشد في هذه القصة: |
|
وسطَ تابوتٍ وثيرٍ ترقدين،
والثواني
تسكبُ الأيامَ في بحرِ السنين،
والحياة استُنْزِفت
إلا من الأنفاسِ لَهْثًا،
تشحذُ الدَّقاتِ رَهْقًا؛
تَكْتَري شُحَّ السنين
يا زمانَ المعجزاتِ استسلمتْ بلوَاك للهولِ الرهيب،
قوضتْ باليأسِ أعصابَ الطبيب،
أمنياتُ الحبِّ سارتْ لانتهاءٍ وانتهاء،
وانتظارٍ للوداع،
جرعة من كأسِ موتٍ لا تُميت،
تجعل المقتولَ مصلوبًا،
جبالُ الصبرِ تذوي تحتهُ،
لكنهُ روحٌ معنَّاةٌ تمنَّتْ لو تموت،
صولجانُ الموتِ قزْمٌ لا يُهاب،
لم يواجهنا، ولكن حين واجهناهُ فَرَّ،
لم يدعنا، إنما بثَّ الرزايا حولنا،
سمَّمَ الدنيا بأشباحٍ وأمراضٍ، ومَرَّ
إنما المأساةُ أن لا ليل يبدو أو نهار،
والجراثيمُ استباحت محنةَ الزهرِ العليل؛
فانشدي الصبرَ الجميل،
انشدي الصبرَ الجميل. |
|
ولو أن الأمر كان محصورًا في تنوُّع أذواق البشر لكان ذلك مانعًا كافيًا من صبِّهم جميعًا في قالب واحد، فما بالك إذا كان اختلاف الأشخاص يتطلَّب أيضًا تنوُّع الظروف الملائمة لنموِّهم الرُّوحي، تمامًا مِثلما تتطلَّب النباتات المُختلفة لنموِّها أجواءً مُختلفة. فالشيء نفسه الذي يُساعد شخصًا ما على الارتقاء بطبيعته العُليا وتنميتها قد يعوق نموَّ شخصٍ آخر، وقد يكون نَمَطٌ معينٌ من الحياة مُثيرًا صحيًّا لشخصٍ؛ يحفظ جميع ملَكات الفعل والاستمتاع عنده في أحسن حال، بينما يكون لشخصٍ آخر عبئًا مُشتِّتًا يوقِف نموَّ حياته الداخلية بأكملها أو يسحقها. تلك هي الاختلافات بين البشر في مصادر مُتعتِهم وفي استهدافهم للألم وتأثُّرهم بشتَّى العوامل المادية والأخلاقية، فما لم يُقابلها تنوعٌ آخر في طرائقهم في الحياة فإنهم لن ينالوا نصيبهم المُستحقَّ من السعادة ولن تنموَ جوانبهم الذهنية والخلقية والجمالية إلى غايةِ ما تسمَحُ به قُدراتهم. |
|
دخل العراقَ في الألف الثالث قبل الميلاد جيلٌ من العرب يُعرَف بالعموريين، زحفوا من غربي الجزيرة العربية في سوريا إلى العراق، ويظهر أن الأكديين حين فقدوا نفوذَهم السياسي، واشتدَّ خلافهم مع السومريين، ورأوا اضمحلال دولتهم استنجدوا بالعموريين؛ فقَدِم هؤلاء عليهم بسيول جرارة، سائرين مع الفرات مخلين سهل شنعار بمدنه وقُراه، وفي سنة ٢٠٥٠ قبل الميلاد احتلوا بابل، وكانت قرية لطيفة أعجبتهم بحسن موقعها وطيب مناخها، فاعتنوا بها، وجعلوها عاصمة مملكتهم حتى عُدَّت في فترة قصيرة مدينةً عظيمة، وتتابع على بابل نفر من الأملاك كان أعظمهم سادسهم الملك حمورابي الذي حكم البلاد من سنة ١٩٤٨ إلى سنة ١٩٠٥ قبل الميلاد، فوحَّد العراق، وقضى على العيلايين الذين احتلوا بلاد السومريين، كما استولى على أراضي آشور والفرات، ووصل إلى البحر الأبيض المتوسط، وكان عهده الذي دام ثلاثة وأربعين عامًا من أزهر عصور بلاد الرافدين، ثم خلف من بعده ملوكٌ لم يستطيعوا أن يُتمِّموا ما بدأ به وما شيَّد، فأخذت الإمبراطورية البابلية تنحدر قليلًا فقليلًا حين ثار الكاشيون من سكان سواحل الخليج العربي وجبال إيران على الدولة البابلية، واقتطعوا منها جزءًا، كما تقدَّم الحثيون من سكان آسيا الصغرى إليها، واستولوا على جزء آخر منها، ولم يستطع الملك شمسوديتاثا الوقوف أمام الغزو الحثي؛ فسقطت بابل في يد الحثيين القُساة، وأمعنوا فيها تخريبًا وسلبًا. |
|
لم يؤثِّر هذا الانخفاض في القيمة فور حدوثه إلا على قليل من الأمريكيين، إلا أن الآخَرين راقبوا السوق عن كثبٍ، واعتبروا الانخفاض مؤشِّرًا على أقدارهم التي تنتظرهم، حتى إنهم أوقفوا كثيرًا من نشاطهم الاقتصادي. وبوصفه اقتصاديًّا، كتب جوزيف شومبيتر فيما بعدُ: «شعر الناس بأن الأرض تتداعى من تحت أقدامهم.»35 ولما كان الأمريكيون يواجهون مستقبلًا تكتنفه الشكوك، فإنهم اتخذوا قراراتٍ مهمةً بالإحجام عن الشراء، وعلى وجه الخصوص توقَّفوا عن شراء السلع المُعمِّرة الباهظة الثمن مثل السيارات التي تعلَّموا شراءها بالاستدانة. كان كلُّ توقيعٍ يخطُّه المستهلِكُ على عقدٍ للدفع بالتقسيط يمثِّل تنبُّؤَه بقدرته على السداد في المستقبل، وفجأةً شعر الأمريكيون بعدم قدرتهم على استشراف المستقبل بالقدر الكافي للتنبُّؤ بتنبؤات سديدة، وفي غضون بضعة أشهر من الانهيار انخفضَتْ عمليات تسجيل السيارات بحوالي الربع عن الرقم الذي كانت عليه في سبتمبر،36 وفي عام ١٩٣٠ انخفض الإنفاق على السلع الاستهلاكية المُعمِّرة بنسبة ٢٠ بالمائة،37 وأغلقَتِ المصانعُ أبوابها وأفلسَتِ البنوكُ، وبلغ معدل البطالة أكثر من ضعف معدله في عام ١٩٢٩. |
|
كيف رأى عمر هذا الرأي وأمضاه على الناس مع مخالفته ظاهر النص وظاهر الحكمة؟ يجب لندرك ذلك أن نرجع إلى السبب في نزول الآية: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، روى ابن جرير في تفسيره ما ذكره بعضهم من: «أن هذه الآية أنزلت لأن أهل الجاهلية وأهل الإسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم نهاية تَبِينُ بالانتهاء إليها امرأته منه ما راجعها في عدتها منه، فجعل الله تعالى ذكره لذلك حدًّا حرم بانتهاء الطلاق إليه على الرجل امرأته المطلقة إلا بعد زوج، وجعلها حينئذ أملك بنفسها منه.» ورُوي أن رجلًا قال لامرأته على عهد النبي ﷺ: لا آويك ولا أدعك تَحِلِّين! فقالت له: كيف تصنع؟ قال: أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك، فمتى تحلين؟! — أي لغيره — فأتت النبي ﷺ فأنزل الله: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، فاستقبله الناس جديدًا، من كان طلق ومن لم يكن طلق، وعن قتادة أنه قال: «كان أهل الجاهلية كان الرجل يطلق الثلاث والعشر وأكثر من ذلك ثم يراجع ما كانت في العدة، فجعل الله حد الطلاق ثلاث تطليقات.» |
|
#### من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»
إن «ف. كراولي» هو أحد الأسماء العديدة التي يستخدمها رجل العصابات الأمريكي الرهيب «أوجو نيتش»، الإيطالي الأصل والذي يُشتهر بلقب الغوريلا. وقد هاجر «نيتش» إلى الولايات المتحدة في عام ١٩٣٥م، حيث اشتغل في عدة أعمال بسيطة قبل أن يرتكب أول حادث سرقة له، ودخل السجن. وعندما خرج عمل على أرصفة نيويورك، وقام بدور الفتوَّة الذي يضرب معارضي عصابة «السراويل السوداء»، مستخدمًا قوَّته الهائلة ومنظره المنفِّر الغريب … ثم انفرد بالعمل وحده بعد أن جمع حوله بعض صغار اللصوص. وفي سنة ١٩٤٥م، بعد انتهاء الحرب، اتُّهم في جريمة قتل واختفى بعد ذلك ليظهر في شيكاغو. وبعد مطاردة طويلة استطاع رجال البوليس القبض عليه وتقديمه للمحاكمة، حيث قضى في السجن ١٢ عامًا، ثم أُفرج عنه، وافتتح متجرًا لبيع وشراء الأشياء القديمة … وفي الواقع أن هذا كان ستارًا لإخفاء عمله الأصلي، وهو شراء ما يسرقه اللصوص بأثمان بخسة … ثم بيعه بعد ذلك.
واتسعت دائرة أعماله، وبدأ يتخصَّص في شراء وبيع الأشياء الثمينة فقط، مثل الآثار النادرة والماس والتحف واللوحات، مستخدمًا في ذلك شبكةً واسعةً من العملاء في مختلِف عواصم العالم … ومنذ شهر تقريبًا اختفى «نيتش» من الولايات المتحدة إلى جهة غير معلومة، ثم ظهر في إيطاليا حيث يقال إنه كان وراء صفقة ضخمة. ولوحظ أنه كان يُحيط نفسه في إيطاليا بحراسة قوية … وظلَّ في إيطاليا فترة، ثم اشترى يختًا وغادر نابولي إلى جهة غير معلومة، حتى عُثر عليه قتيلًا في اليخت أول أمس في ميناء «بيروت». |
|
فلم تُطِقْ بديعة هذا الضغط ولا هذه المعيشة، وفضَّلت أن تخدم عند أناس يفهمونها وتفهمهم، حتى تزيل أتعابها القلبية والجسدية بما تراه من نظافة وترتيب بيوتهم، وما تسمعه من أفواههم من الكلام اللطيف، فرجعت بعد أسبوع إلى بيروت حيث توفَّقت لخدمة عائلة من أشهر عائلات تلك المدينة الزاهرة. وأما لوسيا فإنها تحملت كل هذا؛ لأن والدها لم يسمح لها بترك البيت ووعدها بإحسان معاملتها في المستقبل. وبالحقيقة إن معيشتها مع امرأة أبيها كانت خلاصة الحنظل؛ لأنها كانت ذات كبرياء زائدة، فرأت برعاية «البقر» والاستملاء وتربية دود الحرير مذلة وعارًا. وكانت دائمًا تقول لأبيها: إننا يا أبي لا نفرق شيئًا عن البهائم. نحن نكدُّ ونتعبُ، ونفلح ونزرع، ونحمل على ظهورنا الأحمال الثقيلة، وكل ما نكسبه من ثمرة أتعابنا هذه هو «قوت يومنا»، كهذه الدوابِّ التي تحمل الأحمال الثقيلة التي من ورائها غِنَى وسعادة أصحابها، وهي لا تستفيد منها إلا مقدارًا من العليق والعلف، فكأن الحياة كلها كناية عن أكل ثلاث وجبات في النهار ونوم عشر ساعات في الليل. وكأننا قد خُلِقْنَا لنكون آلات يستعملنا الأغنياء لبناء بيت مستقبلهم وقلعة سعادتهم. |
|
فما الذي نعنيه بقولنا «الفكر العربي»؟ واضح أننا ما دمنا نذكر الفكر العربي في موقفه من تحديات هذا العصر؛ فالمقصود هو الفكر العربي في عصرنا الراهن؛ أي في الفترة التي تمتد نحو مائة عام، من ثمانينيات القرن الماضي، إلى ثمانينيات هذا القرن، وهي فترة امتزجت فيها، منذ بدايتها بل وما قبل بدايتها، سياسة الغرب مع ثقافته وأصول حضارته، فنتج عن هذا المزيج في نفوسنا مزيج آخر، لعله هو المفتاح الذي يبسط أمام أبصارنا صورة واضحة لحياتنا الفكرية كما هي قائمة الآن، وأعني بذلك المزيج الذي يملأ صدورنا، ذلك المزيج بين كراهية تَنفر من الغرب لسياساته الطامعة المُغتصِبة، مع إدراكنا بضرورة الأخذ عن أصول حضارته وشيء من عناصر ثقافته، ومن هنا ترانا نأخذ ما نأخذه أخذ الكاره المُكْرَه، حتى لَنوَد أن يتم ذلك الأخذ والأعين منا مُغمضة، فنتج عن ذلك ضرب من الازدواجية في الفكر العربي المعاصر، فمن جهةٍ ترانا نعلن في صراخٍ استمساكنا بموروثنا عن القديم الأصيل، ولكننا من جهة أخرى نُعَبِّئ معاهدنا وجامعاتنا بعلوم الغرب، كما نُعَبِّئ أسواقنا بمنتجات الغرب، من أجهزة وآلات، وغيرها من مصنوعات العصر ومبدعاته. |
|
على أني لا بد لي هنا من تقرير حقيقة يُثبتها الاستقراء؛ وهي أنَّ أهل اللغة كلما كانوا عليها أحنى وأحرص وإلى الاضطلاع بها أنشط، كانت صيحتُهم لتقويم رسم كتابتها أعظم. هكذا كان الحال أيام عثمان بن عفان، وأيام عبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف، وأيام الخليل بن أحمد، وأيام مَن بعدهم من العلماء الذين اشتدَّ حرصُهم على العربية فكانوا يَضبطون ألفاظها بالألفاظ. وهكذا الحال الآن ودبيب النهضة اللغوية العربية يدبُّ في بيئتنا المصرية وفي بيئتكم وسائر البيئات العربية الأخرى. والعلَّة في هذا — وما أظنُّها تخفى عليك — هي أن أهل اللغة متى تنبَّهوا لخدمة لغتهم وإعزازها، وأخذت ملَكتُها تُسيطر على ألسنتهم، أرهفت هذه الملكة حسَّهم وجعلتهم لا يُطيقون عبث من يُهدر قواعدها ولا يراعي حقوقها عند قراءة شيء من نصوصها، بل هم يتأذون ويتألَّبون صارخين طالبين توضيح معالم رسمها حتى يَسقُط عذْرُ القارئ، ويزول مصدر اللحن الذي يؤذي لغتهم العزيزة عليهم كما يؤذي أسماعهم. وهذه العلَّة النفسانية تدور مع معلولها وجودًا وعدمًا؛ ألا ترى أنه إبان الركود اللغوي، التابع للركود العقلي، قلَّ أن يفكِّر أحد في اللغة، ولا في صَونها أو عدم صونها من اللحن والأخطاء؟ |
|
ثم عاد الشيخ إلى بث هذا الأسف بعد ذكر العلوم العصرية والإلمام بمؤلفاتها المترجمة عن اللغات الأوروبية، فقال في عرض الكلام على الخلاء والملاء وضغط الهواء: «إنَّا لو وضعنا خشبة مستوية أو أنبوبة مسدودة الرأس في قارورة، بحيث يكون بعض الأنبوبة داخل القارورة وبعضها خارج عنها، وسددنا رأس القارورة بحيث لا يدخلها هواء ولا يخرج، وذلك بأن نسد الخلل بين عنق القارورة والأنبوبة سدًّا محكَمًا لا يمكن نفوذ الهواء فيها، فإذا أدخلنا الأنبوبة فيها أكثر مما كانت بحيث لا يخرج شيء من الهواء عنها انكسرت القارورة إلى خارج، وإذا أخرجناها عنها بحيث لا يدخل فيها شيء من الهواء انكسرت إلى داخل، ولولا أنها مملوءة بالهواء وما فيها من الأنبوبة بحيث لا تحتمل شيئًا آخَر لم يكن كذلك، فدَلَّ ذلك على امتناع الخلاء. وقد قال شارح حكمة العين: إن هذه إقناعيات لا برهانيات. وأقول: إن مسألة الخلاء ومسألة إثبات الميل في الأجسام من مسائل العلم الطبيعي، وبتحقيقها ينكشف للفَطِن أسرار غريبة، وعليها ينبني كثير من مسائل علم جَرِّ الأثقال وعلم الحيل واستحداث الآلات العجيبة. ووقع في زماننا أن جُلِبت كُتُبٌ من بلاد الإفرنج وتُرجِمت باللغة التركية والعربية، وفيها أعمال كثيرة وأفعال دقيقة اطَّلَعْنا على بعضها، وقد تتحول تلك الأعمال بواسطة الأصول الهندسية والعلوم الطبيعية من القوة إلى الفعل، وتكلَّموا في الصناعات الحربية والآلات النارية ومهَّدوا فيها قواعد وأصولًا، حتى صار ذلك علمًا مستقلًّا مدوَّنًا في الكتب، وفرَّعوه إلى فروع كثيرة، ومَن سمت به همته إلى الاطلاع على غرائب المؤلفات وعجائب المصنَّفات، انكشفت له حقائق كثيرة من دقائق العلوم، وتنزهت فكرته — إن كانت سليمة — في رياض الفهوم. |
|
ثم قال العفريت دهنش للعفريتة: وأنا يا سيدتي أتوجه إليها في كل ليلة فأنظرها وأتملى بوجهها، وأقبِّلها وهي نائمة بين عينيها، ومن محبتي فيها لا أضرها ولا أركبها؛ لأن جمالها بارع، وكل مَن رآها يغار عليها من نفسه، وأقسمتُ عليكِ يا سيدتي أن ترجعي معي وتنظري حسنها وجمالها، وقدَّها واعتدالها، وبعد هذا إنْ شئتِ أن تعاقبيني أو تأسريني فافعلي، فإن الأمر أمرك والنهي نهيك. ثم إن العفريت دهنشًا أطرق رأسه إلى الأرض، وخفض أجنحته إلى الأرض. فقالت له العفريتة ميمونة بعد أن ضحكت من كلامه، وبصقت في وجهه: أي شيء هذه البنت التي تقول عنها؟ فما هي إلا قوارة بول، فكيف لو رأيتَ معشوقي؟ والله إني حسبتُ أن معك أمرًا عجيبًا أو خبرًا غريبًا يا ملعون، إني رأيت إنسانًا في هذه الليلة، لو رأيته ولو في المنام لانفلجت عليه وسالت ريالتك. فقال لها دهنش: وما حكاية هذا الغلام؟ فقالت له: اعلم يا دهنش أن هذا الغلام قد جرى له مثل ما جرى لمعشوقتك التي ذكرتها، وأمره أبوه بالزواج مرارًا عديدة فأبى، فلما خالَفَ أباه غضب عليه وسجنه في البرج الذي أنا ساكنة فيه، فطلعت في هذه الليلة فرأيته. فقال لها دهنش: يا سيدتي، أريني هذا الغلام لأنظر هل هو أحسن من معشوقتي الملكة بدور أم لا؛ لأني ما أظن أن يوجد في الزمان مثل معشوقتي. فقالت له العفريتة: تكذب يا ملعون، يا أنحس المَرَدة وأحقر الشياطين، فأنا أتحقق أنه لا يوجد لمعشوقي مثيل في هذه الديار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح. |
|
ومن المحتمل أن الكاهن «أحمس» بن «سمنديس» الذي ورد ذكره فيما سبق هو أحد كهنة البوخيوم الأول إن لم يكن أولهم. ولم نجد أية آثار تدل على وجود مكان للكهنة إلا بقايا مبنى عديم الأهمية جدًّا في داخل جدار حرم المعبد، يُضَافُ إلى ذلك أن المباني التي كانت تُقَامُ فوق البوخيوم كانت كذلك لا قيمة لها، والظاهر أن كل الوظائف الكهنية كانت تؤدى في معبد «أرمنت»، وأنه لم يكن في البوخيوم أكثر من الحرس إلا الشيء اليسير. وتوجد بقايا ما يمكن أن يُطْلَقَ عليه مساكن الكهنة في قرية البقارية الرومانية. وكان الكهنة يُدْفَنُونَ على الأقل في خلال العهد المتأخر من حكم البطالمة في الجبانة رقم ٤٠٠، وتقع في الجنوب الغربي للبوخيوم بالقرب من جدار حرم المعبد، وهذه الجبانة قد نُهِبَتْ نهبًا ذريعًا، ولكن بقي لنا قبر أو قبران لم تمسهما يد اللصوص. ويُرى في متاحف العالم المختلفة توابيت من الورق المقوى في المقابر المنهوبة. وكان الكهنة يُدْفَنُونَ مع أقاربهم في أضرحة أسرية. وكانت تُسْتَعْمَلُ وقتئذ توابيت مصنوعة من الفخار، وكانت تُغَطَّى كل مومية بكرتون ملون. ولم يوجد لقب كاهن «بوخيس» إلا على واحد من هذه الكرتونات، وهو محفوظ بالمتحف البريطاني برقم ٦٩٦٩\. أما سائر الكرتونات التي كُشِفَ عنها فكانت إما قد أصابها التلف بصورة بالغة، فلم يكن من المستطاع معرفة صاحبها، أو أن القسم الذي فيه النقش الذي يحتوي على اسم صاحبه وألقابه قد ضاع. |
|
فالشاعر ابن الذروي يُداعب صديقه ويسخر منه ولكن في صيغة مُهذبة، فهو يمدحه ولكنه في الوقت نفسه يريد أن يُضْحِكَ منه وأن يُضحِك عليه إخوانه وأصدقاءه، فهو يمدح حدبته وأنها دليل الجمال والحُسن، ويتخذ من المحدودبات وسيلة لهذا المدح، فالهلال يُوصف بجماله وحُسنه، ولا شك أن هذه مغالطة من الشاعر؛ لأن الهلال مقوس، ولكن الشاعر يريد المُداعبة قبل كل شيء. والقسي ليست أنكى من الظبا والعوالي، إنما هي النِّبال التي تُرمى عن القسي، فهذه مغالطة أخرى من الشاعر. ثم يعود إلى مداعبته بأن الأحدب هو الراكع المستمر، وأنه يحمل وزره على ظَهْرِه فهي ذنوب يحملها في هذه الدنيا ستُخفف عنه العذاب يوم القيامة. ثم اقرأ له هذه الدُّعابة القاسية من أن النساء تتمنى أن يتحلى كل رجل بحدبة. هذه كلها صور ساخرة مؤلمة أرسلها ابن الذروي إلى صديقه هذا، ثم ختم سخريته بسخرية قاسية بقوله: «إذا كان الأحدب لا يرى بُدًّا من هَجْر صديقه فهو يطلب زيارته في الخيال.» |
|
وعلى هذا يكون علي هو أول من أسلم بعد السيدة خديجة، قال إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي روايةً عن أبيه عن جده: كنت امرأً تاجرًا، فقدمت للحج، فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، وكان امرأً تاجرًا، فوالله إني لعنده بمنى؛ إذ خرج رجل من خباءٍ قريب منه، فنظر إلى الشمس، فلما رآها قد مالت قام يُصلي، قال: ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلفه تصلي، ثم خرج غلام قد راهق الحلم من ذلك الخباء، فقام معهما يصلي، فقلت للعباس: من هذا يا عباس؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، قلت: مَن هذه المرأة؟ قال: امرأته خديجة بنت خويلد، قلت: من هذا الفتى؟ قال: علي بن أبي طالب ابن عمه، قلت: ما هذا الذي يصنع؟ قال: يُصلي، وهو يزعُم أنه نبي، ولم يتبعه فيما ادَّعى إلا امرأته وابن عمه هذا الغلام، وهو يزعم أنه سيُفتَح عليه كنوز كسرى وقيصر. وكان عفيف يقول بعد أن أسلم وحسُن إسلامه: لو كان الله رزقني الإسلام يومئذٍ فأكون ثانيًا مع علي.٤ |
|
وتمادى لاونديوس في هذه السياسية الجديدة، فرسم آئيتيوس شماسًا وسمح له بالوعظ في الكنيسة، فاحتج الأرثوذكسيون على ذلك وأجمعوا على محاربة آئيتيوس، ولم ينفرد أتباع أفستاثيوس بهذا الاحتجاج، فإن السواد الأعظم من الأرثوذكسيين، الذين كانوا قد واظبوا على إجراء الطقوس مع أتباع لاونديوس ضنًّا بوحدة الكنيسة، استنكروا صوت آئيتيوس في الكنيسة، والتفوا حول زعيمين علمانيين ذيذوروس وفلافيانوس، وهددوا بالانفصال التام ففاوضهم لاونديوس، فأصروا على تعديلٍ في الذوكسة (المجدلة)، يثبت مساواة الابن للآب في الجوهر، فأوجبوا القول «المجد للآب والابن والروح القدس»، بدلًا من القول «المجد للآب في الابن والروح القدس»، كما جرت العادة آنئذٍ، فوافق لاونديوس على ذلك، ولكنه خشي مقاومة الآريوسيين في الكنيسة، فرتل «المجد للآب» ثم أضعف صوته متظاهرًا بالألم في حلقه، حتى إذا وصل إلى العبارة «الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين» رفع صوته فرتلها بوضوح.١٢٦ واشتد احتجاج الأرثوذكسيين في أنطاكية، فنزل لاونديوس عند رغبتهم وأبعد آئيتيوس عن أنطاكية. |
|
عاد من فرنسا في ديسمبر سنة ١٨٣٣/شعبان ١٢٤٩، فعُيِّن مدرِّسًا بمدرستَي الطب والولادة، فلما نُقلت مدرسةُ الولادة إلى الأزبكية، وبعدتْ عن مدرسة الطب، عُهد للدكتور هيبة بالإشراف عليها مع قيامه بالتدريس للفرقة الثانية، وقد قام منذ عاد من فرنسا بترجمة كتُبٍ طبية ثلاث، اثنان في علم الفسيولوجيا، والثالث في علم الولادة، وهما المادتان اللتان تخصَّص لدراستهما في باريس، وفيما يلي أسماء هذه الكتب:
* (أ)
فسيولوجيا٦٩ ترجمه عن الفرنسية إلى العربية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥١ (أي بعد عودته بسنتين).
* (ب)
إسعافُ المرضى في علْم منافع الأعضاء، تأليف «الخواجة سوسون معلِّم الفسيولوجيا بأبي زعبل»، وترجمَه من الفرنساوية للعربية علي أفندي هيبة الحكيم بمدرسة أبي زعبل، الذي بلغ رتبةَ الحكيم من مدرسة الطب بباريس، وكان يُمليه على الشيخ محمد محرم أحدِ المصححين بمدرسة أبي زعبل،٧٠ وقد قام بتحريره الشيخ محمد الهراوي، وتمَّ طبعُه في بولاق في الرابع عشر من المحرم سنة ١٢٥٢، وذكَر في خاتمته أنه «سادسُ كتابٍ طُبع من كتب الطب المترجمة».٧١
* (جـ)
طالع السعادة والإقبال في علم الولادة وأمراض النساء والأطفال، ترجمَه عن الفرنسية، وقام على تصحيحه زميلُه الدكتور أحمد حسن الرشيدي، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٨.
وبينما كانت بعثة سنة ١٨٢٦ تتلقَّى العلم في فرنسا، كانت مدرسة الطب قد أُنشئت في سنة ١٨٢٧، وكان «كلوت بك» يبذل الجهدَ كلَّ الجهد ليوفر لها أسبابَ النجاح وليعمل على تمصير التدريس بها، فلما مضى على إنشائها خمسُ سنوات تخرَّجت الدفعة الأولى «في سنة ١٨٣٢»، فتخيَّر كلوت بك اثنَي عشر طالبًا من أمهرِ خرِّيجيها، وبعثَهم إلى فرنسا لإتمام دراستِهم، فلمَّا عادوا إلى مصر، أُلحقوا مدرِّسين بمدرسة الطب، وقد كان لأكثرهم جهدٌ مشكور في الترجمة عن الفرنسية. |
|
* الدراويش: يطلق هذا الاسم على الصوفية، وهم كثيرون في مصر، ويُحترمون كثيرًا، وأكثرهم احترامًا من كان من الأشراف أو بيت أبي بكر، ويلقب بالبكري؛ وعمر، يلقب بالعُمري، ويلقب رئيس الطائفة بشيخ السّجادة؛ وتعبير السجادة العرش الروحي، وفي مصر أربع سجاجيد كبيرة، وأشهر طوائف الدراويش هي الرفاعية نسبة للسيد أحمد الرفاعي، وعمامتهم سوداء، أو من الصوف الحالك الأزرق.
واشتهروا بالإتيان بالأعمال العجيبة: كغرز المسامير الحديدية في أعينهم من غير أن يقاسوا ألمًا، وابتلاع الجمر والزجاج، وخرق أجسامهم بالسيوف، وخدّهم بالمسلات.
وأحيانًا يحرقون قطعة من جذع النخل ويحشونها بخرق غمست في الزيت والقطران، وإشعالها، ثم وضعها مشتعلة تحت الإبط.
ومن الدراويش فرقة السعدية وأعلامها، وعمائمها خضراء، واشتهروا بإمساك الثعابين السامة والعقارب بلا خوف، ويركب شيخ السعدية في المولد النبوي والموالد الشهيرة حصانًا ويسير به على بعض أجساد أتباعه، ويسمى هذا الموكب بالدوسة، ومن الطوائف طائفة القادرية نسبة إلى عبد القادر الجيلاني، والأحمدية نسبة إلى السيد أحمد البدوي، والشعراوية، نسبة إلى مؤسسها الشيخ الشعراوي، والبيومية، نسبة إلى السيد علي البيومي، والبراهمة أو البرهامية، نسبة إلى سيدي إبراهيم الدسوقي، وأعلامهم خضراء، إلخ.
وهم كثيرون، وقد نشروا في البلاد الخرافات والأوهام، وكلما كان الرجل مجنونًا أو قليل العقل اعتقدت فيه الولاية. |
|
القوة البحرية بمملكة النورويج سنة ۱۸٦٤.
جملة المراكب ومدافعها ۳۹٦ | مراكب قلاع | فابورات أليس | جملة البحرية | أمراء البحرية | أصناف البحرية والمراكب
---|---|---|---|---|---
| | | | ۱ | فيش أميرال
| | | | ۱ | كنتر أميرال
| | | ۲ | |
| | | | |
| | | ٤ | | قبطانات أجفان
| | | ۱٤ | | قبطانات فراقط
| | | ۱٦ | | قبطانات قرابط
| | | ٤٤ | | فسيالات
| | | ۱٤۳۳۹ | | فسيالات صغار وبحرية
۳ | ۱ | ۲ | | | فراقط
٥ | ۲ | ۳ | | | قرابط
٤ | ۳ | ۱ | | | سكاين
٤ | | ٤ | | | بنباردات
۱۰۳ | ۱۰۳ | | | | شالوب كوننيار
٥ | | ٥ | | | فابورات
۱۲٤ | ۱۰۹ | ۱٥ | ۱٤٤۱۹ | ۲ | الجملة |
|
هي قصةٌ ذات عروقٍ بعيدة في أغوار الزمن، لست بطلًا من أبطالها ولكنني أحبُّ أن أحكيها. كيف أحكيها وأنا لست واحدًا من أبطالها؟ هل يهمك كثيرًا أن أكون من أبطالها ما دمت سأرويها لك؟ لن أقول لك إنها من واقع الحياة فلا أحب أن أكون سخيفًا إلى هذا الحد، ولكنني في الواقع لست أدري إن كنت أنت تحب الرواية من واقع الحياة أم من واقع الخيال. يقول الروائيون: إن أهم شيءٍ في العمل الفني أن يكون مقنعًا، ولا يهم من بعدُ المصدر الذي يصدر عنه، ولكن الحياة حين تؤلِّف لا تحاول أن تقنع، إنها تؤلف وتنفذ مؤلَّفها على الحياة، وعلى صلات الناس بعضهم ببعض، وعلى بدايات حياتهم وعلى نهايتها، ولا يعنيها في شيءٍ أن تكون مُقنِعة أو غير مقنعة. والناس؟ الناس جميعًا في كل مكان شهودٌ في كل قصة وأبطالٌ في كل قصة، وقد تُلهيهم الأحداث عن محاولة الفهم، وقد يفكرون، والذين يفكرون هم الأغبياء؛ لأنهم لن يبلغوا من تفكيرهم إلى ما تصبو إليه نفوسهم من طمأنينة، بل هم سيزدادون حيرة وقلقًا، بل قد يزدادون سُخطًا وتبرمًا، ولا تُعنَى الحياة في كثير أو قليل بحيرتهم أو قلقهم، أو سُخطهم أو تبرُّمهم. |
|
ومع أن إنجاب وليِّ للعهد دلَّل على أن ولادات ووفَيَات المواليد الملكيِّين كانت أحداثًا حياتية مُعَظَّمة تعظيمًا تناسُبيًّا مُقارنةً ببقاء وموت الرُّضَّع والأطفال، من عامَّة الناس، فإن جيمس الأول وآن من الدانمرك تشارَكا مع أدنى فئةٍ حتى في جمهور المسارح العامة في الأفراح والأحزان فيما يتعلق بأطفالهم؛ فبحلول عام ١٦١١، كان جيمس وآن قد فقَدا بالفعل أربعة أطفال: مارجريت، وروبرت، وماري، وصوفيا. كانت هذه الخسائر فادحةً لدرجة أنَّ الزوجَين الملكيَّين أبيا حضور أي جنازةٍ مرةً أخرى.4 كانت آن في الرابعة عشرة فقط من عمرها عندما تزوَّجَت جيمس سنة ١٥٨٩، وبعد سلسلةٍ من حالات الإجهاض، أنجبَتْ أخيرًا الأمير هنري سنة ١٥٩٤، وأصبح هذا مبعثًا للخلاف بين الزَّوجَين الملكيَّين، اللذَين كانا سعيدَين في السابق، عندما أَصَر جيمس على تربية ابنهما بالطريقة التي رُبِّي بها. بدأ النزاع بين والدَي هنري حول رعايته عندما لم يكن قد تجاوز عمرُه يومَين. تعهَّده بالرعاية جون إرسكين؛ إيرل مار وأُرسِل ليقطُن في قلعة ستيرلينج، وفُصِل قانونيًّا عن أُمِّه؛ آن من الدانمرك. وعُهِدت أيضًا رعاية شقيقَيه الأصغرَين، إليزابيث وتشارلز، لآخرِين. |
|
وينتمي ملتن نفسه من حيث آراؤه السياسية — إلى هذه الفئة من الجمهوريين الأرستقراط، وهو إنساني بطبعه وتطبُّعه، وهو أميلُ إلى الجانب المقتصِد منه إلى الجانب الخصب، وليس من شك في أن أهم كتاباته النثرية (آريو باجيتيكا) وهو من الأدب الكلاسيكي الذي يدافع عن حرية الكلام، وما يترتب عليها من حريات أخرى. ولا شك أن ثقافة الغرب لم تخلُ في أي وقت من الأوقات من نوع من أنواع الدفاع الفصيح عن حرية الكلام، ولم تكن هذه الثقافة قطُّ تدعو إلى التحكم بدرجةٍ تخمد كل شرارة تومض في سبيل الحرية. غير أنَّا نشك في أن ملتن حتى في هذه العجالة كان يبشر بالآراء التي تدور حول المبدأ الذي يقول: «دعه يفعل» وما ينطوي عليه من فائدة لحرية الفرد. ومهما يكن من أمر فإن قراءة آريو باجيتيكا جنبًا إلى جنب مع «الحرية»، الكتاب الذي وضعه جون مل في عام ١٨٥٩م تدريب ممتع على البحث في تاريخ الفكر بالرغم مما فيه من حرج. إن فصاحة ملتن الكلاسيكية المتدفقة قد تقف في سبيل إدراك ما يرمي إليه، ولكنه بالرغم من ذلك يدافع عن الحرية للصفوة من الناس، وللإنسانيين، وللرجال من أمثاله. وهو في هذا يختلف عن مل الذي يدعو للحرية حتى للمتهورين، والمخطئين، والجهال، يدعو إليها — في إيجاز — لعامة الناس. |
|
#### (٧) صَفْحُ الْكَرِيمِ
وَلَمَّا عَرَفْتُهَا، طَافَتْ بِرَأْسِي فِكْرَةُ الِانْتِقَامِ مِنْهَا.
وَهَمَمْتُ بِتَرْكِهَا وَحِيدَةً فِي هَذَا الْمَأْزِقِ، جَزَاءً لَهَا عَلَى مَا أَسْلَفَتْ (مَا قَدَّمَتْ) مِنْ بَغْيٍ وَعُدْوَانٍ وَلَكِنْ سُرْعَانَ مَا نَسِيتُ هَذِهِ الْفِكْرَةَ الْخَاطِئَةَ، وَصَفَحْتُ عَنْ زَلَّةِ صَدِيقَتِي، وَغَفَرْتُ لَهَا عِنَادَهَا، وَذَكَرْتُ أَنَّ الْأَخَوَاتِ جَدِيرَاتٌ أَنْ يَتَنَاسَيْنَ الْإِسَاءَاتِ، وَيَذْكُرْنَ الْحَسَنَاتِ، لَا سِيَّمَا فِي الشَّدَائِدِ وَالْمَآزِقِ وَالْمُلِمَّاتِ. |
|
وخفَّف الله عن الرجلِ القاذفِ لزوجه، وشرع له مَخْلصًا عن الحد باللعان؛ لاحتياجه إلى دَفْع ولَد الزنا عنه، وقَطْع نسَبِه الفاسد منه، ولأن الغالب من حال الرجل مع امرأته أنه لا يقذفها إلا عن حقيقة، إلا أن شهادة الحال وحدها لا تكفي في صحة ما يدَّعيه عليها، فأُضِيفَ إليها ما يُقوِّيها من الأيمان؛ قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. |
|
ذكرتُ باختصار ادِّعاءَين تاريخيين حول الفلسفة القارية؛ إنها وصف ذاتي أكاديمي وسمة ثقافية. وباعتبارها وصفًا ذاتيًّا، فإن الفلسفة القارية شرٌّ لا بد منه — ولكن ربما عابِرٌ — ناتجٌ عن إضفاء الطابع الأكاديمي على المجال. وكَسِمَةٍ ثقافية، تعود الفلسفة القارية على الأقل إلى عصر مِل، وما يمكن تعلُّمه من آرائه هو أن الفصل بين التقاليد الفلسفية هو تعبير عن صراع (وعلاوةً على ذلك صراع مذهبي) داخلي لدى «الإنجليزية» وليس تقسيمًا جغرافيًّا بين العالَم الناطق بالإنجليزية وأوروبا القارية. وعلى هذا النحو، فإن الهوَّة بين الفلسفة التحليلية والقارية هي تعبير عن انقسام ثقافي عميق بين عادات فكر مختلفة ومتعارضة؛ دَعْنا نُسَمِّها البنثامية في مقابل الكولريدجية، أو التجريبية-العلمية في مقابل التأويلية-الرومانسية. النقطة الأعمق التي يودُّ مِل التأكيد عليها، هي أن حقيقة الأمور الفلسفية والثقافية، أيًّا ما قد تكون، لا يمكن العثور عليها عن طريق اختيار أحد الجانبين؛ ومن ثَمَّ سوء فهم جزءٍ على أنه الكل. بل الحقيقة — بكلمات هيجل — هي كلٌّ، والكل يجب فهمه في سياق حركته المنهجية وتطوُّره التاريخي. وآمل أن يسهم هذا الكتاب في اتجاه هذا الفهم. |
|
لم يقف أبي في المطبخ يشاهد أمي تضع المال وسط ألسنة اللهب. لم يكن الأمر ليبدو هكذا. لم يكن يعرف بالأمر؛ يبدو الأمر واضحًا تمامًا الآن، إنْ كنت أتذكر كل شيء، فأبي لم يكن يعرف بالأمر حتى ذلك الوقت من بعد ظهيرة يوم الأحد في سيارة السيد فلورنس الكرايسلر، عندما أخبرت أمي الجميع بالقصة كلها. لماذا إذن أرى المشهد واضحًا تمامًا، مثلما وصفته لبوب ماركس (ولآخرين؛ فلم يكن هو أول من يعرف)؟ أرى أبي واقفًا بجوار المائدة في وسط الغرفة — المنضدة التي تحتوي على درج للسكاكين والشوك، والمغطى بمشمع نظيف — وثمة صندوق من المال على المائدة. تضع أمي الأوراق النقدية بحذر في النيران. ترفع غطاء الموقد عن طريق السيخ المسوَد بيد واحدة. ويبدو والدي، الذي يقف على مقربة منها، كما لو كان لا يمنعها من عمل ذلك فحسب، بل يحميها. منظر مهيب، لكنه لا يتسم بالشطط. يصنع الناس أشياء تبدو بالنسبة لهم طبيعية وضرورية. على الأقل، يصنع أحدهم ما يبدو له طبيعيًّا وضروريًّا، ويعتقد الآخر أن أهم شيء على الإطلاق بالنسبة لهذا الشخص هو أن يفعل ما يريد، أن يمضي قدمًا فيما يفعل. يدركون أن الآخرين ربما لا يعتقدون كذلك. لكنهم لا يأبهون. |
|
ولم يحدث في مجتمع الطمَّاعين ذلك أن بدأ أحدٌ مثلَ مهنته بمثل طبيعته، ولكننا عندما نسمع بسمارك — بعد رحلات يتوجَّه إلى البلاط، وبعد زيارات يقوم بها لدى البلاط — يجادل في عدد السكاكين والملاعق، أو عندما يقول إن حوذيَّه الشائبَ في حُلَّته الجديدة يبدو كأحد الكونتات؛ نُبصر أنه نشأ متوسط الحال مع أخيه، وأن «رجل العالم العظيم» — كما تدعوه فتيات بُومِيرانيَة — ليس سوى شريف قليلِ اليُسر دُعيَ إلى تمثيل الدولة بغتةً، وما كان من تلك الأوصاف الفلاحيَّة؛ أي من اقتصاده الذي هو وجهٌ جديدٌ لسابق إسرافه، ومن رغبته في زيادة تراثه، ومن دفعه الضرائبَ عن أملاكه، ومن حيازته جديدَ الأملاك وجمعِه الغابَ والقُرَى في سبيل حفدته، فأمورٌ لازمتْه حتى آخر عمره، وهذه الأمور، وإن كانت سببًا لغضبه في بعض الأحيان، ما انفكَّت تكون مصدر قوة له على العموم؛ وذلك لِما كانت توجبه من حكمته في اقتصاد الدولة كما في تدبير شئونه الخاصة، وقد نَمَتْ تلك الأمور في ربِّ الأسرة الذي أضحى ربَّ الشعب. |
|
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، اسْتَطَاعَتِ الْكِلَابُ أَنْ تَقْطَعَ مَسَافَةَ أَرْبَعِينَ مِيلًا لِأَنَّ الثَّلْجَ كَانَ قَدْ أُزِيحَ مِنْ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي كَانَتْ تَسْلُكُهُ، مِمَّا جَعَلَ السَّفَرَ أَسْهَلَ. وَلَكِنْ فِي الْيَوْمِ التَّالِي، كَانَ عَلَيَهَا أَنْ تَشُقَّ طَرِيقَهَا بِنَفْسِهَا وَسْطَ الثُّلُوجِ الْجَدِيدَةِ، وَظَلَّتْ هَكَذَا لِعِدَّةِ أَيَّامٍ، مِمَّا كَانَ يَعْنِي بَذْلَ مَزِيدٍ مِنَ الْجُهْدِ وَالسَّفَرِ بِسُرْعَةٍ أَقَلَّ. كَانَ بيرو يَتَقَدَّمُهَا لِيُزِيحَ الثُّلُوجَ بِحِذَائِهِ الْمُخَصَّصِ لِلسَّيْرِ عَلَى الْجَلِيدِ حَتَّى يُيَسِّرَ مُهِمَّتَهَا، أَمَّا فرانسوا فَكَانَ يَقُودُ الْمِزْلَجَةَ وَأَحْيَانًا يَتَبَادَلُ الْأَدْوَارَ مَعَ بيرو، وَلَكِنْ لَيْسَ كَثِيرًا. فَقَدْ كَانَ بيرو عَلَى عَجَلَةٍ وَكَانَ يَفْتَخِرُ بِمَعْرِفَتِهِ الْجَيِّدَةِ لِلثُّلُوجِ وَالْجَلِيدِ. وَقَدْ كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ بِالْجَلِيدِ أَمْرًا مُهِمًّا لِلْغَايَةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ عَبْرَهُ لِشُهُورٍ فِي الرِّحْلَةِ الْوَاحِدَةِ. وَفِي الْخَرِيفِ تَكُونُ طَبَقَةُ الْجَلِيدِ رَفِيعَةً، وَيَخْتَفِي تَمَامًا فِي الْمَنَاطِقِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا الْمِيَاهُ. |
|
وأخيرًا فقد كانت هناك مدرسةُ الترجمة الصحفية. وكانت سِمَتُها الأولى السلاسةَ في التعبير، سواءٌ تقيَّدَت بالدقة أم لم تتقيَّدْ بها. ولستُ أقصد بالترجمة الصحفية ترجمةَ الأخبار والموادِّ الصحفية على وجه التخصيص، وإنما أقصد كلَّ ترجمة رُوعي فيها أن تكون سائغةً للجماهير الواسعة التي لا تملك الوقتَ ولا الاهتمامَ ولا القدرة على الأناقة اللفظيَّة. وهذه هي المدرسة التي نقلت فيها المئات والمئات من الروايات الشعبية؛ مثل «الفرسان الثلاثة» و«الكونت دي مونت كريستو» و«جزيرة الكنز»، وهي آثارٌ أدبية جَماهيرية، أو الروايات البوليسية؛ مثل «شرلوك هولمز» و«اللص الشريف» و«أرسين لوبين» … إلخ، وقد كانت مدرسةُ السلاسة في الترجمة والكتابة أوسعَ المدارس انتشارًا وأقْواها تأثيرًا على مسار اللغة العربية وتطويرها في القرن الأخير، وهي المدرسة التي صاغت لغةَ الجرائد بما فيها من أخبار وريبورتاجات ومقالات صحفية، وهي أساسُ اللغة الوُسطى التي نستخدمها اليوم، الوُسطى بين لغة الكتابة ولغة الكلام: لغة مَرِنة واضحة، أقدرُ على التعبير عن الحياة اليومية من اللغة الأدبية، ولكنها أفقرُ منها في عناصر الفنِّ والشاعريَّة والجمال. |
|
ثم اعلم أن كثيرًا من العلماء لا يعرفون كيفية العجز من الهيولى ولا يعتبرونه، فينسبون العجز كله إلى الفاعل القادر الحكيم، ذلك أنهم ربما يظنون ويتوهمون ذلك على الله تعالى فيقولون إنه يعجز عن أشياء كثيرة مثل قولهم: إنه لا يقدر أن يخرج إبليس من مملكته، ولا يعتبرون١ أن العجز من عدم ما ليس من مملكته ليس من عدم القدرة من الله تعالى! ويقولون: إنه لا يقدر أن يُدخل الجمل في سم الخياط، ولا يعتبرون العجز من الإبرة! ويقولون: إن الله لا يقدر أن يجعل أحدًا قائمًا قاعدًا في وقت واحد، ولا يدرون أن العجز من الواحد منا؛ إذ إن القيام والقعود لا يكون في وقت واحد معًا! ثم يطلقون القول بأن هذه الأشياء لا يصح القول بها في مقدوره، فإذا سئلوا ما معنى قوله: وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قالوا: هذه خصوص لا على العموم خلاف ما قال الله تعالى؛ لأنه ذكره على العموم مطلقًا فقال: عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ثم إنهم يدخلون الشبهة على من يقول إنه عموم بقولهم: أترى أنه قادر على أن يخلق مثل نفسه، ولا يدرون أن هذا العجز هو من عدم وجدان المثل، لا في قدرته؛ لأن العجز هو العدم لا الوجود. |
|
وبعد ذلك يعود مرة ثانية إلى العلاقة التي يجب أن تكون بينه وبين ربه، فيحثه على تقديم القربان، وعلى ألَّا يغتال حقوقه، ولا يسأل عن صورة ربه، ولا يمشي الخيلاء في موكبه مما يذكرنا بقوله عز وجل في القرآن: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا، وأن الله هو الذي يجعل مَن يشاء عظيمًا، ثم يشير من طرف خفي إلى أن الله واحد ممثل في الشمس، وأما الآلهة الذين على الأرض فهم صور مختلفة له، فيقول:
قدِّمْ قربانًا لآلهتك، واحفظ نفسك من التعدي (على حقوقه)، ولا تسأل عن صورته، ولا تمشِ الخيلاء حينما يخرج في موكبه (أي الإله)، ولا تتزاحم على حمله (في الموكب) … ودَعْ عينك تعرف قيمته، واحترم اسمه لأنه هو الذي يعطي القوة (ملايين) المخلوقات، وستقصر العظمة على مَن يجعله هو عظيمًا، إن إله هذه الأرض هو الشمس التي في الأفق، و(لكن) صورته على الأرض، فليقرب إليها البخور كل يوم. |
|
في الواقع، وفي ٢٧ أبريل من عام ١٨٩٥، كتب فرويد إلى فليس يخبره أنه مُنخرِط بشدة في مشروعه «علم نفس لأطباء الأعصاب»، وفي يوم ٢٥ مايو من العام نفسه، يُفسِّر عدم قدرته على التخلي عن عمله:
بَيدَ أن السبب الأساسي كان هذا: إن رجلًا مثلي لا يستطيع العيش دون موضوعٍ يُركِّز عليه، دون شغفٍ يستحوذ عليه، دون طاغيةٍ كما يقول شيلر. وقد وَجدتُ واحدًا، ولا أعرف حدودًا في العمل عليه. إنه علم النفس، الذي كان دائمًا هدفي البعيدَ المنال الذي يدعوني، والذي اقتربتُ منه كثيرًا الآن منذ أن صادَفتُ مشكلة العُصاب. ثَمَّةَ هدفان يُؤرِّقانني؛ أولًا: فحص ماهية الشكل الذي تتخذه نظرية النشاط الوظيفي العقلي حالَ قدَّم المرء اعتباراتٍ كمِّية، أو نوعٌ من نظم القوى العصبية. وثانيًا: الحصول على مكسبٍ لعلم النفس التقليدي من علم الأمراض النفسية. في الواقع، إن الوصول إلى تصوُّرٍ عامٍّ مُرضٍ لاضطرابات الذُّهان العصبي أمرٌ مستحيل إذا لم يستطع المرء ربطه بافتراضاتٍ واضحة عن العمليات العقلية المعتادة. (مقتبس من فرويد في ماسون، ١٩٨٥، صفحة ١٢٩) |
|
للشعر وحيٌ لا يَحِنُّ لعالِمِ
إلا إذا لاقاه بين عوالمِ
وحقائقُ الدنيا المجرَّدةُ الأسى
ومغارمٌ موصولةٌ بمغارمِ
مهما كساها الشعرُ حليةَ فنه
فالقبحُ سوف يُطلُّ بين مباسمِ
دُنياكَ يا خِلِّي مسارحُ نضرةٍ
لكنها سُكنتْ بهمٍّ دائمِ
أنا لا ألوم سخاءَها لمنغِّصٍ
أفراحَها ووفاءَها للنائمِ
طَبعُ الغواني اللاهياتِ طباعُها
الماشياتِ على بساط جماجمِ
يجمعن بين مَفاتن ومصائب
ويسرنَ بين أزاهر وأراقمِ
لم يبق للحرِّ النزيه حيالها
إلا التدرُّعَ بالثبات العاصمِ
الحرُّ يأبى الظلمَ من أربابه
ولنفسه تلقاه أقسى ظالمِ
عش بالكفاف إذا استطعتَ محرَّرًا
عن زهو عيشٍ في إسارٍ هازمِ |
|
* وأذكر أولًا: أن في هذا الكتاب عيبًا سجله الأساتذة في جامعة باريس؛ وهو النزعة الوجدانية، وقد اعتذر عني المسيو ماسينيون يوم أداء الامتحان في السوربون، فذكر أني شاعر، والشعراء لا يستطيعون الفرار من نزوات الوجدان.
* وأذكر ثانيًا: أني قصرت تقصيرًا ملموسًا في عرض الشواهد، ولم أذكر شاهدًا كاملًا غير مناظرة الخوارزمي والهمذاني، واكتفيت بالإشارة في الهوامش إلى مراجع الشواهد، وعذري في ذلك أن هذا الكتاب لم يؤلف إلا للخواص، ومن السهل عليهم أن يرجعوا إلى الشواهد في مصادرها حين يشاءون، يضاف إلى هذا أن الشواهد لو ذُكرتْ كاملة لوصل حجم الكتاب إلى أكثر من أربعة مجلدات، وأين الناشر الذي ينفق على نحو ألفي صفحة من هذه الصفحات الطوال العراض؟!
* وأذكر ثالثًا: أن منهج العرض والتأليف يختلف في هذا الكتاب بعض الاختلاف، والسبب في هذا أن الكتاب لم يؤلف في عام واحد، وإنما كتبت فصوله — كما أسلفت — في خلال سبع سنين، وهي مدة طويلة يتحول فيها العقل والذوق من حال إلى حال.
* وأذكر رابعًا: غلبة الاستطراد في صلب الكتاب، وهو عيب لامني عليه الأساتذة في باريس، وعذري في ذلك أني أميل إلى هذا النحو الموروث في التأليف؛ لأن مؤلفاتنا القديمة كان أكثرها كذلك، والقارئ هو الغانم على أي حال، والفهرس المفصل١ الذي ألحقته بالجزء الأول والجزء الثاني سيمكِّن القارئ من تعقب ما في الكتاب من شتيت الفوائد الأدبية والتاريخية. |
|
وبعد أن سجلت القسطنطينية هذا النصر المبين في مورافية وبلغارية؛ رأى صاحبها ميخائيل الثالث أن يرد على نقولاووس، فكتب إليه في صيف السنة ٨٦٥ كتابًا مرًّا جعل البابا أن يقول عنه إن كاتبه قد غمس قلمه في حلق ثعبان! فلام الفسيلفس البابا بادئ ذي بدء على قلة تقديره للتضحية التي قدمتها كنيسة القسطنطينية في سبيل السلم والوئام، فأبان له أن مشكلة أغناطيوس مسألة داخلية إدارية لا تمت إلى أمور العقيدة بصلة، وبالتالي فإنه لا يحق لرومة أن تتدخل فيها. وأضاف الفسيلفس: أنه على الرغم من هذا فإن كنيسة القسطنطينية نزلت عند رغبة البابا، وسمحت بإعادة النظر في قضية أغناطيوس أمام ممثليه في المجمع، وأكد الفسيلفس أن الموجب لدعوة هذين الممثلين إلى المجمع إنما كان للنظر في أمر الأيقونات، ثم اتهم الفسيلفس ثيوغنوسطوس بالتحريض والمشاغبة، وأمر البابا أن يرسل ثيوغنوسطوس وأعوانه إلى القسطنطينية للتحقيق، وهدد بإحضارهم بالقوة إذا اقتضى الأمر،٥٦ فغضب البابا لكرامته — وكان سريع الغضب — وكتب في الخامس والعشرين من أيلول سنة ٨٦٥ رسالة أصبحت فيما بعد موضوع اهتمام عند علماء الجدل،٥٧ وأهم ما جاء فيها: أن السيد له المجد هو الذي خص بطرس بهذه الصلاحيات الواسعة، وأن بطرس منحها خلفاءه من بعده، وأن رومة وحدها تفخر بإقامة بطرس وبولس فيها ووفاتهما ضمن أسوارها، وأن بعد رومة تأتي الإسكندرية وأنطاكية، أما القسطنطينية فإنها اضطرت أن تستورد رفات أندراوس ولوقا وتيموثاوس، وأضاف البابا أن هذه الامتيازات التي تمتعت بها رومة تمنحها حق الإشراف على كنيسة القسطنطينية،٥٨ وذهب نقولاووس إلى أبعد من هذا فحصر في نفسه حق الدعوة إلى المجامع، فاصطدم بالعرف والتقليد الشرقيين اللذين جعلا الدعوة لانعقاد المجامع من صلاحيات الإمبراطور وحده. |
|
يحكم الإنسان بالحسن على ما يحب، وبعض الناس لا يعرف إلا طريقًا واحدًا في الحكم؛ لأنه يحب شيئًا خاصًّا ويظن أنه محبوب لجميع الناس، وبعضهم ليس لديه من الإرادة ما يجعله يلزم طريقًا واحدًا في الحكم والإدراك. ومهما يكن من شيء فالنقد الصحيح في جميع أشكاله ليس إلا عبارة عن وصف التأثير النفسي، الذي يحدث من القراءة في نفس القارئ، وأن كل عمل فنيٍّ هو نتيجة ما يتأثر به المؤلف من حوادث الحياة في بعض الأوقات. ومن حيث إن الأمر كذلك، فلنحبَّ الكتب التي تعجبنا، بدون أن نُعْنَى بمنزلتها أو بمذاهب النقاد، عالمين أن ما نجده من الأثر أثناء قراءة هذه الكتب اليوم، لا يلزم أن نحصل عليه من قراءتها في الغد. وماذا عليَّ إذا قرأت كتابًا ممتعًا عظيمًا خالد الذكر، فلم يحرك من نفسي ولم يترك فيها أثرًا ما؟ ثم ماذا يكون إذا أعجبني كتاب تافه ونال مني؟ هل أظن أني مخطئ فأعود باللوم على نفسي؟ إن عظماء الرجال لا يتسنى لهم أن يكونوا دائمًا واثقين بأنفسهم ولا بما يقولون، فقد يغلب عليهم في كثير من الأوقات الجهل والسذاجة والأشياء التي يسخر منها الناس، وكثيرًا ما يحكمون أحكامًا غير عادلة مبنية على سهولة الإدراك لديهم، فهم لا يعرفون كل ما يعملون، ولا يعملون كل ما يعلمون عن قصد وروية …»٢ |
|
ومع ذلك فقد كانت الزراعة هي المبدأَ والمنتهى، وكل ما عداها من أوجُه النشاط والعمل، كان يبدو وكأنَّه من لوازمها ومُلحَقاتها؛ ولهذا كانت الأصالةُ والعراقة لمن ملَك الأرض — ولَأَن يملكها مالكُها عن إرثٍ خيرٌ من أن يملكها عن كسبٍ بمجهود — أمَّا من لا يملك أرضًا فهو في المجتمع من نوافله وهَوامشه، مهما بلَغ من شأنٍ في أوجُه أخرى من أوجه الحياة، فكانت مِلكية الأرض هدفًا يسعى إليه كلُّ مَن اجتمع له شيءٌ من مال؛ لقد عرَفتُ طبيبًا جمَع مالًا من مهنته، ولم يكن له شأنٌ بالأرض وزارِعيها، لكنَّه اشترى بماله قطعةً واسعة من أرضٍ جرداءَ لا تُنتج إلَّا القليل، فلمَّا أبديتُ له عجبي قال: إنَّ جزائي الأوفى هو أن يُقال بين الناس إنَّ الدكتور ذهَب إلى العزبة، وإنَّ الدكتور عاد من العزبة؛ ففي ذلك وحدَه ما يكفل لي أن تنفتحَ أبوابُ الجاه والمكانة. |
|
ويكتب تريجويل (٢٠١٠) عن نتائج كل هذه الدراسات قائلًا: «تشير هذه الدراسات مجتمِعة، مع اعتبار قاعات الدراسة وحدة التحليل، إلى أن أسلوب التدريس القائم على نقل المعلومة/المُتمركِز حول المعلم مرتبط بقوةٍ وقطعيًّا بأسلوب التَّعلُّم السطحي وغير العميق، وأن أسلوب التدريس القائم على تغيير المفاهيم/المُتمركِز حول الطالب مُرتبط قطعيًّا بأسلوب التَّعلُّم العميق وغير السطحي» (ص١٢١). ويُقدِّم تريجويل وصفًا للتوجُّه المُتمركِز حول الطالب يؤكِّد فيه أنه الأسلوب الذي يُشير إليه هذا الكتاب بأسلوب التدريس المُتمركِز حول المتعلم: «عندما يُصرِّح المدرسون بأنهم يَعتبرون الطلاب بؤرة تركيز أنشطتهم؛ حيث يكون ما يفعله الطلاب وما يتعلمونه أهم مما يقوم المعلم بتغطيته، وعندما يكون المدرس هو من يُشجِّع التَّعلُّم الموجَّه ذاتيًّا، … حيث يثير المدرس النقاش ويَستغرق الكثير من الوقت في التحقُّق من أفكار الطلاب، وفتح «حوار» مع الطلاب أثناء المحاضرة، حينئذٍ يكون طلابه أقلَّ عرضةً لتبنِّي أسلوب التَّعلُّم السطحي، وأكثر عرضةً لتبنِّي أسلوب التَّعلُّم العميق» (ص١٢١). |
|
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ |
|
ويرى فريق آخر أنه لا بد من الدعوة الصريحة في القصة أو المسرحية إلى المبادئ التي يريد أن يروِّج لها الكاتب، وهم يستشهدون لذلك بما كان يلجأ إليه كُتَّاب كبار من أمثال «موليير» أو «شكسبير»، وهذا الاستشهاد على إطلاقه غير صحيح وبخاصة في فن «التراجيديا». وأما في «الكوميديا» فيصح هذا الرأي بعض الصحة؛ وذلك لأن «الكوميديا» بطبيعتها قابلة للنقد والتوجيه الاجتماعي، وبالفعل كثيرًا ما تجد في كوميديات «موليير» شخصية — غالبًا ثانوية — تعبر عن آراء الكاتب الخاصة. وهذا الاتجاه الفني إنما ورثته «كوميديا موليير» عن «الكوميديا» الإغريقية واللاتينية القديمة، ففي تلك الكوميديا القديمة كان يوجد جزء يسمى Parabassi — يسير على هامش الموضوع ولذا يسمى الاستطراد، وفي هذا الجزء الذي كان يأتي في منتصف الرواية تقريبًا كان مؤلِّفها يتجه إلى الجمهور مباشرة، وكأنه نسي حوادث الرواية، ووجوب قصر الحوار على شخصياتها، وفيه كان يدافع عن آرائه الخاصة في التأليف المسرحي، وفي الحياة الاجتماعية والسياسية، التي تمت بسبب بعيد أو قريب لموضوع الكوميديا، وكثيرًا ما كان يُدافع عن نفسه أو يهاجم خصومه من الشعراء والمنافسين أو رجال السياسة. ولم تَعُد الكوميديا الحديثة تلجأ إلى هذه الطريقة؛ إذ إن الجمهور الآن لا يستسيغ اتجاه المؤلف مباشرة إلى الجمهور، فكل حديث وكل رأيٍ يجب أن يكون صادرًا من شخصية في الرواية إلى شخصية أخرى. |
|
إذن، ماذا عن الانتقاء الجماعي؟ لقد برهن علماء عديدون مؤخرًا على أن الظروف في مجتمعات الصيد وجمع الثمار كانت مواتيةً تمامًا لظهور السلوك التعاوني بمُوجَب الانتقاء الجماعي.15 فعلى سبيل المثال، أدَّى تكرار وقوع الحروب — قدر صامويل باولز متوسِّط خطر الوفاة بسبب العنف بنسبة ١٤٪ بين أفراد مجتمَع الصيد وجمع الثمار — إلى جعل الفارق بين التعاون الفعَّال والافتقار إليه مسألة حياة أو موت.16 بالإضافة إلى الأدلة على تنوُّع مُتوسِّط الأنماط الجينية عبر الجماعات السكانية (بعبارة أخرى: «الاحتشاد»)، يقترح بولز أنَّ هذا يُوضِّح أنه حتى الأشكال المُتكلَّفة من السلوك التعاوني كان من المُمكن أن يُفضِّلها الانتقاء الجماعي. ومن الصعب أن نعرِف بالضبط إلى أيِّ مدًى ساهمت نوعية التبادلية الصارمة، المُوثَّقة في التجارب الاقتصادية، في احتمال بقاء الجماعة على قيد الحياة في ظلِّ ظروف الحرب في مجتمعات الصيد وجمع الثمار. ولكن حتى الآن على الأقل، تبدو الأدلة مُتوافِقة مع دور الانتقاء الجماعي، مع أخذ الظروف العنيفة التي وُجدَ فيها أفراد مجتمع الصيد وجمع الثمار في الاعتبار، ولا شكَّ في أنه سيكون ثمة المزيد من الأبحاث التي تستكشف هذا الاحتمال في المستقبَل القريب. |
|
توجد الآن عدة طرق مختلفة لقياس أعمار النجوم، ولكني سأذكر اثنتَين منها فقط بإيجاز؛ كي أُبرز مدى فهم علماء الفلك للكون في الوقت الحاضر. تعتمد الطريقة الأولى على الاكتشاف الذي تمَّ في أوائل القرن العشرين، عن مدى ارتباط درجة حرارة نجم ما (والتي ترتبط بلونه) بدرجة سطوعه. في أي مخطط بياني يُوضِّح السطوع على المحور الرأسي ودرجة الحرارة في ترتيب تنازلي من اليمين إلى اليسار على المحور الأفقي، تقع معظم النجوم على خط ممتد من أعلى اليسار (ساخن وساطع) إلى أسفل اليمين (بارد ومعتم). فالسطوع الظاهر للنجم يعتمد على بعده؛ ومِن ثَم يُحسب السطوع بناءً على الشكل الذي يظهر عليه من مسافة ٣٢٫٥ سنة ضوئية (أي ١٠ فراسخ فلكية، بالوحدات التي يفضلها علماء الفلك). وهذا بدوره يعتمد على معرفة المسافات إلى النجوم، وهذا هو السبب وراء عدم اكتشاف هذه العلاقة بعد فترة وجيزة (الطريقة التي يقيس بها علماء الفلك المسافات إلى النجوم قصة أخرى بمفردها). يطلق على التمثيل البياني اسم مخطط هرتزبرونج-راسل، نسبة إلى عالمَي الفلك اللذَين اكتشفا هذه العلاقة، كلٌّ بمفرده. ونظرًا لأن معظم النجوم الساطعة تقع أعلى اليسار متجهة إلى الخط أسفل اليمين، يطلَق على هذا المخطط النسق الأساسي. ولكن توجد أعداد أقل من النجوم تقع أسفل الخط المتجه إلى اليسار (معتمة لكن ساخنة) وفوق الخط المتجه إلى اليمين (ساطعة لكن باردة). |
|
المضحك؛ المضحك إلى حد البكاء يا باشا، أن الشركة التي أسَّستَها وسمَّيتها «شركة بيع المصنوعات المصرية» لتتخصص في عرض وتسويق منتجاتنا المصرية في مصر أوَّلًا ثُمَّ في بلادنا العربية والأفريقية ثُمَّ في العالم؛ هذه الشركة هي الآن شركة لبيع المصنوعات المستورَدة، كل ما فيها مستورد، تُنافس تجَّار الشواربي وأصحاب البوتيكات في استيراد ورق الحائط الإنجليزي والسجاد البلجيكي والمصنوعات الفرنسية والإيطالية واليابانية؛ أُصبتُ باختناق وأنا أرى فترينتها وفترينة عمر أفندي وصيدناوي! حتى أيام الخواجات كانوا يفضِّلون أوَّلًا عرض البضاعة المصرية لأن المصريين أيامها كانوا فخورين بصناعتهم الوليدة وبمصريتهم الوليدة. أمَّا الطبقة النجسة التي في يدها النقود الآن، فهي بقدر ما تُجعْجِع بذكر «نحن مصريون» ومصر أوَّلًا وأخيرًا إذا ذُكِرت الثقافة أو المعرفة أو تشغيل العقل، تُصاب بالأرتيكاريا إذا اضطرت لشراء مصري أو لاستعماله. تصور يا باشا أنا أُشعل سيجارتي المستوردة بعود كبريتٍ مستورد، بينما صناعة الكبريت في مصر منشأة منذ عام ١٨٣٠، وبينما لدى شركة النيل كبريت قيمته مليون جنيه احترق في مخازن الشركة لأننا نعطي بإجرامٍ شديد تصاريح لاستيراد كبريت أجنبي ثمنه خمسة أو سبعة أضعاف الكبريت المصري. |
|
كان معظم الجانب النظري والعملي لعملية الإصلاح النقدي قد تم التوصل له فيما قبل عام ١٩١٤، لكن تجربة الحرب وتوابعها على النقد أثْرَتْ نظرية كينز، وأعطتْ لمناقشته للسياسة الاقتصادية أولوية لم تَحظَ بها قبلَ الحرب قَطُّ. قدَّم كينز المشورة لوزارة الخزانة في أثناء الأزمة المصرفية فيما بين شهري يوليو وأغسطس من عام ١٩١٤؛ حيث فسَّر الأزمة في ضوء «طلب غير معتاد على النقود» من جانب النظام المصرفي، وذلك بعد توقُّف التحويلات النقدية الأجنبية وانهيار سوق الأوراق المالية. وتفادى بنك إنجلترا الأزمة بشرائه الأوراق النقدية من السوق. وكان واجب البنك المركزي في التصرف بوصفه «المقرض الأخير» للنظام المصرفي جزءًا من نظرية عمله منذ أيام والتر باجيت، التي طرَحها في كتابه الشهير «شارع لومبارد» (١٨٧٠) وأيَّدها كينز دون تردد. كما ساعدتْه خبرتُه التي اكتسبها من عمله في وزارة الخزانة أثناء الحرب على الإشارة إلى أن التضخم آلية يمكن من خلالها للحكومات الفقيرة غير القادرة على فرض ضرائب عادلة أن تُحوِّل الموارد الحقيقية إليها. وأنكر كينز في إحدى المراسلات وقت الحرب مع إدوين كانان — أستاذ الاقتصاد بكلية لندن للاقتصاد — إمكانيةَ التغلب على التضخم بمجرد تقليل إصدار الأوراق المالية؛ فقد كتب إلى كانان في ٢٨ يناير عام ١٩١٨ يقول:
إن الإفراطَ في إصدار الأوراق المالية وحجمَ التضخم — المرتبط بعملية الإصدار تلك وبالزيادة في الائتمان المصرفي — يبدو لي أن سببهما هو تجاوز الإنفاق العام لقدرة الحكومة على تحمُّله من خلال الضرائب والقروض … وفي ظل هذا الوضع يصبح تنظيم إصدار الأوراق المالية أمرًا مستحيلًا … وأظن أنه من المنصف علميًّا إرجاعُ سبب التضخم للإفراط في الإنفاق العام، واعتبارُ تقليص الإنفاق العام والخاص هو الحلَّ الوحيد لمواجهة هذا التضخم. |
|
مما يؤكد صلة الوحي بالواقع مفهوم «التنزيل»، وهو أيضًا لفظ قرآني ورد أكثر من لفظ «الواقع» حوالي ثلاثمائة مرة. أكثرها اسم صلة «ما نزل» (سبعًا وسبعين مرة) للدلالة على الشيء العام حسيًّا أو معنويًّا. بعد ذلك يأتي الكتاب (أربعًا وأربعين مرة) أي الوحي ثم الماء (اثنتين وثلاثين مرة) مما يدل على أن النزول من السماء من أعلى إلى أدنى إما فكرًا وهو الوحي أو ماءً لنبات الأرض. وكلاهما نبت. الأول في الشعور، والثاني في الأرض. كلاهما تخصيب ونماء. الأول في الوعي، والثاني في الطين. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً (العنكبوت: ٦٣)، وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ (الزخرف: ١١) حتى تنبت الأرض دون فيضان أو جفاف، وهو ماء مبارك، وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا. ومع الكتاب يُذكر الحق، والفرقان، والحديث، والذكر، والقرآن، والحكم، والآية، والسورة، والفضل، والأمر، والنور، والسكينة، والتنزيل. وكلها تدل على النزول المعنوي. ويدخل في ذلك التوراة والإنجيل. ومع الماء يذكر الغيث، والملائكة، والشياطين، والمائدة، والرزق، والمن، والسلوى، والجبال، والبرد، والجنود، والأنعام، والحديد، والرجس، والسلطان. والنزول يكون بالحق ومرتبط به (ثلاث مرات). وبالتالي ارتبطت الألفاظ الثلاثة: الوحي، والواقع، والنزول. وما ينزل له سلطان، أي له قوة التحقق والوقوع. وكل ما ينزل دون حق لا يكون له سلطان. لذلك ارتبط النزول بالسلطان (ثماني مرات). ونزول الحق للذكر والحفظ والبقاء. ويكون الحفظ والبقاء نصًّا مدونًا بلا تحريف، وفكرًا صائبًا بلا تشبيه، وسلوكًا خالصًا بلا مواربة. ويحدث ذلك كله في الشعور وفي الذهن وفي الفكر والسلوك، في الفرد والجماعة، في الحاضر وفي التاريخ والماضي والمستقبل. يحدث للتصديق والبيان والهدى والرحمة والشفاء والحكم حين الاختلاف والأمر والسكينة والفرح … إلخ، تنزيل في عالم الحياة. |
|
وإذا نحينا جانبًا مسألة الاختلاف الثقافي، علينا الاعتراف بوجود عقبة أخرى أمام القبول بزعم عالمية الضمير؛ فمهما كان الضمير حسن النية فإنه يخطئ أحيانًا، وهو ما فكر فيه القديس توما الأكويني: فهبة الله المتمثلة في التمييز العقلي لا تخطئ، لكن الضمير الذي يجب عليه أن يتخذ قرارات عملية صعبة في العالم يخطئ طوال الوقت، بل إنه يساعد أحيانًا على الهرطقة بطريق الخطأ. وفي قصيدة «الفلاح بيرس» التي تعود للعصور الوسطى، يرتكب الضمير الخطأ الكارثي المتمثل في السماح للرهبان بدخول قلعة الوحدة، وينتهي به الأمر مضطرًّا إلى خوض الطريق باحثًا عن الحقيقة وحده. ويتعثر الضمير المعاصر المثقل بالعاطفة والمُفسَد بالتفسيرات الأخلاقية البرجوازية في المنطق المخطئ والتسويات الأخلاقية. وقد رأينا بالفعل وصف مارك توين المميز لهاكلبيري فين وهو يوبخ نفسه شاعرًا بتأنيب الضمير — وإن كان شعورًا خاطئًا — نظرًا لقيامه بمساعدة العبد الهارب جيم. وهناك بالطبع أيضًا تلك الأحداث التي لا يقبل فيها الضمير بتسوية مذلة فحسب، بل إنه أيضًا يحرض على ارتكاب جريمة ويخطئ الهدف تمامًا. وقد يجيب المرء قائلًا إن تلك الحالات للضمير الخاطئ لا تمثل الضمير على الإطلاق، لكنها مجرد صورة مزيفة خيالية منه، لكن الحقيقة القاسية تتمثل في أن أحكام الضمير ليست صحيحة أو صالحة طوال الوقت، فمن أشهر الأمثلة الصارخة التي لا تحتاج إلى ذكرها والتي خرج فيها الضمير عن السيطرة كما أوضحت هانا آرندت أن النازيين لم يكونوا يعانون من أية مشاكل مع الضمير على الإطلاق، بل إنهم كانوا يعتبرون أنفسهم ذوي ضمير «سليم» أو حي، وهو الضمير الذي — على الأقل من وجهة نظر البعض — وافق على أفظع انتهاكاتهم. |
|
ويحكي الحافظ «ابن كثير»: «وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج، وعمل في ممره ماء وجعل عليه سقفًا من زجاج، وجعل فيه من السمك وغيره من دواب الماء.»٢٧ ويصور القرآن الكريم ما حدث عند ذاك بقوله: قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (النمل: ٤٤). وهكذا كان إبهار المملكة السليمانية وعظمة صاحبها لملكة سبأ، دافعًا مباشرًا لإعلانها الدخول في دين الإسلام! والإيمان بدين سليمان، الذي هو نفسه دين محمد ﷺ، ولا فارق أبدًا بين الدينين، بين ما كان يدعو إليه محمد ﷺ في مكة، وبين ما يؤمن به أولئك المترقبون من اليهود في يثرب. |
|
كان هزيمة الأم وابنها جزءًا من هزيمة نكراء أشمل تعرَّضَ لها حزب المؤتمر في ولاية أوتَّر براديش؛ فقد خَسِرَ مقاعدَ الولاية الخمسة والثمانين كلها، ومقاعد ولاية بيهار المجاورة الأربعة والخمسين كلها، أمام ائتلاف جاناتا وحزب المؤتمر من أجل الديمقراطية. وفي ولاية راجستان لم يَفُزْ حزب المؤتمر إلا بمقعد واحد من إجمالي خمسة وعشرين مقعدًا، في حين فاز بمقعد واحد من أصل أربعين في ولاية ماديا براديش. عُوِّضَت تلك الخسائرُ بعض الشيء بأداء الحزب الجيد في جنوب الهند، حيث كانت الطوارئ خفيفةَ الوطأة؛ ففاز حزب المؤتمر بواحد وأربعين مقعدًا من أصل اثنين وأربعين في ولاية أندرا براديش، وبستة وعشرين من أصل ثمانية وعشرين في كارناتاكا، وأحد عشر مقعدًا من أصل عشرين في كيرالا، وأربعة عشر من أصل تسعة وثلاثين في تاميل نادو؛ فصعود حزب جاناتا لم يكن قد طال الجنوب تقريبًا، ولكن على الرغم من ذلك، فإنه نظرًا لارتفاع معدلات الكثافة السكانية وحصص المقاعد في الولايات الشمالية، كان حزب المؤتمر ينقصه الكثير حتى يُحَقِّق الأغلبية؛ فقد رَبِحَ ١٥٣ مقعدًا في مجلسٍ مكوَّن من ٥٤٠ مقعدًا؛ أيْ إنَّ عدد المقاعد التي حصل عليها انخفض عن انتخابات ١٩٧١ بأكثر من ٢٠٠ مقعد. وفي المقابل، نجح ٢٩٨ من مرشحي حزبي جاناتا وحزب المؤتمر من أجل الديمقراطية.8 |
|
كيف يمكن لهؤلاء الناس ألا يأخذوا الدين مأخذ الجِدِّ وهو يهددهم بأن النار لن يَنْجُوَ منها أحد، وأن الشيطان يمكر بهم مكرًا شديدًا، وأنه لا يفتر عن إغوائهم، وأن أهل الفردوس قلة قليلة؟ لقد فعلوا كذلك، أخذوه بالفعل مأخذ الجِد. لقد استُدعوا ليجلسوا على كرسي الاعتراف ليعترفوا بخطاياهم ويحملوا خزيهم — عادة بسبب علاقة جنسية يشار إليها عقائديًّا بالزنا — أمام جمع من المصلين. استُدعي جيمس هوج من قَبْلُ إلى هذا المقعد مرتين على الأقل للرد على ادعاء بنتين من بنات البلدة بأنه أبوهما. وقد اعترف بسهولة بحالة واحدة، وقال في الحالة الأخرى إنه ربما يكون بالفعل أباها. (وعلى بعد ٨٠ ميلًا أو ما يقرب من ذلك ناحية الغرب، في بلدة موكلين بأيرشاير، عانى روبرت بيرنز الذي يكبر هوج بإحدى عشرة سنة، نفس الإذلال العلني.) وكان المسئولون في الكنيسة يتنقلون من بيت لآخر حتى يتأكَّدوا من عدم طبخ الأهالي يوم الأحد، ودائمًا ما يستخدمون أياديهم القاسية في عَصْرِ صدر أي امرأة يشكُّون في ولادتها طفلًا غير شرعي عصرًا عنيفًا، حتى إذا خرجت نقطة لبن من صدرها تأكدوا من أنها كذلك. إلا أن حقيقة تعاملهم مع هذا الحذر على أنه ضروري تُبيِّن أن هؤلاء المؤمنين متأثرون بالطبيعة على نحو سلبي يعوقهم عن ممارسة حياتهم بالأسلوب الصحيح، كما هو الحال مع الناس دائمًا. ويروي مسئول في كنيسة بيرنز قائلًا: «لم تحدث سوى ٢٦ واقعة زِنًا فقط منذ آخر سرٍّ مقدس.» كما لو كان هذا الرقم يُعد في واقع الأمر خطوة في الاتجاه الصحيح. |
|
ثمة أمر آخر يستحق ذكره باختصار عن التكرار الأبدي؛ لأنه يجعله نوعًا من المزاح، على الرغم من أنه لا يُعتبَر بأية حال من الأحوال من أفضل أفكار نيتشه. وهذا الأمر هو أن التكرار الأبدي محاكاةٌ ساخرة لجميع معتقدات عالمٍ آخر تتسم علاقته بهذا العالم — هذا العالم «الحيواني البراجماتي غير المعقول»، إذا اقتبسنا ييتس مجددًا — بالاستعلاء الأكسيولوجي والأنطولوجي. وبدلًا من الجنة والنار، أو عالم الصور الأفلاطونية اللامتغيرة، فإنه يوحي بأن هذا العالم أصبح خالدًا من خلال التكرار اللاهادف. وبينما تزعم معتقداتٌ من عالم آخر أن هذا العالم يكتسب قيمته فقط من واقع كونه مرتبطًا بعالم آخر، يقترح التكرار الأبدي على نحو مُستفِز أن هذا العالم مُجرَّدٌ من القيمة من خلال عملية مماثلة لتلك التي تتكرر فيها جملةٌ ما إلى أن تصبح مجردَ سلسلة جعجعات مزعجة. إذا عدنا إلى كونديرا: ينبع العبء المرتبط بالأحداث من منطلق أنها تحدث أكثر من مرة، في حين أن «المرة تساوي لا شيء» (أو الأفضل من هذا، «جرِّب أيَّ شيء مرتين»). لكن العبء شيء، والقيمة شيءٌ آخر. يتمكَّن كونديرا، وهو في هذا الشأن من مريدي نيتشه المخلصين، من عقد جدال ذكيٍّ بين الخفة والثِّقَل؛ أي بين المعنى أو القيمة من جانب والجدوى من جانب آخر. هل نقدِّر، أو هل يجب علينا أن نقدِّر، أو هل سيكون منطقيًّا لو سألنا إن كان علينا أن نقدِّر، شيئًا على نحو أكبر بسبب تفرُّده أم لأنه نموذج يتكرر بحدود تسلسل لا نهائي؟ الإجابة الأقصر هي أن الأمر يعتمد على حالتك المِزاجية. وقد كان نيتشه، بمِزاجه المتقلِّب للغاية، ميَّالًا إلى الإجابة بإقرار «كلا الأمرين» وأيضًا بنفي «أيٍّ منهما». |
|
نقصد به جعل جسم الطيارة ملفوفًا متطاولًا حتى تقلَّ مقاومة الهواء لمرور الطيارة فيه، وتجد في شكل ١٠-١ صورة لطيارة جسمها مسحوب سحبًا لطيفًا يوضِّح الغرضَ المقصود من هذه التسمية. وكانت أول الشركات اهتمامًا بهذا الأمر شركة نيوبور Nieuport الفرنسية، راعت هذا السحب في إنشاء طيارةٍ قادها ويمن وكسب بها كأس جوردن بنت عام ١٩١١ بسرعة ٧٨ ميلًا في الساعة، وبعدها تنبَّهَت الأفكار لهذا العامل الأساسي في تحسين الطلاقة، وظهرَت في الطيارات المختلفة التي عُرضت بباريز في أوائل سنة ١٩١٢ وأواخرها محاولات متباينة ترمي إلى تحقيقِ هذا الغرَض. وطيارة دبردوسن Deperdussin التي احتوَتْ أحسن تلك الآراء لسحب الجسم وبقية الأجزاء هي التي كسب بها فيدرين كأسَ جوردن بنت عام ١٩١٢ بسرعة أميال في الساعة، أي بزيادة ميلًا في الساعة على سرعة ويمن في العام السابق وذلك تحسُّن سريع، وقد استمرت طيارات دبردوسن في تحسين هذا السحبِ، وكسبت إحداها نفس الكأس عام ١٩١٣. |
|
Originally by Peltzman (1975). See also Evans & Graham (1991). Peterson et al. (1994) make a similar investigation of airbags. Walker (2006) reports that drivers drive more closely to cyclists who wear safety helmets. However, Sen & Mizzen (2007) have provided some reasons to be skeptical about the size of the effects measured in other studies. They point out that sometimes seat-belt use or the purchase of cars with airbags may be prompted by drivers’ recognition of preexisting dangers, so the measured association may mean that high risk causes the adoption of safety measures, rather than vice versa. Overall, it seems reasonable to expect that there is some offsetting effect of riskier behavior when protective equipment is used, though not enough to neutralize entirely the protective effect of the equipment. |
|
وبما أنَّ لكل مجتهد نصيبًا؛ فقد أتت مساعي عبد المطلب وجهوده التي لم تَكِلَّ بثمارها، وأتبعه كثيرون على ملته الإبراهيمية وعقيدته الحنيفية، التي لم يستنكف المؤرخون والباحثون من نعتها ﺑ «دين عبد المطلب».٣١ ومن هؤلاء التابعين (وفيهم السابقون الممهدون): قس بن ساعدة الإيادي، وأمية بن أبي الصلت، وأرباب بن رئاب، وسويد بن عامر المصطلقي، ووكيع بن سلمة بن زهير الإيادي، وعمير بن جندب الجهني، وأبو قيس صرمة بن أبي أنس، وعامر بن الظرب العدواني، وعلاف بن شهاب التميمي، والمتلمس بن أمية الكناني، وزهير بن أبي سلمى، وخالد بن سنان بن غيث العبسي، وعبد الله القضاعي، وكعب بن لؤي بن غالب، وعبد الطابخة بن ثعلب، وزيد الفوارس بن حصين، وزيد بن عمرو بن نفيل،٣٢ وأكثم بن صيفي، وأبو قيس بن الأسلت، وحنظلة بن صفوان، وغيرهم كثير. وبانتشار الأيديولوجيا الحنيفية بدأ أتباعها يتنافسون في التقوى والتسامي الخُلقي؛ علَّ أحدهم يكون نبيَّ الأمة وموحِّد كلمتها، حتى شكَّلوا «تيارًا قويًّا، خاصةً قبل ظهور الإسلام بفترة وجيزة.»٣٣ |
|
وهذا قد خرج من المدرسة الثانوية أو لم يكد يخرج منها، أو ارتقى إلى فصلٍ من فصول الجامعة، وهو شاب يقرأ ما يذاع في الصحف، وأي شاب لا يتأثر بما يقرأ، وأي شاب لا تخطر له الخواطر الحادة الحاضرة! وأي شاب لا يحاول تسجيل ما يخطر له من الخواطر في كلامٍ منظوم أو منثور! لكن صاحبنا لم يكد يحاول هذا التسجيل حتى أحس من طبيعته مواتاة لينة هينة، فإذا هو يرضى، ثم يشتد رضاه، ثم لا يكاد يجد تشجيعًا من أترابه، أو من صحيفة من الصحف حتى ينتهي الرضا إلى الغرور، وإذا هو كاتب أو شاعر، يغرق الصحف والمجلات بآثاره المنظومة أو المنثورة، ثم لا يلبث أنْ يجمع هذا في كتاب، وإذا هو مؤلف أيضًا، والناس يقرءون؛ لأن حظهم من الثقافة لا يمكنهم من التفريق بين ما يستحق القراءة وما لا يستحق، وعلى هذا النحو يكثر عدد الأدباء، وتكثر أسماؤهم في الصحف، وتضاف إلى هذه الأسماء ألقاب، فهذا أستاذ، وهذا أديب كبير، وهذا شاعر نابه، وهذا كاتب فذ، والكاتب نفسه أو الشاعر هو أسبق الناس إلى تصديق هذا كله، والانخداع بهذا كله، فكيف بغيره من القرَّاء الذين لا يعرفونه ولا يرونه، وإنما يسمعون أنه أستاذ، وأنه نابغ، وأنه نابه، وأنه ما شئت من الصفات والألقاب! فإذا أخذت ما يكتب أو ما ينظم، وحققت النظر فيه انتهيت إلى سخفٍ لا حد له، وإلى كلامٍ فارغ ما كان ينبغي أن يُقدم إلى المطبعة، ولا أن يُذاع بين الناس. |
|
وعندما ساد الرومانيون في مصر ومدُّوا رواق نفوذهم إلى مروي السفلى وجزيرة الخرطوم انتقل الإثيوبيون مرة واحدة إلى هضابهم الشامخة وساحاتهم الفسيحة، وكان ذلك في خلال القرن الرابع بعد الميلاد، فوجدوا هناك حصنًا طبيعيًّا نسقته يد القدرة الإلهية بحالة كانت جنة لحياتهم السياسية وصيانة هيئتهم الاجتماعية منذ تلك القرون المتطاولة والعصور المتوغلة. وهنا فلنترك الماضي هنيهة ولنتساءل فنقول: ماذا يكون عندما تحدث الغارة الجوية التي تتألف من ألف طائرة إيطالية مسلَّحة فوق سماء الحبشة حتى تحجب ضوء الشمس لكثافتها وتصم الآذان بدوي المراجل وحفيف القوادم وقصف القنابل، وحتى تعقد بذلك إكليلًا من الغازات ومواد المهلكات على قنن تلك الجبال. وهل هذا وحده كافٍ لإرهاب الحبشة وإرخاء أعصاب أولئك الأُسْد التي تزمجر في زوايا الكهوف، فتترك العرين مذعورة من هول ما أصابها حتى تسير الفيالق الإيطالية لاحتلال أديس أبابا تترنح أعطافها على نغمات الموسيقى أظن الجواب سلبيًّا أكثر منه إيجابيًّا وإن قال قائل لماذا فنقول له أن الحبشة أمة جافة الطبع قضت جل حياتها بين صلصلة السيوف وموارد الحتوف وأنها حريصة على استقلالها إلى درجة الجشع. وقد ترى بطن الأرض خيرًا من طهرها عندما تفكر في سيطرة الأجنبي، وربما تلجأ إلى كهوفها وعندما يظن العدو أنه مهد بغارته الجوية طريقًا مأمونًا إلى الاحتلال سارت مشاته فتجد في كل عرين كمينًا وفي كل خطوة داء دفينًا، فيقبض هؤلاء الجفاة بحلاقيم ذلك الجند الجديد المتوغل في بلاد لا يلائمه هواؤها ولا يصلح له غذاؤها، فتكون المصارعة عنيفة والمجزرة رهيبة مخيفة، وربك أعلم بالعاقبة؛ فسبحان القائل: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ. |
|
ولعل ما خُدع به هؤلاء المؤرخون الحسنو النية هو ما تواضع عليه الكتاب من تبويب تاريخ مصر عصورًا أطلقت عليها أسماء أمم غير مصرية، فمن بعد العصر الفرعوني يذكرون عصر الفرس، ثم العصر اليوناني، ثم العصر الروماني، ثم العصر الإسلامي أو عصر العرب، ثم عصر الترك، ثم العصر الأخير عصر الاحتلال الإنجليزي، وتبويب التاريخ على هذه الصورة من شأنه أن يدعو إلى الخطأ وسوء التقدير من جانب من لا يكلفون أنفسهم مؤونة البحث في التفاصيل بشيء من الدقة، والواقع أن هذا التبويب خاطئ في أكثر مناحيه، وإذا كان صحيحًا أن الحكام الذين تولوا أمر مصر في عصور مختلفة لم يكونوا من أصل مصري صميم فلن يغير ذلك من خطأ المؤرخين وادعائهم خضوع مصر لأمم أجنبية عنها، إلا إذا اعتبرنا قيام ملك كملك الإنجليز على رأس أكبر إمبراطورية في الوقت الحاضر — مع أنه من أصل غير إنجليزي — دليلًا على أن إنجلترا والإمبراطورية البريطانية كلها خاضعة للأمة التي يرجع إليها دم مليكها، وهذا لغو من القول، كما أن ادعاء خضوع مصر لأمم أجنبية عنها هي التي يرجع إليها أصل حكامها لغو مثله، وليس هذا المثل الذي ضربنا بالمثل الفرد، فنابليون إمبراطور فرنسا كان من كورسيكا، أي كان أقرب للإيطالية منه للفرنسية، وأكثر الملوك الباقين على عروش أوربا اليوم من دماء غير دماء الشعوب التي ملَّكتهم عليها، وليست هذه الشعوب لذلك أقل حرية واستقلالًا وعظمة مما كانت مصر في أكثر العصور التي تعاقبت عليها. |
|
والسؤال المطروح مزدوج الأوجه:
* الوجه الأول: هو لماذا لا تبحث وزارة الإسكان عن طريق يدور بعيدًا عن المحمية، وبذلك تصبح عنصرًا فاعلًا في الحفاظ على المحمية بدلًا من تدهورها، وبذلك يصبح لها السبق في التصرف المتوازن بين احتياجاتها وحماية التراث، فالموضوع في جوهره ليس اختصام كل وزارة لاختصاصاتها وأعمالها، بل إن العمل الجماعي للوزارات يجب أن يكون هو الرائد خاصة إذا كان الموضوع يمس التراث القومي والمعرفي العالمي معًا.
* والوجه الثاني: هو لماذا تأخرت بحوث العلماء؟ وربما كانت الإجابة على هذا الوجه من السؤال على النحو الآتي:
* (١) أن البحث العلمي في مصر ينقصه الشيء الكثير وبخاصة التمويل.
* (٢) وربما أيضًا أن هناك أولويات في ميزانيات البحث العلمي لدى الجامعات، بحيث تطغى في بعض التصورات على القيمة الفعلية لدراسات الحفريات بيولوجيًّا ونباتيًّا وإيكولوجيًّا.
* (٣) وربما — للمرة الثالثة — يقودنا هذا إلى طرح سؤال آخر هو لماذا لا تطرح الغابة المتحجرة كمشروع بحث علمي مشترك مع نظائر جامعاتنا وعلمائنا في أوروبا وأمريكا أو شرق آسيا؟ فمثل هذه البحوث شديدة التخصص شديدة التكلفة الميدانية والمعملية شديدة التخصص في النشر، وتحتاج في مراحل معينة إلى عقد أنواع مختلفة من الندوات والحلقات النقاشية والمؤتمرات العلمية، لتبادل الرأي والمشورة وما خاب من استشار. |
|
صباح اليوم التالي عندما أُخذت الأبقار إلى الحقول، نادى الفلاح الصغير على راعي الأبقار، وقال له: «انظر، لديّ عجل، لكنه لا يزال صغيرًا، وعليك أن تحمله.» قال راعي الأبقار: «لا بأس.» وأمسك بالعجل الصغير بين ذراعيه وحمله إلى المرعى، ثم وضعه وسط العشب. ظل العجل الصغير مكانه وبدا كأنه يأكل، فقال راعي الأبقار: «سرعان ما سيستطيع الركض وحده، فهو يأكل كثيرًا!» عندما حان وقت العودة ليلًا، قال للعجل الصغير: «بما أنك وقفت هنا وأكلت حتى شبعت، ستتمكن أيضًا من السير على أقدامك؛ لن أهتم بحملك بين ذراعي إلى المنزل.» وقف الفلاح الصغير أمام باب منزله، وانتظر عودة عجله الصغير، وعندما حضر راعي الأبقار يسوق الأبقار إلى القرية، لم يكن العجل بينها، فسأل الفلاح راعي الأبقار عن العجل. أجاب راعي الأبقار: «لا يزال يأكل في المرعى، فقد رفض التوقف عن الأكل ليأتي معنا.» فقال الفلاح الصغير: «يا إلهي، لا بد أن تعيد إليّ عجلي مرة أخرى.» فعادا إلى المرعى معًا، لكن شخصًا ما كان قد سبقهما وسرق العجل، واختفى. قال راعي الأبقار: «لا بد أنه فرَّ بعيدًا.» لكن الفلاح قال: «لا تنتظر مني أن أصدقك!» وأخذ راعي الأبقار إلى العمدة الذي أدان راعي الأبقار بالإهمال، وأمره بأن يعطي الفلاح بقرة مقابل العجل الذي هرب. |
|
قلَّةٌ هم مَن يقرءون كل أو حتى أجزاءً كبيرة من القصائد الهوميرية باللغة اليونانية في الوقت الحاضر. ولِحُسن الحظ، أن اتِّجاهًا جديدًا في الترجمة، بُدئ في أواسط القرن العِشرين في جامعة شيكاجو، أنتج عددًا وافرًا من الترجمات المُتقَنة. وتظلُّ ترجمة ريتشموند لاتيمور التي تعود إلى عام ١٩٥١ (الإلياذة) وعام ١٩٦٥ (الأوديسة) هي الأكثر هوميريةً وأفضل الترجمات التي تُعطي الإحساس بلُغة هوميروس اليونانية المُصاغة. كذلك ترجمات روبرت فيتزجيرالد أكثر حيوية وتحرُّرًا وترجمته «للأوديسة» (١٩٦١) مُمتعة على وجه الخصوص. واجتَذبَت ترجمات روبرت فاجلس لكلتا القصيدتَين («الإلياذة» ١٩٩٠، «الأوديسة» ١٩٩٩) الكثير من المُعجَبين. وثَمَّةَ ترجماتٌ جيدة أخرى لكلتا القصيدتَين منها ترجمات ستانلي لومباردو («الإلياذة»: إنديانابوليس، ١٩٩٧؛ «الأوديسة»: إنديانابوليس، ٢٠٠٠) بأسلوبٍ أمريكيٍ عصريٍّ مُفعمٍ بالحيوية. |
|
بهذا المعنى السابق فهم بلوخ أرسطو فهمًا غير تقليدي، اعتمد فيه على تفسير المعلم الأول للمادة أو بالأحرى على تفسير بلوخ الخاص لهذا التفسير. والواقع أن جذور فلسفته المادية تكمن في مفهوم أرسطو عن المادة بوصفها إمكانية وجود، كما ترتبط بفكرته المعروفة عن الموجود بالقوة والموجود بالفعل. أخذ بلوخ هذا المفهوم وأكد الطابع الحيوي الذي يميزه ثم طوَّره إلى مقولة الإمكان التي تعتبر أهم المقولات الأساسية في نسقه الفلسفي. وقد أفاض في شرح مفهوم أرسطو عن القوة والفعل وتابع تطور هذه الفكرة من بعض فلاسفة العصر الوسيط وعصر النهضة حتى العصر الحديث. ويكفي في هذا الموضوع أن نلخص المفهوم الجدلي للمادة عند بلوخ بالقول بأن الماهية الأساسية لكل موجود أنه في حركةٍ دائمة. ولكن أرسطو — كما هو معروف — هو مؤسس المنطق الصوري ونظرية المقولات، وقد يبدو هذا لأول وهلة أمرًا متناقضًا مع ما سبق قوله عن تأثر بلوخ بمفهوم المادة عنده من حيث هي إمكانٌ ذو طابعٍ حيوي، فالمنطق يدرك الموجود في حالة سكونه أو إحدى أحواله. ومن ثم فإن أي قولٍ ثابت عن موجودٍ متحرك لا يمكن أن يكون صحيحًا إلا إذا تغير هذا القول نفسه أيضًا، ومن هنا يمكن فهم نظرة بلوخ إلى المقولات التي فهمها كذلك فهمًا جدليًّا وأنطولوجيًّا في آنٍ واحدٍ كما سيتضح بعد ذلك بالتفصيل في الفصل الخاص بأنطولوجيا اﻟ «ليس-بعد». |
|
يروي ابن الجوزي في معرض تأريخه لأحداث هذه السنة، حادثة سقوط نيزك كبير؛ إذ يذكر:٤٨ «… وفي ذي الحجة انقضَّ كوكبٌ عظيم في أول الليل أضاءت منه الدنيا حتى صار كأنه شعاع الشمس وسُمع في انقضاضه صوت كالرعد الشديد.» ويورد ابن كثير حادثة سقوط هذا النيزك، ضمن أحداث نفس السنة، نقلًا عن ابن الجوزي؛ إذ يورد رواية ابن الجوزي صراحة، حيث يذكر:٤٩ «قال ابن الجوزي: وانقض كوكب في ذي الحجة فأضاءت منه الدنيا حتى بقي له شعاع كالشمس، ثم سُمع له صوت كالرعد.» وأورد نفسَ الحادثة ابنُ تغري بردي، وزاد عليها ما أصاب الناس من فزع وهول، جراء رؤيتهم حادثة السقوط؛ إذ يذكر:٥٠ «… وفيها في ذي الحجة انقض بالعراق كوكبٌ عظيمٌ أضاءَت منه الدنيا حتى صار كأنه شعاع الشمس وسُمع في انقضاضِه صوتٌ كالرعد الشديد، فهال ذلك الناس وارتعدوا له.» وأورده أيضًا السيوطي في كتابه «تاريخ الخلفاء»، ضمن تناوله الأحداث التي وقعت أثناء خلافة المطيع لله (٣٣٤–٣٦٣ﻫ):٥١ «… وفي سنة تسع وخمسين (وثلاثمائة) انقضَّ بالعراق كوكب عظيم أضاءت منه الدنيا حتى صار كأنه شعاع الشمس وسُمع بعد انقضاضه صوت كالرعد الشديد.» |
|
من هذه المقالة التي فصَّلناها في فلسفة أبي العلاء، تعرف أنَّ المسلمين لم يعهدوا بينهم في قديمهم وحديثهم فيلسوفًا مثله، قد جمع بين الفلسفة العلمية والعملية، ثم بينهما وبين العلم واللغة. وأبو العلاء هو الفيلسوف الفذ الذي التزم ما لا يلزم عند المسلمين في سيرته ولفظه، فحرَّم الحيوان والتزم النبات وأبى الزواج والنسل، وأراد اعتزال الناس. ولأبي العلاء — مع أنه من أصحاب اللذة — شدة غريبةٌ في رفض الخمر. فقد حرمها من جهاتٍ ثلاث: من جهة العقل والصحة والدين. وألَّف في ذمها كتابًا خاصًّا سماه «حماسة الراح». وأبو العلاء هو الفيلسوف الفذ الذي أنكر النبوات، واعترف بالإله وعرض بالتكليف، وعارض القرآن وهزئ بشيءٍ من أحكامه، ثم بقي مع ذلك سالمًا لم يصبه أذى في نفسه إلى أنْ مات. فإذا سألت عن علة هذه السلامة فإنا نحصرها في ثلاثة أشياء؛ الأول: مهارته في الاحتياط وإخفاء الرأي — وقد قدمنا القول في ذلك. الثاني: أنَّ أكثر أيامه كانت أيام اضطرابٍ سياسي بين حلب ومصر والروم، فلم يفرغ له الحكام. الثالث: أنَّ الدولة التي غلبت على حلب أيام فلسفته، وهي دولة بني مرداس، كانت دولة بدوية خالصة، لا تحفل بمثل هذه الموضوعات ولا تفكر فيها، وإنما كل همها القهر والسلطان. |
|
ولد جون هِثكوت سنة ١٧٨٣، وكانت تلوح عليه علامات النجابة، وهو يتعلم مبادئ العلوم، ولكن لم يسمح له والداه أنْ يقيم في المدرسة مدة طويلة، بل وضعاه عند صانع أنوال ليتعلم حرفته، فلم يمضِ عليه وقت طويل حتى صار حاذقًا في استعمال الآلات والأدوات المختلفة، وعرف كلَّ الأجزاء المركبة منها آلة الجوارب، وأخذ يحاول إصلاحها كلما سنحت له الفرصة، ثم عزم وهو في السادسة عشرة على عمل آلة تصنع خرجًا، مثل خرج بكنهام وفرنسا الذي كان يصنع باليد، فأصلح نَوْل السَّدى حتى صار يمكنه أنْ يعمل به كفوفًا نسيجها كنسيج الخرج، ومن ثَمَّ وطَّن نفسه على اصطناع آلة لعمل الخرج، وكانت آلة الجوارب قد أُصلحت، حتى صار يمكن أنْ يصنع بها خرج منقط عراه معكوفة كعرى الجوارب، لكنه كان سريع العطب، كثير الإفلات، وبالتالي غير مرضيٍّ، فاجتهد كثيرون من صنَّاع نوتنهام في اختراع آلة تثني العرى، كما في عمل الشبكة فذهب تعبهم سدًى، ومنهم من أنفق كل أمواله، ومات فقيرًا أو جُنَّ وهام على وجهه. |
|
أصبحت الكتب التي تحمل عنوان «رسائل إلى … شاب/شابة» نوعًا قائمًا بذاته. وبالطبع، فإن أول كتاب من سلسلة الكتب هذه هو كتاب «رسائل إلى شاعر شاب» لراينر ماريا ريلكه، بَيْد أن ثمة عدة كتب أخرى تثقيفية ومفيدة. وقد جعلني نشر كتاب «رسائل إلى رياضي شاب» لإيان ستيوارت قبل بضع سنوات أُغفل بكل أسف كتابًا مشابهًا لطلاب الكيمياء ودفعني إلى وضع تصوُّر للكتاب الحالي. وفي الوقت نفسه تقريبًا، ظهر كتاب ناتالي أنجير بعنوان «المبادئ: جولة في أساسيات العلم الجميلة» وكتاب بيل بريسون بعنوان «موجز تاريخ كل شيءٍ تقريبًا». لقد أحببت هذين الكتابين، لمضمونهما وأسلوبهما الأدبي على حد سواء. وأردت أن أقدم شيئًا للكيمياء يماثل ما قدمته أنجير وبريسون للعلم بوجهٍ عام، لكن للأسف، لم أكن في وضع يسمح لي بذلك. فمع الانشغال التام بالتدريس وفريقٍ بحثي متوسط الحجم، لم يكن لدي الوقت الكافي لتأليف كتاب، ناهيك عن كتاب في العلوم المبسَّطة. وكان أفضل ما فعلته بعد ذلك أنني توجهت إلى أصدقائي وزملائي، وكان من بينهم الكثير على الساحل الغربي للولايات المتحدة (وهو المكان الذي نضجتُ فيه بوصفي كيميائيًّا والذي ما زلت أزوره بانتظام)، وأخبرتهم بفكرتي عن وضع كتاب على غرار كتب الرسائل تلك وسألتهم إن كان في مقدور كلٍّ منهم المساهمة بفصل في هذا الكتاب. وأذهلني الرد الإيجابي عمومًا الذي لاقيته؛ فقد رحَّب كبار الأساتذة المخضرمين وشباب الأساتذة المساعدين على حد سواء، فضلًا عن كل التدرجات الواقعة بينهما، بتخصيص وقتٍ خارج جدول أعمالهم المزدحم للمساهمة في الكتاب. من الواضح أن ثمة دافعًا قويًّا نحو تعليم الجيل القادم من العلماء والتواصل معهم على نحوٍ إيجابي؛ ومن ثَمَّ فإن هذا الكتاب — على عكس الكتب الأخرى — هو نتاج جهد مشترك لعدة مؤلفين. قد نفتقر إلى شيء من الحاسة الأدبية لأنجير وبريسون، بَيْد أننا — بوصفنا علماء ممارسين — نأتي بعلم مباشر مستقًى من المصدر الأصلي، وهو ما يُفترض أنه أمرٌ مميَّز وجذَّاب في حد ذاته. |
|
* Aziz, Barbara Nimri (2007) Swimming up the Tigris: Real Life Encounters with Iraq. Gainesville: University of Florida Press.
* Doukas, Dimitra (2003) Worked Over: The Corporate Sabotage of an American Community. Ithaca, NY: Cornell University Press.
* Khan, Mirza Abu Taleb (2008 [1814]) The Travels of Mirza Abu Taleb Khan. Ontario, Canada: Broadview Press.
* Nader, Laura (1996) Naked Science: Anthropological Inquiry into Boundaries, Power, and Knowledge. New York: Routledge.
* Nader, Laura (1997) The Phantom Factor: Impact of the Cold War on Anthropology. In The Cold War and the University. Noam Chomsky, ed. New York: New Press, pp. 107–146.
* Nader, Laura (2005) Law and the Theory of Lack. Hastings International and Comparative Law Review, 28, no. 2, pp. 191–204.
* Price, David (2008) Anthropological Intelligence: The Deployment and Neglect of American Anthropology in the Second World War. Durham: Duke University Press. |
|
وجلسا على باب المحفة ساعةً، ثم قالت: قُمِ ادخل المحفة، واحكِ لي ما وقع لك، وأنا أحكي لك ما وقع لي. فقال ضوء المكان: احكي لي أنتِ أولًا. فحَكَتْ له جميعَ ما وقع لها منذ فارقَتْه من الخان، وما وقع لها من البدوي والتاجر، وكيف اشتراها منه، وكيف أخذها التاجر إلى أخيها شركان، وباعها له، وأن شركان أعتقها من حين اشتراها وكتب كتابه عليها، ودخل بها، وأن الملك أباها سمع بخبرها، فأرسل إلى شركان يطلبها منه، ثم قالت له: الحمد لله الذي مَنَّ عليَّ بك، ومثل ما خرجنا من عند والدنا سواء نرجع إليه سواء. ثم قالت له: إن أخي شركان زوَّجَني بهذا الحاجب لأجل أن يوصلني إلى والدي، وهذا ما وقع لي من الأول إلى الآخر، فاحكِ لي أنت ما وقع لك بعد ذهابي من عندك. فحكى لها جميع ما وقع له من الأول إلى الآخر، وكيف مَنَّ الله عليه بالوقَّاد، وكيف سافر معه، وأنفق عليه ماله، وأنه كان يخدمه في الليل والنهار. فشكرته على ذلك، ثم قال لها: يا أختي، إن هذا الوقَّاد فعل معي من الإحسان فعلًا لا يفعله أحد في أحد من أحبابه، ولا الوالد مع ولده، حتى كان يجوع ويطعمني، ويمشي ويُركبني، وكانت حياتي على يديه. فقالت نزهة الزمان: إن شاء الله تعالى نكافئه بما نقدر عليه. ثم إن نزهة الزمان صاحت على الخادم فحضر وقبَّل يد ضوء المكان، فقالت له نزهة الزمان: خُذْ بشارتك يا وجه الخير؛ لأنه كان جُمْعُ شملي بأخي على يديك، فالكيس الذي معك وما فيه لك، فاذهب وائتني بسيدك عاجلًا. ففرح الخادم، وتوجه إلى الحاجب، ودخل عليه، ودعاه إلى سيدته، فأتى به ودخل على زوجته نزهة الزمان، فوجد عندها أخاها، فسأل عنه، فحكت له ما وقع لهما من أوله إلى آخره، ثم قالت: اعلم أيها الحاجب أنك ما أخذت جاريةً، وإنما أخذت بنت الملك عمر النعمان، فأنا نزهة الزمان، وهذا أخي ضوء المكان. |
|
وقد حُقَّ لأبي فراس أن يستوي على الدرجة الرفيعة مع الشعراء، ولكن الأدباء المتقدمين لم يلتفتوا إليه كل الالتفات لأسباب منها أن معاصرته لأبي الطيب أخفتت صوته، كما أخفتت أصوات غيره من أصحاب الشعر، إلا أن أبا فراس كان أظهر منهم لمكانته في دولته. ومنها أن المتقدمين كانوا يبنون مقاييس الفحولة على المدح والهجو؛ فمن لم يُشهر بهما لا يُعَدُّ في الفحول. ولم يكن بأبي فراس حاجة إلى هذين الفنين فلم يصطنعهما، فانحدرت منزلته بعض الشيء ولم يعدُّوه في الطبقة الأولى، ولكنهم ختموا به الشعر، وفضَّلوه على ابن المعتز. وبين هذين الشاعرين شبه، فكلاهما ملك قال الشعر متلهيًا لا متكسبًا، ونظمه في الفخر والغزل والإخوانيات، إلَّا أن حياة ابن المعتز كانت راحة ورخاءً، فأكثر من وصف الرياض والحدائق، ومجالس اللهو، وغدوات الصيد، فغلبت الصنعة على شعره. وكانت حياة أبي فراس حربًا وأسرًا، فأجاد الفخر والحماسة وأبدع في رومياته، وغلبت على شعره العاطفة؛ لأنه لم يتكلفه تكلفًا، وإنما جرى به طبعه الصحيح، وهو في أشدِّ حالات التأثر محاربًا كان أو أسيرًا. |
|
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السايس الأحدب لما كلَّمه الوزيرُ ظنَّ أنه العفريت، فلم يردَّ عليه؛ لأنه ظنَّ أنه لا يكلمه إلا العفريت. فصرخ عليه الوزير وقال له: تكلَّمْ وإلا أقطع رأسك بهذا السيف. فعند ذلك قال الأحدب: والله يا شيخ العفاريت من حين جعلتني في هذا الموضع ما رفعتُ رأسي، فبالله عليك أن ترفق بي. فلما سمع الوزير كلام الأحدب قال له: ما تقول؟ فإني أبو العروسة، ما أنا عفريت. فقال: ليس عمري في يدك، ولا تقدر أن تأخذ روحي، فرُحْ إلى حال سبيلك قبل أن يأتيك الذي فعل بي هذه الفعال، فأنتم لا تزوِّجونني إلا بمعشوقة الجواميس ومعشوقة العفاريت، فلعن الله مَن زوَّجَني بها، ولعن مَن كان السبب في ذلك. ثم إن السايس الأحدب صار يحدِّث الوزير والد العروسة ويقول: لعن الله مَن كان السبب في ذلك. فقال له الوزير: قُمْ واخرج من هذا المكان. فقال له: هل أنا مجنون حتى أروح معك بغير إذن العفريت؟ فإنه قال لي: إذا طلعَتِ الشمسُ فاخرج ورُحْ إلى حال سبيلك. فهل طلعت الشمس أو لا؟ فإني لا أقدر أن أطلع من موضعي إلا إنْ طلعت الشمس. فعند ذلك قال له الوزير: مَن أتى بك إلى هذا المكان؟ فقال: إني جئتُ البارحة إلى هنا لأقضي حاجتي وأزيل ضرورتي، وإذا بغبار طلع من وسط الماء وصاح وصار يكبر حتى بقي قدر الجاموسة، وقال لي كلامًا دخل في أذني، فخَلِّنِي ورُحْ لعن الله العروسة ومَن زوَّجني بها. فتقدَّمَ إليه الوزير وأخرجه من المرحاض، فخرج وهو يجري، وما صدق أن الشمس طلعت، وطلع إلى السلطان وأخبره بما اتفق له مع العفريت. |
|
# بلا عنوان …!
لم تزل تهجرني منذ سنينْ
ليتني أنعم يومًا برضاكْ
كنتُ في روضٍ أنيقٍ فإذا
بحبيبين من الطير هناكْ
إنْ هما طارا يكونان معًا
ومعًا لفّهما دوحُ الأراكْ
ليتنا يا هاجري مثلَهما
في تعاطينا الهوى، لكنْ أراك
لم تزل تهجرني منذ سنينْ
ليتني أنعمُ يومًا برضاك
ههنا نرجسةٌ قَبَّلها
عاشقٌ هام بها يُدعى نسيمْ
منحتْه طيبَها يُشفي بهِ
كلَّ ذي قلبٍ من الهجر سقيم
ليتنا يا هاجري مثلُهما
في تساقينا الهوى، لكنْ أراكْ
لم تزل تهجرني منذ سنينْ
ليتني أنعم يومًا برضاك
في ظلام الليلِ لاحت نجمةٌ
وهفا نجمٌ إليها مُطرِقا
يا حبيبَ الروحِ ها إنهما
في عتابٍ وانقضى، فاعتنقا
ليتنا يا هاجري مثلُهما
في تشاكينا الهوى، لكنْ أراك
لم تزل تهجرني منذ سنينْ
ليتني أنعم يومًا برضاك
شملَ الكونَ الرضا حتى غدا
وَهْو طِيبٌ وجمال وصَفا
يا ملولَ القلبِ ما في الكون مِنْ
عاشقَيْنِ اثنين إلَّا ائتلفا
فمتى يا هاجري منكَ الرضى؟
ومتى يصفو الهوى؟ لكنْ أراكْ
لم تزل تهجرني منذ سنينْ
ليتني أنعم يومًا برضاك
١٩٤٠ |
|
#### الحقوق
على الرغم من ذِكر الواجبات، فإنه لم يُذكر أي شيءٍ حتى الآن عن الحقوق. إن شعاراتٍ مثل «حق الاختيار» و«حق الحياة» و«حق الموت» (في سياق القتل الرحيم) هي العملة الرائجة في الجدل المعاصر. ورغم ذلك، لم تَذكر المصادر البوذية الأولى أيَّ كلمةٍ مرادفةٍ لفكرة «الحقوق» على النحو المفهوم في الغرب. وقد ظهر مفهوم الحق في الغرب نتيجةً لمزيجٍ معينٍ من التطوُّرات الاجتماعية والسياسية والفكرية لم تتكرَّر في أي مكانٍ آخر. ومنذ عصر التنوير في القرن الثامن عشر احتلَّ هذا المفهوم الصدارةَ في المشهد القانوني والسياسي، وقدَّم لغةً سهلةً ومرنةً يمكن للأفراد من خلالها التعبيرُ عن مطالبهم الرامية إلى تحقيق العدالة. ويمكن تعريف الحق بأنه قوة يمتلكها الفرد ويستطيع استخدامها. وقد تتمثَّل هذه القوة في فائدةٍ أو استحقاقٍ يسمح لحامل الحق بمطالبة الآخرين أو تحصين نفسه ضد المطالب التي يسعى الآخرون إلى فرضها عليه.
إذا كانت البوذية لا تحتوي على أي مفهومٍ للحقوق، فكيف يمكن للبوذيين استخدام لغة الحقوق عند مناقشة الأمور الأخلاقية؟ قد يقول البوذي إن لغةَ الحقوق ليست مستغرَبةً في البوذية؛ لأن الحقوق والواجبات كلتاهما مرتبطة بالآخر. ويمكن اعتبار الحق مقابلًا للواجب. فإذا كان «أ» لديه واجب تجاه «ب»، فإن «ب» يقف في موقف المستفيد وله «حقٌّ» في أي نوعٍ من أنواع المنفعة الصادرة عن أداء «أ» لواجبه. وعلى الرغم من أن الحقوق ليست مذكورةً صراحةً في المصادر البوذية، فمن الممكن اعتقاد أنها مذكورة بطريقةٍ ضمنيةٍ في فكرة الواجبات الدارمية. فإذا كان من واجب الملك أن يحكم بالعدل، فإذنْ يمكن القول بأن للمواطنين «الحقَّ» في معاملةٍ عادلة. وبقدرٍ أكبر من التعميم، إذا كان من واجب الجميع ألا يُزهقوا الأرواح، فإن كل الكائنات الحية تتمتع بحق الحياة؛ وإذا كان من واجب الجميع الامتناعُ عن السرقة، فللجميع الحق في ألا يُحرَموا ظلمًا من ممتلكاتهم؛ وبذلك يمكن القول إن مفهوم الحقوق مذكور بطريقةٍ ضمنيةٍ في الدارما، وأن الحقوق والواجبات تشبهان فرصتين منفصلتين تؤديان إلى تحقيق المصلحة العامة على صعيد العدالة. |
|
وأما البناية في العراق فهي على طَرْزين: طَرْز سبق الإسلام، وطَرْز عقبه؛ فالطرز السابق الإسلام كان يقرُب من الطَّرز الفارسي الساساني، مع شيءٍ من الطَّرز الرومي، وكان أغلب بُناته العرب النصارى، فكانوا يعنون بتشييد الحصون والقصور والبِيَع والأديرة، ولم يبقَ في ديارنا من تلك الأبنية إلا ما يُسمى اليوم بالأُخَيضر، بقرب شفاثا، أو بجوار النجف، وما الأخيضر على رأي بعضهم إلا تصحيف: الأُكيدر؛ أي قصر الأكيدر، وهو صاحب القصر وبانيه، ويوافق هذا الرأي أن محله يُوافق كل الموافقة ما وصفه ياقوت عن قصر ومنازل في دومة الحيرة، وهي غير دومة الجندل، وكلتاهما للأكيدر. وهذا بعض ما قاله الحموي: «فأما دومة (الجندل)، فعليها سور يُتحصن به، وفي داخل السور حصن منيع يُقال له «مارد»، وهو حصن أُكيدر الملك ابن عبد الملك … السكوني الكندي … وكان نصرانيًّا. ونقض أكيدر الصلح … فأجلاه عمر (رضي الله عنه) من دومة في مَن أجلى من مُخالفي دين الإسلام إلى الحيرة، فنزل في موضعٍ منها قُرب عين التمر، وبنى به منازل، وسمَّاه دومة، وقيل: دوماء، باسم حصنه بوادي القُرى، فهو قائمٌ يُعرف، إلا أنه خراب.» |
|
وَمُسَبِّحٌ لِلَّهِ يَأْبَى رَبُّهُ
هَذَا التَّقَرُّبَ مِنْهُ فِي تَسْبِيحِهِ
فِي كُلِّ لَفْظٍ يُسْتَعَادُ شَوَاهِدٌ
عَنْ إِثْمِهِ وَالصَّوْتُ صَوْتُ جَرِيحِهِ
كَمْ مِنْ فَقِيهٍ فِي ثِيَابِ مُنَزَّهٍ
وَيُطِلُّ مِنْ عَيْنَيْهِ رُوحُ أَثِيمِ
تَجْرِي أَنَامِلُهُ عَلَى خَرَزَاتِهِ
جَرْيَ اللِّئَامِ عَلَى حِسَابِ كَرِيمِ
وَتَلُوحُ سُبْحَتُهُ كَثُعْبَانٍ بِلَا
رُوحٍ سِوَى رُوحِ الْفَقِيهِ الْعَاتِي
مَنْ ذَا رَأَى الثُّعْبَانَ سُبْحَةَ عَابِدٍ
وَرَأَى الصَّلَاةَ مُصَابَ كُلِّ صَلَاةِ |
|
ولكن العالم لا يبدو على السطح كما لو كان ساعة، فالأجزاء الداخلة في تكوين هذه الآلة — ونعني بها الجزيئات أو الذَّرَّات التي كانت محلَّ اهتمام علم جاليليو — لا يمكن ملاحظتها مباشرة لأن حجمها صغير جدًّا لدرجة يستحيل معها رؤيتها. وقد كان علم جاليليو يتعامل مع المادة بطريقة مجرَّدة ورياضية بدت بعيدة كل البعد عن الفطرة والسليقة؛ وبذلك فقد اختار علم جاليليو أن يتجاهَل بعض ما تراه عيوننا أو تسمعه آذاننا عن الأشياء الموجودة في حياتنا اليومية، وهو ما يحاكي الشكوكية إلى حَدٍّ كبير. كان الشكوكيون اليونانيون يصرون على أن الإدراك الحسي في الإنسان أمر ذاتي لا يُعَوَّلُ عليه، وهو ما صَدَّقَ العلم الذَّرِّي الحديث على صحته، فما تدركه حواسُّنا ليس الحقيقة الكاملة عن العالم؛ وبذلك فإن النظرية الذَّرية لدى جاليليو استبدلت بفكرة الفارق الكبير بين السماء والأرض التي كانت تُمَيِّزُ العلم الأرسطي فارقًا آخر بينهما يختلف تمام الاختلاف عن سابقه حيث يفصل بين العالم اليومي ذي الألوان والمذاقات والروائح وبين العالم الهندسي الذي يتكون من جزيئات لا يمكن رؤيتها والذي يجب على الباحثين الجادِّين في الطبيعة الاهتمام به. |
|
إن العلاقات بين روح الإنسان والروح المقدس مباشرة، وحرام علينا أن نقيم بينهما الوسائط. إن الله عندما يتكلم لا يتصل بشيء واحد، إنما يتصل بجميع الأشياء. إنه يملأ الدنيا بصوته، وينشر النور في الطبيعة والزمان والأرواح من مركز الفكرة الراهنة، ويعيد تاريخ كل شيء ويعيد خلق كل شيء. وعندما يكون العقل ساذجًا، ويتقبل الحكمة الإلهية، تزول الأشياء القديمة، فتسقط الوسائل والمعلمون والنصوص والمعابد؛ فهو يعيش الآن ويتشبع بالماضي والمستقبل في الساعة الراهنة، ويصبح كل شيء مقدسًا باتصاله به، لا فرق بين شيء وشيء. كل الأشياء تعود إلى مركزها بعلتها، كما تختفي المعجزات الصغيرة الخاصة في زحمة المعجزة المطلقة. ولذا فإذا زعم إنسان أنه يعرف الله ويتكلم عنه، ويعود بك إلى مصطلحات أمة قديمة بالية في بلد آخر، أو في عالم آخر، فلا تصدقه. هل بذرة البلوط خير من شجرة البلوط، والشجرة هي كمال البذرة وتمامها؟ وهل الوالد خير من الطفل الذي أودعه كيانه الناضج. من أين إذن جاءت هذه العبادة للماضي؟ إن القرون تتآمر ضد صحة الروح وسلطانها. وليس المكان والزمان سوى ألوان فيزيقية تخلقها العين، ولكن الروح ضياء، حيث تكون يكون النهار، وحيث كانت يكون الليل. وليس التاريخ إلا سفاهة وأذًى إذا زاد على أن يكون قصة وجودي ومصيري أو مغزاهما. |
|
هو العميد أبو إسماعيل الحسين بن علي الملقَّب مُؤَيِّد الدين المشهور بالطُّغْرائي، كان غزير الفضل، لطيف الطبع، فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر. وقال أبو المعالي في كتابه «زينة الدهر»:
إن الطغرائي كان يُنْعَت بالأستاذ، وكان وزير السلطان مسعود بن محمد السَّلْجُوقي بالموصل، ولمَّا جرى بينه وبين أخيه السلطان محمد المَصَافُّ بالقرب من همذان وكانت النصرة لمحمود، وُشِي به فقُتل، وكانت هذه الواقعة سنة ٥١٣، وقيل: سنة أربع عشرة، وقد جاوز ستين سنة. والطغرائي نسبة لمن يكتب الطُّغْرَى وهي الطُّرَّة التي تُكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ، وهي لفظة أعجمية. وللطغرائي المذكور ديوان شعر جيد، ومن محاسن شعره قصيدته المعروفة بلامية العجم التي أولها:
أَصَالَةُ الرَّأْي صَانَتْنِي عَنِ الخَطَلِ
… … … … إلخ |
|
أَجَلْ، بَقِيَت مملكة القدس اللاتينيةُ التي أُقيمت بين ما لا حَدَّ له من الدسائس والمنافسات ثلاثةَ قرون مبدئيًّا، ولكنها دامت قرنًا واحدًا فعلًا، ويَرْفِض غُودْفرْوَا البُويُونيُّ، الذي هو أول فارسٍ اختِير ملكًا، هذا اللقبَ بإباء مُفَضِّلًا إقامةَ دولة دينية، ويُعْلِن أنه تابع للبطرك الجديد و«قَيِّمٌ على القبر المقدس»، وعلى العكس يُسَمِّي أخوه، الذي خَلَفه بعد عهدِ سنةٍ، نفسَه بُودْوَانَ الأول، ولا يكون إذَنْ غيرُ إمارةٍ صغيرة زائدة بدلًا من دولةٍ دينية واحدة، ولم يُسْفِر هذا الإنشاء الذي ظُنَّ أنه يكون نَمُوذجًا للملوك والقساوسة عن غير إثارةِ ما لا نهايةَ له من صِراعٍ بين ملوك القدس وقساوستها، وبين النورمان والفرنسيين، وبين اللُّوران والطليان، من صراعٍ عن حبٍّ للسلطان ومن غيرِ أيِّ نفعٍ للأعقاب ومن غير أيِّ تأثير في نفوس العالَم الحديث وأفئدته. |
|
كان سمير قد فرد لفة ورقية كبيرة على حجره، وخطر لمحمود أنه يشبه كاتبًا مصريًّا قديمًا يضع لفافة بردي مملوءة بالأوامر والنواهي الملكية ولا ينقصه إلا أن يجلس القرفصاء، وبدأ يشعر بالحصار المضروب حوله، فنظر في غير حماس إلى الرسم الهندسي الذي امتلأ بالخطوط والمربعات والمستطيلات والنقط الملونة بالأزرق والأحمر والمقاييس المحسوبة في أسفله وتحتها توقيع الشيخ حامد بخطه العصبي المتشابك، وبجانبه توقيعات أخرى وأختام زرقاء اللون وسوداء. وبينما كانت أنيسة توزع أكواب الشاي وتعزم بالبسكويت وتعتذر عن أنه ليس على قدِّ المقام، كان صوت سمير يتدفق كسيل مندفع لا يتوقف لحظة لالتقاط الأنفاس: هنا يا عمي سيكون المبنى الرئيسي، ثلاثة طوابق في البداية يمكن أن ترتفع فوق الأساسات المحسوبة إلى عشر طوابق، طبعًا سيكون فندقًا ثلاثة نجوم، وربما تجعله الشركة الهولندية مع الزمن خمسة نجوم، الدنيا كلها تقول إن المنطقة أمامها مستقبل عظيم، نعم، نعم، باب السعد انفتح على العائلة كلها، بعد اكتشاف الآثار العظيمة بالقرب من المنطقة كما تعلم بالطبع، وبعد انطلاق العمل في الميناء الجديد، بالإضافة إلى اكتشاف المخزون الهائل للغاز الطبيعي على بُعد عشرين كيلومترًا من هنا وإقامة أكثر من قرية للعمال والمهندسين، انهالت عروض الشركات المحلية والعالمية على المجلس البلدي. عمر أفندي وبيع المصنوعات يبنيان بالفعل على الضفة الأخرى للترعة التي يجري العمل فيها الآن على قدم وساق كما يقال، وتعدُّ الترتيبات لإقامة كوبري جديد يصل شطري البلد. شركة النصر للسياحة اتصلت بنا بالفعل لجس النبض، يريدون إنشاء «رست هاوس» على أحدث طراز ومحطة بنزين وكافتيريا — المنطقة كما قلت لحضرتك مستقبلها عظيم — قالت أنيسة وهي تلفت نظر محمود إلى الشاي الذي بدأ يبرد: طبعًا طبعًا، لماذا لا تشرب الشاي؟ |
|
وكذلك يُشاهَد صاحب المقبرة في وليمة ومعه أفراد من أسرته، من بينهم حفيد يُسمَّى «سبك حتب»، وقد كان هذا الطراز من المناظر شيئًا شائعًا لتمثيل أفراد الأسرة بأسمائهم ورسومهم بطريقة منطقية مفهومة فنية، خلافًا لما كان متَّبَعًا في الدولة الوسطى، فقد كان يذكر على لوحة المتوفى الجنازية كل أسماء أفراد أسرته لمدة أجيال مضت بطريقة مرتبكة يصعب فهمها، ومثال ذلك أسرة «تحوتي حتب» حاكم مقاطعة البرشة (راجع: Newberry, “El Bersheh”, Vol. I pls. XXIII–XXX). وفي مناظر هذه المقبرة نشاهد الراقصين «مورو» والمسلتين والأشجار والحدائق، ويُرَى هنا الإله «أنوبيس» واقفًا داخل المحراب في حين أن «أوزير خنتي أمنتي» يقف خارجه وراء «أنوبيس» (راجع: L. D. III. Pl. lle.). وهناك منظر آخَر غريب في بابه نجد فيه كاهنين؛ أولهما هو الكاهن المحنط «وتي»، ورئيس الخزانة المقدسة، وكلاهما يصبُّ ماء الطهور على رأس المتوفى الجالس على إناء كبير (راجع تفسير هذا المنظر في كتاب حفائر الجيزة “Excavatfons at Giza”, Vol. IV. p. 69. ff.). وقد كان الملك في مثل هذا المنظر بدلًا من الكاهنين الإلهيين «حور» و«ست»، ثم فيما بعدُ «حور» و«تحوت» (راجع: Jequier, “Les Monuments Funeraires de Pepi I.”, Vol. III. p. 39. fig. 27.)، وهذه المناظر الجنازية قد أصبحت من خواص قبور الأسرة الثامنة عشرة كما سنشاهد فيما بعدُ (راجع: Taylor, “The Tomb of Renni”, Pl. II–VII.). |
|
Boyle, Shamans, Software, and Spleens. For other compelling accounts of the general movement to propertize information, see Debora J. Halbert, Intellectual Property in the Information Age: The Politics of Expanding Ownership Rights (Westport, Conn.: Quorum, 1999). Seth Shulman’s Owning the Future (Boston: Houghton Mifflin, 1999) gives the story its appropriate drama. Internet Publishing and Beyond: The Economics of Digital Information and Intellectual Property (Brian Kahin and Hal R. Varian, eds., Cambridge, Mass.: MIT Press, 2000) (Internet publishing and intellectual property). A Handbook of Intellectual Property Management: Protecting, Developing and Exploiting Your IP Assets (Adam Jolly and Jeremy Philpott eds. [London: Kogan Page, 2004]) (intellectual property and intangible property). |